المجموعة الاولى من مقالات نارام سرجون
ماذا سيسمع أردوغان في ضيافة الوليد بن عبد الملك؟
الرسائل الأموية: ان هذا.. يريد هذا.. وإلا.. فهذا !!
لمعان السيوف وقبلة على القلوب من بريق الفيتو
رنا قباني آل ثاني.. صباحك سكر.. بشعاع الليزر
من ألف ليلة وليلة.. الشعب يريد مونيكا لوينسكي
حتى أنت يا بوتين؟!! هل يفعلها أردوغان في الكوميديا الالهية؟
صرخة أرخميدس وضحكة ممدوح عدوان.. ورسالة الى الجزيرة
تلاطم المحاور الضخمة ...نبوءة دانتون "الأخضر"
من نسف شوارع دمشق؟ ليلى أم الذئب أم فلاسفة الظلام المضيء؟
موت الأسئلة وعصر الفلسفة الثورية تعلنه سيدة من دمشق
آلام عزمي بشارة في حديث شقاء الثورة
أسئلة عنقودية عن نهاية الثورة السورية
قراءة في دفتر الثورة السورية عن صاحب البغلة الشهباء
توضيح بشأن مقالة حماس وسوريا وخالد مشعل
أخيراً يا خالد مشعل!! .. هل تأخرت كثيراً مواسم الزيتون؟
رسالة سورية مترجمة الى رونالد ريغان.. حديث الثورة والمؤامرة وصوت فيروز
السيف الصمصام أم ديك الجن الحمصي؟
مكاشفات ثورية.. عندما يبيع الاسلاميون القرآن بالمفرق.. هل هي نهاية الاسلام؟
التنين في انتظار غودو السوري.. فلتنظر خلفك بغضب
مراجعات الاسلاميين الكبرى.. أعطونا السلطة وخذوا الاستقلال
ماذا سيسمع أردوغان في ضيافة الوليد بن عبد الملك؟
لاأدري ان كنت قد بلغت من العمر عتيا .. وزاغ بصري واعتلت ذاكرتي .. وارتجفت يداي ..وتهدج صوتي .. لكن أرجو ممن يقرأ لي هذه الكلمات أن يعيد لي ذاكرتي المضطربة ان كان قد أصابها عوج وقلاقل عقلية ووصلتها رياح الربيع العربي "العليلة" .. ووصل شعار (العمر يريد اسقاط الدماغ) الى جدران عقلي المتعب .. وارتفعت التكبيرات من أنفاق حفرها المجاهدون تحت كل مابنيته من شعر وقصائد حب .. وتحت سجادة الصلاة ..
أرجو منكم أن تتفهموا قلقي على ذاكرتي التي قد تعلن انشقاقها عني .. فهو زمن انشقاق كل شيء على الهواء وزمن بيع الذاكرة كقطع العقار والطابو .. وأتمنى منكم أن تعذروا تعرّقي من الحمى وسخونة جبهتي وتقلب معدتي .. فهو زمن الكوليرا وجنون البقر والبشر .. وهو زمن توجّع جسد الكرامة وصرخات اغتصابها عدة مرات على فراش النسيان العربي ..لتنجب لنا .. زمن السيد رجب طيب أردوغان..
أقول هذا لأنني حسب ما أذكر فأن الله قد "أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله" .. ولم يكن هناك أي ذكر للجامع الاموي في رحلة الاسراء والمعراج ولاذكر لقبر صلاح الدين ..
فبالله عليكم خبروني ياجماعة ان كان البراق النبوي قد أعلن انشقاقه أيضا وهرب الى قطر؟؟ واصدقوني القول .. ان كان المسجد الاقصى قد أعلن انشقاقه عن المسجد الحرام؟؟ وأن قبر صلاح الدين قد هرّبته المخابرات الفرنسية الى قبرص ليعلن انضمامه لمجلس استانبول ..وأن وثائق فرنسا السرية قررت الآن وفي هذا الوقت بالذات أن يصحو ضميرها.. وقد تكشف لنا يوما أن سلطان باشا الأطرش قد أعفي من الاعدام لأنه أبرم صفقة سرية مع الفرنسيين باع فيها ماباع..وأن فارس الخوري قد دخل الجامع الأموي ليشق صفوف المجاهدين..
أرجوكم اغفروا لي هذياني لأنني محموم .. فعلام يريد اردوغان تحويل جهة الاسراء والمعراج من المسجد الاقصى الى المسجد الأموي في دمشق ..؟ كان كل القادة المسلمين يضحكون علينا بأن يطلبوا أن تكون صلاتنا القادمة في المسجد الاقصى؟ وماتوا واحدا بعد الآخر ولم يأخذنا أحدهم للصلاة فيه؟ فما الذي جرى حتى تغيرت وجهة الرحلة وطقوس الصلاة؟
هل تغير الاسراء والمعراج ليصبح رحلة "الارساء والانعراج" التي حمل فيها البراق الثوري السيد محمد مرسي الى المسجد الاموي أيضا.. حيث تبدل الاسراء وتلعثم وتراكبت حروفه وصار اسمه "الارساء" الذي أرساه خطاب محمد مرسي حيث انعرج الاسراء عن المسجد الأقصى وأرسى الجهاد في سورية؟؟؟..
فقد بلغني ان السيد رجب طيب أردوغان زف لنا نبأ أنه سيصلي منتصرا في المسجد الاموي قريبا وسيقرأ الفاتحة على قبر صلاح الدين في دمشق .. فلا حول ولاقوة الا بالله .. كل المؤمنين صاروا يريدون أن ييمموا وجوههم شطر المسجد الاموي لا الأقصى .. وكل المؤمنين يتدافعون بالمناكب لقراءة الفاتحة على قبر صلاح الدين ..الذي أقسم أنني سمعته يستيقظ من رقاده وينفض الغبار عن عينيه من ضجيج الزوار التواقين لزيارته وقراء الفاتحة ..ويطلب منهم عدم الازعاج والذهاب الى القدس بدل الثرثرة..
ربما لم أفهم القرآن مثل اسلاميي هذا الزمان .. فالله أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا "حوله" .. كأن الله كما يبدو قد بارك "حول" الاقصى ولم يبارك الأقصى .. وربما استعمل الرئيس مرسي خبرته في مؤسسة ناسا الفضائية وحدد بالضبط عبر الأقمار الصناعية طريق مرورالخطوط الجيوديزية "المباركة" لما هو (حول) المسجد الأقصى ووجد أنها تقع في قلب الجامع الأموي في دمشق وتمر بقبر صلاح الدين .. ومن بين أضلاع صدره .. فهرول خلفها صديقه المؤمن الصادق أردوغان..
يستحق المسجد الأقصى الرثاء فهو مسكين ينام على الأنفاق وقد لايطلع الصبح عليه وقبضايات العرب والشرق منشغلون بالجامع الأموي وأهل الجامع الأموي .. المسجد الأقصى سيسمى قريبا "جبل الهيكل" بشكل رسمي على كل الخرائط كما سيسلم بذلك الرئيس المصري محمد مرسي شاء أم أبى والذي أرسى "كامب ديفيد" هرما رابعا الى جانب خوفو .. وأرسى التنازل عن المسجد الأقصى لأنه بدا واضحا أنه يريد ماحوله فقط .. أرض الجامع الأموي..
فلاأحد يريد الصلاة في الأقصى الا الشيخ صلاح الدين أبو عرفة الذي تركوه وحيدا وصار مع نفر من أصحابه مثل أهل الكهف منسيين في كهفهم (الأقصى) .. حتى حماس لم تعد تريد المسجد الأقصى وربما تفكر في استثمار الأنفاق تحته لصالحها وصالح تجارة الأنفاق التي صنعت مليونيراتها ..
والقرضاوي الذي توسل الينا أن نضع دم القذافي في رقبته .. سيطلب منا أن نعتبر أن دم الأقصى في رقبته أيضا .. كيف لا ورقبته مليئة بالدماء وهي حمّالة للدماء والحطب .. منذ أن وشى بأصدقائه الى مخابرات عبد الناصر وفرّ الى الخليج .. رقبته حملت دماءهم وبدأت رحلة حمل الدماء على الرقبة منذ ذلك الوقت ..سيصل القرضاوي يوم القيامة الى الله ورقبته طويلة كرقبة البعير ليس لأنه يتردد في قول الكلام كبعض جليلي الصحابة وآل البيت .. بل من كثرة الدماء في رقبته ..وربما يصل طول رقبته المليئة بدم الناس الى طول عنق ديناصور (اركيتو اليسوني) ذي العنق الطويل جدا..
على كل حال يكفي الجامع الاموي أنه الجامع الذي ترنو اليه المساجد الحزينة والمحتلة وتعوذ به المدن الجريحة والعواصم المهزومة .. وأنه المسجد الذي بقي حرا حتى الآن بعد استسلام الأزهر الشريف ورفعه الرايات البيضاء وانشغاله بالرضاعة والشفاعة وجناح الذبابة وكتابة التعاويذ والحجب للرئيس .. وبعد غرق المسجد الحرام في بحيرة النفط السوداء واستقراره في كرش عبد العزيز آل سعود..
أصدقكم القول انني كلما قررت أن أحيل السيد أردوغان على التقاعد من مقالاتي وأن أعفيه من الحضور المتكرر – لأنه صار مملا مثل موديلات مسلسل باب الحارة والبيئة الشامية وقبضاياتها – يطل برأسه مبتسما لأجد نفسي مضطرا لرحلة "الاسراء والمعراج" الكتابي نحوه .. فالرجل يصر على أن يكون له حصة في كل مقالة ..وأن تلسعه سخريتي واستهزائي بشنباته حتى آخر يوم له في حكم تركيا ..
وما أريد أن أقول لهذا الرجل .. انني لست أمويا .. لكنني حفيد ذلك الأموي الوليد بن عبد الملك الذي بنى الجامع الاموي .. ومن أراد دخول بيت جدي عنوة سيسمع صوته يصرخ في دمي .. وسأقتل هذا المتطفل ..وأعلقه .. على باب بيت جدي ..
وما أريد أن أقول لهذا الرجل انني لست من سلالة صلاح الدين .. لكن أحد جدودي كان من بقايا جيشه الذي عاد من حطين عندما كان جدود أردوغان تائهين في الأناضول .. ولايزال دم جدي يسري في عروقي .. ولايزال سيفه معلقا في صدر البيت ولمعان شفرته لازال كالبرق في لفتات عيوني .. ومن أراد قراءة الفاتحة عنوة على قبر صلاح الدين فأعده أنني سأقرأ الفاتحة عليه عند قبر صلاح الدين .. قبل أن ينهي قراءة الفاتحة..انني لاأدري ان كان من قبيل المصادفة تماثل لحن كلمة "أردوغان" مع كلمة "الشيطان" لكن هناك تشابها أيضا في المصير وسيرة الحياة والأخلاق والأقدار .. وماأدركه هو أن الشيطان قد أخرج من الجنة .. ولن يعود اليها .. والشام جنة .. ومن أخرج منها فلن يعود اليها لابقراءة الفاتحة ولابقراءة القرآن كله .. ولو جاء يرتدي أستار الكعبة عباءة ..
أردوغان ياعزيزي وياأيها الشيطان الصغير ذو الذيل الطويل.. لقد خرجت من الجنة .. ولن تعود اليها ..وستموت في هذه الحسرة ..
تذكر جيدا ياعزيزي .. لقد سقط الجنوب من خرائطك .. فليس في الجنوب غير البحر .. ولانهاية لهذا البحر .. ومهما سافرت في أمواجه فلا يابسة أمامك ولاأمل ولامنارات ولاطيورا تحوم حول أشرعتك لتعطيك الأمل بالموانئ .. فأبحر الى ماشاء الله نحو الجنوب .. ووداعا ياموانئ الجنوب ..
الموت الصاخب في عينيك هو مانراه الآن يا رجب .. والموت الهادئ في الشمال البارد هو مانتمناه لك يارجب .. حيث رياح الشمال الباردة .. ربما قادمة من الجنوب ..
الجمعة 07-09-2012
الرسائل الأموية: ان هذا.. يريد هذا.. وإلا.. فهذا !!
أكثر مايحير الدارسين في التاريخ هي تلك الانعطافات اللامفهومة في أحداثه رغم عدم توفر مقدمات حدوثها ..البعض يرى أن سبب ذلك يعود الى أن من يغير التاريخ هم اما الشجعان الجسورون أوالحمقى المتهورون .. فكلاهما لايتنبأ التاريخ بما يفعلون ..ومايحدث الآن هو صراع بين الجسارة والحماقة .. حماقة يمثلها شيخ اسمه حمد وحالم اسمه أردوغان وصبيان لبنانيون وشيوخ نفط .. وجسارة يمثلها ملايين من الشبان السوريين الوطنيين قرروا ألا يسمحوا للحمقى أن يمسكوا بلجام التاريخ الى مالانهاية ..
والبعض يقول بل ان التاريخ يلوي المسارات بشكل مفاجئ كمن يلعب معنا الورق بمهارة ويفاجئنا بورقة يخفيها حتى نهاية كل لعبة..وقد تكون هذه الورقة شخصا أو بلدا أو حادثة بعينها .. سلوك التاريخ معنا يثبت أننا معشر البشر مقامرون ولسنا لاعبين وأننا لن نفهم حركة التاريخ ومزاجه ..لذلك يفاجأ الناس دائما بالورقة الأخيرة لكل حدث تاريخي كبير كانت فوق كل التوقعات رغم أن البشر اعتقدوا أنهم ملكوا كل الاوراق الرابحة ..
أكبر دليل على هذه اللعبة التي يحبها التاريخ هو طريقة انهيار الامبراطوريات الحاد عبر التاريخ وتعثر المشاريع الكبرى في بعض مفاصل الزمن ..انه ارتطام مفاجئ مدو من غير حساب أو توقع بحاجز القدر ..ومثال ذلك هو تعثر التمدد العربي الاسلامي نهائيا بعد آخر معركة للفتح في "بواتييه" بعد جبال البيرينيه في معركة بلاط الشهداء مع شارل مارتيل الفرنسي حيث لم تقم للفتح بعدها قائمة .. ومن بين الأمثلة سقوط التمدد العثماني في أوروبا نهائيا بعد معركة فيينا .. وكذلك انهيار التمدد المغولي بعد معركة عين جالوت بقيادة الظاهر بيبرس ..معركة واحدة ..وهزيمة واحدة ..وانعطافة نهائية ..
بالطبع سيهتاج خصومنا اذا قلنا ان ما يسمى الربيع العربي (الذي ليس فيه طيور سنونو بل طيور الناتو) كحدث تاريخي قد تعرض بالضبط لتلك الانعطافة والانحناءة القسرية عند النقطة السورية وان التاريخ ان لم يكن قد سها عن هذا الربيع العربي فانه لاشك قرر في لحظة ما أن يلقي بورقة النهاية .. وبالطبع سيحاول خصومنا الابتسام بسخرية .. لكن هذا لايهم طالما أننا نعرف أنها ابتسامة الأبله الذي لايعرف ماذا ينتظره .. فلقد تحول الحدث التاريخي الى غير رجعة عندما شردت اللحظة التاريخية للربيع العربي ولن تعود تلك اللحظة مهما فرشت لها المطارف والحشايا .. والقدر سيرمي ورقته الرابحة أمام اللاعبين الذين سيصابون بالذهول ..قريبا ..
في قراءة هذا الذي يسمى الربيع العربي لابد من مواجهة معحبيه والمتيمين به بالحقيقة وهي أن هذا الحدث المصيري التاريخي الذي رسمه المجانين بالتاريخ من الصهاينة ونفذه الحمقى بامتياز انطلاقا من قطر وتركيا (حيث الأولى أكبر احتياطي للغاز والخيانات .. والثانية أكبر احتياطي للصلف الفارغ والمرارة التاريخية) ..هذا المشروع تعثر بورقة ألقاها التاريخ في نهاية اللعبة ..وهذه الورقة اسمها سورية ..أما لماذا فاليكم التفاصيل..
لم يعد المراقبون يختلفون من كل المشارب أن اللحظة التاريخية السورية أعيتهم وأتعبتهم وأصابتهم بالملل ..وبدأت الآن اعترافات أن التاريخ انحرف في لعبة الربيع العربي عن مساره .. وسيسلك دربا وعرة .. فليس الا من قبيل الوهم القبول الآن وبعد هذه الأشهر الطويلة أن الأحداث السورية ستنتهي في صالح الحمقى والمجانين .. مع أن حمقى وأشرارا آخرين يدفع بهم المجانين في هذه العجالة لانقاذ "تكويعة" التاريخ فيغادر جعجع الى أربيل ويتلوى أوغلو بين خطوط الجغرافيا والديبلوماسية .. ويزيد الشيطان برنار هنري ليفي من ظهوره العلني في عواصم المنطقة ..
في ملاحظة ذكية لتقرير تحليلي ألماني مطول نشر عن أحداث العالم عام 2011 يقول أحد كتاب التقرير بأن اللاعب السياسي السوري يمارس بهدوء أعصاب اللحظات الصعبة في كرة القدم عندما يدرك مدرب فريق ما أن فريق خصمه ارتفعت معنوياته وبدأ يظهر فنونه الكروية في هذا الجو وتحول الى تسجيل أهداف التعادل بعد الخسارة ..ودفعت النشوة بالانتصار والأهداف المتلاحقة وارتفاع مستوى الأدرينالين فريق الخصم الى الضغط والهجمات المتلاحقة التي قد تثمر عن هدف الفوز...فيلجأ المدرب الذكي على الجانب الآخر الى امتصاص هذه الفورة والاندفاعة بتمييعها عبر الطلب من لاعبيه بالقاء أنفسهم أرضا وتبريد اللعب وتقطيع أوصال الوقت بالارتماء على الأرض والمبالغة في التألم ..وفي لحظة ما يقوم بطلب التبديل ..وكل ذلك لاطفاء فوران الخصم والتهابه واستعادة زمام المبادرة ..والانقضاض عليه..
حمقى الربيع العربي في قطر وتركيا والمخططون الغربيون لاشك أصابتهم النشوة وازادت ثقتهم بالنصر بعد توالي النجاحات السهلة في شمال افريقيا .. فمن تنصيب أمير قطر زعيما ومشرفا على الثورات العربية واطلاق يد الاسلاميين الجدد في تونس الى نجاح منقطع النظير في مصر الى انجاز دموي فظيع في ليبيا .. ولم يبق الا هدف الفوز ..وأغلى الأهداف وأثمنها ..وهدف كأس البطولة ..أي الهدف في المرمى السوري ..لكن تبريد الأحداث هو مايخشاه الغرب .. وهذا ماصار يسبب أرق حمد بن جاسم الذي يريد تصعيد الموقف ودفعه نحو مجلس الأمن في وقت يطلب المدرب السوري اجراء تبديل للاعبيه ..!!!
يلاحظ التحليل الألماني أن السوري بارع في هذه الحيلة السياسية .. حيلة مدرب كرة القدم ..وقد لعبها منذ عام 2003 بعد غزو العراق أكثر من مرة ومايلفت النظر – حسب آ. هاكن شفايكرت أحد كتّاب التقرير - أن عملية تبريد اللعبة احتاجت دوما من السوري الى عام على الأقل قبل ان يقلب اتجاه اللعبة بهجمة مرتدة .. فتبريد الجو والركون الى لعبة التفاوض بعد غزو العراق مكنته من تثبيت وأطلاق المقاومة العراقية خلال عام واحد والتي لجمت الأمريكيين بعد عامين من الغزو ورسمت لمشروع تحرير العراق الذي رأيناه ناجزا منذ أيام .. وعندما اغتيل الحريري عام 2005 احتاج السوريون الى تبريد اللعب بالانسحاب من لبنان (في جو ارتفاع معنويات فريق 14 آذار) لكسب الوقت في التحضير الصامت الكثيف للمواجهة الكبرى المتوقعة بعد عام في سنة 2006 التي انتهت بهزيمة مدوية لاسرائيل وحلفائها اللبنانيين .. ثم عاد الهجوم عام 2008-2009 عبر محاولة تحطيم حليف السوريين في غزة للتخلص من مخلب سوري في ظهر اسرائيل لكن السوري قلب اللعبة في غزة وجعلها معركة ستالينغراد رغم حصار خانق على غزة عبر لعبة الأنفاق .. الى أن وصل عام 2011 والهجوم الاسرائيلي بأداة جديدة هي الربيع العربي .. فاحتاج السوريون كل عام 2011 لتبريد اللعبة وسيكون عام 2012 عام انقلاب اللعبة كما يجزم شفايكورت ..عام كامل كما في كل مرة قبل انطلاق الهجوم المعاكس ضد القوى الخارجية التي تورطت في اللعبة ..
وفي لعبة الأرقام والزمن يلاحظ شفايكرت ملاحظة طريفة لكنها تعني له كمحلل كثيرا وهي أنه منذ تسلم الرئيس بشار الأسد السلطة عام 2000 هناك احتكاك ومناوشة بينه وبين الغرب كل 2-3 سنوات وبشكل صار شبه منتظم ودوري وتنتهي المناوشة لصالح السوريين ..أي في 2003 - 2004 (العراق وتهديد كولن باول) ثم في عام 2005-2006 (اغتيال الحريري وحرب لبنان) ..وفي 2008-2009 (حرب غزة وحصارها)..ثم في 2011-2012 (حروب الربيع العربي) ..
ولذلك _حسب التقرير - فليس هناك شك أن عملية تبريد الهجوم عبرالازمة السورية الداخلية قد وصلت ذروتها وأن عام 2012 هو عام الهجوم السوري "وحلفائه" المعاكس ..ومن هنا اشتد الحديث الغربي عن طلب قوات عربية وتجدد التهديد بسيناريو التدخل الخارجي ..وخاصة بعد أن تعهد الأسد شخصيا وصراحة في آخر خطاب له أن النصر "قريب جدا" وهذا تصريح وتعهد لايطلقه رئيس دولة (عرف عنه شح التصريحات) الا بعد اليقين منه ولذلك يتم التركيز من قبل الخصوم على معرفة المدى الزمني لكلمة "جدا" الواردة في العبارة ..فهي لاتتعدى أسابيع في العرف السياسي على أبعد تقدير كما يعتقد على نطاق واسع.. وكان هذا كفيلا باطلاق كل التكهنات والتهويلات بقرب اعلان الحرب على سوريا بل وبقرب نهاية عهد الأسد ..واستعار الحرب الاعلامية ..
والملاحظ أنه في الأشهر الماضية الضرورية جدا للسوريين تمكنوا من شراء مايلزم من الوقت اللازم لأية مواجهة ففيما لم يتمكن القذافي من تدارك الهجوم لمواجهة سيناريوهات اسقاطه التي تدحرجت دون أن تعطيه فرصة التقاط الأنفاس قام السوريون بالحصول على كل الوقت عبر دعم حلفائهم الروس لهم في مجلس الأمن واستعراض الايرانيين لعضلاتهم في وجه تركيا التي انكفأت تنتظر الدرع الصاروخي الأمريكي قبل أن ترفع صوتها مجددا .. ثم قام السوريون باجراء مناورات عسكرية مهمة جدا بكل صنوف الاسلحة لتدريب قواتهم وتجريب تكتيكات عسكرية لعدة سيناريوهات صارت واضحة المعالم لمواجهة في الشمال أومواجهة في الجنوب .. ولعل الأهم هنا كان التزود بمنظومات أسلحة في منتهى الحساسية وسيكون لها دور حاسم في اية مواجهة مع الغرب أو تركيا ..أو اسرائيل.. ووضع كل خطوط التنسيق جاهزة مع الحلفاء ..
الاستفزازات الداخلية المتكررة عبر عمليات نوعية ضد السكان المدنيين والنخب العسكرية السورية التي ارتكبتها المعارضة كان يقصد منها نسف المبرّد السوري واطلاق حرب دينية داخلية عبر اطلاق مجموعات وفرق موت وتعذيب مدربة ..وذلك لاشغال النظام باطفاء حرائقه وليس في التحضير لخطوته التالية .. لكن فرق الموت المدربة الشرسة للمعارضة ستلاحقها فرق موت سورية حكومية تقصم ظهرها .. قريبا كما يعتقد التقرير ..ولم يعد من المقبول السماح مطولا بفرق الموت المتنقلة على طرقات السوريين لأن ذلك يزعزع الثقة بقوة الدولة ويزيد من تمادي المسلحين واستدراج الموالين للدولة الى مواجهات نيابة عن الدولة ..ولذلك تغدق القيادة السورية من قرارات العفو لكي لايبقى للمتورطين عذر اذا ماانطلقت عملية التطهير من فرق الموت..
ولعل أهم كسب كان في التبريد السوري هو في تحطيم أهم سلاح سري للحملة الغربية وهو .. محطة الجزيرة ومكانة أمير قطر اللذين تنكرا بالأقنعة وكان يمكن أن يلعبا دورا أكثر تأثيرا لو لم يتم اقناع الرأي العام السوري والعربي بسرعة بعملية الاحتيال الاعلامي الكبرى ..الجزيرة وأميرها كما تبين لاحقا حضرا بفعالية الى جانب كل الكوارث العربية منذ غزو العراق .. الجزيرة لعبت دورا حاسما في اضعاف روح القتال لدى الجيش والشعب العراقيين عام 2003 عبر تصويرها للموت ومشاهد الأسلحة الأميريكية الفتاكة وانقضاض الطائرات الفتّاك لتسويق ضرورة التخلص من القيادة للخروج من هذا الموت وحمام الدم ..وروجت لمقولات معارضي النظام وأصدقائهم الأمريكيين أن نظاما يموت لافائدة من مساندته ولاأمل له ..
والجزيرة هي التي سوقت المشهد السينمائي لسقوط التمثال في ساحة الفردوس فيما كانت محطات غربية محايدة تصور الساحة من بعد وفيها لايبدو أكثر من بضع عشرات من الأشخاص .. ولو كانت الجزيرة محطة مقاومة لنقلت الحقيقة .. الجزيرة حاولت نفس اللعبة في لبنان وغزة ولم يكن نقلها للصور البشعة والجثث بريئا بل لقلب الرأي العام ضد مغامرات حسن نصرالله وحماس وتوجيه اللوم لهما وتحضير الشعب للضغط عليهما لطلب الاستسلام .. والجزيرة هي التي حضرت الى جانب كل فرق الموت العراقية (بلاكووتر في معظمها) وقدمت لنا كل يوم وجبة افطار بنكهة القتل السني للشيعة وبالعكس لاطلاق الاحتقان المذهبي في المنطقة ..
وأخيرا .. الجزيرة هي التي جاءت بهذه الثورات الهزيلة الملتحية بالجهل والتطرف وشهوة السلطة .. والجزيرة هي التي أعادت احتلال ليبيا وكنا يومها نعتقد أن الرئيس معمر القذافي يهذي ويهلوس وهو يتحدث عن قطر وحبوب الهلوسة والقلة التي تقوم بالثورة ..فاذا بنا نكتشف أن ماقاله الرجل صحيح ..ولولا التحويلة السورية القوية التي استنزفت الوقت من المهاجمين وكشفت الحقيقة لبقينا نعتقد أن التاريخ تصنعه أمارة ولكنا نسير الآن خلف الحمقى .. كالحمقى والبلهاء ..
وطالما أننا عدنا الى التاريخ .. لابد من ذكر حادثة لها دلالتها التاريخية.. فقد "قيل" في روايات الدولة الاموية أن الخليفة معاوية بن أبي سفيان عندما أراد تولية يزيد من بعده طلب من أحد مستشاريه ومقربيه ابلاغ الناس بقراره بأوجز الكلام وأبلغه ..فجمع المستشار علية القوم وقال مخاطبا اياهم: "أيها الناس ..ان مات هذا (وأشار الى معاوية) ..فهذا (وأشار الى يزيد) ..والا فهذا (واستل سيفه وشهره في وجوه الناس)... فقال له معاوية: انك أبلغ العرب ..
وعلى ذمة بعض الرواة "يروى" عن الرئيس الأسد أنه تلقى في شهر تشرين الثاني الماضي رسالة من الزعماء الغربيين يعرضون فيها صفقة يتخلون فيها عن تهديدات الهجوم والضغوط ويتخلون فيها عن المعارضة السورية ويعملون على تشتيتها مقابل أن يقبل الأسد (الذي سيرغب الغرب بعد الصفقة باستمراره كوجه مدني علماني) بتحويل سورية نهائيا الى دولة "معتدلة" في السياسة الدولية .. بلا مقاومة ولامقاومين .. أي دولة خليجية على البحر المتوسط من غير نفط ... وأن يعيد تنشيط مفاوضات السلام مع اسرائيل على هذا الأساس..والا فالطاحونة التي طحنت ليبيا ستطحنه .. ويقال ان الأسد ابتسم وقال لناقل الرسالة:
ان قبل هذا (وأشار الى رأسه) فان هذا لايقبل (وأشار الى قلبه) ....وان قبل هذا (وأشار الى قلبه) .. فان هذا لا يقبل (وأشار الى رأسه) ..ان لم يعجبهم لا هذا ولا هذا (واشار الى قلبه ورأسه) ...فهذا (واشار الى مجسم للصواريخ على مكتبه) ..
أي مرحبا بالحرب ان أردتموها ..
وبدورنا نقول لمن لم يسمع بعد الرسائل الأموية: ان هذا (ونشير الى الشعب السوري في الساحات) يريد هذا (ونشير الى خيار الرئيس الأسد المقاوم) والا .. فهذا (ونشير الى الجيش العربي السوري) ..
ولحلف الناتو واسرائيل: ان لم يضربكم هذا (ونشير الى الرئيس الأسد) ..فهذا (ونشير للرئيس أحمدي نجاد) .. والا ..فهذا (ونشير للسيد حسن نصرالله)
ان دمشق دوما لديها الكلام البليغ .. فانتظروا الرسائل الأموية.
لمعان السيوف وقبلة على القلوب من بريق الفيتو
ماحدث في مجلس الأمن لم يشكل مفاجأة لنا وقد توقعناه كما تعرفون جميعا .. فهناك ثغور لمعت بالابتسام والفرح وهناك بالطبع وجوه اكفهرت واسودّت .. ومايحز في النفس أن هناك مناصرين للثورجية لايزالون يساقون من فخ الى آخر ولايزالون يستعملون كالذخيرة في بنادق الديبلوماسية الغربية .. لاأدري ماذا جنى هؤلاء الثورجيون من رقصة الليل في الأمس أمام وسائل الاعلام والصراخ والبكاء والتمثيل .. فمن الواضح أنها كانت تمثيلية رخيصة لأن الجيش السوري لن يقصف مدينة قبل جلسة مجلس الامن .. ولو كان الجيش هو من يقصف فانه لن يتوقف حتى تنتهي المهمة .. وعملية اقتحام الخالدية لن تستغرق أكثر من ساعتين مع جيش محترف ..ولكن الخالدية بقيت كما نعلم دون ان يدخلها الجيش وبقي فيها المسلحون .. وبقيت فيها الجثث المختطفة التي صورها القتلة الثورجيون بعد قتلها بوحشية ..وبقيت النعوش الفارغة أيضا بعد تصويرها !!..
صدقوني لاأحس باحساس الشامتين بمن هز بالأمس ولطم أمام الكاميرات ورقص رقصة الاستغاثة والتفجع واستجداء العطف وتسول الشفقة .. ولكنني بدأت أحس بالأسى على هؤلاء الناس والشباب الذين يعلنون التمرد والذين يحترقون في هذه المعركة الاعلامية والنفسية ويحرقون حاراتهم وبيوتهم وماضيهم ومستقبلهم ومستقبل التعايش مع اخوتهم وهم لم يتمكنوا حتى هذه اللحظة من التقاط النتيجة التي التقطتها كل الدنيا ..وهي أنهم يخوضون معركة خاسرة ويتبعون قيادة فاشلة ومتهورة ومتخبطة وغير مستقلة ..
نحن في معسكر الوطن نجري دوما مراجعاتنا المتواصلة ونعرف أن معظم الخطوات التي اتخذناها كانت صائبة .. ولكن معسكر المعارضة وجمهوره لايبدو أنه مؤهل أو قادر على اجراء هذه المراجعات .. ربما لأن من يزوده بالمعطيات يمارس خداعه ورفع معنوياته دون مكاشفته بالحقائق والمعطيات ولايقدم له تقريرا عن سير "المعارك" الديبلوماسية ولا عن خطط الثورة ..التي تبين أنها فاشلة بشكل مثير للغثيان..والأسى ..
في مراجعاتنا لأداء الحكومة السورية نقول بثقة ان رهانها على الجمهور الواسع المرامي الأطراف الذي أدهش الساحات كان موفقا ..وأن الرهان على اخلاص الحلفاء الايراني والروسي والصيني كان صائبا .. كما أن التروي في معالجة المنفعلين ثورجيا ومنح الفرص والسخاء في العفو كان حصيفا .. فبؤر الاحتقان لايتم تنفيسها بالقسوة بل بالرحمة .. والاعتماد على العمل الاستخباري بدل القوة الخشنة ايضا كان صحيحا .. وتأجيل الحسم واستعمال السيف حتى آخر لحظة رغم أنه لاقى الانتقاد لكنه في تقدير العديدين خيار دقيق للغاية وربما كان اللجوء اليه قبل نضوج دوافعه سببا في استثارة غرائز من لاتعمل فيهم الآن سوى الغرائز ..وما أكثرهم ..فالثورة لم يعد لها عقل تفكر به ولاعقل بغياب الحكماء .. وماأندرهم.. أما الآن فان امتشاق السيوف ولمعانها يبدو جميلا وأخاذا .. يجب أن تلمع السيوف حول "بعض" أقبية الخالدية ومناطق حمص التي تعذب المخطوفين وتنكل بهم لتصورهم بعد موتهم كضحايا النظام ..حيث تحولت هذه الأقبية التي تحدد موقعها بدقة الى مايشبه سجن الباستيل الرهيب في فرنسا الملكية ..
وفي مراجعتنا لأداء الديبلوماسية السورية وجدنا أنها تصرفت بهدوء مع استفزازات حكومات العرب ولم تجاهر بعدائها لأحد ولم تبادلهم المستوى الرخيص من الشتائم والرذائل رغم انهم أظهروا وقاحة في التدخل في الشأن السوري وولغوا في دمائنا كما تلغ الكلاب الضالة المسعورة ..
لكن كيف قام الثورجيون بمراجعة أداء ثورتهم والقائمين عليها؟
من يراقب "الثورة السورية" يرى أنها كان بامكانها أن تنتصر بسهولة لما نالته من رعاية كبرى ومال وتعاطف وأجواء الخداع والتصوير والتثوير حتى يمكن القول ان الفضاء الخارجي كله كان يتكلم لغة الثورة بوجود مئات الأقنية الفضائية المحرضة .. ويمكن القول ان الالكترونات في العالم كانت تسير معها لأن كل مواقع الدنيا على الانترنت سارت معها .. لكن ما لم تمتلكه الثورة كان شيئا رئيسيا ...وهو الدماغ الموحد .. والأهم أنها خضعت لقيادات ارتجالية غير محنكة في السياسة .. وأهم من هذا الأهم في العمل السياسي هو اجراء المراجعات والتراجعات والتكتيكات الناجحة .. وللأسف كان كل شيء غائبا .. فالثورة مارست ديكتاتورية وتقديسا لكل فعالياتها وشخصياتها كما كل طاغية قادم ..
قيادة الثورة كانت قيادات مبعثرة .. كل يجر فريسة السلطة نحوه ..كما في عالم النمل (وهذا تشبيه وليس تحقيرا) ..فعالم النمل مشهور لدينا أنه مجتمع متعاون ونرى مندهشين كيف تتعاون عشرات من النمل في حمل قطعة طعام ..لكن التحليل الرياضي وعيون العلماء تعرف كيف يعمل النمل ..فما تقوم به 25 نملة يمكن أن تقوم به 4 نملات اذا ماتحركت بانسجام وفق نفس اتجاه قوة الجر .. فالقيادة الثورية السورية لم تكن موحدة الا أمام الكاميرات ومؤتمرات الشاي .. فهي تضم هجينا متنافرا وخليطا شديد التناقض ..والكل يعمل على قاعدة أنه لقاء مؤقت يتبعه استقلال ..أي الكل لايثق بالكل ..والكل يضحك على الكل ..ولكل مجموعة ظهير دولي مختلف ويعكس في تحركه وقوة اندفاعه تلك القوة ومطالبها وحصتها في التأثير على السلطة المنتظرة بعد "سقوط النظام" .. فالبعض موال لفرنسا والبعض له تمويل وتجهيز ومساندة أمريكية والبعض يمثل تركيا والبعض يمثل السعودية والبعض يمثل بريطانيا وووو الخ ... حتى اسرائيل لها تمثيلها في مجموعة خفية يقوم برعايتها مباشرة برنار هنري ليفي ..وللأسف لايوجد اي واحد يمثل سوريا او مصالح سوريا في هذه المعارضة..
قيادة الثورة مراهقة ومنفعلة وقد تم استدراجها بسهولة الى التسلح منذ البدايات وتبين أن الصقور فيها استمدوا صقوريتهم لا من تفكير استراتيجي بل من عقيدة بدائية لها ثأر قديم وتعيش عقدة الماضي ولاتستطيع الانسلاخ عن عقدها .. وهي كما يقول "برنارد شو" تستعمل مدافع قديمة وقذائف مخزونة تنفجر في أيدي جمهورها نفسه ..أي مدفعية الثأر من جيل مضى ورحل ولم يعد له في السلطة شيء ..فمثلا كل من شارك في صنع مرحلة البعث أو أحداث الثمانينات من السلطة لم يعد موجودا في السلطة على الاطلاق .. بل ان من بقي من ذلك الجيل هو أبناء ذلك الجيل الذي بادر الى الانفتاح على الماضي والمصالحة مع الذات والآخر وعلى رأسهم الرئيس بشار الأسد تحديدا ..أما المشاركون الرئيسيون مثل رفعت الأسد وعبد الحليم خدام فهم ليسوا في السلطة بل –وللمفارقة المبكية - في جسم المعارضة الحالية .. ومع هذا تنفخ المعارضة في جمهورها من روائح الثمانينات وعقد ذلك الصراع المروّع وتستعمل مدافع كراهية تلك المرحلة وترمي القذائف الدينية والطائفية على الجميع بمن فيهم جمهورها ..
ولو كنت في جسم المعارضة لرفضت رفضا قاطعا أي لجوء لتسليح الجمهور أو رفده بمقاتلين عرب تحت أية ذريعة لان تسليح المعارضة حوّل جمهورها الى جمهور فوضوي مشحون بأوهام النصر على وقع الرصاص ورائحة الدم والبارود ..ولا أبالغ ان قلت ان أهم ورقة خسرتها المعارضة هي ورقة التظاهر السلمي لأن الخسائر بالتظاهر السلمي مهما كانت باهظة كما تم الادعاء فانها ستؤدي الى التفاف الجمهور السوري حول الضحية .. ولن أبالغ ان قلت أنني نفسي كنت سأنضم لانتقاد السلطة والانضواء تحت لواء المعارضة وأنا أرى أن المعارضة ترفض التسلح الا بالأكفان ..وأنها بدل تهريب السلاح وقواذف ال آر بي جي هربت قواذف المحبة وصراخ التسامح مع القتلة (من رجال السلطة كما تقول) ..وبدل رفع أسعار الغذاء والدواء بطلب الحصار الاقتصادي واستحضار الناتو رفعت أسعار الأكفان ورخام القبور .. لكن قصور نظر المعارضين كما تبين هو أنهم اندفعوا خلف الغواية ..غواية الجهاد المسلح التي لاشك وقيعة غربية وعربية لادخال البلاد في فوضى دموية ..نفذتها بنجاح واتقان المعارضة السورية عبر جناح في منتهى السطحية ويبدو على أدائه فقر مدقع بالوعي السياسي والحنكة الديبلوماسية .. واستمرار التظاهر السلمي كان سيكون الضمان الوحيد لنهاية النظام الحالي .. لكن استعجال المعارضة الغبي واستدراجها لاستعراض سلاحها ببلاهة جعلها تبدو مثيرة للريبة والقلق .. فبدت تحمل مع السلاح فوضى السلاح .. فجفل الجمهور منها واحتمى بالسلطة ..
ووصل الأمر بمراهقي المعارضة أنهم أجبروا مؤيديهم وداعميهم على الاعتراف الرسمي (في الصحف والفضائيات وحتى في بيانات الجامعة العربية) بالسلاح عبر استعراضه علنا مرة بحجة الدفاع عن النفس ومرة بحجة انهم جنود منشقون ..وكنت أتعجب من غباء المعارضة التي تأتي بمصورين يتسللون مع المقاتلين المسلحين ويصورونهم يطلقون النار وكان هذا دليلا اضافيا على جهل لايضاهى .. وكان حريا بقيادة المعارضة أن تضرب على رأسها بعنف من هذا الغباء .. لكن القيادة الحكيمة للمعارضة صارت تباهي بهؤلاء العنيفين وتبارك جهادهم .. ولم يصدر عنها ادانة واحدة لاستعمال السلاح .. السلاح الذي صار يستعدي الجميع ..فسلاح الثورة صار يقتل الجيش والعسكريين .. وسلاح الثورة صار يصادر الشوارع من الناس وصار يفرض الاضراب وصار يضطر الناس الى التزام منازلهم مبكرين وسلاح الثورة ضرب السياحة والنشاط التجاري .. فتضررت قطاعات واسعة جدا لم تكن قادرة على لوم الدولة حتى مع الاختلاف مع الدولة وهي ترى أن الثورجية صاروا أمراء حرب !!
ورغم وضوح المعادلات الكبرى التي كتب عنها الجميع وفيها خارطة طريق كي تتجنب المعارضة المزالق والفخاخ لكن المعارضة ركبت رأسها وأصرت على الاستماع لنصائح بعض الصبيان والمجانين بدل البحث عن الحكماء ..فلم يكن هناك عاقل يؤمن أن الناتو سيحارب في سوريا حتى بتكليف من مجلس الامن لمتانة الاستعداد العسكري بين سورية وحلفائها .. وهذا لايعني أن الناتو لقمة سائغة لسوريا وحلفائها بل يعني أن الناتو لايحب التهام الوجبات الثقيلة والأطعمة المخرشة التي تسبب الغصة وسوء الهضم والنزيف المعدي ...أي سيكون اجتياحه لسوريا مؤلما له بوجود تحالف مع ايران وحزب الله وتكتيكات حرب الصواريخ بعيدة المدى ..
ان غياب اسرائيل كليا عن كل خطابات الثورة وحلول ايران وحزب الله في كل دعايات الثورة القى ظلالا من الشك الشديد والريبة الهائلة في الدافع الحقيقي للثورة ..فهناك قطاعات سورية لاتزال تعتقد أن غياب اسرائيل عن اعلام الثورة (الا في رسائل التطمين ولقاءات مسؤولي الثورة مع الاعلام والسياسيين الاسرائيليين) يدل على يد اسرائيلية في الثورة ورائحة صهيونية فاقعة مخرشة للخياشيم خاصة اصرارها على توجيه الكراهية نحو عدو اسرائيل الرئيسي وهو حزب الله .. ولن أتردد في أن أقول انني شخصيا بحثت عن اسرائيل كثيرا في أدبيات الثورة واعلامها وتحدثت مع بعض منظّريها لكن التهرب من أسئلتي بشان اسرائيل منعني نهائيا من التعامل بانفتاح مع هذه الثورة وألقاني بعيدا عنها على حدود الشمس .. وقررت أن أختم عليها بخاتمي الذي عليه عبارة (ثورة مخترقة اسرائيليا) .. وتحت الختم ختم آخر باللون الأحمر يقول (لا ينتمى اليها) ..
