المجموعة الثالثة من مقالات نارام سرجون

أخبار عاجلة عن احتضار أحد المعمرين الكبار في الشرق

 

ضوء اينشتاين وتفاحة نيوتن ينضمان للثورة السورية

 

بقعة ضوء: طفولة نهر ..من قطر

المعادلات الخوارزمية للعدد "ثلاثة" من لوغاريتمات حمد بن خليفة

أردوغان على خطى جنبلاط .. وخطة روسية عاجلة لاحتواء تركيا

نبوءات ... من حقائب الاسرار

الناسخ والمنسوخ... والممسوخ في الثورة السورية

تفخيخ الاسلام بصكوك الغفران .. القرضاوي وأوهام ظل الاله

تركيا.. نيبال الشرق الأوسط.. كيف تسقط السماء على الأرض..؟

عندما تنزف سورية ... بين الوطنية والوثنية

هل يستحق رفيق نصرالله الجنسية السورية .

الجيش السوري في معامل الجزيرة بين الانشقاق والانشطار والانفطار

كيف نميز الثورة عن المؤامرة؟

ايها السوريون ان الشمس تشرق من الجنوب، هلموا الى الحرب

عذابات الجزيرة في نادي الميركافا بانتظار الربيع العربي

البنادق والبيادق .. حماس ياوردة سوداء في دمي

غليون الخامس عشر أم مومياء "توت عنخ غليون

كيف تحولت المعارضة السورية إلى مومس ترقص على جراح الوطن

الحسناء السورية والوحش .. الأساطير تهاجم الأساطير بالسواطير التلمودية

على طاولة القمار .. قدود حلبية وخازوق من جبل الشيخ الى مشهد

-----------------------------------------------------------------------------------------------------

 

أخبار عاجلة عن احتضار أحد المعمرين الكبار في الشرق بقلم

 , October 7, 2011 ·

استعدوا أيها الاصدقاء لحدثين قادمين أحدهما حزين والآخر بهيج ..الحدث الأول هو وفاة معمّر مسنّ عاش طويلا بيننا ..والحدث الثاني هو أن مولودا جديدا ستضعه أمه قريبا وسيكون له شأن عظيم في هذا العالم ..وماعلينا الا أن نختار له اسمه..

بالطبع الوطنيون السوريون سيقرؤون الكلمات التالية لهذه المقدمة بشغف متمنين ان يكون المتوفى القادم الذي يحزم حقائب الحياة وينهض عن مائدة العمر "دون أن يشبع" هو الملك السعودي أبو متعب مثلا الذي بلغ من العمر عتيا .. أو أن يكون المسافر الى العالم الآخر هو الأستاذ هيثم المالح الذي بدأ يعاني مايعانيه من أعراض الشيخوخة ومتاعب الذاكرة وشقاء الأوهام والتخيلات ..أو أن من سيشد الرحال لملاقاة وجه ربه هو الاستاذ رياض الشقفة الذي صار يكتب الوصايا ويترك الأمانات عند أصدقائه وأعزائه وأحبته .. أو أن من سيودع هذه الدنيا الفانية آسفا ومقهورا وهو يشهق بدمع الفراق هو مفتي قاعدة العيديد ونفّاث الدم الشيخ يوسف القرضاوي الذي تسيل من فمه الفتاوى رطبة مبللة بلعابه ورذاذه الذي لايقدر على ضبطه - لتقدم سنه - ناهيك عن عدم ضبطه "أشياءه الأخرى" ..

 

وربما يتمنى البعض أن يكون هذا الراحل القادم هو شيمون بيريز الذي منذ أن ولد على هذا الكوكب ونحن ندفع من حياتنا واستقرارنا ومستقبلنا ..وعسى رحيل هذا الثعلب العجوز يريحنا ..وسيكون هذا الحدث على عكس الطبيعة مثيرا للبهجة..

 

أما من يتمنون أن يكون عدنان العرعور هو المقصود فيجادلون أنه معمر ويخفي بياض لحيته بالأصباغ ..حيث أن جنونه باللحم المتطاير بين الناس يعكس تطاير أفكار المسنين المعتوهين الذين أرهقهم الزمن وناء كلكلهم تحت وطأة العمر..وذوى العقل وذبلت الرحمة لجفاف الدماغ ويباسه ويبابه.. وسيسرع متحمسون لتذكيرنا بالأستاذ حسن عبد العظيم الذي تناديه السماء نداء أخيرا والذي أسرع السفير الأمريكي للقائه وزيارته قبل أن يرحل ويترك السيد فورد في حيص بيص من غير تكليف بالضربة الجوية..

ورغم أنني قلت ان الراحل معمّر ومسن فان البعض سيتمنى أن يكون الحديث عن أمير قطر أو عن حذائه الذي بلي عزمي بشارة أو عن السلطان أردوغان ..وسيتحسر الغاضبون من برهان غليون ان الخبر عن مسن عجوز وليس عن كهل متقاعد، ويتوقعون أن نقل الخبر كان خاطئا وأنه يقصد من ابيضّ شعره ويعيش في باريس .. فيما سيحس آخرون بالأسف الشديد أن الخبر ينحصر في المسنين وهذا مايعني عدم شمول الأعمار الصغيرة والصبية والأطفال في لبنان ..وبالذات الولد الطائش سعد الحريري..

وبالطبع سيحاول المعارضون هرش رؤوسهم وتخمين اسم الشخص الذي سيريح ويرتاح وسيؤدون صلاة استسقاء الموت لخصومهم في يوم جمعة تسمى جمعة استسقاء الموت .. وقد يتمنون أن يكون الشيخ الجليل محمد سعيد رمضان البوطي هو الذي سيعتلي راحلة الرحيل..أو أن يكون الامام آية الله علي أكبر الخامنئي هو الذي سيودع هذه الدنيا ويلتحق بالامام الثائر الخميني..

 

لن أطيل التخمين عليكم ..ولن نطلب الا الرحمة "للمؤمنين" من الجميع كبشر مهما كانوا مختلفين عنا..ولن نكون ممتلئين بالحقد والسم كما غيرنا  

وسأقول اننا بالأمس فقط عرفنا نبأ اقتراب اعلان الوفاة ونبأ الميلاد ..من نيويورك ..ومن قاعة مجلس الأمن .. نبأ وفاة آخر سلالات الشرق الأوسط وآخر أحفاد الثورة العربية الكبرى وآخر أبناء سايكس-بيكو.. وأعني "الشرق الأوسط القديم"..وقد أعلن ذلك السفير الروسي والسفير الصيني الى مجلس الأمن اللذين رفعا يديهما في اشارة لانطلاق العد التنازلي لصعود روح المحتضر فيما كان ممثل سوريا بشار الجعفري مشغولا بتحضير الكفن ..وتلاوة النعوة..

 

نعم، الشرق الأوسط القديم مات من بعد طول العمر مثلما مات "الجبلاوي" من بعد طول العمر في رواية "أولاد حارتنا" للروائي المصري نجيب محفوظ... ولمن يفهم في لغة ألعاب الكومبيوتر فقد ظهرت عبارة "ذا غيم از أوفر" ..ولمن يفهم لغة البطاريات فقد ظهرت عبارة (باتاري فيليار..ريتشارج باتاري)..الشرق الأوسط القديم مات؟ و..ياأيتها النفس المطمئنة، ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ..صدق الله العظيم

 

الشرق الأوسط الجديد تقررت الآن صياغته من جديد والصاغة الجدد الذين يصممون الخريطة الجديدة للقوى الجديدة هم الصين وروسيا وايران وسوريا..والعراق سينضم مع لبنان الى التكوين الجديد.. كانت سوريا هي نقطة الاحنكاك الرئيسية بين قوى العالم وكانت مركز الكون خلال الأشهر السابقة دون أن ندري تماما ..تتطاحن الدول والارادات للفوز بهذه البقعة التي صارت نقطة الوصل بين الماضي والمستقبل وصارت "الالدورادو" ذاتها ..لأن من لا يمسك سوريا لن يتمكن من الامساك بالشرق الأوسط الجديد .. ومن لايمسك بالشرق الجديد ستنزلق يده عن صولجان العالم ..

 

الصين وروسيا قوتان تعرفان أن الغرب قد اقترب من "قلب العالم" ..فكان يجب أن يقال له كفى ..الى هنا وفقط. ومن يعرف في الشأن السياسي يعرف ماذا يعني أن ترفع دولتان الفيتو على قرار واحد..فمجلس الأمن لايناقش قرارا الا بعد اشباعه بالنقاش والتحالفات والسمسرات في الكواليس .. ومن المعروف أن الدول خلف الكواليس تتفق على من سيعترض ومن سيمتنع عن التصويت لضمان النتائج ..وكان للفيتو المزدوج مهمة الرسالة الواضحة وهو أن الروس والصينيين قرروا اظهار منتهى العنف في الرفض ..وربما نسّق البلدان للفيتو المزدوج من باب اعلان تشاركهما في حماية وتشكيل الشرق الأوسط الجديد الذي قررا قطفه ناضجا مع حليفيهما الايراني والسوري ..

 

ولمن يجادل نقول: ماذا بقي من الشرق الأوسط القديم؟ لاالسعودية سعودية ولامصر هي مصر ولاالعراق هو العراق ولاالخليج هو الخليج ولاقطر هي قطر ولاالسودان هو السودان ولاشمال افريقيا هو شمال افريقيا..المثلثات والمربعات تتكسر وتتحطم وتتمدد بلا منطق..وكذلك مجالس التعاون .. ولاتركيا هي تركيا ولاايران هي ايران ..بل ولااسرائيل هي اسرائيل ..وعرب الخليج صاروا تحت الوصاية المباشرة وثلاثة بلدان عربية محتلة بشكل مباشر (فلسطين والعراق وليبيا) وهناك بلدان يتقسمان هما السودان (تقسم وسيتقسم) ومصر (في طريقها)..

 

وكذلك لمن يجادل، لاالعلاقة السورية التركية بقيت على قيد الحياة ولا العلاقة السورية القطرية ولاالعلاقة السورية السعودية ..وبالطبع العلاقة السورية المصرية لم يطرأ عليها كبير تغيير ..ولنلاحظ هنا أن العامل المشترك في كل هذه المعادلات هي سوريا

أما اسرائيل التي كانت مهابة على عقود فقد صارت مكسورة الهيبة والخاطر حتى انها بدت كمصارع السومو الياباني الضخم تلاعبه تنظيمات صغيرة مثل حزب الله وحماس الجودو والكاراتيه بمهارة ورشاقة وتوقعه أرضا وصارت اسرائيل حريصة جدا على الا يخوض المصارع أي نزال مع لاعب رشيق يافع معه الحزام الأسود ..كي لاتبطح..وتنزلق وتزيد منها السخرية وقلة الاحترام..

الجديد في الشرق هو بروز ايران كقوة غير متوقعة تدخل الحلبات التي تدخلها الولايات المتحدة وتتراقص بقفازات الملاكمين متحدية.. والذي لاجدال فيه أن أحمدي نجاد قد أمسك السلطان أردوغان من ياقته وشده بهدوء وبتصميم بعيدا عن الحلبة السورية التي خلع لها أردوغان (شرواله التركي) ولبس لها سروال المصارعة..ولكن لم يصارع.. ..

 

والجديد أيضا ان سوريا التي استفادت من نجاتها ثلاث مرات (مرة بعد غزو العراق ومرة بعد فخ الحريري ومرة بعد حرب 2006) صارت متمرسة على البقاء والنجاة وهي تعيد مد استطالاتها نحو روسيا والصين وايران ..عبر ديناميكية سورية جديدة تجرب اعادة رسم اتصالات البحار التي اختلطت والخرائط التي "تلخبطت" أو قتلت، قدر ماتستطيع..وهي تهيء مائدة استقبال فخمة لضيفي الشرق الأوسط الجديد الروسي والصيني..

 

الشرق القديم يشبه قطارا قديما تعرض لحادث مروع قرب المحطة السورية عندما أراد التوقف وتناثرت عرباته التركية والقطرية والسعودية والخليجية والمصرية ..وسينطلق الشرق الجديد قطارا حديثا بعربات سورية وايرانية وعراقية ولبنانية..وعمال ومهندسو الصيانة روس وصينيون..

الأمريكيون أدركوا أن الشرق الأوسط الذي أشرف على ولادته لورنس العرب وسايكس بيكو ورباه ورعاه رعيل من القادة الغربيين قد شاخ وتقاعد.. وآن له أن يموت.. لكن حاول الأمريكيون أن يطلقوا على الشرق الأوسط القديم رصاصة الرحمة كي يأخذوا قلبه ويزرعوه لشرق وسط جديد ولد بعضلات ورأس ولكنه كان سيء الحظ وياللأسف، بلا قلب .. ولم تنجح عملية زراعة القلب...وكل السبب هو في بلد اسمه سوريا ..ومدينة متمردة اسمها دمشق والتي صارت عاصمة للرفض.... لأن قلب أي شرق أوسط هو في سوريا..

لقد حاولت قيصريات رايس وبوش اخراج الشرق الاوسط الجديد من رحم حروب ثلاثة في العراق ولبنان وغزة..فلم يخرج المولود رغم كل الشد والضغط والعصر والصراخ ..والدم وسيلان (ماء الرأس) ..لأن المولود كان "ابن حرام" ..أبوه محافظ جديد وأمه معارضة عربية وقوادتها (مستقبل) والحادثة (حادثة الزنا) كانت خلسة على سرير تركي تحت غطاء قطري وعلى وسادة سعودية !!

اللعب الآن صار على المكشوف ..الشرق الأوسط الجديد الذي حاول الأمريكيون استيلاده بسرعة بعملية قيصرية اسمها "الربيع العربي" كان المقصود منها خلط الشعوب والأعراق في مختبر لخلط الخرائط وتغيير طاقم العمل في البلدان والجمهوريات العربية الحليفة واقصاء الدول الملكية المترهلة التي صار الاعتماد عليها غير مجد وغير مقنع .. وصار من الضروري تسليم المنطقة لقيادة جديدة لامصرية ولاسعودية بل ..تركية.. وتركية اسرائيلية تحديدا لانهاء ملفين كبيرين هما فلسطين وايران (وبالتالي الوقوف في وجه العالم من على منصة الشرق الأوسط وهضبته العالية)..اختيرت تركيا واسرائيل بسبب أن قيادتي مصر والسعودية فشلتا في التصدي الفعال لهذين الملفين المعقدين وأثبتتا قلة حيلة وتقدير وترهلا في الأداء على مدى عقود..لاأمل منه

 

المولود الجديد الذي ولد بالأمس في مجلس الأمن بعد وفاة القديم في نفس المجلس سيتشكل من جناحين كبيرين جديدين، الأول سيمتد من ايران الى العراق (بعد رحيل الأمريكان خلال أشهر) الى سوريا ولبنان ..وسيكون طوقه روسيا صينيا ...فيما التحالف الجديد الآخر ستشكله تركيا واسرائيل وسيكون الخليج ومصر والسعوديةمن ملحقاته ..وهنا وعلى ضفاف هذين التحالفين ستتزاحم أكتاف المتصارعين ..

ولذلك سينتقل الأمريكيون للمرحلة الثانية من محاولة اعادة تشكيل الشرق عبر طرق الحلقة الحديدية السورية -أملهم الوحيد- وستكون مهمة المعارضة السورية الآن ابقاء حالة التوتر والاستنزاف الطويل للاقتصاد لأطول فترة ممكنة ..ولذلك ستبقى ميليشيات الاخوان منتشرة في عدة بقع تقوم بعمليات خفيفة لاتؤثر على النظام بل تبقيه في حالة استنفار وتبقي اقتصاده نازفا عبر تردد الاستثمارات وتراجع الفعاليات الاقتصادية والسياحية الى أن يصيبه الانهاك أو يتسلل الملل الى معسكر المؤيدين ويبدأ شق الصفوف بايهام المؤيدين أن الحفاظ على النظام لايستحق هذا العناء وأن الخلاص يكمن في تغيير بسيط في نظام الحكم ..كما أقنع بوش العراقيين أن معاناتهم من الحصار ستزول بزوال صدام حسين فليتركوا المجال للعسكر ليعملوا وبعدها يعود كل شيء كما يشتهي الناس ..وكان ماكان ..

 

السوريون في القيادة السورية يعرفون كيف تتجه اللعبة الآن ولكن لهم مناورتهم وتكتيكهم أيضا .. وهم متمددون بارتياح على طول فصائل المعارضة ومتمددون على جسمها العسكري باختراقات كبيرة..ولولا ذلك لما تمكنت السلطة من التسرب الى كل المدن المليئة بالعصيان والفوضى كما يتسرب الماء واستئصال المتمردين، وسلّهم كما تسلّ الشعرة من العجين ..رغم ان هناك بعض الثغرات الصغيرة التي بقيت يتسلل منها أفراد يمارسون بعض العنف..

 

ولاشك أننا الآن ندخل مرحلة المساومات والمفاوضات خلف الكواليس ..بعض هذه المفاوضات -حسب مسربين - مع عناصر معارضة من المجلس الانتقالي نفسه تتودد للحكم في دمشق بعد ادراكها بحدسها ان اسقاط النظام كان حلما كاذبا وأنها الآن قادرة على بيع موقفها وقبض بعض الأثمان المعقولة من السلطة.. وبعض هذه المساومات أيضا يتسلل من الدوحة ومن أنقرة قادما من واشنطن ..والعارفون بالأسرار يهمسون أن قصر الشعب لاتهدأ حركة الزوار السريين اليه وأن الأيام ستكشف عن حركة بيع للمعارضين بالجملة ووشايات بالأسرار لايصدقها عقل ..واذا ماأنجزت الصفقات وعمليات البيع والشراء فسيكون الربيع العربي قد أرسل تذاكر لقضاء عطلة طويلة لثواره السوريين ..وسيمنح المجلس الانتقالي اجازة مفتوحة ..وتقاعدا مبكرا أو يدخل عنوة في بيات شتوي ..طويل...

 

 

ضوء اينشتاين وتفاحة نيوتن ينضمان للثورة السورية

 

هل تخيلت نفسك تقوم بواجب العزاء وأنت مضطر لاظهار الجد والوجوم، ولكن فيما أنت في مجلس العزاء فاذا بك تسمع حديثا طريفا فلاتقدر على أن تكتم ضحكتك كأن تسمع بأن الراحل مات عن عمر جاوز المئة عام .. وأنت تضطر لقول (البقية في حياتكم) ولكن أية بقية وقد عاش الراحل مئة عام؟؟!! فالرجل التهم كل ماعلى مائدة العمر من أيام ودقائق ..وثوان

هذا هو حالنا مع مانسمع من تحليلات الثورجيين عن انتصاراتهم وعن تسارع وتيرة انهيار النظام السوري بعد كل هذه الهزائم الأخلاقية والسياسية والعسكرية والاقليمية والدولية التي حصدتها الثورة في زمن قياسي
 .. وربما كان من حسن حظ ألبرت اينشتاين (واضع نظرية النسبية) أنه توفي قبل أن تظهر الثورة السورية والا لاستولت الثورة على انجازه العلمي وقالت ان اينشتاين انضم الى الثورة السورية لأنه اكتشف أن هناك ماهو أسرع من الضوء ..ألا وهو سقوط النظام السوري الذي وعدتنا الثورة بسقوطه منذ 365 يوما على أنه واقع لامحالة في اليوم التالي .. ومن حسن حظ اسحاق نيوتن (مكتشف قانون الجاذبية) أن سقطت تفاحة على رأسه بفعل الجاذبية الأرضية قبل ظهور الثورة السورية .. بل ومن حسن حظه أنه رحل قبل ظهور محطة الجزيرة الفضائية والا لكانت قناة الجزيرة الفضائية قد قالت ان ماسقط على رأس نيوتن هو النظام السوري ..وربما الرئيس بشار الأسد نفسه ..

قبل أن أبدأ أقول: سيصاب البعض ممن سيقرأ هذا المقال بالقلق لما فيه من الأخبار السيئة .. وسيصاب البعض بالاكتئاب وقد يضرب شاشة الكومبيوتر بقبضته وهو يلعن الساعة التي قرر فيها الخوض في هذه الكلمات .. فأنا في هذا المقال لا أحمل الا أخبارا سيئة للغاية لمناصري الثورة السورية الذين لاأنصحهم بقراءة هذا المقال .. لأنهم لن يفهموا رسائلي اليهم الا على أنها جزء من الدعاية للنظام .. فكل من يقول لهم الحقيقة هو عميل للنظام رغم أن انتمائي الوحيد هو للشعب السوري
 ورغم أن من يعانق هذه الرسائل يدرك أنها حث على استعمال العقل والمنطق والانتماء الوطني .. وأنا لاتعنيني اتهامات الثورجيين الذين ثبت أنهم منوّمون مغناطيسيا .. ولاتخضع عقولهم الطائرة لقانون الجاذبية الا في حالة السقوط الحر .. سقوط الجيش السوري الحر..الذي سيعطي قانون السقوط الحر اسما جديدا هو "السقوط التكتيكي" ..

لابد من الاشارة الى أن الأحداث لم يعد يمكن فهمها من خلال الاعلام .. بل ان الاستماع الى الاعلام الفضائي العربي والغريي سيقودك حتما الى وضع انعدام الجاذبية والوزن وانعراج الضوء العقلي .. فأنت تسير على الأقمار الصناعية.. حيث انعدام الوزن والعقل والأخلاق .. بل ينطبق عليها القاعدة الشرعية الفقهية القائلة: ماأسكر كثيره فقليله حرام .. والجزيرة توزع مع كل خبر زجاجة من النبيذ الكثيف الذي يسكر بقليل قليله ..لما في أخبارها من الثمل والعربدة الى حد الانفصال عن الواقع تماما كما هو حال السكارى .. مثل ترويج أخبار اقتحام بريد الرئيس الأسد وحياته الخاصة الذي استثمرت فيه الجزيرة والمعارضة وكأنه ويكيليكس في محاولة ساذجة للغاية لاسترداد المكانة والهيبة اللتين حظي بهما الأسد اثر تعثر اسقاطه رغم كل ماألقي عليه من جحيم وشياطين .. وتفعل الجزيرة ذلك باظهار الأسد شخصا شريرا ولامباليا يقتل الناس وهو مشغول في تسوق زوجته ومجوهراتها..ومهزوزا يستجير بالموظفين المحيطين به ويطلب النصح والعون من الجميع ..هكذا عبر الايميل
 ..

وحسب الاعلام العربي صار الرئيس الشاب الذي أمسك بتلابيب الشرق الأوسط وأطاح بايهود أولمرت وعمير بيرتس وضحك من أنصاف الرجال وعباءاتهم وسخر من شيراك وبوش لمدة عشر سنوات، وأمسك أردوغان من ياقته وألقى به خارج البيت السوري كما يلقى المتسولون والطفيليون .. وحلق لأوغلو غرته وشاربيه على الصفر (ليعلمه معنى معادلة الصفر).. صار الأسد بين عشية وضحاها شخصا مهزوزا بسبب عبقرية الثورجية وكاريزما برهان غليون الاسطورية الذي لايمون حتى على بسمة قضماني .. وصار الشاب الذي التقى مئات من مواطنيه وكان ينزل الى الشوارع بلا حماية للاحتكاك بالناس شخصا قاسيا متبلد المشاعر والأحاسيس لايهتم لمعاناتهم ..

وقد أرسل لي أحد الصحفيين الغربيين يتساءل مندهشا: هل فقد القائمون على الحملة الاعلامية ضد الأسد عقولهم أم أنهم يعتقدون أنهم يتعاملون مع جمهور عربي بلا عقل؟؟!! لأن أبسط قواعد تشويه الخصم هي في ذكر بعض الحقائق عنه والتسلل عبرها بالوشايات والتلفيقات ..لكن يبدو أن كاريزما الأسد صارت تخيف القائمين على الجزيرة وصار محرما ذكر أي شيء حقيقي ..بل ان الاعلام الغربي في شيطنة شخصية هتلر يذكر قبل كل شيء قوة شخصيته وقدرته الخطابية وسحره كسياسي محنك .. ان عملية تشويه الأسد بائسة يائسة مسلوقة على عجل وخيالية ..بل وخالية من الدهاء الاعلامي..

ولعل الحديث الذي استدعى التعليقات الطريفة من قبل المراقبين هو اتهام المعارضة للنظام السوري بتدبير تفجيرات دمشق وحلب .. فلم يعد أحد يعبأ بسماع بقية التفسيرات الثورجية لأن ابتلاع فيل صار أسهل من ابتلاع بيانات المعارضة السورية .. وقد أعجبني تعليق أحد الضيوف في برنامج اذاعي فرنسي بأن القبول بمسؤولية النظام عن التفجيرات لتبرير قمعه يعني القبول بتورط الحكومة الأمريكية في أحداث سبتمبر لتبرير احتلال بلدان أخرى ..ويعني تورط حكومات غربية في تفجيرات لندن و مدريد ..للاستفادة منها انتخابيا وفي برامجها ضد الأقليات ...وختم ساخرا ألا تعتقد انه منطق رديء وضعيف للغاية؟؟
 

صارت الثورة ترتكب الحماقات القاتلة فبعد كل ماقيل عن انكشاف تورطها في العنف لاستخدامه لتأليب الرأي العام على النظام يلجأ الثورجيون الى اعادة انتاج نفس اللعبة التي قامت عليها فكرة الثورة كلها والتي صارت مكشوفة بشكل فاقع ساطع معيب .. أي القيام بأعمال العنف والقتل والقاء اللائمة على الأمن لتحريض الناس
 ...وبهذه التلفيقات كان المعارضون يتحركون بسهولة منزلقين على زلاجة هذه الأكاذيب على شاشات العالم بسهولة ويسر ... والتفجيرات الأخيرة نفذت لنفس الغاية من قتل الكثير من المتظاهرين بيد الثورجيين .. فهي تؤدي وظيفة مزدوجة لأنها ستحرج النظام وتستعمل أيضا لزيادة تلويث سمعته باتهامه باقترافها.

سيخطئ الثورجيون كثيرا ان اعتقدوا أنهم فاجؤونا بتفجيرات دمشق وحلب الأخيرة .. فالتفجيرات هي ماكان متوقعا جدا من خلال رسائل رياض الاسعد "التكتيكي" والقرضاوي التي بدت بيانات تعد بالنصر وبالعمل الكبير والذي بات واضحا أن المقصود به لملمة معنويات الثورجيين بعد شتاتها المثير للقلق اثر معركة بابا عمرو التي قسمت الثورة الى مرحلتين هما ماقبل بابا عمرو (ق.ب) ومابعد بابا عمرو (ب.ب) ..

والثابت أن المعلومات التي وصلت من محيط رياض الأسعد
 التكتيكي تقول انه غالبا لايعرف أي شيء عن الأخبار الكبيرة التي وعد بها لأنه كان ينقل ماأمر بقراءته من قبل موفد استخباراتي وأنه لم يحط بأية تفاصيل وعمله كان اذاعيا خالصا .. وما نعرفه أكثر أن المعارضة صارت بأمس الحاجة الى انجاز نفسي ومعنوي بعد انهيار قلاعها في حمص وادلب وسياسة الانسحابات التكتيكية .. وصرنا في الحسابات المنطقية نتوقع هجوما له طابع التأثير النفسي دون أن يكون له أثر على الأرض ..وقد وضعت عدة احتمالات على التحرك المقبل لمحور الشر الغربي العربي ووصلت الاستنتاجات الى أن أقصى مايمكن احرازه حاليا هو القيام بتحركات استعراضية لاتوصف الا على أنها "تحركات تكتيكية" لا قيمة عملياتية لها كتعويض عن الفشل العسكري الذريع .. وكان الاحتمال الأقرب هو اللجوء الى خيار التفجيرات التي تعرف على أنها أقل أنواع المواجهة بل هي اعتراف مباشر أن الخصم يمسك بالأرض بقوة وأن مواجهته صارت مستحيلة .. والتفجيرات لاتستطيع أن تغير في الواقع والحقائق على الأرض شيئا في حالات النزاع الداخلي.. ولو كانت التفجيرات تغير واقعا داخليا وتسقط أنظمة لتمكن 4000 تفجير في العراق من اسقاط حكومة المالكي .. وسبب الميل لتوقع التفجيرات في هذه المرحلة هو أن القوى التي تخسر الأرض لاتقدر الا على أعمال التفجير التي لاتغير في صراع داخلي كثيرا... وتبقى الحالة الفلسطينية مختلفة لأنها صراع بين طرف وافد من الخارج وطرف مقيم على أرضه .. والتفجيرات كانت معادلة هامة لايقاف الاستيطان والهجرة الى فلسطين كما حدث ابان انتفاضة الأقصى..

في تحليل مواقع التفجير والأهداف نتوصل الى ملاحظة مهمة وهي أن هذا النوع من التفجيرات يقع في محيط مراكز أمنية لم يعد بالامكان اختراق حواجزها والوصول الى أعماقها ..ومايحدث هو تدمير للمداخل والواجهات لتلك الأبنية والعمارات المدنية القريبة ..ومن يمر مثلا بعقدة دوار الجمارك في دمشق يعرف أن المتاريس والخرسانات الموضوعة لايمكن اختراقها وأن أي تفجير انتحاري سينال من المارة والعابرين وليس من ضباط الأمن لكنه سيجعل الحالمين بالنصر يهللون لأن الانتحاري وصل الى حائط الخرسانات والحواجز وقتل المارة والعابرين والجيران وسجل نقطة على النظام ..انه تعلق بالرمزية وطواحين الهواء وليس له أي أثر عسكري..

في تفسير التفجيرات يتفق جميع الخبراء المعتد بآرائهم الذين يقرؤون في الحدث السوري أن التفجيرات عبثية ولكن لايتفقون كثيرا على توصيفها بالافلاس بل يضعونها في اطار "سباق مع الزمن" وتكرارها ليس مستبعدا .. والرأي الذي تم الاتفاق عليه هو أن الثورة لجأت الى ذلك الخيار لانها لم تعد في حال جيدة على عدة مستويات .. وهي في ضائقة زمنية خطيرة ..لأن السياسات الدولية لاتستطيع مسايرة "الثورات الداخلية" طويلة الأمد التي لها تشابكاتها الخارجية المعقدة مثل الحالة السورية .. والسياسات الدولية لاتتمتع بالصبر الكبير لأن لها حساباتها.. فهناك صناديق اقتراع مثلا في باريس وواشنطن ولابد من انجاز الاستحقاقات قبل الانتخابات .. خاصة أن وسطاء غربيين من الأحزاب والشخصيات المتنافسة تحاول استغلال الاحباط الفرنسي والأمريكي في سورية من أجل استعماله كمنصة للوصول الى الفوز بالانتخابات .. وهذه حقيقة ربما بدأت بالتكشف من أن أطرافا راغبة بالوصول الى السلطة في فرنسا تحديدا على أكتاف هزائم ساركوزي وتريد تبديد التوتر في العلاقات مع محور الصين وروسيا ليتوازن مع المحور الأنغلوساكسوني وهناك بعض اليقظة للديغوليين الذين يريدون الخروج من محور العم سام .. وخصوم ساركوزي على اختلاف مشاربهم بدؤوا يحضرون أنفسهم لخلافته بمعادلاتهم الجديدة التي تتضمن الشرق الاوسط بمحوره التقليدي القوي السوري الايراني .. ومن دون معادلة الثورة السورية أو برهان غليون .. وهناك دعابة سياسية تقول: ان ساركوزي انقلب على شيراك في سورية أما خليفة ساركوزي فسينقلب على ساركوزي في سورية .. وخلال أشهر قليلة ستفقد الثورة نصيرا وأبا حنونا وستخلق فجوة في الصف المحاصر للشعب السوري ..والرسائل الفرنسية السرية الى دمشق من معسكر المعارضة الفرنسية تؤكد أن مصير ساكن الاليزيه قد قررته معركة باباعمرو دون مبالغة ..وتطلب شد الخناق على الثورة ليختنق ساركوزي بفشل أكبر خياراته السياسية الخارجية ليساعدها ذلك في تحقيق الانقلاب الانتخابي,

 

بقعة ضوء: طفولة نهر ..من قطر

30 أغسطس، 2011‏، الساعة 08:34 صباحاً‏ ·‏

بقعة ضوء: طفولة نهر ..من قطر بقلم نارام سرجون

يقال ان الشاعر السوري نزار قباني أرسل يوما قصيدته الجديدة "طفولة نهد" الى الاستاذ أحمد حسن الزيات رئيس تحرير مجلة الرسالة وهومن رجال النهضة الثقافية في مصر الذين كانت لهم ميول أزهرية بحكم دراسته في الأزهر الشريف...وعندما قرأ الزيات عنوان القصيدة شهق وقال: الله الله الله الله طفولة نهد؟ ..نهد؟!! ..كده حتة واحدة؟ لااله الا الله..

وقد عدل الزيات في العنوان حرفا واحدا ليبتعد عن الاباحية في قصيدة نزار

وفي اليوم التالي نشرت القصيدة الجديدة للشاعر نزار قباني بعنوان "قصيدة نهر" ..!! وقد غضب نزار قباني كثيرا وقال محتجا: من سيقرأ هذا العنوان سيعتقد أنها درس في الجغرافيا وعن نهر في الأمازون مثل الميسيسيبي ..

 

الطريف أن حمد وموزة فكرا في اصدار مذكراتهما مستلهمين من كلمات نزار ..فكتب حمد مذكراته بعنوان "طفولة حمد" ...وكتب في الاهداء قصيدة الى موزة استوحى عنوانها من رائعة بيتهوفن (فور اليز – أي من أجلك يا اليز) وعنوانها "من أجلك يا موزة"

وبالطبع عرضت المخطوطات على المفكر العربي عزمي بشارة الذي ارتأى أن العناوين يجب "تثويرها" وقال لحمد: ألا تذكر ان نزار قباني قال في قصيدة "وبر الكشمير": هذا عصر الثورة والتغيير؟ وأنت الآن قائد هذا العصر ياشيخ..ولذلك أقترح أن تكتب عنوانا ثوريا وواقعيا في نفس الوقت ...مثلا "طفولة كرش" ..أو مثلا "طفولة كركدن" أو مثلا "ثورة على المعدة"..وبالنسبة للاهداء "من أجلك يا موزة" ..فيها شوية قلّة شاعرية وقلة ثورية ..اكتب عنوان فيه موسيقا سيمفونية مثلا "من أجل الموز..أحبك يالوز" ..أو "في قلبي فورة الكازوزة..وحب موزة المزموزة"" ..

ووافق الشيخ على عنوان "طفولة كرش" لأنه كما قال –حفظه الله ورعاه- يعكس شخصيته وقناعته في الحياة ..وبعد عرض المذكرات على المفتي القرضاوي قال الأخير بوقاره المعهود: لابأس أيها الاخوة طالما ليست هناك خلاعة والعياذ بالله مثل خلاعة هذا.. ال.. ال.. ال..الكافر نزار قباني لعنه الله ..الذي كان يكتب عن النهووووود .. والفروووووج .. والجميلااااااااات .. ووبر العاريااااات ..والبطووووون والأفخااااااااذ ..والحشيييييييييش والخمر ...ثم بلع الشيخ ريقه وقال: لعنه الله من زنديق كلما قرأته أحسست بالشباب

 

يتدفق في عروقي كأني أرى فيلما اباحيا مثل أيام زمان..

وبعثت مذكرات الشيخ حمد لصحيفة أورشليم (القدس العربي) لنشرها حيث صاحبهم عبد الباري عطوان الذي كان منهمكا في حديث ناري عن الثوار السوريين على فضائية الجزيرة ..ولما وصلته المذكرات قرأها وقال للمحرر الذي عرضها عليه: الجماعة يعني والله مفلسين يعني ..يعني هذا عنوان هذا ..هذا فيه خطأ مشين...مشييييييييييييين ..المحرر لدى عطوان فهم أن عطوان يقصد بكلمة مشين (موشين ..أي من دون شين)..فعدل عنوان مذكرات حمد كما فهم من معلمه أي العنوان (طفولة كرش) من دون شين..فصدرت المذكرات في اليوم التالي ....طفولة كرّ

ترى ماذا سيعدل المحرر على مذكرات موزة عندما تصله (طفولة موزة)؟؟؟؟؟

 

المعادلات الخوارزمية للعدد "ثلاثة" من لوغاريتمات حمد بن خليفة

 19 April at 18:53  


أتمنى شيئا واحدا هذه الأيام .. ولاأدري ان كانت الأقدار ستحقق لي أمنيتي .. وأمنيتي لاأبيعها ببئر نفط من آبار (أبو متعب) ولاأبدل بها حقل غاز من حقول حمد .. ولو أعطاني أردوغان نصف استانبول مقابل أمنيتي لما قبلت ..بل انني لن أرضى مقابلها بقطعة أرض على القمر بمساحة جزيرة قطر .. وبالطبع لاتتوقعوا مني أن أقبل بالتخلي عن أمنيتي اذا اعتقدتم أنني أميل مثل القرضاوي ويسيل لعابي اذا ما أعطيتموني بسمة قضماني جارية ومعها موزة وكل ماملكت الأيمان من فرح أتاسي ومرح أتاسي الى الغلام سعد الحريري .. وأمنيتي هي أن أعرف لماذا اختار أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني في مؤتمر صحفي نسبة "ثلاثة" بالمئة معلقا على توقعاته بنجاح مهمة كوفي عنان في سورية .. فقد قال الأمير العربي البدين ان نسبة نجاح المهمة لاتتجاوز 3% ...

أعترف أن الرقم ثلاثة هو نقلة نوعية فكرية عربية لم يسبقه اليها أحد فنحن العرب أصحاب الرقم 99 .. من أسماء الله الحسنى الى أوراق الحل التي ذكر السادات أن 99% منها بيد امريكا ..الى أرقام نسب تنفيذ الخطط الحكومية 99% في كل الحكومات العربية الى نسبة نجاح المرشحين لكل المناصب في الدولة بنسبة 99% .. أما الرقم 3 % فسيسجل لأمير قطر قصب السبق في هذا المضمار باكتشافه لرقم جديد كالاعصار على الذاكرة والوعي الشرقي والذي خص به سورية دون غيرها ..وأخشى ان تصبح النسبة 3% مقدسة في أحاديث الساسة مثل العدد 99 آنف الذكر ومثل عدد 6 ملايين من ضحايا الهولوكوست من أبناء عمومة (أبو متعب) ..وأخشى ماأخشاه أن يخرج علينا القرضاوي ليبارك لنا في الرقم ثلاثة ويقول ان أهل الكهف كانوا ثلاثة وكلبهم رابعهم .. ولذلك يجب تقديس العدد ثلاثة الذي اكتشفه أمير "الثلاثة بالمئة" ..

وقد جلست في اليومين الماضيين أحاول أن أعرف من أين أتى الأمير بالرقم ثلاثة .. ولم اختاره بالذات دون غيره من الأعداد ..لماذا ثلاثة وليس واحد أو خمسة .. أو صفر أو سبعة؟؟ حمد شخص شبه أمي لايعرف في علم الاحصاء ولافي علم النسب المئوية ولم يسمع بشيء اسمه العينة العشوائية ولايعرف في علم الاحتمالات .. ولم يكن يوما طالب دكتوراه يفكك النتائج والبيانات والخطوط والمعادلات .. وبالطبع لايعرف الهندسة الفراغية وأبعادها "الثلاثة" والمثلثات بأضلاعها "الثلاثة" التي شغلت رأس فيثاغورث .. وربما بالكاد تعلم حمد العد الى مابعد الثلاثة ..وكان يستحيل حسب ماذكر مدربوه في كلية ساندرهيرست العسكرية البريطانية أن يقوم بالتمارين الرياضية المتواصلة لمدة 3 دقائق ..أما التمارين الذهنية فكانت تصيبه بالصداع بعد 3 دقائق كما ذكر القائمون على تدريبه في ملفاتهم .. ولكن كيف اختار حمد العدد ثلاثة؟؟!!ولماذا؟؟؟ وهل للعدد ثلاثة موقع مميز ؟؟ حتى اليوم لم أعرف .. ولم أجد تفسيرا مكتوبا على أي من الرقم المسمارية السورية ولاعلى جدران الأهرامات المصرية ..

حتى العدد ثلاثة وقف حائرا يهرش رأسه بين الأعداد من صفر الى مئة التي أحاطت به مستفسرة عن سر اختيار أمير قطر له تحديدا .. العدد ثلاثة كان يحس بالحرج من نظرات كل الأعداد اليه باحتقار وكان شعوره بالذل طاغيا لأن شخصا أميا تافها في الصحراء لايعرف كم تألمت البشرية لاختراع الأرقام والأعداد من صفر الى عشرة فاذا به يمضغ العدد ثلاثة ويلوكه بشاربيه وأسنانه كما لو كان شريحة لحم .. من دون حساب ومن دون علم .. أمير لايحترم العهود والمواثيق ولايحترم الأرقام الكبيرة التي تسبق مليارات الدولارات التي يذبحها على الرشاوى وشراء الذمم ويبذرها بلا حساب ..أمير لايحترم أن "ثلاثة" أرباع أمارته صارت قواعد عسكرية أمريكية .. أمير شارك في التآمر على دماء العرب في "ثلاث" دول هي العراق وليبيا وسورية ... هذا الأمير الضال يقرر استعمال العدد ثلاثة ليركب على صهوته ومتنه ويقنعنا أنه حسبها بالضبط ..وانه وصل الى ماوصل اليه بعد أن عصر دماغه وعصر أعصابه وعصر كوفي عنان ومجلس الأمن... ووجد طبيب الشرق الأوسط وجرّاحه الكبير الدكتور حمد بن خليفة أن نسبة نجاح العملية على المريض السوري لاتتجاوز 3 % لأن دواء كوفي عنان لايضاهي العمل الجراحي الذي سيجريه حمد على أعناق السوريين وقلوبهم والذي سينجح بنسبة 99% عبر تسليح القتلة والمرتزقة المسمين الجيش الحر...

من سمع أمير قطر وهو يذكر نسبة 3% ويلعب بالأرقام ويتسلى ويلهو بالنسب كما لو كان هو الخوارزمي الذي يلعب بالأرقام الصعبة المراس ويروضها مهما كانت جامحة ويداعب صغيرها ويدغدغه باللوغاريتمات لأجهش بالبكاء ولأحس بالغثيان والقرف والقهر وبرغبة في الانزواء مكتئبا في احدى الزوايا المظلمة .. ومن سمع حمد يتحدث بالأرقام والنسب المئوية لاعتقد أن الخوارزمي الذي اخترع علم الجبر قد أودعه لدى آل ثاني وصفيّهم حمد بن جاسم بن جبر ... وليس لدي شك أن من سمع أمير قطر يتحدث بالرياضيات سيخال أن حضارة العرب بلغت ذراها السامقة بالوصول الى علم الأرقام القطرية والنسب المئوية الأميرية .. فقد وصل الشرق من بعد طول انتظار الى عهد الخوارزمي الثاني عالم الجبر وسليل الفكر ..الأمير حمد بن خليفة آل ثاني ..ووزيره بن جبر ..عالم الرياضيات والجبر

ماهو سر العدد 3 الذي ابتدعه الخوارزمي القطري؟؟

بعض الظرفاء تسلوا كثيرا وقالوا ان السبب هو أن الأمير يردد مافي لاوعيه فهو يفكر دوما في وجباته اليومية الثلاث ..وربما لأنه يعرف أن الشيطان هو دائما "الثالث" عندما يجتمع الأمير مع شخص ثان مثل القرضاوي أو عزمي بشارة .. والبعض رأى أن السبب ربما كان تيمنا برواية الفرسان الثلاثة والتي يطمح الأمير أن يكون واحدا منهم وصديق دارتانيان ..الشيفالييه حمد ... وربما تأثر الأمير بنبوءة قديمة بدأت تنهض في ذاكرته بأن اسم عائلة حمد هي "آل ثاني" التي تخاف من آل "ثالث" ..القادمين..لامحالة ..

ماقاله حمد لايهم والنسب التي وضعها لم يحصل عليها هذا الأمير حتما بعد أن عدّل معادلتي لورنتز الرياضيتين الشهيرتين ولم يستعن بعلم الخطوط الجيوديزية للوصول الى خارطة الوضع السوري .. لكن يجب أن يفهم هذا البليد الذي لاتشكل بلاده 3% من حجم سكان سورية ولاتشكل 3% من حجم سكان القاهرة أنه يتحدث بالأرقام وأن بلادة عقله ولزوجة تفكيره لاتعرف لماذا اختارت الجهات التي طلبت منه ذكر هذا الرقم الثالوثي الغريب أن يضمنه تصريحاته..

البعض قال أنها كانت شيفرات طلب من الأمير أن يقولها ولايعلم الأمير معناها .. ويقولون له ان محاولة تسريب الاتفاقات عبر هذه الشيفرات تمر على من عقولهم فيها 3% من الدماغ العاقل .. فالشيفرة وصلت منذ وقت طويل ياأمير الرياضيات والاحصاءات وياخوارزمي اللوغاريتمات .. وعليك باختراع شيفرة على مقاييس سورية وليس على مقاييس قطر..وعقل وزيرك بن جبر..

اذهب وتعلم ياحمد علوم الرياضيات وعلم الجبر والهندسة أو ارجع الى موزة وقل لها باسمنا جميعا ان نسبة بقاء آل ثاني في قطر في السنوات "الثلاث" القادمة لاتتجاوز 3% ..انها حسابتنا نحن ياحمد ..ونحن من اخترعنا الحرف والصفر ..وعلم الجبر ..أمير قطر تآمر ويتآمر على "ثلاث" أكبر عواصم في الشرق كله (بغداد ودمشق والقاهرة) .. وهذا الثالوث المشرقي الكبير لن يقبل بدولة لاتساوي 3% من سكان أي من عواصم هذه الدول بأن تتحدث بالأرقام والنسب بعد اليوم ... ويجب احترام علم السياسة والتاريخ والجبر رغم آل ثاني ووزيرهم بن جبر .. الذين سيكون مصيرهم يشبه رقم الصفر .. وربما ماتحته أيضا .. وسأستعمل لآخر مرة رقم 99 لأقول ان آخر مرة يستعمل فيها رقم 99% هو نسبة انهيار ونهاية حكم آل ثاني في قطر .. وسأترك 1% لاحتمال بقاء آل ثاني عندما يأتون الى دمشق ويكنسون أسواقها استرحاما ويمسحون أرض الجامع الأموي وحيطانه وهم يدبون على أربع .. ثم يحملون أحذية المصلين الدماشقة واحدا واحدا بعد الصلاة ويلبسونها لأهل الشام عند خروجهم من صلاة الجمعة .. في جمعة تسمى جمعة "طلب الصفح والغفران.

 

 

أردوغان على خطى جنبلاط .. وخطة روسية عاجلة لاحتواء تركيا

 

 

كل من شهد بدايات الأحداث في سوريا، اعتقد أن الأمور ستعود الى سابق عهدها خلال أسايبع.. الا قلة قليلة كانت تعرف أن المشروع يتنقل على مراحل.. القيادة

 

السورية كانت تعلم أنها تتعامل مع مراحل، وأن أصعب المراحل كانت في الأشهر الثلاثة الأولى.. وقد تجاوزتها.. ومايحدث الآن هو التعامل مع المرحلة الثالثة وهي التي تحاول الضغط الاقتصادي لإرهاق الميزانية وافقار السوريين وايصالهم بعد حصار طويل لقناعة كاذبة تشبه قناعة العراقيين أن التخلص من نظام الحكم قد يكون فيه الخلاص للخروج من الأزمات الاقتصادية.. لكن الفارق هنا أن القرارات بالحصار الاقتصادي، عرجاء، وهي ليست دولية ولا أممية، وهناك كل الطرق الاقتصادية المتاحة للبدائل عبر مجموعة بريكس وغيرها.. 
جميعنا نبحث عن المستقبل وما يخبئه لنا.. ولو كنا نؤمن بالبصّارات وقارئات الكف لفتحنا ملايين الكفوف وشربنا القهوة بملايين الفناجين لنعرف ماذا سيقول الغد.. نتجول كل يوم على كل المحطات والمواقع علّنا نسمع مايروي ظمأنا.. ولكن مشاعرنا تتأرجح. فعندما نستمع لاعلام الثورجية وجزيرتهم، نعرف أن هناك شطحات وسباحة في دم الناس.. وعندما نستمع لاعلام الدولة نحس أن هناك أشياء لاتُقال، وأن هناك حرصا على كل حرف يقال، فنبقى ظامئين.. لكن سنترك فناجين القهوة والكفوف وسنترك اعلام السباحة في دم الناس واعلام السباحة في القطب الجنوبي وسنحاول البحث في مصادر أخرى ونتلمس بعض الاسرار التي لاتفهم.. 
 

فمما يثير التساؤل هو البرود السوري في الرد على أردوغان الذي يرمينا بالمنجنيق بكتل اللهب اللفظي وكتل الحجارة الثقيلة .. ماذا يثير أعصاب أردوغان..؟ دعونا لانكذب على انفسنا، فليس الدم السوري هو مايثير حفيظة اردوغان..هذا الكلام للاستهلاك المحلي في تركيا ولدعم معنويات الثورجية .. أردوغان لم يقل 1 بالمليون لإسرائيل مما قاله ضد السوريين رغم أن اسرائيل قتلت آلاف الفلسطينين واللبنانيين وفوقهم تسعة أتراك واكثر ماقاله اردوغان في دافوس لشيمون بيريز: "تذكر أنني احترم سنك .." أي ان الرجل قدّر لبيريز وقاره وسنه ..لكن من استقبله في بيته وفتح له بلاده وذراعيه وجعله صديقا شخصيا ووكيلا سياسيا في مفاوضات السلام، لم يستحق منه الا أن يصفه بالجبان رغم معرفة أردوغان أن الأسد ليس بجبان، وأنه يقاتل تمردا مسلحا .. فلِمَ ذلك؟؟ بعض الجواب الحائر، طيّره لي صديق صحفي تركي تعرفت عليه أيام الأزمة السورية التركية بشأن عبد الله أوجلان . 
 

تعرفت على هذا الصحفي التركي الذي يعمل لصالح احدى كبريات الصحف التركية عندما قصدني للتوسط لايصاله لمكتب الاستاذ الراحل جبران كورية، رئيس المكتب الصحفي في رئاسة الجمهورية أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد .. كان يعلم بخيط ما غير رسمي وغير وظيفي وبالطبع غير عائلي يربطني بالأستاذ كورية .. الصحفي التركي قال بأنه يريد أن يجري لقاء صحفيا مع الرئيس الأسد لتقريب الشعب التركي من الشعب السوري عبر حوار شفاف مع "حكيم الشرق" كما وصفه خاصة عند بروز نجم حزب الرفاه والسعادة بزعامة نجم الدين أربكان .. لكن تفاقم أزمة عبد الله أوجلان بعد تلك الفترة ربما عطّلت مشروع الصحفي التركي للقاء الأسد في ظل استفزازات مسعود يلماظ لسوريا وتفاقم النزاع .. 
العلاقة مع الصحفي التركي استمرت منذ تلك الفترة ولم تنقطع وجاءت ظروف هذه المرحلة وكثرت الاتصالات بيننا لتبادل الآراء .. وقد أطلعني منذ فترة على مايتردد في كواليس السياسة التركية وفوجئت أنه يقول لي ان خلف الأبواب المغلقة مالا نسمعه ولا يسمح باطلاق سراحه، وهو توقعات تخالف كل ما يشاع: وهي ان أردوغان صار قريبا مما لانتخيله ..ألا وهو الرحيل !!.. 
فهناك تمرد يتبلور داخل حزب العدالة التركي الذي بدأ يرى تخبطات أردوغان .. فمن دولة يتراجع كم العداء لها في محيطها الى مستوى الصفر في رحلة استغرقت عقدين من الزمن، الى دولة كل ما يحيط بها صار عدوا مرّا في فترة قياسية لاتتعدى شهرين .. ومن بلد حدوده باردة الى بلد حدوده ترتفع درجة حرارتها الى الغليان .. فتركيا دولة محاطة بأعداء أكثر من اسرائيل اللا شرعية نفسها .. فاسرائيل برّدت حدودها مع الأردن ومصر والعرب الخليجيين وفلسطينيي محمود عباس وحولتهم الى حلفاء ولم تبق سوى نافذة عداء صغيرة رغم هدوئها في الشمال تعمل على اغلاقها بشتى الوسائل لأنها تعرف أن هذه النافذة تحجب خلفها طوفان النار .. أما تركيا أردوغان فحولها اليونان وروسيا وسوريا والعراق وايران وأرمينيا والأكراد بالطبع .. وكلهم تحولوا بحكمة أردوغان الى محيط عدو يتربص بتركيا الدوائر.. 
وهناك اقتصاديون أتراك وصناعيون يتحركون لأنهم فقدوا الأمل في أوروبا، واكتشفوا على العكس، ان انفتاح تركيا على دول الجنوب عبر سوريا وايران والعراق ومن ثم العالم الاسلامي (بواسطة حنكة مؤسس الحركة الاسلامية التركية نجم الدين أربكان الذي جرّ تركيا من يدها نحو الجنوب) أثّر كثيرا وايجابيا في انهاض الاقتصاد التركي الذي يتبجح الاسلاميون ويتشدقون انه دفع ليكون في المرتبة السادسة عشرة بفضل الاسلاميين الأردوغانيين الذين سرقوا جهود أربكان لاثبات أن الاسلام هو الحل .. وأن الاسلاميين قادرون على ادارة الاقتصاد واجتراح الحلول الاجتماعية والمعجزات أكثر من بقية الأحزاب التقليدية في المنطقة .. وكلما دق الكوز بالجرة ذكّرنا هؤلاء المروّجون لأردوغان بالتجربة الاسلامية الرائدة ديمقراطيا واقتصاديا في تركيا "أردوغان"..ولكن للعقلاء الأتراك رأيا آخر!! 
 

هذا الجو من الهستيريا السياسية الذي يثيره أردوغان، بدأ بسرعة ينعكس على الاقتصاد التركي الذي ستظهر آلامه في الربع الثاني من عام 2012 حسب تقديرات الخبراء خاصة في ظل أزمة أوروبا التي تبدو منشغلة بانقاذ اليونان وليس تركيا.. وبالذات اذا ماتبين أن المحور السوري - الروسي - الايراني قد قرر تلقين تركيا درسا مهذبا لاتنساه .. درسا سيبقيه المؤرخون الأتراك أمامهم كدليل على خطى السياسة التي ترى بعيون الكركدن وليس بعيون الصقر من أعلى الذرى.. 
 

ماقاله لي هذا الصحفي التركي مثير للانتباه .. وهو أن أردوغان اعتقد أن مشروع الاسلاميين في المنطقة سيجعله زعيما عالميا بلا منازع وقائدا للكتلة الاسلامية عبر قيادته للهلال الاخواني من ليبيا الى سوريا ..وسيكون هو الرجل الذي تتجه اليه الوفود العالمية في أي شأن من شؤون الشرق الاوسط والشأن الاسلامي .. وسيكون قادرا على التـأثير في دول الخليج وعواصم النفط عبر هلاله الاسلامي كما كان عبد الناصر مهابا لدى أهل الخليج بامساكه بتلابيب المنطقة العربية بين يديه .. وسيكون بيد أردوغان الماء الذي سيبيعه للشرق من سدوده العظيمة، وسيكون له بعض التأثير على أسعار النفط ..علاوة على تحكمه بخطوط امدادات الغاز من الشرق الى الغرب... أي خليفة اسلامي عصري ديمقراطي قوي تنتخبه جموع الاخوانيين في تركيا فيما هو من يوزع النفوذ التركي على المنطقة كلها من "الباب العالي" .. 
 

مشكلة أردوغان الكبرى أن المشروع تعثر كثيرا في سوريا على غير توقع، وهو الذي كان حسب الاتفاقات مع أهل الخليج والأمريكيين سينجز التحول السوري قبل رمضان 2011 على أسوأ التقديرات ..لكن العقدة السورية لم تنكسر رغم كل الضغط الهائل.. وبحسب المعلومات التي بدأت ترشح فان ما تم ضخه من مال وسلاح ومسلحين تجاوز30 ضعفا لما تم الدفع به لاسقاط ليبيا.. وقد فوجئ أردوغان وحلفاؤه جدا من التماسك السوري، ولكن أكثر المفاجآت كانت الموقف الروسي المستميت واصراره على عدم السماح بتمرير قرار في مجلس الامن حتى بمنطقة حظر جوي يحترمها الناتو ولايمدد صلاحياتها .. بل دفع الروس بشحنات السلاح وبالبوارج الحربية الى السواحل السورية .. وكان أردوغان يعتقد أن الروس لن يحركوا ساكنا وهم من تخلى عن أشقائهم السلافيين في صربيا وعن العراقيين وعن الأوكرانيين وعن الليبيين وليس هناك ما يدعوهم للخروج من مكمكنهم .. الموقف الروسي المؤازر بقوة لسوريا لم يدخل في الحسابات الاّ من باب الأقرب الى المُحال .. ولكن تبين للمحللين الأتراك أن من الغباء السياسي ألا يتوقع السياسيون أن من المحال ألا يتحرك الروس .. وذلك لاسباب كثيرة لها علاقة بتهديد الأمن القومي الروسي في العمق مباشرة لأنه في عملية تفكيك الاتحاد السوفييتي لجأت القوى الغربية الى اطلاق الاسلاميين الطالبان خارج الاتحاد السوفييتي في أفغانستان للصدام معه .. أما تدمير روسيا فسيكون عبر نقل الحركة الاسلامية الاخوانية -الطالبانية الى حدودها والى داخلها بنفس منطق الحركة الاسلامية في الربيع العربي والذي ان انتصر كليا فستتولى تركيا اكماله في روسيا .. نيابة عن الأمريكيين ..اذا ما انتهت اليها زعامة العالم الاسلامي .. 
 

مايزيد في هياج أردوغان ومجموعته، هو المعلومات التي يضعها جهاز الاستخبارات التركي على طاولته يوميا والتي لخطورتها أخرجته عن طور اللباقة الديبلوماسية وصار يتهجم على شخص الرئيس الأسد الذي حتى هذه اللحظة لم يعره اهتماما، تماما كما فعل مع (لسانيات) جنبلاط الذي تم تجاهل استفزازاته الى أن قص لسانه بعد أن طال فعاد معتذرا الى الشام .. ويبدو ان طريق جنبلاط هو الذي سيسير عليه اردوغان مهما طال لسانه .. القيادة السورية تركت أردوغان يرفع صوته لأن ما تقوله الاستخبارات التركية هو الرد السوري الحقيقي الذي يجيب على جنون اردوغان والذي تحاول الجامعة العربية انقاذه من تسونامي قادم يعد له تحالف سوري ايراني روسي .. بعد نهاية العام ..وهو ماكان يُقال من أن سوريا تملك أوراقا قاتلة لم تستخدمها حتى الآن.. 
 

المعلومات والفرضيات التي وضعها أمامي الصحفي التركي مثيرة للاهتمام، وهي تقول أن الروس عرضوا على الحليفين السوري والايراني خطة هجوم معاكس على المشروع الاسلامي الاخواني انطلاقا من الدولة التي كانت ستتزعم الحركة الاخوانية العالمية تستغرق بضعة أشهر.. لأن توجيه ضربة للمشروع الاخواني لن يتم الا عبر ضرب الرأس مباشرة ..وهو تركيا .. كما أن اردوغان وطموحاته يجب ان يرحلا .. 
والخطة تنتظر يوم اعلان رحيل القوات الأمريكية عن العراق، حيث لايعكر صفو التطبيق وجود جيش أمريكي بين سوريا وايران .. الغاية من الخطة تخفيف وزن تركيا السياسي .. واعادته الى الصواب والعقلانية .. واحترام الجغرافيا .. واعادة تشكيل الشرق الأوسط بشكل يعاكس الشرق الأوسط الأمريكي ..الذي بات يهدد الجميع 
 

الايرانيون والروس أحسوا أن اردوغان قد كسر كل المحرمات ووضع السكين على أعناق الجميع بالسماح بالدرع الصاروخي الأمريكي على أرضه وبانكشاف نواياه بالسيطرة على الشرق عبر اسلامييه وتحالفه مع الناتو .. وهو بذلك يوجه حرابه ضد سوريا وروسيا وايران.. دفعة واحدة .. جنون لايشبهه الا جنون الرايخ الثالث .. الذي بدأت نهايته عندما تحرش بعدة دول مجتمعة وعلى رأسها روسيا.. 
الخطة المقترحة التي نقلها الصحفي التركي لاتبدو متماسكة تماما. ربما لغياب بعض التفاصيل التي لم تتح له .. لكنها تشير الى ضرب الاقتصاد التركي ضربة موجعة عبر حصار مطبق من كل المحيط ولن تتمكن البضائع التركية من التوجه نحو الجنوب وآسيا بعد اليوم. فالخط السوري - العراقي - الايراني سيصير مثل سور الصين العظيم .. كما أن روسيا ستضيّق عليه الحركة عبر الشمال.. وعلى الأتراك ركوب البحر كسبيل يتيم للوصول الى آسيا بعد اليوم لتجارتهم بكل ما يعني ذلك من تكاليف وتأخير لأن أوروبا مُحرّمة عليهم .. وفي الوقت نفسه، ستُطلق يد الأكراد في جنوب شرق تركيا بحيث يكون التمرد الكردي من نفس عيار التمرد المسلح في سوريا باطلاق عصيانات المدن الشرقية التي اقتنعت أن اطلاق زعيمها عبد الله أوجلان لن يتم الا عبر الضغط السياسي المترافق مع ضغط عسكري هائل، وربما عبر تبادل أسرى ..مستفيدة من تجربة حماس وحزب الله.. ونُقل عن أن أحد البرلمانيين الأتراك المعارضين لأردوغان توجهه اليه بالتهكم قائلاً في اجتماع اللجنة البرلمانية الخارجية: سنكون محظوظين اذا ما أهدى السوريون السلاح الذي صادرته قوات الأمن السورية خلال الفترة الماضية الى مقاتلي الـ (بي كي كي) كخطوة رمزية ذات مغزى كبير ..سلاح سيكفي الـ (بي كي كي) لسنوات..!! 
 

وسيكون أحد أهم مناطق الوجع التركي هو الاقتصاد والسياحة .. التي تعتمد عليهما أرجل وسيقان جمهورية رجب طيب أردوغان .. وبحسب هذه المعلومات ..سيضطر حزب العدالة والتنمية الى تقديم رأس أردوغان ثمنا لاعادة الهدوء الى دول الجوار، وذلك بالاطاحة به بانقلاب حزبي .. وبهذا المعنى ربما يعيش "سبع البرومبة" أردوغان آخر ستة أشهر له في مكتب رئاسة الوزراء التركية .. 
ووفق هذا الصحفي التركي، فان العرب استعجلوا الانتخابات المصرية لاطلاق الاسلاميين المصريين الى جانب أردوغان للتسريع باطاحة الحكم في سوريا .. فيما استعجل العرب العقوبات وتعهدوا لأردوغان بتعويض الخسائر ودعم الاقتصاد التركي الذي سيتضرر .. ولكن مستشاري اردوغان يرددون على مسامعه نصيحتين ذهبيتين: الأولى: تذكر ألا تثق بعرب الجزيرة العربية.. فهم من طعنوا الخلافة العثمانية في الظهر فلا تثق بهم .. وتذكر حكمة ثعلب السياسة العالمية هنري كيسنجر، وهي كلمة شهيرة له على التلفزيون تقول: "بالطبع لايمكنك أن تثق بعربي" .. والنصيحة الثانية: أسرع واكتف بما حصلت عليه ثم صالح الأسد أو ابعث بالهدنة اليه..انت تحتاج لخداعه ثانية على الأقل .. 
 

والمفاجأة كما يقول الصحفي التركي، أن هناك اعتقادا أن أردوغان بعث سرا يطلب المصالحة فلم يأت الرد. ولكن الروس بلّغوا الرسالة التالية التي فهمها رجب طيب أردوغان حيث كان الرد: "الأسد مشغول حالياً بدفن الجنود الذين قتلهم المسلحون بسلاحك.. انتظر رده لاحقا" .. وقد حلّق دماغ أردوغان بجناحين من الهستيريا ورد على لا مبالاة الأسد بقوله في مقابلة مرتبة على عجل: "ان الأسد جبان ..وسيسقط .." ثم بعث مهندس الأصفار، اوغلو، ليستحث العرب في الجامعة لاطباق الخناق على الأسد .. تعبير "مهندس الأصفار" قاله الصحفي التركي ضاحكا وأضاف: الآن عرفنا اين هي أصفار أوغلو .. انهم أعضاء الجامعة العربية .. كل وزير خارجية عربي هو صفر في السياسة ..الاّ وليد المعلم.. 
رادارات أردوغان بدأت تشتغل أخيرا بعد أن سكرت وانتشت فترة بانتصارات سهلة في ليبيا .. ويقول له مستشاروه: اذا انطلق تمرد مسلح بعشرات آلاف البنادق والقذائف في شرق تركيا، فلن تبقى تركيا قطعة واحدة، بل عدة قطع مهما فعلت ولن ينقذك منها لا أمريكا ولا الناتو .. لن ينقذك الا السلاح الكيماوي ..وأنت يا فخامة رئيس الوزراء لا تتحمل حلبجة ثانية مثل صدام حسين .. ولا شبيها بمذبحة الأرمن ..وتذكر أن الأوروبيين لا يمانعون في تشظي بلدك ..وهم دائما ينوهون الى أن تركيا بلد غير مستقر وهذا كان دوما في غير صالح طموحاتها للانضمام للسوق الأوروبية.. 
 

ويضبف الصحفي التركي محذرا، أن سوريا نفسها لن تكون بمنأى عن هذا الانفجار الكردي الذي لن يعترف به الغرب، لكنه سيجعل من جنوب شرق تركيا منطقة مستقلة ذاتيا تماما كما كان شمال العراق طيلة السنوات الماضية منذ السبعينات .. والغرب لايريد من تركيا الا التزاماتها بالناتو .. ولكن التمردات الداخلية هي آخر ما يمكن للناتو التعامل معه ..وتجربة العراق وافغانستان خير دليل خاصة اذا ما تولى الموضوع خبراء في هذا الشأن ومن لهم باع طويل فيه مثل السورييين والايرانيين الذين جعلوا استقرار الأمريكيين في العراق جحيما لا يطاق .. 
 

ما يطرحه هذا الصحفي يبدو خياليا، ولا أعرف مدى امكانية تصديقه. فهو يقول إن أصدقاءه في المخابرات التركية يقولون ان سوريا اطلعت على عرض سري توسط فيه الروس والايرانيون الى جلال الطالباني ومسعود البارازاني وقادة حزب العمال الكردي بعد استشارة المالكي بأن تتعهد القوى الكردية بتجميد تحركها في ايران وسوريا وروسيا اذا ماتم دعم منح كركوك للأكراد كعاصمة لهم تشرف بنفسها على جنوب تركيا الخصب والغني بالمياه..على أن يعترف للعرب في كركوك بحقوق كاملة وأن تحتفظ الحكومة العراقية بحصتها من النفط فيها..الروس يرون أن اعادة تركيا الى حظيرتها وحجمها ولجم جنونها وامكانات تحطيمها لخرائط الشرق، أهم من اعادة كركوك الى الحظيرة العربية..ويتفق معهم العراقيون والسوريون والايرانيون، فيما الأكراد يعتقدون أن النفط في كركوك والمياه في جنوب تركيا هما قوة الدولة الكردية الحقيقية ..اضافة للمغزى المعنوي والعاطفي لكركوك في خلق الكيان الكردي.. 
الروس يعتقدون أن هذا الاقتراح سبيل لحل الأزمة الكردية منذ الآن بدل تأجيل شيء واقع لامحالة .. فاذا حدث توافق روسي - ايراني - سوري - عراقي على التضحية بتركيا لانهاض حل للأزمة الكردية يعني تأجيلا طويلا لمشاكل الأكراد لديهم وانقاص لوزن تركيا الاقليمي (ريجيم قوي وسريع لانقاص الوزن) ..وهو احتواء للمشروع الأمريكي .. 
 

نقطة الخلاف هي كركوك..لأن الأسد يُشاع أنه قال مثلما قال السلطان عبد الحميد عن فلسطين: كركوك ليست ملك الشعب السوري ليفاوض عليها .. واذا وافق العراقيون على هذا العرض فهذا كلام آخر .. 
الأتراك يتحركون بسرعة وفي سباق مع الزمن بالتنسيق مع العرب والغرب واسرائيل بتسريع المرحلة الثالثة من الخطة المعدة سلفا لحشد مقاتلين عربا باسم "الجيش السوري الحر" على الحدود للضغط قبل أن ينجو الأسد من الفخ ويطلق الضغط الثلاثي على تركيا .. فيما اسرائيل تدرس طلبا تركيا بالتحرك لانزال هزيمة مشتركة بالعقدة السورية .. لكن حسابات الاسرائيليين تصطدم دائما بسيناريو شمشون، اي أن سوريا وايران لن تترددا في هدم الشرق الأوسط كله وخاصة على اسرائيل وسيكون ثمن هذا النصر في العقدة السورية باهظا جدا .. باهظا جدا ..وقد يترك اردوغان لمصيره !! 
ومع هذا فقد بدا الصحفي التركي متشائما وقال: الكل سيدفع الثمن من جنون أردوغان..الأتراك والسوريون والجميع بلا استثناء والباقي سيتفرج..لكن السوريين سيصير لهم في الحال طوق نجاة عبر تمددهم اقتصاديا بعد نهاية العام من البحر المتوسط حتى أفغانستان ونحو كل الشرق ودول بريكس .. بل ان الأردن نفسه سيستغيث لابقاء علاقته مع سوريا التي لم يفهم السوريون استراتيجية سخاء الدولة السورية في منح الاردن معاملة خاصة بالماء والغذاء طوال سنوات حتى تبين أن الغاية كانت في جعل الأردن معتمدا على سوريا.. فالحياة في الأردن معتمدة على مشيمة تصل الى سوريا وعلى ثدي سوري .. واذا قطع الارضاع تلوى الأردن عطشا وجوعا..وخلق حالة اعتماد على الرحم السوري سيجعل الأردن أول من يصرخ من انقطاعه عن سوريا..ومهما حاول الملك الأردني لعب القمار في السياسة فهذه ليست لاس فيغاس..الملك قد يكسب في القمار في لاس فيغاس ..لكن لاعبي السياسة المحترفين في دمشق سيجعلونه يخسر للمرة الأخيرة وقد لايبقى معه الا ثمن بطاقة طائرة باتجاه لاس فيغاس (سفرة واحدة).. 
"
أعتقد أن الحل في رأي كثيرين لم يعد في رحيل الأسد، بل في رحيل أردوغان ..بأسرع وقت..انها مفاجأة أليس كذلك؟؟!!" يختم الصحفي التركي تصوراته وملف معلوماته المثير ..الذي لاشك يحتاج تنقيحا وتدقيقا ودراسة حصيفة ..قبل التحقق من كل نقاطه..وقد نقلته بأمانة ..وسنتركه لقادمات الأيام كي تحاكمه .. 
 

 

نبوءات ... من حقائب الاسرار

13/12/2011

في آخر صفحة من عام 2011.. ماذا نقول؟
أنا لاأحب الانضمام الى مجالس العزاء وحفلات الوداع التي تقام بمناسبة رحيل الأعوام والسنوات.. وها أنا الآن أمام عام 2011 الذي صدر قرار من الزمن بانتهاء ولايته علينا واحالته الى التقاعد وتعيين العام 2012 بدلاً عنه ليدير شؤون الحياة ..فاذا عساي اقول؟
صحيح ان عام 2011 عام مجنون امتلأت حقائب سفره التي حزمها بالضحايا والرصاص وقصص المؤامرات.. وصحيح انه كتب في دفتر مذكراته معترفا أنه لن ينسى أنه قتل كثيراً من السوريين والليبيين.. ولكن من الواجب تذكيره ألا ينسى أيضا أن يدون في مذكراته أن الزمن لايهزم شعباً يمسك بأوتاد قاسيون..

سيعترف عام 2011 وهو يقف على عتبة الباب مغادرا وقد ناء كلكله بالأحمال والأثقال والعتاب والدموع والخيانات والمؤامرات والاكاذيب والخيبات بأنه هزم في دمشق وأن “المهمة لم تكتمل” .. ومع أنه سيدس في جيوبه قانون الطوارئ الراحل ومحكمة أمن الدولة .. فانه كذلك سيدس في جيوبه مصداقية الجزيرة وسيضع في جيب معطفه الطويل اسم رجب طيب اردوغان كزعيم للشرق كان منتظرا ولم يعد ينتظره الا الرحيل .. وسيقول عام 2011 خجلا: لقد قتلت الكثيرين منكم .. ولكنكم الشعب الذي لم أهزمه رغم كل مافعلت .. وها أنذا أرحل ..وأنتم الباقون .. ولاأملك الا أن أكتب في الصفحة الأخيرة من دفتر مذكراتي بأنني أودع اليوم شعبا جريحا .. لكنه شعب لايموت..
 