ولم يكن هناك من عاقل يصدق أن تركيا ستقدم على أكثر من التهديد وبعض التسهيلات العسكرية والسياسية ..ومع هذا فقد قامت الثورة بتسويق اردوغان على انه زعيم الشرق وصار بعض الثورجيين يحملون صوره ويطلقون اسمه على أسماء أولادهم .. الى أن تبين انه ظاهرة صوتية كلفتهم مئات الضحايا في تحرير جسر الشغور فقط من سيطرة ميليشيات الأخوان التي تركها أردوغان لقدرها !!
ولم يكن عاقل يصدق أن الجامعة العربية لاتقدر على شيء الا التهديد وتوجيه الاهانات لكن الثورجية لم تتبين عيونهم "ولم يستبينوا الرشد الا في ضحى الغد" ..بل في ضحى مابعد عدة أشهر ..
ومن جديد لايزال الثورجيون يعتقدون أنهم سيضغطون على نصف سكان العالم (الصين وروسيا) لاقناعهم بوجهة نظرهم بالقوة وبتمثيليات الخالدية الحمصية ..وكأن روسيا والصين تخاف من فتوى العرعور .. وستذرف الدموع على مشاهد الجزيرة وصراخ ممثلي الخالدية ..
ولم تستطع قيادات الثورة التي صدعت رؤوسنا بالشفافية ان تقوم بالنأي بنفسها عن تيارات مثيرة للجدل مثل العرعور واكتفت بابداء بعض الملاحظات عليه أكثرها قسوة كان ماكتبه صبحي الحديدي مؤخرا عن بيتزا القاعدة وفرّامات العرعور وقصه للألسن لكن ذلك الرأي كان فقط للتهوين من تأثير العرعور ولتبرير وجوده بأن للرجل جمهوره ومعجبيه ..أي بلغة أخرى لايمكننا التخلي عنه أو التخلص من معسكره ومن تأثيره على مجريات وقرارات الثورة ..
ومن جديد ربما ستكون هذه الايام هي الفرصة الأخيرة لجميع المنضوين تحت التمرد للانتقال الى مرحلة المراجعات بدل المراهنات الخاطئة التي استبسل فيها الثورجيون وأبدوا تفوقا فيها ..وآن الأوان لاطلاق خطاب العقل ومحاسبة الذات بدل العناد والمضي في لعبة الدم ..والأمم ..
اللعبة تدخل مرحلة مؤلمة للثورجية وبدأت اقرأ منذ أيام آلام جمهور الثورة وهو يقولون عبارات لم أكن أسمع بها منذ اسابيع من مثل (قد تهزم الثورة ولكن ..الخ) أو (صحيح أننا لن نكسب الا أننا ..الخ) ..
اليوم الفيتو المزدوج للمرة الثانية رسالة واضحة ..لاأمل من الذهاب أمميا ودوليا .. وهذا يبرر الأخبار أن هناك زائر مهم جدا قادما لسوريا ربما ليشرف بنفسه على وضع آخر اللمسات والتفاصيل على الانتقال للمرحلة القادمة ..الهجوم المعاكس ..ولعلي سمعت أن شخصية مهمة ومؤثرة في "الثورة" تعرض الانسحاب من هذه اللعبة ولكنها تريد اللعب في التوقيت والأثمان ..
أنا بدعوتي الآن للتعقل الأخير أعرف أنني لاأعني المسلحين فهؤلاء ستتعامل معهم الدولة بعد أن منحتهم كل فرص النجاة والتحول للنشاط السياسي المعارض بدل التسلح .. لكنني أعني تلك الحاضنة الاجتماعية للمسلحين ولفكر الثورجيين .. وأستطيع أن أقول بكل ثقة انني على الأقل وعلى المستوى الشخصي أتفهم اندفاعهم وارتماءهم في أحضان الأوهام واجتياحهم من قبل اعلام تحريضي لاقبل لهم بفهم ألاعيبه .. ولكن لم لا تكون هذه اللحظات لحظات الصراحة مع النفس والاعتراف بخطأ البوصلة السياسية والوقوع في أثم اغتيال وطن .. ولحظات حساب الربح والخسارة في الماضي والربح والخسارة في المستقبل ..فالماضي لم يحمل لهم الا مكاسب محدودة ربما في التعبير الصريح عن اعتراضهم على اسلوب ادارة الحكم الداخلي .. لكنهم يخسرون بلدهم والسلام فيه ويخسرون الوئام والانسجام .. وآن الاوان لاطلاق مواقف شجاعة ..ومواقف اعتراف قاسية بالحقائق وبالوقائع .. والانتقال الى مرحلة البقاء في المعارضة لكن التحول من الحضانة للمسلحين الى المعارضة السياسية القانونية الرسمية تحت مظلة الوطن وهذه قضية لن يعترض عليها أحد بل سنساندها جميعا ..ومن لم يفهم هذه الرسالة فهذا يعني وبعد هذه الأشهر أنه أخرج نفسه تماما من معادلة الوطن ..وعندها فان قلبي لن يستجدي الرحمة لأحد كما قال أحد ابطال الميثولوجيا الاغريقية ..
أقول ماقلت وأنا أحس بشديد الأسف ان قلة ستسمع آخر صيحاتي ونصائحي ..فأجهزة استقبال الثورجيين لاتستقبل الا توليفات الجزيرة، وشيفرات العنف، ولا تعزف الا أناشيد الصراع وآمال ساركوزي التي لاتنتهي ، ورسائل التنحي الفارغة ..وأتمنى من كل قلبي أن تسمعني تلك القلوب الحائرة ..وأتمنى أن أقبّل القلوب التي ستضيء بنور الوطن من جديد .. وأن نقبل جميعا معارضين وغير معارضين السيوف التي يجب أن تلمع وهي تسافر نحو كرياتشمونة وتل أبيب ..كما لمعت الكاتيوشا يوما وهي تسافر نحو الجليل من جنوب لبنان ..
اني قد بلغت .. اللهم فاشهد
رنا قباني آل ثاني.. صباحك سكر.. بشعاع الليزر
سمعت كما سمعتم أنه نقل عن الدكتورة رنا قباني ابنة أخ الشاعر نزار قباني أنها بعثت برسالة الى صحيفة القدس العربي (أورشليم) تحتج فيها على استخدام أشعار نزار قباني من قبل رجال النظام السوري
في الحقيقة لست أدري ان كان الخبر صحيحا أم ملفقا كما لفقت أخبار كثيرة في هذه الأحداث على يد الثورجيين .. خاصة ان الصحفي الطبال عبد الباري عطوان لاينشر الا آراء الصحافة العبرية وقد احتقر الجميع بتغطيته لجرائم الثورجيين والباسها للنظام السوري وكانت جريدته عشا من اعشاش المؤامرة لم تقل نذالتها عن نذالة الجزيرة .. ولم يتبين لي فيما اذا اكدت الدكتورة قباني الخبر او نفته ..ولكن بحثت عن النفي فلم أجده مما يعني انها توافق على مضمون الاحتجاج ..
لم أسمع في حياتي أن القصائد صارت لها انتماءات سياسية وأن القصائد صار لها ضباط مخابرات يصدرون لها جوازات سفر ويكتبون على صفحاتها (البلدان المسموح بالسفر اليها) والافواه المسموح بالرسو على شفاهها ..لم أسمع في حياتي أن قصيدة واحدة أدخلت السجن بعد أن أطلق سراحها من جوارح الشعراء وجراحهم أو حظر عليها أن تقبل بمحبة هذا أو بمحبة ذاك .. رنا قباني حولت نفسها الى وصية على ابداعات نزار والى ناطور من النواطير التي كرهها نزار وكرهته وحاربها وحاربته وصارت رنا سيافا عربيا يقف ويده على حبل المقصلة يهدد من يقول شعر نزار من غير اذنها .. وتحولت الدكتورة العزيزة الى شرطي مرور يسمح بالمرور أو لايسمح .. بل وتريد المشاركة في فرض الحصار على الشعب السوري مع الجامعة العربية كل حسب مايستطيع .. ورنا تريد محاصرتنا شعريا بمنعنا عن شعر حبيبنا نزار .. الا بترخيص منها..أي انضمت الأميرة رنا الى مجلس التعاون الخليجي الذي الى جانب أميراته ومشيخاته صارت لديه شيخة اسمها رنا قباني .. تصدر براميل الشعر وتخضعها لسلة أوبك ..وانضوت الشيخة تحت لواء حريم الثورة اللواتي يجللهن القرضاوي ببركاته ودعائه ..وهنيئا لمن صارت من حريمه ..
ان كان صحيحا مانقلته صحيفة أورشليم (القدس العربي بالعربية) عن الدكتورة قباني وبأنها صادرت أشعار نزار وصارت توزعها على هواها وحصرت ملكيتها بها شخصيا كما الهدايا النفطية .. فلا فرق بينها وبين ...موزة بن مسند ..الا أن موزة لم تصادر أشعار أحد .. لا شعر سحيم ولاشعر طرفة بن العبد البكري ..على الأقل موزة تبيع الغاز وتبيع العار لكنها لا تبيع الشعر ولا تقف كالشرطي أو كهند بنت عتبة تأكل الأكباد وتأكل كبد نزار قباني ...
القصيدة يا رنا هي أنثى جميلة لاتستطيع الا أن تحبها أعين الرجال ولاتستطيع قوة في الأرض أن تمنع قلوبهم من الخفقان لسماع صوتها ورؤية محياها خاصة اذا كانت لاهبة ملتهبة .. ومافعلته يا دكتورة رنا هو انك تريدين فرض النقاب والبرقع الطالباني على القصائد كيلا تفتن بهن قلوب الرجال .. ويبدو أن القصائد صارت تخضع لقوانين الخلوة الشرعية .. وأن الفتاوى لم تعد مقصورة على القرضاوي بل صار للشعر مفتوه وقرضاويوه .. ويبدو أن ثقافة العرعور هي التي هزمت ثقافة نزار قباني بدليل وصول وسائل العرعور الديمقراطية وحسه المرهف وفرّاماته ومقصات الألسن الى بيت الشاعر نزار قباني الذي ستقص الدكتورة رنا لسان من يجرؤ على استخدام شعره ..
ربما لاتعرف السيدة الدكتورة قباني مشهدا يوم أخذ جثمان "شاعر الدنيا وعاشق دمشق"للصلاة عليه كيف أن الاسلاميين في المسجد المركزي بلندن قد منعوا الجثمان من دخول الجامع للصلاة عليه لأنهم صنفوه على أنه كافر ولما قيل لهم: هلا شققتم على قلبه ؟؟ .. قالوا: "لو رأيناه حيا أمامنا لشققنا قلبه وشققنا كتبه الآثمة" .. وهذه رواية شاهد عيان حضر الصلاة وصلى على الجثمان خارج الجامع بعد أن عجز المصلون عن اقناع الاسلاميين بالسماح بالصلاة عليه داخل الجامع ..وشاهد عياني ليس كشاهد عيان الجزيرة بالتأكيد يارنا .. وما حصل أن طائرة رئاسية سورية بعث بها الرئيس حافظ الأسد نقلت الجثمان الى دمشق لاتمام مراسيم الصلاة والدفن في المدينة التي علمت نزار أبجدية الياسمين كما أوصى هو بنفسه ..واليوم رنا تدافع عن ثورة الاسلاميين الذين منعوا نزار من أن يسمع صوت الأذان قبل ان يوارى الثرى ..
السيدة رنا هي من يريد بيع اسم نزار قباني وتحتكر قصائده في ديكتاتورية رديئة هي ديكتاتورية الثقافة واستبداد النخب المليئة بالصلف الأجوف والثقافة المفخخة .. ولو كانت لها ذاكرة لتذكرت أن نزار نفسه عندما توفي ابن الرئيس السوري "باسل الأسد" بعث رسالة بنفسه الى الرئيس قال له فيها بالحرف: "ان باسل قد رحل لأن السماء بحاجة الى فارس"... ورأيت هذه العبارة بنفسي وقد رفعتها ساحة الأمويين باللون الأسود لشهور طويلة ولم يعترض نزار قباني على استخدام كلماته في تأبين ابن الرئيس (الذي تصفينه بالديكتاتوري) ..وكان هو الأجدر بالصمت وعدم مجاملة الرئيس حسب اعتقادك يارنا ..
من المعيب والمشين أن نكتشف أن من يتلطى خلف اسم عملاق كعائلة قباني أجوف فكريا وضحل الى حد مخيف ..فالسيدة رنا قباني قيل لي انها اعترضت يوما على أن الممثل السوري تيم حسن قد قام بدور نزار قباني في مسلسله الشهير عن حياة الشاعر الكبير .. ولم أصدق عيني عندما قرأت تبريرها وسبب اعتراضها .. ولن تصدقوا أنتم أيضا ..ويومها تمنيت أن تغلق أبواب السماء كيلا تصل الأخبار الى نزار في عليائه لأنه سيختار الانتحار في النار على البقاء خالدا في الجنة كيلا يسمع صوت هذا القيء .. فالسيدة دام ظلها قالت انها لاتقبل لأن يقوم شخص من الساحل بتمثيل دور شخصية من الشام .. وسألت رنا القراء سؤالا لوذعيا مفاده: هل يقبل ابن الساحل ان يمثل دوره ابن الميدان؟؟ وبحسب منطق السيدة الفاضلة فان عمر الشريف آثم وأنطوني كوين أخطأ في تمثله لعمر المختار وكل فناني الدنيا يجب ان يحترموا هذه القاعدة والاكتشاف القباني ..حتى العرعور لم يصل به الاجتهاد الى ذلك ..وقد أرعدت السماء يومها من ذلك الكلام ..وحسب الناس ذلك الصوت "علامة من علامات ليلة القدر" ..لكنه لم يكن رعد السماء يا رنا بل كان صوت نزار في السماء غاضبا ..قاصفا .. يرتجف غضبا من هذه الضحالة التي لم تقرأ كيف كتب نزار عن جرح الحسين وعباءته وعن جرح المسيح وصليبه ..
السيدة الفاضلة رنا قباني لم تجرحها مقالات الوديع شيمون بيريز(صاحب ملحمة قانا) في صحيفة الشرق الأوسط التي كان يزين بها مقالاته ويرصعها دائما بأقوال وأشعار نزار قباني ..بل ان بيريز نفسه كتب عام 2000 يحرض على صدام حسين (الذي وصفه بيريز بأنه رجل مسلح يقف على مفارق طرقات الشرق الأوسط يطلق النار في كل اتجاه من مسدساته) .. وختم مقالته بالقول: ولاأملك الا ان أذكر بكلمات جميلة للشاعر السوري الكبير نزار قباني .. سحقتنا ديكتاتورية الكلمات..
السيد شيمون بيريز لم يحرك مشاعر رنا قباني باستخدامه لشعر نزار كالماء القراح كي يغسل به الدم الذي على يديه وعلى سكاكينه وأسنانه وثيابه وحذائه .. الحبر من كلمات نزار في قلم شيمون بيريز لم يوقظ أميرتنا النائمة من اغفاءتها .. ولم تستيقظ رنا بعد تلك القبلة البيريزية لكن ماأوقظها هو قبلة بشار الجعفري !! .. وصار شيمون بيريز نسيبنا وحبيبنا ووصينا .. وصرنا نقيم له الولائم من ذبائح قصائد نزار ... وربما يقول لنا شيمون بيريز يوما من على صحيفة عبد الباري عطوان أن أصوله دمشقية (وربما بشهادة رنا قباني) وأنه من حي مئذنة الشحم .. وتربى مع نزار قباني في نفس البيت حيث الورود وشجرة النارنج .. وأكل من نفس عروسة الزعتر التي أكل منها نزار .. وكان يطمر كنوزه الطفولية مع نزار في زورايب الحارة الدمشقية التي رسم على جدرانها صورا وكسر على أدراجها لعبا ..وهو أحق بالحرية وبالأحزان على الوطن السوري من بشار الجعفري ... ومن بشار الأسد ... ومنا كلنا
السيدة الفاضلة لاتعرف أن نزار قباني عندما أحس أن صدام حسين قد يواجه الغرب كله ويسترد الكرامة أرسل الى (الديكتاتورالشهير قاسي القلب) رسالة شهيرة بخط يده (نشرها حسن العلوي مصورة في كتابه أسوار الطين) وقال فيها لصدام حسين بالحرف: "فشكرا لصدام حسين الذي قطّر في عيني اللون الأخضر".. وبالطبع نزار الكبير لم ينس أن يعاتب صدام حسين بقسوة بعد الهزيمة وقال غير مجامل:
مضحكة مبكية معركة الخليج
فلا النصال انكسرت على النصال
ولا الرجال نازلوا الرجال
ولا رأينا مرة آشور بانيبال
نزار يا رنا كان يبحث عمن يكتب له الكبرياء ... ونزار خرمش السماء بأظافره بعد نكسة حزيران ولم يجامل "أبا خالد" (عبد الناصر) .. فهل تذكرين هوامش على دفتر النكسة .. يا رنا؟؟
نزار يارنا ورغم ديكتاتورية عبد الناصر فانه أعجب به بطلا قوميا وبكى عليه في قصيدة "قتلناك يا آخر الأنبياء" ..ان كنت تقرأين شعر نزار ..
من عاثر حظ نزار أن معركة عام 2006 وقعت بعد رحيله ولم يلتق بالكبرياء الذي جاءت به بنادق المقاومين .. ولم تكتحل عيون نزار الخضراء برؤية صواريخنا تقبل المستوطنات الاسرائيلية بشبق .. كي يعطي دمه كما قال:
قد لا أكـون مُهذباً مثلَ الذين عرفتهـم
..
ومُعلباً مِثلَ الذين عَرفتهم .. ومشمعاً .. وملمعاً مثلَ الذين عرفتهم
..
لكنني أعطي دمي من أجلَ لحظة كبريــاء أنا لاأستطيع مصادرة نزار قباني يا رنا .. فهو ثروة انسانية، بل ان استعمال بيريز لكلماته دليل على أن نزار قد دك حصون الغرور الاسرائيلي حتى اعترف به مبدعا خلاقا يعتد بكلماته .. ووصلت كلمات نزار قبل وصول صواريخ الكاتيوشا الى قلب اسرائيل ووصلت كلماته الى الكنيست والى فم وقلب مجرم كبيريز .. ولولا كلمات نزار وأمثاله التي ألهبت مشاعرنا على الدوام لما قاتلنا اسرائيل هذا القتال العظيم في 2006 .. كلماته كانت مثل شعاع الليزر الذي يوجه الصواريخ ..و ليزر نزار كان دوما موجها الى فلسطين ..فقط ..ولم نفعل سوى أننا لحقنا شعاع الليزر كما لحقته كاتيوشا حسن نصرالله .. وستلحق بليزر نزار بقية الصواريخ السورية .. فكيف لا تتبع صواريخ دمشق كلمات ابنها نزار الليزرية .. يا رنا ..
ولأنني لاأستطيع مصادرة أية قطعة من هذه التركة الانسانية العظيمة والعبقرية السورية، كما لايستطيع انكليزي مصادرة (هاملت) ومسرحيات وشعر ويليام شكسبير .. وكما لايستطيع فرنسي محاصرة (مأساة) فيكتور هوغو أو أعمال فولتير وجان جاك روسو .. فانني لاأجرؤ على منع البوذيين والوثنيين وأكلة لحوم البشر الأفارقة من أن يحبوا اشعار نزار قباني ..كما يحبه كل من قرأه على وجه الأرض ..
وكما لاأستطيع منع نساء العالم من عشقه والاحتفاظ بدواوينه تحت وسائدهن - حتى لو أفتى القرضاوي والازهر والنجف الأشرف بتحريم شعره - فانني لاأستطيع الادعاء وتوقع ماسيقول نزار لابنة أخيه رنا بعد اعتدائها عليه وعلينا .. وبعد فرمانها العثماني بسجن الكلمات .. وبعد بيعها للدواوين لأبي لهب ولأبي جهل ولأبي نفط ولأبي غاز ..ولبرهان غليون .. وللعرعور ..وللقصابين الثورجيين .. ولثورجية الناتو الهمج .. ولبرنار هنري ليفي .. وتحويل شعره الى أكياس موز تعلبها لنا قطر ..
ومع هذا فسأقول لرنا قباني:
سنرسل لك ديوان نزار قباني كي تقرأيه .. ولكي تتعرفي عليه .. ولكي تتوقفي عن اخافة قصائده وقمعها .. ولكي تتوقف الدموع في عيون قصائده عن الجريان على خدودها .. فيبدو أن نصف سكان الأرض من قبائل الزولو الافريقية الى الاسكيمو في القطب الشمالي يعرفون نزار قباني وأنت لاتعرفين هذا الرجل .. ونتمنى أن تقرأي اشعاره وخاصة قصيدة الثقافة المفخخة .. ولانك لم تقرأي لنزار فهاهي ذي القصيدة:
كل شيءٍ في حياتنا
صار مفخخاً..
السيارات.. والرسائل.. والطرود البريدية
حتى الثقافة العربية
صارت مفخخة...
وأخيرا وقبل عيد الحب القادم بعد أيام، هذه قصيدة من ديوان نزار خاصة لك بعنوان: "
صباحك سكر" .. نقدمها لك مع شعاع الليزر .. يارنا بنت مسند .. أو بنت خليفة آل ثاني ..لافرق .. كلكم من نفس السوية ..
مع تحيات شعب نزار قباني
من ألف ليلة وليلة.. الشعب يريد مونيكا لوينسكي
لو كانت شهرزاد وشهريار في هذا الزمن لسهرا معا بالامس على جلسة مجلس الأمن بدلا من حكايا العفاريت والجان .. ولأشار شهريار على شهرزاد بأن تلزم الصمت كلما أرادت أن تنبس ببنت شفة .. فمجلس الأمن بالأمس كان ليلة من ليالي الحكايات الخرافية ومشهدا من مشاهد الصراع بين الجن والانس وبين الأشرار والأخيار ..وماسمعناه من أهوال تشيب لها الولدان تجعل حكايا شهرزاد تنتمي الى حكايا الواقع .. فلا خيال يعلو فوق خيال رجال مجلس الأمن ..الا خيال الثوار السوريين ..وخيال كتاب جريدة التايم البريطانية ..عندما تكتب عن زوجة الطاغية!!
بالأمس فغرت شهرزاد فاها وهي تستمع الى حجم من الأساطير والأكاذيب في كلمات السيدة هيلاري كلينتون وآلان جوبيه والسيد ويليام هيغ .. وبالطبع قاطع شهريار الاستماع ومال على أذن شهرزاد وسألها: ولكن قولي ياشهرزاد ..من هذا القرصان الذليل الذي يجلس وبجانبه رجل مطيع لايعصي له أمرا ؟؟!! .. فتقول شهرزاد: أيها الملك الرشيد ذو الرأي السديد انه حمد بن جاسم سائس اسطبل العرب ومعه صبيّه العربي .. فيصرخ فيها شهريار: اذا في الصباح أرسلي سيافي فيروزا الى مجلس الأمن ليأتيني برأسي هذين الصعلوكين..
والحكاية لا تنتهي ..
لن ينام شهريار عندما يدركه الصباح هذه الأيام ولن تسكت شهرزاد عن الكلام المباح فما قيل في مجلس الأمن وفي الربيع العربي كان أمّ حكايات ألف ليلة وليلة ..انها الليلة التي انتظرتها الحكايات ففيها كل مشاهد النزاع بين الخير والشر .. وكل مشاهد التدافع بين الصدق والزور .. وبين الفضيلة والرذيلة ..واليوم وبعد جلسة مجلس الأمن ستدافع حكيات "ألف ليلة وليلة" عن مكانتها الرفيعة في أدب الخيال والأسطورة ضد قصص وأساطير اسمها "ألف ثورة وثورة" ..و أدب "ألف ربيع وربيع" و حكايات "ألف مجلس ومجلس"...و أدب "ألف لعنة ولعنة" على هذا الزمن الثوري الهزيل..
في الحقيقة لم أحس يوما أن الاستماع للأكاذيب المكثفة مرهق للنفس وسبب من أسباب علة القلب الا بالأمس عندما استمعت الى حفلة الأكاذيب التي أرهقتني وجعلتني أتصبب عرقا كالمحموم ولم أعد قادرا على هضم الكذبة تلو الأخرى ..والاختلاق تلو الاختلاق .. والفضيحة تلو الفضيحة ..وتزاحمت الأكاذيب حتى لم أعد قادرا على التحمل فتقيأت .. وأعتقد جازما أنه يجب أن يكتب تحذير قبل بث جلسات مجلس الأمن على شكل تحذير حكومي رسمي بأن الاستماع لأعضاء مجلس الأمن (الغربيين) يسبب أمراض القلب والرئة وربما الشيزوفينيا..والاكتئاب..لذا ينصح بتجنبها !!
لم أكن أعرف أن طاقة الانسان الحر قد تحتمل التعذيب بالكي والجلد والسجن الانفرادي والسحق والسحل .. لكن روحه تتعذب أكثر عند تعريضها لهذه الموجات العريضة من الأكاذيب المؤلمة ولقضبان الأكاذيب المحماة في أوكار نار مجلس الأمن .. الأرواح الحرة الطاهرة لاطاقة لها على حضور هذه الحفلات الماجنة القاصفة المليئة بالرذيلة الأخلاقية والايدز في المشاعر الانسانية .. انها أحدث وسائل التعذيب التي وجدت ..وليس الايهام بالاغراق هو التعذيب بل الاغراق بالأكاذيب .. أنها أكثر رعبا من قلع الأظافر ومن استضافة أبو غريب ومن الاقامة في غوانتانامو التي استضافت قائد الثورجيين الليبيين الذي فتك - لسمو أخلاقه الرفيعة التي اكتسبها من أقفاص غوانتانامو - بمن أطلق سراحه وأكرمه وأعاده للحرية ..
لكنني بالمقابل أدركت معنى قوله تعالى (يانار كوني بردا وسلاما) ..فالذل والاحباط الذي أحاط بقوى الشر أذاقني معنى البرد والسلام .. وفي الحقيقة ازددت يقينا من صوابية موقفي بشأن الثورات العربية عندما استمعت لمهرجان الأكاذيب وحمدت الله ان سخر لنا جلسة علنية لمجلس الأمن لنعرف أين تخفق قلوبنا وأين تنبض قلوب الثوار العرب ..(فسبحان من سخر لنا هذا وماكنا له مقرنين) ..
الآن عرفت أننا جيل نحمل مسؤولية كبيرة أمام الدنيا كلها حتى أن ثلاثة وزراء دول كبرى بجلالة قدرهم احتشدوا لهزيمة ارادة شباب سوريين يرفضون أن تكون ساحة الأمويين لأبناء بني عثمان وبني اسرائيل .. ولولا قوة شكيمة هؤلاء الشباب لما اجتمع هؤلاء القراصنة الذين أتوا معهم بسائس الاسطبل وصبيه العربي المطيع .. فهؤلاء لايجتمعون الا عندما تكون الثورات العربية ثورات للقراصنة ومن صنع هؤلاء القراصنة ..
جلسة الأمس كانت لادانة الثورات العربية ومحاكمة للثورة السورية بلا شك لأنها كانت جلسات اعتراف وبوح ممن رتبها وصنعها ويريد بيعها وتسويقها في حفلة بكائية من بكائيات الغرب على العرب .. كانت جلسة الأمس حفلا خيريا لبيع العرب كارثة جديدة باسم ثورة جديدة .. ولم يغب عن هذه الحفلة الخيرية سوى برنار هنري ليفي لالشيء الا لأنه يعرف أن مجلس الأمن هراء وأن اللقاء مع المعارضين السوريين والليبيين في تركيا هو الكلام الفعال ..
وعندما كانت السيدة هيلاري كلينتون تفصل في حديث الطوائف السورية والأقليات وعن الحريات والقمع والقتل وأحلام المستقبل الوردي وتعطي الضمانات للخائفين من مصير مجهول .. أحسست أن أرواح مئات الملايين من الهنود الحمر تريد أن تقتحم مبنى الأمم المتحدة وتثب الى الشاشات وتقول للسوريين نستحلفكم بما تؤمنون به ألاتصدقوا هذه القاتلة وهذه الأمم القاتلة, وأحسست أن عذابات 50 مليون افريقي أسود (شحنوا كالحيوانات من أراضيهم وأحضان أوطانهم ليعملوا عبيدا لدى أجداد السيدة كلينتون) تريد أن تبصق في وجوهنا باحتقار لأننا نستمع لوعظيات هيلاري كلينتون ومشاعرها الأمومية .. وأحسست أن أرواح ملايين الفيتناميين والكمبوديين واليابانيين والعراقيين والليبيين والفلسطينيين واللبنانيين تريد أن تبكي في وجوهنا وأن تلقي في عيوننا بعضا من النابالم الملتهب في فييتنام والغبار الذري في هيروشيما ورشقات من اليورانيوم المنضب الذي لايزال يقيم مهرجانات للسرطان والأجنة المشوهة في العراق.. كل هذا لأننا نستمع لهذه الأفعى بنت الأفعى ..
في الحقيقية بعدما قالته السيدة كلينتون في مجلس الأمن تمنيت أن تكون الآنسة مونيكا لوينسكي هي وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية لأن مونيكا أكثر احتراما للحقيقة ولم تكذب قط وقالت لنا الحقيقة "بالتفصيل الممل" .. وربما لو كانت مونيكا وزيرة للخارجية لحدثتنا بنفس الصراحة والشفافية عن حقيقة الثورات العربية دون لف أو دوران وقالت لنا عن كل مافيها من رذيلة ومال ونفط وخيانة ولكانت فصّلت لنا عن أسرار كل ثائر ومكان "لقائها وخلوتها به" ولاأشك أن الثوار العرب كانوا سيرضون بذلك الانجاز "الثوري" مع مونيكا .. مونيكا ربما لم تكن ستبيعنا أوهاما .. وربما انشغلت عن مجلس الأمن في هواياتها "البريئة" بدل الانشغال بدمنا وبقتل الناس وتسويق الموت والرعب والفتاوى الثورية .. ربما كانت السيدة هيلاري تريد ان تقول لنا انها أقدر من مونيكا على ارتكاب الرذيلة والفحش وماسمعناه من فمها بحق الشعب السوري واحتقار آلامه أكثر فحشا مما فعله فم مونيكا لوينسكي .. ولاأنكر أنني ضحكت كثيرا في نهاية حديث السيدة كلينتون لأنني لأول مرة تعاطفت مع السيد بيل كلينتون وأحسست كم كان الرجل على حق عندما اختار مونيكا ليبثها أحزانه وليعطيها حكمته بدل هيلاري التي لاتعرف الا طعم آلام الأقليات السورية والشعب السوري ولاتعرف طعم آلام زوجها .. وتمنيت للحظة أن أكون في كرسي السيد بشار الجعفري لأنهض ولأقترب من السيدة كلينتون وأهمس لها في أذنها ببعض الحرج والأدب الجم في مناسبة كهذه بأن: "الشعب .. يريد .. مونيكا .. لوينسكي"!! ..
العالم للأسف اما أصيب بالجنون أو اننا لم نكتشف العالم الا بالحرائق في هذا الربيع العربي الملتهب .. هذه الحرائق رغم كارثيتها الفكرية والاجتماعية أنارت لنا شيئا من الظلام الذي كنا نعيش فيه دون أن ندري اننا نعانق الأفاعي ونملأ أطباقنا بالعقارب والعناكب .. ورأينا في الظلام وعلى أضواء ألسنة اللهب كم هذا العالم شرير ومنافق وأفاق ومحتال ومخادع .. بل كم هو شرير ويريد بنا شرا .. ورأينا كم كنا مثاليين وطيبين ومغمضي الأعين كالقطط الصغيرة ..
ماهذا الهراء ؟! جوبيه ..وهيغ ..وكلينتون .. وحمد وصبيه العربي مجتمعون لانقاذ شعب سوريا ؟؟!! من جديد اسمعوا وأصيخوا السمع وتفكروا: جوبيه ..وهيغ ..وكلينتون ..وحمد وصبيه العربي .. مجتمعون لانقاذ شعب سوريا..!! اذا لم تسمعوا فاسمعوا من جديد: جوبيه (وزير خارجية المهاجر اليهودي ساركوزي) وهيغ (عضو جمعية اصدقاء اسرائيل الذي يفتخر بانه انضم الى اللوبي المؤيد لاسرائيل عندما كان عمره لا يتجاوز خمسة عشر عاما) وكلينتون (التي زوج ابنتها يهودي متطرف) وحمد (الذي يملك شقة في نهاريا الاسرائيلية) وصبيه العربي (بتاع كامب ديفيد) ..كلهم مجتمعون لانقاذ الشعب السوري ؟؟
هل أعيد من جديد ؟؟ اسمعوا اذا: جوبيه الذي قتل أجداده البطل حسن الخراط في الغوطة الشرقية (وجوبيه يقاتلنا بمسلحين في نفس الغوطة التي قتل فيها الفرنسيون حسن الخراط) ..وهيغ (الذي باع جدّاه بلفور وسايكس فلسطين وسوريا) ..وكلينتون (التي قتل شعبها من المسلمين والعرب في عشر سنوات مثل ماقتل كل الغزاة مجتمعين في تاريخنا) .. كلهم مجتمعون لانقاذ الشعب السوري ؟؟ هل سمعتم جيدا؟ ..
من لم يسمع ماقلت ومن لم يفهم ماقلت فسنمنحه مرتبة ثورجي عربي اسلامي .. بمرتبة الشرف العثماني ..فهؤلاء لايتكلمون ولايكتبون لغتنا.. ولايتكلمون لغة ألف ليلة وليلة العربية ولايفهمون غضب شهريار ولاقلق شهرزاد .. هؤلاء يفهمون لغة مونيكا لوينسكي وشعارهم هو: الشعب .. يريد .. مونيكا ...لوينسكي ..
حتى أنت يا بوتين؟!! هل يفعلها أردوغان في الكوميديا الالهية؟
ماحدث في الأشهر الأخيرة من تغير في المشهد الاقليمي وتقلبات الدول والعلاقات في مأساته وغرائبيته أشبه "بالكوميديا الالهية" للشاعر الايطالي "دانتي أليغييري" الذي وصف في ملحمته الخالدة التصورات المسيحية للآخرة وقسّم ملحمته الى ثلاثة أقسام هي: 1- الجحيم 2- والمطهر 3- والجنة ..
والكوميديا الدولية في الربيع العربي أطلقت "مرحلة الجحيم" في تحول أمير بدوي جاهل من أتفه ماأنجبته جزيرة العرب الى منظّر للحريات ينضوي تحت جناحه مثقفون عرب .. والكوميديا تجلت في اندفاع السعوديين المعروفين بحكمهم القروسطي الظلامي خلف شعارات الحرية والعدالة والثورة والبكاء على الشعب السوري ..والكوميديا أيضا تجلت بظهور شخصيات من قاع تخلف المجتمع العربي لتتلاعب بمصير الشعب السوري مثل العرعور والقرضاوي .. بل تجلى الجحيم كله في انقياد مثقفين عرب وسوريين لقيادات دينية وخارجية متناقضة معها تماما مثل برهان غليون وكل رهط استانبول .. والكوميديا الدولية تأبى الا أن تتوج هذا الجحيم الفكري بتصريحات الناتو عن الحرية وحقوق الانسان فيما هو يبول عليها وعلى أبنائها..
مرحلة الجحيم في الثورات العربية هي التي توّجها وصول "قيادات" اسلامية هزيلة متواطئة مع الغرب .. وفي سورية وصلت الى ذروتها في الظهور المسلح للارهابيين والمهربين الذين سرقوا اسم الثوار من قواميس الشرق المجاهد ومن مسلسلات باب الحارة في محاولة لاستدراج البلاد الى عنف وقلاقل أدت الى كثير من الضحايا والشهداء والى تراجع الشعور العام بالأمن ..
"جحيم" الربيع العربي لن يصل الى "المطهر" الا بعد نبذ هذه التيارات الاسلامية المشوهة بالنفط والغاز التي تطفلت على الاسلام الحقيقي الذي كان اعاد اكتشافه جمال الدين الافغاني ومحمد عبده فقام القرضاوي بايمانه الرث .. ببيعه بالدولار
لكن متى ستنتقل الأزمة السورية الى مرحلة المطهر ..؟؟ أي متى ستنتهي مرحلة الجحيم؟؟ وأين تسير الأحداث بعد ذهاب المراقبين العرب؟
الكل متفق الآن أن الوضع السوري سيتغير بشكل دراماتيكي في أحد اتجاهين ..اما أن يتغير التماسك في المحور السوري-الايراني-الروسي، واما ان يتفكك المحور المقابل الغربي- العربي- التركي بتراجع أحد مكوناته ..
محور الشر العربي –الغربي المناوئ للشعب السوري يصر على تصعيد الجحيم .. والسؤالان اللذان يشغلان كل المحللين السياسيين وكل السوريين هما: هل ستغير روسيا اتجاهها أخيرا مما يعني أن مرحلة الجحيم بلا نهاية وأن لامطهر ولاجنة بعده؟ والسؤال الثاني -وهو أكثر الحاحا - هو لماذا لم تحسم الدولة السورية بشكل كامل؟ هل كما يشاع بأن للاعتراض الروسي على الحسم العسكري أثر؟ هل الدولة من الضعف بحيث لاتتحرك ضد المسلحين؟ اذا ماذا ننتظر؟
لايستطيع أحد الادعاء أنه يعرف يقينا أي جواب الا "الراسخون في العلم السياسي" .. ومايلاحظ أن كل من يواجه السؤال من معسكر السلطة والمعارضة لايعطي جوابا قاطعا عن سبب تأخر الحسم وتبدو عليه الحيرة أحيانا مما يزيد في الحيرة ..خاصة وأن الجميع يدرك مدى قوة السلطة عسكريا التي لن تحتاج الى كبير عناء لالحاق هزيمة ماحقة بالمسلحين خلال أيام ..
فيما يخص السؤال الأول المتعلق بروسيا، فان من يطرحه ليس هو الجانب الرسمي السوري بل هو معسكر الشر الخليجي الاستانبولي .. والغاية منه ابقاء الوطنيين السوريين والشارع السوري في حالة ذعر وهو الذي يمور بالتفاؤل بعد ثبات الدولة السورية في وجه أعنف هجوم عالمي اعلامي- سياسي- ارهابي على دولة .. فتركيز محور الشر على هذا السؤال هو لابقاء المواطن السوري قلقا وينظر الى الخلف لحماية ظهره وليس الى الأمام لمواجهة الأشرار والمشكلة الرئيسية .. وبالطبع لاشاعة الاحباط والتشجيع على النجاة من سفينة "تايتانيك" الغارقة .. وكذلك يروّج الثورجيون تلك الاحتمالات لابقاء القيادة السورية وجمهورها متوترا ويفكر في تقديم تنازلات وطنية في المفاوضات السرية (التي تجري الآن بصمت مع السوريين كما يعتقد) خوفا من مفاجأة تغير روسية تقلب المعادلة على السوريين في آخر لحظة .. خاصة بعد أن تبين أن روسيا تمسك بلجام الغرب وتشده بقوة بعيدا عن سورية..
اعلام الثورجيين والعربان لايستحي طبعا ولايعنيه ان احتقره المشاهد السوري لأن هذا الاعلام توقع انقلابا روسيا في كل يوم منذ عدة أشهر .. حتى أن أحد المعلقين رد ساخرا على هذه القراءة الساذجة بالقول: المعارضون وحلفاؤهم قد وصلوا الى حال يرثى لها في تمنياتهم بشأن روسيا.. ومن يستمع لنبوءاتهم يعتقد أن روسيا ستقرر احتلال سوريا بنفسها .. وأن الأسطول الروسي وحاملة الطائرات قبالة طرطوس جاؤوا لانزال قوات برية للغزو الروسي لسوريا ..!!
بالتأكيد يستغل الاعلام "المراهق" بعض المقولات ويجترّها ليل نهار من مثل أن روسيا باعت العراق وليبيا ... وروسيا في النهاية تبحث عن مصالحها .. بل ان الطبال عبد الباري عطوان كلف نفسه وساهم في قرع الطبول وحمل هذه "البطيخة" من قبل الصحافة الاسرائيلية بترويج فكرة أن الروس في النهاية سيبيعون من أجل مصالحهم قبل كل شيء .. وقد غاب عن هذا الصحفي الطبال وغيره - الذي لم تصدق نبوءة واحدة له حتى اليوم - ان روسيا في اصرارها على دعم السلطة السورية تدعم مصالحها هي في بقاء نظام الحكم الحالي وان كل البدائل ستجعل روسيا نفسها متسولة لمصالحها في الشرق..
الاعلام "الرشيد" الخليجي لايستحي حتى من تذكيرنا واستغلال تجربتنا مؤخرا من طعن بعض الأصدقاء ويريدنا أن نؤمن أن الروس سيطعنوننا في الظهر كما فعل الآخرون باعتبار أن كل من كانوا أصدقاء طعنونا في الظهر من صغيرهم حمد الى كبيرهم أردوغان مرورا بصبيان لبنان وملوك رقصة العرضة بالسيوف السعودية ..
لابد أن نعترف الآن ان الشخص الوحيد الذي فاجأنا هو أردوغان أما حمد وصبيان لبنان مثل سعدو وجنبلاط فتاريخهم لايدل على أن لهم أخلاق الفرسان بل هم لايجيدون الا الغدر .. وأمثال وليد بيك جنبلاط لم نعتبر طعنتهم غير متوقعة بل في الحقيقة ما فاجأنا هو تأخر وليد بيك في اخراج نصل خنجره من غمده .. والقياديون السورين كانوا يرون بأطراف أعينهم تحركات ظلال جنبلاط على الأرض خلفهم .. ويتمتمون في كل مرة : يا الله !! هل هذا هو فعلا ابن كمال جنبلاط الذي يقال أنه وطني يريد اعلاء منطق الفروسية وقيم الموحدين؟؟
يكثر الثورجيون من النظر الى روسيا ومن أخذنا عنوة لنرى معهم مسرحية من الخيال السياسي اسمها (حتى أنت يابوتين؟) .. لكن لاأدري لماذا ينسى الثورجيون ظهورهم .. ولايلتفتون .. فهناك مرشح بينهم للانقلاب عليهم وهو ان انقلب انتهت كل اللعبة .. انه تركيا ..ومن هنا يمكن تفسير تلكؤ السوريين في الحسم العسكري الذي يحير الجميع ..فكيف ذلك؟؟
في الحقيقة هناك بعض الهمس الخفيف بين مراقبين غربيين متابعين "للربيع العربي" وصلتني شذرات من آرائهم عبر الايميل من خلال سؤالين وجهتهما لهم ..الأول: عن احتمال انهيار النظام في سوريا اذا ماتغيرت المعادلة بغياب العامل الروسي ..والثاني عن تفسير الغموض في موقف الدولة السورية من الحسم العسكري !! .. فعادت جميع الأجوبة تقول انه لاتوجد أية مؤشرات قوية تؤدي لانهيار النظام .. وبالطبع لادلائل على تغير الروس .. بل على النقيض ..ان تحت السطح مايعاكس ذلك ..
تقول هذه الآراء ان لاحيرة في الاجابة عن سؤال الحسم العسكري ..فالسوريون لديهم كل الامكانيات للحسم ..لكن من الواضح أنهم ينتظرون مفاجأة ..أو يعملون على انتاج مفاجأة ..وهم يتصرفون بنفس خطوات الخصم الذي يريد احداث خرق في الموقف الروسي ..لكنهم كما يبدو يعملون على احداث خرق في المعسكر المناوئ لهم ..وحظوظهم في ذلك أوفر .. اما لماذا فان تقدير الدولة السورية هو ان "مايمكنك تقطيعه بالملعقة لاتقطعه بالساطور" .. وهم مهتمون جدا بأن يتم شلّ المعارضة المسلحة بدل تصفيتها دمويا ..فالسوريون لايفضّلون "حماة" ثانية ولا "عنف الثمانينات" ولا طريقة عبد الحليم خدام ورفعت الأسد، خاصة ان المسلحين يتمترسون في أحياء سكنية .. بالطبع يعمل السوريون على اختراق المسلحين استخباراتيا بعناية، في الوقت الذي تظهر فيه دلائل على أن هناك جهدا لاحداث خرق يشل المسلحين تماما ويشكل حالة صدمة للمعارضة يتمثل في غياب قوة رئيسية داعمة !!
الاختراق العسكري صار واضحا فأحد التقارير التركية يشير الى صورة أحد مسلحي الجيش "الحر" الذي ظهر في احدى اللقطات يرفع شارة النصر كان أحد الذين ألقي القبض عليهم سابقا بتهمة حمل السلاح وأطلق سراحه وهناك تحذيرات من أن هناك كثيرين ممن تم تجنيدهم في المعتقلات لصالح الاستخبارات السورية تم زرعهم في مفاصل المسلحين ..وعملية الاستئصال ناضجة معلوماتيا الآن على الأقل ..
اما بخصوص تغييب احدى القوى الرئيسية المساندة للمعارضة فتقول تفاصيل هذه الآراء أنه فيما يتطلع التحالف المناهض لسوريا لاحداث خرق في موقف روسيا ليكون بداية النهاية في اللعبة السورية فان على هذا التحالف ان ينظر خلفه قليلا.. فلربما وجد أحد الحلفاء للمعارضة قد "كوّع" .. فاللاعب التركي مثلا يبدو متلكئا عن متابعة المشهد واستئناف المباراة ..بعبارة أخرى ليست روسيا هي التي ستنقلب وتغير اتجاه الاحداث .. بل تركيا هي المرشحة أكثر بكثير للانقلاب على مواقفها السابقة ..والمتابع لما يقوله الصحفيون الأتراك مثل علي بولاتش في صحيفة "زمان" الموالية لحزب العدالة والتنمية وابراهيم قره غول وعاكف ايمري يمكن أن يهرش رأسه قليلا في حيرة ..وربما هز رأسه بعد ذلك موافقا ..
وقد لفت أحد الردود نظري الى تصريحات طازجة لعلي أكبر ولايتي كبير مستشاري الأمام علي الخامنئي في الشؤون الخارجية وفيها تحدث بودّ عن تركيا وأن "الأصدقاء" الأتراك يراجعون مواقفهم ..!! وهذا رجل لايتحدث هراء ولايمنح الصداقة جزافا ..
يبدو الأمر صعبا قليلا .. ولكن في رأي هؤلاء المراقبين فان تركيا كانت رأس الحربة الرئيسي في المشروع ضد سوريا غير أن حساباتها تعثرت كثيرا ولم يسقط الأسد في الأسابيع الأولى كما توقعت (أو كما زيّن لها) رغم كل التهديدات والضغوط والعنتريات التركية .. والأزمات بين الدول المتجاورة قد تحتمل عداوة باردة لسنوات وعقود كما هو الحال عبر التاريخ لكنها لاتحتمل سخونة متواصلة وحرائق الا لشهور معدودة خاصة في غياب قدرة من الطرفين على بقاء العيش في الحريق ..بل انه حتى الحروب الطويلة تمر بفترات برود واستراحة .. والأزمة السورية التركية تجاوزت تلك المرحلة ويجب أن تصل الى استقرار ..وبرود النار
الأتراك صاروا الآن يعرفون أن الاستمرار في اللعبة ورطة وأن الرهان على الحصان الخاسر ليس "شطارة" .. وهم يعرفون أن رسائل ايرانية وروسية صارمة قد وصلت اليهم وان كل الدعم من الغرب تبخر .. والأهم أن رسالة الشعب السوري كانت الأكثر حسما ورآها القياديون الأتراك حيث وصل هدير ساحة الأمويين الى قلب مكتب أردوغان حتى اهتزت صورة كمال أتاتورك على الحائط من صدى الحناجر السورية الغاضبة .. أي أن الأتراك اكتشفوا أنهم سيحاربون نيابة عن الآخرين وسيعيشون على حدود الحرائق وربما يلسعهم اللهيب ..علاوة على ذلك فان الأسد لن يطيل سكوته ويستطيع ببساطة اطلاق حرب عصابات في تركيا ردا على عصابات الاخوان القادمة من حدود تركيا ..لتنتقل الحرائق الى تركيا
في تقدير هؤلاء المحللين يلاحظ أن المسؤولين السوريين يتوقفون كثيرا عند كلمة "الحل السياسي" .. وربما ما يقصدون ليس الحل السياسي عبر حل مع المعارضة الخارجية –التي سقطت وطنيا ولادور لهت في الأزمة الا دور الكومبارس- بل عبر حل مع دول "المحور المتآمر" .. ولاتبدو لهجة السياسيين السوريين متحمسة للحسم العسكري حتى وان ذكرها الرجل الهادئ وليد المعلم .. فالحسم السوري تردد بسبب اتصالات ووساطات تريد سحب تركيا من المشروع .. وانسحاب تركيا هو الضربة القاضية للمعارضة ومشروع قطر والسعودية .. والسوري يدرك أن انسحاب تركيا يشبه مايسمى "بقتل الثؤلول الأم" وانقطاع الشريان المغذي للتمرد .. وسيسقط التمرد المسلح بالتالي نفسيا وعسكريا .. وستكون هناك ضربة نفسية خاصة اذا تمت مقايضة أسرى أتراك برأس رياض الأسعد .. حيث يتردد في بعض الأوساط أن هناك أسرى أتراك لم يظهرهم الاعلام السوري تلبية لرغبة تركية ..ويعرض الأتراك المساعدة في اطلاق سراح الايرانيين المخطوفين مقابل الأتراك الضباط (الايرانيون اختطفوا لهذه الغاية) .. لكن السوريين يريدون الى جانب اطلاق الايرانيين رأس رياض الأسعد وبعض الرؤوس الأخرى (؟؟؟).. ليس لأن الأسعد عقل عسكري عملاق وليس لأنه يشكل خطرا عسكريا .. بل لأن الخيانة في العقيدة العسكرية السورية لاتغتفر .. وقد تجرأ الأسعد على ارتكاب الخيانة ..وهذا مالايقبله الجيش السوري وقيادته ..
القضية محرجة جدا للأتراك وصعبة الاخراج رغم أنها ليست مستحيلة منذ أن قيل ان حسين الهرموش قد تمت مقايضته .. وقد يكون السيناريو المقترح بتصفية الأسعد وبعض زملائه بافتعال معركة داخلية في الجيش الحر أو نسفه كليا والادعاء أن عملاء المخابرات السورية اغتالوه .. بل ان أحد المعلقين لم يستبعد أن المسلحين المتسللين من تركيا الذين يجدون القوات السورية بانتظارهم وتتربص بهم وتقتلهم بالعشرات على الحدود التركية يتم التخلص منهم بالتدريج عبر اتفاق بين السوريين والأتراك بتزويد السوريين بكل معلومات تحركهم وقنواتهم ليتم اصطيادهم على الحدود في الشراك السورية.. وبذلك تتخلص تركيا تدريجيا من هذا العبء دون احراج نفسها..
ومايلفت النظر أنه بالرغم من تصريحات أوغلو فلاشك أن العنتريات التركية تراجعت نسبيا ..والسوريون لايعنيهم بقاء جماعة استانبول تمارس نشاطها السياسي وثرثراتها في ضيافة أردوغان الذي يقدم لهم القهوة التركية فهي في النهاية عبء على تركيا طالما انها فشلت في الوصول الى السلطة في سورية وربما لن يطول الوقت حتى تتذمر القيادة التركية من تواجدهم .. بل ان مايعني السوريين هو قطع تركيا لصلتها بالمسلحين ومساعدتها على التخلص منهم بهدوء .. وعدم ايوائهم في معسكراتها ..ومما يشاع الآن أن الحسابات المالية للجيش الحر في تركيا تتعرض لما يشبه الاغلاق والحصار ..
ان انسحاب تركيا الذي يتوقعه البعض هو أمر لامفر منه لمصلحة تركيا قبل كل شيء.. التي في النهاية تريد مصالحها وليس مصالح برهان غليون وبسمة قضماني ..أما انقلاب روسيا فهو محتمل جدا .. ولكن في حالة واحدة فقط .. هي عندما يتراجع شاطئ البحر المتوسط الشرقي الى حدود ايطاليا !!!..
ويعتقد هؤلاء أن العرب (القطريين والسعوديين) يراقبون بقلق تململ تركيا وربما يتناهى الى مسامعهم شيء عن انقلاب تركي ..وهم يريدون الامساك بتركيا واقناعها بالاستمرار قبل أن تنزلق من أيديهم .. فسارعوا لذلك الى دفع القضية السورية الى مجلس الأمن وأوقفوا بسرعة عمل مراقبي الجامعة العربية .. بل وأعلنوا صراحة استعدادهم لتمويل المسلحين وشددوا من أوامر تحريك مجموعات القتلة في المدن السورية لاستفزاز النظام ليقوم بعمل عنيف يفضي الى تدهور الأحداث بشكل ما أو انطلاق حرب أهلية مما يعطي أملا لتركيا بالبقاء مع محور المؤامرة ..
النظام يعتقد انه يهز العصا الغليظة الآن للمسلحين وينظر في نفس الوقت الى تركيا التي ستحدد مصيرهم ..!! وهي بذلك لن تعيد بناء سفنها التي احترقت في دمشق بل على الأقل لن تحرق ما بقي من السفن التي قد يقودها حزب آخر وتركي آخر في رحلة "الغفران" .. ويرى هؤلاء الخبراء أن الأسد جاهز تماما للحسم وبدأ التحرك وهو لايستطيع انتظار المفاجأة الى مالانهاية .. بل ان التلكؤ بالحسم قد يفقده قيمة الانجاز اذا ما تأخر ..الأتراك بدورهم ينتظرون ليقرروا .. واذا ماقرر الأتراك الصفقة فلن يبقى للمسلحين سوى شمال لبنان من ملجأ .. واذا ماتجمعوا هناك .. كانت نهايتهم... والمنطقة كلها تنتظر الصفقة السورية التركية اذا ماتمت ..حتى مصر صار كثير من جمهورها مقتنعا أن مصير ومستقبل مصر مرتبط بأحداث سوريا ..فسقوط سوريا سيعني ان مصر أقبلت على التفكك مثل سوريا .. واذا نهضت سوريا أنهضت معها مصر وأنقذتها من مصير التفكك..ولذلك لاقت جهود الاسلاميين المصريين في اظهار الدعم والتأييد للثورة السورية في المظاهرات الاحتفالية الأخيرة بعض الفتور من الجمهور المصري المتابع ..
في الحقيقة لاأستطيع تحديد اين تكمن القوة او الضعف في هذه الآراء وفي فرضية انقلاب تركيا .. فهي اجتهادات متابعين وباحثين في الشأن السياسي من وجهة نظر غربية محايدة ..لكن من الملاحظ أن صوت تركيا في بداية الأزمة كان عاليا ومصحوبا بالضجيج فيما كان صوت روسيا هادئا .. ثم حدث تبدل منذ الفيتو الرورسي حيث ارتفع صوت روسيا وخفت صوت تركيا .. مما يجعلني أكثر ميلا للاعتقاد أن مالم يتوقعه الثورجيون هو مفاجأة ليست في انقلاب روسي بل ربما في انقلاب تركي ..هذا الانقلاب الذي انعكس في صوت أحد الثورجيين الذين استمعت اليه وهو في مجلس خاص يكيل السباب المقذع وأبذأ البذاءات بحق تركيا وأردوغان ..
وهنا فانني أطرح سؤالا مشروعا:
لماذا تفتش روسيا عن مصالحها ولاتفعل تركيا ذلك؟ أي ماالمانع من حدوث هذا الاتجاه لدى أردوغان فينقلب الرجل على المعارضة السورية؟ لاتقولوا لي ان أردوغان رجل لايبيع ولايغير كلمته وأنه قد أمسك "شنباته" عندما تعهد بدعم البلطجيين والمهربين السوريين وسماهم ثوارا..لاتثقوا به كثيرا فمن يطعن بشار الأسد وشعب بشار الأسد بهذه الطريقة الرخيصة سيطعن الثورجيين والاستانبوليين .. وبرهان وبسمة ..وشقفة وطيفور .. وحمد وعرعور ..واللاذقاني وجعارة وعبد النور ..وكل ثورجي وطرطور .. وسيكون موقف الثورجية مضحكا وهم عراة من غير الطربوش والشروال التركي ..
انها الكوميديا الالهية التي بدأها حمد وأردوغان والتي قد ينهيها أردوغان نفسه بنسختها العربية الأصلية للمعري أي "برسالة الغفران" .. وستنقلب عندها الكوميديا الالهية برأيي .. الى العناية الالهية ..وصدق من قال ...سورية ..الله ...حاميها ..
صرخة أرخميدس وضحكة ممدوح عدوان.. ورسالة الى الجزيرة
هناك نوع من الحوار يجعلك لاتعرف مشاعرك فهو يثير ضحكك وفي نفس الوقت يثير سخطك وغضبك ..وتحتار .. أتلبي رغبتك في الضحك أم رغبتك في الغضب؟ .. لكن هناك ماهو أكثر بلوى .. وهو الحوار الذي تمر فيه كل المشاعر البشرية عليك دفعة واحدة كخليط عجيب يجعلك شخصية لاصفة لها الا "المختل عقليا" .. هذا الحوار الذي لاتستطيع فيه قاومة نوبة من الضحك الهستيري .. لكنك تنتبه وأنت منتش مسرور الى حقائق مذهلة معترضة في عبارات الحوار تسبب لك الذهول المفاجئ فيتوقف ضحكك كما لو كنت تضغط الفرامل في سيارة مسرعة ..ثم تتوقف فجأة أمام كلمة أو كلمتين تضيفان مشاعر الغضب والسخط الى مشاعرك في نفس لحظة الفرملة المفاجئة .. وعند تدقيقك في الانسجام المنطقي للعبارات المنطلقة من فم المحاور تحس برغبة بالبكاء ولاتقدر على تجاهل مشاعر الأسى والخيبة التي تحيط بقلبك كالغمام والضباب والدخان ..وتستنتج أن هذا الحوار يجبرك على العيش في ظروف نفسية متضاربة يعجز معها علم التحليل النفسي عن التواصل معك لانقطاعك عن العالم الواقعي .. هذا هو ماتعيشه اثناء الحوار مع المعارضين العرب .. وبالذات مع المعارضين السوريين الأشاوس ..
عندما استعانت المعارضة العراقية بالأمريكيين للوصول الى السلطة قامت قيامة الاسلاميين العرب على "العلاقمة الجدد" العراقيين الذين أدخلوا هولاكو من جديد .. واستمعت بنفسي الى حناجرالاسلاميين تغضب وتتمزق صراخا .. ورأيت الزبد يتطاير من أفواههم وهم لايستطيعون التوقف ثانية لابتلاع لعابهم بل يستخدمون كل ثانية لاطلاق الشتائم على هذه المعارضة "العميلة" .. وقد كنت أنتشي وأنا أرى الرذاذ والمطر الهاطل من الأفواه وأطمئن على مستقبل العرب .. ولكن يابلدي الطيب يابلدي .. وعندما جاء الدور على جميع المعارضات العربية ..وبالذات السورية ..رأيت نفس الزبد يخرج من نفس الأفواه الغاضبة انما هذه المرة لتخوين من لايطلب دخول الناتو الى بلداننا وقصفنا باليورانيوم المنضب مثل العراقيين والليبيين .. كل المعارضات تريد الحرية حتى بتدمير لقمة عيش الفقراء وتدمير أمنهم وأمانهم ..وسرقة اللحظات الفرحة والحزينة واختطاف سهراتهم العائلية ..وتحيات الصباح والمساء بين الطوائف..وبقطع ألسنة المآذن والكنائس كيلا تتبادل الحديث..
منذ بدايات هذا الربيع الرومانطيقي وأن أخوض الحوارات مع الجميع وأبحث عن اصدقائي المعارضين بألوانهم كافة وخاصة من ذوي التوجه الاسلامي شؤون الوطن والحرية ..لأفهمهم..
كانت بداية انفعالاتي التي نوهت لها أعلاه (حيث أتخبط في مشاعري وارتكاساتي المتناقضة) قبل بدايات الربيع التونسي عندما كان أحد أصدقائي الصحفيين يروي لي كيف حذف العبارات المؤيدة لحرائق هذا "الأخرق" البوعزيزي من مقالته كيلا تحجب الصحيفة مقالاته وراتبه .. وكان يتحدث معي عن التسامح الجميل في سوريا وعن احتقاره للاسلاميين الذين حرص على توبيخهم وتوصيفهم بعبارات نابية بذيئة وحدثني عن معاناته من منطقهم الاسمنتي (هذه الكلمة هي بالضبط مااستعمله) .. بل وكان يصر على دعوتي لشرب (الكاس والطاس) معه في بيته نكاية بهؤلاء "الأوغاد" ..الى أن فوجئت به ينضم للمعارضة ويصبح عضوا في المجلس السوري الانتقالي بل ويجلس الى يمين الشقفة ويسار الطيفور ويتمسح بجميع ذوي اللحى الطويلة ويستميت في اطلالاته الفضائية الكقيرة في الدفاع عن الثورة السورية التي لم تنطلق الا من المساجد .. ولأنني أحترم العشرة وخصوصية الحديث مع الأصحاب فلا أستطيع الا أن أنسحب صامتا من صداقتي به مكللا بكل الخيبة..ولايمكنني عندما أراه الآن الا أن أصاب بذلك المزيج من الضحك والبكاء ..والبكاء والغضب ..والغضب والغضب ..
صديق آخر يتحدث من الولايات المتحدة الأمريكية كثورجي الى الفضائيات الثورجية لاأزال أذكر أنني عندما ودعته في مطار دمشق منذ سنوات قال لي بأنه لن يعود الى دمشق لأنه يرى ردة اسلامية في المنطقة وهو يخشى أن يربي أولاده في هذا الجو الراديكالي لأنه أميل للحرية .. وقال لي بالضبط: (أخشى أنني سأعود ويكون الاخوان المسلمون في الحكم ..عندها سأطلق النار عليك وعلى نفسي لنتخلص من هذا الرزء والعار) ..قال ذلك قبل أن ينفجر ضاحكا !! واليوم يدرك صديقي هذا ان الحراك هو حراك ديني وان بلاليع المنطقة طافت بالاسلاميين من تونس الى مصر ولن تكون سوريا استثناء في حراكها فهو حراك راديكالي اسلامي لايمكن دحض وجوده .. الله ياصديقي كم كان زمننا جميلا وكم صار زمننا رديئا ..هل ستطلق النار على نفسك الآن ..أم على صديقك الذي ستطلق النار عليه لأنه لم يؤيد ثورتك .. لايمكنني الا أن أصاب بذلك المزيج من البكاء ..والبكاء..والضحك ..والغضب ..ثم البكاء
لكن الحديث الذي لم يمكنني أن أتعامل معه الا بالفشل الشديد في لجم ضحكتي التي انفجرت ولم تتوقف حتى هذه اللحظة وأنا أكتب هذه الكلمات وأهتز من الضحك وأنا أنقر على أزرار الكومبيوتر هوالحديث الذي سمعته من أحد الاسلاميين الذي كان يتحدث الي منذ أيام بين الهمس السري والجد الشديد بأن الاسلاميين يضحكون على الأمريكيين من مبدأ "التقية السياسية" وأنهم أبرموا صفقة مع الأمريكيين يتبرؤون فيها من سياسة العداء للغرب واسرائيل وما ان يستتب الأمر لهم حتى ينقلبوا عليها ..ويبدأ التحرير ..وتصبح كلها أفغانستان من تونس الى تركيا..!!
لا أذكر في هذا السياق الا عبارة الامام علي " يا حلوم الأطفال ويا عقول ربات الحجال" التي لم تقل الا لمثل هؤلاء المجانين ..
فياصديقي لاتوشوشني ولاتخفض صوتك وأنت تهمس عن التقية السياسية فبرنار هنري ليفي يسمعك حتى في خواطرك .. ماهذه الثورات التافهة التي قلبت أنظمة حكم كانت تمارس التقية السياسية فاذا بها ثورات تعلن أن التقية السياسية مبدأها؟ لقد قرأت عن تاريخ كل ثورات البشرية ولم أسمع أن ثورة مارست التقية السياسية خاصة اذا مانتصرت .. آه لو سمع مظفر النواب (قبل ان يقبل عتبات القصور الأميرية) ماقاله ثوار العرب عن التقية السياسية .. مظفر قال يوما: "لازلنا نتوضأ بالذل .. ونمسح بالخرقة حد السيف" ..ومظفرأقسم (بأعناق أباريق الخمر .. ومافي الكأس من السم .. وبذاك الثوري المتخم ..) ..وربما سيقول مظفر هذه الأيام: "لازلنا نتوضأ ببول الامريكان ونمسح بالتقية السياسية حد السيف" ... لكنه لن يجد شيئا ليقسم به الا مافي الكأس من السم الاسلامي..
ثورات مهيضة الجناح تسير على كرسي متحرك مصنوع في أمريكا ..تماما كما وصفها الراحل الكبير ممدوح عدوان الذي دعاني يوما في دمشق الى مسرحيته عن السفربرلك وأيام الثورة العربية الكبرى وقدم خلالها الثورة العربية على شكل عجوز عاجز يجره أحدهم على كرسي متحرك .. ولما سألته ان كان قد ظلم ثوار ذلك الزمان ضحك ضحكته المجلجلة وتركني أخمن رأيه ..لو كان ممدوح عدوان حيا بيننا لضحك ضحكته المجلجلة اذا ماسألناه عن الثورة والثوار في ربيع العرب.. ولقال لنا: ماذا؟؟؟ ثورة ؟؟؟ وثوار؟؟؟ ثم عاد الى ضحكته المجلجلة التي لاتفارقني..ثم أشعل سيجارته كعادته ولربما قال: لقد قلت لكم يوما عندما دنا أجلي: ها نحن ننهض عن مائدة العمر ولم نشبع .. لكنني سأضيف الآن بأنني محظوظ بهذا النهوض المبكر عن مائدة العمر قبل أن أتذوق هذه النكهة الثورية..المجنونة ..المؤلمة كالموت ..
هذه ثورات مليصة المولد لاتقدر على رفع الصوت دون تقية الا في شوارع مدنها وأوطانها ضد مواطنيها .. الثورجيون السوريون لم يمارسوا التقية السياسية مثلا في تهديدهم للأقليات .. وللعرعور وللطرطور وللقرضاوي أناشيد دينية وألحان ومسرحيات ومطولات في تهديد الأقليات دون أية تقية .. وفي نداءات المظاهرات الدينية والطائفية لا تقية سياسية اطلاقا ..لكن عند التطرق لاسرائيل والغرب يتفنن الاسلاميون في التقيات السياسية والتخفي..ويتسابق الكل للتذاكي وألعاب الخفة الغبية ..ويلعبون الغميضة مع الاسرائيليين ويختبؤون خلف التقية السياسية .. وخلف ظل برنار هنري ليفي الحنون الرؤوم ..
تبوّل الجنود الأمريكيون على جثث الاسلاميين وتبوّلوا على قرآنهم .. ولم نسمع قبضايا واحدا ولاعرعورا ولاقرضاويا شتم وغضب وكتب بيانا ودعا للجهاد بل التزم الجميع الأدب وابتلع البول في حلقه .. فيما اسلاميونا يهرولون بجلابيبهم من تونس الى تركيا الى مصر لتقبيل أيدي الايباكيين في نيويورك .. بالله عليكم قولوا لي ماالفرق بين حملة الانتخابات الامريكية واغداقها الكرم على أمن اسرائيل وبين الثورات الاسلامية التي تغدق في منح الأمان لاسرائيل؟؟!! كلاهما منافق يمارس "التقية السياسية" لكن الايباكي الصهيوني يمسك بلجام الحمار "الديمقراطي" والفيل "الجمهوري" .. والبعير "الاسلامي" ..
"حلوم الاطفال وعقول ربات الحجال" تعتقد أن الصهيوني برنار هنري ليفي ومعاهد الأبحاث الامريكية التي تعمل ليل نهار وقدمت مالايقل عن بضعة ملايين ورقة بحث عن الاسلاميين قد نامت في العسل الاسلامي .. "حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال" تعتقد أن هؤلاء الصهاينة لايعرفون مثل هذه الألاعيب والسجايا والتقيات والتقنيات .. وأنها ما أعدت للأمر عدته ووضعت في كل تيار اسلامي ناسفات فكرية ووعاظا عملاء ومراجع دينية جاهزة ودور افتاء ستفتي بشرب بول الجندي الامريكي اذا مابال على الجثث في الشرق .. وستفتي بأن الأقصى ليس مكان الاسراء والمعراج بل ان "الله أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى الهيكل الثالث الذي باركنا حوله"..!!
"حلوم الاطفال وعقول ربات الحجال" يعتقدون أن من ركب ظهر تنظيم القاعدة (التي قيل انها جندت 19 انتحاريا في هجمات نيويرك وواشنطن ولم تفعل بعدها شيئا مما يثير السؤال) ووجّهه ليجنّد 4000 انتحاري قتلوا عشرات آلاف المدنيين العراقيين ليس له القدرة على ركوب نفس الموجات الاسلامية وتجنيد عشرات ألوف الانتحاريين لتفجيرهم في كل زوايانا..
"حلوم الاطفال وعقول ربات الحجال" لايسألون لماذا أطلقت أميريكا بلحاج الليبي من أقفاصه في غوانتامو بعد أن دربته كحيوان السيرك ..ولايسألون كيف تتغاضى أميريكا والغرب عن تمويل قطر والسعودية للاسلاميين ولبرامج الجزيرة وهي قادرة على منع ذلك لولا أمر ما تعد له الولايات المتحدة ..
أعتقد أننا صرنا نتفق جميعا أن لاطائل عن الحديث مع المعارضات العربية - والسورية تحديدا - وربما لافائدة من الانشغال بثرثراتها وفلسفاتها ومد اليد اليها .. وذلك ليس لأننا لا نجيد الحوار أو أننا لانريده ..وكذلك ليس لأننا مستعجلون لاعلان الحرب على خصومنا واننا بلطجية وشبيحة .. بل لأن كل المعارضات العربية - والسورية تحديدا- قد قالت كلمتها الأخيرة (وتقيتها السياسية) وعرفنا تركيبها الكيماوي وخواصها الفيزيائية واضطراباتها النفسية .. وعرفنا أزماتها العنيفة والأخلاقية الخطيرة .. وعرفنا أن أرخميدس نفسه لن يجد حلا أخلاقيا لهذه المعارضات مهما غطس جسده في الحمام ..
أرخميدس خرج عاريا وهو يصرخ بفرح طاغ: (يوريكا ..يوريكا) أي وجدتها ..وجدتها .. وكان ماوجده معادلة ان الذهب يزيح من الماء بمقدار كتلته .. لكنني أستطيع أن اصرخ مثل ارخميدس (يوريكا ..يوريكا) دون ان أكون في الحمام ودون أن أغطس في الماء .. بل وجدتها في تجولي في المجالس الوطنية الانتقالية .. وجدت أن كل المعارضات العربية لاتزيح قطرات من ماء أية سلطة لأن هذه المعارضات ليست لها كتلة ولاوزن أخلاقي ولاوطني ..هي ذراع أمريكي..
ليس من عادتي الانسحاب من الحوار في الشأن السياسي أو التسليم بالهزيمة عند وجود قضية كبرى لكن فيما يخص الثورجيين العرب فقد جفت المصطلحات وأنهكت طرق الحوار وتعبت الاقلام دون أن يطرأ تحسن طفيف على مجموع العلل التي أصابت هذه المعارضات بل انها تتدحرج من كارثة الى أخرى ومن فخ الى آخر..ومن عار الى عار ومن فضيحة الى فضيحة ..ومن نقيصة الى نقيصة .. نعم صار التخاطب مع هذه العقول المعارضة مصدرا للأسى
وفي نهاية هذا المقال سأرسل الى أصدقائي المعارضين هذه الكلمات التي انطلقت بعد ليلة امتزج فيها جنوني ببكائي وبضحكي وغضبي عندما قرأت بيانا لثورجية الجزيرة والعربية ومذيعيهما الغر الميامين يستنكرون وقوف الجامعة العربية الى جانب السلطة السورية ..هؤلاء المذيعون يهزون ذيولهم حول أميرهم كما تهز كلاب الصيد ذيولها أمام سيدها وهو يأمرها بالانقضاض على الأيائل:
اسمحوا لي أن أحتقركم أيها السادة ..
بل سأحتقركم من غير استئذان لأنكم جديرون به حقاً
ما أنتم سوى حشرات طيارة، لكن ليس من ذاك الفراش الذي يحوم حول الضوء الملتهب .. بل من تلك التي تندفع وراء القاذورات، وتنفر من الورد والعطر، وتلجأ للظل هاربة من النور
أنتم دويدبات تلعق الجروح وتعفنها.. كم أود أن ألعنكم نيابة عن الموتى في القبور ..
وكم أود لو أحاكمكم محاكمات يوم القيامة أيها المتلفعون بأقنعة الجهاد .. وأقنعة الإنسان
لو تدرون جوعي لاحتقاركم ... إنني أتضور جوعاً كليث لم يأكل منذ أسابيع ، ولن يأكل إلا أعناق الفرائس وأكبادها
أيها السادة المتعملقون وأنتم أقزام الأقزام، ما أنتم إلا هياكل شمعية تذوب كالشمعة الحمقاء التي تحمل حتفها على رأسها تتباهى به باكية ... ما نحن إلا لهب من جهنم، تحملونه على رؤوسكم..
يا دمى الكرتون .. إني خجل من دهسك بحذائي ، فأنا لا أدهس إلا رجال الهزيمة الأبطال، ولا أجيد سحق الخسّة والنذالة ورموز النفاق .. إني أخجل ..إني أخجل ..إني أخجل.. أعلم أنكم قتلة ... وكل ثوري وطني حقيقي يقول لكم: أعلم أني مقتول بكم .. لكن حياتي في مماتي.
تلاطم المحاور الضخمة ...نبوءة دانتون "الأخضر"
لم يكن لنا طيلة فترة الأزمة السورية من هدف سوى اعادة المنطق الى العمل بعد أن منحته دول النفط اجازة بلا راتب من حياتنا وحولته الى متسول أجرب في قطر .. ولم يكن لنا من هم في هذه الأزمة السورية سوى أن نعيد للصدق والصراحة مكانتهما كأسلوب رفيع في الحديث مع الناس بعد أن تم اعتقالهما وتعذيبهما في أقبية استوديوهات الجزيرة على يد جلادي شهود الزور .. وصار من أهم واجبات المثقف العربي "الحر" أن يحاول أن يعيد للحرية والأخلاق اعتبارهما بعد أن اختطفهما الثورجيون وتعاملوا معهما على طريقة ثورجية ليبيا البرابرة والهمج مع "أسراهم" الجرحى .. ان الثقافة العربية والشرقية ترتعش رعبا في هذا الصقيع الأخلاقي حيث يجردها البرابرة الثورجيون من ثيابها الدافئة وكل مايستر جسدها الأسمر من قماش الصدق والكبرياء والعفاف قطعة قطعة .. ليتمتع بها برنار هنري ليفي في لياليه الصهيونية ..
اذا كان الثورجيون العرب قد امتهنوا الكذب التوراتي وفتحوا زنازين الأكاذيب للحقائق فاننا سنقيم للمنطق بالمقابل مهرجانا كبيرا وندعو الصدق الى هذا المهرجان الكبير ليكون ضيف الشرف الرفيع بعد أن أذلته وأهانته بيانات الثورة السورية وأذاقته السم الزعاف وجلدته بتصريحات فرنسي ثمل اسمه برهان غليون .. سنقيم مهرجان الحقيقة هنا في هذه المقالة .. فالناس في الأزمات قد تثني على من يرفع معنوياتها ويشبع شوقها لأخبار النصر لكنها لن تغفر لمن فعل ذلك و"هو يدري" أنه يطهو لها الحصى ويعدها بالطعام الدسم .. وفي التراث أن "هاشم" جد الرسول الكريم سمي هاشما لأنه هشم الخبز في مرق اللحم في سنوات القحط ليطعم الجياع "الثريد" .. وفي هذه الأزمة الناس جوعى للحقائق ولم تمضغ من أخبار الجزيرة وزغاريد المعارضة سوى الحصى والطين... ولذلك فاننا لن نضع في القدور الحصى والحجارة .. بل سنهشم الخبز في "الثريد" .. خبز الحقائق ونعطيه للناس بلا مقابل كما فعل جدنا هاشم .. فالكلمة الصادقة حسنة عظيمة في زمن النفايات الثورية..
ماذا تريد الجامعة العربية أن تقول؟؟..
ان من يعتقد أننا أخذنا على حين غرة بقرارات الجامعة العربية فلاشك أنه لادراية له أننا أعرف الناس بأخلاق عرب النفط .. أخلاق عرب النفط لونها بلون النفط ورائحتها كرائحته ولافرق بين برميل النفط وبرميل الأخلاق لديهم سوى أن برميل النفط أغلى سعرا وتحدده "أوبك" .. أما سعر برميل خام الأخلاق العربية الملكية والأميرية فتحدده "ايباك" ..والفارق بين "أوبك" و"ايباك" هو كالفرق بين حمد بن جاسم وبنيامين نتنياهو .. أو بين حمد بن خليفة وباروخ غولدشتاين ..أو بين عزمي بشارة وايليا كوهين .. أو بين يوسف القرضاوي و مائير كاهانا ..
أما من يعتقد أننا وضعنا بسذاجة كل البيض السوري في سلة نبيل العربي فلاشك أنه لايعرف أننا لانضع أي بيض في سلال تختبئ فيها ثعابين كامب ديفيد .. ومن يظن أن السوريين قد تلقوا صدمة وأنهم قد رفعوا حواجبهم تعجبا وشهقوا وتلفتوا مستغربين من قرارات العرب فلاشك أنه لايعرف من ألوان السياسة الا مثل ماتعرف موزة بنت المسند .. أما من يعتقد أن الأزمة السورية لم تعد تعرف اتجاها ولاقرارا فسنقوده اليوم الى حيث يتعلم السياسة على أصولها ..الجامعة العربية لم تفاجئنا الا بأنها لم تعقد اجتماعها في تل أبيب ولاتزال تحافظ على المجاملات والشكليات !!
قبل كل شيء ..لايعتقد عاقل أو نصف عاقل أو ربع عاقل أن الأزمة السورية انطلقت أو أطلقت لتغير نظاما أو رئيسا .. بل انها أطلقت لتنهي آخر مراحل رسم خارطة كبيرة وجغرافيا واسعة ولتلعب بمصير مستقبل الأعوام المئة القادمة كما فعلت ماتسمى الثورة العربية الكبرى منذ قرن التي انتهى مفعولها عام 2006 بنهوض محور جديد سنتحدث عنه لاحقا..
ولابد من التسليم أن الصراع بين المحاور العملاقة أنطلق الآن كالقذيفة ولن يعود الى حجرة النار أبدا ووضعت جميع الأطراف "المباشرة" مثل السعودية وقطر وتركيا وسوريا و"غير المباشرة" مثل روسيا والصين والغرب أمام خيار واحد هو خيار طارق بن زياد ..أي احراق سفن العودة واعلان (العدو من أمامكم والبحر من ورائكم)...فكل السفن في المنطقة احترقت ..السفن السعودية والقطرية والخليجية والتركية .. وكذلك احترقت السفن السورية ..لايقدر أحد بعد الآن أن يتراجع الا الى البحر..وللمفارقة التاريخية فانه في عهد (خلفاء الشام) قام طارق بن زياد بعملية فتح الأندلس وتغيير الجغرافيا والتاريخ بعد احراقه السفن ..
وكذلك لم يعد الغرب قادرا على التراجع في المعركة أمام الروس الذي اكتشفوا أن الغرب لم يكتف بتشتيت الحقبة السوفييتية بل يريد رأس روسيا نفسه الذي سيسقطه في بحر طرطوس قبل أن تنهض من جديد رؤوسها النووية لتتحدى .. وقد فهم الروس أن الغرب سيحبس روسيا خلف مضائق البوسفور والدردنيل الى الابد حتى تنهار وتذوب كالثلوج في دفء "الربيع العربي والاسلامي" ..وكل من يعتقد أن روسيا ستغير موقفها بأية مغريات فهو لايعلم في السياسة اكثر من .. مسند (أبو موزة بنت مسند) ومن صهر مسند حمد ..
هل سيثني موقف العرب روسيا عن عزمها الاستمرار الفعال في المحور السوري؟
ان الناظر للخرائط بعين البحّار يرى أن روسيا ان تراجعت الآن وانكفأت، وقعت .. فالضفاف المائية يتقاسمها الأقوياء دوما للحفاظ على الردع الاقتصادي والتجاري المتبادل وهو أساس الصراع الدولي ..فمثلا ابان الحقبة السوفييتية عندما وضعت الولايات المتحدة قدميها على ضفتي قناة السويس (عبر اسرائيل ومصر بعد كامب ديفيد) ..قام السوفييت بتوازن ذلك عبر وضع قدمين واحدة في اثيوبيا (منغستو هيلا ميريام) والحكم الشيوعي في اليمن الجنوبي وذلك لاغلاق باب المندب اذا ما تلاعب الأمريكيون بحرية الحركة في السويس..
واليوم تقف أميريكا على الضفة العربية للخليج وتحتاج روسيا حليفا على الضفة الأخرى فتجد في ايران مؤازرا لموازنة التواجد الأمريكي في تلك المياه التي لاتستطيع ايران التهديد باغلاق هرمزها دون موافقة وتنسيق مع الروس .. وفي البحر المتوسط الذي صار بحيرة أمريكية لم يبق أمام الروس الا المياه السورية التي تقف كنظير لمضيق جبل طارق على النهاية الأخرى من البحر المتوسط ..مضيق جبل طارق "السوري" هو ميناء طرطوس الذي يقف كالممر بين البحر واليابسة الآسيوية المترامية ..فمن يقف على طرطوس ..يلوح لمن على جبل طارق على خط النظر ويلمح الى حدود الصين دون عائق نظري...وكل تجارة الغاز والنفط القادمة من الشرق الى الغرب ستمر عبر أراضي مضيق جبل طارق السوري ..(وليس الاسباني-البريطاني) ..ولذلك لايمكن للروس التراجع ..والدليل أنهم فتحوا مخازن السلاح ودفعوا أسلحتهم المتطورة وتقنييهم وسفنهم وأقمارهم الصناعية لمؤازرة المحور السوري ..أما بعض التصريحات الروسية المسلوقة التي يتلقفها مهابيل الثورجيين فهي تشبه تصريحات الروس بعد عام 2006 ردا على احتجاج اسرائيل من اكتشافها لصواريخ الكورنيت الروسية المضادة للدروع بيد حزب الله ..اذ قال الروس أن ذلك تم من غير موافقتهم أو علمهم ..لكن السر كان أن الروس أعطوا موافقة ضمنية قوية للسوريين بتمرير السلاح الى حزب الله بعد انسحاب السوريين من لبنان وقالوا للسوريين بأن يعلنوا عن اختفاء بعض ذخائرهم المضادة للدروع بطريق الخطأ والضياع وربما السرقة في لبنان في فوضى ولجّة الانسحاب المتعجل!!
لم يعد في مقدور أحد متورط في الأزمة السورية أن لايطلق النار .. فانهيار هجوم المحور السعودي- القطري -التركي- الغربي على سوريا قد يرتد على المهاجمين الذين لم يعد في مصلحتهم القبول بنصف خسارة أو نصف نصر .. لسبب واحد أن سوريا لاتمثل نفسها في هذا الصراع بل تمثل محورا ناهضا ووتدا كبيرا ..والمحاور عندما تتصارع لاتستطيع الا أن تخوض صراع بقاء لايتحمل فيه الآخر بقاء نظيره مهما كان الثمن ..بعكس صراعات الدول المعزولة.
هكذا تخاض صراعات المحاور ..معركة حياة أو موت دون خيار ثالث ..فقد انهار المحور الألماني الياباني الايطالي بشكل مدو رغم استمرار النزاع مع المحور انغلوساكسوني سنوات ولم يقبل أي طرف بنصف النتيجة .. وهكذا انهار يوما المحور الشيوعي بالكامل بكل قطعه بعد صراع مرير لعقود مع خصمه .. واليوم هذا محور آخر نفطي رجعي عربي تركي غربي (بجذور صهيونية) وضع كل ثقله ضد محور سوري ايراني روسي صيني حديث أطل برأسه عام 2006 عندما حدث أول احتكاك بين حزب الله واسرائيل ..وظهر أن المحور الوليد مصمم وخطر جدا وطموح جدا.. وليست مبالغة ان وصفت هذه المعركة بانها معركة القرن الواحد والعشرين الذي سيتقرر شكله قريبا !!
بعد هذا النزال العربي- العربي في الجامعة العربية الذي لم تشهد المنطقة العربية مثيلا له الا النزال العراقي الكويتي لم يعد هناك مجال للتراجع من قبل أحد الأطراف فالقلوب تنافر ودها كما أن الجغرافيا القديمة تعبت من ثبات خطوطها وحدودها .. ومابيننا وبين العرب النفطيين لم يعد الخلاف فيه على مقولة "أنصاف رجال" .. بل الخلاف أن بيننا وبينهم .. دمنا الذي سفكوه وأنهم كانوا يبيعون نفطهم بالبراميل ويتعاملون مع دمنا كالنفط في براميله ..وبيننا وبينهم صراع الخير والشر
طبعا ليس هناك من شك أن من وضع الخطط المتعلقة باسقاط النظام السوري لم يعد يستطيع التبجح بالقول انها تسير كالساعة وأنها لاتتعثر ..أو أنه أحرز نصرا كاملا أو شبه كامل .. والتوصيف الدقيق هو أنه ألحقت بمن خطط نصف هزيمة حتى الآن ..لكنها بمقاييس المحاور خطرة جدا وتشبه احداث جرح بليغ في حيوان ضار .. ان أصابه جرح بليغ آخر فقد مات وانتهى..
وبالمقابل لايستطيع المحور السوري وحلفاؤه أن يعلنوا انهم ألحقوا هزيمة كاملة بالمعسكر الآخر بل يمكن القول ان ماتحقق الآن هو نصف انتصار "ليس سهلا" للمعسكر السوري عبر ارغام الخصم على الانكفاء للخلف دون أن يستسلم أو يغير هدفه .. وقد كلف هذا النصف انتصار ربما كل ماادخره السوريون خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة .. وكلفهم أثمن مااعتزوا به وراكموه وهو أمان بلادهم ووئام أهلها بعد الدسائس العربية ..