وكما لاأحب حفلات النهايات فانني كذلك لاأحب حفلات الاستقبال ومراسم الترحيب بالزوار مجهولي الهوية ..ومن بين أهم هؤلاء الزوار المجهولين يطل علينا عام 2012 مزهوا .. لكنه وكما نتوقع لايرى في عيوننا الترحيب بل الأسئلة والتوجس والفضول .. حيث يقف الحاكم الجديد لأقدارنا على العتبة ويتسلم منا أسئلة كثيرة عن محتويات حقائبه الكثيرة ..ويمسك بمظروفات دفعنا بها اليه وفيها سؤال واحد: ماذا لديك لنا عن الأزمة السورية واتجاهاتها؟؟ وفي مظروفات أخرى أسئلة عن الجامعة العربية ..وعن مصير المسلحين والسلاح وأصوات الرصاص وشقاء المعذبين في القلق على الوطن ..وعن الصفقات السياسية واتفاقات ما تحت الطاولة وعن قطر وحكامها القتلة وتحولات الحكم في السعودية ومصير أردوغان و.. و.. الخ ..
وبرغم انني لاأدعي معرفتي بمحتويات حقائب عام 2012 الا أن مراجعة لمحتويات حقائب السفر التي حزمها عام 2011 للرحيل ربما تدلنا على أن عام 2012 سيكون بلا شك عاما تنقلب فيه الموازين .. كما ان من يفتش فيها ويقرأ في مذكرات عام 2011 فانه سيعرف ماذا في الحقائب المغلقة التي تنزل الآن من عربة الزمن والتي ترجل منها أمير الزمن الجديد الذي يطلق عليه عام 2012 ..
 

ورغم حبي للتفاؤل وسعادتي الطفولية بقراءة الطالع عندما يكون مليئا بالأمل فانني أعترف أنني لاأحب كلام المنجمين ولا أثق بحسابات الفلك والأبراج ولابتحركات زحل وعطارد ..لأنني ببساطة أحب قراءة المنطق قبل النجوم .. وقراءة المنطق تجعلني أقدر على أن أقول بمستوى كبير من الثقة ان فيها مفاجآت ستريح الوطنيين السوريين وستسبب الغصة لمن في معسكر الشر .. وفيها انطلاق كل الأسرار الحبيسة ..وسيكون عام 2012 هو عام الافراج عن الأسرار .. التي ستخرج الى النور .. وسيفتح السوريون أفواههم دهشة .. من حجم هذه الخفايا ومن الطريقة التي نجوا فيها من أكبر العواصف والأمواج والأعاصير .. وسنعرف جميعا كيف أن من تآمر على السوريين من العرب .. ربما سيجف حلقه في هذا العام وسيعيش القلق والأرق .. ربما في حقائب أمير الزمن الجديد أخبارعن أمير قطر وجزيرته..وفيها اجابات عن الحرب والسلام ..وعن مصير المجلس السوري الانتقالي ..

 

الى اللقاء في عام 2012 حيث ربما سنعرف فيه معنى روايتين روسيتين عظيمتين .. واحدة اسمها (الحرب والسلام) للروائي الروسي العملاق ليو تولستوي .. وأخرى اسمها (الجريمة والعقاب) للعبقري الروسي ديستويفسكي .. دون الغوص في المعاني الفلسفية للروايتين ..

فهل كان عام 2011 عام الحرب وسيكون عام 2012 عام السلام أم العكس؟؟ .. وهل كان عام 2011 عام الجريمة بحق الشعب السوري وسيكون عام 2012 عام العقاب؟؟ .. العقاب من المتورطين في محاولة اغتيال دمشق ..

كل عام وأنتم.. لسورية.. وكل عام والخير في سورية..

 

 

الناسخ والمنسوخ... والممسوخ في الثورة السورية

 

‏ في 16 أكتوبر، 2011‏، الساعة 07:41 صباحاً‏ ·‏

في محاولاتي المتعاقبة لفهم برهان غليون أعود الى كتبه ومقالاته، ولكني أحس أنني في وضع غريب فالرجل الذي في الكتب غير الرجل الذي أشاهده وأسمعه .. وأدقق في اسم المؤلف وفي الكتاب ثم أدقق في المعلومات المتاحة عن الرجل الذي سمي رئيسا للمجلس الوطني السوري الانتقالي .. ومن جديد أحس أن هناك لغزا وأحجية معقدتين واصاب بالدوار في محاولة حل اللغز..فأنا حتما أمام شخصيتين مختلفتين متناقضتين .. وشخصين مختلفين وكأننا أمام برهانين وغليونين واحد كتب واختفى ..والثاني ظهر بمحض الصدفة طافيا على سطح بركة الثورات ..هل هو تشابه أسماء بين شخصين؟؟ اين هو اذا برهان غليون الحقيقي؟ أكاد أحس انني أشاهد فانتازيا فيلم عربي عن شبيهين وتوأمين.. واحد شرير وساذج ويعمل حاجبا في بلاط "أمير" وآخر عاقل ومتنور..ذو مهنة وفطنة..نسختان متعارضتان لمعارض..

 

حال برهان غليون هو حال السيد وليد جنبلاط الذي رأينا عدة نسخ منه خلال سنوات حكمه الفردي (للحزب التقدمي الاشتراكي) بل في مقابلة واحدة تحس أن المذيع يكاد يصاب بالجنون فهو لايفهم مع أية نسخة يتحدث .. وكأن الكاميرا تتنقل بين عدة "وليدات" ونسخ .. فهناك نسخة سورية قديمة وهناك نسخة ايرانية وهناك نسخة امريكية ..بل هناك نسخة جنبلاطية سعودية ونسخة علاقات عامة ونسخة سعد الحريري ونسخة سمير جعجع !!! ففي جواب على سؤال يكون وليد مقاوما.. وفي الجواب التالي مباشرة يدهشك وليد الأمريكاني المساوم وكأنه يتحدث مع فيلتمان .. وفي لقطة أخرى في تجمع جماهيري لاجدال في أن وليد بيك طائفي .. وفي آخر هو عروبي .. وفي الصيف وليد هو غيره في الشتاء ..ونكهة الربيع العربي السوري والليبي لاتشبه نكهة الصدمة والترويع العراقية .. حتى صار وليد بيك ترمومتر الشرق الأوسط وترمومتر المشاريع المتصارعة ..ويعكس النقاط بين المتلاكمين .. ولكثرة نسخ وليد بيك يكاد أحدنا تختلط عليه الأمور حتى يعتقد أن الحزب التقدمي الاشتراكي اكتشف تقنيات الاستنساخ قبل البروفيسور "ايان ويلموت" الذي استنسخ في اسكوتلاندة النعجة "دولي" أول مرة في العالم ويكاد اسم "وليد" أن يكون مشتقا من نفس أحرف النعجة "دولي" (نفس الأحرف) .. ومستنسخات "وليد" تمت بنفس تقنيات "دولي" لكن خربطة الأحرف ناجمة عن أن وليد نفسه قد خربط رموز ال (دي ان اي) الوراثية نفسها وحيّر حتى العلماء الاسكتلنديين..

 

واذا كان سلوك جنبلاط مفهوما على أساس أنه ليس على "الزعيم التقدمي الاشتراكي من حرج" !! فان محاولة تفهم برهان غليون أكثر استعصاء لأن غليون ليس سياسيا ولا ابن سياسي بل هو يكتب المؤلفات والنظريات التي يجتهد فيها وينحتها بعقله الذي يستخدمه كازميل النحات .. والمفروض أن كتب ونظريات المفكر هي أولاده .. ولايستطيع التخلي عنها لأنها تصبح بعضا منه وبعضا من دمه .. ولايجوز على المفكر تبديل أولاده أو وأدهم أو التبرع بهم لأمير قطري ولا لأمير المؤمنين .. ولايستطيع المفكر أن يبدل دمه بمشتقات نفطية ولا ببئر نفط .. والكاتب الكبير وصاحب الرأي لاينقلب على كتابه الا في احدى حالات أربع: 1- أن لاتكون تلك المؤلفات له بل سرقها من مجهول ونسبها لنفسه كحال من يتبنى ولدا ينشأ لديه لكن لايحمل دمه ومورثاته ولايعنيه ان تنكر لقرار التبني يوما 2- ان لايكون مقتنعا بما كتب ويعتبره هرطقات وتهويمات صوفية يهدمها عندما يشاء لأنه يحس أن لاقيمة لها 3- أو أنه يعاني من عدم الاستقرار النفسي الذي يفضي الى لااستقرار في آرائه فيستطيع كل يوم أن ينقلب على كتاب الأمس وفق مزاجه ..وهؤلاء ليسوا كتابا ولامثقفين بل يستطيعون ان يكونوا صحفيين بالأجرة يتغيرون كلما تغير خط الصحيفة..أو كلما غيروا الصحيفة..وأخيرا 4- الانقلاب على الذات كالانقلاب على الأب وفي هذا تأثر برهان بسيده حمد المنقلب على أبيه ..فصار برهان أميرا قطريا بانقلابه على مااعتبره آباء روحية لعمره وهي مؤلفاته وآراؤه..

 

حاولت تبرير فعلة برهان الانقلابية على الذات باللجوء الى الاستعانة بمفهوم نعرفه في أبحاث القرآن الكريم باسم "الناسخ والمنسوخ" ولكن ماذا وجدت؟؟ قبل السير في هذا الدرب الشاق دعونا نتذكر..ان مفهوم النسخ هنا هو رفع الحكم الشرعي، بخطاب شرعي آخر. وعلى هذا فلا يكون النسخ بالعقل والاجتهاد..

وقد حدَّد أهل العلم طرقًا يُعرف بها الناسخ والمنسوخ .. فمنها نسخ السنة بالسنة ..ومنها نسخ القرآن بالقرآن، ومثاله نَسْخُ قوله تعالى: { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس }(البقرة:219) فقد نسختها آية: { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } (المائدة:90) وهذا النوع من النسخ جائز بالاتفاق.. ومنها: النقل الصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو الصحابي، فمن أمثلة ما نُقل عنه صلى الله عليه وسلم قوله: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ) "رواه مسلم"..

مافعله غليون ليس شبيها "بالناسخ والمنسوخ" لأن غليون بفعلته الانقلابية السوداء قام بالضبط بعكس عملية الناسخ والمنسوخ فجعل المنسوخ ناسخا كما لو أنه ألغى آية (المائدة) أعلاه وعمل بآية (البقرة) أي نقل الخمر والميسر من (رجس من عمل الشيطان) الى (فيهما منافع للناس)..وأحل بذلك الخمر والميسر...وهذا كفر صريح حسب أكثر المتعاطفين مع غليون الا اذا أفتى له الشيخ القرضاوي فتوى من عيار (ومالو؟!!) أو أفتى له الشيخ المجاهد عدنان العرعور على وصال فتوى مثل فتوى عدم الخروج على أولي الأمر في السعودية وخروجهم عليه في سورية !!

 

هذا عيب وعار على غليون يصل الى درجة الكفر ..لأن غليون بدأ حياته يهاجم السلفيين والتيارات الدينية بل ومحطة الجزيرة وأميرها ..وانتهى بنا الى مجلس انتقالي وطني برعاية الجزيرة وأميرها وصار هو نفسه أميرا للمؤمنين السلفيين..رضي الله عنه وأرضاه..

 

مايفعله غليون لايشبه فعل المفكرين لأن غليون يستطيع أن يكون ناقدا لنظام حكم وباحثا عن حرية ورائدا في الديمقراطية فهذا شأنه ..لكن أن يبني دولة دينية ويعانق الأحزاب الدينية الطائفية ويطلق في سوريا مشروع "الحديقة الجوراسية" وديناصورات الجهل والعنف وهو الذي أثّمها ورفضها دهرا وكتب يوما "المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات" وكتب "المأساة العربية:الدولة ضد الأمة" وكتب "نقد السياسة: الدولة والدين" وكتب "اغتيال العقل"..فهذا يشير الى خلل خطير في الكاتب أو في النظرية ..

 

مافعله برهان سيبقى شيئا مثيرا للجدل وسيضعه المؤرخون لهذه اللحظة في خانة "الانشقاق" بين الكاتب وكتبه ..برهان أعلن انشقاقه عن كتبه .. وليس الجيش السوري هو الذي انشق على نفسه .. وسيكون السؤال عن التعامل مع هذه الظاهرة الفريدة في عالم الفكر التي لم تحدث في السابق بل وكيف سيتم التعامل مع ماكتب؟؟ لأن التجربة الشخصية للكاتب فتكت بكل كلمة في كتبه ..ونستطيع أن نرى دم الكلمات يسيل من زوايا كتبه التي تعرضت لمجزرة بشعة والتي ثقبتها رصاصات برهان غليون وجندلتها رصاصات مئات المسلحين الذين تولى هذا المفكر زعامتهم ..وسيبقى هذا التحول والانقلاب التاريخي لكاتب ومفكر وانحداره من برج العلم العالي الى سوق السياسة العربية الخليجية مصدر حيرة شديدة ..وربما كان أبو تمام سيشرح لنا ذلك ببيت الشعر الشهير الذي سيصير:

 

المال أصدق أنباء من الكتب .....في حده الحد بين الجد واللعب

يايوم وقعة اسطنبول انصرفت .... عنك المنى حفّلا معسولة الحلب

عَـجَـائِـبـاً زَعَــمُـــوا الأتراكَ مُـجْـفِـلَــةً .....عَنْـهُـنَّ فِــي صَـفَـرِ الأَصْـفَـار أَوْ رَجَــب

 

(ملحوظة: المقصود بالأصفار هي أصفار معادلات أوغلو ...ورجب هو رجب طيب أردوغان)

قد ينقلب الكاتب على ماكتب لكن في تنقلاته الفكرية يسلك طريقا يشبه الطريق الذي أوصله لنتائج كتبه وأفكاره السابقة ويبدو جليا أنه انتقل الى الرصيف الثاني نقلة منطقية مبررة .. لكن لايستطيع مفكر أن يقفز من رصيف الى حفرة قاذورات .. ولاأن يتحول من أستاذ جامعي الى مدرب سيرك أو مصارع ثيران..

 

الكبار العظماء في التاريخ الانساني لايدخل ملكوتهم أمثال برهان غليون لأن غليون دخل ملكوت موزة وحمد .. ولن يرحمه التاريخ ليس لموقفه من الأحداث في سوريا بل لموقفه من اذلال الفكر على عتبة أميرة مثل موزة وسفيه يبذر مال أمته كحمد ..

 

تذكرت برهان غليون كثيرا وأنا أعيد تصفح سيرة فيلسوف القوة فريدريك نيتشه والذي دعا لسيادة الانسان المتفوق القوي السوبرمان في كتابه الشهير "هكذا تكلم زاراداشت" الذي كان يقول ان المسيح لو عاد الى الحياة لتنكر لكل تعاليمه وأوصانا بالقسوة بدل الرحمة.. وكان نيتشه يحلم أن تبلغ روحه ذروة لاتصلها الرحمة والشفقة ..وكان من حوله يعتقدون أنه فيلسوف القلوب القاسية الجافة المليئة باللامبالاة بالآلام ..

 

ويوما وفيما كان نيتشه يجلس مع السيدة لوسالومة -المرأة التي أحبها- على مقعد في حديقة مرت أمامهما عربة يجرها حصان ..لكن الحصان المرهق المنهك بأثقال العربة تعثر وتلكأ في المسير وهو يلهث ..فما كان من صاحب العربة الا أن هجم على الدابة بسوطه وجعل يضربها بقسوة متناهية والبهيمة تئن وتحمحم وتتألم .. وفجأة نهض نيتشه فيلسوف القسوة والقلب الحديدي وصاحب نظرية الانسان المتفوق الخارق الذي لايبالي بالرحمة ويسخر من المشاعر ..نهض بسرعة ودفع ذلك الرجل صاحب الحصان والقاه أرضا ثم اقترب بسرعة من الدابة وهمى عليها يبكي ويعانقها بحنان ويربت على عنقها..

 

هل يرى برهان غليون الدماء في سورية وهل يرى وجوه الأمهات المتعبات من الجنازات؟ ..جنازات الجميع ..جميع المتصارعين ..هل رأيتم الفرق بين العظماء في شخصية نيتشه وبين لاعق العظام ..برهان

 

نيتشه العظيم في لحظة صراحة مع النفس أغلق كتابه وقسوته وعانق باكيا حصانا يتألم ..أما برهان فما فعله هو أنه في لحظة صراحة مع النفس ولحظة الألم السوري .. تبول على كتبه ..وبال على نفسه..

 

 

تفخيخ الاسلام بصكوك الغفران .. القرضاوي وأوهام ظل الاله

مارس 25, 2012

أعتقد ان من المغالطات المطروحة هذه الأيام هي سؤال مامدى تأثير الاسلام في اتجاه الربيع العربي.. لأن أكثر الأسئلة التي تطرح نفسها الآن هي في اتجاه مغاير تماما ألا وهو: ماتأثير الربيع العربي على الاسلام نفسه؟ وماهو دور يوسف القرضاوي وأمثاله في الأزمة الاسلامية التي بدأت تطل على الاسلاميين وقد لاتنتهي؟ .. فالاسلام كعقيدة كبيرة لايمكن أن يبقى بمنأى عن التأثيرات السلبية للربيع العربي التي سيكون التيار الاسلامي أول ضحاياها وقتلاها
سأحاول في هذا المقال الابتعاد ماأمكنني عن التعقيدات العلمية لكن من الضروري الاطلاع على الفكر الناهض والأبحاث الجديدة كي نفهم البعد الفكري في أزماتنا الاجتماعية .. أريد أن نذهب جميعا في هذه المقالة في قراءة واعية لعمق الأزمة التي تسبب بها اسلاميو الثورات العربية وقادتهم الذين قادوا جمهورهم الى السلطة في بعض الدول ويحاولون ذلك جاهدين في سورية .. لكن هذه القيادات الحالية أيضا تقود العقيدة الاسلامية كلها في درب الانتحار الذاتي اذا لم تنهض حركة اصلاحية ضمن هذه التيارات الاسلامية الكبرى لتعلن ثورة على توجه القيادات الدينية المنتشرة في الساحة …لأن من يحتاج الى اصلاح جذري وربيع هو التيار الاسلامي نفسه .. قبل اصلاح الأنظمة السياسية ..
هذا القلق المشروع هو ماتفرضه علينا نظرية ومصطلح “الميمي” أي (وحدة المعلومات الثقافية) التي وضع أسسها عام 1976 الباحث البريطاني الشهير “كلينتون ريتشارد دوكينز” .. وقبل الانعطاف نحو الأزمة الاسلامية الكبرى دعونا نمر بسرعة على آراء دوكينز المثيرة..رغم مافي العرض من لغة علمية سنحاول تبسيطها ماأمكن ..
 

يعتقد دوكينز أن نظرية تشارلز دارون في تطور الأنواع والاصطفاء الطبيعي ليست مقتصرة على الأحياء البيولوجية بل ان الأفكار والمعتقدات تخضع في تطورها الى نفس عملية التطور والارتقاء باعتماد فكرة التنوع والاصطفاء والانتخاب الطبيعي والتنافس وتطوير الأنواع .. وبحسب دوكينز فان الأفكار والمعتقدات والفنون وطرق اللباس وانشاء الأبنية والتصميم العمراني كلها مثل الكائنات الحية يمكن أن تنقرض أو يمكن أن تنمو وتتطور وتنجو وتحيا .. أي قد تتعرض لطفرات اما نحو الأسوأ او نحو الأفضل .. وفيما تكون الطفرات في عالم الأحياء في المورثات (الجينات) نتيجة تعرض لحدث بيولوجي أو كيميائي كبير، فان الطفرات على الأفكار والعقائد تنتج عند التعرض للأحداث الاجتماعية والسياسية الكبيرة .. فعندها اما أن تنجو الأفكار وتنهض وتقفز نحو مرحلة جديدة ولون جديد وفروع فكرية جديدة أو تعاني النكوص والتراجع والاندحار مخلية السبيل لأفكار أخرى مغايرة ..انه قانون الانتخاب الطبيعي واصطفاء
الأفكار..الميمي

ومن المدهش أنه في كل خلية بيولوجية حية هناك برنامج وراثي يشرف على الانتحار الذاتي للخلية عند مرحلة عمرية معينة.. يشبه هذا البرنامج الديناميت أوالقنبلة الموقوتة البيولوجية فتنطلق بسببه عملية الشيخوخة البشرية أو تصفرّ أوراق الشجرفي الخريف وتسقط (تسمى عملية الانتحار الخلوي الابوتوسيز وتشرف عليها مايسمى الميتوكوندريات) ..
وكذلك فان الثقافات تخضع لنفس مصير البيولوجيا الخلوية .. أي أن في كل فكرة اجتماعية أو دين أو عقيدة أوعرف أو ايديولوجيا، هناك قنبلة موقوتة ولغم تتسبب ملامسته بانفجار الفكرة والعقيدة مالم يتمكن العقلاء والمفكرون من ابطال مفعول القنبلة الايديولوجية فتزدهر الحياة في العقيدة أو الدين أو الفكرة ..وهكذا تتوالى الثقافات وتتنوع وتتهجن .. أو تنقرض
الامثلة على ذلك واسعة جدا لكن ربما كان خير مثال على ذلك الحدث والهزة الفكرية التي تنتج الطفرة الفكرية هي اهتزاز الكنيسة الكاثوليكية بسبب قضية صكوك الغفران التي أثارت المصلح الديني “مارتن لوثير” وأنصاره على سلطة الكنيسة وسلطة البابا ليون العاشر .. فتسبب ذلك في انفجار القنبلة الموقوتة الايديولجية التي نسفت جانبا من العقلية المسيحية الكاثوليكية وأدت لظهور نوع عقائدي مسيحي جديد ..هو البروتستانتية..
 

وانفجار الفتنة الاسلامية بعيد وفاة الرسول الكريم بثلاثة عقود بسبب نزاع على الخلافة يمثل انفجارا وطفرة في العقيدة الاسلامية أنتجت التشيع والفرق الكبرى دون أن تقتل الدين الجديد .. وكذلك كان النكوص والانحدار التطوري من نصيب النظرية الشيوعية التي لم تطور نفسها فتعرضت لعوامل الانقراض مثل الديناصورات..فيما لاتزال الرأسمالية قادرة على التأقلم والتعامل مع متغيرات التطور البشري بسبب تطويرها الذاتي لأفكارها وتنقلها واصطفائها للقيم التي تفيد بقاءها ..بما فيها الأفكار الاشتراكية ..

اذا ماعرضنا الوضع السوري على نظرية “الميمي” فاننا نرى أن حزب البعث قد امتنع عن عملية التطور واطلاق الطفرات الايجابية فسقط من الدستور السوري أمام أول هزة .. لكن مؤسسة الحكم في سورية لم تسقط .. أما الثورة السورية فانها وحسب المصطلح الميمي لم تتمكن من النجاة بعد أقل من عام على اقلاعها وهي في مرحلتها الجنينية وتعرضت لنكسات كثيرة وتفكك وانخلاع الأشرعة والسبب هو تفعيل برنامج الانتحار الذاتي الذي انطلق صاعقه لغياب قيادة قوية وعاقلة للثورة تمنع أي عبث بآليات التفجير الذاتي التي تفضي الى الانتحار والانقراض ..رغم وجود برهان غليون كباحث اجتماعي يعرف ويسمع بنظرية دوكينز ..حتما
 

لكن القضية الأكثر اثارة للجدل هي مصير كل الربيع الاسلامي والاسلام السياسي بعد تلكؤه في سورية .. فسيكون من الغباء أن تعتقد التيارات الاسلامية أنها انتصرت وأن المرحلة القادمة قد استتبت لها وأن الألغام العقائدية لن تمس .. بل ستتحمل القيادات الاخوانية والدينية الرئيسية مسؤولية التصدع والفالق الفكري في الجسم الاسلامي – الاسلامي الذي بدأنا نرى شقوقه ان لم تحاول تشخيص المشكلة ومعالجتها لأن انكشاف أطر المشروع الاسلامي الاخواني وأفكاره بسرعة في الربيع العربي ومدى تشابكه مع المؤسسات الغربية وتساقط شعاراته الجهادية كلها دفعة واحدة في سبيل السلطة لاستبدالها بجهاد من نوع التناحر الداخلي (في مصر وسورية وليبيا وتونس) تسبب في أزمة ايديولوجية عويصة وصدمة كهربائية عنيفة .. قد تطلق عملية الانتحار الذاتي للفكر الاسلامي السياسي وهو يواجه الأعاصير الفكرية الكبرى في العالم .. أو أنه سيلقى مصير الكنيسة الكاثوليكية بظهور البروتستانية الاسلامية المتمردة عليه.. الانشطار سيكون أفقيا وسيصيب كل المذاهب الاسلامية بلا استثناء وان بدرجات مختلفة لكن المذهب “السني” سيكون الأكثر تعرضا للاهتزاز في الربيع الاسلامي الناهض ..

 

كان لتعثر الربيع الاسلامي في مرحلته السورية السبب في اصطدامه بمواجهة أخلاقية صاخبة مع ذاته ودافعا لطرح أزمة اسلامية داخلية مرتدة بدأت تفرض على الفكر الاسلامي مواجهة حادة مع نفسه على غير العادة وعلى غير مايتوقعه أحد .. وستكون هذه المواجهة سببا في اتجاهه نحو انتاج طفرة اسلامية مختلفة تساهم في عملية الانشطار الفكري الاسلامي والاصطفاء الطبيعي للاسلاميات المتصارعة .. التي ستفرز اما اسلاما مريضا يتآكل ويتغير لونه وملامحه فيهرم ويشيخ ويجلس على كرسي متحرك اذا ماهيمن عليه الاسلام النفطي ، وما يترتب على ذلك من النكوص الفكري النهائي للتيار الاسلامي ونهاية المرحلة السياسية الاسلامية بسرعة غير متوقعة .. أو أن الصراع الداخلي العقائدي داخل الايديولوجيات الاسلامية السياسية بفعل تخبطات اسلاميي الربيع العربي سيتمكن من اطلاق طفرة ايجابية نابضة بالتجدد والحياة فتتخلص من عملية النكوص العقلي والتردي نحو الانتحار الذاتي .. بالتخلص من قيادات ومفكري هذه المرحلة وتجاوزهم..
بداية الأزمة الاسلامية العميقة كان من المفترض أن تتسبب بها أحداث سبتمبر .. لكن يبدو أن أحداث سبتمبر العاصفة قد طغى غبارها على الأزمة الاسلامية الحقيقية فبدت القضية أزمة اسلامية غربية .. لكن أحداث سبتمبر بذرت البذرة لتلك الأزمة الاسلامية – الاسلامية وجاء وقت الوضع في مابعد حصاد موسم الربيع العربي..

 

مايحدث في العالم العربي ليس أمرا هينا بل سيكون أشبه بمرحلة انكسار الكنيسة في أوروبة ومرحلة صكوك الغفران .. فالجسم العربي المحموم والمتعرق في فراش التعب والحمى منذ عدة سنوات دخل في مرحلة من الاضطراب الجسدي والنفسي وعانى من تقيؤ المراحل السابقة ..القيء خالطه الدم ..ثم وجدنا أن هذا العالم العربي نهض ليسير على قدميه وهو محموم ويهذي بالربيع العربي الاسلامي الأخضر..
من ينظر الى المرحلة الحالية يعتقد ان الموجة الاسلامية طاغية وانها لن تتوقف .. لكن الانعراج في المسار الذي تحقق بتماسك المرحلة السورية قد تسبب بحادث اصطدام لهذا الربيع العربي مع قوة نابذة جعلت عملية الاصلاح السياسي أقل ضرورة بكثير من عملية الاصلاح الديني .. وكان لاندفاعة الاسلاميين الشرسة نحو السلطة في الربيع العربي وتجاه الحكم في سورية سببا في انكشاف عيوب هائلة وثغرات مفجعة خطرة جدا على التيار الاسلامي نفسه .. هذا التيار الذي يرزح تحت وطاة المغالاة الاسلامية والذي انتهكه كل عابر دين .. وتحول الى معمل لانتاج الفتاوى غير الطبيعية والاسلاميات “الاسرائيلية” المعلّبة بمواصفات تجارية .. فعبرت اليه كل الفتاوى القاتلة ..

 

العقدة السورية تسببت في ظهور حاجة ملحّة داخل اسلامية للاصلاح الديني وبشكل عاجل قبل الاصلاح السياسي .. والتردد في عملية الاصلاح الديني سيخرب على أي خطوة نحو الاصلاح السياسي ..ولايبدو حصيفا التركيز على اصلاح دستور والغاء مواد واضافة مواد واطلاق انتخابات حرة وممارسة ديمقراطية ..ولن يفيد تغيير نظام حكم هنا أو هناك مالم يتم ايقاف القوة الطافرة في دم وجينات القوى الاسلامية التي ستتسبب في كوارث قد لاتنتهي الا بعد قرن من الزمان باسلام لايشبه شيئا ..
الحديث مع الاسلاميين العقلاء بدأ ياخذ طابعا آخر وهو القلق المتزايد من الرحلة الاسلامية الجديدة وقادتها المغامرين وظهور مايشبه مامرت به أوروبة ابان فترة البابا ليون العاشر وقضية صكوك الغفران .. صكوك الغفران التي دشن عهدها الشيخ يوسف القرضاوي وتبعه لفيف من الاسلاميين الذين انتشروا في مساجد السعودية ومصر وتونس وليبيا حيث تسابق العريفي مع اللحيدان مع العرعور مع شيخ الأزهر ومرشد الاخوان في الافتاء بالشأن السوري بل ووصل الامر بمعظمهم الى اهدار دم الرئيس الأسد .. حتى أن عمرو خالد الوديع الذي كان محسوبا على المعتدلين واسلام ذوي الياقات البيضاء وربطات العنق والاتيكيت ولم يقل كلمة سوء بحق الاسرائيليين ولا بحق رسوم كاريكاتير النبي ..عمرو خالد الذي دعا الى الحوار مع الأعداء والخصوم وسافر الى الدانمارك للقاء المعتدين وحوارهم .. هذا الوديع انضم الى الجوقة الدينية وافتتح دعوة حثيثة للدعاء لنصرة “ثوار” سورية وللدعاء باهلاك الرئيس بشار الأسد للانتقام منه دون تبين ودون أن يكلف نفسه عناء السفر الى سورية والبحث عن مدى صحة الادعاءات بمسؤولية الرئيس عن قتل الأبرياء مثلما تجشم عناء السفر الى الدانمارك لحوار الرسامين الدانماركيين في الفنادق الفخمة .. واجتهد لتبرئة نواياهم !!

 

مايطلقه رجال الدين في هذه المرحلة بزعامة القرضاوي وفريق الاسلاميين “الفضائيين” الجدد فاق مايسمى بقضية صكوك الغفران المسيحية لأن القرضاوي ومجموعته المتطرفة صارت تتصرف وكأنها تقف على أبواب السماء وبوابات الجنة والجحيم لتعطي صكوك الغفران لمن يقتل الزعيم القذافي أو من يقتل الرئيس الأسد أو من يواليه .. وتعطي أحكام الموت من بعيد ودون محاكمات على مجموعات بشرية كاملة .. وتصدر صكوك الموت ..
سيخطئ كثيرا من يعتقد أن القضية ستنتهي هنا لأن هذا الاستيلاء على عملية منح الموت والحياة والجنة والنار بعملية الافتاء واصدار الصكوك القاتلة أوالغافرة (باسم فتوى) لم يعد مجرد خلاف في الرأي والاجتهاد بل صار تراكما للأزمات المحشوة بالمتفجرات الاجتماعية ..فاعادة تأسيس فتاوى القتل بهذه الغزارة سيؤسس لسهولة انفراط العقد الاجتماعي في المجتمعات الاسلامية .. وسيؤسس لمرحلة التراشق بالفتاوى والتكفير والموت والتحصن بصكوك الغفران .. وبدل ان يحاط الملوك والأمراء بأجهزة استخبارات لحمايتهم وللتآمر على خصومهم من حكام الجوار سيكون لكل واحد مجموعة افتاء ضاربة تصدر أحكام الاعدام الشرعي على المواطنين المعارضين وعلى الخصوم .. وستتكاثر المجموعات التي تصدر الفتاوى المضادة بحيث يتحول المجتمع كله الى مجموعات كل منها يمسك بصكوك غفرانه ويمارس العنف وهو مرتاح أنه آمن من غضب الله ..
 

مانراه اليوم من تسابق على اهدار الدماء والحث على الموت سيطلق حركة داخلية من قلب الموجات الاسلامية تطالب اما بالمزيد من العنف لتطهير المجتمعات الاسلامية من كل “الشرور” لأن هذه المجموعات الهائجة التي أطلقها القرضاوي لايمكن اعادتها الى الحظائر .. واما أن تطالب مجموعات أخرى بالرحمة بهذه المجتمعات وتتذمر من أن يمسك أشخاص بشر يخطئون ويصيبون بقضية الحياة والموت مهما علت مراتبهم العلمية والروحية .. خاصة أن كل من يصدر الفتاوى ويشن الهجمات المتواصلة على الموقف السوري الرسمي يتسبب بالحرج لكل من يسمعه بسبب ثغرة أخلاقية هائلة لايمكن معها اعلان البراءة من المذاق السياسي الدنيوي لصاحب الفتوى .. الثغرات الأخلاقية لم يعد التغاضي عنها سهلا وميسورا وسهل الهضم ..

 

فالقرضاوي لم يتفوه بكلمة ذات شأن بشأن قاعدة العيديد ولابشأن فساد الأسر الحاكمة الأميرية والملكية في الخليج والسعودية .. ولو كان تعرض بصراحة الى أي من هذه الأشياء لكان لفتاواه قيمة دينية محصنة بالنزاهة واللامجاملة .. وعلاوة على ذلك صارت عمليات وثقافة الافتاء التي ينشرها مزواجة مطلاقة تتكاثر بلا ضوابط وقد ضلت الطريق وصارت مهنة من لامهنة له .. ولم تعد لها ايقاعات قرآنية بل اسرائيلية بلا نقاش .. ولاتخضع أية فتوى لمراجعة من قبل خبراء شرعيين للاجماع عليها أو من قبل برلمان شرعي منتخب يقرها بعد اخضاعها لنقاش مديد مطول مسنود بأسانيد الفقه .. كما أن توجيه الخطاب الديني العائم الى مجموعات دينية بسيطة تحمل السلاح هو ذروة اللامبالاة …فالقرضاوي أو غيره يلقي الفتوى فتتلقفها مجموعات هائجة بلا ضوابط .. لتنتج لنا مشهدا مقززا ومنفرا مثل مشهد اعتقال الرئيس القذافي وتعذيبه واعدامه (حتى ولو كان بتعليمات أمريكية) ومشاهد العنف في العراق سابقا وفي سوريا حاليا .. يحدث ذلك دون كلمة نصيحة واحدة من المراجع الدينية الاسلامية .. باحترام الأسير وبالرحمة في الموت ..
نفس الخطيئة ارتكبتها المراجع “الشيعية” بعدم ادانة توقيت اعدام الرئيس العراقي يوم العيد وهمجية تصويره لحظة موته وبعد موته .. موقف تشف دفعت ثمنه هذه المراجع وطوائفها في نمو شعور طافر متوتر لدى بعض الجمهور “السني” بكراهية مفرطة “للشيعة”.. كراهية بنت عليها القوى الغربية كل استثمارها في الربيع العربي والاسلامي لانشاء “هلال سن”ي لمواجهة ايران تحديدا نيابة عن الغرب ..تجلى ذلك بوضوح في الأزمة السورية التي دأب قادة الثورة فيها على تطمين اسرائيل واطلاق الوعيد والتهديد ضد ايران وحزب الله مستندين الى جمهور يرى في تبديل العدو ارضاء لغرائزه الطافرة حديثا ..
والغريب أن عملية اعدام وقتل النفس هي اسهل عملية في الفكر الاسلامي الجديد “الفضائي” الذي أنتجه الربيع العربي و”القرضاوية” بدل أن تكون هي أصعب عملية بعد الانتصار “الثوري” على استهتار الانظمة القمعية بأرواح الناس ..وكان أهم درس يجب تلقينه للجمهور هو أن القتل الذي عانى منه المجتمع في ظل الديكتاتوريات عمل رهيب لايجوز الا في اطار قانون ومحاكمات عادلة ويجب فيه الخشوع والرحمة .. ومايؤلم أنه ربما يخضع قانون مروري أو رفع سعر سلعة غذائية لنقاشات المختصين والبرلمانيين والاقتصاديين العرب أو تحظى المداولات حول محتويات مائدة عشاء في قمة خليجية لنقاشات أطول من أية فتوى لها علاقة بأرواح آخرين وحياة أفراد ومجموعات بشرية .. وهذه الطريقة في الافتاء بدت محاولة للسطو على كرسي الرسول نفسه الذي كان يقرر قضايا كبيرة جدا مستندا الى موقعه الروحي الديني القيادي للاسلام والى أنه “لاينطق عن الهوى ..ان هو الا وحي يوحى” .. حتى عندما قال بحق ثلاثة من المشركين عند دخول مكة ” اقتلوهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة” ..
وانفراد القرضاوي واللحيدان والعريفي وعمرو خالد وغيرهم بقيادة الفتاوى واستيلادها هو استيلاء على كرسي الرسول ومافوضه الله كما صار يتردد في كثير من المواقع الاسلامية التي بدأت تطل برأسها ..لأن مايقوله هؤلاء لايمكن أن يكون “وحيا يوحى” ..حتى لايناقش..في زمن لم يعد وعاظ السلاطين يقتصر وعظهم على جمهور قليل لايناقش بل تنال مواعظهم أسماع عشرات الملايين في لحظات وهم يرقبون الفضاء..