المحوران المتصارعان يدركان أن المرحلة القادمة هي المرحلة الأخطر لأن اللعب فيها صار من غير أقنعة .. فلم يعد أحد يستطيع قبول غياب مؤامرة وان المؤامرة أوهام واختراعات وملاذات اعلام النظام "الديكتاتوري".. ولولا وجود المؤامرة لما تدخل نفس المحور العربي الغربي (بنفس مكوناته التي تورطت في سوريا) ضد مشروع صدام حسين سابقا وضد مشروع عبد الناصر وضد مشروع الخميني وضد المشروع السوفييتي ..وكل هذه المشاريع التي يكون نفس العربان (الخلايجة) عمودها الفقري دوما يجمعها قاسم مشترك وهو أنها تتضمن احتمالات ايذائها لاسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر ..
العرب في جامعتهم العربية صارت خطتهم واضحة (في ظل استحالة قدرتهم على الحسم) وهي اطالة أمد النزاع الداخلي السوري بالمماطلة ورفض التعامل بموضوعية مع التقارير والوساطات والتهدئات لارهاق الجهد السوري والشعب السوري في رهان على العامل النفسي وعامل الزمن الذي قد يأكل الاقتصاد السوري بل وقد يغير نفسيا من تعاطي الناس مع الأزمة .. فرؤية المشاهد اليومية للعنف قد يجعل وصول العنف الى أية بقعة سورية شيئا مألوفا ومنتظرا .. وتمتص دوامات العنف هذه الشباب الذي كان سيذهب الى الجامعات ..ليتحول الى الذهاب الى الميليشيات..اي دفع الناس الى الجنون ..
ولذلك ولدعم هذا الاتجاه أطلق فجأة قرار أوروبي بحصار النفط الايراني لأنه طريق لقطع الطريق ماأمكن على احتمال مساندة الايرانيين اقتصاديا للسوريين .. وفي نفس الوقت ينطلق العرب الى اغراق شوارع سوريا بالمسلحين والقتلة المأجورين باسم "الثورة" ..ولن يكون امام الدولة السورية الا خياران اثنان: اما أن تخوض معهم قتال شوارع مكلفا وطويلا .. واما أن تقوم بسحق المتمردين في عملية خاطفة ماحقة لكنها تحمل مخاطر انقلاب جمهور محايد كبير نسبيا (هو أميل للدولة)ينظر الى الصراع الداخلي ولايستطيع فهم تفاصيله بوضوح بسبب تشويش الاعلام العربي الذي يعمل بطاقته القصوى وهو بحالة استنفار دائم لينقله بالقوة الى الشعور بالانفعال الخاطئ في اللحظة الخاطئة..
وفي حال قررت الدولة السورية التزام ضبط النفس فان هناك شارعا قد لايقبل بالهدوء الى مالانهاية على استفزازات القتلة وتصرفات فرق الموت "الثورية" ..ولايستبعد بعض الخبراء أن يكون العرب وعبر لبنان وتركيا والأردن يحاولون تمرير سلاح الى المدنيين الموالين للنظام ايضا والى الأقليات بشكل تكون كمية السلاح المتاح لديهم توازن مالدى الميليشيات الاخوانية وذلك لاطلاق حرب أهلية التي لايمر يوم الا ويبشر السوريون بها .. أي لاتمانع الدول العربية في أن يتم تسليح الجميع "وليس السنة وحدهم" كي تنطلق ماكينات الموت الرهيب نحو السنة وغيرهم .. وباتجاه الجميع ..عندها سيموت النظام بالموت البطيء .. وهو المطلوب.
أما كيف يفكر ويخطط أعضاء المحور السوري فهو مختلف تماما .. فهو يعرف أن الانتظار طويلا ليس في صالحه ولا صالح جمهوره ..وكل الأحداث تشير الى أنه أنهى ترتيب أوراقه وأنه انتظر الى آخر لحظة .. لحظة الاعتراف بوجود مسلحين وخلق انشقاق لدى الرأي العام العربي لأول مرة لصالحه وتم تجريد المسلحين من اسم ثوار الى قتلة خطرين.. لكن ماذا وأين سيكون أول تحرك للمحور السوري وفي أي اتجاه ستكون الأولوية؟؟ ربما سيكون في تفتيت القوة المسلحة للعصابات لاحداث شلل لدى الخصم (العربي التركي الغربي) بعد تجريده من سلاحه ومسلحيه؟؟ .. وقد وصل التحمل الى ذروته ..فعندما ينتشر اللصوص في الطرقات فأنت لا تستطيع الدفاع عن نفسك بالقصائد والشعر بل بالسلاح .. وعندما تنزف لاتستطيع ارقاء الجروح بالرقى والتعاويذ والتمنيات بالشفاء بل بالكيّ ..بالحديد المحمى ..ربما هذه هي الترجمة الخفية لتصريح وليد المعلم الأخير..فانتظروا "الحديد المحمى" ..أيها القتلة !!
مانعرفه أن المعركة قوية وأنها ليست معركة الرئيس بشار الأسد ولانظام الحكم بل معركة كل السوريين .. ومانعرفه أن الانتصار في هذه المعركة ربما سيكون انتصارا لأبنائنا وثأرا لأجدادنا من اهانة معاهدة سايكس بيكو ..ومانعرفه أيضا أن المحاور تهتز وتتلاطم بالأكتاف في هذه اللحظة..وقد يكون هناك اهتزاز قادم .. من حيث لانتوقع ..شمالا أو جنوبا ..
المعارك والصراعات تسير جنبا الى جنب مع النبوءات الغريبة التي لانفهم لماذا تتحقق أو كيف تتحقق .. المعركة على مايبدو ستكشف عن نبوءة القذافي التي رآها الجميع وتنبأ أن "الدور قادم على الجميع بعد صدام حسين" .. ففي مشهد الرئيس الراحل معمر القذافي رسالة بليغة وهو ينزف قبل أن يموت .. في صورته التي انتشى بها السعوديون والقطريون وغيرهم صورة الفرنسي الثائر "دانتون" الذي أمر ماكسميليان روبسبيير بارساله الى المقصلة في حملة موت ثوري رهيب طالت بضعة آلاف من الفرنسيين في بضعة أسابيع من عمر الثورة الفرنسية..وعندما اعتلى دانتون المقصلة قال نبوءته الشهيرة: ستلحق بي قريبا ياروبسبيير ..أؤكد لك .. وكان هذا ماحصل ..فلقد تمرد باراس وداتاليان وهاجما مقر روبسبيير وأرسلاه الى المقصلة ..ليسقط رأسه في سلة سقط فيها قبله رأس دانتون ..
لم نسمع ماقاله القذافي قبل لحظات اعدامه ولانبوءات كتابه الأخضر.. لكن يقال انه في لحظات الاحتضار تقول العيون لقاتليها ما لا تلهج به الشفاه الصامتة .. في نظرة القذافي الأخيرة المغطاة بالدم والارهاق رسالة دانتون الحاسمة ونبوءة الموت: ستلحق بي .. ياحمد ..أؤكد لك ذلك ..
أما كيف هذا ..فلا أدري ..واسألوا المحاور المتصارعة ..ومزاج الزمن القادم .. ولو كان دانتون حيا لعرفنا سر يقينه بالنبوءة ..التي لاأخفي أنني أترقب وصولها الى الأمراء والملوك بتوق بعد أن أكلت من جماجم الرؤساء العرب ومن رؤوس ملايين المواطنين العرب بسبب ملوكهم وأمرائهم .. وآن لها أن تحط رحالها عند نفط العرب ..وشيوخهم
من نسف شوارع دمشق؟ ليلى أم الذئب أم فلاسفة الظلام المضيء؟
كتب أحد المستوطنين الصهاينة أنه عندما كان صغيراً وقف مع ابيه على سطح بيتهم الذي بني حديثا في مستوطنة جديدة في فلسطين قبل النكبة.. وعندما تلفّت الطفل حوله أصيب بالقشعريرة والخوف وهو يرى كيف أن مستوطنتهم الصغيرة محاطة بعدد لايحصى من القرى العربية التي كادت تشبه السوار المحيط بالمعصم فقال الطفل لابيه في جزع: ياالهي كم العرب كثيرون..!! فابتسم أبوه وقال وهو يمسك بيده: نعم كثيرون.. لكنهم غارقون في الظلام.. لاتخش ياولدي ممن يعيشون في الظلام..
ولكن هل تغير شيء منذ تلك الوقفة البعيدة في زمنها على سطح مستوطنة؟ ألا يزال الشرق يعيش في الظلام؟ أليست هذه الثورات هي محاولة لاطلاق الظلام من جديد؟ الظلام السلفي.. وظلام الجهل الوطني.. أليس في روايات تفجيرات دمشق من قبل الثورجية ظلام أكبر..!!
عندما وقعت تفجيرات دمشق منذ اسبوعين واستهدفت مقار أمنية واستخباراتية لم تفاجئني المعارضة بالقاء اللوم على السلطة بل وتسابق الثوار الى اطلاق مفوّهيهم الى كل القنوات كي يتم توجيه الناس نحو اتهام السلطات السورية بالتفجير بحجة استغلال التفجيرات يوم وصول وفد الجامعة العربية للتشنيع على المعارضة ..وكذلك بذريعة حاجة السلطة الماسّة لتجييش الرأي العام السوري ضد الثورة "البرئية" براءة الأطفال ..
لم أتفاجأ بهذه الهرطقات لأن السياسة الرسمية للمعارضة وللهيئات والتنسيقيات صارت واضحة وهي ارتكاب العنف الثوري وتبريره تحت غطاء البراغماتية "الثورية" واللجوء لارتكاب كل الفظائع طالما أن الاعلام العربي والعالمي جاهز لالصاق التهم بالنظام ..وتبين لنا أن كل الشناعات والرعب والدم الذي على يد الثوار وعلى شفاههم ويتقاطر من أسنانهم وعيونهم لاتراه وسائل الاعلام التي تقوم بالعكس بالقاء الدم على وجه وأيدي السلطات لاتهامهما بالدموية ..و"الثورة" السورية والناتويون العرب أدخلوا مفاهيم ثورية مستمدة من مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة وحصلوا على الغطاء الشرعي بالافتاء الثوري لأن الحرب ليست خدعة فقط بل (الحرب قذارة أخلاقية) ..فالاسلاميون الجدد جاهزون عبر القرضاوي وغيره لاصدار أي فتوى "موسادية" ..وكأن الله العظيم سبحانه يعمل تحت تصرفهم وسيقبل "بالتوجيهات" الاسلامية التي يرسلها اليه المؤمنون من مساجد الثورة وستقبل جلالته بالفتاوى مهما كانت غير منطقية وسيقول لأصحابها كما يقول المسؤول الفاسد لرسالة توصية من فاسد آخر " يكرم أبو فلان (القرضاوي) ..موعلى راسي !!..اذا لافرق بين الفساد الحكومي والفساد الديني ..فلكل فتاواه ..
الافتاء بالدم جاهز والمفتي جاهز والقتلة جاهزون والضحايا جاهزون ..لكن الذي ليس جاهزا لقبول الفتوى هو الله نفسه الذي لم يكن يوما موظفا لدى أي رجل دين فيما كل رجال الدين يعتقدون أن الله يعمل لديهم ولايرفض لهم فتوى .. رغم حقيقة أنه لم يتمكن رجل دين منذ الوجود أن يدعي أن الله لايرد له فتوى ولاطلبا ..الا القرضاوي والعرعور ..
رواية المعارضة بمسؤولية السلطة السورية عن تفجيرات دمشق السابقة تبناها بحماس المؤيدون للتمرد الذين لايزالون لايصدقون أن الثورة قد ركبها الموساد ومجموعة أجهزة استخبارات عربية توجهها .. ودافع الثورجيون بقوة عن هذا الرأي باتهام السلطة..والغريب أن قلة من المؤيدين للسلطة ربما قبلت بهذا التفسير كنوع من ميكانيزما الدفاع الذاتي النفسي لان هذا يعني لهم أن السلطة التي يعتزون بقوتها ليست ضعيفة لتتلقى تفجيرا قرب قلب مؤسستها الأمنية الصارمة ..بل انها تتحكم بكل شيء ..
والحقيقة أنه بالرغم من سخف هذه النظرية وجنون هذه التفسيرات فان كمّ الدعم الاعلامي لهذه التفسيرات الغريبة جعلها متداولة كاحتمال يمكن الأخذ به .. وبدل أن كان السؤال هو( لماذا يفجر الثورجية شوارع دمشق؟) تم تحويل اتجاه السؤال عبر انحناءة قسرية لنحصل على سؤال مشوه آخر هو: من المسؤول برأيك عن التفجير، السلطة أم المعارضة؟ وكان هذا التحويل القسري للسؤال دليلا على سطوة الاعلام الذي تحظى به الثورة السورية "الموسادية" فبرغم انها لم تستطع تثبيت الاتهام على السلطة فانها نجحت في تقاسم الاحتمال والمسؤولية مع السلطة عند بعض الناس على الأقل .. وهناك أناس بالطبع يحبون الغرائب في قراءة الأشياء ويقومون بترويجها حبا في التميز والاختلاف عن الناس حتى في المجتمعات الغربية .. فمثلا عندما مشى آرمسترونغ على سطح القمر برز تيار أميريكي يرفض أن يصدق وادعى أن المشاهد تم تصويرها في استديوهات هوليوود لحساب وكالة المخابرات المركزية الأمريكية .. وأما موت أميرة ويلز دايانا فهو عملية مدبرة برأيهم لمنع احتمال أن يكون لملك انكلترة القادم أخ مسلم !! ..الخ من هذه الترّهات السينمائية التي لايبز سينمائيتها الا اتهام السلطة السورية بتفجيرات دمشق.. فصارت السلطة حسب هذه الاتهامات بلا عقل لأنها تقتل المدنيين وتقتل رجال الشرطة والجيش لأنهم يتمردون وينشقون ..كما تنفذ هذه السلطة الاغتيالات بحق الافراد المتفوقين والكوادر العلمية والعسكرية لأنهم لايوافقون على سياستها وتنسف الشوارع لالقاء الرعب في قلوب الناس وتخلق الازمات الاقتصادية لاشغال الناس بأسباب العيش ..الخ من أشياء لاتسمعها الا في أساطير مغامرات "هاري بوتر" وقصص "سيف بن ذي يزن" ..ولكن سلطة ثبتت أمام كل بلطجية العالم ليست على هذا القدر من الجنون حتى تمارس كل هذا البغاء والسقوط بل انها تتمتع بالحصافة والحذق ولايمكن أن تقع في خطأ التورط في التفجيرات في وقت هي بحاجة فيه للهدوء والاستقرار.. أما الثورة فحتى هذه اللحظة لم تعلن مسؤوليتها عن قطرة دم واحدة ولم تنسب لها عملية جريمة واحدة.. لأنها ثورة أكثر براءة من ليلى في قصة ليلى والذئب ..وبحسب النسخة المنقحة و"المعرّبة" من قصة ليلى والذئب التي ترويها لنا الجزيرة والعربية وبان كي مون وحمد بن جاسم فان ليلى هي التي تظهر لنا بأذنين كبيرتين وأنياب حادة قاطعة وتجلس في سرير الجدة تنتظر الذئب لتفترسه ..فيما الذئب المسكين يتعاطف معه العالم كله لأنه سمى نفسه "ثورة" ..والثورة طاهرة ولاتخطئ ..
ومايدعوني أكثر لليقين بمسؤولية الثورجية عن التفجيرات هو أنني التقيت منذ أيام ممثلا عن السلطة وهو من المقربين من صناعة القرار والتقيت بعده بأحد الثورجيين الدرعاويين ..وما فاجأني أن ممثل السلطة كان يتحدث معي بهدوء وتروّ ويغوص غوص الواثق بنفسه في طرق اطلاق مصافحة بين الناس المتمردين سلميا كأفضل حل للحيلولة دون اراقة دماء كثيرة رغم أن العنف الحكومي صار مبررا وهو أسرع في الحسم .. فيما كان حديث الثورجي الدرعاوي اليّ مليئا بالتوتر والتهديد والجنون وقال لي بالحرف: (ان مايحدث ليس الا البداية لتخريب هذا البلد على من فيه اذا لم تتحقق اهداف الثورة في "الحرية" و"الثأر" حتى لو تحولت سوريا الى ليبيا أخرى عشرين مرة) ..وهذا ماأعطاني دليلا قويا على أن الثورجيين قد قرروا طريق العنف دون أي طريق آخر..وأنهم مؤمنون أنه الخيار الوحيد .. فيما تحاول الدولة استبعاده استبعاد القادر والمتريث والكاظم غيظه الى أبعد الحدود..
وككل السوريين هذه الأيام لانزال جميعا نحاول قراءة تفجيرات دمشق ... والسؤال لم يكن عندنا هو ان كانت السلطة أم المعارضة هي التي دبرت العملية لأنه وفق كل المقدمات المنطقية فأن كل شيء محتمل الا أن تكون السلطة هي التي دبرت الهجوم لاعتبارات كثيرة أهمها أن ماستجنيه السلطة أقل كثيرا مما قد تخسره, لأن خسائرها المعنوية والاقتصادية التي ستؤذيها في الصميم وتهدد استقرارها أعظم بكثير من فائدة تغيير مزاج الشارع ضد الثورة عبر تفجيرات رعناء خاصة أن الشارع قد قال كلمته الكبرى بشأن الثورة وتقيأها بشكل واسع ولم تعد هناك حاجة لاقناعه بالمزيد من الكراهية والاحتقار وقلة المودة لهذه الثورة وانعدام الثقة في شلة المعارضين الاستانبوليين..
في محاولة للحفر عميقا في تفسير الانفجارات ومعرفة سبب اقبال الثوار على هذه المغامرة الخطرة بالتحرش بدمشق لم أجد أن الاعتماد على رواية أحد الأطراف سيكون أكثر اقناعا لكنني وجدت تحليلات محايدة لها وجهة نظر عميقة للغاية ..فقد حصلت على آراء بعض الخبراء الغربيين الذين يعملون بشكل مستقل عن المعاهد الممولة من قبل الدول والشركات الغربية والذين لهم توجهات يسارية في بلدانهم ويحاولون احداث خرق في سياسات الدول الغربية التي تسيطر عليها اللوبيات .. أحد هؤلاء الخبراء كانت له جولة في الشرق الأوسط منذ سنوات وعاش في رام الله بضعة أشهر ليكتب أطروحته في القانون الدولي وكانت تلك الأشهر نقطة تحول في حياته لينتقل الى معسكر ينشط ضد السياسات الغربية التي يهيمن عليها صهاينة ومحافظون جدد ..فيما تخصصت زميلته في الحركات الاسلامية وتفرعاتها وتكاد تكون قراءتها للتحولات الاسلامية دقيقة الى حد الدهشة عن التحولات التي ستطرأ على الحركات الاسلامية كنوع من الانعطاف القسري الذي سيرتد على المجتمعات الشرقية ..
كانت قراءة هؤلاء الخبراء لتفجيرات دمشق تحاول قراءة مالايرى في التفجيرات وهي لاتحمل الغرائبية بقدر ماتحمل جانبا أكثر اقناعا من كل الروايات التي سمعتها وقد استمالني تفسيرهم ..فهم يرون أن تفجيرات دمشق هي رسالة صريحة لتجار واقتصاديي دمشق ..وهؤلاء الخبراء يرون أن حلب ربما ستتلقى مثل هذه الضربات ..
أما تفسير هذا الاتجاه في القراءة فقد قام على مايلي:
بالرغم من أن الغاية من التفجيرات هي ارسال رسائل لرفع معنويات الثورجية ومحاولة لتوجيه ضربات نفسية للنظام بأن لهم قدرات ضاربة .. فلقد أدرك منظمو الثورة - سواء في جهاز الموساد أو المخابرات الغربية - أن الثورة لاأمل لها وهي بلا حول ولاقوة بعد أشهر طويلة كما ان التفاؤل بها صار محدودا للغاية طالما أنها لم تحظ بدعم المدينتين الكبيرتين دمشق وحلب اللتين تمسكان ربما بمفاتيح بلاد الشام وربما الشرق كله ..ودرس التاريخ القريب لاينسى، فقد مني الاخوان المسلمون بالهزيمة النكراء في الثمانينات بسبب تلكؤ دمشق وحلب باللحاق بهما لأسباب كثيرة وانضمامهما نهائيا الى المعسكر المضاد.. وهناك اعتراف وقناعة واسعة الآن أن الثورة لن تسقط النظام طالما بقيت هاتان المدينتان غير معجبتين بالثورة ولاتنظران اليها بعين الارتياح بل بعين الشك والريبة والاتهام بالاختراق من قبل الأغراب..كما أن النظام يعول عليهما كثيرا .. ولذلك بدت هناك حاجة ماسة لسوق هاتين المدينتين سوقا وبالقوة الى معسكر الثورة .. وذلك بالضغط على النخب الاقتصادية والتجارية فيهما ..والرسالة واضحة وهي أن الاستقرار والهدوء اللذين تنعم بهما هاتان المدينتان ويتسببان في استمرار انسياب اقتصادهما نسبيا لن يترك بسلام ..وأن ماتعانيه مدن أخرى لابد أن تتذوقه هاتان المدينتان ..وعلى تجار دمشق واقتصاديي حلب ادراك أن النظام لا يقدر على حماية دمشق (أو مؤسساته في دمشق مثلا) كما أن زعزعة أمن الناس سيتسبب في زعزعة الاستقرار الاقتصادي فيهما وتأثر عائدات النخبة التجارية والاقتصادية فيهما ..والمطلوب هو أن تقرر الفعاليات التجارية والاقتصادية فيهما الانفكاك عن الارتباط بالنظام وعدم توفير الغطاء الكافي له ..أو على الأقل الوقوف بعيدا عنه واظهار التمرد ليتسنى للثورة الاجهاز عليه بعد خوض معركة حاسمة معه بدعم غربي-عربي كامل ..
ولاشك أن هناك بعض المعطيات التي تؤيد هذا التفسير وخاصة أن منظر الثورات العربية والجاسوس الاسرائيلي عزمي بشارة قال على الجزيرة في آخر مقابلاته في نهاية عام 2011 انه يتوقع بقوة ان تتحرك دمشق وحلب ..وهناك ماسيدعو هاتين المدينتين للتحرك كما تنبأ.. وكان ذلك اشارة ضمنية بأن الثورة ستعمل لتحقيق هذا الهدف ..وعلى اللبيب أن يتوقع كيف سيتم اطلاق دمشق وحلب.. علاوة على ذلك فان أدبيات الثورة كلها صارت تتساءل عن غياب دمشق وحلب و"غيبوبتهما الثورية".. والبعض صار حائرا في الوسيلة الناجعة لتحريكهما فيما البعض الآخر أبدى امتعاضه الشديد مما سماه تخاذل الدماشقة والحلبيين ووجّه اهانات وتهم الجبن والعمالة والنذالة لهم ودعا لمعاقبة الدماشقة والحلبيين.. بأي ثمن!! وسوقهم الى الحرب وما سماه "الخدمة الالزامية" في الثورة.. ولو كان على طريقة السفربرلك..
ربما عكست هذه القراءة الثورية لتطوير الأحداث شيئين..الأول هو أن "الثورة" صارت تعرف نقطة ضعفها وتدرك أن مشروعها يقترب من السقوط اذا لم تلجأ لمغامرة ومقامرة .. وفي خطوة الثوار والمعارضين مقامرة كبيرة ..لأن رد فعل الدماشقة وأهل حلب لايمكن التنبؤ به ..فهو قد لايكون بالضرورة كما يتمناه الثورجيون ..وربما لم تمت الثورة بالضربة القاضية حتى الآن لأن دمشق وحلب (كمحور داخلي على الأقل) لم تعطيا اشارة البدء للسلطة كي تكسر عنق الاحتجاجات بعنف ..السلطة التي لاتزال تكن احتراما لمشاعر دمشق وحلب ونخبهما اللتين تظللان بقية المحافظات وتمارسان دورا ايجابيا بين السلطة والمدن التي تشهد الفوضى ..والنظام يقدر لهاتين المدينتين دورهما الايجابي في هذه الأزمة وسيقبل بدورهما الذي يضمن عدم انفلات غضب الدولة على المناطق المتمردة على سلطة القانون والنظام ..
وتحاول الثورة الاستفادة من درس عملية الازبكية في الثمانينات والتي كانت نقطة تحول عندما تسببت في ردة فعل سلبية تجاه الاخوان المسلمين.. لذلك تجهد الثورة في ضرب اقتصاد دمشق ونفي التهمة بشدة والصاقها بالنظام علّ الناس تصدق التهمة وتنقلب على النظام فتضرب الثورة بذلك عصفورين بحجر واحد ..التجار واهتزاز قلوب الناس ضد النظام بعكس الحال في الثمانينات..
لكن العمل على اثارة دمشق أو حلب على النظام بمعاقبتهما بالنسف "الثوري" حماقة بلاحدود .. فالمشاعر الوطنية لايمكن اسقاطها بالتفجيرات ولايمكن سوق الشعوب والناس الى المعارك بالقوة .. فعهد السفربرلك لن يعود ..والثورجية يعتقدون ان سوق دمشق وحلب الى السفربرلك سياسة قد تعمل .. لكن نتيجة السفربرلك في التاريخ كانت نهاية من أقبل على حماقة سوق الناس بالقوة الى معاركه ..
الحقيقة التي لايعرفها الثورجية هي أن الفعاليات الاقتصادية والتجارية والنخب الشامية والحلبية لاترى في مشروع الثورة مايطمئنها على مستقبلها كما لمست من نقاشاتي الصريحة مع بعضها ..لأن اخطار انتصار الثورة عليها أكبر بكثير من أخطار عدم انضمامها لتأييد التغيير وذلك لأسباب منطقية وهي أن انهيار الدولة السورية الحالية المتمثلة بالنظام سيعني امتدادا لنفوذ لامتناه للاقتصاد التركي وربما للاسرائيلي الذي ينسق مع التركي الذي لن يقدم كل هذا الدعم مجانا للثورجية ويريد مقابله نفوذا اقتصاديا مطلقا على حساب اقتصادات الشرق الأوسط العربية طالما انه لم يتمكن من اختراق السوق الاوروبية .. وسيحاول بالتالي سحق الاقتصادات الشرقية واجتياحها لينمو دون عقبات ..
وهناك عامل آخر وهو أن العقود الماضية رغم أنها كانت عقودا بعثية فان هناك علاقة ودية نشأت بين النظام والبرجوازية السورية التي تحولت الى برجوازية وطنية رغم كل ماقيل عن الحرب والصراع بين الأهداف الاشتراكية للحزب والبرجوازية السورية التي عادت لتترعرع في ظل حزب البعث نفسه وصارت ترى أن مصلحتها لم تعد الا في وجود دولة قوية مستقلة ..ناهيك عن اندماجها في المشروع الوطني الكبير واستمالتها لجهة الشعارات الوطنية ككل البرجوازيات الأوروبية الوطنية ..وصارت هذه البرجوازية الوطنية تخشى من احتمال تراجع دور الانتلجنسيا والنخب الاقتصادية السورية لحساب التركية والسلفية مثلا اذا ماسقط النظام الحالي .. وبدل أن تكون دمشق محورا من محاور تسهيل صنع القرار الاقتصادي في المنطقة أو على الأقل في الداخل السوري ستتحول الى ألعوبة سياسية واقتصادية ..والصغير في السياسة لايمكن الا أن يكون صغيرا في الاقتصاد .. أما الدرس الياباني والالماني فبليغ جدا..فهذان البلدان قزمان سياسيان لكنهما عملاقان اقتصاديان ..والضخامة الاقتصادية جعلت ضآلة الدور السياسي بلامعنى تقريبا.. لكن ضآلة الدور السياسي للنخب الشامية والحلبية لن يمكن تعويضه بحجم اقتصادي كبير لأن هذا الاتجاه لن يسمح به النفوذ السياسي والاقتصادي التركي وربما الاسرائيلي عبر معاهدة سلام تفرض شروطها الاقتصادية وقد تعهد بها سرا تنظيم الاخوان المسلمين الذي بدأت مواسمه تقطف ثمارها الاسرائيلية في مصر وتونس ..وهذا ماسيرسخ الضآلة السياسية والاقتصادية معا لنخب دمشق وحلب .. دور لاتراه النخب السورية وبالذات في دمشق وحلب يتمتع بأي جاذبية وهي التي تباهي أنها تتحالف مع عملاق سياسي في الشرق الأوسط قد يرشحها يوما للعب دور اقتصادي متميز عبر طموحات تجلت في ربط البحار الخمسة ولم يعكره سوى خطيئة السخاء مع اقتصاديي أردوغان الذي طعن الجميع في الظهر..
كما أن هناك خطرا شديدا من انهيار النظام تراه البرجوازية الدمشقية والحلبية ويتمثل في استحضار أوليغارشيا حديثة شرهة تشبه الاوليغارشيا الروسية التي انبثقت من رحم انهيار الدولة الشيوعية السوفييتية والتي التهمت الاقتصاد السوفييتي وقضمت الثروة الوطنية وحولتها الى أرصدة في البنوك الغربية مما أنهك الاقتصاد وجعله رهينة لمجموعة أفراد ..لكن الاوليغارشيا القادمة على جناح الناتو وتركيا ستأكل البرجوازية الوطنية التقليدية قبل كل شيء ..ستأكلها بالعظم واللحم والجلد والثياب ..
ولعل الرهان على احداث تغيير في النظام لايبدو سهل المضغ ولاالبلع ولا الهضم طالما أن ثمنه سيكون باهظا جدا وطالما أن البرجوازية الوطنية السورية (باستثناء المهاجرة منذ الستينات مثل آل سنقر وغيرهم) لاترى وضوح المشروع البديل بل ترى مشروعا غربيا يحاول حل أزماته الاقتصادية بالهجوم على اقتصادات الشرق لابتلاعها وابتلاع البرجوازيات الوطنية والحاقها بعجلته..
ومهما كانت هذه القراءات لأسباب تفجيرات دمشق فانها دلائل قوية على أن الثورجيين والاستانبوليين في حيرة من أمرهم فهم يريدون احداث خرق كبير في الأحداث بأي ثمن ..ويبدو أن عملية ادارة الثورة قد خرجت من أيديهم كليا وأن غرفة العمليات الغربية والتركية قد قررت تولي ادارة الدفة وتوجيه الأزمة بشكل دراماتيكي ..وهم تحولوا الآن بالكامل الى مستمعين في الصف ..
ولكن للسلطة قول فيما يحدث .. وعليها الآن أن تقول كلمتها ..والناس ينتظرون منها الآن عبارة فاصلة حاسمة .. ودمشق وحلب لاتريدان سماع رسائل الثورجية بعد اليوم ..ولاتريدان فلسفة السفربرلك التي يجيدها الأتراك ومن تربى في حضن الأتراك ..بل تريدان ابلاغ رسائل أخرى مغايرة للثورجيين .. الغارقين في الظلام ..ويريدون اغراق الجميع فيه..
وكأني هذه الأيام أسمع طفلاً صهيونياً يقف الآن على سطح بيته ويقول لأبيه جزعا: ماأكثر الاسلاميين العرب وماأكثر الثورات العربية ياأبي.. فيرد أبوه ساخراً: لكنهم غارقون في الظلام الدامس ويخوضون في الدم.. دم أهلهم وليس دمنا ..هذا هو "الظلام المضيء" لنا ياولدي.. ظلام الاسلاميين الأحمر..
موت الأسئلة وعصر الفلسفة الثورية تعلنه سيدة من دمشق
في اليوم الأخير من عام 2011 اكتشفت ان الفلسفة قد أنهت مهمتها من الوجود الانساني وأن كل الأسئلة الفلسفية الكبرى قد تمت الاجابة عنها.. وأحسست أن ايمانويل كانت وتوما الاكويني وباروخ سبينوزا وفريدريك نيتشه وجان بول سارتر والفارابي والكندي والمعري وابن رشد وابو حامد الغزالي وكونفوشيوس وأرسطاطاليس وكل رهط الفلاسفة في التاريخ البشري قد ضيعوا عمرهم هباء وأنهم أفنوا حياتهم في التساؤلات الفاسفية الكبرى التي اكتشفت في الأيام الأخيرة من عام 2011 أنها كانت الملهاة الكبرى.. فالسؤال لم يعد هو: هل الله موجود أم لا؟ ولم يعد السؤال هو: ماهي الغاية من الوجود؟ وكيف سينتهي الوجود؟ بل هناك السؤال الكبير الذي ابتلع كل هذه الاسئلة التي أحيلت على المعاش في الفلسفة البشرية.. سؤال تكرر بالأمس في كل ثانية..
بالأمس لم أجد برنامجا على التلفزيون في كل الفضاء الاعلامي العربي الا وهو يسأل نفس السؤال الوجودي القلق وهو: هل سيبقى الرئيس بشار الأسد في الحكم؟ يالقوة الله.. والفلسفة !!
وبالطبع ألحقت أسئلة صغرى بهذا السؤال العملاق الذي صار يشغل حتى ثوار بوكو حرام في نيجيرية وعلماء وكالة ناسا الامريكية أسئلة من مثل: كيف ستؤول الأوضاع في سورية ..؟ والى أين سيلجأ الرئيس السوري؟ وفي أي شهر ستنتصر الثورة السورية؟
ولاشك أنني استمعت لكل النابئين من مايك فغالي الى ماغي فرح وميشال الحايك والى عشرات السياسيين والمحللين العرب على كل الفضائيات وغيرهم والذين اختلفوا حول الجواب .. وبالتأكيد استمعت الى زعيم المنجمين ودرة المحللين السياسيين وذهبهم المصفّى عزمي بشارة الذي قررت التخصص في متابعة نبوءاته لأن عزمي تحول من العمل العقلي للفلسفة الى تجارة الغاز الثوري وبيع الاوهام والدم العربي والتنجيم السياسي ..عزمي بشارة انتقل من التشاؤم فجأة الى اليقين بسقوط النظام السوري هذا العام بالذات وأن الاقتصاد السوري الأعرج لن يكفي الرئيس بشار الأسد أكثر من عام .. وكاد يقسم الأيمان المغلظة بأن البراق الالهي ذهب به في رحلة الاسراء والمعراج الى السماء وأنه سمع في السماء حديثا وخبرا عن نهاية الرئيس بشار الأسد هذا العام تحديدا ..البراق أخذه من الدوحة الى الصخرة المقدسية "التي حررها حمد بن جاسم والقطريون الأحرار" قبل تحليقه في السماء .. حيث تحدث الله اليه وربما استشاره فيما يفعل عام 2012 ..فأشار عليه راكب البراق الثوري عزمي بشارة أن يحرك مدينتي حلب ودمشق بصناعيي الأولى وتجار الثانية .. لان الاقدار قد قررت نهاية الأسد والأقدار قررت تحريك دمشق وحلب ..ولم ينس راكب البراق عزمي أن يقول انه لاينكر أن الأسد مقاوم لكنه لن يقايض دم السوريين بمقاومة اسرائيل .. قال راكب البراق ذلك من أرض قطر ومن قصر صديقه الديمقراطي المنتخب دستوريا حمد بن خليفة آل ثاني والمحاط بالبرلمان الحر.. قال عزمي ذلك ورأينا أن الاستوديو الذي يتحدث منه في "الجزيرة" كان يتأرجح ويتمايل كسفينة عائمة مع تمايل جزيرة قطر كلها من ثقل واقلاع وهدير طائرات قاعدة العيديد والسيلية ..
العالم واقف يحبس أنفاسه ولم يعد يعنيه فلسفة العالم القديم عن الوجود والله ..بل عن استمرار الرئيس بشار الأسد ونظام حكمه
وعن يوم اعلان النصر .. وربما كان أكثر سؤال مطروح في العالم كله هو: هل سيبقى الرئيس بشار الأسد؟؟
وأنا في هذه المقالة لن أجيب عن السؤال ولن يستدرجني هذا السؤال المصوغ في تل أبيب في آخر تقليعة للحرب النفسية على السوريين .. وكسوري وطني أنا سأطرح سؤالا أكثر عمقا ويمسني أكثر ..وهو: هل سيبقى الوطن السوري الذي عرفناه؟ وهل سيصمد المشروع الوطني الكبير للانطلاق نحو شرق أوسط بهيمنة تيار المقاومة والرفض؟ أم سنتحول الى امارات طالبانية ظلامية؟ وهل سيتحول جنرالات الجيش السوري الأبطال الى أمراء حرب يتبعون الملا برهان غليون أم الملا رياض الشقفة؟ .. هذا اذا لم يكن أميرنا الحقيقي هو الملا عمر نفسه ..
الأوطان ياسادة لايمثلها رئيس ولانظام ..بل الأوطان هي التي تبقي الرؤساء أو تستغني عنهم؟ وليست الأحلاف الخارجية .. والسؤال الأكبر هو: أين ستكون سوريا وشعبها في عام 2012 ؟ وسواء بقي الرئيس الأسد ام لم يبق فالوطن السوري هو الأهم من الجميع.. ويحضرني الآن حديث للشاعر المصري الشعبي احمد فؤاد نجم الذي فوجئ عام 1967 بمظاهرات عارمة تجتاح شوارع مصر رفضا لتنحي الرئيس جمال عبد الناصر بعد الهزيمة ..فنزل نجم الى الشارع وهناك صادف شخصا متأثرا فسأله بانفعال: قل لي .. من هو الأكبر اليوم .. الشعب المصري أم جمال عبد الناصر؟ فقال له المتظاهر الغاضب: بل مصر هي أكبر من الاثنين معا .. لاشيء اكبر من مصر ..وأنا أصرخ الآن من أجل مصر ..
وأنا أكرر ماقاله هذا المصري الوطني الغاضب وأقول ان سورية أكبر من الجميع ..ومع ذلك فسأنقل لكم بأمانة رأيي في أن الوطن السوري بغالبيته يريد الرئيس الأسد ممثلا لمشروعه الوطني وأن الشارع السوري يصدق الرئيس ولايصدق الثورة ..وان الشعب يصدق الرئيس ويؤمن أن الرئيس لن يخذله في التخلص من البطانة الفاسدة كفساد الثورة وبطانتها ..ولذلك سيحميه ويتمسك به .. والشعب لاشك أصدق انباء من الفضائيات .. خاصة أن أهم انجازات الثورة أنها ألقت الرعب والهلع في نفوس الفقراء والآمنين والمؤمنين من هذه الثورة الغنية بالمال والنفط والغاز ودعم العربان الذين يديرون بلدانا تحولت بكاملها الى فنادق للاسرائيليين ورجال السي أي ايه .. وجل هم العربان بناء أوسع اوتوستراد للدبابات الأمريكية كما وصفهم الراحل صدام حسين ..
صدقوني كلما قررت أن أذهب في استطلاع للرأي الآخر "الثوري" ولآلامه ولوجهات نظره ولاعادة النظر فيما أكتب أحس بالاحباط .. أزور الثورة في مواقعها وفي فضائياتها وفي تنسيقياتها ليكون حكمي عليها أو لها أكثر توازنا لكن يزداد اغترابي عنها وعدم اطمئناني لها وأعرف مأزق محامي القضية الشائكة عزمي بشارة ..
ولأن العدل والتوازن يقتضي الاستماع للآخر لمعرفة تطور ومصير الثورة فأنا أتردد على الثورة وأسافر الى شوارعها كيلا يكون ميلي في صالح النظام دائما لعل لدى منطق الثورة مفتاحا للولوج الى حقائق لانعرفها أو ربما حجبها عنا ولاؤنا الشديد لآرائنا وشوفينيتنا في مواقفنا.. لكنني أعود من رحلتي وأضع حقائب السفر كثائر متعب ..لم يجد ثورة ولاثوارا ..ولم يجد تصوفا ثوريا .. ولم يجد الا ثورة الجاهلية ..
حصيلة رحلتي كانت دوما أكثر ايلاما مما توقعت .. فقد وجدت أنني مقصر جدا في احتقار هذه الثورة وازدراء هؤلاء الثورجية ..واعذروني ان قلت مايجرح البعض ممن يهيم بالثورة لأنني لاأريد استعمال هذه الكلمة لاستفزاز الطرف الآخر.. لكن يخطئ من يعتقد أنني لم أحاول معانقة هذه "الثورة" ..وانني لم أحاول أن أبحث في وجهها عن أي شيء جميل ..وأن أتشمم رائحة ورودها ..
ماهذه الثورة التي تتحدث الي منذ عشرة أشهر بكل اللغات والمحطات فلم تقنعني حتى في أن أشرب منها كأس ماء؟؟ وماهذه الثورة التي وقفت الدنيا الى جانبها ولكن قلبي لم يطمئن لها وبقي هاربا منها كطائر سنونو صغير يقف على أغصان بين الثلوج ولايرحل الى دفء الثورة؟؟..ماهذه الثورة التي أمضيت مافات من عمري انتظرها وأنتظر الغاءها لقانون الطوارئ ولاطلاق الحريات وعندما وصلت قررت أن أمضي مابقي من عمري في رجمها وملاحقتها ولعنها..ماهذه الثورة التي صورت حتى الحجر الصغير في سوريا ولم تصور أظافر أطفال درعا التي قيل ان النظام اقتلعها والتي قامت من أجلها الثورة .. ولم نجد الا الصور الممنتجة والمفبركة ....؟؟
هل يمكن أن يكون أحدنا عنيدا وعميلا للنظام الى الحد الذي يرى الدنيا كلها تعانقه فلا يغادر رصيف السلطة؟ هل يمكن لأحدنا أن يكون عقله قد تكلس وتحجر وصار مستحاثة ولايقبل بهذه الثورة رغم كل ما تحاول قوله ورغم كل لطمياتها؟؟ هل بلغت قسوة قلوبنا أننا نسكت عما يقال من جرائم النظام ونبررها ولاترى عيوننا عيون الأرانب البريئة في عيون الثوار؟؟ لماذا نقف بهذا العناد ضد الثورة ونسمي أعمالها جريمة؟
لاشيء يساوي الحديث الى شوارع الثورة ذاتها والناس الذين يحتكون بها .. وكل الثرثرات والاستشعار عن بعد من على الفضاء المحتل بالآخر لاتفيد ..فما يقوله سائق سيارة أجرة وبائع الخضار أبلغ من أي تقارير لرامي عبد الرحمن وشلته وأكثر تعبيرا عن الحقيقة عن وعظيات العرعور ولطمياته وبالطبع أكثر فصاحة من فلسفة عزمي بشارة ..
آخر زياراتي لمناطق الثورة كشفت لي كيف أن الناس في معاقل الثورة بدأت بالتبرم والشكوى من قسوة الثورة وأنانية الثوار ولعل اقسى العبارات ماقاله لي بائع في مدينة دوما اذ قال: ان الواحد صار يتمنى أن يقع في يد الأمن ليجادله على أن يقع في أيدي هذه الغوغاء الهمجية..وفي ريف دمشق مررت على عدد من الشوارع في المناطق الساخنة مثل حرستا حيث قادني دليل من أهل البلدة الى شارع يسمى "حي السيل" وتحدثت الى الناس الذين قطعت أرزاقهم من اصرار الثورجية على فرض الاضراب بالسلاح في مناطق سورية أخرى .. عائلات بأكملها تعتمد على ماتبيع محالها الصغيرة بالليرة والليرتين ترغم على أن تعاني ..اصحاب محلات أخرى هجروا تلك المناطق الى مناطق أخرى ليعيلوا أطفالهم لأن الثورجية يريدون فرض الاضراب ..الثورة تريد أن تنتصر من جيوب الفقراء وصغار الكسبة .. ولاتهتم بأطفالهم .. بل بأطفال قادتهم الذين يتنقلون في روضات الخليج وفرنسا وأميريكا ويتلقون التعليم الراقي ..بينما أطفال الثورة يؤخذون من مقاعد المدارس البالية في ريف دمشق ليتعلموا الصراخ ببذاءة وبراءة "الشعب يريد اعدام الرئيس" ..
أما سبب اطمئناني على الوطن السوري فهو معرفتي للسوريين واعتدادهم الشديد بوطنهم وكبريائهم الوطني .. ولايفارقني مشهد لاأنساه عندما دعيت لحضور مؤتمر لوزير الخارجية الأميريكية الأسبق وارن كريستوفرفي فندق شيراتون دمشق بعد احدى جولاته المكوكية ولقاءاته مع الرئيس حافط الأسد .. يومها وصلت قبل بدء المؤتمر بلحظات وعندما وصلت وجدت حرس الوزير الأميريكي وقد اعترضوا سيدة سورية تبدو من مظهرها ومشيتها أنها تنتمي الى عائلة راقية كانت تهم بالمرور من جانب القاعة فوقف الحراس الثلاثة في الممر في وجهها .. لكنها اصرت على المرور .. فقلت لها متبرعا بالشرح انهم حرس الوفد الأمريكي والسيد كريستوفر .. وتوقعت أن ذلك سيجعلها تهدأ وتقرر الانصراف فما كان منها الا أن توجهت لهم وقالت بانكليزية "دمشقية": لأنكم أمريكيون سأمر من الممر ولن أغير مساري .. ثم دفعتهم عن طريقها .. لكن الحارس أصر على منعها وأمسكها فنظرت السيدة اليه وقالت: يبدو أنك لاتزال تتوهم أنك الآن في الولايات المتحدة أو جمهورية موز أو مملكة نفط .. تذكر أيها السيد أنك هنا في دمشق .. هذه دمشق ألا تفهم ؟؟!! ثم تخلصت من يده ومشت بكبرياء في الممر والحارس ينظر اليّ ويتبادل النظرات الحيرى مع زملائه ..
ماأعرفه أن هناك زعماء غربيين يتصرفون مع الرئيس الاسد بنفس طريقة الحرس الأمريكي للسيد كريستوفر ..لأنهم يحرسون اسرائيل ذاتها .. وماأعلمه كاليقين انهم ابلغوه رسائل تهديد قاسية منذ اشهر ..رسائل كافية لاستسلام قياصرة وخلفاء وأمراء وملوك .. وأنا لاأعرف ماذا كان رد الرئيس الأسد ..لكنني عرفت ان احدهم قال لحكومته: اننا امام رجل ايمانه وثقته بنفسه كالفولاذ ..
وأستطيع أن أخمن لماذا يبدو الرئيس الأسد واثقا بشعبه .. لأن لديه شعبا يقول ماقالته تلك السيدة لحرس الوزير الأمريكي التي عرفت لاحقا أنها من احدى أعرق عائلات دمشق ..وتشرفت بمعرفتها وأفتخر بصداقتها .. وسأقول باسمها للعالم الذي ينتظر رحيل الأسد في عام 2012 :
يبدو أنكم لاتزالون تتوهمون وتعتقدون أنكم تسقطون شعبا في جمهورية موز أو امارة نفطية.. تذكروا أيها السادة أنها دمشق.. هذه دمشق ألا تفهمون؟؟!!
ان موت الأسئلة وعصر الفلسفة الثورية تعلنه سيدة اسمها.. دمشق
آلام عزمي بشارة في حديث شقاء الثورة
وأخيراً من بعد طول الغياب.. ظهر المفكر العربي عزمي بشارة.. وكنت بانتظاره على أحر من الجمر.. لسبب واحد هو ان عزمي هو طبيب الثورات العربية الذي يداوي جراحها.. وهو ضابط الارتباط الذي يوجهها في أزماتها.. وهو الطبيب النفسي الذي يجلس اليها ويكفكف دموعها ويربت على أكتافها.. ولولا ظهوره في "حديث الثورة" بتاريخ 24 -12-2011 لأصبت بالقلق ولانتابني شعور أن الثورة السورية قد أعطيت الدفعة الفيزيائية الأخيرة وانطلقت ولم تعد تحتاج الى طبيبها لأنها اكتسبت أسباب القوة والمنعة.. لكن عزمي قد ظهر وبدأ جلساته العلاجية المكثفة.. ومن حديثه الذي يستحق أن يسمى "حديث شقاء الثورة" عرفت كم الثورة السورية مأزومة.. وكم هي تتآكل وكم هي تعاني من الوهن والضعف الجسدي والنفسي.. والأزمات الأخلاقية المهينة..
في الماضي بعد أن "بيّض عزمي بشارة صفحة المؤسسة" كنت أستمع اليه لأعرف كيف تفكر أجهزة المؤامرة وأين ستركز قصفها الفكري ..واليوم أستمع اليه لأعرف أين تتعثر المؤامرة .. ان حديثه يستحق بجدارة ان يطلق عليه (آلام عزمي) تيمّنا برواية (آلام فرتر) الشهيرة للروائي الألماني يوهان فون غوته .. مع الفارق أن آلام فرتر هي قصة حب نبيلة واعترافات غوته نفسه لمأساة حبه الصامت للفتاة شارلوت التي كانت خطيبة صديقه .. أما آلام عزمي فهي آلام جاسوس في قطر .. ان أحب يوما فربما أحب مال موزة زوجة صديقه حمد.. وآمل أنه لم يحب .. موزة ..
ولأنني ضد هذه الثورة السورية فقد جلست أستمع بتلذذ الى عزمي بشارة وهو يعالج الثورة التي أصابها الوهن وظهرت عليها أعراض الأزمة .. ويحاول حقنها بالأمل .. لم أكن في يوم قد استمتعت بمقابلات عزمي كما في حديثه الأخير عن الثورة .. لأنني كقارئ مدقق يحب اختراق الكلمات والحجب كنت أستمع الى عزمي بشارة وقد أقلعت في دماغي أجهزة تحليل الشيفرات وأجهزة الرؤية الليلية لرؤية الحقائق الشاردة بين كلمات "المفكر العربي" ..
هذه فرصة نادرة لرؤية الثورة السورية ومصيرها بعد هذه الفترة من وجهة نظر عبقري في التخفي والتمويه والمناورة .. وقد التقطت عدسات الرؤية الليلية لدي كثيرا من الشيفرات والتحركات .. في حديث الظلام الذي أطلقه عزمي بشارة
لجأ عزمي الى أسلوب العلاج الذكي لشد أزر الثورة ..فقد ذكر الحقائق الصريحة كأي طبيب يحتاج الى كسب ثقة مريضه الى أن يقول له الحقيقة بتفاصيلها .. ولكن كأي طبيب نصاب يريد ابتزاز المريض فانه يصارح مريضه بالحقيقة ثم يعرض عليه عملية جراحية انقاذية والتأكيد على الشفاء النهائي ليقفز بعدها كما الحصان ..رغم أن الطبيب في قرارة نفسه يعرف أن المريض لن يستيقظ من العملية ..
أقر عزمي بشارة في "حديث شقاء الثورة" ان الثورة السورية تمر بمرحلة قاسية وأن طريقها طويل جدا..وهذا تمهيد صريح بأن النظام السوري قوي وأن محاولات خلخلته لم تكن موفقة ..ولابد للناس من استقبال هذه الحقيقة والتعامل معها دون تردد ..لكن تكرار عزمي بين الفواصل الكلامية لايمانه القوي أن نهاية الثورة محسومة بالنصر أكدت أنه يعالج أمرا ما بالغ الخطورة .. وهو أن مايتلقاه من تقارير تؤكد أن الروح المعنوية لقيادات الثورة والقيادات الميدانية لم تعد على مايرام .. ولذلك فقد أكثر عزمي من ترداد العبارة بالثقة بالنصر ..وغني عن القول ان هذا الكلام لرفع المعنويات يصدر عن قيادات محاصرة وعن خطابات محاصرة بالأزمات .. وماعساها تقول الخطابات المحاصرة بالأزمات الا أن النصر آت ..
لفت نظري أن عزمي يكافح حقيقة اخرى وهي الانهيار الأخلاقي للثورة الذي يسبب النفور منها .. فهو يعترف أن الثورة تخطئ وان قياداتها تصر بحماقة على تجاهل الخطأ وانكاره أو حتى تأثيم الآثمين .. وفي هذا اشارة الى دموية الثورة وعنفها الذي سيجهز عليها أكثر ويزيد من توجس الناس منها ويخلق مبرر قسوة النظام معها.. وبرغم أن عزمي قد أقر وتفهم تكشير القيادات الميدانية عن طائفيتها مثلا فانه عبر عن أسف شديد ان النسق الأعلى لقيادة الثورة متورط بغباء في تصريحات طائفية تدفع الثورة الى الخسارات المتلاحقة والانحلال ..
لكن عزمي يشير الى كابوس آخر يقض مضجعه وحاول طرحه بخبث وكأنه ليس كابوسا بل خللا عابرا وهو أن نظرية المؤامرة لم تعد مجرد نكتة يسخر منها الثورجيون بالانكار بل قطعة من الديناميت قد تنفجر في وجوههم..لأن تغطية المؤامرة حيوي من أجل جمهور محايد مراقب .. وعدم العمل على ذلك هو ماسيسبب انفضاض التأييد الداخلي المحدود والخارجي العربي عن تأييد الربيع السوري ..فقد أشار عزمي الى هذه القضية بحجة أن النظام يصر على وجود المؤامرة وأنه قد صار حبيس هذه الفلسفة .. لكن اشارة عزمي وتأكيده واصراره على غياب المؤامرة بعد هذه الأشهر يدل على أن قيادات الثورة تواجه اتهاما حقيقيا من قبل الرأي العام بأن نفي المؤامرة لم يعد سهلا أو مقبولا خاصة ان ذيل الأفعى الاسرائيلية الذي أشار اليه محمد حسنين هيكل يطل من تحت جلباب الاسلاميين الطويل ..والثورة السورية بالذات صارت في موقف حرج بعد انكشاف المؤامرة..
ثم عرج عزمي بدهاء الى حقيقة أن بعض أقطاب المعارضين مرتبطون بالخارج لكنه قلل من أهمية هذه الفضيحة الثورية وقال ان ذلك طبيعي بحكم عيشهم في الخارج لفترة طويلة!! بالطبع نسي عزمي رأيه في المعارضة العراقية المهاجرة والتي ارتبطت بالمحافظين الجدد بالخارج والتي شن عليها عزمي واحدة من اقسى هجماته.. من دمشق وتحديدا عام 2008
وأما الخبر السيء الذي نقله عزمي للثورة المريضة فهو أن على الثورة أن تنسى نهائيا أي تدخل خارجي امريكي أو أوروبي .. وأن على الناس الاعتماد على الجامعة العربية (والثورجيون بالطبع يعرفون ماذا يعني الاعتماد على العرب) ..ثم غمز عزمي من قناة اردوغان بحنق وكاد يقول انه ثرثار أخرق لأنه يخطب ويهدد ثم يغيب شهرا..وبعبارة أخرى فان أردوغان سيلحس وعوده ودعمه قريبا .. وربما سيغلق الحدود بنفسه ويقف كالناطور بالتناوب مع عبدالله غل وداود أوغلو على الحدود السورية ويشرف على منع التسلل للثورجيين .. وقد يقول لهم ان صبره نفد من عدم احترامهم للجيرة ..جيرته مع صديقه القديم بشار الأسد ..
ولكن عزمي وجه لكمة قوية الى قيادات الثورة بسخريته المريرة من وضعها أهدافا غير واقعية ..فقال ان طلب الدعم الخارجي ووعد الناس به وضع حتى قبل معرفة استعداد هذا الخارج للتدخل الذي تبين أنه غير متحمس اطلاقا لتلك المغامرة..ومعنى كلام عزمي هنا أن القيادات الثورجية تفتقر الى الحصافة وأنها قيادات ارتجالية تمارس السياسة كالهواة وكالعاطلين عن العمل ..الذين يعملون في مهن لايعرفون عنها شيئا لكنها تؤمن رواتبهم ..
وفي آخر تعليقه على الثورة لم يتمكن عزمي من مقاومة اغراء توجيه صفعة وركلة جزاء استخفافا بعدوه اللدود برهان غليون الذي بدا أن عزمي لايرى فيه قائدا محنكا بل شخصا تسبب بالكوارث للثورة غامزا بصراحة من حديث غليون بشأن المقاومات العربية التي سيقتلها كرمى لعيون الغرب ..وقال ان الكلام عن حزب الله ونفي وطنيته ومقاومته ضد اسرائيل مهما اختلفنا معه لم يكن مبررا ولاحقيقيا وبدا ارضاء للغرب وليس ارضاء للداخل السوري ..والمعنى الآخر لكلام عزمي أن برهان سياسي فاشل بجدارة وتسبب بكارثة..
ماسمعته من آلام من فم الثورة عزمي بشارة يدل على أن الثورة قد دخلت نهائيا في آلام أزمتها الداخلية التي انفلتت عنفا غير مسبوق سيقضي عليها بسرعة .. وأن ماأثار قلقنا منها صار يتسرب الى نفوس الناس أيضا.. انها الآلام ..آلام السقوط ..
اذا هكذا تألم عزمي بشارة !!
أما نحن فسنكتب قصة حب حقيقية سنسميها ...آلام سوريا .
هل تكتبون معي قصة حب اسمها ..آلام سوريا؟؟ سوريا التي نحبها ..نحبها ....نحبها ..
وتحبنا ...تحبنا ....تحبنا
أسئلة عنقودية عن نهاية الثورة السورية
من الخطر أن نتحدث في الشأن السوري عند عدم توفر الدقة.. ولكن من الأخطر ألا نتحدث في الشأن السوري عندما يكون العالم كله ينتظر ما ستتمخض عنه الأحداث السورية.. وخاصة عندما تكون غاية الخصوم من الحديث في الشأن السوري اطلاق أعنّة الأكاذيب و سراح الكراهية واليأس كما هو الحال في أحاديث الجزيرة التي لم يعد لائقا تذكير القراء بأنها مكان للرذيلة المهنية ولمصادرة العقل والزنا الأخلاقي.. فالجمهور - من مؤيدين ومعارضين - قد وصلوا الى هذه النتيجة .. ورغم اصرار المعارضين على انكار معرفتهم بهذه الحقيقة فان تعلقهم بها يدل على أنها تؤرقهم..
منذ بداية الأحداث مشينا معا أيها الأصدقاء عبر كل المراحل وأطللنا على المنعطفات الهامة وأمسكنا بأيدي بعضنا لنشجع بعضنا في هذه الرحلة الشاقة في البحث عن الحقيقة .. فنحن كنا في وجه عاصفة من عواصف التاريخ الكبرى وعواصف الخيانات الكبرى في التاريخ الانساني ..وأستطيع أن اقول باعتزاز أننا لم نضع أقدام توقعاتنا الا في المكان الصحيح الثابت واتكأنا على الصخور الكبيرة وعبرنا معا عبر شهور طويلة من خلال ممرات ودهاليز الأسرار التي أوصلتنا الى النتائج الصحيحة المصقولة كالماس ..وكان كل ما قلناه عن جعجعة أردوغان الفارغة وتحركات الناتو الاستعراضية وثرثرات الجامعة العربية، دقيقا ولم يجانبه الصواب..
اليوم لاشك أن السؤال الملح هو سؤال عنقودي ..أي سؤال في بطنه حاضنة قنابل عنقودية فيها اسئلة أخرى كثيرة على مبدأ القنابل العنقودية التي يحلو للاسرائيليين انهاء حروبهم بها لقتل مدنيينا غدرا وهم آمنون ...السؤال الكبير: هل انتصرنا؟ أم نحن ننتصر؟ أم هل سننتصر؟ ومتى ؟ وما الذي يحدث اذا؟
هذه المرة لن نذهب الى أي مكان ناء ولن نسأل مكاتب الأبحاث والدراسات والمتابعات بل سنسأل شوارع الثورة والتمرد وسنتجول بين الحقائق ونرفع مالدينا من معطيات لنقوم بالتحليل والتفسير واعطاء النتائج الدقيقة كما الاحصاءات والعمليات الرياضية والمعادلات الصارمة .. ومن المسلمات أن حركة المجتمع التي رصدها كارل ماركس وفريديرك انغلز وخلطاها بجدلية هيغل ومادية فيورباخ صارت علما يتنبأ بالتحولات الاجتماعية وبفترات الثورات اثر الاختلال الطبقي وتوزع الثروات .. واكتشاف الحتمية التاريخية
ان تطبيق الجدلية والحتمية التاريخية يقضي بقيام التغييرات الاجتماعية عند نضوج ظروفها أما عملية تفقيس الثورات الصناعي فلن يقوم بانتاج ثورات بل ثرثرات .. ولذلك فان عنصر الجدلية والحتمية التاريخية لايتوفر للربيع العربي وبالذات للسوري ويجعله بالتالي منتجا لمنتج لايستحق الا اسم مؤامرة حتمية !! بدل التاريخية الحتمية
أما كيف ستتطور أحداث وظروف الثورة فقد لا نفاجأ اذا ما استعنّا بعالم الاجتماع الأول ابن خلدون .. يقول ابن خلدون في عمر الدولة (أو الحركات الاجتماعية هنا ) أنه يمر بمراحل هي باختصار: البداوة والعصبية ثم الحضارة والاسترخاء والتمدن وبعدها الانحلال والتفسخ والانهيار ..بالطبع أنا لست ابن خلدون بالرغم من أنني قرأت له بعض مقدمته بصعوبة وأزعم أن برهان غليون يعرفه أكثر مني فهو اختصاصه - كما أعتقد - الذي صدع رؤوسنا به ..لكن يبدو أن برهان لم يعد يذكر لا مقدمة ابن خلدون ولا مؤخرته وصار حبيسا لمقدمة "ابن غليون" وربما مؤخرة برنار هنري ليفي ..
على كل حال أثبتت نظرية ابن خلدون أنها مرجعية نظرية كبرى في علم الاجتماع لاتزال ترخي بظلالها على نظريات علم الاجتماع ولو أردنا قياس تطور الثورة السورية بمقاييس ابن خلدون لوجدنا أنها قفزت من العصبية والبداوة الى الانحلال والتفسخ دون المرور بمرحلة الحضارة والتمدن ..
وعلى العكس فان النظام (كدولة) الذي كان من المتوقع أن يكون في مرحلة التفسخ والانحلال ليدخل في الانهيار فانه استقر في مرحلة ما قبل دخول الانحلال والتفسخ والانهيار بوجود شخصية رئيس شاب لديه طموح وانجاز وطني ورصيد سياسي محترم .. حيث قام هذا الشاب بانزال مجموعة من المراسي من سفينته ورفع الأشرعة في الأنواء عبر مراسيم واصلاحات ثبتت السفينة التي كانت تيارات نظرية ابن خلدون وعواصفها تجرفها نحو الشلالات والتحطم ..ويبدو أن ثباتها في المرحلة الثانية وهي مرحلة الاستقرار ستطول أكثر مما يتوقعه الكثيرون..
وبالمقابل فان الثورة السورية مرت بتطور غريب مشوه لنظرية ابن خلدون ..فقد عجزت الثورة في الانتقال من العصبية والبداوة الى مرحلة الحضارة والتمدن .. وبقيت تتأرجح وتتقافز بين مرحلة العصبية وبين مرحلة الانحلال والتفسخ دون المرور بالتطور الطبيعي .. فتسلح الاحتجاجات منعها من هذا التطور الطبيعي ونقلها الى التفسخ والانحلال لسبب بسيط هو أن الحاضنة الرئيسية لأية ثورة قد تخلت عنها وهي الحاضنة الشعبية التي كانت تتسع في بدايات الأحداث بفعل الاعلام الأسود والدعاية السوداء والتي صورت النظام قاتلا ثم سوقت فكرة رحيله السريع وضرورة القفز الى مركب الثورة ودغدغت مشاعر الناس بخطابات ووعود بدخول تركي فاتح ساحق لا يعرف التردد وقد فقد صبره الذي سيتوج بأساطيل الناتو ..
لكن الجمهور الحاضن لم يتسع حجمه بل توقف ثم بدأ بالانكماش التدريجي .. وحدث لديه انشقاق واضح ..فهناك من تنبه الى أن القضية فيها تزوير وتضليل وتسويق لأحلام ليس لها واقع .. لكن الاهتزاز أصاب الحاضن الشعبي والذي تحاول الثورة اخفاء شقوقه التي بدأت بالظهور حسب الصحف الغربية الراصدة للاحتجاجات بدقة متناهية .. فجمهور الاحتجاجات قد يكون استدرج في السابق وتم تشجيعه بأن النجدة قادمة من تركيا والناتو ..ولكن هذا الجمهور على سذاجته لم يعد من السهل خداعه وقد رأى أن تركيا انكفأت على نفسها تنتظر عونا على مشروعها وتركتهم لمصيرهم .. فيما انشغل الناتو نفسه بصيانة سفنه .. وبدأ تطاول الزمن يفعل فعله في وصول الثورة بسرعة الى مرحلة سن اليأس ..فلم يعد هناك من شك أن الارتياب صار يحوم حول امكانية نجاح الثورة بعد الحماس الذي أصاب المحتجين في البدايات ودفعهم للاعتقاد انه قاب قوسين أو أدنى من قطف النصر وهذا ال "قاب" كان بقدر أسابيع فقط ..فاذا بهذا ال"قاب" صار بلا نهاية ..
وهناك حقيقة لا يمكن الفرار منها وهي اكتشاف الجميع وخاصة أعضاء المجلس الانتقالي وجمهور الاحتجاجات أن الصراع مع النظام ليس صراعا بين معارضة و سلطة معزولة .. بل هو صراع بين منظومات اقليمية ودولية معقدة ..فكما أن الثورة هي امتداد وأظافر لمنظومة دولية فان النظام في سورية جزء رئيس من منظومة كبيرة دولية متينة تكشفت روابطها من ايران الى روسيا والصين ..وغني عن القول ان النظام السوري كسلطة لم يكن قادرا على الصمود بامكاناته الذاتية أمام ضخامة ماكينة وطاحونة المنظومة الدولية الهائلة التي استهدفته لولا أن المنظومة التي تؤازره كلها تعمل كجهاز واحد متناغم وصلب ..ولكن الحقيقة التي يجب احترامها فهي أن المنظومة الداعمة للنظام بحد ذاتها لم تكن قادرة على تثبيت النظام السوري لولا اكتشاف الثقل السياسي والشعبي المحيط بالرئيس الأسد والأهم احاطة الجيش السوري كالسوار بالمعصم بالنظام والذي حاولت المؤامرة استخدام بعض المظاهر الشعبية كمفكات "براغي" ومثاقيب لاختراق تماسك الجيش السوري وسواره ..
لم يعد السؤال لدى الباحثين الاستراتيجيين هو هل ستنتهي الثورة لأن ذلك صار من المسلمات والبديهيات .. لكن السؤالين المهمين هما السؤالان الصعبان وهما: متى؟ وكيف؟
في ما يتعلق بالاطار الزمني لا يبدو من الحصافة الاعتقاد بتاريخ محدد ويوم محدد ..وربما أدخل الناس في احباط من تحديد يوم بذاته اذا لم يتحقق ذلك التوقيت ..فليس من طبيعة الأحداث السياسية والأزمات في أي مكان وزمان أن تعلن انتهاءها بشكل السقوط الحر الشاقولي ..فكل الأزمات السياسية بل البشرية تمر باقلاع وذروة ارتفاع ومن ثم الهبوط التدريجي .. وقد يكون الهبوط التدريجي سريعا أحيانا عندما يكون اضطراريا أو طيرانا شراعيا ..لكنه لن يكون يوما محددا ..
اذا ما راجعنا تسلسل الأحداث فلا يمكن اعتبار أن أحداث اليوم –رغم عنفها - شبيهة في قلقها واقلاقها بأحداث الأسابيع الأولى أو النصف الأول ..ففي تلك الأيام كانت هناك عصيانات كبرى مثل جسر الشغور وحماة وبانياس ودرعا وكانت هناك مدن خارجة عن السيطرة بل وخضعت بشكل ما للنظام الجديد الطالباني ..وكانت هناك انذارات تركية شرسة ومشاريع مجلس الأمن وانذارات الجامعة العربية بالساعات ..واليوم لم يعد هناك سوى تحركات مسلحة في شريط بين حمص وادلب ..تلجأ غالبا للتخفي والسراديب والأنفاق بدل اطلاق عملية تحرير علني للمدينة في وضح النهار ..وتعنى بشيء واحد فقط هو اطلاق الحرب الأهلية لاعادة احياء الدعم والأمل التركي والناتوي بعد انحسارهما بشكل كبير .. ولا تمكن قراءة التفجيرين الارهابيين الأخيرين في دمشق الا على أنه انعدام أي احتمال لحرب خارجية من تركيا أو برعاية الناتو .. ولذلك تم اللجوء لتكتيك الحرب القذرة من الداخل التي تعيدنا الى مرحلة الثمانينات وتقصد بالتفجيرات رفع معنويات "الثوار" .. وهي المرحلة الأخيرة التي أجهزت على تنظيم الاخوان المسلمين في السابق كما نذكر جميعا ..
أي أننا دخلنا مرحلة الهبوط التدريجي للرحلة "الثورية" .. والثورة تصارع الآن للبقاء في الأجواء لكن العاصفة حطمت المحركات ويطير ربابنة الثورة طيرانا شراعيا وهم يعلمون أنهم لايزالون بعيدين عن أي مطار ليتفادوا التحطم .. وسنرى في قادم الأيام قفزا مظليا حرا لبعض قيادات الثورة ..كما يحاول هيثم المناع أن يقول..
كيف ستنتهي الاحتجاجات؟
اذا كان الاعتقاد أن الثورة السورية ستنتهي نهاية عسكرية مدوية على يد النظام –على طريقة الثمانينات- فهذا اعتقاد من لا يعرف السياسة .. وهو اعتقاد من لا يعرف الرئيس الأسد وعقليته ..وهو اعتقاد من لا يقرأ التاريخ والمنطق ..وهو أيضا اعتقاد من لا يعرف الفرق بين الكارثة والمشروع الوطني ..
أما تفسير ذلك فهو فيما يلي:
في تشريح الثورة نجد مكونين (أو جناحين) هما جناح عسكري صار معروفا وجناح مدني يتمثل في حاضن شعبي مبعثر محدود للغاية له أزماته الاجتماعية والاقتصادية والنفسية وهو مأزوم دينيا ..
أما الجناح العسكري فقد وضع نفسه في مواجهة غير متكافئة مع أحد افضل أجهزة الاستخبارات في المنطقة وأهم لاعب في مراقبة التنظيمات الاسلامية ناهيك عن تفوقه في القوة العسكرية الهائلة للنيران ..وهذا ما سيجعل أية مواجهة عسكرية معه لا يبدو احتمال النجاة فيها يتعدى الصفر.. ولم يعد سرا أن أحد أهم أسلحة اجتثاث مسلحي حمص مثلا هو في اغراق التنظيمات المسلحة المتغلغلة في المدينة بمتطوعين اسلاميين موالين للنظام من عدة جهات لرصد المسلحين في حمص وفي جهات أخرى تم تكليفهم بتقديم كل المعلومات عن المسلحين حتى عن قياسات أحذيتهم وألوان سراويلهم الداخلية !! وذلك لاجراء أكبر عملية رصد ومتابعة ورسم خارطة دقيقة وواسعة عن كل جغرافيا وتوزع وقيادات المسلحين وامكاناتهم.. لأن العملية العسكرية المسترشدة بمعلومات استخباراتية ثرية ستسمح بالاستئصال تحت تخدير متقن ..عملية ربما كانت مقررة في بداية الأسبوع لاجتثاث المسلحين قد تم تأجيلها بسبب تقارير عن وصول انتحاريين من لبنان كان من المفترض وصولهم الى حمص فاذا بالأخبار تشير لتغيير وجهتهم نحو دمشق ومدن أخرى لتنفيذ عمليات ما .. وناهيك عن تداول معلومات عن محاولة المسلحين اجراء تعديلات على خارطة توزعهم بعد توجيهات خارجية ملحّة تؤكد وجود اختراق استخباري سوري لا تعرف أبعاده بعد
اما الحاضن الشعبي المحدود والمأزوم فسيتم التعامل معه على مستويين ..
القاعدة التي ستسود في معالجة التمرد المدني المحدود فهي أن الحاضن المدني لن يعامل بقسوة بل بالاستيعاب والامتصاص لاسترداده وجدانيا ونفسيا بعد تجريده وفصله عن المحرض العسكري الذي سيستأصل.. لكن التكتيك الرئيسي سيعتمد على طريقة ضرب المغذي الرئيسي المعنوي لهذا الحاضن المدني واجراء عملية فطام وقطع لأثداء الأم وهو متمثل في قوتين معنويتين هما تركيا والسعودية اللتان تشكلان الذراع الغربي الاسرائيلي الرئيسي في المشروع .. ولولا هذان الذراعان لما استطاع المشروع الغربي الدخول الى سوريا لأن استعمال العواطف الاسلامية هو أهم محرك للثورات العربية ومنها السورية طبعا ..
تركيا تم تحييدها "تقريبا" على مرحلتين كما صار واضحا ..فقد أبعدت وأطفئت الخطابات الأردوغانية ويتم الآن التفاوض بشكل غير مباشر لقطع الأسلاك التركية الواصلة الى اللغم المسلح لابطال مفعول القنبلة ولطي المظلة السياسية التركية التي يستظل بها المجلس الانتقالي ..الذي سيكون في العراء خلال فترة ليست ببعيدة وبشكل بعيد عن الأضواء .. اذا ما تمت الصفقة لأن تركيا لاتزال تتلفت يمنة ويسرة في حيرة عل معجزة تحدث لاخراجها من ورطتها ..
أما القوة الثانية فهي السعودية الزعيمة الطبيعية للخليج العربي وليست قطر .. بالرغم من أن التركيز الاعلامي السوري على قطر فان السعودية هي القوس الثقيل والوتر الذي تستند اليه السهام القطرية والغربية نحو سوريا قبل انطلاقها ...فبندر بن سلطان هو مخطط رئيسي وداعم وممول .. والاعلام السعودي أشد سوءا من القطري ..والعربية ووصال والعرعور لايقلون بذاءة واذى عن القرضاوي وعزمي بشارة ..الفارق الوحيد أن القطريين يحاولون التأثير على النخب السورية فيما تولى السعوديون قيادة الغوغاء والرعاع والبسطاء في الأرياف ..
السعودية يجب أن تنكفئ ويجب أن تصدر اوامرها الى قيادات الجناح المدني بالتسليم ورفع الراية البيضاء وأما كيف ستكون السعودية مضطرة لايقاف ضخ المال والاعلام الأسود واصدار الأوامر لرفع الرايات البيضاء والدخول تحت مظلة النظام فهو أمر لايزال مثار جدل رغم ما يقال عن طريق الضغط على منطقتي الوجع السعودي ..تماما كما تم الضغط على مواجع الدولة التركية ...
أنا ليست لدي معطيات عن منطقتي الوجع السعوديتين ..فأين هي مواجع المملكة العربية السعودية؟
هل احداهما هي المنطقة الشرقية السعودية التي تتهيأ للانطلاق وتتنحنح؟ ..هل هي في اليمن حيث حليف السعوديين يتخلخل ؟ هل في الحوثيين (على طريقة أكراد تركيا)؟ هل هناك مواجع خفية لاندري بها؟ السعودية ستضطر للانسحاب حسب المحللين الغربيين ان عاجلا أم آجلا ولن يكون الوزن القطري فعالا من غير الثقل السعودي الذي سيفقد قوة الجاذبية ويصبح كالسائر فوق سطح القمر !!
ما لدي من معطيات أن السعودية بدأت بالاطلاع على بعض الأوجاع التي ستطلق حولها ..أم هناك سر آخر قد يفرج عنه قريبا؟
قراءة في دفتر الثورة السورية عن صاحب البغلة الشهباء
عندما تريد أن تعرف أحوال الخصم فلا تقرأ جرائدك.. بل جرائده.. وبالعكس اذا أردت أن تعرف أحوالك فلا تقرأ جرائدك بل ..جرائد الخصم..
هذه النصيحة لاتجوز الا اذا كانت لديك موهبة وملكة اهمال السطور وقراءة ماهو هو مدفون بينها، فالكلمات هي ألسنة قد لاتقول الحقيقة وعقلها الباطن تخفيه بين السطور.. وغياب هذه الملكة قد تفضي بك الى استنتاجات قاتلة وقراءات خاطئة.. ولأن تكون ضحية الاعلام الأسود من خصمك أو الدعاية المبالغة من اعلامك..
فعندما نقرأ مثلا موقع "كلنا شركاء" المعارض هذه الأيام وبالمقارنة مع ماكان يكتبه في الأسابيع الأولى للأحداث نجد أن صاحبه قد أفلس سياسيا وأن المحررين قد أصيبوا بالعصبية من طريقة سرد الخبر والكلمات الرخيصة .. ففي بداية الأحداث كان الموقع يتحدث لغة "ثورية" منضبطة ويطلق زخات عاطفية عن الفساد وحقوق الانسان وأحلام الحرية والضحايا ووصاياهم وينتقي كلماته بعناية .. لكنه اليوم صار موقعا للبذاءات والكلمات النابية بحق الرئيس ورجال الدولة واللهجة الشتائمية العصبية والدعاية الراقصة التي تشبه عناوبنها عناوين "محمد بديع سربيه" على أيامه في جريدته الفنية (الشبكة على ماأذكر !!) .. هذه اللغة تعكس انفلات أعصاب وهزيمة وتجعل مرتادي الموقع حكرا على سوية عمرية صغيرة وثقافية شبه أمية وثوار من المهربين والأميين..وصار الموقع يقع في الفخاخ البسيطة التي تنصب للعصافير .. فعندما كتب هذا الموقع عن أن وزير الدفاع السوري العماد علي حبيب قد استقال احتجاجا على عنف السلطة ولخلافات مع القيادة وان ابعاده والتخلص منه جاء باتفاق سوري روسي .. ضحكت كثيرا ومن أعماقي لأنني أعرف الرجل شخصيا والتقيته في مناسبات اجتماعية قبل أن يكون وزيرا للدفاع وأعرف كم كان مريضا وبحاجة للراحة وأعرف طبيبه الذي كان يشرف عليه وأعرف أن حكاية الخلاف والتمرد مع القيادة شيء لايعرفه عسكري منضبط مثله معروف بمدى احترامه وولائه للرئيس الأسد..أعترف أنه لم يكن اجتماعيا بارعا ولم يتحل بالحديث الجذاب المسترسل بل بحديث هادئ متقطع أكثر هدوءا من وليد المعلم يرصعه بمفردات "خشنة" أحيانا .. لكنه عندما يتحدث في شؤون الحرب فهو لايبارى..
قبل أن أسترسل دعوني أؤكد شيئا كاليقين وهو أن المعارضين السوريين ليسوا خصومي أبدا فأنا لاأحب اللون الواحد والنشيد الواحد في الوطن بل الألوان المتعددة ..فالعلم السوري نفسه ليس لونا واحدا ..والوطن ضوء ساطع وأطيافه قوس قزح هي طوائفه وأعراقة وتياراته السياسية .. واستئصال مكون ضوئي واحد من القوس يشوه الضوء كله ..ويسقط معنى الوطن..
شريك الوطن لن يكون خصما مهما فعل واعترضني ..لكن المعارض السوري سيصير خصمي وجزءا من عدوي عندما يستقوي عليّ بالآخر ..ويشكوني الى عصابات وبلطجية و"شبيحة" مجلس الأمن وفرسان الكاوبوي القتلة الذين انتحلوا صفات رجال الشرطة .. وهذا ماينطبق للأسف على معظم المعارضين السوريين .. الذين يتقافزون بين أحضان بلطجية العالم في أوروبا وأميريكا وكل من له ملف أسود كتبت حكاياته بدم الشعوب العربية والأفريقية والآسيوية وبدم الهنود الحمر ..وبدم شهداء السفربرلك وعذابات جراحهم وشهداء السادس من أيار..
ولكن من بين كل المعارضين السوريين الذين اتابعهم بدقة وأقرأ مايقولون بعناية هو هيثم المناع .. وهو بالنسبة لي جريدة الخصم التي أقرأها وتنبئني عن أحواله واتجاهاته وخسائره ومكاسبه .. لم يلفت برهان غليون نظري أبدا (ولانظر معلميه بالتأكيد) ولذلك لاأعتني كثيرا بما يقول في السياسة .. وبالطبع لايجد أحد صعوبة في ادراك أنه "ليس لها وليست له" وأنه ليس صاحب البغلة الشهباء الذي يتنبأ به كعب الأحبار * .. ولابد أن أعتذر من برهان غليون كانسان ان استعملت مصطلحا خشنا قلما أستعمله وهو أنه لايتمتع بذكاء سياسي ..بل بالغباء السياسي عينه..والبلاهة الديبلوماسية وقلة الحيلة (تجلى ذلك في اعترافاته الساذجة الأخيرة بنيّته هدر دم المقاومات كلها ..لأنه جزار المقاومات)..ولاأتمنى له سوى حياة تقاعدية هادئة مع بسمة قضماني يكتب فيها مذكراته القاسية عن هذه المرحلة بعد نهاية المجلس السوري التي أزفت .. النهاية التي حجزت تذكرة للوصول الينا ..
ميزة هيثم المناع أنه أكثر من يقرأ "الأحداث" بعين الثعلب وهو يمكن أن يكون ثعلب "الثورة" أو ثعبانها .. لآنه كان يتحدث في بداية الأحداث بتواضع مصطنع ويتسلح "بالتمسكن" وقد ظل يصر على أن ثورته سلمية سلمية .. الى أن انتهت الثورة وسقطت عنها الأقنعة فكشفت مالديها من عصابات مندسة بين الناس .. ووجد نفسه فجأة أمام ثورة بلا رأس كما وصفها هو بالضبط فبدأ مشروع التفاف على الأحداث حيث ترك الثورة المقطوعة الرأس ليبدأ ثورة جديدة ديبلوماسية يخترق بها النظام نفسه ويخترق منظوماته الواقية ..لقد ترك المناع الثورة لمصيرها المحتوم تموت غلى الطريق وبدأ ثورته هو ..
ماذا يقول المناع الذي أثارت اعترافاته أعصاب الثورجية الذين أخشى أن يهدروا دمه بسببها .. وماأسهل عليهم هدر الدم؟
ففي مقالته الأخيرة على الجزيرة-نت بعنوان "الثورة السورية على مفترق الطرق" قال المناع في اعترافات نادرة ان المعركة صعبة وشاقة ..وبالرغم من أن المناع يحصل عبر المقال على تذكرة الدخول الى معسكر المعارضة بمقدمة يهاجم فيها النظام بقسوة فانه أدلى باعترافات قاسية خطيرة للغاية ومؤلمة وهي ليست الا جزءا يسيرا مما يقوله لمن حوله وهي تصريحات تعتبر مثابة مراجعات "ثورية" لم تصدر عن مشارك رئيسي بصنع الأحداث قبل ذلك كما أرى ...
فالمناع اعترف بسطوة الخطاب الديني الذي اجتاح "الثورة" وأكلها" وقدم توصيفا دقيقا لحال الثورة وهو أنها تخضع ميدانيا لقيادات شابة هاوية بعد اقصاء وتغييب القيادات الأكثر عقلانية ..وبالطبع استعمل المناع بدقة كلمة (شابة) ..وهي كلمة مدورة بديلة ومهذبة وتلبس قناعا لكلمة قيادات طائشة شقية التي تجنب ذكرها..
والغريب أن المناع يقدم اعترافا غير مسبوق في أن الثورة "مفبركة في صورها" فيقول: "لم تبق العملية الثورية خارج نطاق التأثير الخارجي، سواء كان هذا الخارج سوريًّا أو إقليميا أو دوليا. وقد بدأت وسائل التواصل الحديثة بأخذ مكان متصاعد على حساب الوقائع الميدانية، بحيث لم تلبث أن نجحت في استبدال الصورة الداخلية الواقعية بالصورة الفضائية الانتقائية، والعالم الافتراضي".. أي أن مانراه من صور دامية تسوقها الثورة والجزيرة ليس الحقيقة بل معظمها مشاهد تمثيلية ..افتراضية!!..وهذا هو عين ماتقوله السلطات السورية ..وهذا الكلام ينسف كل ماتقوله بكائيات الثورة ورامي عبد الرحمن ورزان زيتونة ومجلس حقوق الانسان وكل قبضايات المحاكم الجنائية الدولية ..
والثورة الطائفية تنتزع اعترافا آخر من المناع لم يعد قادرا على تجاهله فيقول: "وكان للتهميش المتصاعد لقيادات الداخل الميدانية والسياسية التاريخية التي لم تنسجم مع الخطاب المطلوب بشكل واضح، أن دعمَ ألوانا أيديولوجية ومذهبية لم يكن لها أي دور أو أثر في انطلاقة الثورة السورية" .. وهنا يضيف هذا الثعلب كلمة ايديولوجية للتضليل بدل "وهابية طالبانية تكفيرية" للتقليل من خطورة الحقيقة المخيفة ..وهو يخفف من كلمة الطائفية باستعمال بديل رقيق هو كلمة "مذهبية" ..فالمذاهب هي وجهات نظرواجتهادات فلسفية أما الطوائف فهي أمراض المذاهب ..والطوائف هي نتاج وفضلات المجتمعات التي انتهت مذاهبها ..فالمجتمعات عندما تكون بلا مذاهب لا يبق فيها الا الرعاع والهمج .. وتسمى مكوناتها طوائف..
ولعل أجمل اعترافات المناع هي أن الثورة لم يعد لها رأس أو أنه أطيح به ..فهو يعتقد أن الثوار وصلوا اليوم لحركة اجتماعية مقطوعة الرأس سياسيا أو تكاد، ومشوشة الرؤية برنامجيا بالتالي. وصار هناك تداخل في الشعارات وتناطح فيها..
ولكن أم اعترافات المناع والتي تشكل الهزيمة الفكرية الماحقة "للثورة" فهي اقراره أنه لن تكون الحرب الأهلية في سوريا خالصة بالمعنى السياسي أو الطبقي، بل ستكون ملوثة بالتدخل الخارجي السافر والتعبئة .. ، أي أنها انتصار لكل مقومات الردة والظلام، حرب خاسرة بكل معاني الكلمة ولكل الأطراف .. فالثورة "ان تسلحت ماتت، وإذا تأسلمت ماتت، وإذا تدوّلت ماتت"..ثلاث ميتات ومتوفاة واحدة ...
ويقدم المناع خيبة أمله وانكساره لأن الأمر صار معقدا اليوم وأكثر صعوبة بكثير فقد نجح المال السياسي والإعلام في خلق فجوة حقيقية بين مكونات المعارضة السورية بفرضهما سياسة أبناء الست وأبناء الجارية، وفي خلق تفاوت كبير بين أطراف المعارضة
بشكل انعكس وينعكس على قدرة جمعها
ثم أخيرا يركل المناع الثورجية ركلة قوية بحذائه ويقول: ليس من المبالغة الحديث عن حالة بارانويا سياسية حولت العديد من المعارضين القدامى أو الجدد إلى مهووسين بالرئاسة أو الوزارة..