 

وتتبلور بشكل جلي موجات تتنامى بسرعة لتعلن مرحلة التمرد .. بدأت هذه الموجات بالرد على القرضاوي وفريقه وبعضها أخذ شكلا متميزا وثوريا متمردا في تصريحات الشيخ صلاح الدين أبو عرفة من المسجد الأقصى الذي لم يتردد في تسمية القرضاوي بمسيلمة الكذاب .. وبعضها بدأ يتململ ويطلب بتهذيب من القرضاوي التراجع أو اعادة النظر فيما يقول .. وهذه الدعوات تمهد لولادة تيار اصلاحي قوي ينتظر ظهور مارتن لوثير “مسلم” يرد على احتكار المرجعيات الاسلامية لقضايا الافتاء وطريقة “القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” الذي يوقع على صكوك الغفران للقتلة .. تذمر بدأ يعلن تمرده على المدارس التقليدية الاسلامية التي همشته .. وربما يتسبب في ظهور حركة اسلامية كبرى تطيح بالمراجع الاسلامية الكبرى من الأزهر الضعيف الى الحرم المكي المغيب ..
الربيع العربي انطلق كمشروع سياسي لكن ماتبين أنه بحاجة ماسة للاصلاح هو التيار الديني الاسلامي السياسي الذي لم يتمكن من تجنب الفوضى العقائدية ولم يتكمن من ادانة نفسه عندما يخطئ ..وهذا تيار قدم الثقافة الاسلامية على أنها ثقافة عنف وأن مواليه هم مجموعات من القتلة المحترفين والانتحاريين المجانين ..لم تصدر أية فتوى ولا أي موقف من تفجيرات دمشق وحلب التي يفترض انها تعيش مخاض ثورة وتحرير ..وبرغم ادعاءات المعارضة السورية ودون أي دليل تورط النظام الحاكم، فانه لم توجد مؤسسة دينية اسلامية من مؤسسات الربيع العربي من اتحاد علماء المسلمين الى الأزهر الى الحرم المكي قالت مرة واحدة ان هذه العمليات التي تصيب المدنيين ومن أية جهة لاتنتمي الى الاسلام ولا الى الثورة ..وتركت الجميع يعتقد أن الدولة فعلتها …ولكن لماذا لاتدينها هذه المؤسسات وتوصي بحرمتها ان لم تكن متعاطفة وراعية ومؤيدة لها؟

 

الثورة البروتستانية أو الطفرة الفكرية التطورية بحسب دوكينز استغرقت سنوات في زمنها لتنتشر لكن في زمن كهذا فان الطفرة الفكرية الاسلامية قد تندلع بسرعة وتنتشر ويكون لانتشارها ثمن باهظ يتمثل في صراع اسلامي- اسلامي وربما داخل الطوائف ذاتها .. لأن الاسلام الذي تولته “القرضاوية” والدعاة الفضائيون الجدد لن يرضي تيارا ناهضا لايبارك هذه المجموعة .. والفضل في ذلك يرجع الى ماظهر من عار لحق بالاسلاميين في الربيع العربي وبالذات الفضيحة التي ظهرت في “ثورة” سورية …فضيحة مجلجلة جعلت الجميع يتساءل …من يستحق الاصلاح؟ ..الانظمة السياسية أم التيارات الاسلامية؟ …أم قادة الحركات الدينية وعملية الافتاء بالموت والقتل الرهيبة؟!! ..
أخيرا أنوّه الى أن آخر ماكتبه دوكينز هو كتاب شهير اسمه “وهم الاله” .. أحدث ضجة كبيرة واعتراضات كثيرة وهو كتاب الحادي بامتياز وتوّجه صاحبه بحملة في العالم وعلى جدران وباصات لندن بشعار “لاتقلق ..حتما لاوجود للاله” ..اضطر لتعديله بعد الانتقادات ليصبح ” لاتقلق ..غالبا لاوجود للاله” .. سيضاهيه كتاب قادم من رحم الربيع العربي سيكتبه اصلاحيون اسلاميون ثائرون اسمه “وهم الاسلام السياسي” ..وسيعلقون المناشير على حيطان الرياض وجدة والأزهر وقصر القرضاوي في قطر .. وجدران مكتب الأبله منصف المرزوقي .. وجدران مكتب مصطفى عبد الجليل .. المناشير ستقول “لاتقلق .. حتما لاوجود للاسلام السياسي” .. ولن يطالب بتعديله أحد ..لأن مايحدث هو تفخيخ الاسلام .. بصكوك الغفران..

 

 

 تركيا.. نيبال الشرق الأوسط.. كيف تسقط السماء على الأرض..؟

لو سقطت السماء على الأرض هذه الأيام لرفعتها تنهدات وزفرات الساسة الأتراك في استانبول.. ولو سقطت النيازك من الفضاء على استانبول لانحرفت مساراتها من زفرات أردوغان هذه الأيام.. ولو مرت كل غيوم العالم في سماء أنقرة لبددتها وشتتتها كعصف مأكول حدة الجدال الدائر في أروقة المطابخ السياسية التركية وهي تتساءل عما يمكن أن يفعله أردوغان!!.

في الشأن التركي لاحاجة لقراءة الكثير ولاحاجة للمراوغة.. ولاضرورة للمراجعة في مراجع السياسة الدولية ولا انتقاء المفردات الدبلوماسية كيلا يصاب أحد بالحرج.. ولاحاجة لإضاعة الوقت في تفحص لون عيون تركيا.. فأكثر مايحتاجه الناظر إلى الشأن التركي هو عين فاحصة على الجغرافيا.. كيلا يصيبه الوهم والتوهم.. فتركيا هي نيبال الشرق الأوسط.. موقع محير سياسياً وجغرافياً.. فلا هي إسلامية ولاهي غربية ولاهي آسيوية ولاهي أوروبية، وكذلك سياستها غامضة منذ سقطت الخلافة، لكن أكثر كلمة تناسب السياسة التركية حالياً هي السياسة الحائرة والحائرة جداً.

الموقف التركي في الأزمة السورية لايحير أحداً كما يحير الأتراك أنفسهم في كل مستوياتهم، كل شيء في تركيا حائر من قصر يلدز إلى قبر أتاتورك ومن شرق تركيا الى غربها من بواباتها الأوروبية الى سدودها في الشرق، الأزمة السورية على غير توقع دوّخت حزب أردوغان الذي كان في بلاده وفي الشرق يتمايل كما واثق الخطوة يمشي ملكاً، وهو يبني الحديقة الإسلامية- الصهيونية لأن السؤال الذي يتمنى أردوغان أن يجيب عليه أحد هو: ماذا بعد يا أردوغان؟!!…

كان إسقاط الطائرة التركية حادثاً أصاب مستقبل أردوغان، فمن يسمع الرجل منذ أشهر كان يعتقد أن حادثاً كهذا سيجلب الكارثة على سورية، ولكن الرجل لايريد الآن سوى اعتذار، اعتذار لم يعطه له الإسرائيليون سابقاً، ولن يعطيه له السوريون لاحقاً، أطوار هذا الرجل غريبة يطلق العنتريات في شوارع الشرق الأوسط، وعندما يصفعه أحد لايطلب منه سوى اعتذار لاينال، وكما أن مصير الطيارين التركيين غير معروف بعد فإن مستقبل أردوغان على المدى الطويل صار مجهولاً لما تسبب به تورطه من إحراج لهيبة وسمعة تركيا في الشرق بل واستقرارها نفسه..

أردوغان وفريقه يشبهون من يجلس في مسابقة المليون على كرسي وقد وصل الى الأسئلة الصعبة، والسؤال الآن هو: ماذا بعد يا أردوغان؟!.. لقد تجاوز الرجل وفريقه الأسئلة السهلة (التي يكسبها كل المتسابقين لتشجيعهم) عن ليبيا وتونس ومصر، ولكنه في السؤال السوري تبين له أن سؤال المليون صعب للغاية، وأنه لا يعرف الإجابة ويبدو طيف جائزة المليون بعيداً أكثر وأكثر، وبالرغم من أن أردوغان وفريقه طلب مشورة صديق هو الناتو، فإن صديقه لم يقدر على إعطائه إجابة شافية ويفرك أردوغان جبهته ويسأل: ماذا بعد ياأردوغان؟ يتأمل أردوغان وفريقه أربعة احتمالات عليه أن يختار أحدها ولكن الجواب الخاطئ سيخرجه من المسابقة تماماً خاسراً كل ماكسب:

1- إما أن يعود من حيث أتى ويعود به الزمن إلى أيام كان المواليد في الشرق العربي يسميهم آباؤهم رجب وطيب وأردوغان، إلى أيام كان يدخل الشام كما أهل الشام ويلعب وسيطاً مهاباً في الشرق، ولكن أردوغان الآن مكروه أكثر مما كان جمال باشا السفاح مكروهاً، صار مكروهاً من الوطنيين السوريين لخيانته، ومكروهاً من المعارضين الذين خذلهم ووعدهم بالقدوم على حصان الناتو الأبلق.. ولم يفعل!!.

ولكن من يقدر على أن يعيد أردوغان الى الشرق غير السوريين؟؟.. دخل أردوغان تاريخ تركيا نفسها من البوابة السورية، لأن الأتراك عادوا الى الشرق عندما أغلقت دمشق متحف جمال باشا السفاح وأيامه الكئيبة ومعركة السلطان سليم في مرج دابق، ومن أجل ثلاث دقائق في دافوس شطبت دمشق 400 سنة عثمانية كراهية، ومن أجل سفرة تركية واحدة الى غزة هدمت دمشق كل جبال طوروس أمام الأتراك وصارت حلب ودمشق مرئية لمن يدخن الأركيلة في استانبول، ولكن بعد الخيانة والطعنة الغادرة الآن جاءت مقامرة أردوغان وفريقه بسلسلة جبال الهيمالايا وقمة ايفريست إلى حدود تركيا الجنوبية ولن ترحل أبداً..

2- إما أن يكمل المشوار مع المعارضة السورية التي صارت أكبر نحس ونذير شؤم يلتصق بحزب العدالة والتنمية منذ ولد في المعترك السياسي، إنها العلاقة التي جعلته مقامراً خاسراً.. لاشك أن أردوغان السياسي الطموح والذي يحب النجاح والمدائح صار يكره المعارضة السورية في قرارة نفسه، وصار اسم سورية هو الشؤم بعينه والتي يراها في كوابيسه، وكأن نظراته الى المعارضين السوريين تقول عندما يقابلهم: يانذر الشؤم من أين أتيتم؟؟.. ولكن من يدري أين نهاية المشوار مع المعارضة السورية؟ وكيف ستكون؟ وكم الثمن؟ وهل هو طريق مأمون العواقب بعد اليوم..

3- ألا يعود من حيث أتى ولايكمل المشوار، بل يبقى حيث هو دون أي حركة بحيث يترك الباب موارباً للمستقبل للعودة لزيارة الشام كبطل سابق في رفع الأثقال الشرقية، إذا جاءت مرحلة الصفح والغفران. أما إذا سقط النظام بالصدفة فإنه سيدخل الشام عبر المعارضة السورية كشخص له أفضال عليها دون أن يبقى في مرتبة الشهم (أبو اليتامى).. لكثرة خذلانه للمعارضة.

4- أن يعلن أنه سيغير قواعد الاشتباك ويدفع نحو الحرب مع سورية، ولكن هذا بحد ذاته سيكون مقامرة المقامرات لأنه سيكون الثقب الأسود الذي سيمتص المنطقة الى حرب طاحنة لن تنتهي إلا على جثة أردوغان السياسية.. إنه خيار انتحاري!!.

لقد تحول “الربيع العربي” بالتدريج من ثورة يديرها بالوكالة أمراء الخليج مع خلفاء بني عثمان لبناء الحديقة الإسلامية- الصهيونية الى مغامرة يخوضها الاسلاميون الصهاينة في استانبول ولكن ومع تقدم الزمن تحولت المغامرة الى مقامرة تركية بلا أمل.

لافرق بين المغامر والمقامر، إلا أن المغامر يفعل فعل المغامرة معتمداً على شيء من الحظ وشيء من الموهبة والإمكانات الشخصية والشجاعة الفردية والجسارة مثل مغامرات الرئيس صدام حسين. أما المقامر فإنه يعتمد على الحظ فقط دون أي مواهب أو إمكانات، وهو يفسر الأحداث حسب سوء الطالع أو حسن الطالع، ومثال المقامر هو الموقف التركي الذي صاغه المقامرون الثلاثة في السياسة والذين جروا حزب العدالة والتنمية… إنه مثلث أردوغان- غول- أوغلو.

هذا الثلاثي المقامر في وضع لايحسد عليه على الإطلاق، ولا أبالغ إن قلت إن كم القلق في مقر القيادة في استانبول من تطورات الأحداث السورية وتعقيداتها وتعثر المشروع الإسلامي السوري هو أكبر بكثير من كم القلق الذي تمر بعض أحياء حمص التي هرستها مطاحن المقاتلين، وبالتأكيد فإن قصر الشعب في سورية رغم كل الضغوط والعقوبات الأوروبية فإن حجم الأخبار المريحة التي تدخله يومياً عن إنجازات سياسية وداخلية واستخباراتية واتصالات تجعل الأعصاب باردة، ولكن نفس هذه الأخبار تدخل الى رئاسة الوزراء التركية يومياً وتجعل منسوب التوتر وفرك الأصابع لايحتمل.. والزفير كالأعاصير.

فقد يستطيع محلل أن يتنبأ أين ستكون سورية غداً وفق عدة احتمالات لكن لايعرف أحد أين صارت تركيا في عهد أردوغان وأين ستصير غداً!!.

فقبل أردوغان كان هناك اتجاه وأمل وجهد بأن تركيا ذاهبة إن عاجلاً أو آجلاً الى الغرب. وأن ميولها وأحلامها الأوروبية ستحرك الجغرافيا، وأن القطعة التركية تلتصق أكثر بأوروبا وسيتلاشى مضيق البوسفور وتلتحم شفتاه فيما ستتشقق الأرض وتصنع فالقاً أبدياً على امتداد جبال طوروس التي تربطها كالمشيمة بأمها الآسيوية وشرقها الإسلامي تفصل تركيا عن الشرق إلى الأبد، أي إن التاريخ العثماني الذي يرتدي الشروال قد فصله أتاتورك بحد السيف عن وجدان المواطن التركي الذي حلق لحيته وحروف لغته وصار لون عيون تركيا أزرق ولون دستورها أنغلوساكسونياً.

لكن أعلن أردوغان في بياناته الانتخابية أن لتركيا موقعاً وضميراً إسلامياً وقلباً عثمانياً.. وأوهم الشعب التركي أنه العملاق الذي سيرفع السوط الإسلامي في الشرق وتسمع فرقعته الدنيا حتى أوروبا سيذلها بالسوط الإسلامي وسيعود لون عيون تركيا بنياً، إلا أن الأوروبيين استعملوا هذه النزعة العلنية لإبعاد حلم تركيا عن أوروبا وعادوا إلى عناد معركة فيينا ضد التوجه التركي نحو دخول أوروبا، واتسع مضيق البوسفور الى أن ساوى عرض البحر المتوسط.

وعندما جاء “الربيع العربي” وفي خضم الأزمة السورية ظهر أردوغان في موقف مغاير حاملاً لضمير الناتو وممسكاً بسوط الغرب الإسلامي، وتبيّن أن السوط الإسلامي الذي رفعه أردوغان وجلد به الشرق من تونس الى سورية قد سقط من يده على أعتاب جسر الشغور السورية، وكلما حاول استعادته لسعته سياط الفشل في حماة وفي بابا عمرو، والآن سقط في البحر قبالة قرية أم الطيور السورية، والفضيحة أن السوط لم يكن إسلامياً بل سوط الغرب والناتو على ظهور العرب والمسلمين، وأن ما اعتقدناه لوناً شرقياً على السوط كان لون الدم العربي في ليبيا وفي فلسطين وفي العراق، سوط مغمس بالدم واللحم الممزق بيد أردوغان. فنهضت المخاوف في الشرق كله من تركيا وارتفعت جبال طوروس أكثر الى السماء، ولذلك صار المثقفون الأتراك يميلون للقول إن الورطة التركية في الأزمة السورية لم تعد سياسية بل هي ورطة هوية حقيقية وورطة مستقبل أمة بكاملها كشفتها مقامرة أردوغان في الجنوب على حدود سورية،

إنها مقامرة كشفت أن عملية خلط الماضي بالحاضر كانت ضحكاً على الذقون، إنها الوصفة الرهيبة لتدهور الهوية التركية ولولوجها الأزمات لأن بعض المثقفين الأتراك الذين لحقوا مسرحيات أردوغان لم يعودوا يصدقون إن قيل لهم إن تركيا يمكن أن تقود الخلافة الاسلامية الحديثة لأنهم اكتشفوا أن تركيا الأردوغانية لا تزال عضواً فعالاً في الناتو ويستغيث بالناتو، بل وعضواً أطلسياً فعالاً ضد البلدان الاسلامية من أفغانستان الى ليبيا، والأطلسي هو أكثر أعداء الخلافات الاسلامية على الإطلاق منذ وجدت الخلافة الاسلامية على هذا الكوكب.

الدور التركي في “الربيع العربي” وفي أزمة سورية فتح العين التركية على حقيقة مؤلمة، وهي أن هوية تركيا لاتزال مفقودة منذ أن أعدم السلطان عبد الحميد ومنذ أن خرجت من الشرق عبر آخر بوابات الشام فلا هي في الغرب ولاهي في الشرق ولم يعد لها مكان هنا أو هناك!!.

إن مرحلة أردوغان تحصر تركيا أكثر وأكثر مثل حبة الحمص بين الشرق والغرب، وصار البعض يشبهها بدولة نيبال الواقعة بين قوتين بشريتين عظيمتين هما الصين والهند، فلا هي هندية ولا هي صينية وهي تهرس كلما تناطح وتدافع العملاقان الأصفر والأسمر.. إذا ما تكامل المحور السوري العراقي الإيراني مع الروسي، فستتحول تركيا الى نيبال الشرق الأوسط حبة حمّص مطحونة بين كتلتين كبيرتين متخاصمتين، كتلة الشرق المقاوم وكتلة الغرب الأوروبي.

لا يوجد رجل وضع تركيا في التيه مثل أردوغان ولايعرف أحد كيف سينتهي المستقبل السياسي لهذا الرجل الذي انتقل من الدبلوماسي الذي يقطف النجاح تلو النجاح الى الدبلوماسي الذي تقطفه الأزمات تلو الأزمات وهو يتلفت حواليه ويتعثر بخياله في أزمات الشرق العربي هذه الأيام.

السؤال الصعب جداً العاجل جداً الذي لايعرف أردوغان كيف يجيب عليه حتى الآن في اجتماعاته مع حلفائه وخصومه السياسيين في تركيا هو: ماهي الفائدة التي سيجنيها من تورطه في حرب على السوريين؟.. قد يقبل المواطن التركي بثرثراته وعنترياته لنصرة المآسي الإنسانية في سورية كما يصورها الاسلاميون الصهاينة، لكن التركي الذي يقبل بإيواء المعارضة والمسلحين السوريين والدعم المعنوي للمعارضة السورية سيسأل عن مدى الحكمة من إرسال أولاده للموت في الحرب من أجل ثوار دوما وإدلب، وكذلك فإن المثقفين الأتراك يعرفون أن دعم الناتو دعم خبيث، فهو يعني أن تدخل تركيا الحرب ويبقى الناتو في الفضاء والسماء، ويحارب من أعلى نقطة دون أن يخسر جندياً واحداً، فيما الشباب التركي يلتحم بالشباب السوري على الأرض ويموت، وفيما تنام مدن الغرب على أصوات الموسيقا الهادئة ستنام المدن التركية على صوت القصف وصفير صفارات الإنذار وتكبيرات تشييع القتلى وانفجار الصواريخ وانفجار الأزمات ونهوض غضب الأقليات التركية والمذهبية.

فهل لايزال المجانين يصدقون أن تركيا ستؤخذ للحرب من أذنها لتحارب سورية؟!…

صدقوني لو سقطت السماء على الأرض لرفعتها هموم أردوغان وحيرته وأحزانه هذه الأيام، لأنه لو غامر بالحرب لأسقطنا السماء على الأرض في استانبول.. وهذا مايوجع أردوغان!!.

 

 

عندما تنزف سورية .. بين الوطنية والوثنية

 

 

 

 الخميس 3 / 05 / 2012 - 09:41 صباحاً 

لست أملك نواصي الحروف ولاأقدارها .. ولست أمسك بأعنّة الكلمات لأهدئها عندما تثور وتضرب بحوافرها سجون صدري وسياج عقلي .. ولم أتعود على التلويح بالسياط وفرقعتها لأحرك الحروف كالقطعان على حظائر السطور .. ولست جنرالا من جنرالات اللغة، يضع النجوم الثقيلة والنياشين الكثيرة التي تنوء بحملها الأكتاف والصدور، وتخضع لأوامره فيالق الكلام وكتائب النثر وتراكيب ودروع اللغة العربية .. وأنا لست راعيا عند أحد .. وكلماتي ليست قطعانا لأغنام القرية .. ولا لأي آغا .. أو باشا .. أو نظام .. أو ثورة ..

لست كل هؤلاء ..ولست أيّا من هؤلاء

ومع هذا فان كل الكلمات تعرفني .. وكل الحروف تأبى الا أن تصافحني .. لأنني لاتنام قصيدة قبل أن أتناول معها العشاء ثم أحكي لها حكاية المساء .. ولأنني أنا من يمشط شعر القوافي بأمشاط دمشقية .. وأنا من يعلمها فن الحرية والتمرد .. ويطلقها من سجون التقاليد والنفاق .. فالكلمات تعشق من يواعدها تحت المطر وليس في حفلات الصالونات والقصور .. وأنا أقدر أن أكون ساحرا يحيل كل الكلمات الى أسراب عصافير وطيور سنونو تطير من قبعته ولايهدأ ضجيجها وهي ترف على أشجار العقول .. وأنا من يضع على أكتاف الكلمات وشاحا عندما تغفو في برد المساء لئلا تصاب بالقشعريرة والزكام..

ولكن ..

ولكن ..

ولكن ماأصعب الكلام أقوله لامرأة حزينة على شهيد فقدته هذه الأيام ..ماأصعب الكلام

ماالذي يحدث في صداقتي للكلام أمام دموع امرأة غصت وهي تتذكر حبيبها الذي لن يعود .. وشقيقها الذي تحول الى ذكرى من الطفولة .. كيف يصبح الكلام خشبا .. بعد أن كان ماء وخمرا وعنبا

فكل صداقتي للكلام .. وكل علاقاتي الغرامية والسرية بالقصائد .. وكل عناقي للكلمات وكل رقصاتي مع خصورها ..

وكل دروس النزق .. وكل مالدي من كنوز الصور والقبل مع اللغة والبيان ..

كل مالدي .. لم ينفع أمام كلمات امرأة وصلت دموعها الى بريدي فبللته .. استشهد أخوها..أو زوجها ..أو ولدها .. استشهد بطلا وهو يرتدي بزته العسكرية ..أو يرتدي نجمتين قطفهما من علم بألوان ثلاثة ..أحمر ..وأبيض ..وأسود

فعلى باب بريدي وقفت هذه الكلمات المبللة بالمطر وحزن الغيوم والتي انحنيت لها انحناءة طويلة ..وتلعثم كلامي .. فاسمحوا لي أن أقدمها لكم لتنحنوا مثلي لها ولتعرفوا نعمة الانحناء للصدق الذي يستحق الانحناء ..ولتعرفوا متى يكون الانحناء عملا عظيما يباهي به الانسان:

نارام العزيز:

كتاباتك كانت دائما ملهما لي في هذه الايام السوداء التي تمر فيها سوريا الحبيبة.. ولكني الان أحس أن السواد طغى على كل شيء, عندما تلقيت البارحة خبر استشهاد أخي المهندس الضابط ...في ادلب .. أخي الوردة ذو الخمسة والاربعين ربيعا, الذي خدم الوطن بكل اخلاص ولم يبخل على سوريا في يوم من الايام .. الى أن جاء اليوم الذي سقاها فيه بدمائه .. أخي شاب تتحدث بأخلاقه سوريا كلها..

مصابي عظيم, وفاجعة أبي وأمي أكبر من الوصف..وأما أطفاله الثلاثة الصغار الذي يبلغ اكبرهم من العمر اربع سنين وأصغرهم شهرين فقط، فلا أستطيع وصف مصيبتهم.....
نارام العزيز,

لا أريد منك الا أن تقول لي أن أخي لم يمت فداء للاشيء .. قل لي أن خسارته ودمه المسفوك سينبت وردا جميلا ممشوقا .. كقامة أخي.... لقد فقدت شيئا عظيما بوفاته, وكأن الشريان الذي يمدني بالحياة والامل انقطع..حتى أني لا أعرف إن كانت سوريتي الحبيبة تستحق كل هذه الدماء ..

سورية أخذت أجمل العرسان وأحلاهم,

سوريتي تعرف كيف تختار عريسها...
آخ .. آخ يا سوريتي..
 

تلعثمت وأنا أقرأ الرسالة .. وشهقت ..وضغطت على شفاهي .. فقد رفع كل الكلام الرايات البيضاء لهذه المشاعر التي دخلت

قلبي كما لو كان قلبي "مكة" في يوم الفتح العظيم ..وقد جاءه الحق وزهق الباطل

ولكن..
ولكن..
ولكن ليس كلام الصدق فقط من يقدر على احراج البلغاء و يلعثم الشعراء ... بل كلام الثوار الوثنيين أيضا .. فالثوار وثنيون بلا ريب .. وكلام الوثنيين الغبي عن الههم "الحرية" يصر على أن يقتحم سلام روحك حتى لو سكنت في جرح المسيح نفسه .. وهم يقولون: اعل’ هبل .. تعلو الحرية..

فقد زارتني منذ أيام سيدة عراقية من بغداد تعرفت عليها يوم كنت في فرنسا .. وهي تعتبر نفسها "ثائرة" ومن نشيطات الحرية وثرثرات حقوق الانسان .. جاءت لتطلب مني أن أتنسم الحرية معها وأن أتوقف عن انكار "الثورة والثوار" .. وأن أفيق من غيبوبتي مع الديكتاتورية .. وقالت كلاما لايقوله غيفارا ولاتقوله الخنساء وختمت بالقول: الحرية تحتاج تضحيات .. ويجب أن تضحوا من أجل حريتكم ..مثلنا نحن -العراقيين-..
ثم ودعتني لأنها مسافرة .. مسافرة ليس الى بغداد .. بل الى باريس .. نعم الى باريس ... فهي لديها جواز سفر فرنسي حصلت عليه بعد اعلانها اللجوء الى فرنسا منذ أن سافرت هاربة اليها في حاوية زيت .. على متن حاوية زيوت ..

وعندما وصلت الى الباب سألتها: ولكن لماذا الى باريس وانت التي هربت من صدام حسين؟ .. هاهو العراق حر من الديكتاتورية البعثية ومن الديكتاتور .. وقد دفعتم ثمن حريتكم الملايين من الأرواح .. أليس من الأجدر بك الآن أن تعودي الى البلد الحر حتى على متن حاوية زيوت أخرى؟ ...

فجاوبتني .. (ودمع العين يسبقها): ولكن أنت تعلم .. بأن العراق انتهى .. شظايا وارهاب وعدة دول تلعب فيه .. كأنك لاتزال في غيبوبة ولاترى انهم لايريدون لنا أن ننعم بالحرية..

بعد كل محاضرتها عن الحرية .. كانت النتيجة أنها مسافرة الى باريس ...وليس الى بغداد الحرة التي تلعب فيها عدة دول حرة ... لأن الحرية أنهت ماكان يسمى العراق .. وتريدني أن أكون مثلها وثنيا وأحرر سورية .. كي ألتحق بها في باريس .. لاجئا مثقلا بالحرية .. ولكن بلا وطن .. تطعمني المساعدات والتبرعات وأتسول منها ثمن حقيبة سفر .. وتحيط بي نظرات الشفقة والازدراء ..

أوبعد هذا الكلام هل يستفيق الكلام من غيبوبته ياصديقتي الثائرة .. بل بالله عليك، من منا في غيبوبة؟؟!!ومن منا هو الوثني؟؟!! ..

شتان مابين المرأتين ..وشتان مابين الكلام هنا والكلام هناك ..

وماأصعب الكلام بين هذين النقيضين .. وبين هاتين المرأتين ...

امرأة من الجنة .. وامرأة من النار..

امرأة سورية من ذهب ومن عصير العنب .. وامرأة لاجئة في حاوية من حرائر أبي لهب .. تثرثر في ربيع العرب

امرأة سورية صارت أخت شهيد أو أم شهيد .. وتحلم به وردا ممشوقا ينمو في سورية ..

وامرأة عربية صارت باريسية ..خرجت من حاوية زيوت .. وتبشر بزيوت الحرية ..

وتعود الينا .. بعطور باريسية .. لتبيع لنا زيتا أو ضوءا للمصباح .. ولتخلط دمنا بشعارات وزيوت وثنية ..

ولذلك قررت أن أقدم للسيدة الباريسية محاضرة وداع وهي لاتزال واقفة تبكي على الباب .. فقلت لها:

"ان العرب ياصديقتي معروفون بدموع الوقوف على الأطلال .. ولعل أشهر دموع العرب على الاطلاق هي دموع أبي عبد الله الصغير عندما غادر قصره في الأندلس مطرودا الى الأبد .. فبكى مثل النساء ملكا لم يحافظ عليه مثل الرجال" ..

اننا جيل لانحب ظاهرة أبي عبد الله الصغير ..ولا عبد الله الصغير .. ولانحب عبد الله الكبير.. .. ولاعبدالله الثاني .. ولا آل ثاني .. ولا كل العبيد والعبابيد .. ولاكل الذكريات الأندلسية القاسية في غرناطة المهزومة .. ولذلك فاننا لانستطيع أن نفرط ببلدنا من أجل لعبة الحرية .. وسنموت .. اغتيالا ..أو نسفا ..أو قنصا .. أو في مطاردة لصوصكم ورجال حرياتكم في مغاور ادلب .. وفي أزقة حمص .. أو قد نموت في بزاتنا العسكرية .. لايهم ..ولكن لن نموت في أسواق الخليج ولافي أسواق باريس .. ولا في معسكرات اللجوء .. ولا نريد أن ندخل الى مخيمات سكان الاونروا وقوائمها .. ونعرف أن مابعد طور الحرية المستوردة طور ذرف الدموع .. والدم الغزير والندم..

لا نريد أن نذرف دموع أبي عبد الله الصغير على بلدنا ... ولا أن نبكي بلدا مضاعا لم نحافظ عليه مثل الرجال .. ونحن لن نكون جيل أبي عبد الله الصغير ..ولن نكون جيل عبد الله الكبير ..ولسنا مغرمين بزيوته النفطية ووثنيات حريته ..

سنموت ولن تموت بلادنا ..وسنموت ولن تموت الحكايا التي ستحكي عنا ..والتي اختلطت دماؤها بدمائنا ..والتي ستحكي عن دمنا الذي تبرعنا به لسورية عندما نزفت وهي جريحة .. فسورية لاتموت ولا تلد ولا تولد ..وسورية هي التي يحميها من "لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد" ..

ومنذ اليوم نحن من يجب أن نرسم خرائطها .. لا أقلام سايكس ولابيكو الملونة .. لاهنري ليفي ولا فيلتمان ..لاأوباما ولا أردوغان .. ولا دواليبي ولابرهان .. والحرية التي تأتي معطرة من باريس ولندن ونيويورك لاتساوي عطر ماء الورد الذي تصنعه أصابع الصبايا في بلادنا لتسقي به حلوق الشباب المقاتلين .. ولاتساوي عطر الليمون الذي يفوح في التلال صباحا وهو يعلن أنه لايحب ذكريات سايكس بيكو والثورة العربية الكبرى .. والحرية التي سننالها في مهرجانات الثورات العربية وحقوق الانسان ومجلس الأمن ..هي حرية حيوانات السيرك..وماأكثر حفلات السيرك هذه الأيام ..وماأكثر المصفقين في مسارح السيرك

 

 

 

 

 

هل يستحق رفيق نصرالله الجنسية السورية .



بعد نهاية الحفلة التنكرية في الشرق الأوسط التي لبس فيها القادة في تركيا الكوفية الفلسطينية وتنكب أمير قطر سيفا طويلا بطول سيف صلاح الدين فيما لعب سعد الحريري دور الابن الضال الذي عاد، فوجئ السوريون أن شوارع الشرق الأوسط امتلأت بالأقنعة التي أسقطها المقنعون دفعة واحدة حتى صار السوريون يتعثرون بالأقتعة المتساقطة وصاروا يتلقون الطعنات وهم يتلفتون شمالا حيث تلقوا طعنة أردوغان ويتلفتون جنوبا حيث مارس حمد هواية الطعن بالظهر- التي بدأها بظهر أبيه- وتطلعوا غربا الى الحريري الذي استهواه التقلب ولعبة الأمم وهم يقولون بذهول لكل هؤلاء: حتى أنت يابروتوس ؟؟؟!!! 

حقا ان كلمة يوليوس قيصر هي أجمل ماحمله التاريخ لنا من مختصر الكلام الثمين ودرر الحكم وأيقونات المشاعر الانسانية ..كلمة قيصر تلخص كل خيبة الانسان من غدر المقنعين باسم الصداقة حيث قررت أقنعة كثيرة أن تسقط ..مثقفون وكتاب وموالون وثوار وصحفيون يرتدون ثياب المحاربين ويتزنرون بأحزمة الرصاص الثوري ويتنكبون بنادق الأحرار نتبين أنهم كانوا رجال عصابات ورجالات مافيا ليس الا.. 
الغبار في الوطن السوري كثيف والضجيج عال وعواء الذئاب على أسوار سوريا لاينقطع وقطع الليل المظلم و"عرعرتها" تتوالى على نوافذنا وتتداعى الينا الأكلة تريد نهش لحومنا ودخول قلعتنا السورية .. وفي أفق هذا الزمن الرديء طيور سود .. بل ومن جديد في الأفق دم ورعود .. 
اكتشف السوريون أنهم كانوا وسط قطيع من أبناء آوى ووسط ثقافة التملق والانتهازية وثقافة القفز بين المراكب وجمهور كتّاب يمتهنون عمل كلاب الصيد التي تريد ارضاء سيدها باحضار لحم الفريسة اليه، واكتشفنا لأول مرة "الشايلوكية" السياسية التي تقضي بنهش لحم الخصم حيا والفوز ببعض لحمه، واكتشفنا أن بعض المثقفين لم يعرفوا من الأدب الا نفاق المديح وغدر الهجاء ولم يعرفوا أن للشعر همّا الا التكسّب مدحا أو هجاء .. 
 

ولاشك أننا - ككل الأمم- أمة مهووسة بالأبطال والشجعان والمخلصين والأوفياء، اننا أمة ترى في جابر عثرات الكرام شخصية عظيمة وفي وفاء السموءل قيمة حياتية سامية وفي اخلاص الهانئ بن منذر الشيباني لوديعة النعمان مصدرا من مصادر الايمان بالعزيمة وميزة اعلاء البطولة وقيم الفروسية 
في هذه الأزمة الوطنية أعاد السوريون اكتشاف قيم المروءة والوفاء والاخلاص وأعادوا اكتشاف الأيقونات العربية من القيم العليا من خلال كتاب ومثقفين وصحفيين أعادوا لنا كل مانسيناه عن المروءةوالشهامة وعن السموءل وهانئ بن مسعود الشيباني وجابر عثرات الكرام.. 
من هذه الهامات والقامات العالية الاعلامي الكبير غسان بن جدو والأستاذ ياسر قشلق ولفيف من الاعلاميين اللبنانيين مثل ناصر قنديل وغالب قنديل والاستاذ الكبير رفيق نصر الله.. 
رفيق نصر الله انفرد بحبه لسوريا وأدهشنا أن نكتشف حبا عذريا جديدا لاتتحدث به الصحراء بل يحدثنا به قاسيون في زمن عواء الذئاب .. ورفيق نصرالله أمسك قلوبنا عندما تمنى الانتماء لاسم سوريا حبيبة وأمّا ومليكة وطلب الجنسية السورية كيلا يبقى يدافع عن سوريا ويتهمه بعض الأشقياء أنه يذود عن وطن لاينتمي اليه..هل بعد هذا الحب حب..وهل بعد هذه الوطنية وطنية..؟؟ 
فهل تنفصل مصر عن جمال الدين الأفغاني؟ جمال الدين الآتي من أطراف كابول استقر في قلب مصر وأحبها وأحبته وصنعها وكان في عطائه لها أكثر سخاء من مصريين كثيرين لم تنل مصر منهم الا النكران والتخلي.. 
 