ماذكرته سابقا هو قمة الجبل الجليدي لدى هيثم المناع ..ولكن لم قال المناع ذلك؟ ولماذا على موقع الجزيرة؟ هل لديمقراطية الجزيرة ومهنيتها؟ طبعا لا..هل لأنه يعاني من صراخ الضمير؟ بالتأكيد لا ..لان الضمير الثوري الانساني يجب أن يفيق مع صلاة الفجرعند بداية اليوم .. أما الذي يفيق بعد الظهر أو في المساء لن يجد السوق مفتوحا ينتظره .. فكل ماقاله المناع أعلاه يعرفه بنفسه ومنذ الأيام الأولى ..أما لماذا استغرق بضعة أشهر ليعترف به فعلمه عند من يعرف هيثم المناع ..فنحن في معسكر الوطنيين لم يحتج معظمنا أكثر من أسبوعين أو ثلاثة حتى أدرك أن القضية ليست ثورة بل ضغوطا اسرائيلية وأمريكية لكسب تنازلات سياسية أو لتنصيب موالاة سياسية في الحكم .. أما المناع فما فعله باختصار هو أنه ترك ضميره نائما في عز الظهر بل وغطاه بالأغطية واللحاف والبطانيات ..ونام ضميره مثل نومة علي الديك في أغنية "علوش" .. وعنما فشلت الثورة هرع اليه ليوقظه أمامنا ..وعلوشه يقول نزقا: "الله يلعن أبو الفقر" لأنه يريد أن ينام أكثر ..
هيثم المناع قرأ الواقع الآخر الحقيقي "للثورة" وهو أنها انكشفت ولم يعد من المفيد الباسها الأقنعة وهزمت وأن مرحلة جديدة قادمة .. التعددية السياسية القادمة في سورية ستجعل المناع قادرا على ركب القطارالصحيح الذي تحرك من على الرصيف الذي وقف عليه الآن .. فيما سيبقى كل المجلس الوطني الانتقالي على الرصيف الآخر حيث تعطلت حركة القطارات واقتلعت السكك الحديدية ..وسيطول انتظارهم ..ولن يلحق بالقطار الصحيح سوى من يتسلل خلسة ويهرول قبل تحرك القطار للحاق به .. ولذلك نجد أن خصوم المناع المعارضين يحسون بالغيرة والغضب وصاروا يسمونه "زلمة روسيا" ..!!
المناع ربما يعتقد أنه بهذا الخطاب المتلوي الثعباني سيقدم نفسه للسوريين كمعارض وطني مختلف ..فهاهو يرفض كل مايرفضه الشعب السوري من تدخل خارجي وعسكرة الاحتجاجات وتدينها ..فهو اذا ضمير الشعب السوري ..وهاهي الجزيرة بأوامر غربية عليا تقدم له تدريجيا وتهيء له أن يحل كخط بديل جاهز للمرحلة الثانية .. كأحد لاعبي ومرشحي مرحلة مابعد برهان غليون التي منيت بهزيمة أخلاقية نكراء وسياسية مجلجلة وكانت مليئة بالفشل في اقناع السوريين ..بل لم توجد سلطة في سورية تمكنت من استنهاض هذا الغضب والفوران الشعبي كما فعله غليون ومجلسه باغضابهم للشعب السوري ..وبرهان صار بنظر الكثيرين العميل الغشيم السياسي..الذي لم يقنع في الجلسات الخاصة حتى بسمة قضماني ..وهو الذي صار مصدر نكات عن حمصيته التي تتألق يوم الأربعاء بين أعضاء المجلس كما يروى ..فهذه النكات تعبر عن استهزاء به مثل وجوب تجنب استفزازه في يوم الأربعاء ..وتجنب انعقاد المجلس في يوم الأربعاء .. بل ان تصريحه للول ستريت جورنال لايؤاخذ عليه لأنه قد صرح به في يوم أربعاء ولم يكن في كامل أهليته ..
المناع ومن وراءه ربما يعتقد أنه سيكون حصان الجميع فهو يصرح ضد الثورجية الساقطين لأنهم فقدوا مصداقيتهم في الشارع ..وهو يقرأ مزاج الشارع وقال في مقاله وتصريحاته مايريده الشارع .. فهو سيكون اذا مرشح مرحلة الشارع السوري الناضج عندما يسقط المجلس السوري وجماعته (الذين تم توريطهم عمدا بالتلوث السياسي والتصريحات الملوثة أخلاقيا ووطنيا والسقطات مثل نداءات التدخل الدولي والذين في معظمهم من الفاسدين منذ ايام الرئيس حافظ الأسد) ..وعندما يجد الشعب السوري أن المجلس الانتقالي السوري انتهى وأنه مرهق من استمرار معركة النظام فقد يميل لشخص يبدو نظيفا وعارض النظام والمعارضة ..ويكون المناع جاهزا..للانطلاق في مرحلة ثانية لايبقى فيها للنظام حجة لرفضه وهو من رفض كل مارفضه النظام الا ..الحرية للشعب..
وربما في حسابات المناع نفسه أن النظام لم ولن يسقط ولذلك فسيجده النظام أفضل مرشح للتفاوض معه بعد اعلانه البراءة من المعارضة وعدم تعاطيه مع "خياناتها الوطنية"وتوليته مهمة اطلاق عملية ديمقراطية سورية كرجل وسطي صار مقبولا جماهيريا ولم يلوث بقاذورات المجلس الوطني والجامعة العربية .. وستوصله مؤهلاته مع مجموعته الى منصب رفيع يكون فيه مستقلا عن النظام ويقوم بالانقضاض مع مجموعته على ركائز النظام عبر تغلغله في تفاصيله مسلحا بدستور جديد وأسنان ديمقراطية قوية..مسنونة في الولايات المتحدة وفرنسا..
ومن يستمع للمناع على المحطات الفضائية يجد انه يتحدث على الفضائية الروسية بعكس مايتحدث به لل بي بي سي وبعكس مايقوله للجزيرة ..فهو يسوق نفسه للجميع وكل بلغته ..
هذا التصور ليس مجرد كلامي بل كلام شخص معارض نقل لي من قلب معسكر المعارضة الذين يعارضون المناع أكثر مما يعارضون الأسد لاحساسهم انه يتسلل ويسجل الأهداف الصحيحة .. فيما هم يركلون ضربات الجزاء على مرمى مفتوح، ومع هذا لم يسجلوا هدفا واحدا ..فالكرة الاستانبولية دائما أرضية زاحفة تعلو المرمى كما كان يقول المعلق الرياضي وجيه الشويكي في تعليقاته الغريبة..!!
*ذكر الأستاذ نبيل فياض في احدى منشوراته أن بعض المصادر الاسلامية ذكرت مايلي:
بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان (رض) في «يوم الدار» راح الحادي يحدو به و يقول:
"إنّ الأمير بعده علي .. وفي الزبير خلق رضي" ...
فقال كعب الأحبار وهو يهودي أسلم في عهد عمر (رض): بل هو صاحب البغلة الشهباء (يعني معاوية بن أبي سفيان)، وكان يركب بغلة، فبلغ ذلك معاوية، فأتاه، فقال: يا أبا إسحاق، ما تقول هذا، وهاهنا علي والزبير وأصحاب محمد (ص)! قال: بل أنت صاحبها !!!
قد يكون الثعلب هيثم المناع يعتقد أنه هو راكب البغلة الشهباء التي يبشر بها كعب الأحبار "اليهودي الذي لم يسلم بعد يوسف القرضاوي" ..
لكن من هي البغلة الشهباء ..؟؟
هل هي الثورة السورية أم .....برهان غليون ؟؟مع فائق اعتذاري لاستاذ السوربون الذي امتطاه الجميع ..أرجو أن يتقبلها بروح رياضية .. وليست ثورية أيها الثائر الأشهب
توضيح بشأن مقالة حماس وسوريا وخالد مشعل
خلال الفترة الماضية تلقيت رسائل عديدة واستوقفني كثيرون مستفسرين عن موقف حماس الغامض من الأزمة السورية .. وفي الحقيقة لم تكن عندي اجابات واضحة لأن مالدي من أسئلة كان أكثر بكثير من أسئلة القلقين والذين لم يفهموا موقف حماس .. طاحون الاجابات أصغر بكثير من كمية الحنطة الهائلة من الأسئلة ...اتصلت بعديد من أصدقاء لهم اطلاعهم فلم يكن ردهم سلبيا على حماس بل متفهما.. واتصلت بفلسطينيين يعرفون حماس فلم يكن تفسيرهم الا أن حماس ستقول ماستقول لاحقا لأنه لايراد ان تبدو كحركة مرتزقة مستأجرة يوجهها الشاري في الاتجاه الذي يريد ويحارب بها في الجبهة التي يريد .. وهذه فرصة لاثبات استقلالية حماس في قرارها الوطني بدل طعن مصداقيتها..
ولكن مع تطاول الأحداث لم يعد هذا التبرير مستساغا او ناجعا برأي كثيرين خاصة ان محور الشر يريد اظهار النزاع في سوريا نزاعا بين هلالين شيعي بقيادة ايران وسني بقيادة تركيا .. وصوت حماس الموجه ضد خطوات تركيا مثلا سيكسر نظرية صراع الأهلّة لصالح صراع محاور المقاومة والاعتدال ..
وبالأمس بعث اصدقاء خبرا نشرته عربتايمز بتاريخ ١٢-١٢-٢٠١١ عن تصريحات خالد مشعل وهجومه على القرضاوي ....كان الأمر محيرا لأن الخبرقيل انه قديم ولم يتم نفيه ولاتثبيته بشكل صريح في السابق .. وكان التفسير الوحيد أن حماس أعادت توزيع الخبر القديم لتستخدمه كمنصة لتطلق مواقف متلاحقة ايجابية وليكون اختبارا لردود الفعل قبل تبني المواقف الجديدة التي ستفرج عنها والحبيسة منذ أشهر.. أو ان الجهة الناشرة لم تتحقق ..
لم يعد مهما ان يكون الخبر قديما أم جديدا لكن الرسالة التي قررنا ارسالها كوطنيين سوريين هي ان على القادة في حماس ألا يتركوا الشائعات تأكل رصيدهم الوطني .. وان كان قرار تخفيض صوت حماس بالتنسيق مع القيادة السورية فانه قرار حصيف في المرحلة السابقة وليس الآن حيث التجييش الطائفي والتبشير بحرب أهلية سورية واقليمية ..
رجل الشارع السوري قد لايعرف تفاصيل التنسيق السوري الحمساوي ان كان هناك تنسيق ولكنه يريد اجابات على شائعات تتجول حتى على المواقع السورية الرسمية ..وهي اجابات لاتحتمل الا نعم أو لا ..مثل:
هل ستغادر حماس دمشق؟
هل توافق حماس على تصريحات وتدخلات اردوغان وتركيا؟
هل توافق حماس على عملية تجييش المشاعروالتحريض التي تمارسها قطر بجزيرتها؟هل توافق حماس على خطوات الجامعة العربية تجاه سوريا؟
عندها سأقدم اعتذارا طويلا من أشقائنا في حماس على تبني تصريحات نسبت لهم أو لم يتبنوها ..وسيكون اعتذاري أكبر من العتب الذي أحسسناه ..وسنطلب الصفح والغفران
قد تكون حماس اجابت على تلك الاسئلة .. لكن صوت الاجابات ضعيف لم يصل كل مكان او على الاقل لم يصلني..والرجاء ممن لديه اجابة ان يرسل وثيقتها لي
أخيراً..
لابد لي أن أبدي اعجابي الشديد بتعليقات القراء وتفاوت آرائهم وأن أنحني لهؤلاء الشباب والشابات على هذه الآراء الجريئة والتي أثبتت انهم متابعون ممتازون للحدث ولايسلمون بما يقرؤون الا اذا كان مزودا بالتوثيق والمنطقية.. وهذا لعمري مثار دهشة وانبهار.. وهو التفسير الذي يشرح كيف لم تتمكن أعتى مؤامرة كونية من اختراق هذا الشباب.. ولذلك لم يتمكن الصيادون من الايقاع بهذه الجياد البرية.. هنيئا لسوريا بكم أيها الشباب الكبار الذين سيتعلم منهم الكبار.. والكبار جدا
شكري لكم جميعا..
نارام
أخيراً يا خالد مشعل!! .. هل تأخرت كثيراً مواسم الزيتون؟
منذ الأسابيع الأولى للأحداث في سورية وأنا أتصفح كل مليمتر على صفحات الانترنت وكل العناوين وأتابع كل نشرات الأخبار في العالم لمعرفة مواقف الجميع للوصول الى قراءة متوازنة لما يحدث ولتقييم مدى صحة موقفي عندما أقيسه بمواقف الأحرار الكبار أيضا.. وقد عثرت على آراء كل الأطياف السياسية في عملية السبر والاستقصاء.. ولكن كنت أبحث عن رأي أحرار حماس بعينهم فلم أجدهم.. طفت الشرق الفضائي وطفت الغرب الالكتروني بحثا عن حماس.. ولكن عبثا ..فقد اختفت حماس تماما من المشهد ولم يعل لها صوت.. فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة التركية القطرية في سوريا على مايبدو..
حتى أصدقائي الفلسطينيون المقاتلون الأحرار بدوا حائرين ..لأن من يقود جزءا من الحملة الاعلامية وينخرط في المؤامرة على سوريا كانوا فلسطينيين من عزمي بشارة الى عبد الباري عطوان الى وضاح خنفر .. وباع محمود عباس قيادة الجامعة العربية الى قطر.. فيما صمتت حماس عن الكلام المباح وكأن الحناجر أسكتتها الخناجر .. وانفرد موقع عرب تايمز للفلسطيني أسامة فوزي بالتوازن والموضوعية والجرأة الى أن انجلت الحقائق ..فلم يجامل ولم ينافق وقال رأيا سيحفظه له تاريخ الصحافة الحرة طويلا ..
كنت أعرف أن وضع حماس محرج للغاية وأن تجربة الفلسطينيين مع الشؤون الداخلية العربية لاتشجع على اطلاق مواقف صريحة مع أو ضد طرف من الأطراف ..وأن الحياد هو الموقف السليم والصادق والعقلاني .. فالفلسطينيون لايزالون قريبين جدا من تجربة الراحل ياسرعرفات في الأردن وتجربته في لبنان وأخيرا في قراره بالاصطفاف مع العراق ابان أزمة العراق والكويت ..وفي كل التجارب تم توجيه اللوم للقيادة الفلسطينية من قبل الكثيرين لاتخاذها موقفا مؤازرا لطرف دون آخر باعتبار أن للفلسطينيين همومهم وشؤونهم وهم ضيوف في بلدان العرب وقد دفعوا ثمنا باهظا لاصطفافاتهم .. ومن الحصافة عدم ابداء الرأي في أي نزاع داخلي ..بعد الآن..
وفي الحقيقة لم أتمن من حماس أن تعلن موقفا لصالح الرئيس الأسد ولا لصالح المعارضة السورية الاستانبولية ورأيت أن الحياد موقف سليم في الأسابيع الأولى لأن تفاصيل المؤامرة لم تكن واضحة .. وكنت نفسي أعتقد أن الاحتجاجات الشعبية السورية مبررة لاطلاق عملية اصلاحية بل وتعاطفت مع المحتجين في الأسابيع الأولى لاعتقادي انهم أنقياء أتقياء وطنيون ولايمكن اختراقهم قدمتهم الجزيرة أبرياء براءة الأطفال وتبناهم "المفكر العربي ... عزمي بشارة" ..وكدنا نسير في الخدعة..
لكن ظهر بسرعة أن ماتقوله السلطة عن مخطط خارجي يستحق التأمل والاستقصاء للوصول الى قرار سليم ..فتبين لي بالدليل القاطع أن القضية كلها لعبة خارجية هائلة تفقأ العين وأننا نستدرج لتخريب بلادنا وأن هناك قنبلة قذرة ملوثة نحملها هي الحرية والديمقراطية .. فانكفأت عن قبول التحركات الاحتجاجية بعد 4 أسابيع فقط عندما قام الثورجيون بالتصعيد ورفضوا التهدئة وشككوا في كل نية للاصلاح وكانهم شقّوا على القلوب والصدور وعرفوا مافيها .. ورفضوا اعطاءنا حتى فرصة شهر واحد لاختبار نوايا السلطة قبل جر البلاد الى الفوضى .. ولم أعد أرى فيما سمي ثورة سورية سوى انفلات وفوضى وانتهازية حقيرة ودفعا للغوغاء والدهماء الى الشوارع .. وقررت عندها ارتداء ثياب "الحرب" وحشوت قلمي بالرصاص وحملت جعبة الذخائر من الكلمات الحرة وتركت منتجعات الحياة المسترخية اللامبالية والتحقت بالمعركة مع أصدقاء ووطنيين كثيرين كانوا مثلي قد شغلتهم الحياة والطموحات .. لأقف مع وطني وأرصفة وطني واشجار وطني ودماء وطني ولأقف مع الناس ولأحمي انطلاق الاصلاح مااستطعت ولأكون عينا من بين ملايين العيون ترقب الرئيس الأسد ..تساعده ان أصاب وتقومه ان أخطأ ..
ولكني تمنيت أن أقرأ بعد انقضاء الأسابيع الأولى لما سمي الثورة السورية وانجلاء الغبار أن تنطق حماس ..ليس لأنني أردت اخراجها من حيادها في نزاع داخلي بل لأن نطق حماس كان مهما في نزاع خارجي جدا ولسبب خاص جدا ..
فالعرب وتركيا والقرضاوي والعرعور أطلقوا بسرعة الثورة الدينية بحجة أن الثورة السلمية المطالبة بالحرية تصدى لها الشيعة من ايران الى لبنان ..وصادر الأوغاد كلمات السيد حسن نصرالله التي "دعت السوريين للحوار ولتفهّم مشروع الرئيس الأسد للاصلاح ومنحه فرصة" لاتهامه بمؤازة النظام من منطلق طائفي .. وتم تحشيد آراء البسطاء خلف مقولة أن الثورة "السنية" تسحقها قوى شيعية وانطلقت مشاهد رخيصة وفبركات حقيرة عن استجلاب قتلة ايرانيين ومن حزب الله لقتل السنة .. ورفع المتظاهرون علنا شعارات الشتائم لحسن نصر الله وحزب الله وايران ..لدفعنا للاستنتاج بغباء أن كارثتنا هي في الحرب الشيعية علينا وأن الدم السوري يسال بسلاح حزب الله ..وكان كل ذلك لكي يتم التحضير لخطوة التنازل عن دعم المقاومة وكذلك كي يخف تأثير مواقف الثورجيين الاستانبوليين اذا ما جاهروا بالتخابر مع اسرائيل واذا ما قال برهان غليون علنا أنه سيبدل علاقته بايران لصالح اسرائيل ..وكي يتفهم الناس لقاء الاخوان المسلمين مع الاسرائيليين أعداء الايرانيين وحزب الله من الشيعة قتلة الشعب السوري ..
كانت حماس مطلوبة لكي تقول جهارا كلمة فاصلة بأن المقاومين الأحرار لايقتلون المدنيين الأحرار وطلاب الحرية ..وأن المعركة في سورية ليست سنة وشيعة وأن حماس السنية لم يمسك بيدها الا الشيعة من ايران الى لبنان عندما وأدتها الأنظمة السنية وهي مولودة حية .. وأن المقاومة لامذهب لها كما هي الخيانة .. فالمقاومون العراقيون السنة تناغموا مع مقاتلي جنوب لبنان الشيعة ومقاتلي حماس السنة ..
لو قالت حماس هذا لسحب بساط كبير من الجزيرة وقطر وتركيا وفتاوى القرضاوي الرهيبة وسمع صوتها بين العرب السنة وانتشر التشكيك بسمعة قطر وتركيا ومشروعهما
لم يكن مطلوبا من حماس أن تتدخل في الداخل السوري على الاطلاق لكن كان عليها ان تتدخل وتقول رأيا في التدخل الخارجي بالشأن السوري الداخلي وفي التحريض على سوريا خارجيا من قبل تركيا والناتو وقطر ..كان كلام حماس ضروريا في أوج الأزمة السورية لتكون كحركة تحرر شريفة بوصلة تصحح عيون الناس الذين اعتقدوا أن تركيا أكثر رأفة بهم من النظام وأن أردوغان الذي أرسل سفن الحرية الى غزة لايكذب ..وأن أمير قطر "الحر" يريدهم أحرارا .. لكن للأسف صمتت حماس وكأن مايقال عن استهداف السنة السوريين صحيح وأن الثورة قامت ضد نظام طائفي صفوي عنصري ..وان تركيا أدرى بمصلحة السنة والأحرار العرب..وأن القرضاوي لاينطق عن الهوى ..
وكانت خيبة أملي كبيرة عندما قال مشعل في آخر خطاباته في ايران كلاما ليس فيه من حرية الأحرار والثوار بل مغطّس بالشوكولا البراغماتية والديبلوماسية التي تعرف لغة المناورة والتجارة والمفاصلة ولعبة الوقوف على التل بانتظار انتصار أحد الطرفين ..بلا
مواقف ولامبادئ
ولم تقل حماس كلاما صريحا من أنها ستغادر أو لن تغادر دمشق الى أي مكان في الدنيا عندما روج العالم ان حماس تخطط للرحيل .. ولم تدافع عن خندقها الدمشقي وعن مظلتها القاسيونية ..وقال رفيق نصر الله ان حماس تواطأت مع تركيا والموجة الاسلامية التي ضربت المنطقة.. ولكن مع كل هذا اكتفت حماس بنفي بارد يحمل معنى اللانفي أيضا ..
بل ان أحد الكتاب الاسلاميين الذين يمثلون ميولا اسلامية وربما ظلالا "حمساوية" وهو ياسر الزعاترة انبرى وانهمك في امطارنا بمقالات على الجزيرة نت ولم يبخل علينا باطلالات فضائية يومية مثل نجوم المسلسلات التركية .. و بمواقف رخيصة تعترف بمراوغة خسيسة أن المقاومة الفلسطينية احتضنت من قبل ايران وسورية وحزب الله ولكن قتل الشعوب يجب أن لانسكت عنه وأن الشعب السوري سيسقط النظام قريبا.. وصار حمزة الخطيب في نظره أغلى من محمد الدرة.. ومن استمع اليه أحس أن ظلال حماس لم تبق محايدة.. ومع هذا لم تقل حماس كلمة واحدة رسميا سوى التمنيات بشفاء المريض السوري..وأنها تعترف بالجميل السوري ولن تتدخل!!
ثم كانت اتفاقية تبادل الأسرى التي أعلنها خالد مشعل من دمشق والتي أطرى فيها كثيرا على دور المخابرات المصرية من بقايا عهد عمر سليمان واثنى على ..قطر الشقيقة ..وهو يعلم أن السوريين ينزفون على الطرقات بسبب مؤامرة قطر الشقيقة وأمير قطر الشقيقة ..وموزة قطر الشقيقة وقرضاوي قطر الشقيقة ..ومال قطر الشقيقة ..وبالكاد مر مشعل على ذكر الحضانة السورية للمقاومة..
انا بالطبع لاأمثل الموقف السوري الرسمي ولاأعرف ان كان هناك تنسيق بين حماس والسلطة السورية لتجنيب حماس الاحراج والانشقاق في صفوفها على اعتبار احتمال وجود تيارات في حماس فربما تمكنت تركيا وقطر خلال فترات "الخلوة" و"الحب" و"الرشوة" من استيلاد حماس بنات صغيرات مثل حماس التركية وحماس القطرية وحماس المصرية ...ولم يبق من حماس الفلسطينية الا حطام الكرسي المتحرك للشيخ الشهيد أحمد ياسين المحفوظ للذكرى ..
لكن مما بدا أخيرا فان حماس قرأت الثورة السورية جيدا واكتشفت أن أردوغان لايمكن أن يكون السلطان عبد الحميد مهما جعجع وزأر انما يريد أن يكون السلطان سليم الأول "من غير فلسطين" طبعا .. وعرفت حماس أن راشد الغنوشي الاسلامي باع فلسطين و"حماسها" بصك غفران في واشنطن فقبض السلطة ودفع الثمن عدّا ونقدا من مهر فلسطين ..وعرفت حماس أن الاسلاميين المصريين لم يريدوا يوما شطب كامب ديفيد وأنهم لن يتخلوا عن اثنين هما القرآن الكريم ومعاهدة السلام مع اسرائيل وأن قدسية كل حرف في المعاهدة تساوي قدسية كل حرف من القرآن ..وأن حصار غزة لم يكن يوما أولوية سياسية بل فك الحصار عن استلام السلطة..واكتشف أهل حماس أن القذافي على تذبذباته وشطحاته كان افضل بكثير من أبو طربوش أحمر مصطفى عبد الجليل ..صديق هنري ليفي .. وأن الثوار الليبيين الاسلاميين سيرحبون بوفد ليبحث عن افضل مكان لسفارة اسرائيل في طرابلس ..وهاهي حماس ترى نيوت غينغريتش يعلن أنه لم يسمع بالفلسطينيين لأنهم اختراع !! .. ومع هذا لايغضب منه أبو الاسلاميين أردوغان (السلطان سليم الأول) ولاأوغلو .. ولم يصدر تنديد واحد من القرضاوي الذي لاأشك أن لاجواب لديه على غينغريتش سوى (ومالو؟؟!!) .. بل ان قطر أهدت للشعب "المخترع" الفلسطيني اختراعا جديدا هو خارطة فلسطين الجديدة بعد الربيع العربي .. أي من غير رأس ولابطن ولاصدر ولاأرجل.. بل فلسطين حسب رؤية المفكر العربي عزمي بشارة و"الشيخ حمد" الذي يعتقد أنه اشترى فلسطين من حماس ومحمود عباس بحفنة دولارات وأعطاها لصديقته تسيبي ليفني ..
هل عرفت حماس الآن أن سوريا والسوريين نالهم مانالهم في كل هذه الثورة الاستانبولية من أجل أن يقول الرئيس الأسد ماقاله برهان غليون عن علاقته باسرائيل والمقاومة؟..وهل عرفت حماس أن الأسد لو قال ماقاله غليون عن استئصاله لدابر المقاومات لأرسل الناتو قواته وطائراته وطيور الأبابيل وحجارة السجّيل لاحراق الثورجيين السوريين بالسلاح الكيماوي والفوسفور الأبيض .. ولأخذ برهان غليون مع رياض الشقفة فورا من استانبول الى أقفاص الحيوانات في غوانتامو في رحلة واحدة دون توقف وألبسا الرداء البرتقالي ..هما وكل شلة المجلس السوري الانتقالي .. ولأرسل الناتو شبيحة المجلس الانتقالي الليبي الى قطر ليحشوا قضيبا حديديا في مؤخرة حمد والقرضاوي وليعرضوا جثتيهما في السوق حتى تتعفنا .. فاسلاميو ليبيا مختصون بالهمجية وهتك الأعراض ودفش قضبان الحديد في المؤخرات وعرض الجثث العارية..على الطريقة الاسلامية الشرعية الحلال !! ..
وأخيرا وبعد طول انتظار قرأنا بالامس أن حماس أعادت انتاج أول تصريح واضح للسيد خالد مشعل ينتقد القرضاوي ويكيل المديح للرئيس الأسد ولايران فيقول:
" إن حكام السنّة في العالم العربي باعوا قضيتنا .. وأبرز شيوخ السنة تخلوا عن أهلنا ..ولم تجد حركة حماس سوى الرئيس بشار الاسد ليحميها ويدعمها ويقف إلى جانبها، وحين طردنا الحكام العرب السنة آوتنا سوريا وبشارها، وحين أقفلت ابواب المدن في وجهنا فتحت لنا سوريا قلبها وحضنت جراحنا ، لذا اقول للشيخ القرضاوي من منطلق المحب العاتب ، إتق الله يا شيخ بفلسطين فسوريا هي البلد الوحيد الذي لم يتآمر علينا ويدعمنا وما تقوله عن عن وحدتها الدينية يصيب قلب كل فلسطيني بالحزب ويخدم إسرائيل ولا احد غير إسرائيل..
إن الشيخ القرضاوي يتحدث عن الاحداث في سوريا كما لم يتحدث عن الاحداث التي جرت في مصر فهناك دعى إلى الوحدة بين الاقباط والمسلمين وبين السلفيين والاخوان وبين المذكورين وبين العلمانيين وهنا في سوريا يدعو إلى القتال بين السنة والمسلمين العلويين ؟؟ سبحان الله..
إننا في حركة المقاومة الاسلامية حماس نشهد أنه لا مسلم قدم لفلسطين ما قدمه لها بشار الاسد ولا سني ضحى وخاطر بحكمه وببلده من أجل فلسطين ورفضا للتضييق على المقاومة الفلسطينية كما فعل بشار الأسد وعلى الشيخ القرضاوي إن لم يكن لديه معطيات حقيقية عن سورية أن يستمع إلى الشعب السوري وإلى علماء الدين من أبنائه ليعرف ان في هذا البلد يملك أهل السنة من الحرية والكرامة والعزة بالله ما لا يملكه غيرهم في بلاد يحكمها سنة ولكنهم ضعفاء أمام الامريكي ومتخاذلون عن نصرة فلسطين" ..
هذا الاعتراف من السيد خالد مشعل واعادة الانتاج له أراحني لأنه أول دليل على أن المعركة بدأت بالانقشاع .. وربما بدأ الواقفون على التلة ينحدرون منها نحو معسكر الرئيس بشار الأسد ليقينهم أنه المنتصر .. أو أن الخشية من انشقاق حماس انتهى بعد أن أدرك فرع قطر وتركيا في حماس ان الغلبة صارت محسومة لفريق الرئيس الأسد الذي بعد عشرة أشهر لم يظهر بين ديبلوماسييه شلقم واحد (شلقم وزير خارجية ليبيا الغبي الذي أعلن انشقاقه عن القذافي بتأثر وانفعال فيما بان كيمون يربت على كتفه ويشد على يديه مباركا شجاعته ..الى أن شرب شلقم والشلقميون المقلب وهو الآن يرغي ويزبد ويهدد قطر دون أن يرد عليه أحد) ولم يخرج عن الجيش السوري ضابط كبير معتبر.. يقود الثوار ..بل بقي لدى الأسد جيش جرار متماسك وشعب واسع لايضحك عليه حتى دهاة الانس ودهاة الجان ..
لكن ياسيد خالد مشعل دعني أعاتبك وأعاتب حماس على هذا التأخير من باب الألم الشديد .. فالثورات يا سيدي الكريم ليست دولا ولاتمارس السياسة بل المواقف والنزق والمغامرة الوطنية .. والموقف الشهم الذي كان على قيادة حماس اتخاذه في ذروة الأحداث هو:
لن نتدخل في شأن سوريا الداخلي ولكن في التدخل الاقليمي والخارجي فاننا مهما أحببنا تركيا فسنحب سوريا أكثر ....وأن فلسطين لسوريا بقدر ماهي سوريا لسوريا .. لأن فلسطين هي جنوب سوريا وليست جنوب تركيا وأن من في شمال فلسطين هو سوريا وليست تركيا ..وأن أهل نابلس أيام العثمانيين كانوا عندما يتسوقون ويشترون لبناتهم الفساتين والموضة ولرجالهم الشالات والكوفيات كانوا يتسوقون من سوق الحميدية في الشام وليس من استانبول ..وأن ثلاث دقائق في دافوس لايجب أن تعادل عمر ستين عاما من مؤازرة سوريا لنا ..وأن سفينة الحرية وشهداء تركيا التسعة لايجب أن يرجحوا على كفة فيها مئات آلاف الشهداء والجرحى والأسرى والنازحين السوريين من أجل فلسطين ..
وأن قطر ليست الا دفتر شيكات لكن الرصيد في نيويورك ..وأن الثورات تكسب عندما تمسك الرماح العالية كقامة الرئيس الاسد وليس الأثقال والفيلة الغبية مثل حمد .. وأن الموز سيبقى موزا ولن يصير أسيافا ..
أما سوريا المقاومة الحالية فهي عمق وجذر وتراب وشعب وأول حرف .. وحاضنة دافئة وأم سخية وحكاية طويلة وعروق دماء ..فكيف نبيع سوريا بما تمثله الآن ..مقابل رصيد لايصرف الا في نيويورك..؟؟!!
أتمنى من كل قلبي أن أكون مخطئا في قراءتي لحماس ياسيد خالد مشعل..وأتمنى من كل قلبي ألا نصدم ونحن نسحب الخناجر من جسد سوريا وظهر الرئيس الأسد بعد هذه المعركة أن نكتشف أن أحدها له مقبض عليه توقيع حماس ..
ودعني في النهاية أسمح لنفسي بالقاء محاضرة صغيرة على مقاتل مثل خالد مشعل عتيد احترمته وصليت لنجاته يوم حقن بالسم في شوارع عمان .. وأنا أقل منك تجربة نضالية وأنت تسير بين الرصاص ومحاولات الاغتيال في منافي العرب:
الحياة ومواقف الحياة لاتقرأ كمعادلات الرياضيات بتجرد وجمود ..لكن هناك مقاييس وأبعاد هندسية للمسافات بين الصحيح والخاطئ ..فقضية فلسطين هي دوما ميزان الذهب الدقيق الذي يعطي وزن كل سياسي عربي وأجنبي وبها يعرف نقاء الذهب السياسي من غشه بالخلائط المعدنية والنحاس ..فلسطين هي البوصلة التي تحدد بالضبط موقع كل شخص على الخارطة ..وهي القبلة التي يجب أن تتجه اليها الجباه السياسية في الصلاة ..وكل جبهة سياسية تتوجه لغير "القبلة" الفلسطينية هي بنظرنا "مشركة سياسيا" ..واللوح المحفوظ لكل سياسي يعتبر أن الحسنات هي كل ماارتبط بتحرير فلسطين ..
أتمنى ياصديقي العزيز على قلبي من أعماق اعماقي أن لايحس الشعب السوري أن ماتقوله الآن هو ماقالته بخيبة ومرارة - من بعد طول انتظار -احدى مسرحيات الرحابنة:
اتأخرتي كتير حتى تعطي .. يامواسم الزيتون
أتمنى أن تهدينا حماس منذ اليوم خرزا .. وشقائق نعمان .. بعدما تأخرت مواسم زيتونها ..وثق أننا لانزال نحب حماس ونثق بها ولكن الكثيرين يقولون لنا:هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين !! فهلاّ ساعدتنا ؟؟!!
وتقبل تحية الحب والحرية.. وعاشت فلسطين.. من البحر الى النهر.. ولتغرق اسرائيل في البحر
رسالة سورية مترجمة الى رونالد ريغان.. حديث الثورة والمؤامرة وصوت فيروز
لابد من الاعتراف اننا مختلفون مع اعلام الدعاية السوداء للمعارضة وحاضنيهم في الفصل والتمييز بين الثورة والمؤامرة.. فما نسميه مؤامرة يسميه اعلام الدعاية السوداء "ثورة".. ومانسميه ثورة يسميه ذلك الاعلام الأسود "مؤامرة"..
ولكن كيف نميز الثورة من المؤامرة؟ ان ذلك يشبه التمييز بين ابن شرعي من زواج شرعي وبين ابن حرام لزواج سياحي كتب عقده على عجل سترا للفضيحة.. ويشبه التمييز بين جان فالجان (في "بؤساء" فيكتور هوغو) وبين أرسين لوبين (لموريس لابلان)..
الجواب بسيط للغاية.. فالمؤامرة يتولاها دائما أباء روحيون يكونون حاضنين مراوغين محتالين وكذابين وأفاقين يحرضون عبر الدعاية السوداء ويمارسون خداع شعب ساذج بسيط يعاني أزمة نفسية واقتصادية وأزمة في منظومته الأخلاقية في فترة ما من تاريخه.. وهو هائم بلا قيادة كقطيع حيوانات النو في حقول السافانا..
أما الثورة فعلى العكس.. فهي لا يتولاها ولايحتضنها الا محرضون شرفاء أنقياء يحفظون العهد والميثاق والوعد وكلمة الشرف ومعروفون بحسن الطوية ولايؤمنون بالدعاية السوداء ولهم أخلاق الفلاسفة.. فيستجيب لهم شعب واسع من صفاته أنه ناضج وطنيا ونظيف النوايا ومحصّن بمنظومة أخلاقية قوية كالفولاذ..
مادعاني الى مقال اليوم هو ماأقرأه يوميا من تمعجات الثورة السورية والتواءات خطابها وتلونه الذي يدل على أن أقل توصيف يناسبها هو "المؤامرة الكاملة" من حيث توفر الحاضن المحتال والقيادة المراوغة والجمهور الساذج الهزيل أخلاقيا وثوريا.. فيما يثبت بالدليل القاطع أن الثورة الحقيقية هي الثورة المضادة التي أطلقها الشعب السوري الواسع ضد الثورة السورية الاستانبولية.. وهذه الثورة المضادة المباركة من الشعب السوري تحقق بالدليل القاطع معنى الثورة الكبرى فهي تتبع قيادة وطنية تحرض على الارتقاء بالمواطنة وترفع من شأن الأخلاق الوطنية في هذه الأزمة فيما يستجيب لها شعب ناضج واسع مذهل بوعيه.. تضيق به الساحات والشوارع.. ويهز النجوم في السماء بهادر صوته..
دعونا نمر على بعض تفاصيل الثورة السورية ومفاصلها الرئيسية ..فالاحتجاجات ودون اللجوء لعملية التهرب من الحقيقة يحركها حاضن خليجي -تركي -غربي .. وهنا يجب على المعارضين التحلي بشجاعة الاعتراف .. وهذا الثلاثي يفتقد لمصداقية الحاضن وأخلاقيات الاب الروحي الموثوق .. فلا يمكن أن تغفر الذاكرة الشرقية والوعي الجمعي رزية حاكم قطر وغدره بأبيه وغدره بمن كان صديقه على المستوى الشخصي ولاتستطيع التسليم بفساد حكام الخليج والسعودية .. والناس الذين يقفون على الخط الناصف المتوسط بين المعارضة والسلطة تسأل بتوجس عن امكانية الثقة بوعود أردوغان وأوغلو للثورة وللشعب السوري بل بوعودهما لقيادة مجلس استانبول .. وهما اللذان منحا الرئيس الأسد كل الأمان حتى دخلا داره آمنين مؤتمنين معاهدين على الأمان ليسرقا المفاتيح ويدسّا السم في طعامه ..وينقلبا عليه انقلاب "قصير بن سعيد" ..
أما الحاضن الغربي-الناتوي بالطبع فمهما حاول القرضاوي الافتاء واجبار العقول على ليّ كلمات القرآن والحديث النبوي الشريف للقبول بالروم واليهود فان اللاوعي والعقل الباطن الشرقي العربي والمسلم الحقيقي لايحس بالارتياح لتناقضات القرضاوي الذي قبل كل دعوات الطغاة والتقط الصور التذكارية وجلس مكرما على موائدهم ودعا لهم (بأشرطة موثقة) قبل أن يفتي باسقاطهم عندما طعن الجميع وشكك بشرعيتهم فيما هو يستظل بحكم أميري لاشرعية أخلاقية له ولادينية ولاسياسية ..
وهنا تكمن مصيبة الثورجيين الأخلاقية والمنطقية ..أي أن الحاضن الرئيسي "للثورة" الخليجي -التركي -الغربي لايشك أحد في أن سمعته ملطخة وسلوكه محتال مراوغ ووعوده مثقوبة تمارس الطعن في الظهر ..وأخلاقياته مهتوكة العرض على قارعة الطريق..
هذا على مستوى الحاضن أما على مستوى الحامل "الجماهيري" للثورة فان رجل الشارع انتبه الى السوية المتدنية لجمهور الثوار على الأرض وأخلاقياتهم ورآهم بأم عينه كالضباع الهائجة المسعورة حول الرئيس القذافي وأدهشه انحطاطهم الأخلاقي وهم يعرضون جثته شبه عارية حتى تتعفن مع ولده دون احترام لهيبة الموت ورهبة وخشوع النهاية .. بل يلاحظ عقل المواطن العربي كيف أن الأمريكيين بالمقابل لم يتشفوا بعرض جثة بن لادن عدوهم اللدود الأكبر حتى تتعفن قبل القائها في البحر وتعللوا بأن الصور فظيعة ولايريدون استفزاز مشاعر المسلمين ولاارهاق الناس بصور فظيعة ..وهذا أسقط عن الثورة صفة أنها تتحرك بجمهور ناضج واع مضرج بالدم ولكنه متشرب بالأخلاق ..ويغلي بالانسانية ..ولاأدل على ذلك الا أن من قاد الثوار على القذافي علي بلحاج هو نفسه من أطلق سراحه في ليبيا مكرما بعد أن أعيد من أقفاص غوانتانامو ..انها أخلاق رفيعة وشهامة فرسان القاعدة المسلمين !!!
أما خطاب الثورة السورية فهو خطاب "الدعاية السوداء" .. فمما يلاحظ على اعلام الثورجية السوريين أنه يحاول اجتذاب الاقليات الدينية السورية وامتصاص الاتهامات والدلائل اليقينية بأنها ليست ثورة الاخوان المسلمين وليست ذات أنفاس دينية أوطائفية باللجوء متعمدا الى تضخيم دور ومساهمات الأقليات المسيحية والعلوية والدرزية في فعاليات الثورة .. ويلاحظ المتابع لاحدى عينات اعلام الثورجية مايخصص من أخبار وتقارير وتصريحات منسوبة لأسماء مسيحية وعلوية أو درزية وهي أكثر بكثير جدا من حقيقة دور هذه الطوائف في الثورة .. لأن الحقيقة التي لايجب الفرار منها هي أن قلب المعارضة الحقيقي والمشروع التغييري في سوريا يتولاه صقور الحركة الدينية الاسلامية الراديكالية في سوريا والعالم العربي الذي رأينا مواليده تخرج من رحم الربيع العربي ونموذجه الصريح في ليبيا وتونس وانتخابات مصر ..
فتصر مثلا مواقع الثورة على التنويه الى مذهب ودين كل مسيحي وعلوي أو درزي يدلي بتصريح لصالح الثورة حتى لو كان هذا الصوت هزيلا مثل فنان تائه يبحث عن الشهرة..أو موظف معزول من عمله.. بل ان العنوان العريض لبعض الأخبار قد يبدأ بعبارة: المسيحي فلان يقول كذا ..والعلوية فلانة قالت كذا .. فيمنح صوت هؤلاء -وهم أفراد مبعثرون وليسوا جماعات- في الدعاية السوداء مايعادل 25% من حجم التغطية الاعلامية فيما مساهمة تلك الطوائف في الاحتجاجات على الأرض تكاد تكون رقما مهملا لايذكر لضآلته الى حد اقترابه من الصفر ..لأن لهذه الأقليات مخاوفها التي لايستطيع الاعلام الأسود خداعها ..
ويصر المراوغون على ذر الرماد في العيون .. ففي تصريح لأحد المراوغين الحاضنين للثورة وهو أحمد داود أوغلو على هامش اجتماعات حلف شمال الأطلسي في بروكسل مايثير السخرية الثورية فهو يقول بأنه يريد أن يطمئن الأقليات وخاصة المسيحية اذا ماسقط نظام الأسد وسيقدم لها ضمانات بذلك..!!!
ولكن هل يأمن بعد اليوم أحد لوعود أوغلو بعد درس الغدر الذي تعلمناه منه وبهلوانيات الانقلاب والتنصل من الوعود؟ ..ألم يعط أوغلو وأردوغان الأمان لكل السوريين ومدوا يد السلام والصداقة للرئيس الأسد ..ثم فجأة انقلبوا على هذه الوعود والضمانات وطعنوا صديقهم؟ أي أننا أمام شخص سياسي يغدر علنا ونراه يمد يدا عليها دم صديقه .. ثم يقطع لنا وعدا وعهدا ..لنسلمه أعناقنا..
وهنا دعونا نضحك قليلا على أوغلو لأن عتاة القومية العربية والشوفينيين السوريين المتعلقين بشرقيتهم هم مسيحيون وعلويون لأن ميشيل عفلق (وليس ميشيل كيلو) وزكي الأرسوزي وانطون سعادة هم أمثلة حية على اندماج الأقليات الشرقية في المشاريع الوطنية الكبرى وذوبانهم عاطفيا ووجدانيا مع بقية النسيج الاجتماعي الشرقي المسلم دون ضمانات أوغلو وغيره ..ضمانتهم الوحيدة كانت الحاضن الوطني .. وانبعاث هذه الشخصيات من بين الاقليات يدل على أنها تنتمي لبيئاتها الحاضنة السنية وليس غير ذلك..
وفي نفس التصريح يحاول هذا الأوغلو الضحك على لحى التجار الدماشقة والحلبيين والطبقة البرجوازية السورية بأن الضعوط الاقتصادية جاءت كي تبتعد هذه الشريحة من السوريين عن الرئيس الأسد عبر خسائرها الاقتصادية .. فهذه الأوساط التجارية والبرجوازية كما يعتقد هذا الأوغلو ستتراجع عن الالتفاف حول نظام الحكم عندما تجد أنه صار سببا في تضررها وعندما يقدم لها أوغلو "ضمانات" في السوق الشرق أوسطي الجديد ..
وهنا أستطيع أن أتنبأ أن من يقرأ هذه السطور من التجار والبرجوازيين سيضحك ويهز رأسه يمنة ويسرة على هذا الاستغفال والاستهبال التركي ثم يطلب كاسا من الشاي الثقيل يعدل المزاج .. وبالطبع أنا أدعوكم جميعا لاطلاق ضحكة عالية جدا .. جدا .. وشرب كأس من الشاي الثقيل .. لسبب بسيط هو أن الطبقة الوسطى السورية والتجار كان كل مايؤذيهم هو أوغلو نفسه وصداقته للسوريين والرئيس بشار الاسد ونظام الحكم السوري ..وصار بعض هؤلاء التجار "فقروازيا" و"صفروازيا" بعد أن كان "برجوازيا" ..فهذا الأوغلو أراد حول تركيا أصفارا اقتصادية كيلا تسبب له أية مشاكل (صفر مشاكل) .. أي يريد هذا الحاضن المراوغ للثورة السورية والمسمى أوغلو أن يثق به التجار الدماشقة والحلبيون والبرجوازية السورية وكأنهم تجار قطريون من عند حمد وموزة ...
وأدعوكم لضحكة ثانية أعلى من سابقتها عندما نلاحظ أن الحصار الاقتصادي التركي على البرجوازية السورية فتح لها السوق العراقية بزيادة 45% فورا والذي قد يقفز الى مستويات خيالية اذا ما رفض مجلس النواب العراقي (تضامنا مع سوريا وبايعاز من سوريا وايران) التصديق على اتفاق التجارة بين العراق وتركيا قريبا ..أي أن البرجوازيين السوريين سيستفيدون من هذه الغاضوبة التركية وسيلتصقون ليس بالنظام بل بعظام النظام ..وهذا مايريده النظام بالتأكيد ..وربما سينفض البرجوازيون الأتراك عن هذا الأوغلو وأردوغانه ويلتحقون بالنظام السوري اقتصاديا لأنه الرئة الباقية لهم نحو الشرق ..
نخلص من ذلك الى أن الثورة السورية المضادة للثورجيين هي التي تملك ملامح الثورة الحقيقية فحاضنتها القيادية تتمثل في صدق الرئيس الأسد بالاصلاح ونواياه الوطنية وانجازه الوطني تجاه الهجمات الغربية في العراق ولبنان وفلسطين الذي لاينكره الا قليلو الضمير .. فيما أرضية الثورة المضادة للثورجيين تحمل شعبا واسعا جدا ناضجا وواعيا ومدركا لامكاناته ومكانه بين الأمم ..وهذا شعب له ذاكرة قوية واعتداد بنفسه لايضاهى .. ولمن ليست له ذاكرة فانني سأحيله الى حديث قديم للسيد وليد جنبلاط يوم كان هذا الجنبلاط "مناضلا ثوريا تقدميا" يقاتل في معركة سوق الغرب في لبنان تحت راية الرئيس حافظ الأسد ضد حلفاء أميريكا ..
تحدث جنبلاط عن محادثة هاتفية جرت بين الرئيسين حافظ الأسد والأميريكي رونالد ريغان بشأن الأوضاع في لبنان وقال جنبلاط يومها ان الرئيس ريغان قد بدأ يرفع من نبرته ولهجته وهو يتحدث مع الرئيس حافظ الأسد وبدا "يشطح" ويهدد وهنا طلب الرئيس الأسد من المترجم على الخط أن يطلب من الرئيس الأميريكي أن يتوقف لأنه يريد تذكيره بشيء مهم ..وعندما صمت ريغان متوقعا على مايبدو أن يسمع تهدئة وتلطيفا للجو ومحاولة لارضائه لأنه أقوى رئيس دولة في العالم .. وهنا قال الرئيس الأسد للمترجم بهدوء أرجو أن تنبه الرئيس ريغان الى أن لاينسى أنه يتحدث مع حافظ الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية .. وطلب المترجم من الرئيس الأسد اعادة الكلمات بالحرف كيلا يحدث خطأ بالترجمة يفضي الى أزمة كبيرة فأعاد الأسد نفس العبارة وبنفس الاصرار: قل للرئيس ريغان ألا ينسى انه يتحدث مع رئيس الجمهورية العربية السورية .. فقام المترجم بنقلها فورا .. فما كان من الرئيس ريغان الا أن هدأ فجأة في اندفاعه وتغيرت لغته تماما وصار يتحدث بديبلوماسية لبقة تعرف حدودها الى أن انتهت المحادثة ..
حاول البعض الاستخفاف بحديث جنبلاط يومها لكن الأحداث أثبتت أن ريغان كان يعرف ماذا يعني تحذير الأسد وبالطبع بعد أسابيع من هذه الحادثة نسف مجهول مبنى قيادة المارينز في لبنان وأعاد 243 جنديا أميريكبا ملفوفين بالعلم الأمريكي الى مقابر أميريكا .. وربما أدرك عندها ريغان ماذا يعني استفزاز رئيس الجمهورية العربية السورية..فعاد بما بقي من جنوده الى أميريكا.. وعادت بعدها نيوجرسي وارتدت عن شواطئ بيروت .
بالطبع كان هذا في ذروة أزمات الرئيس حافظ الأسد في الثمانينات مع الاخوان المسلمين وتواجد الأساطيل الأميريكية قبالة لبنان ..وتحرشات الرئيس صدام حسين بالداخل السوري ومعسكرات تدريب الاخوان لدى الملك حسين ..
الغاية من ذكر هذه الحادثة هي تذكير الثورجيين ومن وراءهم من الحواضن المراوغة بالتالي:
نرجو أن تتنبهوا أنكم لاتتحدثون الى برهان غليون ولا الى رياض الأسعد ولا الى جمهور الدبيحة والعرعور والقرضاوي
لاتنسوا أنكم تتحدثون .. الى الشعب السوري ..الذي غسل بالنار آثار القدم الهمجية الأمريكية..وسيغسل بصوت فيروز الأصيل آثار القدم الهمجية في حمص .. وفي كل سوريا
أيها المترجم ..ترجم لهم هذا الكلام ..الى الانكليزية والفرنسية والتركية .. والى العربية "لمن لايفهمها" في الخليج والعالم العربي والمجلس الانتقالي السوري .. بل والى كل اللغات ..
وداعاً
السيف الصمصام أم ديك الجن الحمصي؟
الدفاع عن الرئيس السوري ليس دفاعا عن شخص ولاعهد ولاأسرة ولاحزب.. بل هو دفاع عن مرحلة وطنية كبرى.. ودفاع عن جيل ناهض من بين حطام نظريات القرن الماضي ويتطلع بطموح نحو الدولة الوطنية الحرة.. الأسد صار بالنسبة للوطنيين السوريين رمزا لصراع الارادات وصراع النخب الدولية.. أي اما أن تنتصر ارادة الشعب السوري ونخبه الوطنية التي تحس بالاهانة من طريقة الغرب في املاء وتسمية الرؤساء والحكومات أو أن تنتصر ارادة القصور العربية ولوبيات النخب الغربية.. ولاأخفيكم أنني لم أعد أمنع نفسي من التضجر والسأم كلما سمعت بعض المنجمين في الاعلام العربي والاسرائيلي يكررون بشكل ممل ويحصون الأيام الباقية للأسد وكلما وصلوا الى يوم الصفر أعادوا عديدهم من جديد وقالوا هذه المرة هي الأخيرة فيما الرجل يعدّ النصال العربية التي تكسرت فوق النصال التركية والغربية على قلوب السوريين.. ويقيس المسافة بين الطعنة والطعنة على جسد دمشق.. فلم يبق في جسدها موضع إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح.. طعنة قلم مداده النفط والغاز أو ضربة غدار انتهازي يؤجر لسانه بالدولار..
وبالرغم من كل مايقال فان هناك حقيقة لاراد لها وهي أن الذراع التي تؤازرها الأيدي الوطنية في الشرق الأوسط هي الأقوى في هذا الشرق .. ومن تتخلى عنه النخب والقلوب الوطنية لا قوة لذراعه .. وسواعد الوطنيين السوريين تشتد حول ذراع الرئيس الأسد ليس من أجله فقط ..بل كتحد لارادة القصور واللوبيات الغربيين التي تريد احتقار ارادتنا ..
وأذكر هنا حادثة عن قوة الذراع وقوة السيف حيث أن الخليفة عمر بن الخطاب أرسل في طلب سيف عمرو بن معديكرب الزبيدي وهو أحد أشهر سيوف العرب والمسمى "الصمصامة" لكثرة مااشتهر به هذا السيف من قوة (والسيف الصمصام هو الذي يمر في العظام ويقطعها) .. ولما نظر عمر الى السيف وجده دون ما كان يبلغه عنه من أنه يقطع السيوف الأخرى كما يقطع "الفجل" فكتب إلى عمرو بن معديكرب في ذلك مستغربا من المبالغة في سمعة السيف فرد عليه عمرو: "إنما بعثت إلى أمير المؤمنين بالسيف، ولم أبعث إليه بالذراع الذي يضرب به"!!..
وماأشبه اليوم بالأمس لأن قوة الرئيس بشار الأسد على الأرض نابعة فقط من قوة ذراع الشعب السوري المتماسك الذي يؤازره ويمسك به.. الشعب هو الذراع القوي الذي يمسك بالسيف الدمشقي الصمصام ويقطع عظام "قطر" وعظام "الخلفاء العثمانيين" وسيقطع "عظام الناتو" ..
ومن غريب الصدف أن عمرو بن معديكرب قد استشهد ودفن في حي من أحياء حمص ..حي له بابان مطلان على المدينة فسمي البابان في الحي "بابا عمرو" وسمي الحي حي "بابا عمرو" ..!!
لاشك أن السؤال الذي يشغل بال السوريين هذه الأيام هو مصير مدينة حمص وأحيائها المخطوفة مثل "بابا عمرو" و "باب الدريب" .. وكيف سيتم التعامل مع الوضع في حمص؟ .. قبل الولوج الى الاحتمالات الواردة فلابد من التدقيق في السبب في انتقال كتلة المخطط الخارجي الى مدينة حمص وتركزه فيها..وكيف ستتدحرج الأحداث ..
ولاولئك الذين يريدون الجواب فورا من دون مقدمات وشروح نقول: ان وصول المخطط الى حمص يعني انتقال المشروع الغربي في سوريا الى المرحلة الثالثة بعد تلكؤ المرحلتين الأولى والثانية ..وهي مرحلة اسعافية انقاذية تم الرهان عليها..
فالمرحلة الأولى أرادت اعتماد النموذج الليبي عبر بنغازي سورية على احدى النقاط الحدودية كما صرنا نعرف جميعا حيث تتدخل الأمم المتحدة والناتو قبل أن يفيق النظام وحلفاؤه من الصدمة.. لكن الخطة لم يكتب لها النجاح لافي درعا ولافي بانياس ولا ادلب-جسر الشغور ..فكانت المرحلة الثانية عبر الرهان على مدينة حماة كمركز ثقيل جدا للعصيان تضطر فيه الدولة لدخول عنيف جدا كما في الثمانينات وتغرق في حرب شوارع دامية لأيام ليعلن أردوغان الجهاد ويطلق تدخله من الشمال .. ووفق هذا المخطط ستنهار الدولة السورية وبعد دخول القوات الناتوية-التركية ستعمل أجهزة المخابرات على اطلاق الحرب الاهلية التي ستؤدي الى تقسيم البلاد حيث تعلن تركيا خلال أقل من عامين حضانتها لبعض المناطق السنية الشمالية .. أما سنة الجنوب السوري فسيكون للخليج والسعوديين النفوذ الكبير عليهم بوجود شخصية سنية دمشقية تقوم بدور سعدو الحريري الشامي .. حيث نحكم بالسعودية من خلال سعدو الشامي وتؤخذ البلاد كالسبايا وماملكت الأيمان .. فيما تحاصر الشظايا الأخرى المتبقية من البلاد بين هذين الفكين وتنتهي جغرافيا البقعة التي كانت تسمى في التاريخ ..سوريا ..
لكن حماة أعيدت وبشكل مخالف للتوقعات الى أحضان الدولة خلال ساعات وبكلفة بسيطة للغاية اذا ماقورنت بتوقعات بمذابح بالآلاف ..
ومابقي هو السيناريو المعاكس الذي يقضي باطلاق الحرب الأهلية فورا ودون ابطاء (وهو مايسمى النسف من الداخل) والذي سيشتت انتباه السلطة بسرعة لأن الحرب الأهلية ستنتشر على نطاق واسع مما سيضعف الدولة السورية وما يتبع هذا الضعف من تبعات بما فيها الغزو الخارجي ..وقد طرحت اللاذقية كمكان لانطلاق الحرب الأهلية ..لكن تم اختيار حمص لأسباب عديدة ..
تعتبر مدينة حمص نقطة التقاء رئيسية للطوائف في سوريا لانها تشبه ديموغرافيا نقطة الدوامات العنيفة في الأنهار الكبرى والمحيطات ففيها مع أريافها كتلة مسيحية مهمة وفيها كتلة علوية كبيرة وفيها كتلة سنية كبيرة أيضا ..وهي مكان مثالي جدا لاحتكاك الطوائف عسكريا لقربها من المعقل السني بارثه الثقيل في حماة وبآثار جراح أحداث 1982 ولقربها من الامتداد العلوي على الساحل .. ولذلك فان حمص لها أذرع تتصل بأذرع الطوائف ..
كيف يتم التحريض على العنف وعلى الحرب الطائفية في حمص؟
أصرت عمليات القتل والخطف "الثورية" على استهداف ألوان طائفية محددة .. بل أصرت "الثورة" على تصوير عمليات الذبح والقتل وتوزيعها وادعاء ملكيتها حصريا لدفع المشاعر المضغوطة لدى الطوائف المستهدفة للانفلات والاحتكاك بالطائفة التي تدعي الثورة أنها تنتمي زورا لها...
وكان قد لفت نظري رد أحد الزملاء الغربيين الخبراء بالتحليل النفسي الذين أرسلت له سابقا نسخة من أفلام كثيرة تصورها التنسيقيات "على أنها مشاهد لضحايا برصاص الأمن" لأعرف رأيه في تأثيرها حيث قال: "ان الغاية الرئيسية من هذا التصوير هو تحريض طرف ما لأن كثيرا من المشاهد تدل على ان الضحية أريد له أن يموت أمام كاميرا خبيرة رغم أن عملية اسعاف تلك الاصابات كانت سهلة" كما لاحظ هذا الخبير الغربي الذي طلب ترجمة لما يقوله المحيطون بالضحية عند كل مشهد مؤثر وبالذات عند انبجاس الدم من الضحية فكانت دائما (الشتيمة للرئيس) وبالفعل كانت كل المشاهد تكرر نفس الشيء.. عويل ونواح وصراخ وبعضه مبالغ فيه ويصر على ذكر الرئيس وشتمه كمسؤول مباشر عن القتل ..
وكتب هذا الخبير الغربي بأنه يحس بالأسف والصدمة أن كثيرا من الضحايا كان يمكن انقاذهم لكن "المحيطين بهم" أرادوا مشهد الموت أن يكتمل ولم يقوموا بأية اسعافات ذات شأن وكان المطلوب ترافق صورة الدم مع سماع الشتيمة "ذاتها" مع الموت البطيء ليكتمل الفيلم والترابط النفسي بين العنف وتوجهه نحو طائفة أو سلطة بعينها.. واستخلص أن الفيلم تم تصويره للدعاية الخطرة وأن الضحية تم حرمانه من الانقاذ لغاية التصوير فقط ولغاية التحريض العنفي فقط لدى جمهور بعينه .. ولفت هذا الخبير نظري الى صور المصابين الفلسطينيين في الانتفاضة الفلسطينية (وهي ثورة حقيقية لم يساندها أحد في العالم ولا أي داعية ولاقرضاوي) كيف كان الشباب يهرولون بالمصابين رغم أنها اصابات قاتلة الى سيارات الاسعاف أو الى فرق اسعاف طبي ميدانية (عل المصاب يناله حظ قليل جدا من النجاة ويعيش) دون الاهتمام بتصوير الضحية ونزيفه في لحظات احتضاره رغم أن مشاهد الاحتضار ستفيدهم كثيرا اعلاميا مثل مشهد محمد الدرة الذي صور بشكل عفوي .. لكن الثوار الحقيقيين يختلفون عن ثورجيينا القتلة ..
وكانت آخر كلمات الزميل الأوروبي هي: ان من يحيط بالضحايا متهمون رئيسيون بالقتل والجريمة باصرارهم على حرمان الضحايا من حق العلاج والاسعاف وقد ساهم تغييب الاسعاف عنهم في موت معظم الحالات التي استغرق تصويرها فترة كافية جدا لتقديم الاسعاف الأولي.. ولايوجد دفاع واحد عن هذه الحالات حتى التذرع أن الأمن يداهم المشافي لأن منح الضحية فرصة نجاة وحياة هي أهم من اعتقاله أو التحقيق معه ان كان الادعاء صحيحا..بالخلاصة غاية الفيلم تحريضية بحتة وليست توثيقية فقط..
وبالعودة الى حمص القريبة من الحدود اللبنانية التي تعتمد في تحركاتها على خط امداد سري يوصلها بلبنان حيث حطت بضعة أجهزة استخبارات غربية رحالها في شماله لتوجيه التحركات في حمص عن كثب ..تحركات وضع تصوراتها منذ فترة عبقري فكرة الصحوات العراقية ديفيد بترايوس رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية الذي سنتناول اقتراحه بقوات "صحوة سورية" من مواليد القاعدة عند اكتمال البحث .. ومن هنا يفهم طلب الجامعة العربية المصرّ والمستعجل على اخلاء المدن (وبالذات حمص) من القوات النظامية للدولة التي تشكل حاميا وضامنا رئيسيا للسلم الأهلي ..والخروج الكامل للدولة منها هو بطاقة دعوة سخية لادخال كامل لكامل الحرب الأهلية ..وفتح لبوابات الجحيم .
مايراد لحمص هو أحد خيارين لاثالث لهما وهما: اما اندلاع العنف الطائفي الذي
سينتشر وقد تجد الدولة صعوبة في ضبطه اذا ما انطلق، وكما يقال فان الرصاصة لاتعود ملكا للبندقية بعد ضغط الزناد .. أو أن الدولة ستضطر الى خوض ماتجنبته في حماه وهو حرب شوارع عنيفة تدخل فيها الآليات الثقيلة فيما كاميرات التصوير التي تنتظرها بفارغ الصبر هذه المرة والتي صورت الضحايا أعلاه (التي اطلع عليها الخبير النفسي الغربي) منفردين وهم يحتضرون .. وستصور الآن الآليات الثقيلة مشتبكة مع أفراد يبدون مثل ميليشيا شعبية .. وبالطبع سيبادر العالم لادانة الأسد الذي ستتم ترجمة كلمات النوّاحين حول الضحايا لاسماعها للعالم .. وبالرغم أن المعركة ستحسم لصالح النظام وربما بمجزرة بحق المسلحين فان الملف سيكون كافيا للمستقبل ليكون مثل حلبجة العراقية ودارفور السودانية للرئيس بشار الأسد يعاد ذكرها في كل مناسبة وتلتصق به كما التصقت حماة برفعت الأسد ولم تتركه.. وتبقى لابتزازه ..
وللتهيئة للحرب الأهلية فقد انطلقت التحذيرات من تركيا ومن هيلاري كلينتون بالتخوف من الحرب الأهلية وأتبع ذلك بضغط زر التشغيل المسمى يوسف القرضاوي الذي أفتى بجواز الاستعانة بالتدخل الدولي عبر صحيفة الفاينانشال تايمز البريطانية وذلك لتحريض المسلحين على التمادي باستفزاز الدولة ظنا منهم أنهم يدفعون الأمور نحو الحماية الدولية التي بشرهم بها القرضاوي مصنع الفتاوى الطازجة الذي وللمفارقة أفتى يوما (وبشكل سري لكنه مثبت) بجواز اشتراك الجنود الأمريكيين المسلمين في القتال في أفغانستان ضد اسلاميي الامارة الاسلامية الطالبانية-البن لادنية..ثم أفتى بجواز السماح للأمريكان بقصف العراقيين "أي قصف حكم أهل السنة أيام صدام" من قاعدة العيديد القطرية..
السوريون يتناقشون ويتشاورون مع حلفائهم الروس بشأن حمص كما يتردد بين المتابعين عن قرب كيلا يتم احراج الروس الذين لايتدخلون في القرار السوري لكنهم يقدرون للسوريين اعترافهم بالجميل في الوقوف الى جانبهم ورغبتهم بالتنسيق معهم .. وهناك وجهتا نظر: فالأولى تقول ان العنف والحسم في حمص سيحل المشكلة بسرعة ولن يضيف جديدا على تلطيخ سمعة النظام الذي يقتل الثورجيون جنوده ورجال أمنه امام نظر العالم فيما العالم على العكس مشغول بتجريم الرئيس الأسد .. وهذا الرأي يذكر بأن من واجب الدول ومن حقها أن تحمي مواطنيها بالعنف الشرعي والمشروع..وهناك أمثلة كثيرة من قلب العالم الغربي فقد قتلت الشرطة الباريسية والبريطانية مشاغبين مدنيين لمجرد أنهم هددوا العام الماضي القانون والنظام العام بالاحتجاجات ودون رفعهم السلاح .. بل ان الشرطة البريطانية قتلت منذ أشهر شابا مسلحا بريطانيا دون انذاره بشكل كاف وتم اعدامه في الحال بمجرد محاصرته لمعرفة الشرطة بأنه مسلح وقد يستعمل سلاحه .. وماتفعله السلطات السورية هو حقها الطبيعي في مواجهة تمرد مسلح بشكل خطير ويحمل ثقافة القتل والجريمة في أحط معانيها..
الرأي الآخر الروسي هو أن الأزمة قد تجاوزت حدود الخطر الكبير بالتدخل الخارجي فالناتو صار من المستحيل أن يتدخل وكذلك تم شد اللجام على فكي اردوغان الهائج .. وربما كان تدخل الدولة العنيف سببا في تحريض مشاعر محايدين يتم خداعهم بصور وأفلام التنسيقيات فينخرطون في خط عام عنيف حاولت التنسيقيات استمالتهم اليه طويلا فلم تفلح وستكون خطوة الدولة بالتعامل العنيف مع العصيان الحمصي خدمة جليلة لهذه التنسيقيات .. ولذلك لابد من اللجوء الى عملية (النسف من الداخل) للمسلحين الثورجيين عبر عملية نفس طويل واستخبارية الطابع 100% ..تحتاج صبرا ونفسا طويلا لجمع أكبر قدر من المعلومات ..المعلومات هي الطريق الذي يفضي فك شيفرة العصيان ويكشف أسرار المجموعات المسلحة..
مايخشاه المشرفون الاستخباراتيون الغربيون (الذين تم اعتراض مراسلاتهم الالكترونية في شمال لبنان) في مشروع اثارة أمارة حمص الاسلامية التي ستلد الحرب الأهلية هو هذا الصمت والظلام والصبرالذي يميز تحركات السوريين وحلفائهم الذين فاجؤوهم في حماة ودرعا وبانياس بعد انتظار وكانت المفاجأة الثانية هي في الانتشار العسكري الخاطف على الحدود التركية ..
المعلومات المتدفقة التي تعترضها القدرات الالكترونية الكبيرة لحلفاء السوريين تشير الى قلق كبير من احتمال نجاح عملية "نسف الثورة من الداخل" في التعامل مع الموجة الثانية من مسلحي حمص القادمة من لبنان غالبا بعد الاطباق على تشكيلات كثيرة من المجموعة الأولى منذ أسابيع .. القلق الغربي مبرر بسبب التخوف الحقيقي من أن الخارطة الجديدة للمجموعات الارهابية الجديدة تم توصيفها عبر عدة اختراقات في الصميم .. ومن دلائل هذه القوة الاستخباراتية لمعسكر حلفاء سوريا هو النجاح المذهل في عملية بانياس حيث تصميم الكوريدور الالكتروني الذي أوقع المسلحين .. وكذلك النجاح المشترك لمحور الممانعة في اصطياد شبكة ال سي آي ايه في بيروت التي كانت تلعب دورا فائق الحساسية في اللعبة الاقليمية بعضها امتد لما يسمى "الثورة السورية"..
كما أن الاستيلاء المذهل على طائرة التجسس الأمريكية في ايران يدل على قدرات الكترونية عالية في معسكر الممانعة .. وهذا يشير الى أن السوريين قد يمكن أنهم تزودوا بامكانات الكترونية لايستهان بها تؤهلهم لأن يكون لديهم الآن معلومات ثمينة للغاية حول الدفعة الثانية من المسلحين في حمص وعن خارطة الأنفاق والملاجئ الحصينة التي يستعملونها ..وستمكنهم هذه المعلومات المجموعة بصبر فائق وتأن من انجاز صيد ثمين آخر في حمص يعتقد أنه صار محاصرا ضمن ستة كيلومترات مربعة ..
اسم العملية الاستخباراتية السورية التي ستطبق لم يعرف بعد لكن هناك تعبير يتردد الآن بين بعض القريبين من الأحداث وهو عملية "السيف الصمصام" لأنها ستستهدف قطع وكسر عظم الذراع الغربي الممتد داخل سوريا وتنظيماته المسلحة.. ولاأدري ان كان اسم العملية الاستخباراتية أم أنها احدى التشكيلات الاستخبارية التي تتابع المجموعات المسلحة وضيوفها الغرباء وخاصة التي تقوم بعمليات الاعدام البشعة وتصورها في بابا عمرو.. ولو كان لي خيار في تسمية العملية لاخترت اسم عملية "ديك الجن".. لأن ديك الجن الحمصي يقال أنه كان شاعرا شهيرا (من مواليد باب الدريب تحديدا) قتل حبيبته (ورد) وعشيقها وأحرقهما ثم صنع من رماد عظامهما كوزين يشرب فيهما الخمر.. ديك الجن شاعر ماجن لكنه عاشق مجنون.. وهناك ديك ثمين يركض من زاوية لأخرى في مربع الكيلومترات الستة المطوقة بعيون استخباراتية والكترونية !!.. ديك الجن الحمصي "الثورجي" الذي نريد اصطياده ليس شاعرا بل جاهل مجنون وخفاش مريض وهو يشرب الدم في جماجم الضحايا.. ولكنه اما وقع أو قاب قوسين ..كما أعتقد وأتمنى
مكاشفات ثورية.. عندما يبيع الاسلاميون القرآن بالمفرق.. هل هي نهاية الاسلام؟
كما تعودنا على تبادل الصراحة والمكاشفة منذ بداية الأزمة السورية فاننا لن نعتمد المغالطات بيننا ولن نقول كلمة واحدة من دون محاكمتها ولن نلجأ للتخفي وادارة الوجوه والتأتأة عند مواجهة الحقائق.. وأنا أعتقد بقوة أن الهزيمة القاسية ستلحق بأي طرف يفقد ثقة الناس.. والكاتب الحر ليس صحفيا مأجورا معنيا بتجميل الصور ومنافقة القراء أو بتشويه المخالفين لرأيه لقاء مال أو بسبب خلاف.. بل هو معني بأن يقول مايعتقده دون مواربة.. وعليه أن لايعرف معنى الكراهية والحقد على الخصوم أوالمجاملة والرفق بالقارئ المؤيد عندما يتولى العمل الكتابي..
معركتنا مع الأشرار من حكام الخليج والعرب وتركيا واستطالاتهم في المعارضة السورية الهجينة والهزيلة اعتمدت سلاحا فتاكا واحدا لاغير ألا وهو الصدق واعتماد قاعدة: أن من حق الشعب السوري في هذه الأزمة الكبرى أن نخاطبه بصدق وأن نتوجه الى عقله باحترام وأن يعامل المواطن العادي كقائد ميداني برتبة عالية نرفع اليه التقارير ليعرف كل الحقائق ليوجهنا بالتحرك القادم ..هذا الموقف هو أقل مايمكن عمله اخلاصا لشهامة هذا المواطن السوري الطيب المتفوق في كرمه ومحبته للآخرين والذي احتضن كل اللاجئين اليه منذ مذبحة الأرمن الى مذبحة لبنان عام 2006 مرورا بالمذابح الفلسطينية ومذبحة العراقيين الكبرى .. هذا الانسان السوري الذي ساند مواقف بلاده الوطنية على مدى عدة عقود يستحق أن نكرمه بألا نكذب عليه في هذه الأيام.. كان أهم عهد قطعناه في معسكر الوطنيين هو ألا نمالئ وألا نتدثر بالأمل الكاذب .. ففي زمن الكذب والرياء لاشيء يكون كالترياق والدواء، مثل الصدق والصراحة والصفاء...وقد وجدت أن الناس في هذه الأيام كانت ظمأى لكلمة صادقة مهما كانت مبللة بالدمع والأسى ..ومشحونة بصدمات الكهرباء..
في بداية الأزمة لم أتذكر الا خطاب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عقب هزيمة حزيران والذي سمي خطاب التنحي ..كنت قرأته في السابق كثيرا وأعدت مشاهدته كثيرا.. مالفت نظري في ذلك الخطاب هو حجم الصدق في كلمات عبد الناصر وتدفق الصراحة ورقي الاعتراف وشفافية الوجع .. وتوسل الغفران من الشعب على أخطائه كزعيم .. والأهم شجاعة تحمل المسؤولية..
الرد على خطاب عبد الناصر الحزين المهزوم كان طبيعيا من الشعب الذي أكبر فيه صدقه واحترم صراحته وشجاعته فكان الرد طوفانا من المشاعر الجياشة في الشوارع ..والناس لم تخرج يومها بذلك الانفعال لأن صلاح نصر أمرها بذلك ..بل تحديا للهزيمة وتكريما لصراحة الرئيس
لست بمقاس هامة الرئيس عبد الناصر العملاقة لكني تعلمت من موقفه أن أكثر مايطلبه الناس في الأزمات الكبرى هو الصراحة من كل من يتولى التخاطب معهم .. وكل خطأ سيكون قاتلا وسببا في انهيار الثقة وسببا في تعاظم آلام الناس ..ونزيفها
الهزيمة التي بدأت بالتدريج تلحق بمعسكر الشر الضخم الجرار المحيط بسوريا سببها أن السوريين أدركوا أن قلب الثورة كاذب ..ودمها كاذب وأصباغ .. وعيونها عيون غانية عاهرة تغريهم برذيلة خيانة وطنهم .. ولسانها القطري مشقوق كلسان الأفعى .. فيما تعزز موقف السلطة عندما لجأت الى أهم تكتيك وهو الصدق والمكاشفة وتشريع الأبواب أمام الشعب السوري ..
ماالذي كشفته لنا الأزمة في سوريا؟
ومن هذا المنطلق وفي استمرار مكاشفتنا وصراحتنا لايجب أن نقلل من حجم الأزمة ومن حجم الأخطاء التي قادتنا الى الأزمة.. أخطاء الفساد والفاسدين وترهل الجهاز الحكومي وتراجع الاحساس بالمواطنة والاتكاء على رصيد انجازات سياسية كبيرة وانتصارات لم نكن نتوقعها في زمن بلطجية جورج بوش.. نعترف ان تحطيم مشروع بوش قد أسكرنا بنشوة النصر.. فاعتقدنا أننا معصومون من الاختراق الفكري والاجتماعي.. والمؤامرات التي تتسلل الينا من نقاط ضعفنا الاجتماعية
من الأخطاء التي كشفتها الأزمة أننا اتكأنا على مخزون فكري عتيق يشبه "الدونكيشوتية" والفرسان في عصر اللافروسية وتسلحنا لمعركتنا ببندقية الخردق .. فالبعث فكر قومي جميل لكن آليات خطابه -في زمن الانترنت والكومبيوتر - كانت تعمل على ماكينات البخار ومحركات الفحم الحجري في التواصل مع الجمهور .. وبعضها كان أشبه بعربات متهالكة تجرها الخيول القومية "الهرمة" .. فيما منطق العصور الوسطى الظلامي حيث الجواري والاسلام السلفي الطالباني كان يركب عربات الفضاء والأقمار الصناعية والانترنت .. وكنا كما قال برنارد شو نخوض "معركة حديثة بمدفع قديم" ..
ماكان يحصل كان يدعو للجنون ..البعث يتحدث عبر احتفالات رسمية مملة وكلمات مسكوبة في قوالب الرفاق الذين كتبوا ماكتبوا منذ 60 عاما ثم تناثروا بين القبور أو بين القصور فيما كان شخص مثل عمرو خالد والقرضاوي والعرعور لايسافر على بساط الريح بل على متن أعقد تجهيزات الاعلام والحرب النفسية .. يدخل البيوت ويعشش في الآذان ويفرش أثاثه في زاوية كبيرة من الدماغ الشرقي .. كنت لاأصدق نفسي أن يترك هؤلاء الدعاة يغيرون علينا من قصورهم الفخمة بجانب القواعد الأمريكية الضخمة ومن كل الزوايا والفضاءات ومن بين الغيوم ولايوجد من يوقف هذا الهجوم الذي سيفضي الى الانهيارات الكارثية في هذا الجيل..
الأزمة كشفت أن البلاد لم تعد بحاجة لحزب "قائد للدولة والمجتمع" بل لمجتمع يقود الحزب والدولة..هذا المجتمع أطلق طاقاته فكان قائدا للدولة والحزب في هذه الأزمة.. والأهم أن البلاد بحاجة ماسة لمعارضة سورية صادقة تصوب الخط الوطني وهي التي تتصدى قبل الحكومة للمعارضات المستوردة مع البضائع التركية الرخيصة ومع الأحذية الأوروبية اللماعة.. معارضة حقيقية تتصدى لمعارضات مستوردة مزورة مروّضة لاتعرف معنى الوطنية وتعتقد أن الغاية من المعارضة هي الوصول الى السلطة حتى على أكتاف الناتو ..الأزمة للأسف لم تكشف لنا الا أن عيوب الحزب الحاكم لاتذكر اذا ماقيست بالتشوه الرهيب في قيم المعارضين المستوردين وانهيار ادعاءاتهم ونواياهم الاصلاحية .. بل ومرضهم نفسيا وأخلاقيا ..واستهتارهم بالدم ..واستخفافهم بالاجماع الشعبي ..
والأزمة قامت بامتحان حقيقي قاس لتحالفاتنا والمنظومات التي انخرطنا بها ..فالتحالف مع ايران أثبت أنه كان حاذقا وموفقا ..فالايرانيون لم يتركونا لقمة سائغة لأحد متطفل وأبدوا استعدادا بالنار للوقوف معنا ..والتحالف مع الروس أثبت انه كان استراتيجيا وموفقا للغاية .. فالروس دافعوا عن دمشق كما لو كانوا يدافعون عن شوارع موسكو ..رغم انهم كانوا بدفعهم لبنادق الناتو عن أسوار دمشق انما كانوا يدفعون بالبنادق عن اسوار روسيا نفسها ..
الأزمة كشفت أن التحالف مع الأتراك كان صحيحا نظريا لكن لم يكن موفقا عمليا وكان قد خضع للعواطف الجماهيرية والاندفاع بدل دراسته بعناية ودقة ومعرفة خلفيات الزعماء الأتراك وميولهم المجنونة ..وكشفت الأزمة عيبا كبيرا في الاتفاقات الاقتصادية مع الأتراك نفذها فريق اقتصادي فاشل لم يقدم لمقام الرئاسة النصائح الحريصة على الاقتصاد .. فجنى الأتراك وغيرهم المكاسب على حسابنا ..وتراجعت المهن والورش الصغيرة وهاجرت الاموال والمشاريع .. وصار اقتصاد الوطن بيد اتفاقية تركية سورية بائسة ..
الأزمة كشفت ان الجامعة العربية هي قبر جماعي لنا جميعا وانها مثل الأمم المتحدة مملوكة لأصحابها وتشبه شركة خاصة مملوكة للأثرياء وناديا للترفيه ولعب القمار ..وآن لنا ان نجد لها بديلا .. الجامعة العربية المتهالكة وصلت الى نهاية الطريق ونهاية الرحلة وصار أنسب مكان لها هو المتحف التاريخي لمشاريع القرن العشرين التي فشلت وربما متحف المشاريع الاستعمارية التي انتهى عمرها وهبطت بآخر قطرة في خزانات وقودها هبوطا اضطراريا لتتحطم أجنحتها وعجلاتها .. بل لاأدري ان كان من الحصافة العودة الى أحضان تلك المنظمة "الصهيونية"..
في الأزمة خسرنا مشروعا طموحا عظيما لقيام تكتل اقتصادي وجغرافي كبير يربط البحار الخمسة ويخلق سوقا اقتصادية في الشرق قد يكون مستقبلها عظيما اذا ما امتدت استطالاتها الى الشرق وتحالف شانغهاي ..لكنها أحيت فكرة الشرق الأوسط الجديد الممتد كالسيف من البحر المتوسط حتى أفغانستان..
الأزمة كشفت أننا بحاجة الى الصراحة مع الناس في كل الأوقات وليس في اوقات الأزمات وأننا نحتاج لغسيل الكلى الاجتماعية من السموم التي التقطناها من فضائيات العرب.. فالطائفية والقرضاوية سممت أجسامنا..والنفط والغاز ومعسول الكلام سمم أفكارنا .. ونحن الآن احوج مانكون الى عملية تطهير وتنقية لقيمنا التي شابتها الشوائب النفطية و "العربية المتصهينة" ..
الأزمة كشفت نقاط القوة الكامنة لدينا..
لكننا اكتشفنا في هذه الأزمة نقاط القوة الكامنة لدينا ..الأزمة كشفت ان قراءتنا للمعطيات السياسية صحيحة ودقيقة للغاية .. فقراءة نقاط ضعف الناتو وأزماته المالية ومخاوفه من التورط معنا ومع حلفائنا جعلنا نثبت ولانتراجع ..
والأزمة أظهرت أننا كنا نمسك بعدة جبهات في آن واحد ونتعامل بتريث وحسب الأولوية مع كل واحدة ..فقد تمكنّا من فرملة الناتو فيما نحن نتعامل مع ملف داخلي ارهابي معقد تغلغل في المدن ..واسرائيل تم تثبيتها بالمسامير بوعد قاطع من حزب الله و"حلفاء آخرين" أنه سيحشو مؤخرة اسرائيل بالنار والصواريخ اذا ماتجرأت علينا في هذه الأزمة .. فيما استخدم التحالف مع ايران والروس للامساك بلجام الأتراك وشده بقوة للخلف حيث توقف أردوغان بقوة وصار يتأرجح فوق صهوة رئاسة الوزراء التركية .. وعرفنا أننا قادرون على لجم اندفاع الغزاة والامبراطوريات المجنونة لأننا نعرف الخواصر المؤلمة للعدو..
والأزمة كشفت لنا اننا استخدمنا بحكمة موقعنا الجغرافي على ضفة البحر المتوسط كمائدة الدنيا بين الشرق والغرب يتسابق العالم للجلوس عليها .. ولكن نحن كنا أصحاب الدعوة ونحن من قرر من يجلس على المائدة ..
مأساة الاسلام والقرآن التي كشفتها الثورات العربية
الأزمة السورية كشفت لنا فضيحة الثورات العربية الاسلامية التي تنهل من خزائن المال العربية والأمريكية والتي تؤجر القرآن للقصور الأميرية ولشركات النفط وللكونغرس .. وتقطع بالفأس آياته الجهادية كرمى لعين هيلاري..وتبيع أحكاما اسلامية بالمزاد العلني وتمنح بعضا من أسماء الله الحسنى للناتو الذي صارت له أسماء حسنى: الناتو المهيمن الرقيب المنتقم القهار الجبار الرحيم المذل ..فانتظروه
كشفت الأزمة السورية أن المشاريع الغربية امتطت بسهولة هذه العقول الشابة المتدينة التي تم تجهيزها بوقود سريع الاشتعال وزرعت فيها الألغام والصواعق ولم يبق الا زر التفجير كي يضغط ..فوقع النفجار الهائل في المنطقة ..وكانت مأساة الاسلام والقرآن اللذين عرضا للتعديل والتقصير والتطويل ليناسبا الموضة وأزياء كريستيان ديور ..
قد يبدو هذا الاكتشاف غريبا ..ومؤلما ..ومثيرا للرعب والغضب .. لكن لامناص من الوصول الى هذه النتيجة وبالذات بعد وصول الاسلاميين الى السلطة في تونس ولبيبا ومصر وتحركهم في سوريا ..
أوليس من غريب الصدف اذا ان يصل الاسلاميون الى الحكم في بلدان عربية بعد قرابة عشر سنوات فقط من أحداث سبتمبر في نيويورك بعد أن كان الاسلام العدو الأول للغرب؟ وهل هي الصدف والأقدار وحدها التي جعلت كل الثورات العربية تنتهي الى قيام حكم اسلامي؟ ..ثم ماهي هذه الصدف التي جعلت كل الثورات ليست علمانية ولاليبرالية غربية رغم شعارات الحرية والديمقراطية .. بل اسلامية؟ ولماذا يبدو الثوار الاسلاميون جميعا متفقين على التودد لأميريكا والغرب رغم شتائم أوروبا وملوكها للرسول الكريم ونشر صوره المهينة محاطا بالزوجات والغلمان وهو يتعمم بالقنابل..بل ورفض هذا الغرب حتى الاعتذار منا وأصر على احتقارنا؟؟
ثم ماهذه الصدف في المواقف الموحدة من اسرائيل؟ الاخوان المسلمون السوريون يسقطون الجهاد ضد اسرائيل ويعلون من شأن السلام معها في وقت يعلنون فيه الجهاد على الحكومة السورية ويرفضون الحوار معها .. بل ويعلنون الحرب على حزب الله وايران والشيعة..!! ثم ينشرون رسالتهم الضمنية الى اسرائيل عبر دميتهم برهان غليون ليعلن الجهاد على ايران وحزب الله وحماس ..وكأني به قد قصد حماس القديمة ونهجها ..حماس الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي .. ولم يعن الحمساويين الجدد !!