وهل أعطت مصر لبيرم التونسي كما أعطاها ؟ بيرم الذي ولد في الاسكندرية وغنى لفقرائها ومقهوريها ورددت الحارات وفلاحو الترع أغانيه ولم يحظ الا باهمال النخب الحكومية لهذا الحب بل وحرمانه من الجنسية المصرية حتى أنصفه زمن عبد الناصر
هل أعطى قائد لمصر مثلما أعطاها بانيها وصانعها محمد علي باشا القولي الذي جاء اليها من ألبانيا ليهديها ثورته والنهضة التي فاض بها نهر النيل 
هل تنسى فرنسا أن أكثر من أعطاها اسما وعظمة وامبراطورية كان نابوليون بونابرت القادم من جزيرة كورسيكا 
هل يمكن أن ينسى الفلسطينيون الثائر السوري الوافد عز الدين القسام الذي وهب كل بنادق الثوار الفلسطينيين اسمه ؟؟ 
 

انه لمن العار أن يطلب شخص بوطنية رفيق نصر الله الجنسية السورية قبل أن نعرضها عليه شكرا وعرفانا لهذا الاخلاص في زمن العراعير وزمن عزمي بشارة وزمن عبد الباري عطوان وزمن وضاح خنفر وزمن طارق الحميد وزمن حازم صاغية .. هذا زمن الطيور السود وزمن أقلام القيح ومفكري الحسابات البنكية
لايزال بعض المسؤولين السوريين يعملون كقاطرة على البخار في زمن الصواريخ .. فرفيق نصر الله يمنحنا قطعة من قلبه كي نرقأ بها جرحنا ونحن لانزال مترددين ..ورفيق نصر الله صاروخ لبناني برأس زنة مئة طن من المتفجرات الثقافية التي تدك خطوط التحصينات الأمريكية المبنية من تيار المستقبل وأبناء بندر وخنفر.. ورفيق نصر الله صاروخ مزدوج مضاد للدروع تخشاه ميركافات الصحافة العربية التي توجه مدافعها نحو السوريين...فعلام لايكون هذا الرجل سوريا ..وعلام يخشى...الاعلام السوري من ظهوره ونجوميته ...سمعنا من قال ان الوسط الاعلامي السوري غني وثري ولاضرورة لنجوم لبنانيين..!! ولكن من هو صاحب هذا الرأي الحصيف؟؟ تبا له من اعلامي لايعرف الا صوته... 
اننا وبلا تردد لانريد سحب الجنسية من أي مواطن سوري ولكننا نطالب بأن تمنح الجنسية السورية لكل الأبطال والشرفاء والمخلصين والمحبين لسوريا ولتكبر العائلة السورية العظيمة بهم...وعلى رأسهم رفيق نصرالله ..انه أخيليس الطروادي الذي يجب ألا نسمح بضربه في عقبه.. 

الآراء المنشورة تعبر عن رأي صاحبها.

 

 

الجيش السوري في معامل الجزيرة بين الانشقاق والانشطار والانفطار

 

 

 

الأحد 2012/01/15  

الجيش السوري في معامل الجزيرة بين الانشقاق والانشطار والانفطار ..بقلم: نارام سرجون
 

ينهمك حدادو الربيع العربي هذه الأيام بدق حديد اللغة المحمى ضربات متوالية لتصبح الكلمات ذات منحنيات جديدة في العقل والوعي ..
 .
المفردات والمصطلحات تدخل الأفران اللغوية اللاهبة ثم تهوي عليها المطارق بعنف لتتغير مواصفاتها وأشكالها واستعمالاتها .. الحرب النفسية هي في الحقيقة فن تدوير الكلمات والمصطلحات لتصبح مفاتيح للأقفال القوية .. حيث مخازن الفطرة والعقل النظيف والخشب العتيق والتراث الشعبي .. وهذه المخازن هي التي يستهدفها الربيع العربي
 

اللغة العربية تتعرض هذه الأيام للتعذيب .. والمفردات مصابة بالهلع لأنها تفقد ذاكرتها وعذريتها من شدة الضرب على رؤوسها ..وتتعرض أناملها للكسر تحت المطارق الثورية .. وتقص ضفائرها الطويلة لتناسب قيم الحرية والديمقراطية القطرية .. 

ولكن لأنني أقدس معاني الكلمات العربية فانني أرشها بالبخور كل يوم .. وأغسل لها بالصابون المعطر وجهها الذي اتسخ بعد كل رحلة عذاب على شفاه مذيعات الجزيرة والعربية حيث الطين والمستنقعات .. كما أنني أحممها كل مساء بعد نشرات الأخبار بماء الورد والآس .. وبعد كل طواف على مقالات كتاب الناتو الكثيرة فانني أحمل كل الكلمات العربية الحزينة التي اقتيدت قسرا للدفاع عن الناتو الى فسحة تحت الشمس والى استحمام في برك العطور لما أصابها من نتانة وقذارة واكتئاب .. لأن لغة الصحراء لم تخلق لتذل الصحراء ولتمسح نعال الجنود الغزاة .. ولم تخلق لتتفرج على مسرحية (الفصل السابع). 

كم أشفق على اللغة العربية هذه الأيام .. وكم أحس أنني محتاج لضمها الى صدري بحنان بعد هذه القسوة والعنف والكذب فلم يبق في اللغة شيء لم يتغير معناه الا حروف الجر وحرف الواو والعطف وحيثما !!.. ومع هذا فان الكلمة التي أتعاطف معها أكثر من غيرها وأتعاطف معها بكل جوارحي وأراها ملوية الذراع ومعلقة في الهواء تتأرجح على اشجار الربيع العربي هي كلمة (انشقاق).. 

لم تنتهك كلمة في العربية كما انتهك عرض هذه الكلمة .. فهي يؤتى بها كما الاماء الى كل المناسبات لترقص وتدق على الدف .. وهذا الاختراع في تصميم معنى الانشقاق لن تروه الا في لغة الربيع العربي.. اللغة التي تحتقر كل العقول وكأنها طبول.. 

بالرغم من تخويفنا بحكايا الانشقاق منذ عام ونصف فان كل ماسمي انشقاقا عن الجيش السوري لايعدو كونه من الناحية العسكرية بلامعنى ..ومن نافلة القول ان اللجوء والفرار للأفراد لايمكن تسميته انشقاقا .. لأن الانشقاق هو انفصال جزء مهم عن الجسم الأصلي .. وفرار جندي أو ضابط أو طيار يشبه سقوط ورقة من شجرة كثيفة الأوراق ..ولايشبه سقوط غصن أو فرع كبير ..وسقوط الأوراق لايعني أنه سقوط للشجرة .. قد يعني أنه خريف ..لكن الخريف لايهزم الجذوع والفروع القوية السامقة.. وبالطبع لايهزم الجذور العميقة التي لاتسمع بيانات السقوط الحر للأوراق الصفراء ..ولايعنيها ماتعانيه من وجع تحت "عربات أيلول" .. بل من تحت كل ورقة هوت يتدفق ورق كثير أخضر وبراعم ..تأتي من الجذر الراسخ.. 

في المعاني العسكرية للانشقاق لايكون هناك انشقاق مالم يتمكن المنشق من استعمال سلاحه ..والانشقاق في المعاني العسكرية الرسمية هو أن يعلن قائد عسكري خروجه مع قواته على طاعة النظام وهو لايزال مسيطرا على جزء من الجغرافيا .. الانشقاق يعني بقاء القائد والضابط في قطعته العسكرية يوجه فوهات المدافع والدبابات تجاه خصومه .. أما أن يترك قطعته العسكرية ويلوذ بالفرار فمن السخف تسميته انشقاقا .. فماذا يساوي قائئد فيلق هارب من غير فيلقه ومحاربيه؟؟ ان أصغر جندي تمسك أصابعه بمفاتيح النار في دبابة يساوي في مكانه على مقعده في دبابته جيشا من الجنرالات الفارين الذين ينضمون للمتصارعين في قاعات الفنادق الفخمة حيث الثرثرة ..تتعب من الثرثرة..وفناجين القهوة تتعب من فناجين القهوة ..والميكروفونات تتعب من الأصوات .. 

كم تثير سخريتي هذه الاحتفالات بما يحاول كتاب الناتو تسميته انشقاقات .. وأنا في كل قراءاتي التاريخية للصراعات والمعارك العسكرية تعلمت أن انشقاق القادة والضباط يتم فيما هم محاطون بجنودهم .. وينامون على سلاسل الدبابات كما ينامون على الأرائك .. وحدهم ثوار العرب في ربيعهم ينشقون الى العواصم الغربية حيث العطور والأزياء والفنادق الفخمة..أو الى أي ملجأ للأيتام والمعاقين.. فيما التسمية الصحيحة لفعلهم هو (الفرار) .. والفرار عمل ليس عسكريا ..بل من صفات اللصوص .. 

في اللغة التي تعلمتها على اصولها كانت كلمة الانشقاق تعني شيئا عظيما وفي زمن الجزيرة صارت الكلمة من أتفه الكلمات .. كنت سمعت أول مرة في حياتي بكلمة انشقاق في سورة الانشقاق (السورة 84 من القرآن الكريم): "اذا السماء انشقت.. واذنت لربها وحقت ..واذا الأرض مدت .. وألقت مافيها وتخلت.." 

وفي سورة القمر ورد الانشقاق معطيا معنى عظيما: واقتربت الساعة وانشق القمر ..ويقال انها عنت معجزة شق القمر
 

وفي سورة مريم ورد الانشقاق كما يلي: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ
 

الربيع العربي جعل معنى الانشقاق تافها وعملا صبيانيا ضئيلا .. فالانشقاق هو تعرض بنية عظيمة للتصدع والفوالق التي تهشمها ..فالسماء تنشق والقمر والأرض ..أما الجزيرة فوجدت معنى آخر للانشقاق مثل: انشقاق الملازم عبد الرزاق طلاس .. وانشقاق مدير عام شركة الزيوت في دوما .. وانشقاق حارس مكتب المساعد جميل
 

كم انشقاق عبد الرزاق طلاس يشبه انشقاق السماء أو القمر برأيكم من حيث القوة المعنوية والتأتير؟؟؟ وكم اهتز الجيش العربي السوري (وهو أشبه بعظمته بالسماء أو القمر) بانشقاق عبد الرزاق طلاس؟؟ أما كان من الأفضل القول: ان ورقة صغيرة سقطت من شجرة الجيش السوري الضخمة بفعل الرياح العاتية ..وكان هذا هو المعنى الدقيق دون مبالغة؟؟ لأن التهويل يجعلنا نحس أن العميد ماهر الأسد هو الذي انشق .. 

ومن جديد يسيل لعاب كتاب الناتو لما يقال انه خروج مناف طلاس من سورية ..وبالرغم انني لم اسمع تصريحا للرجل يعلن فيه تمرده على الجيش فان الاقلام والسيوف امتشقت ورحبت بما سمته انشقاقا .. ولاأدري أين هو انشقاق ضابط خرج من دون رصاصة واحدة ومن دون بزته العسكرية .. بل ومن دون حذائه وحزامه .. انه انشقاق السماء والقمر في مصطلحات الربيع العربي ..انه لايعني شيئا مهما قيل انه خزان معلومات عسكرية ..لأن المعارضة تحتاج من يحارب على الأرض عن الناتو .. والناتو ليس بحاجة لمعلومات عسكرية لسبب بسيط أن لديه كما هائلا من المعلومات العسكرية عن التسلح السوري وهذا هو السبب الذي يجعله مترددا جدا في التدخل ..وهو يعلم التنسيق الكامل بين ثلاثة جيوش هي السوري والايراني والروسي ..اضافة الى جيش حزب الله ..والجيش الخامس ..الذي لايعرفه الكثيرون ..!!الناتو بحاجة لضابط كبير يخرج بدباباته ومدافعه ليحارب نيابة عن الناتو ضد هذ الجيوش ..وهذا الضابط لم يوجد بعد .. 

ومع هذا فاننا محظوظون جدا أن الجزيرة وكتاب الناتو اكتفوا بسرقة معنى الانشقاق وتحويله عن مساره من انشقاق السماء والأرض واقمر الى انشقاقات الربيع العربي .. ولنحمد الله أنهم لم يستعملوا مصطلحات "نووية" مثل مصطلح "الانشطار" الذي سيسرقوه من قول الله (اذا السماء انشطرت) والقول بأن العميد فلان الفلاني انشطر عن الجيش السوري .. مثلما تنشطر الذرة والالكترون..ويحدث الاتفتت والانفجار النووي.. 
.. 

ولاأملك الا أن أشكر الله على أن هنالك كلمة أكثر رهبة أفلتت من أفران لغة عرب الناتو ألا وهي "الانفطار" التي نجت من السرقة وبقيت دون انتباه الثوار المؤمنين وهي أمام عيونهم في سورة "الانفطار" (واذا السماء انفطرت..واذا الكواكب انتثرت .. واذا البحار فجرت..واذا القبور بعثرت علمت نفس ماقدمت وأخّرت..) 


ونجزل الشكر لله على أنه نجّانا من سماع مصطلح "انفلاق" وسرقته من سورة الفلق حيث الصبح ينفلق من الليل ..والا لكان الثوار قالوا ان الضابط الفلاني انفلق عن الجيش السوري ..ولاحول ولاقوة الا بالله .. 


ولاأملك الا أن اقول قل أعوذ برب الفلق .. والا لكنا سمعنا بحركات الانشطار والانفلاق والانفطار والانفتاق .. وهلل الكتاب المجانين لانشطار هذا وانفتاق ذاك ..ولانفلاق هذا وانفطار ذاك .. لافطر الله لكم قلبا ولا وطنا
 

 

( الأحد 2012/07/08

 

كيف نميز الثورة من المؤامرة؟


لابد من الاعتراف اننا مختلفون مع اعلام الدعاية السوداء للمعارضة وحاضنيهم في الفصل والتمييز بين الثورة والمؤامرة.. فما نسميه مؤامرة يسميه اعلام الدعاية السوداء "ثورة".. ومانسميه ثورة يسميه ذلك الاعلام الأسود "مؤامرة"..


ولكن كيف نميز الثورة من المؤامرة؟ ان ذلك يشبه التمييز بين ابن شرعي من زواج شرعي وبين ابن حرام لزواج سياحي كتب عقده على عجل سترا للفضيحة.. ويشبه التمييز بين جان فالجان (في "بؤساء" فيكتور هوغو) وبين أرسين لوبين (لموريس لابلان)..

الجواب بسيط للغاية.. فالمؤامرة يتولاها دائما أباء روحيون يكونون حاضنين مراوغين محتالين وكذابين وأفاقين يحرضون عبر الدعاية السوداء ويمارسون خداع شعب ساذج بسيط يعاني أزمة نفسية واقتصادية وأزمة في منظومته الأخلاقية في فترة ما من تاريخه.. وهو هائم بلا قيادة كقطيع حيوانات النو في حقول السافانا..

أما الثورة فعلى العكس.. فهي لا يتولاها ولايحتضنها الا محرضون شرفاء أنقياء يحفظون العهد والميثاق والوعد وكلمة الشرف ومعروفون بحسن الطوية ولايؤمنون بالدعاية السوداء ولهم أخلاق الفلاسفة.. فيستجيب لهم شعب واسع من صفاته أنه ناضج وطنيا ونظيف النوايا ومحصّن بمنظومة أخلاقية قوية كالفولاذ..

مادعاني الى مقال اليوم هو ماأقرأه يوميا من تمعجات ما يسمى بالثورة السورية والتواءات خطابها وتلونه الذي يدل على أن أقل توصيف يناسبها هو "المؤامرة الكاملة" من حيث توفر الحاضن المحتال والقيادة المراوغة والجمهور الساذج الهزيل أخلاقيا وثوريا.. فيما يثبت بالدليل القاطع أن الثورة الحقيقية هي الثورة المضادة التي أطلقها الشعب السوري الواسع ضد الثورة السورية الاستانبولية.. وهذه الثورة المضادة المباركة من الشعب السوري تحقق بالدليل القاطع معنى الثورة الكبرى فهي تتبع قيادة وطنية تحرض على الارتقاء بالمواطنة وترفع من شأن الأخلاق الوطنية في هذه الأزمة فيما يستجيب لها شعب ناضج واسع مذهل بوعيه.. تضيق به الساحات والشوارع.. ويهز النجوم في السماء بهادر صوته..

دعونا نمر على بعض تفاصيل الثورة السورية ومفاصلها الرئيسية ..فالاحتجاجات ودون اللجوء لعملية التهرب من الحقيقة يحركها حاضن خليجي -تركي -غربي .. وهنا يجب على المعارضين التحلي بشجاعة الاعتراف .. وهذا الثلاثي يفتقد لمصداقية الحاضن وأخلاقيات الاب الروحي الموثوق .. فلا يمكن أن تغفر الذاكرة الشرقية والوعي الجمعي رزية حاكم قطر وغدره بأبيه وغدره بمن كان صديقه على المستوى الشخصي ولاتستطيع التسليم بفساد حكام الخليج والسعودية .. والناس الذين يقفون على الخط الناصف المتوسط بين المعارضة والسلطة تسأل بتوجس عن امكانية الثقة بوعود أردوغان وأوغلو للثورة وللشعب السوري بل بوعودهما لقيادة مجلس استانبول .. وهما اللذان منحا الرئيس الأسد كل الأمان حتى دخلا داره آمنين مؤتمنين معاهدين على الأمان ليسرقا المفاتيح ويدسّا السم في طعامه ..وينقلبا عليه انقلاب "قصير بن سعيد" ..

أما الحاضن الغربي-الناتوي بالطبع فمهما حاول القرضاوي الافتاء واجبار العقول على ليّ كلمات القرآن والحديث النبوي الشريف للقبول بالروم واليهود فان اللاوعي والعقل الباطن الشرقي العربي والمسلم الحقيقي لايحس بالارتياح لتناقضات القرضاوي الذي قبل كل دعوات الطغاة والتقط الصور التذكارية وجلس مكرما على موائدهم ودعا لهم (بأشرطة موثقة) قبل أن يفتي باسقاطهم عندما طعن الجميع وشكك بشرعيتهم فيما هو يستظل بحكم أميري لاشرعية أخلاقية له ولادينية ولاسياسية ..

وهنا تكمن مصيبة الثورجيين الأخلاقية والمنطقية ..أي أن الحاضن الرئيسي "للثورة" الخليجي -التركي -الغربي لايشك أحد في أن سمعته ملطخة وسلوكه محتال مراوغ ووعوده مثقوبة تمارس الطعن في الظهر ..وأخلاقياته مهتوكة العرض على قارعة الطريق..

هذا على مستوى الحاضن أما على مستوى الحامل "الجماهيري" للثورة فان رجل الشارع انتبه الى السوية المتدنية لجمهور الثوار على الأرض وأخلاقياتهم ورآهم بأم عينه كالضباع الهائجة المسعورة حول الرئيس القذافي وأدهشه انحطاطهم الأخلاقي وهم يعرضون جثته شبه عارية حتى تتعفن مع ولده دون احترام لهيبة الموت ورهبة وخشوع النهاية .. بل يلاحظ عقل المواطن العربي كيف أن الأمريكيين بالمقابل لم يتشفوا بعرض جثة بن لادن عدوهم اللدود الأكبر حتى تتعفن قبل القائها في البحر وتعللوا بأن الصور فظيعة ولايريدون استفزاز مشاعر المسلمين ولاارهاق الناس بصور فظيعة ..وهذا أسقط عن الثورة صفة أنها تتحرك بجمهور ناضج واع مضرج بالدم ولكنه متشرب بالأخلاق ..ويغلي بالانسانية ..ولاأدل على ذلك الا أن من قاد الثوار على القذافي علي بلحاج هو نفسه من أطلق سراحه في ليبيا مكرما بعد أن أعيد من أقفاص غوانتانامو ..انها أخلاق رفيعة وشهامة فرسان القاعدة المسلمين !!!

أما خطاب الثورة السورية فهو خطاب "الدعاية السوداء" .. فمما يلاحظ على اعلام الثورجية السوريين أنه يحاول اجتذاب الاقليات الدينية السورية وامتصاص الاتهامات والدلائل اليقينية بأنها ليست ثورة الاخوان المسلمين وليست ذات أنفاس دينية أوطائفية باللجوء متعمدا الى تضخيم دور ومساهمات الأقليات المسيحية والعلوية والدرزية في فعاليات الثورة .. ويلاحظ المتابع لاحدى عينات اعلام الثورجية مايخصص من أخبار وتقارير وتصريحات منسوبة لأسماء مسيحية وعلوية أو درزية وهي أكثر بكثير جدا من حقيقة دور هذه الطوائف في الثورة .. لأن الحقيقة التي لايجب الفرار منها هي أن قلب المعارضة الحقيقي والمشروع التغييري في سوريا يتولاه صقور الحركة الدينية الاسلامية الراديكالية في سوريا والعالم العربي الذي رأينا مواليده تخرج من رحم الربيع العربي ونموذجه الصريح في ليبيا وتونس وانتخابات مصر ..

فتصر مثلا مواقع  ما يسمى بالثورة على التنويه الى مذهب ودين كل مسيحي وعلوي أو درزي يدلي بتصريح لصالح الثورة حتى لو كان هذا الصوت هزيلا مثل فنان تائه يبحث عن الشهرة..أو موظف معزول من عمله.. بل ان العنوان العريض لبعض الأخبار قد يبدأ بعبارة: المسيحي فلان يقول كذا ..والعلوية فلانة قالت كذا .. فيمنح صوت هؤلاء -وهم أفراد مبعثرون وليسوا جماعات- في الدعاية السوداء مايعادل 25% من حجم التغطية الاعلامية فيما مساهمة تلك الطوائف في الاحتجاجات على الأرض تكاد تكون رقما مهملا لايذكر لضآلته الى حد اقترابه من الصفر ..لأن لهذه الأقليات مخاوفها التي لايستطيع الاعلام الأسود خداعها ..

ويصر المراوغون على ذر الرماد في العيون .. ففي تصريح لأحد المراوغين الحاضنين للثورة وهو أحمد داود أوغلو على هامش اجتماعات حلف شمال الأطلسي في بروكسل مايثير السخرية الثورية فهو يقول بأنه يريد أن يطمئن الأقليات وخاصة المسيحية اذا ماسقط نظام الأسد وسيقدم لها ضمانات بذلك..!!!

ولكن هل يأمن بعد اليوم أحد لوعود أوغلو بعد درس الغدر الذي تعلمناه منه وبهلوانيات الانقلاب والتنصل من الوعود؟ ..ألم يعط أوغلو وأردوغان الأمان لكل السوريين ومدوا يد السلام والصداقة للرئيس الأسد ..ثم فجأة انقلبوا على هذه الوعود والضمانات وطعنوا صديقهم؟ أي أننا أمام شخص سياسي يغدر علنا ونراه يمد يدا عليها دم صديقه .. ثم يقطع لنا وعدا وعهدا ..لنسلمه أعناقنا..

وهنا دعونا نضحك قليلا على أوغلو لأن عتاة القومية العربية والشوفينيين السوريين المتعلقين بشرقيتهم هم مسيحيون وعلويون لأن ميشيل عفلق (وليس ميشيل كيلو) وزكي الأرسوزي وانطون سعادة هم أمثلة حية على اندماج الأقليات الشرقية في المشاريع الوطنية الكبرى وذوبانهم عاطفيا ووجدانيا مع بقية النسيج الاجتماعي الشرقي المسلم دون ضمانات أوغلو وغيره ..ضمانتهم الوحيدة كانت الحاضن الوطني .. وانبعاث هذه الشخصيات من بين الاقليات يدل على أنها تنتمي لبيئاتها الحاضنة السنية وليس غير ذلك..

وفي نفس التصريح يحاول هذا الأوغلو الضحك على لحى التجار الدماشقة والحلبيين والطبقة البرجوازية السورية بأن الضعوط الاقتصادية جاءت كي تبتعد هذه الشريحة من السوريين عن الرئيس الأسد عبر خسائرها الاقتصادية .. فهذه الأوساط التجارية والبرجوازية كما يعتقد هذا الأوغلو ستتراجع عن الالتفاف حول نظام الحكم عندما تجد أنه صار سببا في تضررها وعندما يقدم لها أوغلو "ضمانات" في السوق الشرق أوسطي الجديد ..

وهنا أستطيع أن أتنبأ أن من يقرأ هذه السطور من التجار والبرجوازيين سيضحك ويهز رأسه يمنة ويسرة على هذا الاستغفال والاستهبال التركي ثم يطلب كاسا من الشاي الثقيل يعدل المزاج .. وبالطبع أنا أدعوكم جميعا لاطلاق ضحكة عالية جدا .. جدا .. وشرب كأس من الشاي الثقيل .. لسبب بسيط هو أن الطبقة الوسطى السورية والتجار كان كل مايؤذيهم هو أوغلو نفسه وصداقته للسوريين والرئيس بشار الاسد ونظام الحكم السوري ..وصار بعض هؤلاء التجار "فقروازيا" و"صفروازيا" بعد أن كان "برجوازيا" ..فهذا الأوغلو أراد حول تركيا أصفارا اقتصادية كيلا تسبب له أية مشاكل (صفر مشاكل) .. أي يريد هذا الحاضن المراوغ لما يسمى الثورة السورية والمسمى أوغلو أن يثق به التجار الدماشقة والحلبيون والبرجوازية السورية وكأنهم تجار قطريون من عند حمد وموزة ...

وأدعوكم لضحكة ثانية أعلى من سابقتها عندما نلاحظ أن الحصار الاقتصادي التركي على البرجوازية السورية فتح لها السوق العراقية بزيادة 45% فورا والذي قد يقفز الى مستويات خيالية اذا ما رفض مجلس النواب العراقي (تضامنا مع سوريا وبايعاز من سوريا وايران) التصديق على اتفاق التجارة بين العراق وتركيا قريبا ..أي أن البرجوازيين السوريين سيستفيدون من هذه الغاضوبة التركية وسيلتصقون ليس بالنظام بل بعظام النظام ..وهذا مايريده النظام بالتأكيد ..وربما سينفض البرجوازيون الأتراك عن هذا الأوغلو وأردوغانه ويلتحقون بالنظام السوري اقتصاديا لأنه الرئة الباقية لهم نحو الشرق ..

نخلص من ذلك الى أن الثورة السورية المضادة للثورجيين هي التي تملك ملامح الثورة الحقيقية فحاضنتها القيادية تتمثل في صدق الرئيس الأسد بالاصلاح ونواياه الوطنية وانجازه الوطني تجاه الهجمات الغربية في العراق ولبنان وفلسطين الذي لاينكره الا قليلو الضمير .. فيما أرضية الثورة المضادة للثورجيين تحمل شعبا واسعا جدا ناضجا وواعيا ومدركا لامكاناته ومكانه بين الأمم ..وهذا شعب له ذاكرة قوية واعتداد بنفسه لايضاهى .. ولمن ليست له ذاكرة فانني سأحيله الى حديث قديم للسيد وليد جنبلاط يوم كان هذا الجنبلاط "مناضلا ثوريا تقدميا" يقاتل في معركة سوق الغرب في لبنان تحت راية الرئيس حافظ الأسد ضد حلفاء أميريكا ..

تحدث جنبلاط عن محادثة هاتفية جرت بين الرئيسين حافظ الأسد والأميريكي رونالد ريغان بشأن الأوضاع في لبنان وقال جنبلاط يومها ان الرئيس ريغان قد بدأ يرفع من نبرته ولهجته وهو يتحدث مع الرئيس حافظ الأسد وبدا "يشطح" ويهدد وهنا طلب الرئيس الأسد من المترجم على الخط أن يطلب من الرئيس الأميريكي أن يتوقف لأنه يريد تذكيره بشيء مهم ..وعندما صمت ريغان متوقعا على مايبدو أن يسمع تهدئة وتلطيفا للجو ومحاولة لارضائه لأنه أقوى رئيس دولة في العالم .. وهنا قال الرئيس الأسد للمترجم بهدوء أرجو أن تنبه الرئيس ريغان الى أن لاينسى أنه يتحدث مع حافظ الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية .. وطلب المترجم من الرئيس الأسد اعادة الكلمات بالحرف كيلا يحدث خطأ بالترجمة يفضي الى أزمة كبيرة فأعاد الأسد نفس العبارة وبنفس الاصرار: قل للرئيس ريغان ألا ينسى انه يتحدث مع رئيس الجمهورية العربية السورية .. فقام المترجم بنقلها فورا .. فما كان من الرئيس ريغان الا أن هدأ فجأة في اندفاعه وتغيرت لغته تماما وصار يتحدث بديبلوماسية لبقة تعرف حدودها الى أن انتهت المحادثة ..

حاول البعض الاستخفاف بحديث جنبلاط يومها لكن الأحداث أثبتت أن ريغان كان يعرف ماذا يعني تحذير الأسد وبالطبع بعد أسابيع من هذه الحادثة نسف مجهول مبنى قيادة المارينز في لبنان وأعاد 243 جنديا أميريكبا ملفوفين بالعلم الأمريكي الى مقابر أميريكا .. وربما أدرك عندها ريغان ماذا يعني استفزاز رئيس الجمهورية العربية السورية..فعاد بما بقي من جنوده الى أميريكا.. وعادت بعدها نيوجرسي وارتدت عن شواطئ بيروت .

بالطبع كان هذا في ذروة أزمات الرئيس حافظ الأسد في الثمانينات مع الاخوان المسلمين وتواجد الأساطيل الأميريكية قبالة لبنان ..وتحرشات الرئيس صدام حسين بالداخل السوري ومعسكرات تدريب الاخوان لدى الملك حسين ..

الغاية من ذكر هذه الحادثة هي تذكير الثورجيين ومن وراءهم من الحواضن المراوغة بالتالي:

نرجو أن تتنبهوا أنكم لاتتحدثون الى برهان غليون ولا الى رياض الأسعد ولا الى جمهور الدبيحة والعرعور والقرضاوي

لاتنسوا أنكم تتحدثون .. الى الشعب السوري ..الذي غسل بالنار آثار القدم الهمجية الأمريكية..وسيغسل بصوت فيروز الأصيل آثار القدم الهمجية في حمص .. وفي كل سوريا


أيها المترجم ..ترجم لهم هذا الكلام ..الى الانكليزية والفرنسية والتركية .. والى العربية "لمن لايفهمها" في الخليج والعالم العربي والمجلس الانتقالي السوري .. بل والى كل 

 

 

ايها السوريون، الشمس تشرق من الجنوب..هلمّوا الى الحرب

2012 - MAY - 14

لست من هواة الغضب .. ولست ممن يفتحون له الباب عندما يدق على أعصابي .. لكن ليس من عادتي أيضا أن أقفل باب العقل بالمزلاج اذا دق المجانين على الباب يريدون بي شرا .. بل سأخرج لهم بكامل ثياب الحرب وبكل توثب المحارب .. فقمة التعقل أحيانا هي في الخروج للحرب لايقاف الجنون والمجانين ..لأن بعض أنواع الجنون تطلقه الحرب ..لكن الكثير من الجنون تعيده قعقعة السلاح الى جادة الصواب..

 

بالأمس وصلتني مجموعة صور من شواطئ تل أبيب وقد اكتظت بالسياح السعداء وبالاسرائيلييين الذين يتمددون باسترخاء على المقاعد ويكرعون مافي الكؤوس من الأطايب .. الوجوه يبدو عليها الارتياح الشديد .. فكل التفجيرات التي كانت تلاحق الاسرائيليين في تل أبيب توقفت ونقلت هذه التفجيرات الى شوارع دمشق وبغداد .. وكل الفوضى التي انتشرت في المستوطنات الاسرائيلية أثناء الانتفاضة الفلسطينية من أجل “الحرية” قام الاسرائيليون بتحويلها بعبقرية الى فوضى في العالم العربي من أجل نفس الشعار أي “الحرية” .. الشعار ذاته يستعمل لكن الجمهور ليس ذاته والعقول الآن ملوّثة .. وهاهي أفواج المستوطنين الذين هربوا الى كل زوايا العالم أثناء الانتفاضة الفلسطينية تعود أفواجا الى الكيبوتزات وتعود للعمل بنشاط .. بل تتكاثر اعلانات المستوطنات وتوسيع المنشآت العمرانية من جديد..فاسرائيل نجت وخرجت من الكارثة الى الحياة من جديد على ظهر حمار اسمه .. الربيع العربي ..

ولكن الاسرائيليين مدينون بالنجاة للسعودية وقطر بالكثير .. ولاأبالغ ان قلت ان أكبر عملية انقاذ تمت في اسرائيل هي عملية قادها القطريون وحكام الحجاز .. وأن الجسر الجوي الأمريكي الذي مده الأمريكيون ابان حرب تشرين لايساوي انجاز جسر الحياة والبقاء وطوق النجاة الذي مده لها حكام السعودية وقطر بعد أن أشرفت اسرائيل على الهلاك معنويا في انتصارات القوى الشعبية المقاومة الأخيرة التي فاقت ماتحقق عام 1973 .. وكما أن هناك شارعا في القدس باسم أنور السادات والملك حسين فان اسمي الملك عبد الله بن عبد العزيز وحمد بن خليفة يجب أن يحفرا على جدران الكنيست الاسرائيلي حيث كان عزمي بشارة يصول ويجول..

 

فكما نتذكر عندما تفجرت شوارع تل أبيب بالعمليات الاستشهادية في الانتفاضة الثانية وترنحت اسرائيل وأصيبت بالدوار فوجئنا بتنظيم القاعدة السعودي يفجر ناطحات سحاب نيويورك .. فانتهت الانتفاضة الفلسطينية بسرعة وانهارت عملية تقويض التمدد الاسرائيلي .. وعندما حوصرت اسرائيل بهزيمتين شعبيتين متتاليتين وبمقاومتين اسلاميتين في لبنان وغزة .. أطلقت علينا اسرائيل اسلاميي الربيع العربي (النسخة المعدلة من القاعدة) ..وذلك من قطر .. ومن مساجد الرياض .. وعاقبتنا بنفس السلاح ..سلاح الاسلاميين ذاته..

 

ان كان هناك من يستحق التهنئة الآن فهم الاسرائيليون الذين أحاطوا أنفسهم بالمخلصين من حكام العرب الذين بدورهم يحيط بهم سياج من السذج والأفراد الأميين والجهلة والمنافقين واسلاميي العرب .. هذان الطوقان في الحقيقة هما درع اسرائيل الأكبر .. بل صار من المشروع أن نتساءل عن ماهية مشروع “القبة الحديدية” الاسرائيلي بعد اليوم؟ .. لأن مشروع القبة الحديدية الحقيقي تبين أنه الربيع العربي ذاته الذي يحمي اسرائيل بقبة الاسلاميين وعباءات الافتاء السعودي وعباءة القرضاوي واتحاد علماء المسلمين .. فمن يذود عن اسرائيل اليوم غير الاسلاميين من تونس الأهبل المرزوقي الى تركيا أردوغان؟؟!! ..ومن يقتل خبراء الجيش السوري في الحرب الالكترونية والطيارين وكبار العسكريين في الوحدات المحاربة من الكوماندوس المحترفين غير اسلاميي السعودية وتركيا ؟؟ ومن دمر بالأمس فقط حياة 500 عائلة سورية من المجتمع دفعة واحدة ..في مجزرة القزاز؟؟

لا الغرب ولاأمريكا ولا القبعات الزرق ولا القبب الحديدية ستحمي اسرائيل عندما تسدد كل شعوب المنطقة ضرباتها على اسرائيل .. ولكن اسرائيل تحميها مساجد وعباءات بيضاء ولحى طويييييييلة .. ومال يبذل بسخاء لاحدود له ولاسقوف وبلا ضفاف ..

 

فماذا تستطيع اسرائيل أن تفعل دون عون السعودية التي ترسل الانتحاريين والمال لقتل العراقيين والسوريين وتنشر الفوضى بين المصريين؟ ماذا كانت اسرائيل فاعلة مع حزب الله لولا السعودية التي جعلت حسن نصر الله هو قاتل الخليفة عثمان بن عفان بل وألبسته ثوب أبي لؤلؤة الذي طعن عمر بن الخطاب؟ .. وماذا كانت اسرائيل فاعلة مع حزب الله وايران وسورية لولا أن أمراء الزيت والغاز أنفقوا كل مالهم لتفكيك فكرة الجهاد في فلسطين وكادوا ينطقون القرآن بالجهاد ضد ايران والشيعة؟؟ .. وماذا كانت اسرائيل فاعلة بعقول ملايين العرب الذين لايحبون اسرائيل لولا قطر والجزيرة وجحافل كتّاب عرب يكتبون في أكثر عناوين الجرائد العربية تملقا للمشاعر؟ ..مثل الشرق الأوسط ..القدس العربي ..الحياة ..الخ ..فهؤلاء هم الذين جعلوا رفع علم اسرائيل في حمص مبررا .. وهؤلاء هم الذين حببوا الى عقول الشعوب العربية الغزو الأحنبي العنيف في ظاهرة لم تشهدها البشرية على الاطلاق .. نعم انها ظاهرة لم تشهدها البشرية على الاطلاق..أي أن يؤمن جزء من شعب يسمى معارضة أن الحرية تصنعها قاذفات القنابل الأمريكية التي فتكت بكل مقاتلي الحرية في العالم كله..وأن الحرية يسقيها اليورانيوم المنضب..

.السعودية وقطر أبعدتا المتفجرات والغضب عن شوارع تل أبيب ورمتاهما في شوارعنا وفي شوارع العراق .. والسعودية تقوم بتجنيد المقاتلين العرب لا ليقاتلوا اسرائيل (لأن ذلك رمي بالنفس الى التهلكة كما أفتى وعّاظها) .. بل تلقي بهم الى التهلكة في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا ..وكل الدنيا الا اسرائيل

لكن ألم يحن الوقت لنقل المعركة الى أرض العدو؟؟ وأين يجب على الدولة السورية أن توجه ردها القاسي..؟؟

 

قد يختلف معي كثيرون لكنني أرى أن الوقت نضج تماما للخروج من مرحلة المنفعل في الأزمة السورية الى مرحلة الفاعل وبقوة للنقر على رأس الافعى .. لأنني أكثر ثقة بمالدينا من عوامل قوة .. أقول هذا لأنني أعرف أن الانجاز السوري على الأرض كان كبيرا .. فقد تمت جندلة المشروع التغييري في سورية الذي انتهى نهائيا .. وتلقى الغرب اهانة لم يتلقاها منذ سقوط يوغسلافيا .. ولم يتمكن من أن يحقق ارادته في التغيير .. فالغرب تمكن من تفكيك يوغسلافيا وتدمير قيادتها .. والغرب تمكن من تدمير العراق وقيادته .. والغرب تمكن من تدمير ليبيا وقيادتها .. لكنه فشل نهائيا في سورية وليس له أي أمل في اسقاطها بالطرق التقليدية التي اعتادها..

 

والانجاز السوري باذلال غرور مال قطر واذلال الجامعة العربية لايوصف.. وتحول أردوغان الى أكبر ذليل في شوارع الشرق بعد أن أفرغ من صوته لايضاهيه نصر .. وانجاز سورية لايصدق في خلخلة الدور السعودي الذي لم يتخلخل يوما في المنطقة حيث صار آل سعود يرون أن ماهو آت لاريب فيه .. وهو الانقلاب النهائي لمعادلة عتيقة كانت الرياض فيها تتقاسم الزعامة على العرب مع عواصم مثل بغداد والقاهرة ودمشق .. لكن هناك معادلة جديدة اليوم هي .. اما الرياض أو دمشق ..زعيمة للعالم العربي..

الحقيقة التي لامناص منها هي أن كل هذا الربيع العربي تنفذه السعودية وقطر وتركيا بقيادة اسرائيلية غربية مشتركة ..والغرض النهائي هو المد بعمر اسرائيل ماأمكن كما في كل مشاريع السعودية منذ وجودها .. الغاية النهائية من الربيع العربي هو احياء الربيع الاسرائيلي بتفكيك محيط اسرائيل وانهاء عملية التخلص من الجيوش العربية الثلاثة التي حاربت اسرائيل ..العراقي والمصري والسوري .. وبتفكيك مابقي من سورية القديمة لتحيا اسرائيل الكبرى التي لم تعد قادرة بمساحتها الحالية على استيعاب كل اليهود الذين يجب أن يهاجروا اليها الا اذا تحطم كل ما حولها من تهديد بشري وديموغرافي متماه ومنسجم ..

ولعل أهم قلق لاسرائيل هو بالذات التهديد العسكري السوري الذي يقف على فم اسرائيل بآلاف الدبابات وبغابات الصواريخ .. فالاسرائيليون يعرفون أن تحطيم سوريا سيجعل أي تهديد من ايران بلامعنى اذ لن تكون هناك قدرة لايران على المس باسرائيل اذا لم توجد ايران على حدود اسرائيل عبر الأرض السورية وحزب الله .. واسرائيل تعرف أن ضرب العراق أضعف الجبهة العربية كثيرا .. لكن اسرائيل تعرف أن العراق عاد حرا بسبب سورية ..

 

البعض يعتقد أن الرد السوري على الارهاب في شوارع دمشق يجب أن يكون على تركيا أو قطر أو السعودية وهي الأذرع الأمريكية الاسرائيلية .. لكن هذا اضاعة للوقت كما أرى .. فالرد بعمل ارهابي مماثل في مدن تلك الدول ليس أخلاقيا ولن يصيب الا المدنيين الأبرياء كما يحدث لدينا .. كما أن هذه الدول لايهمها حتى وان مات نصف رعاياها في تفجيرات ارهابية ..فهذه حكومات لايهمها الا قصورها .. بل ان هذا النوع من الرد هو ماتريده هذه الدول لاشغال شعوبها عن أسئلة ناهضة عن الحرية الحقيقية والفساد الحقيقي في السعودية وقطر .. وكذلك لتقول حكومات هذه الدول انها على حق في دعوتها لاسقاط الدولة السورية وأن السوريين يريدون شرا بشعوبها .. وستحوّل رأي الناس الى أن المشكلة هي مع النظام السوري وليس مع فساد الحكم السعودي أو القطري ..وقد يرى جزء من الشعب التركي أن أردوغان ورطهم لكن البعض الآخر سيرى أنه محق في دعمه للتمرد السوري ليحمي تركيا بالثأر من شوارع دمشق تماما كما نحن نرى الآن الرغبة بالثأر من شوارع استانبول والرياض.. فتقع شعوب المنطقة كلها في صراع بلا نهاية ..ستعمل اسرائيل على اطالته ..

اذا ليست السعودية وتركيا مايجب استهدافه .. لكن رأس الأفعى الكبير الذي يجب أن يضرب هو …………. اسرائيل ..

فهناك حقائق يجب المرور عليها وهي:

 

- ان اسرائيل هي الراعية الحقيقية للتمرد “المسلح” في سورية وهي مركز الثقل الرئيسي لدعمه من خلال اللوبي اليهودي في الغرب ..ولاأحد يملك تأثيرا ضاغطا على القوى الراعية للعنف على الأرض غير اسرائيل التي تصدر الأوامر لقطر والسعودية وتركيا بالتمويل أوالدعم والايواء .. تماما كما تعرف اسرائيل أن سورية وايران هما القوتان الضابطتان لايقاع حزب الله في صراعه مع اسرائيل..انها نفس اللعبة ..

- ان استمرار هذا النوع من العمليات الارهابية سيقوض النسيج الاجتماعي السوري ويخلق خلال فترة وجيزة جيلا مشوها نفسيا قد يمتصه النزاع نحو حلقات عنف أخرى .. بل ان السكوت عنها سيجعلها شيئا مألوفا كما صار ذلك لدى العراقيين .. ولأن آمر ومخطط العمليات خارجي فلن تتوقف الا بعمل خارجي يفضي الى فرض منع تسليح الارهابيين وتمويل عمليات الانتحاريين..تماما كما توصلت اسرائيل الى القرار 1701 القاضي بمنع تسليح حزب الله ..وكما فعلت تركيا بشأن حزب العمال الكردساتاني .. ويمكن العمل على ايجاد صيغة تفاهم تلتزم بها اسرائيل وأصدقاؤها….

- الدول التابعة للغرب (تركيا والخليج العربي) ستنصاع لأوامرالغرب بايقاف تمويل المسلحين السوريين وايوائهم اذا ما تألمت اسرائيل..وبدل خوض النزاع مع عدة جهات ..يجب التعامل مع المركز الرئيسي للمشكلة

 

- ان السعودية تحديدا تخشى ممن يهدد اسرائيل مباشرة لأنه يكتسب شرعية أخلاقية لاتستطيع مجاراتها ..ومشكلتها مع الرئيس الأسد أو حسن نصرالله أنهما لايسقطان بسهولة بسبب أن عملية نزع الشرعية عنهما ليست يسيرة في الوعي الجمعي العربي حتى وان تراجعت شعبيتهما بضغط الاعلام .. ومثال عبد الناصر لايزال حيا فلم يجرؤ حاكم عربي خليجي عليه عندما كان يهدد اسرائيل بقوة الى ان أسقطوا هيبته في مؤامرتهم عام 1967 .. فتمرد العرب عليه بعد ذلك واستأسدوا ..

وكان حكام الخليج لايجرؤون على اقامة مكتب علاقات تجارية مع اسرائيل عندما كان صدام حسين في العراق ولكن بعد هزيمته أسقطوا هيبته ودفعوا الجميع الى مدريد واوسلو ومفاوضات لم تفعل سوى ترسيخ اسرائيل في الأرض .. بعد أن سقط من كانوا يخشونه..

 

- ان أية حرب مع اسرائيل لن تتسبب بمثل الخسائر الهائلة التي تسببت بها هذه المؤامرة على سورية ..كما ان أية خسائر في حرب معها ستوفر الكثير من الخسائر في حرب استنزاف قد تكون طويلة مع قوى المال العربي الذي يملك القدرة على تمويل الارهاب الى مالانهاية وشراء طلاب الحوريات في الجنة .. أي أن حربا قصيرة مع اسرائيل ستقصر حرب استنزاف تخوضها اسرائيل معنا بمقاتلين عربا ..وستطلب أميريكا من مصطفى عبد الجليل والظواهري سحب مقاتليهما من الاراضي السورية..

 

- ان الحرب مع اسرائيل تحظى بحماس منقطع النظير من الشباب السوري الذي يرى أنه يموت على الأرصفة مجانا وبقناصات اسرائيلية على الحواجز .. أما الموت في الجولان وفي معارك مع القوات الاسرائيلية فلايقدر بثمن..

 

- ان الحرب مع اسرائيل لن تخاض بالقوات وبالالتحام المباشر غالبا ولن نحتاج للزج بكل الجيش بل سيكون بالقصف المتبادل على المنشآت العسكرية والاقتصادية .. ولن تجرؤ اسرائيل على قصف شارع في دمشق (كما تفعل الآن من خلال وكلائها وانتحارييها) .. ولن تقصف حيا أو حارة لأنها تعرف أن الطائرة العائدة من قصف دمشق سترى صاروخا ضخما يسبقها ليهبط قبلها الى أحياء تل ابيب فهناك ردع متبادل فيما يتعلق بالأهداف المدنية .. وستكتفي اسرائيل بحرب المنشآت والمواقع العسكرية التي تتعرض الآن للهجوم من قبل وكلاء اسرائيل في المعارضة السورية ودول الخليج

- الرئيس الأسد يتمتع بشعبية عارمة وسيخسرها ان تردد كثيرا في نقل المعركة الى أرض العدو .. العدو هناك في تل ابيب ..أما الثآليل المجاهدة في السعودية فستلزم الصمت اذا ماصدرت الأوامر لها بالصمت من تل أبيب .. ولن نتفاجأ ان ظهر الدعاة يدعون للرئيس بشار الأسد من كل مساجد السعودية اذا ماأرادت اسرائيل ذلك لارضائه وابعاد صواريخه ..

 

- ان للجغرافيا والتكنولوجيا كلمتها ..ولذلك فان صواريخ السوريين على اسرائيل لن تشبه صواريخ صدام حسين ..الاسرائيليون يعرفون ذلك ..جدا ..وهم لايريدون تذوق طعمها ..

 

- لن تجرؤ حكومة أردوغان على الدخول في الحرب لمساعدة اسرائيل تحت أية ذريعة ..كما أن العامل الايراني سيكون العامل الكابح لجماح أردوغان بلا شك ..

 

- ان عودة بوتين ليست عودة فارغة ..فالرجل يريد أن يعيد هيبة روسية .. والرجل يعرف أن نجاح المشروع الاسلامي-الاسرائيلي سيصل الى روسيا التي عرفت أن اسرائيل كانت تتآمر عليها في جورجيا فدخل الروسي بنفسه الى أبخازيا.. وبوتين معروف بمساندته اللامحدودة للدولة السورية .. ولعبة استعادة الهيبة الروسية قد تكون باطلاق الذراع السوري على الوجه الاسرائيلي كرمز للغرب لصفعه ..

 

- ستفضي الحرب الى خسائر ولكن الآخر العدو سيصاب بخسائر أيضا .. ويجب أن يعرف الاسرائيليون أن قضية الجولان خرجت من اطار مماحكات السلام ومقايضات الأرض .. ودخلت منحى الحرب بعد أربعين سنة ..

 

- لاعودة للجولان الا بالحرب .. وآن لهذه المعادلة أن تحل محل وفود السلام والصلح وزمن “وداعا للسلاح ومرحبا بالمفاوضات” ..انه زمن آخر ..زمن “مرحبا بالسلاح ووداعا للمفاوضات والمبادرات”..

 

- الحرب الوطنية ستفرز المعارضة الرثة التي ان قالت ان الحرب غير مشروعة ولانقاذ الأسد فانها ستغامر بالكثير .. لأن المشاعر الفطرية للناس هي أن البلاد قد تختلف داخليا لكن عندما تدخل حربا مع عدو تقليدي يجب أن تقف صفا واحدا ..والحرب الوطنية هي العلاج السريع للصراعات الاثنية والعرقية والدينية ودواء لعلاج الجروح والرضوض الاجتماعية وآثار الأزمات الطائفية..

- يجب استثمار اندفاع الشعب السوري الذي أمسك ببلاده وبقيادته .. والانتظار كثيرا قد يمتص هذا الاندفاع ويميعه..

أخيرا.. 

 

لابد من تذكير القراء بكلمة الفيلسوف اليوناني “ديوجين الكلبي” الذي كان يمسك سراجا في النهار وهو يقول: انني أبحث عن انسان .. وعندما وقف الاسكندر المقدوني أمامه عارضا عليه خدماته قال له ديوجين بلا مبالاة:

نعم تستطيع خدمتي .. بأن تبتعد عني لانك تحجب الشمس ..

 

وهذا مايجب أن يقال للمعارضين -رغم ضآلة قاماتهم بالمقارنة مع الاسكندر العظيم – الذين يحجبون ضوء الشمس عنا .. بثرثراتهم:

 

ابتعدوا ..انكم تحجبون ضوء الشمس ..فالشمس تشرق من الجولان..

 

عذابات الجزيرة في نادي الميركافا بانتظار الربيع العربي

14 مارس، 2012

من نريد 50.000 صوت ضد قرار الجامعة العربية , انشرها بقدر حبك لسورية 

هنالك شيء مشترك بين سيرة حياة محطة الجزيرة وسيرة حياة الربيع العربي وسيرة حياة الدبابة الاسرائيلية "ميركافا" .. فهذه المكونات الثلاثة الاسرائيلية الصنع والمتفوقة اصطدمت كلها بمواجهة قاسية مع "النظام السوري" الذي يشرف عليه الرئيس بشار الأسد الذي يسميه الثورجيون بالسفاح وقاتل الأبرياء لأن الرئيس السوري هو من قتل الميركافا البريئة وهو من سفك دم الجزيرة البريئة ..وهو من نحر الربيع العربي البريء على بوابات الشام ..

 

هذه المنازلة الطاحنة مع السوريين أصابت الأشقاء الثلاثة الاسرئيليين بأضرار فادحة بشكل جلي .. وبجراح قاتلة لاشفاء منها .. فالميركافا الدبابة الاسرائيلية التي كانت مخصصة لاذلال الجيوش العربية تم اذلالها اذلالا مابعده اذلال في وادي الحجير ومعارك 2006 التي خاضها حزب الله بسلاح ودعم لامحدود قدمه له السوريون .. وتوقفت معامل السلاح الاسرائيلية عن انتاج الميركافا بعد تلك الهزيمة المذلة .. فلا مستقبل للميركافا بعد اليوم ..بوجود حسن نصر الله والرئيس بشار الأسد .. الا في "نادي الميركافا الحزين" والصورة التذكارية لميركافا لاتنسى وهي تلبس كتلة من النيران وتنفث الدخان الكثيف من خواصرها المتفجرة .. وتئن في وادي الحجير وسط جثث عشرات الدبابات  

ضحية أخرى انضمت الى نادي الميركافا هي محطة الجزيرة وهي أيضا صناعة اسرائيلية نازلت نفس الخصم والعدو السوري وهاهي الآن بعد قصف وغارات متواصلة تحوم لاجراء هبوط اضطراري لاطيران بعده .. ولاشفاء من رضوضها وكسورها .. فالجزيرة التي صوبت مدافعها الثقيلة الى العقل العربي واصابته اصابات مباشرة مدمرة عبر قذائف الربيع العربي تعرضت لصدمة اللقاء مع الأزمة السورية التي أذلّت الجزيرة اذلالا وهتكت عرضها .. فرغم هجوم الجزيرة الشرس وغاراتها الشرسة الليلية وفي وضح النهار فان النظام السوري لم يسقط  ..بل ان الجزيرة بهيبتها ومكانتها بدأت تترنح وكانت بداية نهايتها كأسطورة اعلامية مع أول اشتباك مع الأزمة السورية التي جعلت الجزيرة لاتعي نفسها الا وهي تسير بين الناس من غير ثياب .. وبالرغم من اصرار البعض على الانكار فان قناة الجزيرة بعد اليوم لاتستطيع ان تقول انها ذات الجزيرة التي تعرّف اليها الناس قبل عقد من الزمان والتي غرزت أنيابها الاسرائيلية في جسد العقيد ملك الملوك .. فاذا بأسنانها سقطت في ساحة السبع بحرات وساحة الأمويين..

 

ونستطيع القول بثقة أن الجزيرة بقيت متماسكة حتى دخلت التحدي مع الأزمة السورية .. وكان الصدام على الجبهة السورية الحادث المروع الذي هشم وجهها وكسر أنفها وأضافها الى نادي الميركافا الحزين .. والمعضلة التي تواجهها الجزيرة على مستوى العالم لم تعد بالهينة حتى الصحف الغربية صارت تتحدث عن الهزيمة المهينة التي تعرضت لها الجزيرة في الأزمة السورية بكشف لامهنيتها وزوال لون الأسطورة الاعلامية عنها .. ومهما قيل عن ثباتها ودورها فان القائمين على مشروع الجزيرة أنفسهم من خلال مايصلنا من كواليسهم صاروا يعرفون أن الجزيرة دخلت نهاية حقبتها ودخلت سن اليأس المبكر .. وصار حتى أكبر متابعيها يستمع لها مشغول البال مشوشا بسؤال كبير عن أخلاقية وسلامة الاطمئنان اليها .. أن أزمتها في العقل الباطن العربي صارت تشبه فتاة شرقية يباهي بها والدها (حمد) وأمها (موزة) بجمالها وبحسبها وبمالها وبدينها فيتسابق الشبان والجمهور والاعلاميون لخطبة يدها ليظفر العشاق بذات الدين التي تربّت على يد القرضاوي .. ولايكاد يخلو بيتها من العشاق والراغبين بالقرب ...الى أن يشيع بين الناس أنها شوهدت في خلوة مع شخص سيء السمعة .. وتكثر الشائعات ويقسم البعض أنه رآها في سريره والبعض الآخر يقول انها أجهضت سرا .. وصار أكثر المتحمسين للزواج بها مترددا ومشككا بطهارتها

الجزيرة تنضم الى صديقتها الميركافا وانضمت بذلك الى نادي الميركافا الحزين وقدمت أوراق اعتمادها في مشهد اذلال عزمي بشارة مع أخيه الصغير علي الظفيري وشهادة وفاة وضاح خنفر بعد اخفاقه في المهمة السورية .. وتنتظرالميركافا والجزيرة أن ينضم اليهما شقيقهما الربيع العربي بكامله الذي صار الضحية الثالثة للرئيس بشار الأسد والشعب السوري ..ويقدم الربيع العربي أوراق اعتماده الى نادي الميركافا بصورة شهيرة وهي وصول كوفي عنان الى دمشق معلنا بذلك الاعتراف باستحالة اسقاط سورية واستحالة تحرك الناتو عسكريا ..

 

فرغم الحماس الذي يبديه البعض للربيع العربي والاستماتة في الدفاع عن انجازاته فان هذا الربيع لم يعد نفس الربيع الذي وصل منذ عام منذ أن دخل الى جسر الشغور وحماة وحمص ورجمه السوريون كما يرجم الزناة والقوادون..وهاهو يندحر على أبواب الشام كما اندحر نابليون بونابرت عن أسوار عكا.. رغم دخوله مصر منتصرا  

 

انني صرت ألمس في عيون المتحمسين للربيع العربي تهربا من النظر في عيني عند مواجهتهم بالأسئلة الصعبة .. وصرت أعرف يقينا أن هذا الربيع يسبب لهم حرجا في ذواتهم وفي أعماق ادراكهم .. وأدرك أن دفاعهم عنه في جزء منه هو الخوف من الاعتراف بأنهم حمقى عندما اندفعوا خلفه ورددوا شعاراته ... بل ان هناك تراجعات على مستوى بعض الكتاب الذين كتبوا المدائح فيه واليوم يكتبون في انتقاده بشكل خجول  تمهيدا للانسحاب من مهرجاناته ..وربما للانقضاض عليه .. كعادتهم بالانقضاض على من يعتقدونه خاسرا

رغم حملة العلاقات العامة وحفلات الاستقبال التي أقيمت على شرف هذا الربيع لم يعد هناك شك أنه لم يعد يحظى بنفس المودة والاحترام والثقة التي حظي بها لدى وصوله فجأة على غير انتظار عندما ترجل من القطار يحمل محفظته الجلدية الضخمة "كغجري ضائع العنوان" وكشخص طارئ مثير للاعجاب برشاقته وشبابه وتمرده ونزقه .. يرتدي ثياب الثوار ويتلفع بالحرية .. ويقدم نفسه على أن اسمه الربيع العربي .. وأن في حقيبته صورا للحرية ولوحات لحقوق الانسان ودساتير للحب بين الناس الذين علمتهم الديكتاتوريات الكراهية ..وقد قال انه جاء ليعالج الانسان الشرقي المقهور ويمسح العفن النفسي ببعض عطور التراث .. وجاء يدهن جلد الشرق النازف المتشقق بمراهم الانتخابات ليداويه من آثار سياط الديكتاتويات .. وقال انه يحمل الينا صناديق الاقتراع التي ستكون بردا وسلاما على قلوبنا المحترقة بحرائق الفساد ...

الزائر الغامض لم يعد يثير الارتياح فيما تتابعه العيون والأسئلة والشكوك حتى من قبل أولئك الذين انحنوا له وقبلوا يده كما يقبل اسماعيل هنية يد القرضاوي ..

بعد اذلال الميركافا والجزيرة سيكتب للسوريين الفضل في مواجهة الزائر الغامض وكشف أوراقه السرية والكشف أنه ابن لعلاقة غير شرعية بين امرأة اسمها الجزيرة ..وعشيقها برنار هنري ليفي .. الذي وطأها مرارا في ايباك وفي الرياض والدوحة ..

 

الشعوب العربية صار مطلوبا منها الآن بعد الدرس السوري أن تتوجه بالأسئلة الصعبة للربيع وأهل الربيع لأن تجاهل هذه الخطوة الاستدراكية هو الذي أخذنا من كارثة الى أخرى ومن ديكتاتورية الى أخرى ....فالديكتاتوريات تبدأ من هنا حيث لامحاكمات ولامراجعات ولاتراجعات عن الاخطاء بل تمجيد أعمى بالحدث مهما كان كارثيا .. ومن يرفض الاعتراف بالخطأ ليس الديكتاتوريات وحدها التي تلون كل أخطائها بالانكار أو بالأعذار ..بل الشعوب نفسها أيضا عندما تتجاهل الحقائق فانها تمارس نوعا من الانكار والقمع على الأسئلة الصعبة التاريخية لتعيد تصنيع الديكتاتورية.. الشعوب التي لاتجري مراجعات سريعة عاجلة لمشاريعها ستبقى تدفع ثمنا لانكارها وستبقى تنتقل من ديكتاتورية الى أخرى .. ومن خسارة الى أخرى .. فنحن أجيال تحمل معها هزائم الأجيال التي تليها لأنها لاتراجع أحداثها الكبرى وهزائمها السابقة .. وهذه من العيوب التي نكتشفها في الشخصية الشرقية التي لاتعترف بالخطأ بسرعة.. فالرئيس الراحل صدام حسين احتفل بأم المعارك رغم هزيمته ولكن المعارضة العراقية التي انتقدته احتفلت مثله ولاتزال بانتصارها وبمذبحة التحرير ودفن مليوني عراقي من أجل عيون صندوق الاقتراع ..ثم أعادت انتاج صدام حسين بكثافة ..دون أن تعترف بخطئها والثمن الباهظ الذي دفعه ملايين العراقيين ثمنا لمشروعها  

وفي الماضي استفاق جيل عربي على أعتاب القرن العشرين على صوت سنابك خيل لورنس العرب والشريف حسين وصرير قلمي السيدين سايكس وبيكو وهما يقطعان كالسكاكين صدر الشرق الى قطع .. ذلك الجيل لم يقم بمحاكمة ذلك العهد الا متأخرا جدا وخسردولته ولم يحاول تصحيح المسار ...ثم جاء جيل حضر مأساة النكبة ولم يفعل سوى انتظار جيل قادم حمل معه آثام النكسة .. وبعده جاء جيل التفكك وكامب ديفيد .. ثم جيل عاصفة الصحراء ..ثم جيل أوسلو ..ثم جيل القاعدة .. وأخيرا جيل الربيع العربي ...كارثة تلحق كارثة ..وقبر جماعي يتلوه قبر جماعي ...وكل جيل يحمل معه كارثة ولايعترف .. وقطار الانتحار العربي يصل الى محطة جديدة ..

 

البعض يقول ان الصمود السوري أعطانا فرصة نادرة لنملك الجرأة بأنه قد آن الأوان لنجلس مع هذا الربيع العربي جلسة مصارحة ومكاشفة بدل تبادل المجاملات والنفاق أو الاتهامات وبدل الانغماس في ملذات الحرية والديمقراطية "الخليجية" وامضاء الوقت في قرع الكؤوس بالكؤوس والسكر والثمل أو تبادل اللكمات .. لاضير من البوح واطلاق الهواجس واطلاق سراح الأسئلة التي سجنها الانبهار بالشعارات البراقة.. واذا لم يأت الربيع العربي لجلسة المصارحة فان علينا احضاره عنوة الى محاكمة علنية !!

فماالذي تغير أيها الربيع؟ لاكامب ديفيد ألغيت ولاالغاز المصري توقف عن اسرائيل ولاحصار غزة توقف ولا الاسلاميون أعلنوا الجهاد على اسرائيل رغم مذبحة غزة الأخيرة .. بل يتسابق الثورجيون الى طلب بركات اسرائيل ولايجرؤ ثورجي واحد على اهانة اسرائيل والربيع العربي حوّل شباب ليبيا الى مقاتلين مشردين في الصحراء وعلى حدود النزاعات يقفون ببلاهة ويرفعون شارات النصرأمام عدسات المصورين ..وعلى ماذا انتصروا؟؟ ...فيما شباب ادلب وبابا عمرو صاروا يركبون سيارات الدفع الرباعي وينصبون مدافع الدوشكا عليها ليعيشوا معاناة أفغانستان .. أما شباب تونس فتولاهم عطار أبله حوّل تونس الى مقهى وكازينو لقمار المعارضة السورية..

 

لا الغرب ارتعدت فرائصه من الربيع العربي ولا المصالح الأمريكية تعرضت لاهتزاز .. ولاايباك دعت لاجتماع طارئ بسبب قلقها ولااسرائيل دعت الاحتياط ولا نتنياهو أمر بتحريك الرؤوس النووية..  بل على العكس منح الضباط والجنود الاسرائيليون اجازات طويلة وبعضهم وصل الى تونس وقطر للاستجمام وآخرون الى ليبيا بحجة أنهم خبراء في مكافحة الارهاب .. ولم يكترث الغرب بكل مافي الربيع العربي من لحى بل يفرك هذا الغرب يديه غبطة ويربت على كتف الربيع ويمشط له لحيته الكبيرة مجانا ..ويجري له جلسات المساج ..ويقدم له النبيذ الحلال والسيجار  

 

لم يثر الربيع العربي الا خوف الاوطان من هذا الربيع الملتحي ابن برنار هنري ليفي .. ولم تدمع الا عيون السلام الأهلي والوئام .. ولكن رغم سطوة هذا الربيع فانه لايخشى الا أن يلقى المصير الذي لقيته الميركافا على يد محور المقاومة .. فمن غضبت عليه الشام لن يفلح حتى وان نال رضى العالمين ...والأيام بيننا يا أبناء الربيع ..واسألوا كوفي عنان .. أو اسألوا ساركوزي ان شئتم ..وان أردتم شهادة بني عثمان فاسألوا المهندس داود أوغلو .. لكن لاتسألوا حمد بن جاسم لأنه مصاب باحباط شديد ..شديد جدا .. لأنه هو نفسه سينضم الى نادي الميركافا الحزين .. أما أبو متعب فلا تسألوه لأنه سيرحل قريبا كما يقال فلا تثقلوا عليه مواجع الرحيل ....ولا تذيقوه ذل الميركافا ولاذل الجزيرة ...في أيامه الأخيرة

 

 

البنادق والبيادق .. حماس ياوردة سوداء في دمي

 

 

 الثلاثاء 31 / 07 / 2012 - 11:50 مساءً 

أنا لا أحب البنادق التي ترتدي ربطات العنق والياقات البيضاء أو بنطلون الجينز بدل أحزمة الرصاص والثياب الخشنة.. وأنا لاأحب البنادق التي تتعطر بغير عطر البارود وعرق المقاتلين .. ولا أطيق رائحة البنادق التي تدخن الأركيلة في المقاهي وتلعب النرد وهي تضع السيجار الكوبي بين شفاهها بدل الديناميت .. وأنا لاأهوى بنادق الثوار التي تهوى الفلسفة والتأمل والصمت .. ولاتحفر صوتها في وجه الزمن بالرصاص..


وكم أحتقر البنادق التي تمارس “الاتيكيت” والديبلوماسية والأكل بالشوكة والسكين ولاتعرف نكهة الصعتر البري .. ولاأريد أن تربطني علاقة من أي نوع بالبنادق التي تشيب ويصيبها الوقار وأمراض الشيخوخة .. فتصاب بأمراض القلب وصعوبة التنفس والربو والسعال المزمن .. ويتقوس ظهرها وتمشي على عكازات أو كرسي متحرك..

وأنا لاأستطيع تقبيل شفاه البنادق التي فرغت مخازنها من الرصاص فصارت كالعجوز التي فقدت أسنانها !!..وأنا لايمكنني أن أراقص البنادق التي ترهلت كروشها من قلة الحركة واتكأ شحمها على شحمها .. فأنا أحب ان أطوّق بذراعيّ البنادق ذات الخصور الضامرة الممشوقة الرشيقة من كثرة الهجرة بين المعارك والمعارك..
أما مايصيبني بالغثيان فهو أن تمشي البنادق بغنج مثل عارضات الأزياء وبنات العائلات الموسرة .. أو تقف على جدران الزعامات والقصور كما الطيور المحنطة .. فمتى كانت البنادق تحنط مثل ملوك الفراعنة؟؟

وكم يزعجني أن أجلس الى بندقية ثرثارة .. تحكي عن قصص عنترة والزير أبو ليلى المهلهل في زمن هو زمن أساطير الأبطال عماد مغنية وحسن نصرالله ويحي عياش ..

لكن أن تصبح البنادق مثل البيادق .. وأن تنبت من فوهاتها الورود السود بدل شقائق النعمان .. فهذا هو زمن البكاء لأنه زمن اسمه .. زمن موت حركة حماس ..

كم راعني أن أكتشف أن بعض السلاح الذي قتلنا في سورية.. وأن بعض المسلحين .. وبعض الرصاص والبارود الذي هرب الى سورية ونكأ الجرح السوري والفلسطيني كان من بعض مقاتلي حماس .. رصاص نعلمه الرماية كل يوم .. فلما اشتد ساعده.. رمانا ..

ولم تقل حماس كلمة واحدة لادانة ذلك أو تفسيره.. ولم تتبرع بالتحقيق لتبرئة جسمها من الخيانة ..
وكم شق عليّ أن أرى غياب توقيع حماس على بيان الفصائل الفلسطينية الداعية الى تجنيب الفلسطينيين في سورية الانخراط في النزاع ..حتى الحبر جف من حلق حماس ..وحتى الكلمة الطيبة تشققت من يباس السنديان..

يالحرارة الله ..ويالحرارة المال .. ويالحرارة الاخوان .. ويالحرارة اللحى ..ويالحرارة الايمان
قدر فلسطين ياسادتي هو أن تضيع قطعة قطعة .. وقرية قرية .. وحيا حيا .. وبيتا بيتا .. وشجرة شجرة .. وبرتقالة برتقالة ..لأن من يرث البندقية لايعرف كم تضاهي هذه الصبية الطويلة الممشوقة النزقة .. وكم هي خصبة بالرصاص .. هذه الغجرية السمراء التي لاتعرف خبث أبناء المدينة وخبث الأعراب .. يبيعها الورثة في سوق الاماء والبطر .. ويزرعونها في الاناء .. كوردة سوداء في الاناء .. في قطر..
صار من حقي ياسادتي ان أسأل أسئلة كنت أخنقها..وتخنقني ..يدها تضغط على فمي ويدي تضغط على فمها .. أمسك بثيابها وتمسك بثيابي .. يختلط ريشها بريشي .. ويتحطم صهيلها على صهيلي .. وتتشابك قروني بقرونها كقرون الوعول المتقاتلة والأيائل المتناحرة .. ويتكسر زئيري فوق زئيرها كما تتكسر الرعود فوق الرعود..والبروق فوق البروق..

أسئلتي لاجواب لها كما كل الاسئلة العربية في هذا الزمن الرديء.. لكن لاسياج بعد اليوم ولاحظائر .. لاأقفاص ولاسلاسل .. فلتخرج كل الاسئلة الى الحرية ..

فهل قتلت اسرائيل خير مافي حماس من قادة وتركت التجار فيهم واللاقادة أو صغار القادة؟ ..وهل اعادة اسرائيل خالد مشعل الى الحياة بعد موته كان مسرحية أيضا؟ .. مثل مسرحية محاولة تصفية عزمي بشارة الذي انتهى جاسوسا الى قطر؟؟ ومثل مسرحية أردوغان المتقنة في ديفوس واسطول الحرية الذي انتهى يغني أغنيات في مسارح قطر… ومثل مسرحية محاولة قصف “الجزيرة” من قبل جورج بوش؟ .. فاذا بالجزيرة هي أكبر قنبلة عنقودية موقوتة موصولة بالأسلاك الى كل بيوتنا .. لها عنقود في كل بيت عربي ينفجر فينا .. ولم يصب منا الا الرؤوس والعيون فأصابنا العمى وغياب العقل .. فصرنا في ربيع واحد أمة بلا رؤوس ..وبلا عيون .. كل العرب صاروا أجسادا تتحرك من غير رؤوس ..وحشودا خلف حشود لايظهر فيها رأس واحد .. بل أجساد ترقص .. تتمايل للحرية!!..

هل كانت اسرائيل تخشى غضب الملك حسين اذا لم تعط الترياق ليحقن في أذن خالد مشعل؟؟ ولماذا مسرحية الترياق مثلا ولم تلجأ للنسف مثل كل القادة الفلسطينيين في المنافي؟؟ ومن هو الملك حسين كي تخشى اسرائيل اغضابه فتعطيه ترياق خالد مشعل ؟؟والملك حسين هو الذي كان موظفا لديها اسمه “المستر بيف” .. وهو الذي ذهب وركع مستميحا العذر من عائلات اسرائيلية على ماسماه جريمة أحمد الدقامسة في الباقورة ؟؟.. ولماذا توقف قطف اسرائيل للبرتقال الفلسطيني بعد الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي والشيخ صلاح شحادة ويحي عياش..؟؟؟؟ هل ليبقى اسماعيل هنية زعيم حماس يلعق يد القرضاوي؟؟؟هل كان يفعلها الشيخ أحمد ياسين أو الرنتيسي؟؟؟

ان شرود بنادق حماس عن قافلة البنادق العربية المقاتلة الممشوقة والضامرة في لبنان وفلسطين كمهار الصحراء لم يعد بريئا .. وقد حوّلها الى حياة المزارع الخضراء كأبقار هولندية حلوب في قطر وعمان ..فالبندقية السمراء التي ورثها أهل حماس من حطام كرسي شيخ ضرير مقعد والتي سقطت أيضا من يد طبيب فلسطيني مقاتل .. صار لها جلد بقرة هولندية حلوب .. والراعي شيخ نقي تقي اسمه القرضاوي لايريد من هذه الفانية سوى كاعب لها كعثب يرضيه .. البنادق الهولندية تدر اللبن والعسل .. والراعي يدلّك لها ضرعها الكبير..وهو يحدوها بالدعاء..

منذ اليوم أنا خرجت من حماس .. وحماس خرجت مني .. وفي تعابير أصدقاء حماس الثورجيين وفي لغة الجزيرة فانني أعلن انشقاق قلبي عن حماس .. وحماس تعلن انشقاقها عن قلبي ..فما أحلى انشقاق القلوب عن القلوب..

واليوم قتلت شهرزاد التي كانت تحكي لي حتى الصباح عن الكفاح .. واليوم قتلت فيروزا سياف شهريار الذي كان يحمل سيفا من خشب ..

واليوم أرفع بيدي المراسي في سفن حماس من موانئ ذكرياتي بلا رجعة .. واليوم أبحر مبتعدا عن شواطئ حماس .. حيث البيادق بلا بنادق..

شراع جديد ورحلة جديدة نحو يافا وعكا وحيفا .. فسنرجع يوما يايافا .. ليس بشراع حماس .. بل بشراع منسوج من أوراق قصص غسان كنفاني في قلعة صفد .. وحكاية شكيب ..وأم سعد .. ورثائيات محمد جمجوم وفؤاد حجازي .. وحكاية عز الدين القسام ..وعبد القادر الحسيني
شراع يصنعه جيل فلسطيني جديد .. لم يمسسه بشر ..ولا مال قطر .. كما العذراء لم يمسسها بشر..
فان ذهبت حماس فقد بقيت لي فلسطين .. وبقي لي كل البرتقال والزيتون .. فأنا فلسطيني لأنني سوري .. وأنا سوري لأنني فلسطيني .. وفلسطين ليست حماس .. وحماس لم تعد من فلسطين .. بل من ممتلكات قطر.. مثلها مثل أي ناقلة نفط وأنبوب غاز ..ومباريات رياضية ..

أنا عائد من رحلة شاقة حملتني فيها حماس بعيدا عن فلسطين ..أخذتني فيها الى الباب العالي وجنون السلطنة ..وأخذتني الى ركوب الجمال والهجن .. وأنا عائد أبحث عن بندقية ضاعت .. وبندقية لاتحنطها الديبلوماسية ..ولاتطلق الرصاص في الظهر

حماس .. ياوردة سوداء في ذاكرتي ..

وياوردة سوداء في أفواه البنادق

اني أريد ان أزرع ذاكرتي بشقيق النعمان الأحمر..

وأن أهدي للبنادق .. مقابض السنديان

وأن أغسل حزنها بالنار

فوداعا .. ياحماس

ياوردة سوداء في دمي..

 

 

 

 

 

 

غليون الخامس عشر أم مومياء "توت عنخ غليون

 

زفت لنا الأخبار تنصيب "غليون الخامس عشر" على رأس المجلس الوطني السوري وذلك بعد وفاة غليون الرابع عشر .. وتنفس الثوار الصعداء بعد أن اعتراهم القلق على مصير قائدهم الهمام .. درة الثورة السورية وقبسها المضيء .. وهزبرها المغوار .. القائد الضرورة برهان غليون .. ولم يتحمل القرضاوي فرحة الخبر فركع ركعتين في قاعدة العيديد وكان فيما هو راكع تهتز كتفاه .. تهتزان لا من هدير طائرات ب 52 القاذفة التي أبادت بضع مدن عراقية ..وتهتزان ليس من تصوفه وتهجده وهو يردد أشعارا صوفية من مثل "ربي اني مثقل بذنوبي" من بعد قتل عشرات الآلاف والاعتداء على النبي بحديث ترحيبه بالناتو ..بل اهتزت كتفا القرضاوي من فرط بكائه وتأثره باللحظة التاريخية ببقاء أمل الثورة السورية وزعيمها الفذ ّ.. أما العرعور فقد طاف حول البيت العتيق سبعين مرة وقبّل الحجر الأسود سبع مرات خاشعا ثم نحر سبعين رجلا من حمص (بلد الزعيم غليون) شكرا لله .. أما فيصل القاسم فقد حبس دموعه وهو قلما تدمع عيناه ..
فقد كان "الثوار" يخشون أن يقف الزعيم الخالد "برهان غليون" الذي تآمرت عليه قوى الاستعمار الروسي والصيني والايراني ودول البريكس الرجعية الظلامية .. أن يقف أمام العدسات ويتوجه الى الجمهور العربي من المحيط الى الخليج ويقول بصوت حزين للجماهير المتلهفة لاطلالته ..والمنكسرة الخاطر بعد فشل الثورة السورية :
 

"انني على استعداد لتحمل المسؤولية كلها .. ولقد اتخذت قرارا أريدكم جميعا أن تساعدوني عليه .. لقد قررت أن أتنحى تماما، ونهائيا عن أي منصب رسمي وأي دور سياسي وأن أعود الى صفوف الجماهير.. أؤدي واجبي معها كأي مواطن آخر " تماما كما فعل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر في خطاب التنحي بعد هزيمته في حزيران ..
لكن غليون قرر ان يقول في خطاب تجديد البيعة:

"
انني لست على استعداد للتخلي عن الرئاسة .. ولقد اتخذت قرارا أريدكم جميعا أن تساعدوني عليه .. لقد قررت أن ألتصق تماما ونهائيا برئاسة المجلس .. وأن لا أتنحى عن أي منصب رسمي وأن لا أعود الى صفوف الجماهير..وأن لاأؤدي واجبي معها الا كما تريد سيدتي موزة..
بالرغم من أن الكواليس تتحدث عن أزمات كبرى داخل المجلس وأنه مجلس مربوط بأصابع الديناميت كما وصفه ديبلوماسي تركي (الذي وصفه كانتحاري مربوط بأحزمة ناسفة سينفجر ان عاجلا أو آجلا لكثرة الاصابع العابثة بزر التفجير) فانني لم أتوقع تغييرا في المجلس .. وفي الحقيقة كنت أخشى التغيير لما له من دلائل..
 

أما سبب عدم توقعي للتغيير فهو أن المعارضين السوريين لم يعرف عنهم التأني ولم يعرف عنهم المناورات الذكية ولم يعرف عنهم الاستقلال .. ولم يعرف عنهم التراجع عن أي خطأ ولا عن أية مقولة.. لأنهم مأمورون .. ولأنهم محكومون بفكرة أننا لم نتمكن من احداث التغيير في سورية فان التغيير لايجب أن ينالنا .. وكانت عقول المعارضين الصغيرة تفكر بعقل المراهقات اللواتي يخشين (شماتة البنات وشماتة أبلة نظيرة وهي المخابرات السورية)

المعارضة التي اجتمعت تلقت تعليمات باعادة انتخاب غليون .. ولايستطيع انكار ذلك اي واحد في المجلس الوطني الذي تحول الى مايشبه تشكيلات مجلس الشعب السوري منذ أيام الراحل محمود الزعبي والرفيق عبد الحليم خدام حتى فترة قريبة عبر هواتف غامضة .. أو مجلس الشعب المصري أيام أحمد عز (امبراطور الحديد) حيث تأتي التعليمات عبر وسطاء ومعهم الشيكات ...
حتى في درس الديمقراطية الذي قتلتنا المعارضة من أجله قدمت المعارضة السورية أسوأ عروضها على الاطلاق حتى الآن .. وكانت لها فرصة ضئيلة أمام جمهورها المتآكل والمشكك أن تقول له اننا أفضل من النظام ولدينا الجرأة على التجديد ومنح الفرص للجميع .. ودفع المعارضة الى تجربة جديدة وبدماء جديدة ..لأننا ثورة للتغيير..ونحن من يقود عقلية التغيير لتغيير مالايتغير
ماتسرب من جلسات الامس أن هناك خشية من أن يفهم التغيير على أنه تال لخروج ساركوزي ..وأن في تثبيت برهان الخامس عشر رسالة للنظام السوري من أن فرنسا لن تتغير حتى بتغير ساركوزي وأن بقاء رجل فرنسا غليون يعني بقاء الدور الفرنسي وبقاء أنفاس ساركوزي..وقال أحد الاخوانيين ان تغييرا بهذا الحجم ربما بدا ضروريا للغاية لأن غليون رجل فاشل بلا جدال لكنه رسالة سيئة للغاية في زمن سيء للغاية..

البعض تعلل بأن غليون صار شخصية معروفة عالميا ومن الخطر تقديم شخص آخر للعالم الذي سيمضي وقتا في استكشافه والتعرف عليه وبناء علاقات معه وسياسات تجاهه..ولكن الحقيقة هي أن اسقاط غليون صار ينظر اليه على أنه نصر معنوي للنظام السوري وهذا مالن يمنحه له اللاعبون الرئيسيون في اللعبة الدولية لما في ذلك من زخم معنوي لمؤيدي السلطة ..فتقرر ابقاء "البيدق" المسمى برهان غليون بدل تركه يسقط أمام "القلعة" في لعبة الشطرنج طالما أن اسقاطه لن يستدرج قطعة شطرنج قوية الى فخ محكم ..وكما ترون منطق فقير وتدبير بائس وعقلية لاتختلف عن اية عقلية فاسدة في الشرق وقيادات لاتعرف حتى أبسط قواعد القيادة وفن الحكم والسياسة وفن الثورة والثوار..

أما خشيتي من تغيير برهان غليون فلأن التغيير يحمل معه دلالات أن "الشباب" في المجلس الوطني مستقلون عن مشيئة الدول اللاعبة وأننا ظلمناهم .. ثم ان التغيير يعني أننا دخلنا في مرحلة المعارضة المتجددة الخطاب والدم والقدرة على النهوض من تحت الرماد .. والتي تراجع أداءها وتكتيكاتها واستراتيجياتها .. ثم انني خشيت التغيير لأن ما تناهى الى أسماعي هو أن هناك مفاوضات شاقة تحت الطاولة مع السلطات السورية في الآونة الأخيرة وكان القرار بابعاد غليون عند فشل التفاوض للانتقال الى مرحلة مابعد غليون وهي مرحلة جاء بها جوزيف ليبرمان وفيلتمان أخيرا عند زيارتهما الى لبنان .. وكان من المفترض أن اسقاط غليون هو نقلة نوعية لمرحلة جديدة يجب كسب ثقة الثورجيين بها عبر الايحاء أن القيادة الجديدة لديها خطط أفضل وعزم أكبر نحو مرحلة تطلق من لبنان ..ربما حاول البعض جس نبضها في طرابلس التي يقال أنه يراد لها أن تكون مدينة للفوضى بشكل مفاجئ بسيناريو صراع طائفي وتحت سيطرة السلاح وتلعب لاحقا دور المنطقة العازلة التي يحلم بها الثورجيون .. منطقة عازلة ليست في تركيا فتسبب تورطها مباشرة في النزاع ولا في الأردن ولا في لبنان الرسمي .. بل في منطقة متمردة خارجة عن سيطرة الجميع يلجأ اليها المسلحون السوريون كنقطة انطلاق كبرى ونقطة استقبال سفن السلاح وزوارق التهريب دون الخضوع لتفتيش ورقابة الدولة اللبنانية ..ناهيك عن احتمال طلب حماية دولية لفصل المتقاتلين في حرب طائفية محتملة .. فتصل قوات اليونيفيل ..وماأدراك مااليونيفيل .!! ..وكان قرار تثبيت غليون الذي اتخذ قبل منتصف ليل أمس في جلسة شاي في احدى السفارات الغربية في تركيا في لقاء ضم عدة شخصيات استخبارية وثلاثة ديبلوماسيين .. التي تقرر فيها التمديد لغليون .. لاعتبارات لاتزال غير واضحة حسب المصدر الذي تحدث اليّ..

اذا .. غليون بقي يقف على جثة "الثورة" السورية التي وقعت على آلاف الضحايا الأبرياء الذين جرّهم برهان ورفاقه الى الموت المجاني .. والرجل لم يعد لديه جديد فقد تم عصره تماما وتحول الى "مومياء سياسية" تسمى توت عنخ غليون .. وقد استمعت اليه عدة مرات مؤخرا وعرفت أنه أفلس تماما وبدا ذاهلا متعثرا متأتئا ضعيف التركيز وبدا برهان ضعيف البرهان .. وتذكرت حديثا للرسول يسأل فيه: (أتدرون من المفلس؟؟ قالوا المفلس فينا من لامال له ولامتاع .. الخ) بالطبع لن نلوي عنق الحديث كما يفعل القرضاوي ويمد يد الرسول الى الناتو ونقول: "بل المفلس هو برهان غليون والمجلس الوطني السوري" .. فهذه اخلاق القرضاوية الاسلامية .. لكن ببساطة أن اكثر شخصية مفلسة سياسيا هي برهان غليون ..وقد قرأ البعض أن ابقاء غليون هو تعبير عن انتهاء دور المجلس الوطني السوري ونهاية الثورة السورية معنويا وأخلاقيا .. وهو ربما انعكاس لمزاج قادم وصفقات غامضة بين الثورجيين ضد الثورجيين..في عهد انقلابات الثورجيين القادم..
على العموم.. يمكن القول بقوة ان بقاء غليون مدعاة للارتياح والحبور والاطمئنان والاسترخاء.. انه رجل بلا مواهب وبلا كاريزما ..وفاشل سياسيا وبيدق صغير بلا كبرياء القادة وبلا كرامة الفرسان ..مومياء سياسية ومحنط من محنطات النبلاء الفرنسيين ..نظرة بلهاء وصوت من الأصوات التي لاتأتي من المستقبل حتما..انه أحد مآسي مصير مايسمى بالثورة السورية..والزمن سيكشف دقة ماأقول.. 

أنني شخصيا من أنصار بقاء برهان غليون رئيسا للمجلس الوطني السوري مدى الحياة ..وباعتبار أنه زعيم هجين بين الاخوانية والعثمانية وثمرة ليلة سفاح بين الدناءة الانسانية والانحطاط الاخلاقي .. فانني أبايعه بيعة لاعودة فيها رئيسا للمجلس الوطني .. وأعاهده على ألا أبايع غيره ..ماحييت ..حتى غليون التاسع عشر ...أقول هذا ولدي احساس أن غليون السادس عشر لن يرى النور وقد يلقى مصير ملك فرنسا الأخير لويس السادس عشر .. على مقصلة السياسة على الأقل..
ان بقي غليون رئيسا للمجلس الوطني السوري فلن يصل الى قصر الشعب أي من مواليد المجلس الوطني السوري و"الثورة" لن تخرج من مغاور جبل الزاوية بل ستبقى هائمة على وجهها حتى تموت أو تقتل .. لأن الوصول الى قصر الشعب في جبل قاسيون يجب ان يمر عبر ارادة الشعب .. وماأريد للشعب السوري الذي كان يقرر ايقاع اللعب في قصور الشرق هو أن يتقرر اسم حاكم قصر الشعب السوري في سهرة شاي متأخرة في اجتماع سفراء وممثلين عن وزارات الخارجية الغربية تماما كما حدث في اتفاق قبل منتصف الليل لتمرير اسم برهان غليون..أي رئيس لاترفضه اميريكا ولاتعترض عليه اسرائيل كما يحدث في مصر الآن... 

لكن من يعتلي صهوة قاسيون لايأتي من حفلات الشاي وحفلات سكب الدم في الفناجين قبل منتصف الليل .. ويجب أن تغضب عليه أميريكا وأن يستفز اسرائيل .. ومن يعتلي صهوة قاسيون لايجب أن تقرره سفارات في تركيا ولا دشاديش عربان الخليج ولاشيكات وحقائب المال .. صهوة قاسيون يعتليها من يريده شعب قاسيون .. ومن تريده بنت قاسيون دمشق .. دمشق بنت مروان .. كما قال الشاعر بدوي الجبل:
بنت مروان اصطفاها ربها .......لايشاء الله الا ماتشاء


الاراء المنشورة تعبر عن راي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن راي الموقع

 

الأربعاء 16-05-2012

 

 

كيف تحولت المعارضة السورية إلى مومس ترقص على جراح الوطن

 
( سورية ) الجمعه  19/8/11 م ... 

في محاولتنا لفهم الطرف الآخر الذي يسمي نفسه معارضة سورية نتجول في كتاباتهم ومواقعهم الالكترونية وجرائدهم وفضائياتهم علّنا نجد لديهم الوطن الذي كما يقولون ضيّعه النظام السوري ..تجوس عيوننا كل العناوين والمانشيتات علّنا نسمع دقات قلب الوطن في ثنايا تلك الزوايا..نجس كلماتهم كما يجس الطبيب نبض المريض ونضع سماعاتنا على صدورهم علّ الوطن يخفق بين ضلوعهم .. لكن وجدنا كل شيء الا الوطن ..وجدنا الضحايا والدم وصور نصف الموتى فقط، أما النصف الآخرالذي فتكت به السواطير المؤمنة فابتلعه النسيان والتناسي…بل في مواقع تلك المعارضة عناوين تستحق أن تحاكم في أقفاص محاكم الجنايات الشائنة على مباهاتها بتعذيب الوطن ..

 

فالمعارضة “التي يفترض فيها أنها وطنية” تبشر الوطن أن سياحته مدمرة وتتحدث بتشف عن إلحاق ضرر كبير بقطاع السياحة بسبب الاحتجاجات..والمعارضة تتناقل بابتهاج وابرنشاق خبر تراجع بنك ما عن طبع عملات للسوريين ..والمعارضة الوطنية ترقص على أنغام موسيقا جاز العقوبات والحصار على سوريا لأن الحصار سيضعف الاقتصاد والاقتصاد الضعيف سيفقر الناس وفقر الناس سيدفعهم للتململ و ..الثورة. والمعارضة ترقص لنا رقصة السامبا وهي تتحدث عن مقاطعة النفط السوري لأن النفط مصدر من مصادر تمويل النظام وليس وزارات الدولة ومشاريعها وموظفيها..المعارضة ترسل الوفود للضغط على دول لتقبل بتفويض الناتو بالحصار والعمل العسكري لأن قنابل الناتو ستدمر البلاد ولكن ليس ذلك مهما بل المهمّ أن النظام سيسقط …. على مبدأ ان الرجل الذي خضع للجراحة مات (أي الشعب) ولكن العملية (أي استلام السلطة) نجحت..

 

قبل أن نعترف أننا لم نطور نظرية الحكم ونظرية صندوق الاقتراع علينا أن نعترف أننا وللأسف الشديد لم نطور نظرية المعارضة ..قد يلوم أحدنا النظام ويقول ان النظام لم يكن ليسمح بظهور وتطور المعارضة فنشأت على هذا الشكل المشوه المأساوي الذي يستدعي الرثاء ..ولكن هذه ليست حجة مقبولة على الاطلاق ..وهي حجة الذين يلومون النظام على كل شيء ويحملونه آثامهم وخطاياهم ورزاياهم..والبحث عن كبش فداء ..

 

أنا أعتبر التاريخ مرجعي وحكمي في الفصل بهذه الحجة .. والتاريخ لم يضيع وقته في تبريرات الآثمين بحق أوطانهم وشعوبهم ..وقال كلمة مقتضبة لحقتهم كاللعنة .. فالتاريخ لايمكن أن يتأتئ في احتقار (أبو رغال) الذي قاد جيش أبرهة الى مكة .. والتاريخ يقول أيضا ان الجمرات التي يرميها المسلمون في الحج هي في موقع نفذت العرب فيه حكم القصاص بأبي رغال الذي صار رمزا للشيطان … والتاريخ كذلك لايضيع وقته في اعادة النظر في مبررات ابن العلقمي الذي بحجة اضطهاد الخليفة العباسي للشيعة سهّل لهولاكو اقتحام بغداد ..

 

ورغم ان المارشال الفرنسي بيتان كان بطلا فرنسيا في الحرب العالمية الأولى فان التاريخ لم يتردد في وصفه بالمثال الرديء على الوطنية عندما دعا للاستسلام للألمان للحفاظ على باريس – من باب خشيته كما يزعم من تدمير العاصمة الفرنسية – ليكون لاحقا رجل النازية في فرنسا، فوقع مع ألمانيا هدنة، وأوقف العمل بالدستور الفرنسي، وتقلد منصب (رئيس الدولة) في فيشي، وصار دمية بيد الحاكم الألماني العسكري….

 

ولذلك عندما تتبارى جهات المعارضة لتزف للشعب السوري أخبار تراجع الاقتصاد السوري وتوقف السياحة وتراجع الدخول واهتزاز الليرة وتبشرهم بأن الروس قد يوافقون على تمرير قرار عقوبات أو ضربة عسكرية ..هذه المعارضة لاتنتمي لنا ولاننتمي لها..ولافرق اطلاقا بين (ابو رغال) وعبد الحليم خدام الذي سيرجم قبره يوما بجمرات ثلات اذا دفن في سوريا بجانب نفاياته النووية.. ولافرق بين رياض الشقفة والعلقمي، فكلاهما بحجة اضطهاد طائفته يستجير بتدخل الغزاة..ولافرق بين غليون أو المناع وبين بيتان الفرنسي فهؤلاء صاروا دمية بيد ساركوزي رئيسهم كمواطنين فرنسيين..

 

لايكفي أن يكون هدف المعارضة هو تحرير البلاد من الديكتاتورية…ولايكفي ان يكون هدف المعارضة تصحيح مسار التاريخ ..ولايكفي أن يكون هدفها الغاء احتكار السلطة لشخص أو لحزب..لايكفي أن تقول المعارضة انها تريد اعتاق السوريين من الاستعباد ويتشدق علينا المناع بأن احد الجرحى اتصل به من سرير العلاج ليقول له: يكفي أنني عشت أياما من الحرية..فكما أن المعارضة تقول ان النظام قد أشبعنا شعارات ووطنيات، فاننا كسوريين مستقلين عن النظام وعن المعارضة لانريد من المعارضة تمثيلية الشعارات ذاتها…والخطابات العاطفية

 

المعارضة يجب أن يكون هدفها حياة الناس واستمرار معيشتهم وأسباب حياتهم أثناء حربها مع النظام…كم هو عار أن نحارب النظام بافقار الناس وأن نعطيهم حرية بعد اذلالهم وتشريدهم في دول العالم وفي سفارات الغرب (من أجل لقمة العيش) بالعقوبات الاقتصادية وقصف الناتو ..كم هو عار ومشين ومخجل أن تحول المعارضة المواطن السوري الى سيف تقاتل به ويتلقى الضربات الاقتصادية ..لاأدري ان كان مرتّب المناع وغليون الأستاذ في الجامعة أو عبد الحليم خدام أو مرتب عدنان العرعور سيتأثر من تراجع السياحة السورية أو من تدهور سعر الليرة…هؤلاء يحتسون القهوة في منافيهم في أرقى الأماكن ..ويتلقون الرواتب العالية ويدللون في كل المؤتمرات ويزداد دلالهم كلما شدوا الخناق على الوطن السوري..مالفرق اذا بينهم وبين رموز الفساد السوري الذي يحاربونه..الفاسدون لن تعذبهم العقوبات الاقتصادية وترنح الوضع المعيشي ..وكذلك هم..وما بين هذين الوحشين يدفع أبو محمد سائق التاكسي وأبو حسين الفران وأم عدنان الأرملة وأبو ياسرالكهربجي ضريبة عنجهية المصارعين وبالذات اجتهادات وجهد المعارضة لانهاك النظام..ولن يقدر الفتى ياسين المصاب بعاهة قلبية ولا فاطمة الطفلة المصابة بالسرطان على تلقي العلاج.. ولا يقدر الطفل مهند على اجراء الغسيل الكلوي .. وذلك لتعطل مشافي الدولة بجهود الأشاوس المعارضين الذين يريدون كسر عظم النظام ..وبالطبع لن يمس الحصار والتدهور الاقتصادي رامي مخلوف ولا محمد حبش ولا محمد حمشو..

 

معارضة أنانية لاشبيه بها الا أحقاد القبائل البدائية على بعضها ولايحكمها الا عقلية القبيلة وغريزة الانتقام ..ولاينطبق عليها الا وصف نزار قباني اذ قال شاكيا:

 

قادم من مدن الملح إليكم .

 

وسؤال واحد يحرقني ..

 

ما الذي يحدث في تاريخنا ؟

 

سمك يبلع خلفي سمكاً .

 

شجر يأكل خلفي شجراً .

 

تغلب تطعن خلفي مضرا .

 

خالد يذبح خلفي عمرا .

 

نحن لم نقتل بسيف أجنبي

 

بل قتلنا كذئاب .. بعضنا

 

كم أحس بالذل عندما أرى معارضات الغرب لاتساوم على أوطانها…فقد مزقت المعارضة البريطانية اعلاميا رئيس وزرائها توني بلير لدفعه البلاد الى الحرب وظلت حتى الساعة الأخيرة تهاجمه ولكن عند اندلاع الحرب صمت الجميع لأنه كما قال قادة المعارضة “أولادنا وبناتنا جنود على الجبهة ويجب أن يقاتلوا وهم يحسون أن بلدهم قد يختلف فيه الساسة في السياسة لكنهم جميعا لايختلفون على دعم بطولاتهم ومساندتهم .. ونحن لانريد أي ثغرة تحبط هؤلاء المقاتلين” … بل ان عضو البرلمان البريطاني جورج غالاوي المشهود له بمرارة معارضته للحرب قد سيق الى لجنة تحقيق برلمانية لأنه نمي للبريطانيين أنه ربما تفوه وقال بأنه سعيد لسقوط جنود بريطانيين في الحرب كي يدرك الناس حماقة بلير…تهمة لم تثبت لكنها كانت رسالة قوية ودرسا قد يصل الى مسامع معارضتنا التي (ترفع الرأس) ربما بعد 50 سنة..لأن معارضتنا على مايبدو كانت تتبارى بالشعر عندما كانت هذه الدروس تلقى..

 

المعارضة الشريفة كالمرأة المتزوجة المحصنة والطاهرة لاتنام في سرير غير سرير زوجها “الوطن” ولاتنام خارج بيتها .. وتحمل حملها شرعا من ألم الشعب .. وما يؤلمني أنني لم أجد في التاريخ كله معارضة مطعمة بكل النكهات كالمعارضات العربية وبالذات السورية ..فالمعارضة العراقية وهي المثال الفاقع على الرداءة كانت لها طعمة أمريكية وبريطانية وايرانية وسورية وكردية وسعودية وحتى أردنية واسرائيلية وقدمت لنا اسوأ مشروع تحرري واسوأ دولة.. والمعارضة السورية تشبه الآن رجلا آليا مصنعا بطريقة تجميع السيارات .. اليد قطرية والرجل تركية والعين سعودية والقلب اسرائيلي والرأس أمريكي والدماغ صهيوني وفتحة الشرج فرنسية وفتحة البول من تيار المستقبل ومن تصميم عقاب صقر..فتأملوا في هذه المعارضة الوطنية.. ولأن هذه المعارضة ركيكة ومركبة بالترقيع والتلزيق فانها تحاول أن تقول وتدعي انها تشبه النظام بأن تختلق قصص مساندة خارجية من حزب الله وايران ..والكل صار يعرف أن الأسد لاتقبل كرامته الوطنية تدخلا في أمور ومصائر السوريين لا من أحمدي نجاد ولا ومن حسن نصر الله ولا من أردوغان ولا من أبو متعب ولا من أي خليفة ولا من الحسن ولامن الحسين ولا من علي بن أبي طالب نفسه..

 

اننا قد نقبل أن لدينا معارضا اسمه محمد رياض الشقفة ومعارضا اسمه برهان غليون ومعارضا اسمه هيثم المالح أو المناع ..وقد أقبل أن يكون العرعور معارضا وعبد الحليم خدام .. هذا شأنهم كسوريين مهما اختلفنا معهم ونبذنا أفكارهم ..ولكن كيف لي أن أقبل أن يزج هؤلاء المعارضون بوجوه معارضة ليست من الوطن بل غريبة عنه .. فما شأن حمد بن خليفة القطري بالوضع السوري حتى تحشر صورته في تحديد مصير الوطن ويصبح له في وطني دور كما كان للبرجوازية السورية الوطنية شأن في معارك الاستقلال؟ ماشأن أردوغان بوطني حتى تقدمه المعارضة السورية معارضا سوريا يتحدث باسمها ويفاوض باسمها ويأكل باسمها ويحلق ذقوننا باسمها ويدخل حمام بيتنا ويأخذ دشا باردا بحجة الأخوة؟ ماشأن برنار ليفي حتى يكون معارضا سوريا يبارك بطولة الشعب ويدعو الله أن يساعدنا؟؟ ماشأن المعارض “السوري” روبرت فورد كي يترك عمله في سفارة الولايات المتحدة ليلتحق بثوار حماة؟؟ ماشأن المواطن الفرنسي ساركوزي ليظهر كالمعارض السوري ويتحدث في أخص خصوصيات بيتنا السوري؟ ماشأن هيلاري وباراك ومجلس الأمن ..في شأن سوري ؟ انه بيتنا ولن يكون في بيتنا الا أهل بيتنا ..جميعا ..فتفضلوا ياسادة بالخروج من غير مطرود ..ومن لايريد الخروج سنجرّه من ياقته ونرميه في الشارع ..عندما نرمي القمامة..

 

الحسناء السورية والوحش .. الأساطير تهاجم الأساطير بالسواطير التلمودية

 

عندما أمرّ على صحف العرب وكتّاب العرب أعرف ماذا يعني أن الأمم الفقيرة بالنخب لاتستطيع خوض المواجهات الفكرية الطاحنة مع الأمم الأخرى ..المواجهات الفكرية تحتاج الى عقول لاتمسك بها العواطف ..وعقول لاتمارس العناد الفكري ..وعقول لاترى امتطاء الحقائق لجياد العقل الجامحة اهانة لها لاتقبلها عزة نفسها فتصرّ على نبذ الحقائق .. ويصل الأمر ببعض الكتّاب أنهم ماعادوا يكتبون عن الواقع بل صاروا يكتبون بطريقة رواية الاساطير ومبالغاتها وقسوتها ومفاجآتها ... انفصل المثقفون العرب عن الواقع تماما وأصابهم الربيع العربي بلوثة "التأسطر" .. وصارت قراءة بعض كتابات مثقفي العرب مغامرة لأنها عملية مواجهة بين العقل والأسطورة ..والمشكلة الكبرى أن عددا من القراء العرب أيضا يميلون لتصديق الأسطورة ..لأن العاطفة لا العقل من يعمل ..ولأن العناد يحل محل العاطفة عندما تتنحى للعقل .. فالأسطورة تنتشر لأن الاسطورة يقرأها عشاق الأسطورة والحكايات ..

 

 لاأدري من أين جاءت الأساطير وكيف ألهم كتّاب الأساطير القديمة فكانت الاسطورة الاغريقية عن حروب وصراعات الآلهة مثل بوسيدون اله البحار وهيرا الهة الزواج وديميتر اله الزراعة والخصب وأريس اله الحرب والانتقام وأفروديت الهة الحب والجمال ووو.. ولاأدري ان كانت قصص الاغريق القدماء هي قصص عن أناس حقيقيين لكن ألبست لبوس الأسطورة عندما حدثت لدى الاغريق "ثورة" .. أو "ربيع" اغريقي وظهر كتاب ثورجيون اغريق فكتبوا الأحداث بلغتهم... لكن ماأعرفه ان ميثولوجيا الاغريق كتبها كتّاب عقلاء نبلاء لتخليص العقل من سطوة الأسطورة المجنونة ولتعليم العامة القيم والأخلاق .. أما كتّاب العرب فيكتبون الأسطورة للسطو على العقل ولتخليص العامة من الأخلاق وزرع الشر والغباء .. وتتميز أساطيرهم بسيلان لعاب برنار هنري ليفي اللزج على كل سطورها ..ووجوه أبطالها .. ولاأملك الا أن أهنئ برنار هنري ليفي على هذه العبقرية في ابتكار أسطورة من الهواء سيسجلها له التاريخ وستجعل هنري كيسنجر تلميذا صغيرا لديه...

كيسنجر كان يعرف هشاشة المجتمع العربي ويصفه أنه مجموعة خيام وفي كل خيمة شيخ ..ونصح بأن يتفق الغرب مع شيخ الخيمة وينسى شعب الخيمة .. فالشيخ هو كل شيء ...لكن برنار هنري ليفي أثبت أنه يعرف أكثر من كيسنجر ..فهو يعرف النخبة العربية وأهل الخيمة بحذق ويعرف شقوقها وهشاشتها ويعرف كيف يحول مزاجها ويركبه ...ومن يعرف النخب يركب على شعوب النخب ... فصمم لهم ليفي أسطورة الربيع العربي  لتأكل أساطير المقاومين العرب من الرئيس عبد الناصر الذي هدم ثورجيو ليبيا نصبه وتمثاله بعدما جرجروا العقيد الجريح كالوعل الجريح وفتكوا به كالضباع الهائجة .. وتمكن برنار هنري ليفي بعبقرية توجيه الاسطورة المجنونة التي صممها ليصدم بها أسطورة عظيمة هي أسطورة المقاومة وأسطورة تحالف الشرق بين الرئيس بشار الأسد والرئيس أحمدي نجاد والسيد حسن نصرالله .. فلحقت بأسطورته غوغاء المثقفين العرب .. تغني للأسطورة .. كي تسحق الأسطورة ..

ان كل مايكتب عن الربيع العربي لايستحق أن يقرأ لأن فيه القليل القليل من العقل والحكمة وفيه الكثير الكثير من "فوضى الحواس" وهياج العاطفة .. ولايستحق أن يرمى بنظرة أو التفاتة .. انها الرثاثة والعبث ... انها الكتابة العمياء ..وكتابة الأميين ... ويحتاج القارئ الى أن يتوضأ وأن يبسمل ويتعوذ من الشيطان الرجيم بعد كل قراءة عن ربيع العرب والثورة السورية لما فيها من أساطير ووحوش لاوجود لها الا في مخيلات البلهاء وعشاق الأساطير .. فحتى هذه اللحظة كتب الكثيرون عن وحشية الجيش السوري ووحشية الفرقة الرابعة قصصا لم يكتبها قبلهم أي كاتب أساطير .. وكتبوا عن صراخ المدنيين وعن مذابح وقصف مدفعي وبالدبابات وبالسلاح الكيماوي وعن انشقاقات عشرات آلاف الجنود وعن الدولة التي قتلت الجميع وعن تفجيرات نسبوها للدولة التي تفجر مقراتها الأمنية ومدنها وتنسف اقتصادها وعن الدولة المجنونة التي تريد اشعال حرب طائفية لتحمي نفسها وعن مقاتلين لحزب الله يموتون في شوارع الزبداني وعن الآلاف من حرس ثوري ايراني يقاتلون الشعب البائس .. انها فن كتابة الأسطورة المجنونة بكل مافيها من خيال لكنه الخيال القاتل الذي يكتب أسطورة الشيطان .

كي تفهم الأحداث السورية لايستطيع عقلك الذي تعلم الرياضيات والهندسة والجبر والأدب والأخلاق والشعر والتاريخ طوال عقدين على الأقل أن يفهم شيئا من الحدث السوري لخلطه بالأساطير وسيحتاج عقلك الى حرق طن أو طنين من وقود المنطق وأن يكون قد قرأ شيئا كثيرا عن تفكيك الاسطورة كي يعرف التعامل مع هذا الطوفان من الأساطير الذي يجعل كتّابا في مصر مثلا يجلسون في مكاتبهم - بعد انجاز الثورة المصرية - ويستعيدون أمجاد حرب أكتوبر بتوجيه الضربة الجوية "الأولى" على "النظام السوري" بدل اسرائيل وهم لايتزحزحون عن مقاعدهم ولايأتون الى سوريا (لأن سوريا تأتي اليهم عبر الجزيرة وبعض الكذابين المعارضين) ولايعرفون عن الحدث السوري الا كما يعرف منصف المرزوقي (رئيس تونس) عن تقطيع زينب الحصني التي ظهرت حية ترزق بعد أن انفعل وبكى عليها الشيخ المرزوقي بطريقة مخجلة على منصة الجزيرة وهو يتهم الأمن السوري بتقطيعها .. دون أن يعتذر عن تلك التهمة كأي عاقل يحترم نفسه ليصير بعدها رئيسا لجمهورية كما يحدث في الأساطير التي تحكي عن البلهاء الذين صاروا فرسانا ..

عندما نستمع لفنانين أو لنخب مثقفة مثل حمدي قنديل وعبد الحليم قنديل وفهمي هويدي وغيرهم نعرف أن النخب المثقفة العربية لديها ماء.. لكن ماءها ضحل وطيني وعكر .. ليس له عمق فكري ولامنسوب .. وفكرها راكد تعيش فيه الضفادع النقاقة .. وأن أغلبهم يكتب دون أن يفكر ودون حتى أن يغامر بالبحث عن الحقيقة .. فيكتب لجمهوره الاسطورة دون أن يدري..ويحشو عقول قرائه بالماورائيات الثورية.. فقلمه مربوط بحصان عاطفته الذي يجري بعيدا عن حصان عقله.

فهمي هويدي مثلا كتب منذ أيام يعتذر للشعب السوري الذي يذبحه النظام ولايفعل العرب له شيئا .. وكلامه بالطبع فتوى للجهاد ليس لما تضمنه من الأكاذيب والأضاليل بل لما افتقده من الموضوعية والأمانة وزخر به من الدموع .. فهمي هويدي تحول مثل غيره الى راو للأسطورة والى كاتم صوت في أسلحة الثورجيين ..هم يطلقون الرصاص وهو يكتم صوت الرصاص .. بل اجتهد كاتم الرصاص هويدي وطور نفسه ليكتم قلمه صوت انبجاس الدم السوري البريء من الأعناق بسكاكين المكبرين الثورجيين .. وأصيب هويدي بعمى الألوان فالدم الذي يسفكه الأمن السوري أحمر قان لزج ساخن طاهر لاينسى ...أما الدم الي سفكه الثورجيون بجنون والذي لو سكب في نهر النيل لتغير اسمه الى نهر "الأحمر" فان فهمي هويدي لايراه لأن دم الأغيار (الغوييم) ماء شفاف يتبخر أو أنه نفط خفيف سريع الاحتراق في الاعلام الخليجي الذي يتأرجح فيه هويدي وينام في سريره قرير العين ..انها نفس طريقة الكتابة الاسطورية للتلمود اليهودي عن الغوييم والشعب المختار ..الثورجيون صاروا الشعب المختار .. وباقي الشعب السوري هو "غوييم" فهمي هويدي ..الذي صرنا نقرأ اسمه فهمي يهودي ...انها الاسطورة الجديدة يكتبها لنا برنار هنري ليفي بأقلامنا العمياء ...والله أكبر ...يا أمة الاسلام..

كتّاب التلموديات الهويدية الذين كتبوا لنا عن الربيع العربي والجيش السوري كانوا في رواياتهم كأنما يكتبون عن اليهود عندما دخلوا أرض كنعان ..فمثلا ذكر سفر يوشع "انهم قتلوا بحد السيف جميع من في المدينة من بشر وحيوانات ثم زحفوا الى مدينة «عاي» الكنعانية فقتل يوشع وقومه كل من في المدينة البالغ عددهم حوالي 12 ألف نسمة"....

لن أتوقع من هويدي أن يعتذر للسيد حسن نصر الله على حملة التزوير والتضليل والافتراء على شخصه والحاق الاهانة به واتهامه بالقتل والاعتداء على انجازات المقاومة .. والعمل المتواصل لقتل اسطورة هذا البطل ..فهمي هويدي الذي بكى بكاء مرا على خذلان الشعب السوري لم يبك على خذلان حلم السيد حسن نصرالله بقهر اسرائيل في عقر دارها..وقد كان قاب قوسين أو أدنى ..فأنقذها ربيع العرب وكتّاب أساطيرهم..

يخطئ من يعتقد أننا نريد من السيد هويدي وأمثاله  أن يعتذروا منا لكننا نطلب منه أن يعتذر من أستاذ اللغة العربية وأستاذ التاريخ وأستاذ الجغرافيا ومدرسي الأخلاق الذين درسوه ..وأن يعيد امتحانات الثانوية عله يعرف شيئا عن المنطق الذي يبدو ان بهجت الأباصيري ومرسي الزناتي هما من يعلّمان المنطق في مدرسة فهمي هويدي الأخلاقية .. ألا تستحق دمعة واحدة من أم شهيد سوري "غوييم" ذبح بيد المسلحين الأشاوس أن يريق عليها هويدي ومثقفو "شعب الله المختار في بابا عمرو" من كتّاب الأساطير حرفا ؟؟ ألا يستحق جدّ رسول الله هاشم الذي يرى هويدي قبره يغرق في الظلام وتنقطع عنه الكهرباء في غزة ولاتستطيع كل جحافل الاسلاميين العرب المنتصرين في شمال افريقيا وعلى تخوم غزة أن تنير عتمته .. ولم تستطع ايقاد شمعة واحدة في غزة ..فيما الثورجيون يشعلون كل النار في محيط اسرائيل .. ويشعلون الجحيم في المشاعر   

كنت دائما أقول ان النخب هي التي تقود قاطرة الصراعات ..وأن مايحدث من صراع بين الشرق والغرب هو صراعات النخب مع النخب .. فالنخب هي التي تستطيع بناء المجتمع السليم ..وكنت دائما منحازا الى النخب العربية التي أصغيت لها وهي تشتكي وتثرثرعلى مدى عقود عن الديكتاتوريات لأنها حطمت انسانية الفرد في المجتمع المقهور ولأنها تبني عبودية المواطن المريض نفسيا فيما تحاول هذه النخب اعادة بنائه وشفاءه ..وصفقت لها أكثر مما كان يصفق جمهور أم كلثوم لمقاطع أغانيها وكنت أقول: هذه النخب هي من تستحق أن يقال لها "عظمة على عظمة ياست" وهي تنشد نشيدها المزمن بأن "بلدا لاينعم فيه المواطن بالحرية لايستطيع أن يتحرر من احتلال" ....

لكن ماحدث هو أن هذه النخب كلها كانت نخبا هشة والاستماع لأم كلثوم فيه فائدة أكثر وراحة ضمير .. فقد سقطت هذه النخب في امتحان مواجهة الأمم وتبين أنها نخب لشرب الأنخاب والخطابات وأنها هي السبب في المأساة وأنها مصنع الديكتاتوريات والفشل في الانتقال الديمقراطي وأن شكواها من القمع كانت لأنها تريد هي أن تمارس القمع على طريقتها كما تفعل الآن .. حجم الهزيمة الثقافية المجلجلة هائل واستسلام جنرالات الثقافة العربية بالجملة لهذه الحملة الفكرية الثقافية في الربيع العربي مهين وشائن ومروع ويشبه هؤلاء الجنرالات جنرالات الجيش العراقي الذين كانوا يستسلمون بعد سقوط بغداد دون قتال ... لمجرد رؤية تمثال سقط ..

هناك حالة من الطفولة والصبيانية وقلة الوعي من النخب في التعامل مع الربيع العربي ومع الحدث السوري تحديدا .. فهناك نوع من المساهمة ببناء الأساطير ونوع من التكرار لمقولات العامة والرعاع بل وخشية من رفع الصوت بكلمة منصفة ...وهناك تحرير لمشاعر الانحطاط ودفع نحو "حيونة الانسان" ..

نعم هناك عملية مقصودة لاطلاق لمشاعر البهيمية .. أنا لاأصدق مثلا كيف أن كل عتاولة الثقافة العربية ومثقفي المجلس السوري الوطني والمثقفين العرب لم يتنبهوا الى خطورة اطلاق مشاعر العامة بتبني لغة الاسطورة ولغة الصورة .. ولغة اليوتيوب ..وباشاعة الأساطير عن تناطح الهلال الشيعي مع السنّة وتوزيع صور الموت والدم حتى على الأطفال وترويجها في مواقع الثورجيين وموبايلات الشباب والمراهقين بحجة فضح نظام قمعي .. بعض فعاليات الثورة كان يباهي بنشره صورا كثيرة لمشاهد الموت البطيء المعذب وللجثث المعذبة دون دليل أو تحقيق عن صحتها ... نعم انك بالصورة قد تشنّع على نظام وتدينه لكنها ستحول مشاعر الناس لدى جمهورك نفسه الى غرائز وانفعالات غير منضبطة .. وللأسف دفعت بمؤيدي الدولة في سوريا من منطق الرد بالمثل والصورة بالصورة والدفاع عن النفس الى اطلاق ألبوم مخيف عن صور العنف والفظائع التي يمارسها الثورجيون ...

لو كانت الثورة تعنى بشعبها ولديها عقول تفكر لما سمحت على مواقعها وفضائياتها بنشر ثقافة الصورة المرعبة الدموية في مجتمعاتها ولحاولن جهدها ابعاد العنف وثقافته .. فمثلا هل رأيتم صورة واحدة لجثث أو ضحايا تفحمت في أحداث سبتمبر في أميريكا أو بعد تفجيرات لندن أو مدريد لتحرض الغرائز على العرب؟؟ لم تسمح النخب الثقافية الغربية بنشر صور الرعب والموت في مجتمعاتها رغم انها كانت ستزيد من منسوب الكراهية للعرب والمسلمين واكتفت النخب هناك بالحديث المطوّل عن الدمار والموت وصور الغبار وثقافة حكم الشريعة وقطع الرؤوس .. ومافعله الثوار العرب أنهم جعلوا ثقافة صورة الموت والدم جزءا من النفسية الجديدة للجيل الجديد وتم بناء جيل سيكون غير سوي نفسيا وانحرافا نحو العنف والجريمة السهلة لأن التراشق بالصور العنيفة بين الطرفين كان منصة لانشاء الاعتيادية على مشاهد العنف والقبول بها والاستسلام لها كأمر طبيعي بعد أن كانت محط استهجان واستغراب ولاتصديق ان تحدث في سوريا ..

 فعلى هؤلاء المثقفين أن يتوقعوا نهوض مجتمع عنيف اعتاد لغة العنف .. وبدأ ياكل نفسه وأبطاله ..ولن تضبطه عملية ديمقراطية ولاحريات السوربون ورومانسيات سمر يزبك ورزان زيتونة .. وهذا الأمر بالطبع لن يلقى عناية أعضاء مجلس استانبول لأن أبناءهم لن يعيشوا في سوريا مهما حدث بل سيبقون مثل أبناء المعارضين العراقيين الذين بقوا في الغرب ورفعوا دعاوى ضد ترحيلهم بعد سقوط صدام حسين لأنهم يعرفون أي مجتمع أطلقته الحريات المجنونة والتحرير بتفجير المشاعر الانسانية ..

صارت الأسطورة الطليقة المجنونة تأكل الاساطير الحقيقية وتأكل كل أعداء اسرائيل واحدا واحدا .. فثورجيو ليبيا هدموا نصب أسطورة عربية جميلة هي تمثال عبد الناصر ..فيما بدأ ثورجيو سوريا تمردهم من أجل قانون الطوارئ والمادة الثامنة في الدستور وانتهوا الى احراق صور أسطورة عربية هي حسن نصر الله وبدؤوا يذبحون من يخالفهم رأيهم حتى لو كان مؤمنا تقيا مثل الشيخ أحمد صادق خطيب جامع أنس بن مالك في دمشق ..لأن من يشرف على الثورة ليس مؤهلا لقيادة جمهور ولامدرسة ابتدائية ..ولأن النخب التي تكتب للثورة من المحيط الى الخليج نخب جوفاء لاتعرف الفرق بين الكتابة والخطابة والعزف على الربابة

وعمل الحجابة..ولعل الأهم أن كاتب الأسطورة الحقيقي هو مرشح الرئاسة الاسرائيلي ..برنار هنري ليفي   

مافعله كتّاب أساطير الثورة ببعض الناس لايغتفر وستأتي بهم كتب التاريخ للمحاكمة لأنهم حولوا الناس الى وحوش آدمية ..هذه الصور المروعة التي كان الثوار يروجونها والمقالات المنحازة الى دم دون آخر التي كانوا ينشرونها بحجة التشنيع على النظام كثير منها كان مفبركا وكثير منها تم بيد الثورجيين أنفسهم بل ان الانحطاط بلغ حدا أن بعضها كان مسروقا بوقاحة من جرائم صبرا وشاتيلا ودير ياسين الفلسطينية وصارت اسرائيل تلقي بارثها الدامي علينا لتنظفه لها ثوراتنا وتنسب صور جرائمها لنظام الرئيس الأسد حتى تجرأ الثورجيون وقالوا ان الجيش السوري لايساوي رباط حذاء جندي اسرائيلي .. فدارت عنفة العنف ..وكل طرف يلوم الآخر ...ولكن ماحدث أن مايسمى "الثورة" ولغياب القيادة الرشيدة والنخب الواعية ولاختراقها من قبل المخابرات الغربية لم تعر بالا الى هذه العملية في بث الأساطير التي تخلق وحوشا لايمكن ضبطها والسيطرة عليها...

والغرب نفسه طبعا يشارك في هذه العملية الهوليوودية الضخمة في صناعة الاسطورة الهوجاء العربية .. ومن الأمثلة الصارخة على تغليف الحدث السوري بالأسطورة هو مقالة صحيفة التايم البريطانية عن "زوجة الطاغية" .. فالصحف الغربية تعرف أن قراءها لاتجذبهم أخبار العالم الخارجي الا اذا تمت صياغتها بطريقة تجعل عين القارئ لاتترك المقال قبل أن تتركه ..ولايوجد مقال عن سوريا لايطعّم بنكهة الأسطورة والعجائبية .. فمن يقرأ مقالة "زوجة الطاغية" يحس أن الصحيفة تعرف أن الحكايات والميثولوجيا هي التي تجذب الناس أكثر من لغة التقارير الرسمية .. ومن يقرأ تلك المقالة يحس أنه يقرأ حكاية "الحسناء والوحش" الشهيرة انما تتلاعب بالقصة وتنزع صفات النبل عن وحش سوريا وتجعله طاغية يكرهه القارئ .. فزوجة الطاغية وهي السيدة أسماء الاسد تقدمها الصحيفة على أنها وديعة رقيقة كالحرير نشأت في بيئة وديعة وتنسمت هواء الحرية والديمقراطية وسط ملائكة المجتمع البريطاني الى أن تزوجت طاغية قاسي القلب ومصاص دماء قلب حياتها وهي الآن تعاني وتكتم في نفسها وتبكي في سرها على حمص ولاتجرؤ على البوح .. ومن يقرأ المقال لايجد الا عبارات غامضة ورواة مجهولين لنقل التفاصيل من مثل "ويقول مقربون منها" ويقول بعض الجيران ..ويقول صديق لايمكن التصريح باسمه الحقيقي  .. رواية عاطفية سخيفة ستقرؤها كل ربات البيوت الانكليزية لانها مسلية ..لكننا نعرف ان الوحش الاسطوري الذي تتحدث عنه التايم هو انسان راق ..وشفاف ..ومتنور ..ويحمل قلبا نقيا ...ومع هذا فهو يقاتل بشراسة هكطور الطروادي ..عندما يواجه عدوه أغاممنون المتكبر المغرور...  

وأما من يقرأ تقرير صحيفة الايكونوميست البريطانية عن سورية فيعتقد أنه يقرأ من مذكرات جبهات القتال في الحرب العالمية الأولى والثانية حيث فرق الجيوش تسحق المدنيين المسلحين تسليحا خفيفا وتهرسهم الدبابات..أساطير في أساطير في أساطير ....

ولمن يعشق قراءة الأساطير سنحكي له قصصا بابلية عظيمة وكنعانية مليئة بالخير ....سيكتب كتاب الأساطير الحقيقية يوما عن صراع دار بين شعب هدد (أو حدد) .. وهو اله العواصف والأمطار عند السوريين القدماء الذي كان يتجول على عربات السماء ويجلد الغيوم لتمطر ويزمجر فيقصف صوت الرعد ..(وكان معبده القديم في دمشق في مكان الجامع الأموي بالضبط .. وأما معبده الكبير في حلب فكان على أعلى مكان فيها وهو النجد الذي نهضت عليه قلعة حلب الحالية) ...هذا الشعب هاجمه هبل (اله الزيت والنفط ) .. وتداعى الى المعركة لنصرة هبل آلهات كثيرات مثل آلهة الخيانة والغدر "غطر"  وآلهة الحقد "بندر" وآلهة الكذب وآلهة الدم .. وآلهة الغاز وآلهة المال وآلهة الفضائيات ..وكان يقودهم يهوه وآلهة الغرب وآلهة الشرق وآلهة بان كيمون ...

لكن الاله "أنو" اله السماء السومري والاله آشور والاله انليل (اله الربيع والهواء) ..وعشتار آلهة الحب والجمال ..وآلهة الكوثر ..واله الثلج والبرد القارس السيبيري .. واله اللون الأصفر وأسوار الهيمالايا .. كلهم أطفؤوا الحرائق التي نفخها من فمه اله الزيت والنفط والغاز والدولار ...وقامت عشتار بنشر الحب حيثما وقع لهيب النفط والزيت والدم ...وكان "انليل" ينظف الربيع الأخضر من الربيع الأسود المتسخ برائحة الدم يساعده اله الثلج والبرد القارس ...وكان انليل ينفخ على الغبار والهباب والدخان ويعيد الربيع الأخضر ...ظل ينفخ حتى جاء آذار ...نعم في آذار..ستتزوج عشتار .. من اله الرعد والأمطار.

 

على طاولة القمار .. قدود حلبية وخازوق من جبل الشيخ الى مشهد

 هذه الأيام الحمراء أيام لاتحب الخطابة ولاتحب الشعر .. ولاتهتم بالرثائيات والبكائيات والنواح .. وهذه الأيام أيام لاتعنيها لغة الوعيد ولاالتهديد ..ولاتعبأ بلغة القدح والذم والتخوين والتجريم والقاء اللوم على القتلة والمؤامرة.. ولاأكذب ان قلت انني لاأستطيع سماع الشعارات ورفع السبّابات والتلويح بالويل والثبور وعظائم الأمور .. الأزمة السورية أطلقت بسرعة مجتمعا ناضجا وواقعيا لايبحث عن الأساطير والشعراء والبلغاء والفصحاء والأصوات العالية .. بل تعنيه المواجهة مع الأسئلة الصعبة والخيارات والتحقيق الشاق مع الشروح والتفاسير .. وهو مستعد لسماع الأخبار القاسية على حقيقتها بدل الأخبار المخدرة والمهدئة المورفينية .. ومستعد للقاء أخبار الخسائر كما أخبار الانتصارات .. الشعب السوري علمته الأزمة أنه هو الحقيقة الباقية التي يؤمن الغرب أنها يجب أن تموت .. ولكن من يمتلك قلبه الحقيقة لا يموت.. ومن تمتلك قلبه الحقيقة لاتفرط به..

 في كل يوم كنت أتصفح الأخبار لأتابع الأحداث كنت أمسك قلبي قلقا .. وأصاب بالشرود الذي قلما لايقاطعه من حولي بالتساؤل عما يدور في خلدي .. والسبب في ذلك أن كل ماتوقعناه مع مجموعة من المخلصين والباحثين الأوروبيين النشطاء في استقصاء الحقيقة خلال هذه الأشهر الماضية كان قريبا الى حد كبير من الصواب .. منذ أن توقعنا انهيار المجموعات المسلحة في حماة الى تقهقر تركيا "التكتيكي" وترددها الاستراتيجي .. الى اندفاع روسيا المدهش للدفاع عن شوارع موسكو بالاستنفار على تخوم دمشق رغم كل ماقيل عن تعب روسيا من التعب السوري واللعبة الدولية .. وكذلك كان مارصدناه معا عن احتواء الديبلوماسية السورية لحماقات وبهلوانيات الجامعة العربية صوابا الى حد كبير .. بل ان ماتوقعناه في مقالة سابقة بأن حلب هي الهدف الثاني للتفجيرات بعد دمشق ثبت أنه دقيق بدليل أحداث الأمس .. وسبب نجاح استقرائنا لما سيحدث هو الدراية الكاملة والواعية بعقل المعارض العربي  (والسوري طبعا) وسادته .. والدراية بعقل ووطنية الممانعين على الطرف الآخر .. ولعل الأهم هو الدراية بالعقل الذي يعرف العقلين السابقين ..العقل الغربي الاستعماري ..

أما سبب قلقي فهو أننا كنا ندرك أن معسكر الشر الغربي -العربي قد أصيب بحالة الانكار التي تصيب المقامر .. وأننا صرنا أمام مقامر لم يخسر في حياته ولكنه في هذه اللعبة ..بدأ يخسر .. فكما نلاحظ فان الغرب أفسح المجال لاطلاق الاستغاثات على كل قنوات العالم بل وغامر الملك السعودي -خادم الناتو الشريف - بهيبته من جديد وأصرّ على الادلاء بدلوه في امتعاضه من سوء أداء مجلس الأمن رغم انه لم يكن له دلو ولا لكل ملوك السعودية في كل حروب اسرائيل علينا وفي كل فيتوات أميريكا ضد الفلسطينيين .. ثم لاحظنا الحملة الاعلامية الهائلة بعد الفيتو الروسي وتشغيل الماكينة الدينية بأقصى طاقتها عبر اتحاد العلماء المسلمين الذي بدا أنه "استدعى الله ورسوله" على عجل - كالعادة عندما تحل الزنقة بالأمريكان - للعمل مع المعارضة السورية .. وشغّلت خطوط تصنيع الفتاوى الجهادية بأقصى طاقاتها بل وزجّت الماكينة الدينية "بملائكة لم تروها" على متن الخيول البيضاء في حمص كتأييد من عند الله .. واستدعاء الله والملائكة لم يتم خلال كل حروب اسرائيل مع العرب .. فالله لاتعنيه القدس ولاأقصاها المبارك ولاصخرته ولاغزة هاشم، بل حمص وبابا عمرو وحي الانشاءات .. والملائكة لاتجيد ركوب الخيول البيضاء على تلال القدس ولا في مخيم جنين (الذي اجتاحه شارون على مرأى من الملائكة) بل تجيد ركوب الخيول في زواريب باب الدريب والخالدية !! .. كل هذا كان يدل بشكل أكيد على أن المجموعة الغربية تريد تحضير الرأي العام العربي والعالمي لحملة داخلية دموية في سورية .. ومن هنا أدركت أن المعارضة تحضر يديها لتغطيسها بدم السوريين حتى المرفقين ..وستتغرغر بهذا الدم وتتوضأ به وتأخذ دوشا بالدم الساخن بعد أن تأتيها الفتاوى بالبراءة ..

 في قراءة العقل الغربي لانحتاج كثير عناء وبحث لمعرفته لأننا كثيرا ماشاهدناه في أفلام الكاوبوي حيث المقامر على طاولة القمار في مدينة من مدن رعاة البقر .. يلعب المقامرون الورق وهم يدخنون فيما تغني غانية حسناء وترقص على المسرح وتعلو حولها الصيحات والضحكات السكارى .. واذ بالمشهد يتغير عندما يقف أحد المقامرين ويرفع مسدسه في وجه اللاعبين وتتطور الأحداث اما بارتكابه مجزرة بعد تحطيم الحانة وتكسير الطاولات والنوافذ كما هي كل مشاهد الأفلام الأمريكية .. أو تنتهي بمقتله على يد بطل صادف وجوده في المقهى حيث يرديه بطلقات من مسدسه ويغادر بهدوء لايلوي على شيء كأن ماحدث يشبه عملية صيد لأرنب بري .. الحقيقة أن هذا المشهد هو جزء من الثقافة السياسية للنخب الحاكمة الغربية ..هذه العقلية هي التي تسيطر على هذه النخب وخاصة الامريكية القادمة من تكساس ولاس فيغاس وغيرها ..

فالمشهد السوري هو طاولة قمار عليها لاعبون تبين لمجموعة منهم أنهم بدؤوا يخسرون .. فاللاعب الروسي دفع بورقة الفيتو وتلاه اللاعب الصيني ..الورقة (الجوكر) كسرت اللعبة وجعلت من بقية الأوراق خاسرة .. وهنا يبدأ المشهد ..اللاعب الغربي - الأمريكي يتحسس خصره ويضع يده على مسدسه ويرفع الديك ويستل المسدس ويشهره في وجه الجميع ..ويريد قلب الطاولة والاستيلاء على المال بالقوة ..وهنا اما أن يظهر بطل وينهي المشهد ويردي هذا المقامر صريعا .. أو أن كل المقهى -وليس الطاولة وحدها- سينقلب .. والمقهى هنا هو كل الشرق ..والطاولات هي كل دول الشرق بما فيها الطاولة التركية والاسرائيلية والخليجية والايرانية .. اما المغنية فهي برهان غليون التي تقبض مالا وتؤدي دورها مع الراقصة سعد الحريري .. فيما السكارى هم القرضاوي والعرعور ومنصف المرزوقي ومصطفى عبد الجليل وكل ثورجية العرب من طبرق الى جسر الشغور..

العقل الغربي عقل مصاب بغرور وصلف ولايقبل الهزيمة وهذه هي أم مشكلاته كما يقول مؤرخو الغرب أنفسهم ..فالهزيمة الصغيرة عبر التاريخ ضرورة كي تتجنب الأمم الهزائم الكبرى بمغامرات الواثقين بنصرهم الدائم .. فالغرب يعتقد أنه هزم بونابرت وهزم هتلر وهزم امبراطور اليابان .. والغرب يرى أنه هو الذي هزم الامبراطورية العثمانية وهو الذي هزم الشيوعيين .. وهو من هزم عبد الناصر وصدام حسين .. لكن يحاول هذا العقل تجاهل حقيقة مخيفة وهي: أن كل هذه الانتصارات الغربية كانت بسبب عامل مهم وهو العامل الروسي ..فهزيمة نابوليون بدأت في روسيا وليس في معركة ووترلو مع دوق ولينغتون ..وهزيمة هتلر كانت بسبب الجبهة الروسية والبرد السيبيري .. وهزيمة اليابان كانت بسبب اشتراك روسيا في الحرب ضدها حتى أنهكتها ولم تخسر اليابان بسبب الضربة الذرية بل لأنها كانت هزمت عمليا قبل ذلك والقنبلة الذرية لم تفعل سوى تقصير أمد الحرب بضعة اسابيع  (راجع دراسات الحرب العالمية الثانية).. أما تفكيك الامبراطورية العثمانية فلم يغب عنه الدور الروسي الذي أنهك الاتراك والذي يقال انه سبب نقمة الاتراك على الأرمن واتهامهم بالتآمر مع روسيا فارتكبوا مجزرة الأرمن المروعة والبشعة .. وهزيمة ناصر لم تكن نهائية فالرجل نهض ولولا رحيله لتغيرت الدنيا ..أما هزيمة صدام حسين فلأن روسيا كانت غائبة كليا .. وتبقى هزيمة الشيوعية فسببها داخلي بحت .. أي روسيا هزمت نفسها ..

 العقل الغربي لايقبل الهزيمة الآن لأن الهزيمة هنا في المشروع السوري نهائية له خاصة أن الروس طرف حاسم فيها كما في كل الهزائم التاريخية لأعداء روسيا .. فكل من هزم في معركة فاصلة لم ينهض بعد هزيمته .. والعقل الغربي يعرف أن كل مشروعه الواعد بايقاف الزمن الصيني والروسي القادمين متعلق بتحطيم الشرق كله وركوب الاسلام الجهادي لاطلاقه نحو الشرق الأقصى ولجعله حاجزا نفسيا وبشريا أمام طموحات الامبراطوريات الناهضة أو على الأقل القوى الناشئة .. فلن يحمي الغرب الا الجهاد الاسلامي الذي كان ينقذه في كل زنقة من زنقة أفغانستان الى زنقة الراحل معمر القذافي زنقة زنقة .. ولب المشروع يكمن في اصعاد الاخوان المسلمين والتيارات الدينية السلفية التي ستشتغل كخادم أمين مخلص وكنمر السيرك ..لمواجهة التنين الأصفر والدب الروسي ..

العقل الغربي تعامل مع التحديات التاريخية بعقلية الحواجز البشرية والثقافية وهي اختراع أنكلوساكسوني عبقري ..فمثلا أقيمت اسرائيل كحاجز بشري بين آسيا العربية وشمال افريقيا العربي .. وأطل مشروع الدولة الكردية لأول مرة في التاريخ عندما خشي البريطانيون من امتداد الحركة الشيوعية من الشمال (روسيا) نحو الجنوب حيث نفط الخليج العربي وحيث الشيوعيون العرب في العراق وبلاد الشام فكان من الضروري خلق حاجز بشري مغاير عبر تفعيل القومية الكردية لاقامة دولة كردية تعمل كالسور الواقي من ايران الى سواحل المتوسط ..وفي اندونيسيا وتيمور الشرقية وماليزيا تم تغيير التوزع والكثافة السكانية بحيث تضمن الحواجز البشرية مصالح البريطانيين ..وهي نفس اللعبة التي تمت في الخليج العربي حيث عمل الحكام الحقيقيون للخليج (وهم مجموع السفراء البريطانيين) على تشجيع استقبال مهاجرين بحيث صارت الكثافة العربية في بعض المناطق شديدة الضآلة وفي مرحلة لاحقة سيتم اعلان أجسام قومية غريبة عن الخليج بحجة الحقوق السكانية للأكثرية (ديمقراطيا وعبر صندوق انتخاب) ..

وفي التحدي الحالي الذي رصده الغرب باكتشاف امكانات الصين ويقظة روسيا من اغفاءة (البيريسترويكا الغورباتشوفية) واكتشاف امتداد هذا الوحش الاقتصادي نحو ايران واطلاله على العراق وسوريا كان لابد من خلق حاجز ثقافي بشري ..لأن الغرب تنبه الى أن الروس الهابطين من الشمال قد قفزوا فوق احتمالات الدولة الكردية والتفوا حول هذا الحاجز الكردي التركي ووصلوا من جديد الى تخوم الخليج العربي عبر الامتداد الايراني العراقي السوري .. ويجب رفع السواتر الترابية والاسمنتية في وجه هذا التهديد لخنقه خلف حدود الشرق الأوسط .. فاسقاط الصين وروسيا معا يقتضي اسقاط سوريا وايران والعراق ..واسقاط سوريا هو المفتاح وقطعة الدومينو .. التي تعني اقامة الحاجز البشري الثقافي المغاير عبر كتلة اسلامية ممتدة من شمال افريقيا الى تركيا مرورا بسوريا والجزيرة العربية .. وهذه الكتلة الاسلامية سيتم تشغيلها في مواجهات بينية وصراعات داخلية (سنية شيعية وفارسية عربية) تسقط بها ايران تلقائيا وتستدعي الحروب والنزاعات التواجد الغربي العسكري (بغطاء أمم متحدة وحروب اهلية) والدعم السياسي لكنها في نفس الوقت ستكون مطواعة بيد الغرب لمنع تقدم الصينيين والروس غربا بل والتحكم بكل استثمارات الصين وروسيا في كل هذه المساحة الهائلة ..

مايثير أعصاب الغرب هو استحضار الحقيقة التي حاولوا تجاهلها وهي أن روسيا لم تدخل يوما حليفا مع أحد الا وانتصر بها حتى الغرب .. واليوم تقف روسيا ضد هذا الغرب وترجح الكفة ضده لصالح الصين ..ولم يفلح الغرب في استتئصال روسيا من معادلة سوريا وايران ..بل دخلت الصين الى المعادلة وربما بدأ ذلك منذ اللقاء الأول لمجموعة شانغهاي بحضور الرئيس الايراني أحمدي نجاد .. ولذلك هناك حالة من العصاب والتوتر الغربي لوضوح ملامح تآكل أو تشوه المشروع الاسلامي الذي نهض بعد أن رعته الولايات المتحدة منذ غزوها أفغانستان لأول مرة عبر المجاهدين العرب والافغان وحركة طالبان واسامة بن لادن ..مشروعها الاسلامي الحالي في حلقته الجديدة الذي أطلقته في شمال افريقيا ليست له أية قيمة اذا بقي هذا الخازوق الايراني العراقي السوري الذي تمسك به الصين وروسيا بقوة ليدق في أسفل الهيمنة الغربية .. وهذا الخازوق "خازوق دق بأسفلهم من جبل الشيخ الى مشهد"..سيضر كثيرا بخازوق آخر هو "خازوق دق بأسفلنا من شرم الشيخ الى سعسع"..أي اسرائيل على وصف المبدع نزار قباني ..

وبالعودة الى المشهد الواقعي .. فهم الغرب الفيتوين الروسي والصيني على أنه بداية هجوم معاكس سيبدأ من حمص فاشتد النحيب والبكاء والعويل واستدرار الدموع وحلب الضرع الديني والفتاوى .. وتعبر بعض التقارير غير الرسمية التي بدأت تتسرب بلا مبالاة بها منذ بداية معركة حمص أن الخشية هي أن تثاؤب السوريين طوال الأشهر الماضية وغض الطرف عن حمص كان ربما الخدعة الكبرى .. فالسوريون كانوا يفاوضون الغرب والأتراك على بعض التفاصيل والتراجعات في المواقف التركية وكذلك لمنع حدوث مجزرة .. لكن الايحاء بأن معركة حمص ستكون فاصلة جعل معظم الجهد المسلح والجزء الكبير من المقاتلين يتجمعون لمعركة "كابول" في حمص .. وقال تقرير اذاعي سويسري في تعليقه ساخرا: ربما استعمل السوريون خدعة رئيس البيرو السابق "البيرتو فوجيموري" عام 1996 عندما احتجز ثوار (توباك أومارو) مئات الرهائن في منزل السفير الياباني لأربعة أشهر .. لكن فيما كان فوجيموري يفاوض كانت وحدات الكوماندوس تحفر نفقا يوصل الى وسط البيت .. وتم اقتحام البيت من النفق .. وتحرير الرهائن وقتل جميع الخاطفين ..

هذه الخشية عبر عنها أحد البرلمانيين الغربيين الذي رفض الافصاح عن اسمه في حديث هامشي لأحد الصحفيين من أن بعض تفاصيل المعارك في حمص يوحي أن حي الانشاءات لايتم اختراقه بريا بل وصلت رسائل من بعض قادة المقاتلين قبل مقتلهم بأنهم فوجئوا بوجود كثيف لمقاتلين غرباء موالين للحكومة فجأة من أحد الابنية في قلب الانشاءات .. ويخشى من احتمال أن السوريين لم يكونوا يتفرجون خلال الأشهر الماضية فالأقمار الصناعية الروسية راقبت على مدار الساعة كل شيء فيما كان الضجيج على الأرض يتحدث عن أنفاق حفرها المسلحون ..لكن في الحقيقة كانت هناك أنفاق أخرى موازية يحفرها الجيش السوري الذي ينام بعضه الآن تحت بعض أحياء حمص ..وربما يسير المقاتلون الثورجيون ومن معهم من عرب في معاقلهم الحمصية وشوارعهم فيما تسمع خطواتهم آذان تتربص بهم ..تحتهم في الأنفاق ..هي آذان وحدات الكوماندوس

ومن هنا ربما كان لابد من استعجال تفجيرات حلب المقررة سلفا ومحاولة التحرك العسكري في حلب لخلق البلبلة والقلق ولانزال العقاب بالمدينة التي لم يخفق قلبها مع الثورة والقلب الذي لايخفق مع الثوار سيخفقه الثورجيون بالديناميت خفقا (ديمقراطيا).. ويجب تحريك الناس في كل مكان واطلاق مزيد من العنف لقلب الطاولة ..فلاعب البوكر الامريكي مزنوق وفي ورطة وهو يتحسس وسطه ويمسك بالمسدس.. وعليه تشتيت انتباه الدولة السورية ريثما يتم تدارك الموقف واخراج المقاتلين الذين لاأمل لهم ..ولم يبق المستقبل أمامهم ..بل الموت ..

 على كل حال .. بما أن الخبثاء يريدون نشر الموت في أرواحنا وبلادنا ..فلنتعلم من الاسرائيليين شيئا ..فلا معلم في التاريخ مثل العدو ..فعندما قام الفلسطينيون بعملياتهم الاستشهادية للتحرر من احتلال الصهاينة .. صدرت أوامر للصحف الاسرائيلية بعدم نشر ثقافة العويل والبكاء بل التفاؤل ..وكان من الملاحظ أنه عقب كل عملية فلسطينية لاتظهر صور الباصات المنسوفة وجثث المستوطنين على الصفحات الأولى بل تظهر دائما صور جميلة للربيع وللورود وللمناظر الخلابة في فلسطين المحتلة ..ولجبال القدس ..

فلننظر بعد آلام حلب نحو الأمام ..ولنضع في صباحاتنا فناجين القهوة وأغاني فيروز عن الحب والجمال والضيعة .. ولنفتح النوافد على الهواء الطلق ولنخرج من أحزان الأمس .. ولنعانق حلب بتحية الصباح وأغنية: طلت يامحلا نورها ..شمس الشموسة .. فهي من أعطت سيد درويش روح هذا اللحن الصباحي البديع ..ولنغن لها قدودا حلبية في الحب والقد المياس ..

حلب جريحة ووجهها دام .. ووجه سيف الدولة مكفهر .. وأبو فراس يعلو جبينه التعرق .. والمتنبي لم يعد يهتم بالحبر الذي سال على جبينه من دواة الحبر التي رماه بها سيف الدولة .. بل بالحبر الحلبي الأحمر الذي سال على قصائده الحلبية الأجمل في أشعار العرب قاطبة ..ولكن فلنخفف عن سيف الدولة وشعب سيف الدولة وأحفاد من كتبوا للمتنبي شعر الخيل والليل ووضعوه في قلب البيداء والقرطاس والقلم .. ولنقل لحلب .. وأهلها:

انكم "تدفعون الجزية عن كل الكلمات" .. وعن كل الكرامات ..

حلب .. الله وسوريا والشعب حاميها ..

Back