وماهذه الصدفة في تغير مواقف راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية الذي صدع رؤوسنا بأنه سياسي ومفكراسلامي ونائب رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين والذي شارك في أسطول الحرية الى غزة وقال يوما بالحرف:
"ان حماس أعطت شرعية للحركة الإسلامية، صحيح أنها بنت للحركة الإسلامية ولكنها بنت مباركة، وجعلت من الحركة الإسلامية تؤوي أهم قضية وتحمل أشرف وأنبل راية وهي راية تحريرالمسجد الأقصى وفلسطين ..وهذا شرف للحركة الاسلامية كلها"..
راشد الغنوشي هذا يحمّل نفسه مشقة السفر الى الولايات المتحدة الأمريكية ليعلن من هناك اسقاط حكم المرتد عن الاسلام ولايمانع ارتداء "البكيني" (يعني تحليله بالمختصر).. وفوق هذا يتعهد بعدم تضمين الدستور التونسي أية فقرة جهادية معادية لاسرائيل ..أي اسقاط الجهاد أيضا..واعلان وفاة آيات قرآنية كاملة ..وسنن نبوية
أعادتني هذه الذبائح والمجازر الثورية بحق القرآن والاسلام وأحكامه الى قربان قرآني آخر قدمه اسلاميو أردوغان في عام 2004 حيث فوجئنا أن البرلمان التركي (الأردوغاني الاسلامي) عقد جلسة استثنائية لمناقشة تعديل قانون العقوبات لالغاء تجريم "عقوبة الزنا" تقربا من أوروبا .. واعتبرت الموافقة على التعديل المذكور خطوة مهمة في طريق الانضمام للاتحاد الاوروبي، والذي جاء خاليا من مادة تجريم الزنا ..أتى ذلك بعد تأكيد رئيس الوزراء التركي "رجب طيب أردوغان" للمسؤولين في الاتحاد الأوروبي أن قانون العقوبات التركي الجديد لن يتضمن اقتراح تجريم عقوبة الزنا المثير للجدل، وأنه لم تعد هناك شروط إضافية على تركيا "الاسلامية" أن تستوفيها "لتتمكن المفوضية الأوروبية من رفع توصيتها" للبدء بمفاوضات انضمامها للاتحاد ..
الاسلاميون الأردوغانيون تجرؤوا على حدود الله ولم يتجرؤوا على اعادة الحرف العربي القرآني الى التركية ..وأنا لايعنيني ان كان ذلك صحيحا أم خاطئا بل يعنيني نفاق الحركة الاسلامية وانتهازيتها وكذب شعاراتها ..
هل سينتهي الاسلام في هذا القرن على يد الاسلاميين الجدد؟ هل سيخضع القرآن الكريم لجراحات قاسية برعاية اسلامية وجراحي الحركات الاسلامية لبتر آياته التي لاتناسب الغرب أو لحقنها بحقن تشلها ؟؟ الثورات الاسلامية قالت كلمتها في شوارع حمص ودير الزور وحماة بالسواطير.. وبعد تقطيع الضحايا هاهم زعماؤها يمسكون السواطير لتقطيع أذرع القرآن وأصابعه ولسانه.. بحجة الاسلام "المعتدل" الاوروبي... تبا لكم
التنين في انتظار غودو السوري.. فلتنظر خلفك بغضب
انظر خلفك بغضب.. صرخة أطلقها الروائي الانكليزي "جون أوزبورن" الذي يمثل جيلاً من الأدباء والفلاسفة الناهضين من بين حطام مابعد الحرب العالمية الثانية.. وجيلاً من الأدباء الغاضبين والساخطين من حماقات البشرية في اطلاقها للحروب المدمرة التي خلقت انعدام الثقة بين الناس والانعزالية والدمار.. فكتب أوزبورن رواية ثائرة بعنوان "انظر خلفك بغضب".. ملأها بالاحتجاج والتمرد والانفعال..
ولكن من هو أجدر من السوريين من أن ينظر خلفه بغضب بعد هذه التجربة التي فجرت فينا السخط والغضب الشديدين من نذالة العالم "الحر" الذي يقتل الحرية من أجل الحرية.. ومن نذالة الجيران الذين يطعنون الجيران.. ومن خيانة "الاخوان" الذين يأكلون لحوم الاخوان.. والعرب الذين لايقتلون الا العرب..
بل من هو أجدر بالنظر حوله بغضب من الجيش السوري الذي تجرأ البعوض على ادماء مقلته بقتله عدداً من الطيارين السوريين.. الجيوش الغاضبة لاتعرف السياسة.. ولاتعترف بالديبلوماسية.. وتسخر من البروتوكولات والمجاملات وحفلات التواقيع وولائم العشاء وديبلوماسية الشاي.. الجيوش لاترتدي ربطات عنق بل ترتدي أحزمة النار.. ولاتعرف لغة الهدوء والبرود بل لغة الأعاصير والبراكين.. الجيوش الغاضبة تتحدث بالرصاص.. شفاهها سلاسل الدبابات.. ولهاثها هدير الطائرات.. وأقلامها الصواريخ.. أما ديبلوماسيتها فهي ديبلوماسية المدفعية.. وغزلها هو "غزل الرعود.. مع الرعود"..
أستطيع أن أقول لكم ومن خلال معرفتي أن الجيش السوري بدأ يتمطى.. ويقطب وجهه ويزيد من عبوسه.. والويل من غضب الجيوش الجريحة وعبوسها.. ومن أجمل العبارات التي سمعت في حياتي هي: الويل لمن يعشش في رأسه البعوض.. اذا ماوقع بين أشداق الجيوش الغاضبة..
أيها الأصدقاء..
هذا الاستشراس الهائل والتوافق الدولي في محاولة الاستيلاء علينا "ثوريا" وتحويلنا من سادة من سادات الشرق الى عبيد في جحافل العبيد القديمة في الخليج والجديدة في شمال افريقيا .. نجرّ العربات ونطعم البغال ولانجيد الا الحلب والصر .. حلب النفط وصر النفايات ومنتجات الغرب..هذا الاستشراس لقهرنا لامحالة سيفضي الى انهيارات ثقافية وفكرية سورية وبنى أخلاقية كبرى .. فلم يعد من المنطق السير دون الانتباه الى أننا بحاجة لهدم حدود النظريات القديمة في الشرق الأوسط ومتاحف التحالفات التقليدية وتحطيم ديبلوماسية "الأخوّة والعروبة" مع الملوك ومن بقي من الرؤساء العرب .. بل واحياء ديبلوماسية احراق السفن..
لن نبالغ على الاطلاق اذا قلنا ان المعركة على سوريا بين أقطاب العالم ربما ستكون هي من أكبر الاحتكاكات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية.. بل انها ظلال حرب عالمية .. واذا كانت الحرب العالمية الثانية قد أفرزت نوعا من الدعوة للنظر الى الخلف بغضب ..فاننا كسوريين مدعوون الى اطلاق ذلك الغضب في كل اتجاه ..ونحن ننظر الى الخلف الذي تركناه..وأن ننظر بغضب ونحن نتحرك للأمام ..
فما يجري من أحداث متلاحقة وخاصة في الأيام الأخيرة يكاد لايشبه الا مسرح العبث ..بامتياز .. ولم يعد يجدي البقاء في مقاعده لمشاهدة هذياناته .. فنحن لانعرف لم كل هذا الحقد والغل العربي والخليجي ولماذا هذا الانقلاب علينا كانقلاب العقارب والأفاعي .. ولم كل هذا الكره والسموم؟ .. ولم كل هذا الطعن في الظهر؟ ولم كل هذا المال لقتلنا وفتنتنا .. وبلا توقف؟ .. بل لماذا أصيب العرب بالجنون كأكلة لحوم البشر؟ ولماذا هذا الرقص الهستيري العربي والأممي والعواء كقطيع الذئاب؟ ونحن لانعرف ان كان للغباء العربي حدود؟ ولاندري أن كان نزيف الأخلاق الطويل والاستحمام بالنفط لم يبق لنا الا مومياءات عربية وجثثا محنطة بلا عقل ترتدي الكوفية والعقال..
ماذا بعد هذا الجنون؟؟ وماذا بعد مابعد الجنون؟ وأين نحن؟ وهل سنبقى ونحن محاطون بهذا الكم من العداء والجيران؟ والى متى؟
مانعرفه فقط هو أننا أمام مسرح عبثي بلا نهاية .. كمن ينتظر عودة "غودو" ..فهل نستطيع فعلا أن نخرج من هذا المسرح العبثي العربي الخليجي التركي وأن نغلقه بأقفال ثقيلة كأقفال السماء عندما تغضب؟ كي نعود الى حياتنا دون أن ننتظر غودو الذي ينتظره الثورجيون .. ويبشروننا بوصوله .. وهل يصل غودو من بعد طول انتظار؟
غودو لمن لايعرفه هو الشخصية الرئيسية التي تتحدث عنها مسرحية العبث الشهيرة التي تعد أفضل مسرحيات القرن العشرين بنظر بعض النقاد وهي مسرحية (في انتظار عودة غودو) للكاتب الفرنسي صموئيل بيكيت والذي ربما يعد أبا للمسرح العبثي ..أي مسرح اللامعقول ..مسرح المخاطر والكوميديا المظلمة..ومسرح اللاتواصل ..لأن حواره غامض ضبابي مبتور مشتت بلا ترابط ولااتساق ولاتوازن..تماما كما هي أحداث الأزمة السورية..وكما هو منطق الجامعة العربية ..ومنطق الأتراك .. ومنطق المعارضين السوريين ..
اما شهرة غودو فجاءت لأن المسرحية لم تجب عن أي سؤال عن غودو ..وتركنا صموئيل بيكيت ورحل عن هذه الدنيا عام 1989 دون أن نعرف حتى هذه اللحظة من هو غودو !! ..وماذا سيفعل !!..ماذا سيقول !!..ومتى يصل !!..بل ماذا سيقدم !!..وماهي حلوله !!.. ولايزال النقاد منذ انطلاق المسرحية في الخمسينات يتجادلون حتى اليوم فيما اذا كان غودو سيصل أم لا...
وحدهم الثورجيون السوريون الاستانبوليون يقولون انهم عرفوا كل شيء عن غودو ويطلقون البشارة بوصوله أخيرا..وأخالهم يلمّحون الى أنه انضم الى المعارضة بل وربما صار أحد أعضاء المجلس السوري الانتقالي في استانبول
فبعد هذه الأشهر الطويلة من المؤامرة الكبيرة على السوريين، لازال الثورجيون يتوقعون وصول غودو ولم ييأسوا .. ولن نستغرب ان يسمى أحد أيام الجمعة القادمة (جمعة انتظار غودو) والجمعة التي تليها (جمعة لاتتأخر ياغودو).. أما الجمعة التي بعدها فنحن سنسميها (جمعة اعتذار غودو عن الوصول) ..ولمن لايعرف السيد غودو السوري سأتبرع لكم ببعض الشرح عن انتظار الثورة السورية للسيد غودو الذي لم يصل بعد..وأؤكد لكم بيقين المؤمن أنه لن يصل..غودو لن يصل ..وسنقفل المسرح العبثي ..ان عاجلا أم آجلا..
اسمحوا لي أن أقدم لكم أيها السادة النسخة السورية من مسرحية (في انتظار غودو .. السوري)..!!
غودو الثورة السورية هو غودو الذي وعدنا به الثورجيون ولم نعرف ماهيته حتى هذه اللحظة .. هل هو تركي عثماني؟ ..ام خليجي وهابي؟ ..أم اسلامي اخواني؟ أم اسلامي ليبيرالي فرنسي؟ .. أم اسلامي صهيوني؟ ..أم من اسلاميي المحافظين الجدد؟ أم اسلاميي القاعدة والظواهري؟ ..المهم أنه ليس سوريا حتى لو كان شرواله سوريا وطربوشه وثيابه الداخلية وغليونه سوريا.. فالشروال ليس هوية ولاالطربوش..وبالطبع ليس الغليون ..الهوية قلب ودم وانتماء..
غودو السوري هذا الذي يعدنا به "البرهانجية" و "المامنحبكجية" لانعرف حتى اللحظة كيف سيصل ولامتى يصل ..هل يصل محمولا على محفة على أكتاف الجيوش الانكشارية العثمانية؟ أم متسللا على أكتاف جلالة الملك المعظم "الأزيز" المستورد في الأردن؟ ..أم يهربه لنا أبطال وادي خالد مع المهربين والقتلة الى شوارع حمص؟ أم انه سيأتي مع المدد والملائكة الطائرة التي تنطلق من حاملات الطائرات حيث يؤيد الله الثورجية بجنود "لم تروها" كما آزر الله المؤمنين في بدر؟..أسئلة كثيرة تتوافد بتدفق .. ولكن غودو لم يصل بعد ولم يقل لنا سوى ابتسامة بلهاء واثقة..على وجه برهان غليون ..
ماذا يريد"غودو" الثورة السورية أن يقول؟ حاولت مرة واحدة أن أعرف ماذا يريد بالضبط فما اهتديت وأتحدى مخلوقا أن يعرف ماذا يريد (وأستثني أوباما ونتنياهو)...فمرة ينادي بالحرية و الديمقراطية التعددية ..ومرة يقول بالاسلامية ..وهو يقول ان الثورة لكل السوريين ولكن أتباع غودو يخرجون فقط في يوم الجمعة ومن المساجد مكبرين .. ومرة يقول انه يريد ثورة سلمية ثم يرتكب غودو مجزرو تلو المجزرة ... ومرة يقول انه يريد تحرير سوريا من وصاية ايران فاذا بغودو يضعنا تحت وصاية تركيا وقطر والسعودية والناتو ..وهو غاضب من افقار السوريين بفساد الفاسدين لكنه يحرض على محاصرتهم وتدمير ليرتهم وخبزهم .. ومرة يقول انه لايريد أن يقتل النظام السوريين ثم يدعو غودو الناتو لقصف السوريين باليورانيوم المنضب بالحماية الدولية والحظر الجوي ..بالطبع غودو لايستطيع ان يملي على الناتو أن يستعمل قنابل مطاط وغازات مسيلة للدموع لضربنا برقّة وبطريقة مكافحة الشغب ..والناتو لاذخيرة لديه سوى اليورانيوم المنضب يا ..غودو ..
وغودو الثورة السورية يريد تحرير السوريين من الاستبداد والفساد واللاأخلاق ثم يبني كل علاقاته مع الفاسدين والمستبدين والغادرين بآبائهم وكل من لاأخلاق له من بندر "فاسد فاسدي السعودية" الى الحريري الذي يبيع دم أبيه في المحاكم الدولية الى حمد الذي أذل اباه وشرده في المنافي ..أي ينقلنا غودو الثوار من الفساد الأصغر الى الفساد الأكبر ..
ويعيب غودو على النظام أنه لايحارب لاسترداد الجولان فاذا بغودو يفاوض سرا ويقايض ويبيع الجولان ولواء اسكنرون معا وبالجملة.. يوزع غودو السوري أراضينا هدايا واقطاعات شمالا وجنوبا .. وغودو لايستطيع أن يقنعنا أن أردوغان سيحررنا ليعيد الينا لواء اسكندرون ملفوفا بأوراق الهدايا الملونة البراقة وبطاقة عليها "كل اسكنرون وأنتم بخير" .. ولن يرسل بطاقة شكر على سكوتنا عن احتلاله اللواء نصف قرن !!.. أردوغان ياغودو يريد مكافأته على الأقل بتوقيع التخلي عن اسكندرون وحصتنا في الفرات كي نشتريها نقدا من سدوده حسب وصية تورغوت أوزال ..والرئيس الأسد لم يرض بهذا التوقيع .. وهذا صار يقينا وموثقا 100% ياغودو.. ولدينا الوثيقة الدامغة ياغودو..
ويقول لنا غودو ان ثورته لاطائفية فاذا برائحة الثورة طائفية مقيتة مقززة ورؤوسها مجانين الطوائف ووحوشها..واذا بغودو الثوار يعرعر أويتقارض ..ويقرض الطوائف بالطوائف.
ومرة يقول لنا غودو الثورة ان الجيش السوري انشق بالآلاف وسينشق بالآلاف للالتحاق به في الجبال ..ثم يقوم غودو بقتل رفاقه في الجيش الذي يفترض أن يفرّ اليه ..ويقتل الطيارين السوريين..فكم تحتاج اسرائيل لتدرب طياريها لتصطاد سبعة طيارين سوريين ياغودو؟
يبشرنا غودو السوري أنهم قادمون .. ليس أهله واخوته من هو آت بالطبع بل جيوش الناتو .. ولكن الناتو لايريد المجيء الينا ياغودو
ثم يبشرنا غودو أنه آت الينا ..ليس غودو بالطبع بل ابن عمه "غودوغان" ..ولكن غودوغان لايجرؤ على المجيء الينا ياغودو لأنه سيعود شظايا الى استانبول..وسنعيد كل قطعة منه بنعش ..رجب في نعش ..وطيب في نعش ..وغودوغان في نعش..هذا ماقاله أحد الجيوش الغاضبة .. ياغودو
وهكذا لانفهم من غودو الثوار سوى العبث والفوضى والتردد والتناقض والتنافر الأخلاقي والمنطقي والذهول والعتاهة والرمادية ..ولانعجن معه سوى الرمال ..
ولكن ..أما آن الأوان لنقول كلمتنا ياغودو السوري العابث؟
الواقع يقول ..لقد طال انتظار من ينتظرك ياغودو ..ولاتزال أبواب سوريا مغلّقة ..الثورة صارت تعيش في عربة اسعاف الجامعة العربية ..عربة الاسعاف في القاهرة والممرضون والفريق الطبي العربي يحقنها بالقرارات العاجلة الاسعافية ..قرار كل ساعة.. ويعطي المهل بالدقائق ..والثواني ..ويواصل عمليات الانعاش والضخ والنفخ فما لفم بقبل الحياة .. والاخوان المسلمون المصريون يتحركون بنزق للضغط للاستيلاء على السلطة بلعبة الانتخابات مستفيدين من المال القطري ومن زخم انتصاراتهم في ليبيا وتونس ..فهل تعرف لماذا كل هذا ياغودو؟ ... اذا لم تعرف فاسمع:
ياغودو ..من الواضح ان تكسّر اسنان الاخوان في سوريا وتقطع أذرعهم سيقلب الموازين الانتخابية المصرية ويكشر شوكة اخوانهم في تركيا وتونس وليبيا ويعطي أملا لأحرار مصر بهزيمتهم ..ويعلّم العلمانيين التمرد على هذا القدر الثوري الخليجي والطوفان المتخلف السلفي الهائج .. وهذا هو سبب استعجال الاخوان المصريين للانتخابات قبل انكشاف ظهرهم في سوريا ..هذا التسرع ياغودو أول اعتراف من تيار الاخوان المسلمين العالمي بأن هزيمته وشيكة في سوريا ..الجماعة نزقون للغاية و"غوردوغان" التركي يرغي ويزبد وقد طار صوابه ..صار مثلك ياغودو مرة سيحجم ومرة سيقتحم ..ومرة يصادقنا ويصالحنا وينصحنا ومرة يهاجمنا ويستجبننا ويهددنا .. مرة يرفع عقيرته ومرة يبلع صوته بلعا ولايخرج الا من أسفله....هل تقولها أنت أم نقولها لك بالعربي الفصيح ياغودو؟
بالعربي الفصيح ..اذا لم يهزم النظام في سوريا ضاعت هيبة التيار الاسلامي المنتشي في مصر وليبيا وتونس والذي يمرغ أنفه وأنف أردوغانه في سوريا ..هل فهمت ياغودو؟
هل تريد أكثر ياغودو؟ حسنا ايها المسافر في رحلة بلا نهاية وبلا ميناء وبلا قرار .. الجيش السوري بدأ باستعراض العضلات .. وقد يسمي مناوراته القادمة (انظر أمامك بغضب) ..أي لن يسامح ياغودو ..الجيش السوري غاضب هل تعرف ماذا يعني ان تغضب جيشا كالجيش السوري ياغودو؟
هل تريد أن تعرف ماذا سيحصل ياغودو؟ حسنا أيها التائه.. سنأخذك من مسرح العبث الى مسرح سياسة الواقع ...خلال أسابيع وبرحيل الأمريكان من العراق سيتحطم الشرق الأوسط القديم كله .. وستسمع صوت انهيارات الأبراج وطقطقات الصفائح التكتونية القديمة وذوبان الجغرافيا وانصهار الخطوط .. وسينهض من بين الأنقاض تنين كان مخبأ لم تعرفه المنطقة .. تنين اقتصادي وبشري وعسكري رأسه يطل على البحر المتوسط ليستحم فيه وذيله يتلوى في حدود أفغانستان ..وخزان النار فيه في ايران .. تنين هذا الشرق الجديد الذي يستقتل العرب والأتراك والناتو لقتله سيضع اسرائيل كالجرذ تحت مخالبه وسيحبس تركيا في سجن بين جبال طوروس ومضيق البوسفور ومضيق الدردنيل .. لن يقدر الأتراك الذين يحاصروننا اليوم على الفرار شمالا حيث الجدار الاوروبي الفولاذي المحرم عليهم .. ولن يقدروا على التحرك غربا بعد خطيئة تحدي مصالح وأمن الروس.. وبالطبع أغلقت بوابة الخلاص الوحيدة السورية في الجنوب في وجوههم ..وسبحان مغير الأحوال ياغودو.. المحاصِرون سيصيرون محاصَرين.. والمحاصَرون سيصيرون محاصِرين.. هل عرفت لماذا اصيب اردوغان بالجنون ..ويرمينا بالجبن..ويصر على حضور اجتماعات الجامعة العربية لانقاذه بأي ثمن لقطع رأس التنين؟ انه صراخ الذاهبين الى السجن .. سجن الجغرافيا السياسية وغباء الحسابات التي أرادت التمدد نحو تاريخ مضى ونحو آبار النفط في الجنوب ..
هذا التنين المتمادي لن يقدر عرب الخليج على رفع أصابعهم مهددين.. ولا على تقطيع أوصاله بعد اليوم.. ولا على الاستفراد بمكوناته كما فعلوا بالعراق وليبيا.. انه عصر جديد يريد العالم كله اغلاق الباب قبل ولوجه.. لكنه يدخل.. مهما كثر الزعيق..
هل فهمت ياغودو ..؟؟
وهل لايزال الثورجية بانتظار غودو؟ بلغوهم عني ...والله لن يصل ...فلينتظروا على المحطة ماشاؤوا..
مراجعات الاسلاميين الكبرى.. أعطونا السلطة وخذوا الاستقلال
من يتابع الاسلاميين هذه الفترة في العالم العربي يستطيع أن يستنتج أن الحركات الاسلامية قامت باجراء مراجعة شاملة لتجربتها عبر العقود الماضية والتي تكللت بالهزائم والتراجعات والانتكاسات والهزائم ..وقد ساهم الاندحار العسكري في عدة تجارب خلال عدة عقود على أن ترغم هذه الجماعات على الجلوس واعادة النظر في تكتيكاتها التي اعتمدت على العناد السلوكي والتحدي والمجاهرة بالأهداف العالية السقف التي لاتقل عن الاستيلاء على السلطة بحكم ارادة الله الذي لاراد لارادته وبناء المجتمع الاسلامي واقامة دولة الخلافة..
وساهمت عملية القمع التي قامت بها السلطات الحاكمة في الدول الاسلامية والملاحقات في كل العالم لرموز الحركات الاسلامية في جعل المراجعات على الاستراتيجيات والتكتيكات التي تتبعها هذه التنظيمات حتمية وضرورية.. وبدات ملامح المراجعات التكتيكية في الاعلان ان "عبود الزمر" أحد القادة والمنظرين الرئيسيين للتيار الاسلامي في مصر أصدر كتبا في سجنه يعبر عن اعتداله ويعلن انشقاقات عن رأيه في عملية تطبيق الجهاد .. بل واعتبر "الزمر" أن الرئيس أنور السادات شهيد وهو الذي أرداه التنظيم الاسلامي نفسه صريعا برصاصات خالد الاسلامبولي .. وزاد الزمر على ذلك بأن اعتذر عن عملية قتل السادات ..وقيل أيضا ان الشيخ عمر عبد الرحمن أحد أكبر منظري الحركات الجهادية المصرية قد تبرأ من قتلة الرئيس السادات أيضا ..وكان قد أعلن تأييده لمبادرة وقف العنف عام 1997!!هذا التراجع عن فتوى بحجم فتوى قتل أنور السادات وتعطيل الجهاد كانت له دلائل ..لم تقرأ بدقة ولكن يمكن فهمها الآن في ضوء مايحدث..
ومن يقوم باجراء مراجعات فاحصة لخطاب هذه التنظيمات يجد أنها قامت بعملية تفاوض شاقة مع نفسها وقامت بعملية قلع ذاتيه للأظافر والمخالب والأسنان وجدع الأنف لغاية في نفسها .. وان فلسفتها النظرية لم تتغير على الاطلاق بل تمت عملية تغيير في طريقة تسويق المنتج .. بحيث أن المنتج الفكري الاسلامي بقي نفسه ولم يتغير تركيبه ومذاقه ولكن التغيير طال الغلاف الخارجي وعملية التعليب ورافق ذلك عملية تحطيم للمفاهيم السائدة عن ثوابت الاسلاميين وتغيير الصورة النمطية التي احتفظوا بها ..وجرت حملة دعائية لمنتج جديد باسم جديد سمي "الربيع العربي" الديمقراطي ..
والأهم من ذلك أن هذه التنظيمات قررت بعد اجرائها المراجعة الكبرى أخيرا التسليم والاعتراف بأن مرحلة الوصول الى السلطة لن تتم الا عبر المرور بالموافقة الغربية وبالتحديد الامريكية..وكان لابد من ثمن والدلائل تشير الى ان ثمنا ما قد تم تسديده أو الاتفاق عليه ..وهذا ماسنتحدث عنه لاحقا..
الخطاب الاسلامي الحديث يستعمل كل أدوات العملية الانتخابية المراوغة فهو بالرغم من انطلاق ثورجيته من المساجد وفي يوم الجمعة تحديدا وبالرغم من استعماله النداءات الدينية والجهادية فانه حريص جدا على أن يستعمل الكلمات الرقيقة التي قامت من اجلها الثورة الفرنسية والبلشفية وهي الحرية والعدالة والمساواة للجميع .. وأضاف اليها حديثا كلمة وشعار "الديمقراطية" لدغدغة المشاعر الغربية التي تعتز بملكيتها الفكرية والانسانية لهذا المصطلح ..والديمقراطية تعتبر آخر صيحات الثورات التي تمنحها صك البراءة وبطاقة المرور الى الاعلام الغربي .. فلا يستطيع معترض أو ناقد لهذه الثورات أن يرفض طلبها بممارسة الديمقراطية والحرية..ويصر المتظاهرون فيها على حمل اللافتات ذات البعد العاطفي التحرري الديمقراطي رغم أنهم يحملون السلاح أيضا تحت ثيابهم..
وانتهج الخطاب الاسلامي الجديد مبدأ تطبيق فكرة الهولوكوست .. وبدت التجربة مفيدة جدا ..فبدل استعراض القوة الاسلامية التي كان الرعيل الاول يباهي بها ويصر على اظهار بأسها وقوتها واعتدادها بنفسها ونأيها عن الخضوع والذل، والمباهاة باستشهاد الأبطال انتقل الاسلاميون الجدد الى تكتيك الهولوكوست أي الى استدرار عطف الجمهور وسياسة البكائيات المباشرة .. وفي تجربة الهولوكوست لوحظ أن المحرقة لم يتم تصويرها بوثائق وأفلام حقيقية بل ان كلمة هولوكوست لم تظهر الى الوجود الا في نهاية الستينات لذلك تمت عملية تصنيع الوعي عبر مشاهد سينمائية من خلال مئات الأفلام وجوائز الأوسكار التي جعلت منها شيئا من التراث الانساني وكأنه لامفر منه .. وبالطبع فان عملية استعطاف الاقوياء والرأي العام كانت عمادا اساسيا ناجحا في ترويج ضرورة تفهم أمن اسرائيل والنظر بتفهم الى عنف اسرائيل والاغداق عليها بالصفح والغفران..والعيون العمياء عن وحشيتها..
وقد التقط الاسلاميون الفكرة التي قدمت لهم كنصيحة مخلصة وبدا أن هوليوود كانت جاهزة عبر استوديوهات الجزيرة والعربية لتسويق هولوكوست مصغّر ومن خلال مكاتب اعلامية تعمل لايصال الدم الى كل العيون ولاستحضار العطف من المشاهدين وتحريض المحايدين على اللاحياد ..وماتم كشفه من تزوير ومشاهد هوليوودية على يد ثورجية سوريا كان بداية الكشف عن هذا التكتيك..وللأسف فان التكتيك بدئ به بنجاح في كل الثورات العربية وبالذات في ليبيا التي لم نكتشف عملية التزوير الا متأخرين عندما كشفت صحفية بريطانية كانت في ليبيا أن الجزيرة وأخواتها اعلنت عن سقوط 6000 قتيل في ايام قليلة فيما كان عدد الضحايا لايتجاوز250 بسبب الاشتباكات .. وبالطبع لانزال لانعرف الجهات التي اطلقت النار عليهم ولاتزال أسرار تلك المرحلة مغيبة لصالح الثوار ..ولو ان الكلام بدأ يشير الى تورط جهة ثالثة في القتل لاطلاق مبررات الثورة..ومبررات المجزرة الكبرى في تحرير ليبيا..
وفي ثنايا الثورة السورية الاسلامية يلاحظ أنه بخلاف خطاب الاخوان المسلمين في الثمانينات الذي اتصف بالصلف والمكابرة واطلاق بيانات عسكرية تحدثت عن مقاتلين استشهدوا في معارك مع (كلاب النظام) فان التكتيك الجديد اعتمد على العكس من ذلك تماما وهو الظهور بمظهر الضحية الضعيفة التي تذبح من غير ذنب ولامقاومة ولايكون لها ردة فعل سوى الصبر والبكاء والدعاء لله والشكوى لذوي الضمير والمجتمع الدولي .. بل واتبعت أساليب في غاية الخبث عن طريق الحديث عن مقابر جماعية (مصطلح هولوكوست لم يسمح لها باستعماله لأنه مصطلح له قداسته وخصص لليهود واكتفي بترويج مصطلح القبور الجماعية لتقريب الذاكرة الغربية من أعمال صدام حسين) ..وتبين أن الثورة السورية كانت تستعمل ضحايا الخصم لدفنهم وتصويرهم على انهم ضحايا الجيش والسلطة (عملية جسر الشغور) ..وحتى هذه اللحظة رفضت جهات الثورة قاطبة وكل أعضائها الاعتراف بأية عملية عنفية بل وصادرت أرقام شهداء الجيش والشرطة عنوة واضافتهم الى رصيدها من الضحايا في عملية سطو وسرقة حتى للضحية والجثامين ..والأسماء ..وسوقتهم على أنهم ضحايا النظام
ومن يقرأ أدبيات الثورجيين الاسلاميين يعتقد أنهم كانوا شركاء في نداء حقوق الانسان الذي أطلقه الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون بعد الحرب العالمية الأولى ..وهم يطلقون معسول الكلام ويهدئون الجميع من القلقين من العلمانيين والأقليات من أن وصولهم الى السلطة سينعكس خيرا على العلمانية والأقليات ..وأن الأنظمة القمعية هي التي شيطنت الاسلاميين وقد أضفت عليهم سمعة رهيبة مشينة لتبرير عنفها ضدهم ..وأن الشرق -ان وصل الاسلاميون للسلطة- سيتنفس التسامح من أفواههم ويرضع المحبة من أثداء الحركات الاسلامية الحاكمة وسيأكل من بيادر الوطن الاسلامي السخي المعطاء..
ومايثير الريبة من هؤلاء الاسلاميين هو تلك الصفقة التي تمت في الخفاء مع الغرب لمنحهم بطاقة العبور الى السلطة .. فالغرب الذي أقام الدنيا وأقعدها من الاسلاميين والمهاجرين ويرفض حتى الحجاب والمآذن في بلدانه ابتسم لهؤلاء الاسلاميين وربت على ظهورهم حتى أن أحد الوزراء البريطانيين في حديثه على ال بي بي سي طمأن مشاهديه البريطانيين من أن الاسلاميين في سوريا هم اسلاميون معتدلون ولامبرر للخوف منهم .. كما أن الدعم الكبير الذي لقيه اسلاميو سوريا من رعاية مباشرة يومية من ادارة اوباما وزيارات السفير روبرت فورد الميدانية الى معاقل الثورة الدينية تدل على ان الاسلاميين قد قبلوا الصفقة وتم الاعتراف بهم أخيرا.. اعتراف غربي يثر الريبة والحذر الشديد لأن الغرب نفسه لايزال مصرا على تصنيف حماس وحزب الله كحركات اسلامية ارهابية رغم أن كلتا الحركتين لم تصلا الى السلطة بالسلاح ولابالثورات بل عبر صناديق الاقتراع .. أما الثورات العربية الاسلامية وعنفها الفاقع فهو مرحب به..
يخطئ كثيرا من يعتقد أن الغرب هو من أجرى مراجعة لأنه مهزوم من تقدم الاسلام السياسي وأنه هو من قام باعادة النظر بالاسلاميين من باب قبول الأمر الواقع ..ويخطئ أكثر من يعتقد أن الغرب مرهق من التعامل مع الاشكال الاسلامي وأنه قرر التسليم لهم مقابل صفقة عادية تسلم لهم السلطة بمقتضاها مقابل الأمان لاسرائيل ..
في الغرب لايخرج قرار اعتباطي قبل موافقة مؤسسات كبرى عليه استخبارية ومعاهد أبحاث .. والمؤسسات الكبرى وجدت أن اسلام جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والخميني له مساوئ ومضار جمة.. وأن عملية مواجهة الاسلام الثوري لاتتم عبر مواجهته -ليس بسبب الكلفة فقط - بل بسبب توفر البدائل الأفضل خاصة أن هناك مبدأ في السياسة الأمريكية وضعه هنري كيسنجر يقول: ماتستطيع تقطيعه بالملعقة لاتقطعه بالسكين!! وهناك مبدأ آخر يقول "لن تروض الجواد حتى تعتلي ظهره" .. ولذلك لابد من ركوب هذا الاسلام .. ومن ثم قيادته بلجام قوي بالاتجاه وبالسرعة التي نريدها..وأنت على ظهره..
الغرب كان يدرك المرارة التي يحسها الاسلاميون من نكساتهم وهزائمهم وكانت لديه كل المعطيات أن الاسلاميين قد نضجت جلودهم وكسرت عزيمتهم وأنهم بحاجة ماسة شديدة للوصول الى السلطة لاثبات أن لديهم نظرية صحيحة حول قيادة الدولة وقيادة المجتمع .. وكانت قنوات الاتصال معهم قد فتحت بهدوء منذ التسعينات وظهرت الاشارة بتجريبهم عبر السماح لأول هذه الطلائع الاسلامية الجديدة بالمرور الى السلطة في تركيا دون تدخل الجيش فظهر أردوغان وحزب العدالة الذي رأى بأم عينه كيف ان المؤسس الروحي للحركة الاسلامية نجم الدين أربكان قد أزيح بليل بواسطة الجيش لانه لم يقدم الثمن .. وأنه لم يقدم على مراجعة تكتيكات الحركات الاسلامية بشكل كلي وبالذات من حيث المقايضات.. وبالطبع كان أردوغان الرجل الذي يعرف كيف يفاوض ..ويدفع الثمن..ويراجع التكتيكات..ويقايض..
سذاجة الحركات الاسلامية تستدعي الشفقة لأنها تعتقد انها تقوم بعملية خدعة كبرى وتمويه على مبدأ(الحرب خدعة)..وانها ستأكل بعقول الغربيين حلاوة لأنها بعد تسلمها للسلطة ستمكن لنفسها في المجتمع والسلطة ثم تنطلق لتخلع الأثواب الضيقة التي ارتدتها وتلقي بالشعارات المستوردة وتبني لنفسها الدولة الاسلامية ودولة الخلافة..وتصبح قوة مستقلة تفاوض من تريد وتملي ارادتها على من تريد..كما فعل أردوغان..ويغيب عن هذه الحركات أن أردوغان نفسه ليس مستقلا وأنه لم يجرؤ على تحرير تركيا من حلف الناتو ولا على اعادة الحروف العربية القرآنية للغة التركية بل وأجبر على تغير أحكام قضائية شرعية اسلامية في عملية تشبه عملية اعدام كاملة وذبح لآيات قرآنية..من الوريد الى الوريد..وسماها الغربيون سخرية عملية (ختان القرآن)..هذه السذاجة والطفولة السياسية هي سمة الاسلاميين الجدد الذين ضيعوا ماأنجزه الرواد الأوائل للحركة الاسلامية من سمعة التمسك بالمبدأ والمجاهرة به والثقة بنصر الله ودين الاسلام والثقة بما لدى الثوار من امكانات وتأييد الله لهم .. (لاتحزن ان الله معنا) ..
والغاية الرئيسية من اطلاق الحركات الاسلامية المحمولة على جناح الربيع العربي هو كسر الحركات الاسلامية التي وصلت الى السلطة بالانتخاب أو هي متحالفة مع السلطة وتسير بالاتجاه المعاكس في المنطقة وبالذات بالعقلية الجهادية ضد الغرب واسرائيل (ايران وحزب الله وحماس) وهي في غنى عن المساومات بسبب امتلاكها السلطة..
وبالطبع هناك غاية أخرى أشد خبثا وهي اعادة انتاج الصراع الداخلي في المجتمعات العربية التي بدأت رحلة مابعد الاستقلال بوصول القوى العلمانية للسلطة وانشغالها بالصراع مع القوى الأخرى الداخلية لاسيما الاسلامية ..وبعد انهاكها في الصراع وانتهائه لصالح السلطة تنتهي مرحلة الاستقلال لتبدأ عملية ايصال الاسلاميين الى السلطة ليخوضوا النزاع بالاتجاه المعاكس مع القوى العلمانية وهم على عرش السلطة .. أي تدوير الصراع الداخلي لأن الاسلاميين سيصلون الى الحكم بثورة ولن يتركوه الا بثورة مهما تشدقوا بصناديق الانتخاب فالفتاوى قادرة على اغلاق أكبر صندوق انتخاب في العالم .. وهذه الجدلية ستجعلهم يعيشون نفس جدلية القوى العلمانية جميعا التي وصلت بثورة وتوجست من أعداء الثورة ولاتريد الرحيل الا بثورة ..
ومن هنا ياتي الرفض القاطع لمشروع الاصلاح الذي اطلقته الدولة السورية للخروج من هذا الصراع ومن هذه المعادلة القاتلة لأن المشروع الاصلاحي يحمل معه كسر هذه المعادلة التي تقول ان الثورة لاتنتهي الا بثورة مضادة ..والانقلابيون لاينتهون الا بانقلاب .. معادلة يعمل السوريون بجد مع الرئيس بشار الأسد على نزع مساميرها والغامها بعملية اصلاح "ثورية" في المجتمع السوري .. ولكن لايراد لها أن تنجح..وتعمل قوى غربية كثيرة على احلال ثورة اسلامية محل ثورة البعث..بالثورة العنيفة...لتدور عجلة التغيير الثوري وتدوير الصراع ..واعادة توجيه البنادق والطاقة نحو الخصم الداخلي العلماني الذي سيعد لثورته مهما طال الزمن..ويعيش من في السلطة هواجس الانقلاب والرحيل بالثورة فيسود الاستبداد من جديد..
ومايثير الاستغراب هو أن التيارات الاسلامية هي اشد الحركات السياسية في العالم اختراقا .. ولم يتم اطلاق سراحها ومنحها تذكرة مرور الى السلطة الا بعد تحميلها بكل امكانيات المراقبة والرصد والتحكم ..ولدى أجهزة المخابرات الغربية امكانية التلاعب بها بأجهزة تحكم رئيسية ولديها القدرة الكاملة على التشويش عليها ولديها أزرار جاهزة للعمل (جمهور من المفتين مثل القرضاوي والعرعور وطارق رمضان وجيل كامل تم تجنيده وترويضه ينتظر الاشارة)..
أما كيف أن هذه الحركات الاسلامية مخترقة جدا ومتحكم بها فمثالها مالقيه أحد زعمائها الروحيين من مصير وهو الشيخ عبد الله عزام وهو فلسطيني كان يقيم في الأردن لكنه تفرغ لتحرير أفغانستان وقدمت له كل التسهيلات لدعم الجهاد ضد الروس الى أن تم التحرير.. فظهر الشقاق بينه وبين الشيخ أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.. ففيما ارتأى الظواهري الانتقال لحرب أمريكا والأنظمة العربية رأى عزام أن الأولوية الآن لفلسطين وعندما بدأ بتدريب مجموعات المقاتلين للانضمام لحركة تحرير فلسطين (كما قيل) احتدم الخلاف حتى أن الظواهري قد رفض الصلاة خلفه بل وتم سب عزام على المنبرمن أنصار الظواهري ... وماهي الا فترة قصيرة حتى تمت تصفية عبد الله عزام مع ولديه ..بعبوة ناسفة لم يعرف حتى الآن مدبرها..
أي الشيخ عبد الله عزام اعتقد أنه ضحك على الامريكيين فتعاون مع مشروعهم ضد الروس لسنوات ولما بدأ مشروعه ..أرسلوه الى الرقيب الأعلى وانتهت مهمته بعبوة ناسفة.. وأعطي بعدها الظواهري وبن لادن المجال لاطلاق مشروعهما ..تحت الرقابة الصارمة ..والأيام تدل على ذلك..
أحد الاسلاميين الذين اعتقلوا في الأردن وكتب مذكراته عند تعاونه مع مجموعة أبو مصعب الزرقاوي في الأردن قبل انطلاقها الى العراق قال بأنه أدرك وصار على يقين من أن المجموعات الاسلامية مخترقة بشدة عندما دعي لاجتماع مع المجاهدين فحضر فوجد أكثر من عشرين شخصا لايعرف عنهم شيئا وبعد ذلك تم ادخال أكياس مليئة بالذخيرة والقنابل أمام هذا الحشد الذي لايعرف بعضه ..وعلم يومها علم اليقين أن التنظيم مراقب الى أبعد الحدود ومضبوط بقوة ما تسيطر عليه ..
الاثمان التي قبل الاسلاميون بدفعها محدودة كما يعتقدون لكنها كل شيء ..لاذكر لفلسطين في الادبيات..ولالاسرائيل ..وهناك احياء لفلسفة السلام مع العدو لتحل محلها فلسفة تطهير الجسم الاسلامي..وانتقال الاسلام الى المرحلة التبشيرية بعد انتهاء المرحلة الجهادية ..اثمان قد لانعرفها الآن ولكن المستقبل القريب سيكشفها ..
وتحضرني هنا كلمات أحد قادة الثوار الاريتريين الذين التقيتهم يوما وقال لي: لقد قاتلنا سنوات طويلة لتحرير اريترية دون احراز تقدم كبير ..وفي احد الأيام وصل الينا وفد غربي وطلب لقاءنا وفوجئنا به يعرض علينا الاستقلال مقابل ثمن بسيط بدل هذا الكر والفر ..وكان الطلب ببساطة هو أن تكون السلطة بيد الأقلية الدينية اللااسلامية في اريترية التي لاتتجاوز نسبتها 15 % ..وعندما قبلنا حصلنا على الاستقلال خلال 3 أشهر..وظهر أسياس أفورقي رئيسا لاريترية ..
اذا كان الاستقلال يمنح بثمن هو التنازل عن السلطة .. فحري بالسلطة أن يكون لها ثمن من الاستقلال أيها الاسلاميون الثورجيون ..أي ماقاله الغرب للثورجيين الاسلاميين هو بالضبط: