المجموعة الرابعة من مقالات نارام سرجون
فارس بلا رأس .. المجهول والمعلوم في حريق الفلوجة وحمص
من سيحرك العاصفة؟ التاريخ أم المستقبل؟
لماذا وقفنا مع الرئيس الأسد ضد الثورة.. الديمقراطية؟؟
صراع الفرانكفوني الأمريكي على المعارضة السورية.. صدام القاهرة مثالاً
أنت جريح.. وجرحك كبير كعصا موسى.. يبلع كل جراح العالم
شيفرة دافنشي في سورية.. العلوج وبنت البازرباشي
مزرعة الحيوانات في سوريا
بانتظار يوم القيامة.. ماذا بقي لنا من الاسلام؟
قطاع غزة "السوري".. العين بالعين.. والكاتيوشا بالكاتيوشا
اني أعترف..
خطبة قس بن ساعدة الايادي.. في المجلس الوطني الانتقالي السوري
عبد الرحمن الراشد لايبيع الوهم السوري.. لأول مرة في حياته
بين تربية التماسيح.. وبطل الألياذة السورية فداء الشيخ
القطسور فيصل القاسم.. في المقالة البرمائية
الانعطافات السورية.. أردوغان وقارئة الفنجان؟
فيزياء وكيمياء وبيريسترويكا.. ونبوءتان قطرية وتركية
أردوغان: كلاكيت رقم 3 – أكشن
---------------------------------------------------------------------
فارس بلا رأس .. المجهول والمعلوم في حريق الفلوجة وحمص
يلومني الكثيرون على تجاهلي لما يسمونه "ثورة الربيع العربي" واصراري على اشاحة نظري عنها بازدراء .. ويسوق لي البعض المقالات والمقابلات وصورا من اليوتيوب .. لكنني لم أستطع ابتلاع هذه الثورات ولاهضمها ولااستساغتها .. وموقفي ليس عنادا ولاتشبثا بنظام ولابعهد بل هو انحياز نحو عقلي وقلبي أولا وانحياز نحو كل ماتعلمته وقرأته .. وأنا قرأت كل ماقرأت في حياتي كي أتمكن من استعمال عقلي في حدث مفصلي كهذا .. وكي لا أسلّم بالأشياء فقط لأن الجمهور يريد ذلك ولأن بوصلة الشارع لاتخطئ حسب مايزعمون .. انني لاأحب السير مع القطيع الذي تقوده الذئاب ..بل وتسير بينه الذئاب .. ولاأحب الثورات التي لاتعرف نكهة الفلسفة ولا نعمة الفكر..فهذا برأيي ذروة الكفر..
لاتلام الديكتاتوريات اذا لم تكن لها فلسفة ولا فلاسفة يعتد بهم وبفكرهم .. فالثيران لاضروع لها لتنتج الحليب ..ولا أتوقع أن تنتج الديكتاتوريات فلسفة ذات أثر .. لكن لايغفر للثورات فقرها بالفلسفة وغياب الفلاسفة والمفكرين عنها وهم الذين يضيؤون ويتوهجون بالأفكار .. والثورات العظيمة يوقدها عظماء وتضيئها عقول كالشهب وتتكئ على قامات كبيرة ترسم بالنور زمنا قادما بالقرون .. وغياب هؤلاء يسبب تحول أي ثورة الى مجرد تمرد أهوج وانفعال بلا نتيجة سوى الدمار الذاتي..
الثورات الشعبية عادة هي انعكاسات لصراعات اجتماعية عميقة .. وسلوك الثورات انعكاس لفلسفة بعينها تغذيها .. فلكل ثورة صراعها وفلسفتها وقاماتها .. وبالتالي لها أبطالها على الأرض وفلاسفتها .. وغياب الفكر والفلسفة يجعل الثورة تمردا ليس الا ولا تحمل الا صفات الانفعال الشعبي والغوغائي .. فالثورة الفرنسية كانت رغم عنفها وجنونها ثرية بالفلاسفة والمفكرين الذين صنعوا من فعل الثورة حدثا مفصليا في التاريخ عندما تحولت هذه الثورة الى وسيلة صراع اجتماعي مسلحة بالفكر الثرّ وبالمنطق الذي لايزال يجري في عروق قيم الحضارة الانسانية .. كان الدم يسيل في طرقات باريس ومن مقاصلها ومن جدران الباستيل لكن كذلك كانت المصطلحات الثورية والمفاهيم الكبرى الفرنسية الصنع والصياغة عن المساواة والحرية تطل من الشرفات وتضيء مع شموع المقاهي .. وتفوح كالعطر من مكتبات الثورة ومؤلفاتها.. فكدنا نرى مفكرين وفلاسفة وكتبا أكثر من أعداد الغوغاء التي اجتاحت باريس ..فلاسفة الثورة الفرنسية ومفكروها كانوا أكثر عددا من الثوار الذين زحموا الطرقات ..
وكذلك كانت ثورة البلاشفة في روسيا فبرغم أن من قام بها كانوا على درجة كبيرة من الأمّية (الذين أطلق عليهم البروليتاريا) فانها اعتمدت على فلسفة عملاقة هي الماركسية والماركسية اللينينية وكل متخماتها من جدلية هيغل ومادية فيورباخ ..ويروي المؤرخون حادثة تدل على أن من قام بالثورة البلشفية لم يكن يعرف ماتقول فلسفة الثورة لكنه كان منجذبا الى حد الانبهار بفلاسفتها وفلسفتهم دون أن يفقه منها شيئا لكن مفكري الثورة كانوا يعرفون عن البروليتاريا كل شيء .. فقد كان لينين الساحر المفوّه يخطب في حشد من الناس ويبشرهم بأن البروليتارية ستقوم ببناء القاعدة المادية الفولاذية للثورة ..وهنا اندفع احد المتحمسين من المحتشدين وصاح بتأثر وحماس: أيها الرفيق لينين ..انني حدّاد وأنا سأضع كل امكانياتي وخبرتي في صناعة الحديد في بناء هذه القاعدة الفولاذية .. بالطبع ماقصده لينين كان غير "المصطبة الحديدية" التي قصدها الحداد ..
واليوم يحاول الكثيرون تسويق الربيع العربي على أنه ثورة من ثورات العالم الكبرى التي تتعلم منها الأمم والشعوب برغم ان هذا الربيع لايعدو في أعلى مراتب التوصيف أن يكون تمردا اجتماعيا متشظيا قائما على الانفعال العاطفي الوجداني لجمهور تائه لايختلف عن الحدّاد الذي أراد أن يبني "مصطبة" القاعدة المادية الفولاذية للينين .. فقد غاب عنا في هذه الثورة العربية "المترامية الأطراف" من شمال افريقيا الى اليمن السعيد والى سوريا شيئان مهمان هما فلاسفة الثورة الكبار ومفكروها ..وكذلك غابت كليا فلسفة الثورة .. واللهيب الذي نراه اليوم لم يوقده فلاسفة ولاعمالقة ولاقامات ولاهامات ولافكر .. هذه ثورات أوقدها النفط والجهل وحديث التعصب والتدين السياسي .. وليس القهر والحرمان والديكتاتوريات .. أما فلاسفتها الحقيقيون فلا يتكلمون العربية !!..
البحث عن ماهية فلسفة ثورة الربيع العربي عمل شاق للغاية ..والأكثر شقاء هو البحث عن فلاسفة الثورة والخزانات الفكرية الضخمة التي تستمد منها الثورات الكبرى طاقتها الخلاقة .. وقد حاولت ولشهور طويلة متابعة شخصيات هذه الثورة وكتاباتها وكتابها ولاحقت عيناي كل المقابلات الصحفية والبرامج التحليلية لكنني ما التقيت سوى الخواء وماوجدت نفسي الا في صحراء قاحلة بلا واحات وبلا نخيل عالي القامات .. وبلا قوافل المؤلفات الكبيرة .. ولم أجد قامات مفكرين ناهضين في الثورة كأنصال السيوف ..عجبا هل أقفرت الثورات العربية العابرة للقرات من تونس الى سوريا مرورا بمصر واليمن من أية مرجعية فكرية تستند عليها الجماهير ..وتضبط سديمية هذه الجماهير وغوغائيتها ..؟؟
من جديد يعاتبني الكثيرون على انكاري لوجود ثورة ويبعثون اليّ بالمناشير ومشاهد اليوتيوب والمقالات ومقاطع المقابلات .. ولكن عذرا أيها السادة فلا أزال مصرا على انه لاتوجد ثورة عربية ولاربيع عربي بل انفعال اجتماعي وقوده مال ونفط وفلاسفته أوروبيون .. هذه حقيقة مؤلمة ..
ان كل مارأيناه هو حركة فوضوية لجمهور بلا قيادة وبلا قائد وبلا عقل مدبر ..وهنا كمنت الكارثة الوطنية .. فالربيع العربي "العظيم" لم ينتج أكثر من منصف المرزوقي في تونس التي ذهب فيلسوفها الصغير الغنوشي سباحة الى نيويورك ليقايض كتبه في ايباك بثمن بخس هو "السلطة".. وهذه ليست من صفات فلاسفة الثورات الذين تأتي اليهم الدنيا لتسألهم عن فعل الثورة ولايذهبون الى تسول الاعتراف بثوراتهم ..
ولم ينتج الربيع العربي في ليبيا سوى "مصطفى العبد الذليل" الليبي فيما لم يكن هناك مفكرون اسلاميون من وزن المفكر الصادق النيهوم الذي كان قادرا على قيادة ثورة فكرية تقود الجمهور الغاضب .. وفي كل ثورة مصر لم نسمع بمرجعية ثورية واحدة ..سوى شاب عشريني يسمى وائل غنيم !! .. والفجيعة كانت أن كل هذه الثورات تتبع مرجعية قطرية خليجية مدججة بالزعران والمجانين وصغار الكتاب الذين كانوا أكثر أمية من الدهماء في شوارع الثورات وأكثر عددا من المتظاهرين في أحياء الثورة السورية .. وكانت هذه الثورات مجهزة بقاذفات الفتاوى الدموية الرديئة المخجلة والخالية من الانسانية والمليئة ب "الاسرائيليات" والأساطير ..
في كل يوم يحاول "فقهاء" الثورة العربية حل هذه المعضلة والاشكال عبر ضخ أسماء عديدة ومنحها ألقابا مفخمة من باحث الى أستاذ العلاقات الى بروفيسور الى رئيس مركز الى ..الى ....والحقيقة هي أن صنّاع الثورة والمدافعين عنها يحاولون تجاوز هذه المعضلة الحقيقية خاصة بعد انهيار أسطورة المفكر العربي عزمي بشارة واحتراقه حتى التفحم ..
عزمي هو الوحيد الذي لعب دور فيلسوف الثورة والربيع العربي باتقان .. كان مفوها وكان في منتهى الدهاء فهو يوصّف الثورات وأمراضها بمكر وكان من الخبث لدرجة انه لامس الوجع الاجتماعي العربي وجعل الناس تنسى أنه كان عضو كنيست اسرائيلي و مدير الأبحاث في معهد فان لير الاسرائيلي في القدس.... والأكثر من ذلك أنه أنسى الناس أنه المفكر الذي يعيش في كنف اللافكر وتحت ابط الانحطاط الأخلاقي والثقافي وتحت رعاية أكثر الأنظمة جهلا وقمعا .. وبعد تلك المقابلة المهينة مع أخيه علي الظفيري وتوسلاته بتجنب الأردن في منظر صدم كل من شاهده رأى الناس احتراق الفيلسوف الوحيد للثورات العربية كبئر نفط وقعت عليه كتلة من اللهب .. ولم تتمكن الجزيرة وكل المعارضات العربية من انقاذ حريق الفيلسوف رغم كل سيارات الاطفاء .. الفلسفة قد تسقط لكن لاتحترق ..والفلاسفة قد تحترق أجسادهم لكن لا تحترق أقوالهم وقاماتهم .. واحتراق الفيلسوف يدل على تفاهة قيمه وأنه مجرد ثرثار يردد مقولات الفلاسفة .. وعزمي كان يحترق بشدة وتنطلق منه غمامة كثيفة سوداء كاحتراق الفوسفور المتوهج على أجساد أطفال غزة .. وسط دهشة الجميع وانفغار الأفواه المذهولة ..
قللت الجزيرة من حضور الفيلسوف المحترق لكنها عجزت منذ تلك الحادثة عن تصنيع فيلسوف آخر وكانت كل محاولاتها لنفخ الأبطال والمفكرين تصطدم بعقبة غريبة .. وهي ..أنه يمكن لهذه الثورات والربيع العربي أن ينتجا مقاتلين ومتظاهرين وراقصين في الطرقات ومصورين وممثلين على اليوتيوب لكن يستحيل انتاج فلسفة أو خلق فيلسوف .. لسبب بسيط أنها ليست ثورات طبيعية وليست ثورات قائمة على تطور منطقي يصنعه جهابذة فكر وعصارات عقول المجتمعات .. فالثورة عادة تأتي بعد نهوض الفلاسفة واضاءاتهم وزرعهم البذور واختمار أعنابهم .. أما أن ينهض الفلاسفة بعد الثورات فمحال ..ومستحيل..والأكثر استحالة أن تنتج ثورة فلسفة ..لأن الفلسفة هي التي تنتج ثورة .. ولذلك انتبه الاستاذ الكبير محمد حسنين هيكل الى هذه الحقيقة وحاول انقاذ ثورة عبد الناصر بحقنها بالفلسفة ..فكانت محاولات اطلاق فلسفة الثورة التي نجحت نسبيا لسبب واضح وهو أن ثورة عبدالناصر تميزت أنها لم تكن دموية ولم تكن ثأرية ..لكنها كانت تعكس اضاءات فلسفات أخرى مجاورة في الهند (غاندي) وفي روسيا (الاشتراكية) .. وكانت تالية لانكسارات وحطام الامبراطوريات الكبرى بعد الحرب العالمية ..
المعارضة السورية حاولت نحت شخصيات رمزية وقدمت برهان غليون بطريقة دعائية صارت عبئا عليه وعبئا علينا فهو رئيس مركز دراسات الشرق المعاصر وهو مؤلف وهو بروفيسور سوربوني وهو كل شيء .. لكن أداءه الرديء وتناقضاته الفجة مع ماكتب في السابق طوال عقود ضد الاسلاميين لم يجعله مفكر الثورة ولافيلسوفها ..فمن غير الممكن أن يكون غليون فيلسوف الثورات الدينية وهو من خرّق المفاهيم الاسلامية وسفّه تياراتها عملا وقولا وكتابة .. علاوة على ذلك فان الفيلسوف هو من يرفض الانضواء في قيادة الثورة بل يغذيها ويضيئها .. لكن غليون بدا صغيرا وضئيلا وهو يستمتع بلقب الرئاسة لمجلس لاقيمة له ..وبدا أن أقصى طموحات الفيلسوف هو السير على سجاد أحمر وامضاء الأيام في الفنادق الفخمة والحديث الى كل الفضائيات وقطف النجومية الاعلامية ولقاء مذيعات العرب وليلى وخديجة وبسمة و و .. ولذلك لوحظ أنه بعد توليه رئاسة المجلس الوطني السوري طارت عنه صفاته العلمية الخارقة فجأة وذابت توصيفات عبقرياته وانجازاته الفكرية وتحول من مفكر وفيلسوف للشعب السوري وثورته الى رئيس مجلس معارض ينتظر راتبه وتجديد عقد عمله شهرا بشهر .. وكان سقوط كل صفاته العملاقة التي أسبغت عليه هو نتيجة منطقية لأن كل ما منح له من صفات كان مثل باروكة وألبسة واقنعة مسرحية طارت مع عاصفة مواجهة الميدان الفكري للفلسفة الثورية ..فانكشفت صلعته بعد ان اقتلعت الريح الباروكة التي وضعتها له الجزيرة .. ولن يجديه بعد اليوم الهرولة خلفها ..فلن يظفر بها .. في هذه الرياح العاتية التي لاترحم ..وربما كانت غلطة عمره لأنه انخرط شخصيا في العمل السياسي بدل بقائه بعيدا كرمز فكري وملهم للثورة ..وكان من الممكن أن يكون في مرحلة ما ضمير الثورة وأن يوصل الجميع اليه كأب فكري للثورة .. لكنه ولغياب عبقرية الفيلسوف وسطحيته الفكرية قبل أن يستعمل كالغطاء لوجه الثورة الديني ..وقبل بالعمل لدى أعرابي جاهل مثل حمد ..وبالعمل لدى هيلاري كلينتون بوظيفة مصطفى العبد الذليل ..باسم برهان الفيلسوف الذليل..
ومن سوء طالع الثورة السورية انه لاتوجد اسماء أخرى يمكن تصنيعها لملء الفراغ ..والسبب هو غياب أي فكر خلف هذه الثورة.. ولكن السبب الأهم كما أعتقد هو أن الفلسفة الحقيقية للثورة والفلاسفة الحقيقيين للثورة ليسوا في صفوف الثوار بل في أعضاء مجلس الأمن الغربيين .. وبنبش المزيد من الأتربة التي تغطي وجه هذه الثورة سنصل الى مفكر الثورة وفيلسوفها الرئيسي وهو الفيلسوف برنار هنري ليفي ..وفلسفة ثورته هي في الحقيقة اللجوء الى التدمير الذاتي للقوى الاجتماعية العربية عن طريق اطلاق التمرد الشعبي وحرمانه من الفكر الذي يوجه سديميته ..فيتحول الى فوضى يتحكم بها فلاسفة الثورة الحقيقيون في الغرب وعلى رأسهم ليفي نفسه ..
بالطبع مايثير السخرية الشديدة هي الثورات المدججة بالهزال الفكري والقحط والتي تشبه مواليد المجاعات الافريقية ..ويكفي الاستماع للفيلسوفة رندة قسيس مثلا وتعذيبها للغة العربية وحروف الجر وارغام الفعل المضارع على أن يكون مجرورا من رقبته بالكسرة ومضموما الى فعل أمر !! .. بل اصرارها على اطلاق زخّات العلم والمعرفة بالحرية حتى كدنا نظن أنها ابنة توماس مور .. ويكفي الاستماع للفيلسوفة فرح أتاسي ومرح أتاسي وكل رهط الأتاسي حتى نعرف الى أين وصلت بنا المآسي عبر فلسفة الأتاسي .. أما الاصغاء أو قراءة فيلسوف الثورة السورية الذي يرتدي قبعة "ايمانويل كانت" أي - محمد عبدالله - فيوحي أن الفلسفة تمر بأزمة نفسية خطيرة خاصة عندما نقرأ تحليله لأسباب الفيتو الروسي الأخير .. فقد كدت أقوم من جلستي لأصفق له لأنه الوحيد الذي هزم دونالد رامسفيلد ..لأنني لم أفهم كلمة واحدة مما قال وذكرني ماقاله هذا الفيلسوف بما قاله دونالد رامسفيلد عن المجهول والمعلوم عندما قال: "هناك أشياء نعرف أننا نعرفها، وأشياء نعرف أننا لا نعرفها، وأشياء لا نعرف أننا نعرف أننا نعرفها، وأشياء نعرفها ولكن لا نعرف أننا نعرفها" ..
ولاأبالغ ان قلت ان ماقاله رامسفيلد أكثر ثراء من مقالة محمد عبدالله عن الفيتو الروسي .. وأنصحكم بقوة أن تتجنبوا قراءة ماكتبه فيلسوف الثورة السورية (نسخة ايمانويل كانت) محمد العبدالله لأنه مقال شديد الثقوب والعيوب والرتوق والفتوق والرقع الفلسفية كما تعودنا منه ..وقد تنفتقون ضحكا .. ولارتق لمن ينفتق فتقا فلسفيا ..ثوريا..
في غياب مفكري الثورة الكبار وفلاسفتهم العقلاء وفلسفتهم تجد أن الجماهير العربية تعيش أقصى حالات التعتيم والظلام والتوهان .. لدرجة أن مثقفين كثيرين ومتعلمين وليبراليين ومهاجرين في مؤسسات علمية من أطباء ومهندسين يساندون الثورات دون أن يواجهوا أسئلة فلسفية مخيفة من مثل:
كيف لثورة أن يقودها قطري جاهل وسعودي يؤمن بنقاب المرأة أن يقود تحررا ديمقراطيا؟ وكيف يمكن لمن اقتحم الفلوجة العراقية بالسلاح الكيماوي وارتكب الفظائع وأكل لحوم البشر فيها وروى مياهها الجوفية بالمواد المسرطنة ..كيف له أن يبكي على مدينة حمص السورية المحشوة بالمقاتلين المغرر بهم والقتلة وسلاح بلاكووتر الذي أحرق الفلوجة العراقية السنية؟ كيف نصدق الأمريكي الذي يبكي على حمص وهو بالأمس حوّل الفلوجة "السنية" الى هيروشيما الشرق ..؟؟ كيف نصدق هذا الغرب في بكائه على حمص وهو منذ أشهر قليلة أمسك غزة من عنقها لتذبح وثبّت أيدي وأرجل لبنان على الأرض كي يتمكن الاسرائيلي من ذبحه..
في غياب مفكري الثورة تجد أن لبيراليين عربا وسوريين ملؤوا صفحات الانترنت بالشعارات الثورية وأعلام الثورات وصور اليوتيوب دون تبين ..اليوتيوب الآن – بكل مافيه من فقر توثيقي وفبركات - هو من يقود النخب المثقفة لأن الصورة لا الفكر ولا المفكرين هي من يحرك العقول عندما تغيب الفلسفة والمنطق والمنهج العقلي .. ولم تسأل هذه النخب ان كانت الثورة تضرب المنشآت النفطية للبلاد وتحرق المعامل وتنتقم من النظام بقتل عماله وافقار شعب الثورة؟ وفي غياب الغطاء المنطقي الفكري للثورة لايسأل هؤلاء أسئلة سهلة من مثل:
اذا لم تؤيد منطق العرعور فلماذا لاتدينه علنا وتطلب لفظه من المجلس الوطني؟ وكيف لرجل مزواج مطلاق كل صوره السعيدة مع الزعماء العرب وهم يستقبلونه بحفاوة ويبارك حكمهم (وهو القرضاوي) أن يكون ملهم الثوار ولينينهم؟
بل وفي غياب العامل المنطقي لانستغرب أن وصل الأمر ببعض المهرجين الناطقين باسم الثورة أن يستبدلوا السيد حسن نصر الله باسرائيل ..ويصل الامر أن علم اسرائيل يرفع في حمص ويتسلل متحدث ثورجي لجعل تدخّل اسرائيل لحماية الشعب السوري في حمص مقبولا .. فقر المنطق هنا أبقاه جلدا على عظم ..فالتخلص من نظام يبرر بيع وطن..وفق فلاسفة الثورة ..
الديكتاتوريات التي ترحل لايؤسف عليها لكن مايؤسف عليه هو أن هذه الثورات تشبه فارسا مقطوع الرأس .. انه فارس مخيف بلا ملامح ..وبلا حياة .. جثة تتنقل من بلد الى بلد على متن راحلة قطرية فيما هي تتعفن وتنشر الوباء والطاعون النفسي والأخلاقي ..والذباب والدود والموت والاستعمار الجديد .. ولذلك لن نقول "فهاتوا برهانكم ان كنتم صادقين" .. بل خذوا "برهانكم" وثورتكم ان كنتم صادقين مع أنفسكم .. وارحلوا ..
من سيحرك العاصفة؟ التاريخ أم المستقبل؟
لانستطيع أن ننكر أن الأحداث تتلاحق.. ولانستطيع أن نختبئ خلف حالة الانكار.. في الأزمات لاشيء يقتل مثل الانكار وخداع الذات والنوم في حضن الأوهام على نغمات وأناشيد حماسية..الكل يتساءل ماذا حدث؟ وكيف حدث؟ والى أين؟ ومتى؟ معدل مواليد الأسئلة أكبر من معدل مواليد الأجوبة بل تكاد الأجوبة لاتلد.. وانكسر التوازن بين الجواب والسؤال لصالح السؤال الذي صار ثقيلا مثقلا بالغموض وربما مسكونا بالقلق والهواجس.. ولكن بالطبع سنذهب معا في مشوار صغير ورحلة عاجلة نطل من خلالها على الحقائق والتفسيرات التي تحاول الفرق الاعلامية الخاصة والكثيرة والمدربة باتقان على ردمها وعلى ذر التراب على كل القطع الذهبية للحقائق كيلا تشع في عيوننا..
قرار الجامعة العربية بدا مفاجئا للكثيرين واستثمرته قوى "محور الشر" استثمارا لاأملك الا أن أبدي اعجابي بتلك المهارة الفائقة في سرعة الاستثمار وسرعة التصنيع وسرعة التسويق والدعاية والاعلان ..انجاز لايبقي لدي شكا أن من يدير المشروع السوري المعارض قوى جهنمية متمرسة لديها ترسانة من القدرات الاعلامية والنفسية الهائلة ..
قبل كل شيء.. القيادة السورية بالرغم مما يقال عنها كانت استثنائية على مدى العقود الأخيرة وتمكنت من تلافي الأمواج العاتية والعواصف ولاينكر ذلك الا مراهقون ثورجيون يقللون من مكانة الديبلوماسية السورية والفكر السياسي للمدرسة السورية الحديثة..التي تسلحت بأذرع أخطبوطية وارتبطت بعدة منظومات اقليمية ودولية وبلغت طموحاتها حد تشكيل تحالفات اقليمية واسعة واللعب على الجغرافيا لتغيير الخرائط السياسية الكبرى ..ومشروع ربط البحار دليل على نظرة شديدة الطموح لم يكتب لها النجاح بسبب خلل المعادل التركي الذي كسر المنظومة الاقتصادية التي حاولت المدرسة السورية تركيبها حولها ..معادلة خاطئة بسبب التعجل باحتضان العامل التركي عاطفيا ..
مانعرفه يقينا.. هو أن مكاتب القرار السوري عندما تدرس عبر اجتماعاتها المعطيات على الطاولة لاتتعامل بطوباوية مع الأحداث ولاتتعامل بلامبالاة مع الأمور ..ولايغويها السير خلف الأحلام وهدهدة المورفين... على الطاولة وفي كل الأزمات (وخاصة في هذه الأزمة) كانت هناك دوما أسئلة معقدة جدا وعدد لاينتهي من الاجابات والاحتمالات .. وخارطة طريق عليها التحالفات الثابتة والمتحركة ونقاط القوة والضعف .. وأمام كل احتمال خطة مقترحة ..والهدف الذي وضعته كل خطة هوالوصول الى كسر "المؤامرة" من نقطة ضعفها الرئيسة .. وليعذرني الثورجيون وجماعة "المامنحبكجية" الذين سأسميهم جماعة "منحبك يانونو" أي"الناتوجية" وجماعة "البرهانجية".. وليسمحوا لي باستعمال هذا المصطلح (المؤامرة) الذي يثير حفيظتهم دائما فيسلطون علينا من هو مختص فقط بنزع أسنان هذا المصطلح والباسه لبوس الهلوسة والهذيان والخيال وكأن الأمريكان لايفكرون الا باكتشاف المريخ والاسرائيليين لايفكرون الا بشرب الشاي مع أحمد فتفت .. لكن أنا أحب هذا المصطلح كثيرا لأنه يستفز الثورجيين ..وسأستعمله لسببين ..الأول لاغاظتهم والثاني لأنني ملتزم بقول الحقيقة كما التزامي بشهادة لاأله الا الله ..محمد رسول الله ..والحقيقة هي أننا في قلب مؤامرة عظمى..هي بامتياز "أم المؤامرات"..
القيادة السورية لديها معطيات تقول ان محور الشر الذي تتزعمه الولايات المتحدة مستقتل لابتزاز القيادة السورية وعصرها حتى آخر رمق للحصول على مكاسب "عراقية" قبل انتهاء الانسحاب من العراق الذي ان تم سيكون تواصلا هائلا بلا انقطاع لمحور مخيف من ايران الى لبنان ..
وكذلك هناك محاولة مستميتة لاطلاق الحرب "السنية" على ايران "الشيعية" التي بعد خروج الأمريكان ستكون الأقوى في العراق .. بحيث أنه في هذه الحرب ستشكل سوريا وتركيا رأس الرمح العسكري بتمويل سعودي-خليجي أي المال العربي والدم السوري (وكذلك السني في المنطقة) لتخليص اسرائيل من عدوتها ايران ..مثلما حصل في حرب الخليج، مال عربي ودم أمريكي لأمن اسرائيل ..وقد تكون هذه الحرب الطائفية طريقة لتجريد مصر وشمال افريقيا من أسنانها الاسلامية حيث ينجرف الاخوان المسلمون في مصر الجديدة وتونس الجديدة وليبيا الجديدة ويمتصهم الثقب الأسود الطائفي بسرعة اثر حرب دعاية تحريضية برعت فيها الجزيرة والعربية ووسائل الاعلام الأخرى وسيتلقفها أغبياء الحركات الاسلامية كعادتهم ..
وهناك من يشير الى ان من نتائج هذه الحرب الدينية العنيفة أن ينفلت الأقباط في مصر على هذا التورط ولذلك تحصل عملية فصل عبر ترانسفير جماعي للاقباط ينفذ بالتدريج خلال سنوات قليلة نحو سيناء بعد فترة من القلاقل لتشكل حاجزا بشريا طبيعيا أمام أي احتكاك قادم بين مصر واسرائيل على أساس أن الأقباط سيحسون في اسرائيل رديفا وظهيرا حاميا لهم من الاخوان المسلمين المصريين ..وسيكون من نتائج الحرب الطائفية ماحاولت اسرائيل انجازه عام 2006 وفشلت وهو افراغ الجنوب اللبناني من الشيعة وتهجير مسيحيي سوريا بحجة حمايتهم الى لبنان (المسيحي) وتشكيل حزام مسيحي واق لاسرائيل يخشى من التطرف الاسلامي والبحر الاسلامي المحيط به فيتحالف مكرها مع اسرائيل التي حسب معاهدها الاستراتيجية لافائدة ولاأمان من البقاء على احتكاك بالعالم الاسلامي الذي قد يظهر فيه دائما مجاهدون ورؤساء يغيرون اتجاهه نحوها ويثيرون القلاقل فيها .. ولذلك فان الأمن يتحقق بحزام بشري طبيعي أقل عدائية نظريا لأنه سيجد في اسرائيل ظهيرا ورديفا من الجو المحيط الاسلامي الملتهب ...اي اسرائيل تنام قريرة العين في سرير دافئ محاطة بسور واق مسيحي يصد عنها (كما جيش أنطوان لحد تماما الذي كان يمتص العمليات العسكرية ضدها).. انه الحل الوحيد لبقاء اسرائيل التي تعلمت من درس المملكة الصليبية أن الفناء حاصل لامحالة من بقاء اي دويلة كاسرائيل لاتحيط نفسها بشرنقة عازلة عمادها حاجز بشري حليف..
الولايات المتحدة واسرائيل في سباق مع الزمن.. والمعطيات تقول ان حمد بن خليفة قد أعطي كل الدعم عبر رسائل صارمة تأمره بتنفيذ ورقة عمل على جانب السرعة .. حمد بالطبع ليس وطنيا ولاعروبيا لكنه كان مترددا لحسابات خاصة جدا في استفزاز السوريين والايرانيين ..لكن الاوامر الصارمة والتطمينات التي تلقاها مباشرة بعد ساعة من مغادرة وليد المعلم للدوحة شجعته على استمرار العملية ..
الأمور الآن تسير نحو محاولة انهاكنا اعلاميا واستثمار لاينتهي لاعلان الجامعة العربية .. وهناك استعدادات لاطلاق عملية تضليل كبرى تستعمل فيها كل تكنولوجيا التزوير والصورة لفبركة حدث كبير مثل انشقاق مهم مثلا .. ومحاولات اغتيال تثير الكثير من التشويش والتساؤلات ..ولكن كل هذه التفاصيل موضوعة بأدق تفاصيلها على طاولة القياديين السوريين حسب مايعتقد الكثيرون ممن يعرفون أكثر مما نعرف..ويحاولون التعامل معها بهدوء شديد ودون عصبية وانفعال ..وأحد المعنيين المحيطين بالرئاسة السورية المعروفين بمهارته في فن ادارة الأزمات يرفع دائما شعار: "اهدأ..ثم اهدأ ..ثم اهدأ...خسارتك تبدأ عندما تصاب بالهلع" ..وهي قاعدة صارمة جدا في الديبلوماسية السورية..
السؤال ان كانت الخطوة العربية تمهيدية لاقتراب الناتو.. والجواب حسب ماأتيح لي من معطيات سريعة أن محور الشر يراهن على تفكك ذاتي للشعب السوري ولقواه عبر اضعاف معنوياته على طريقة اسقاط قذائف اعلامية متلاحقة ومفاجآت تجعل مستوى الثقة بتماسك السلطة مهزوزا ..هذه حرب اعلامية تستعمل فيها كل تقنيات وعلم الحرب النفسية على الاطلاق ..مثل اعطاء الشعور أن الخطوات تتلاحق وأن الجامعة الآن تحتفي بغليون كشخص قادم اليها رسميا وأن الروس يبدو عليهم التردد وأن استقبالهم لفريق المعارضة وخوضهم مفاوضات التجارة العالمية يعني أنهم يبيعون القيادة السورية للتحضير للانسحاب .. بل ان دعوة القيادة السورية لاجتماع قمة عربي صار يصور على أنه بداية تراجع وتوسل وطلب الرحمة ..هذه الطريقة الاعلامية قديمة جدا ويقال ان خالد بن الوليد استعملها في معركة اليرموك وسماها "الكراديس" حيث دخل بجزء من قواته وأمر الباقين أن يدخلوا على شكل دفعات متلاحقة متتالية على مرأى من جنود الروم الذين ما ان انتصف النهار حتى اعتقدوا أن أمواج المقاتلين العرب التي يرونها بشكل واضح تتلاحق بشكل لاينتهي ونهر لايتوقف فبدأ التخلخل في الصفوف وأوامر التراجع ..
ماذا على الأرض السورية؟
على الأرض كانت قد وصلت أولى طلائع فرق مكافحة الارهاب وقوات حفظ النظام السورية التي تلقت تدريبات عالية جدا في روسيا خلال الأشهر الماضية وكانت أولى مهامها التعامل مع المسلحين في حمص دون اللجوء للآليات الثقيلة كما تعهدت سوريا للجامعة ..وكان أداء هذه الوحدات مدهشا للغاية وتمكنت من استثمار عمل الاستخبارات والمعلومات التي وفرتها وحدات التنصت والحرب الالكترونية التي بعثت بها دولة صديقة (ليست ايران بالتأكيد .. وهذه الدولة قلقة من المد الاسلامي لأنه قد ينفجر لديها فقررت ايقافه على الجبهة السورية)ووحدات التنصت عالية التجهيز والمهارة هي التي جعلت كل حركة وهمسة في حمص مسموعة في قصر الشعب .. وكانت العملية ناجحة بشكل منقطع النظيرحيث تم قصم ظهر الكتلة الرئيسية للمسلحين بسرعة غريبة وبقيت منهم بضعة سرايا معزولة تجري محاولة رصدها ..واحتوائها
وكان محور الشر والجامعة يراهن قبل مهلة الاسبوعين على حرب طاحنة مع التنظيمات المسلحة الكبيرة"المستوردة" تستمر لأسابيع بحيث يتم ارسال صور مباشرة للقتال الشرس الذي سيبرر للجامعة اتخاذ قرار بعزل سوريا وارسال القضية لمجلس الأمن لفرض عقوبات قاسية اقتصادية تكون مقدمة لاعلان الحلف نيته في تقديم السلاح علنا لمقاتلي الحرية عبر معسكرات حدودية تركية ولبنانية واردنية مع غطاء جوي محدود لايستفز روسيا ولايكون بمثابة اعلان حرب لكنه كاف ليكون حرب استنزاف منهكة تبقي السوريين على مقلاة مجلس الأمن ليل نهار لعدة اسابيع أوأشهر ريثما يظهر تشقق في تحالفات دمشق الرئيسية أو الى حين نضوج المرحلة الثانية من الخطة ..المعدة سلفا ..
عملية حمص مذهلة ومفاجئة وقبضت على أسرار ثمينة جدا أهم من الأسلحة الصاروخية التي لم يتمكن المسلحون من استخدامها بعد مغافلتهم باتصالات واختراقات جعلتهم يتلقون أوامر متناقضة فوقعوا في فوضى حتى أن بعضهم فوجئ أنه كان يتحدث الى ضباط استخبارات طوال ايام دون درايته ..وستبقى تفاصيل العملية التي نفذت بدقة في حمص درسا جديدا في كيفية عمل عدة تقنيات وتجهيزات لاستئصال تجمعات مسلحة شديدة التحصين والتدريب دون اللجوء للآليات ..
الرد على انجاز حمص المفاجئ كان تسريع الخطوات في الجامعة العربية التي لم تكن تفهم سبب موافقة السوريين على التعهد باخراج الآليات والمظاهر المسلحة رغم معرفتهم بأن حمص صارت عش الزنابير السام..ولذلك قال حمد بن جاسم بوقاحته عند اعلان الاتفاق بأن المناورة والاحتيال غير مقبولين .. وكان من الواضح أنه بغياب دليل عن حرب شوارع عنيفة تستعملها الجامعة كذريعة لابد من اتخاذ القرار وطبخه بسرعة وقراءته حتى من دون نقاش كما صار يتسرب ..
القيادة السورية قررت الذهاب الى أقصى حد في اللعبة ..أي الدعوة الى اجتماع قمة .. لأن خطوة سورية قادمة اذا ماتمت قد يقال بعدها ان السوريين لم يحاولوا عرض وجهة نظرهم على القيادات العربية وفعلوا مافعلوا دون عرضه على "أشقائهم" العرب وذلك في لعبة التنصل من المسؤولية يجيدها الزعماء العرب ..
على الأرض أيضا رسالة من روسيا عبر راعي كنيستها بطريرك الكنيسة الأرثوذوكسية ولتوقيت زيارته مدلول كبير .. وعلى الأرض أيضا محاولة مجموعة من الكنائس الغربية التي بدأت التحرك للضغط على الحكومات الغربية للخروج من اللعبة السورية لأن هناك ادراكا أن قلب الثورة السورية اسلامي راديكالي يشكل عدم استقرار على كنائس الشرق كلها.. ولقد اطلعت على بعض الايميلات الخاصة بتلك التحركات الغربية..
لاأحد يجيد فن القاء الدروس علينا كما التاريخ ..ولكن لاأحد يلقي الدروس على التاريخ سوى المستقبل..المستقبل هو أستاذ التاريخ الوحيد بلا منازع .. في قرار العرب الأخير يجلس التاريخ والمستقبل يتناظران..أستاذ وتلميذ يقرآن لنا ماذا فعل العرب بأنفسهم ..التاريخ جلس عابسا يتأمل هذه الجوقة العربية ثم انسحب من الجلسة .. أما المستقبل فقد قرر أن يتحدث فقال:
هناك عاصفة قادمة.. لكنها ليست ككل العواصف.. انها العاصفة التي تفاجئ التاريخ لأن المستقبل يحب أن يلعب قليلا مع التاريخ.. التاريخ لايعرف من الألعاب سوى لعبة وحيدة هي أن يعيد نفسه.. ولايوقفه الا يد المستقبل الذي لايحب اعادة الدروس بل يحب أن يعطي الدروس ويحب أن يزود التاريخ بقصص أخرى والا وقع الأخير في التكرار وتوقف الزمن عند نهاية كل دورة..التاريخ حدثنا عن ثورة عربية بمعونة اوروبة لطرد الأتراك العثمانيين.. ويريد هذا التاريخ أن يعيد القصة كعجوز خرف يعيد القصص عن ربيع عربي لاعادة الأتراك الاسلاميين بمعونة أوروبة..
دورة التاريخ لايحول مسارها الا رأي المستقبل.. فماذا سأقول للسوريين؟
أيها السوريون
لقد حمي الوطيس.. ونستطيع سماع حمحمة الخيول الأصيلة.. وحمحمة البغال العربية.. العالم كله يترقب المعركة الفاصلة في التاريخ الحديث التي ستكون بمثابة معركة العلمين في الحرب العالمية الثانية والتي غيرت مجرى الحرب.. فجاء المستقبل..
لدى القيادة السورية أقوى حليف في التاريخ.. انه أغلبية ساحقة من الشعب.. لم تستطع كل القنوات الغربية التي تابعتها تجاهلها اليوم وتحدثت عنها باستغراب.. هذا الالتفاف الهائل من الناس لم تحظ به قيادة سورية أو عربية على مر التاريخ الحديث.. حتى أن القيادة نفسها منتشية جدا بهذا النصر الانتخابي العفوي وهذا الشعور لديها وخاصة لدى الرئيس الأسد كان رسالة قوية ومعبرة للغاية تلقفتها القيادة السورية.. انها مسؤولية تاريخية والرئيس لديه دين كبير سيؤديه لهذا الشعب.. سيقود هذا الشعب نحو انجاز جديد.. الشعب السوري يستحق أن يكون الشعب الذي يختاره المستقبل لاداء مهمة كسر عظم التاريخ..
يتكئ المستقبل كله الآن على أكتاف السوريين لينجز مهمة تحويل عربة التاريخ ليتوّجهم كشعب يهزم التاريخ ويصنع المستقبل .. شعب الله الجبار
لماذا وقفنا مع الرئيس الأسد ضد الثورة.. الديمقراطية؟؟
كثيرا مايطالعنا المعارضون والثورجيون هذه الأيام بطروحات وشعارات طنانة ..ويطرحون أسئلة محرجة لاتقبل منطقيا الا الاجابة بنعم أو لا ..واذا أجبت بالاجابة الخاطئة نالك من الاستهجان والتقريع والاستخفاف والاحتقار الشيء الكثير ..أسئلة حق يراد بها باطل ..ولايسمح لك في اجابتك الا أن تكون ببغاء ..غبيا
من هذه الأسئلة التي يتنطح المعارضون الثورجيون لطرحها بتحد عليك والويل لك ان أجبت بما يخالف الناموس والبديهيات:
هل تكره الديمقراطية؟ هل تقبل أن يحكمك رئيس وحزب مدى الحياة؟ هل تقبل بقتل الناس على يد الأمن في الطرقات؟ هل تقبل أن ينهب الفاسدون بلدك وثروتك؟ ..ألا يستحق هذا الشعب الاحترام عبر صندوق انتخاب؟ ..الخ ..وهناك سيل بلا نهاية من الأسئلة المشتقة من عبير الحرية والديمقراطية ..
وبالطبع فاننا لانكره الديمقراطية ونريد أحزابا وتيارات ونريد حياة برلمانية ولانريد فاسدين ..الخ ولكن هل هذا كل شيء؟..
من أسهل الأمور في الحياة أن ترفع شعارا جذابا وتباهي به في السمو والارتقاء ..ولكن من أصعب الأمور في الحياة أن تقبل هذا الشعار فقط لأنه يعجب الآخرين وأنت تعلم أن فيه هلاكك ..ومعاناتك ..وانكسارك ..كانسان وكوطن..كمن يدعوك لانتشال كنز نفيس مقدس من قاع نهر مليء بالتماسيح ..
هل سأمتلك الشجاعة كي أقول ما أريد في هذا المقال وأن أضع الديمقراطية وكل هذه الأسئلة في قفص الاتهام وأحاكمها؟ .. بالرغم من أن الديمقراطية في هذا الزمن لها قداسة ومهابة الآلهة، حتى أن اهانة الديمقراطية صارت بمنزلة الهرطقة في القرون الوسطى وماتستدعيه هذه التهمة من عقوبة الحرق .. وصار انكار الديمقراطية يعد بمثابة انكار الهولوكوست في أوروبا "الديمقراطية" وماتستدعيه من عقوبة السجن والالغاء..وصارت الديمقراطية وصندوق الانتخاب شبيها بالكعبة ونطوف حوله سبع مرات ..
بالرغم من كل ذلك فانني سأقول كلمتي وليكن مايكون لأن هذه الاتهامات المستهجنة لعدائي للديمقراطية تذكرني بحكاية الامبراطور العاري الذي سار عاريا متوهما أنه يرتدي ثيابا فاخرة لايراها الا الأذكياء وتغيب عن أبصار الأغبياء ..فكان حيث يسير يتلقى المديح والثناء والاعجاب بثيابه الى أن صرخ طفل بريء بالحقيقة وقال: ولكن الامبراطور عار تماما...
وأنا سأكون ذلك الطفل الذي يسير حافيا على الورق وسأردد ماأراه صوابا بنظري .. وٍسأشير الى العاري باصبعي ولو كان مليكة اسمها الديمقراطية .. سأقول ان الديمقراطية ليست نهاية الدنيا وغاية الحياة .. بل انها الكلمة التي لم يستطع الناس ترجمتها لمثاليتها ..وأنها دمية ككل الدمى ..
بدأت علاقتي مع الديمقراطية منذ زمن طويل ..بدأت معها معجبا ..وتحول اعجابي بها الى هيام حتى صرت أهذي بها ويلاحقني شعور بالعار من غيابها في طرقات الشرق ..الى أن ذهبت اليها في الغرب وعانقتها وقبلتها وقبلت يديها والتقطت كل تصاويري وذكرياتي معها في كل عواصم الغرب وامتلات حقائب سفري بالكتب والنشرات عنها وعن حقوق الانسان ..الى أن وقعت حادثة صادمة هزتني وجعلتني أقف حائرا منهارا أمام حبيبتي "الديمقراطية" التي قدستها يوم كانت ضائعة .. وبدأت رحلة الفراق عندما تصارحنا وعرفت أنها كانت .. تخونني .. كانت هذه الحادثة الفظيعة هي أحداث سبتمبر عام 2001
أحداث سبتمبر كشفت لي أن الديمقراطية شيء نسبي جدا وأنها نتاج مجتمعات الرفاهية التي تتخلى عنها في أزماتها .. فالديمقراطية اذا هي الأخرى دمية من الدمى ...
ولم أكن اتوقع أن أم الديمقراطيات في العالم تغير قوانينها بجرة قلم لمصادرة حريات افرادها بحجة الأمن الوطني .. ولكن أميريكا فعلتها وتجسست على مواطنيها وقمعتهم ..ولم يكن أمريكي واحد يجرؤ على انتقاد اجراءات الدولة والا اتهم بخيانة الوطن وتسهيل عمل الارهابيين ..
لم أكن أعتقد أن دولة حقوق الانسان والحيوان والحريات تخترع شيئا اسمه غوانتانامو لتعذب أناسا آخرين لأنهم أعداء لايملكون حتى صفة الانسان العدو ..
لم أكن اعتقد أن رجال قانون الدولة الحرة الأولى في العالم يعقدون مؤتمرات في كل الدنيا ليعيدوا "بالقانون" تبرير التعذيب بحجة حماية الناس من عمل ارهابي ..لايكتشف الا باخضاع المعتقلين للتعذيب المبرح ..
لم أكن أعتقد أن دولة الحرية العظمى تعتقل مواطنيها لأنهم ينتمون عرقيا لبلد آخر معاد لها ولكني اكتشفت أن القيادة الأمريكية اعتقلت آلافا من المواطنين الامريكيين من أصول يابانية ووضعتهم في معسكرات اعتقال خوفا من تعاطفهم مع اليابان بعد الهجوم على بيرل هاربر ..تماما كما فعلت ديكتاتورية صدام حسين مع العراقيين من أصول فارسية عندما ألقى بهم على الحدود ..
ولم أكن أعتقد أن أعرق الديمقراطيات وأعتقها في أوروبا تجرؤ على اعتقال أي شخص اعتقالا اداريا وتزج به في السجن ثلاث سنوات حماية للأمن الوطني الى ان دهشت عندما سمعت بمعتقل "بيل مارش" البريطاني الذي اعتقل فيه أفراد مسلمون دون أية جنحة أو محاكمة .. فقط لأن وزير الداخلية البريطاني في عهد توني بلير (ديفيد بلانكيت) وجد فيهم خطرا ممكنا على الأمن الوطني..يجوز لبريطانيا أن تخشى على أمنها الوطني ولايجوز لنا ذلك ..
لم أكن أعتقد أن زعيما غربيا يخرج ملايين الناس ضده في الطرقات ومع هذا يأخذ أمته الى حرب لاناقة لهم فيها ولاجمل ..فعل ذلك توني بلير كأي ديكتاتور أرعن يأخذ شعبه الى حروبه ....ولم توقفه كل تلك الأمواج البشرية ..
لم أكن أعتقد أن سياسيا غربيا ينجو من العقاب عندما يكذب على شعبه ويورطه في حروب اجرامية قذرة الى أن وجدت بأم عيني أن جورج بوش وتوني بلير لم يمسسهما سوء رغم وضوح كذبهما حتى على الصم والبكم ..بل منح بلير جائزة ووظيفة اللجنة الرباعية الدولية ومنصبا أوروبيا..بعد مسرحيات هزلية بمساءلته ..
عندما كنا في المدرسة كانت كتبنا المدرسية تتحدث عن ديكتاتورية الاعلام في الغرب ولم أفهمها حتى أتيت الى الغرب ..في الغرب الديمقراطي هناك حدود لما يمكن أن تعرف لأن هناك حدودا لما يمكن أن يقال ..وان للغرب قنوات اعلامية مشابهة في عملها ل "الجزيرة" و"العربية" و..الخ .. لاتقول الا ماتؤمر بما تقول ..والحقائق تمليها شركات وأموال ولوبيات ..ماتراه اليوم في تجربة "الجزيرة" هو الخبز اليومي للأوروبيين الذين يصاغ دماغهم وضميرهم ووجدانهم وطعامهم وعلاقاتهم ومزاجهم كما تفعل الجزيرة هذه الأيام بالشعوب العربية وتضحك عليها وتأخذها من ديكتاتورية القوميين الى ديكتاتورية الاسلاميين ..ومن شعارات التحرير والوحدة الى شعارات السلام والانفصال والكيانات المستقلة (في العراق والسودان ومصر) .. ومن الجهاد في فلسطين الى الجهاد في سورية .. ومن الجهاد ضد اليهود المحتلين الى الجهاد ضد الشيعة والنصارى..العرب وابناء الوطن ..
وبالعودة للسؤال الديمقراطي الكبير.. لماذا وقفنا مع الرئيس الأسد ضد الديمقراطية القادمة على أجنحة الثورة؟ المعارضون والثورجية لديهم الاتهام الجاهز أن كل من يؤيد الرئيس الأسد ويؤيد اصلاحاته هو عميل ومأجور ومخابرات ..وبالطبع يرقى الى قمة قمم العار وهي مرتبة الشبيح ..وكذلك صار الفرز في المواقف طائفيا فالمؤيدون أقليات فقط أمام الأكثريات الساحقة المظلومة من ظلم الأقليات التي تقف ..مع الثورة ..ولاوجود للوطنيين في قواميس الثوار ..فالشعب اما ثائر أو شبيح..
على كل حال سأجيب رغم كل هذه الأسلاك الشائكة من الاتهامات وكل هذا الحصار بالعمالة والتخوين الذي لاينفع فيه الا الخروج عبر أنفاق
الاصرار التي تشبه انفاق غزة ..نحو الحقيقة
اننا لانقف مع الرئيس الأسد لأنه الرئيس الأسد بل نقف مع وطننا قبل رئيسنا .. وعندما يقف الرئيس مع الوطن سنقف معه ..واننا نقف مع الرئيس الأسد ضد "الديمقراطية" لأن المعارضة السورية لم تمارس الديمقراطية الا بالسلاح ولم تقل دموية عن أية ديكتاتورية .. ولم تكن صادقة وشفافة .. ولم تعتذر عن أخطائها واساءاتها ..ولم تقدم بدائل مقبولة .. بل ان البدائل المطروحة لاتناسب بناء دولة عصرية منسجمة مع نفسها ومكوناتها ..قلب المعارضة السورية هو معارضة اسلامية راديكالية من دون براقع ولاتزويق ولامجاملات وكل الأقنعة الأخرى هي ديكورات اعلامية .. وكل "كمشة" المعارضين المدنيين (الحبابين ذوي الياقات البيضاء) هم عارضات أزياء للثورة خلال فترة عرض المنتجات الثورية لاقناع الزبائن والشركات الغربية أن تستثمر في الثورة المدنية وألا تخاف من اسلامييها ..وكل من يقول انها ليست اسلامية نطلب منه أن يفسر لنا التصاقها بيوم الجمعة وصلاة الجمعة .. وكثرة اللحى وقلة الحياء والبذاءات في النداءات المختلطة مع طهارة الله أكبر.. ولايكفي أن يكون ميشيل كيلو يزين جبين الثورة كصليب الراهبة ..لأن ميشيل ليس السيد المسيح ولا أحد الرسل أو الحواريين .. ووجود ميشيل الذي استخدم اسمه في هذا الطوفان الاسلامي لايشبه الا اضافة كأس ماء الى البحر لتقل ملوحته !! ومن يتذوق هذا البحر الديني الأجاج يعرف ماذا أعني ..
وأنا لست ضد الاسلاميين التقليديين لكني سأكون في منتهى الوضوح .. الاسلاميون التقليديون الذين عرفناهم قرونا تنقطع ذريتهم ونسلهم بعملية هندسة وراثية خبيثة وعملية تعقيم .. الاسلاميون الجدد ليسوا اسلاميين بل هم نسخة معدلة وراثيا في معامل الاستخبارات الأمريكية .. ومصيبة المصائب أن الاسلاميين المعدلين وراثيا مصممون لمحاربة مجتمعاتهم ومهووسون بالطوائف .. ومجانين بالشريعة وحكم الشريعة وقطع الألسن والأيدي ..الاسلاميون الجدد مصابون بلوثة عقلية ولديهم قرآن جديد محرّف ..قرآنهم ليس قرآننا ..ووضوؤهم ليس وضوءنا .. وجهادهم ليس جهادنا .. فهو قرآن معدل ومشطوب منه كل مايزعج اسرائيل وأميريكا .. فيه كل آيات الحلال والحرام والصوم والزكاة والحج والنكاح والارث والقصاص وفيه (ولقد فضلنا بني اسرائيل على العالمين) ..ولاشيء آخر ..وأتحدى كل الاسلاميين الجدد من رياض الشقفة الى العرعور الى أردوغان الى القرضاوي الى مصطفى عبد الجليل الى راشد الغنوشي الى العبيكان أن يعددوا لي كم مرة جاؤوا فيها على ذكر اسرائيل بالسوء والتحدي .. وكم فتوى بالجهاد ضدها أصدروا ..التحدي مفتوح ولثلاثة عقود قادمة ..
وبالمقابل هل نستطيع أن نحصي كم فتوى واجتهادا أصدره هؤلاء ضد أهل الذمة المسيحيين وضد الشيعة والأقليات ..وهل نستطيع احصاء الفتاوى التي صدرت عنهم بتحريم نصرة المقاومين أو التزام الصمت واجتراح السلام درءا للتهلكة؟ وكم فتوى نكاح وزواج وارضاع كبير وتبرك ببول ..صدرت عن مجاميعنا الاسلامية الجديدة؟ .. هؤلاء الاسلاميون الثورجيون هم مومياءات اسلامية وثوراتهم المذهّبة بالشعارات البراقة لاتشبه الا قناع توت عنخ آمون الذهبي الجميل الذي يغطي وجه .. مومياء ميتة لاحياة فيها ..
نقف مع الرئيس الأسد لأن الثورجيين ليسوا أنقياء ولاأتقياء .. وكلهم يستأسدون علينا بمال السعودية وقطر وعنتريات تركيا وبدعم أصدقاء اسرائيل جميعا .. ودليلي ان توقف دعم هذا المثلث الشرير للثوار يعني نهايتهم بالسكتة القلبية المفاجئة..
نقف مع الرئيس الأسد لأننا رأينا أن الاسلاميين الجدد "اذا دخلوا قرية أفسدوها" .. فقد دخل الاسلاميون أفغانستان فخربوها .. ودخلوا العراق فخروبوه ..ودخلوا ليبيا فخربوها .. ودخلوا القوانين فخربوها .. ودخلوا في الجهاد فخربوه .. ثم دخلوا في الاسلام فخربوه وأهانوه وقتلوه ومثلوا بجثته .. ونفّرونا منه ..
واذا كان مظفر النواب قد صب جام غضبه على الحكام العرب ووصفهم بالقردة والدببة فان من الانصاف اليوم توجيه قسوته الى الاسلاميين الجدد الذين رأيناهم كالمجانين في ليبيا وكالجزارين في سوريا والقول لهم:
في عهدكم أيها القردة .. في ظلكم أيها الدببة .. أضعت أضعت أحلامي .. وأضعت القرآن والسلام ..وأمسكت في الظلام.. بالظلام
ان بلدا كسورية لايحكم بعد اليوم حكما اسلاميا.. ولانريده أن يحكم اسلاميا سواء نجحت تجربة ايران أو تركيا أم لم تنجح .. ولايجب الهرولة خلف التجربة التركية "السنية" وهي لاتزال في بداياتها .. ولايعرف أحد الى أين ستفضي بتركيا المنتشية والجذلى بأنها اكتشفت الاسلام الضائع (الذي هو الحل).. ولكن مابدأ يرشح هو أن التجربة التركية التي بهرتنا ليست مستقلة وأنها مسيّرة وليست مخيّرة .. وأن الاسلام التركي الجديد هو اسلام "مسبق الصنع" .. وأنه المنتج الوحيد في العالم الذي لم يكتب عليه (صنع في الصين) بل "صنع في ايباك" .. وان التجربة الأردوغانية تفتقر للعمل الأخلاقي والقيم العليا .. وأن فيها أسرارا لاتقل عن أسرار سقوط الخلافة وأسرار يهود الدونما ..قد نحتاج مئة عام أخرى لنقرأ عن هذه الأسرار كما نقرأ اليوم أسرار سقوط الخلافة العثمانية ..
منذ الاستقلال ونحن نهرول خلف كل التجارب دون وعي ..هرولنا خلف الشيوعيين .. وهرولنا خلف الشوفينيين .. وهرولنا خلف التقدميين والاشتراكيين ..وهاهم اسلاميونا يهرولون خلف التجربة التركية ..ولم نتعلم بعد من كل هرولاتنا وتسرعاتنا .. آن لنا أن نتريث وأن تكون لنا تجربتنا الخاصة ..ونكهتنا الخاصة ..وآن لنا أن نبني سوريا من حجارتها .. وليس بحجارة الآخرين ..وأفكارهم ومشاريعهم ..
نقف مع الرئيس الأسد لأننا بالفطرة نقف مع كل من تريد أميريكا تنحيه .. وقفنا مع عبد الناصر ..ووقفنا مع صدام حسين ..ووقفنا تشي غيفارا ..ووقفنا مع فيدل كاسترو .. ووقفنا مع مصدق الايراني .. ووقفنا مع هوغو تشافيز ..ووقفنا مع أحمد ياسين .. ووقفنا مع معمر القذافي .. ووقفنا مع ناظم حكمت .. ووقفنا مع عبدالله أوجلان ..ووقفنا مع هوتشه منه ووقفنا مع بومدين ..ووقفنا مع نلسون مانديلا ..
نقف مع الرئيس الأسد لأن كل الزعماء العرب الآخرين أميون ..أميون حقيقيون .. وأميون في السياسة والأخلاق ..وأميون في المقاومة ..وأميون في الكبرياء ..وأميون في الوطنية وجهلاء بالدين ..
أنا وكل السوريين لسنا مع الديكتاتورية ولسنا مع الجمود ولسنا مع التقليل من مكانة وامكانات الفرد ..ونحن نقف مع الرئيس الأسد لأنه وعد أن يتدارك الأخطاء .. وأن يشركنا معا في بناء سوريا ..وهو وعد الحر .. هو بالنسبة لنا "بطرس الأكبر" ..ونحن بالنسبة له شعب يستحق أن تكون له سوريا .. كل سوريا..سوريا للجميع..
راع الفرانكفوني الأمريكي على المعارضة السورية.. صدام القاهرة مثالاً
وقعوا في بعض ..كلمة سرحان عبد البصير في مسرحية "شاهد ماشافش حاجة" هي أنسب توصيف لما حدث للمعارضين السوريين في القاهرة ..
ماالذي حدث بالضبط في القاهرة؟ .. الحقيقة أننا سمعنا تقصفا لأغصان المعارضة ..وسمعنا صوت تكسر النصال على النصال ..وأستطيع أن أقول بثقة ان الفرقة الرابعة للمعارضة بقيادة العميد حسن عبد العظيم أعلنت انشقاقها وتخوض معارك ضارية مع قوات برهان غليون ..ويؤكد شهود عيان سماع قصف الدبابات والمدفعية الثقيلة .. ويؤكد ناشطون تمكنا من الاتصال بهم سماع تحليق طائرات مقاتلة تشارك في العمليات القتالية ضد القوات المنشقة ..!! ..
هذا هو الانشقاق الذي يسمع صوته كانشقاق الخشب وكانقصاف الأشجار في الرياح العاتية ..
ولكن مهلا ..لاتتعجلوا ..القضية قد لاتكون انشقاقا بسيطا بل انقلابات داخل المعارضة يقودها تيار غليون-الاخوان بايعاز من برنار هنري ليفي .. والسبب هو أن مشروع برنار هنري ليفي يقوم على الاستثمار في شخصية غليون الأكثر طواعية وهو مجرد مشروع ديكتاتور صغير يحرك بالخيطان من خلف الكواليس..ولبرنار هنري ليفي أسبابه الخاصة أيضا ومشروعه ..
ماحدث هو مؤامرة لايريد بعض المعارضين السذج تصديقها ..لأن بعض المعارضين المتألمين بدأ يتمتم بها.. فجناح برهان غليون-الاخوان يريد الاستيلاء على المعارضة كلها .. أو على الأقل اخضاعها لارادته ومشيئته واستعمال أطيافها الرقيقة للدعاية والاعلان وضرورة الديكور الديمقراطي الظاهري فقط .. وآن الأوان للتخلص من بعض قيادييها باتهامهم بالعمالة للنظام والتفريط بالثورة ..خاصة أن عزمي بشارة بدا ميالا لبعض المعارضين الذين يراهم أنسب في هذه الظروف من غليون .. وخطورة تحرك تيار غليون هنا أن تهمة العمالة للنظام وبيع دم الشهداء هي أقرب الى الادانة بالخيانة العظمى .. أي التهمة الثورية الخطرة التي قد تعلن بداية تصفيات دموية ان تصاعدت ..وبالطبع سيتم القاء اللوم في أية اغتيالات قادمة على النظام .. وسيتبادل الجميع العزاء والسير في جنائزالجميع والجميع سيشارك في حرب التصفيات والاستنزاف لابقاء "اللون الموحد والصوت الموحد للمعارضة" ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة ..من جديد ..بالطبع معركة الثورة والحرية ..
اما بيان غليون الذي تنصل من الانقلابيين ومن الغوغاء فهو تمثيلية سخيفة وبيان معد مسبقا ..وهو اعلان براءة اخوان يوسف من دم أخيهم ..
وأيضا يحاول حسن عبد العظيم تصوير نفسه على أنه القائد الأجدر للمعارضة لأنه في الداخل ويواجه النظام بصدره العاري بينما غليون وفريقه يواجه النظام في الفنادق الاوروبية .. وحسن عبد العظيم يعتقد أنه ينسق مع السفير الأميريكي الذي غادر دمشق لسبب غير معروف في هذه الفترة بعد أيام من محاولة لقائه مع حسن عبد العظيم .. ولذلك فان عبد العظيم اراد الانفراد بالحديث مع أمين الجامعة العربية للوشاية بمخططات غليون "الديكتاتورية" التي تناهت اليه .. ولتقديم نفسه وفريقه على أنه التيار الأصيل الطاهر الذي لم "يمسسه" بشر ولاتواطؤ ولامال ولا عشرون مليون يورو .. وعبد العظيم غير راض عن غليون ويحمله مسؤولية الفشل في انجاز أي تقدم ملموس بل وفي توريط الثورة بالدم والعنف الذي سهل اصطيادها واحراجها رغم اصرار عبد العظيم على انكار الاعتراف بذلك
ومايحدث في الحقيقة وفي العمق هو صراع أوروبي امريكي على المعارضة السورية .. فالأوروبيون وبالذات الفرنسيون يعتقدون أن الكلمة يجب أن تكون لتيار برهان غليون وذلك لأن غليون فرنسي الجنسية والثقافة كما أنه مؤيد بدعم برنار هنري ليفي الفرنسي الصهيوني صاحب الفضل في اطلاق المعارضة السورية من باريس وصاحب التجربة الناجحة في ليبيا .. وسورية تاريخيا منطقة نفوذ فرنسي ويجب اعادتها اليه عن طريق تقوية المعارضة السورية-الفرنسية..
ولكن الأمريكيين يساندون تيار حسن عبد العظيم ويفضلونه ولامانع لديهم من تعاونه مع الاخوان المسلمين امتداد الأتراك الذين سيربطون الاخوان المسلمين بلجام حديدي يمنعهم من التمرد في أي مستقبل .. هذا مايفضله الأمريكيون لكن مع اقصاء غليون قليلا واقصاء المشروع والتيار الفرانكفوني في المعارضة السورية ..والامريكيون يرون ان فرنسا نالت حصة جيدة في ليبيا التي لم تكن تاريخيا تحت نفوذها وهذا يعتبر فتحا استعماريا واضافة كافية.. وعلى فرنسا أن تقلل من طموحاتها في سوريا .. وعليها أن تفهم ذلك خاصة أن سوريا مطلة على أهم حليفين لأميريكا هما اسرائيل وتركيا .. وفي هذه البقعة بالذات القريبة من العراق يجب أن تكون اميريكا أقوى ..ولذلك يحاول الآن برنار هنري ليفي التخاطب مع الأمريكيين عبر شخصيات يهودية نافذة لجعل النفوذ على معارضة سوريا متوازنا ومتناصفا ..
وكل هذا التشاجر بين الأولاد في القاهرة سيحله الأب برنار هنري ليفي مع "كمشة" من النافذين اليهود في الادارة الأمريكية.. واذا ماتمت الصلحة بعد تدخل الوجهاء ودخول الجاهة الفرنسية والأمريكية فسيقوم حسن عبد العظيم وغليون بطي الخلاف وترجمة الاتفاق الفرنسي الأمريكي على الأرض ..
أما ميشيل كيلو ولؤي حسين وغيرهم فهم ديكورات ليس الا ولاثقل لهم ولاوزن ذريا ..ولاطعم ولالون ولارائحة ..وهم تكملة عدد بل ان انسحاب أصغر فرد في عائلة بوقعقور من قرية الخربة أهم وأكثر تأثيرا ..
ولذلك هذه المعارضة ستتشقق ان عاجلا أم آجلا وهي ضد التاريخ والجغرافيا والمنطق ..التاريخ السوري ..والجغرافيا السورية ..والمنطق السوري
الوطن والدولة لاتصنعه مثل هذه المعارضات المركبة الخارجة من رحم امرأة لها أكثر من عشيق..لانعرف من هو المسؤول عن الحمل ومن هو الأب البيولوجي ...
بالمناسبة هل قرأتم بكائية عبد الباري عطوان الذي يتفجع على هذا الخطأ القاتل للمعارضة ..وبالطبع هناك بكاء كثير في السراديب والكواليس وقد سمعت بعضه وأفضل ألا أبوح به الآن .. لكن هناك من يحاول تدارك الموقف وهناك آلاف الاتصالات التي تتم للفلفة القضية ..ريثما ينتهي الفرنسيون والأمريكيون من انجاز اتفاق ..ولكن
ان القلوب اذا تنافر ودها .....مثل الزجاجة كسرها لايجبر .. .. ..
أنت جريح.. وجرحك كبير كعصا موسى.. يبلع كل جراح العالم
وأخيراً .. وصلت طلائع الاسلاميين الينا في هذا الشرق ..حملتهم الينا الثورات ..ثورات الحرية والديمقراطية حملت الينا أنفاس الاسلاميين ..وللأسف فانها ليست بالأنفاس العطرة ..نفس كريه من فم مصطفى عبد الجليل ونفس مميت من فم راشد الغنوشي ..وبخار عفن من زفير اردوغان وهاهم اخوان مصر يتجشؤون في صناديق الاقتراع ..وفوق كل هذا نرى قيء رياض الشقفة على أرصفة السوريين .. أنا من يقول هذا الكلام وأنا من كنت يوما أحلم بالاسلاميين يكبّرون ويسبّحون الله في البرلمانات العربية وفي أروقة المؤسسات الحكومية ..كنت على الدوام أعتقد ان الاسلاميين لم ينالوا فرصتهم في عملية ديمقراطية وآن لنا أن نستمع اليهم وأن نصوّت لهم ..وآن لهم أن يقولوا كلمتهم دون أن تعترضهم السجون والمعتقلات ..ولكن الربيع العربي كشف لي كم كانت أحلامي ساذجة ..ورومانسية ..وغبية
الأقدار وضعتني أمام مشهدين في حياتي في منتهى التناقض والغرابة...المشهد الأول عندما سمعت باسم راشد الغنوشي أول مرة عام 1987 عندما تناولت صحيفتي "كيهان العربي" الايرانية و"الوحدة الاسلامية" اللتين كانتا توزعان مجانا في دمشق لتأييد الثورة الايرانية وقد خصصت الجريدتان صفحة كاملة عن المناضل الاسلامي التونسي "راشد الغنوشي" ووضعت صورته خلف قضبان السجن الذي زجه به الحبيب بورقيبة ..منذ ذلك اليوم تعرفت على الغنوشي وقرأته وتابعته باهتمام وتأييد حتى خروجه الى منفاه الأوروبي ..الى أن عاد أخيرا الى تونس ليقود أسلمة المجتمع ويعترف بالمجلس الوطني السوري وينضم للجوقة القطرية القرضاوية.. اليوم عاد الغنوشي اليّ ليس عبر مقالات كيهان العربي بل عبر ثورة غامضة وصناديق الاقتراع .. ولكن لقائي به خلا من الحرارة والانفعال وطغا عليه الفتور والبرود ثم الثلج والجليد .. وندمت على تلك اللحظة التي قرأت فيها عنه وسمعت به..وستكون بالنسبة لي غلطة العمر..
والمشهد الثاني كان عندما تعاطفت مع البيانوني وتأثرت بظهوره في لقاء مع سامي كليب في برنامج "زيارة خاصة" على الجزيرة وقد دمعت عيناه وهو يقول بأن أول ماسيفعله اذا سمح له بدخول سوريا هو أن يزور قبر أبيه !! .. ويومها تمنيت أن أرى صدر الدين البيانوني يرتشف قهوته في مقهى الروضة في دمشق قبل دخوله عضوا أصيلا الى اجتماع البرلمان السوري ..فاذا بالبيانوني الذي بكى لتذكر قبر أبيه ... يوسع ويزيد مع صديقه الشقفة من مساحات مقابرنا وموتانا..حتى صرنا نعثر بالقبور والموتى في طول البلاد وعرضها ..وصار قبر أبيه قبرا لنا جميعا..
اليوم وبفتوحات المسلمين الجدد في ليبيا وتونس ومصر وتركيا سيهدأ الصحابة القلقون في مراقدهم وسيرفع الرسول في الجنة يديه الى السماء قائلا: جاء الحق وزهق الباطل.. وسيجلس علي مع معاوية ويجلس الحسين مع يزيد يحتفلون بعلو الاسلام وارتقائه وموت الفتنة..وسنعرف معنى "اليوم اكملت لكم دينكم"..لأن اكتمال الدين كان بالقرضاوي .. المنتظر..وبالغنوشي المنتصر..
لاأخفيكم أن قلبي يدق بعنف ..وبسرعة ..لكن ليس من لقاء اللحظة التي انتظرتها عقدين كاملين ..وليس من صدمتي بمواليد الثورات العربية ..بل بسبب أنني قررت أن أرتكب جريمة لم يخطر ببالي يوما أن أرتكبها عن سبق اصرار وترصد .. لقد قررت أن أطلق النار على حلمي الاسلامي الذي وصل اليّ وطرق باب بيتي وعندما فتحت الباب ووجدته مخيفا كالمتشردين .. خارجا على القانون ويتعاطى حبوب الهلوسة والمخدرات ويمارس الزنا في باريس ولندن و ..الدوحة ..وتل أبيب ..ولديه أبناء غير شرعيين ..
لاأريد الاستيلاء على آلام الآخرين الذين لايرون ماأرى لكني سأقول ودون تردد أن الربيع العربي قد ارتكب مجزرة في كل افكاري الاسلامية التي عاشت معي زمنا طويلا .. وأنني وجدت نفسي اطلق النار على أحلامي الاسلامية بقسوة ودون تردد ..كما لو كنت راعي بقر يفتك بمسدسه بقرية آمنة من الهنود الحمر..وكما لو كنت باروخ غولدشتاين الاسرائيلي يقتل المصلين في المسجد الابراهيمي ..
بعد الذي حدث وبعد افتضاح لااسلام الاسلاميين وأنهم كغيرهم من طلاب السلطة ..فاسدون يبيعون ويشترون ويقتلون ولامانع لديهم من اهداء صوت الأذان في مساجدنا لمن يوصلهم الى السلطة حتى لو كان برنار هنري ليفي ..بعد كل هذا عرفت أن الحركة الاسلامية قد تم ترويضها بدءا من تركيا الى مصر وقلب الأزهر.. وأنها صارت مثل ممتلكات مزارع الموز الأمريكية وسعرها مثل أسعار خام برنت وأسهم السندات..
بعد هذا الذي حدث ياصديقي .. ماذا يعني ان تترقب الأحداث الثورية حولك في تونس ومصر وليبيا وسوريا وقد صرت تميل الى الصمت؟ .. ماذا يعني ان تقرأ مقالا لكاتب ثم تضع الجريدة بهدوء دون تعليق؟ ماذا يعني ان تجلس أمام جهاز التلفزيون ولاتنبس ببنت شفة؟ ثم ماذا يعني أن تتغير من منفعل حانق تقاطع السطور التي تقرأها بلفظة غاضبة كل سطرين ..ومن مشتعل بالمشاعر وانفلات اللسان بالسباب .. الى كتلة من الرماد بلا نار ولادخان أعصاب ..
لاتحزن ياصديقي ولاتبتئس ان قلت لك: أنت جريح .. وجرحك كبير كعصا موسى .. يبلع كل جراح العالم
"أنت جريح" .. وللمفارقة الكبيرة .. عنوان جميل لرواية مؤلمة للكاتب التركي (ايردال أوز) كتب فيها تجربة سجين سياسي تركي يتعرض للتعذيب فتتغير شخصيته وتتبلد انسانيته وينتقل اليه شعور الجلاد والسجانين باللامبالاة.. فالسجين الذي يتعرض للضرب المبرح على قدميه حتى تتقاطر دماؤه على بلاط غرفة التعذيب ويتفتت لحم قدمية يرى كيف تأتي عاملة التنظيف لتمسح الأرض ببرود وكأنها لاترى ذلك السائل الأحمر الذي كان قبل دقائق في جسده يمور بالحياة ..ويتعجب من لامبالاة الجلادين بصراخه من رش الملح على جراحه المتهتكة ولحمه النازف المتفتت .. التحولات الهائلة في الروح والأمل والانسان تحدثها الصدمات الكبرى ..فتنتهي الرواية بأن يتحول الى سجين بلا ملامح ولاروح ويصبح كغيره من السجناء والسجانين ..بلا ملامح انسانية وبلا اسم
لا يستطيع أي منا هذه الأيام أن ينكر حقيقة أن ماحدث في هذا الذي يسمى "الربيع العربي الاسلامي" قد أحاله الى سجين بلا ملامح وأن الربيع الاسلامي قد أصابه بالجراح .. وأن روحه تخاصمه سواء كان منتصرا ام مهزوما .. وانه كان في غرف التعذيب .. والاستجواب .. والمحاكم الذاتية ..ولايستطيع أحد أن يتغاضى عن حقيقة أن ماحدث ثقبه في قلبه .. وثقبه في حلمه .. اننا غارقون في الأسئلة الغارقة في الأسئلة ! الأسئلة التي تديننا جميعا ..
أين كانت في مجتمعنا كل هذه الغوغاء التي تسمى ثوارا؟ وهل كان لدينا كل هذا الكم من اللصوص الطلقاء؟ وهل كان لدينا كل هذا الغباء الذي ينتجه مجتمع بدائي حتى يحركه مرة عرعور ومرة أردوغان ومرة روبرت فورد ومرة حمد ومرة عزمي بشارة؟ وهل كان لدينا
كل هذه الرثاثة والهزال الأخلاقي حتى نفرز هذا النوع من المعارضة؟؟
هل هذه هي حقا الثورة؟ هل كل الثورات التي تعلمناها وقرأنا عنها كانت تمارس هذه الدناءة ثم يكتب لنا كتبتها أنها ثورة مقدسة طاهرة؟ وهل كل الثورات الي تعلمنا أنها طاهرة كقلب النار ومضيئة كالقبس ..بهذا الاتساخ والسواد؟ وهل لكل ثورة تعلمناها وقدسناها عرّاب في الخارج؟ وبئر نفط ؟ أو سلطان سلجوقي؟ ومفت؟ ولها قتلتها المباركون؟ وهل لكل ثورة نصيب من الجنون والحماقة؟ وهل كل ثوراتنا جاهلة عمياء؟ وهل كل الثورات في جيدها حبل من مسد؟ وحبل من ناتو؟
لاأريد ممارسة الديبلوماسية ولاالكلام المنقوع في الكنايات والتوريات اللغوية .. بل ولم أعد أستطيع مجاملة البعض ممن لايزالون ببراءة يعتقدون أن في سوريا والمنطقة ثورة .. وثوار ..وأن هذا الشرق يمور بالثورة ويزدحم بالثوار ..وسنتحدث بنفس مستوى الصراحة والشفافية التي تعاهدنا عليها وسأقول: انني حزين جدا ومتألم جدا لأنني أكتشف أننا أنتجنا ثورات مليئة بالغوغاء واللصوص والطلقاء والأغبياء ..ومليئة بالسلاح المجنون واللحى ..والكذب والاحتيال .. ثورات مباركة من القرضاوي الكذاب في قطر الى الغنوشي المحتال في تونس .. وهاأنذا أقول ودون تردد: ان كانت قلوب الأنظمة مليئة بالفساد والديكتاتورية التي كرهنا، فان قلوب الثورات العربية مليئة بالشر ..والنفط .. ومليئة بالموساد . ..وسأقول ودون تردد أيضا: انني لم أجد في ثوراتنا شخصا واحدا يمكن أن يكون قائدا .. قادة ثوراتنا صغار ..أخجلوني وأذلوني بضآلتهم من غليون الى الغنوشي..وثورات بلا قادة كبار لن تكون الاقطعانا من الأبقار الوحشية الهائمة على وجهها..
واذا كانت الديمقراطية حلما فانني الآن صرت أخشى وصولها الينا وسأعمل على اغلاق الباب في وجهها لأن الديمقراطية محشوة بالمال وتقبل بالرشوة وتحب الأثرياء والأضواء وتميل لأن تمشي مع من يسقيها الدهاء الاعلامي ..هل سأصدق أن انتخابات حرة في أي بلد عربي بعد اليوم لن تصنعه أموال أبو متعب وحمد وسعد الحريري؟! ..ولن تقوم به الجزيرة والعربية وال سي ان ان وال بي بي سي؟! ..بل ما الفرق بين انتخابات يديرها جهاز مخابرات وبين انتخابات ديمقراطية يديرها مال النفط ؟؟
من جديد أيها المواطن العربي لاأملك الا أن أقول لك: أنت جريح.. وجرحك كبير كعصا موسى يبلع كل جراح العالم.. جلادوك يوالون ضربك بالسياط في كل مكان ومن كل مكان.. في الفضائيات وفي الصحف وفي مواقع الانترنت.. بلا رحمة ولاشفقة..
أسئلة متلاحقة كما لو كنت في فروع التحقيق ..لم يختلف السؤال على الاطلاق بل تغيرت المفردات ..فبدلا من: هل أنت ضد النظام؟ صرت تسمع: هل أنت ضد الثورة؟ وبدلا من: هل تتآمر على النظام؟ صرت تسمع: هل تتآمر على الثورة؟ وبدلا من: هل تؤيد العملاء والخونة؟ صرت تسمع: هل تؤيد الفاسدين والقتلة؟ ..وهكذا ..أسئلة الثورة مشتقة من أسئلة الأنظمة ..لتبدأ عملية الاستيلاء على غرف التعذيب .. واعتماد معادلة جورج بوش الأزلية: من ليس معنا فهو ضدنا ..ولايوجد وسطية في المواقف ..ولايوجد وطن ..بل مجلس وطني .. ولاتوجد دولة ... بل ثورة.. وماأدراك ماالثورة !!!
شيفرة دافنشي في سورية.. العلوج وبنت البازرباشي
ان من العقل والحصافة والمنطق في الكتابة عن سوريا هذه الأيام بالذات أن نكتب بمنتهى الشفافية ..وأن نستشير عقولنا قبل قلوبنا سواء كنا موالين للاصلاح أم كان لنا رأي آخر مناقض تماما كالمعارضة .. من الخطر أن يطل أحدنا على تمنياته عندما يكتب عن وطن في أزمة .. ولكن من الأخطر أن ألا يطل على قلبه ولو برهة وهو يتحدث عن سوريا..
أمضي أيامي في قراءة كل مايكتب كتّاب الثورة عن تصورات وترهات وانهيارات وبشائر نصر وأستمع الى كل مايقال والى كل المقابلات والبلاغات العسكرية التي تسكب في مقالات تسمى "آراء" .. في كل يوم تطرح هذه الثورة مواليد جددا من كتاب لانعرفهم .. وتزدحم شوارع الصحافة العربية بكل من يريد أن يدلي بدلوه في البئر السورية .. وفي نهاية كل يوم يضيف عتاة الكتاب القدامى وعتاولتهم الى قواميسهم الثورية مفردات خرجت طازجة للتو من الفرن بعد عجنها بالأكاذيب والأساطير ويتحدثون الينا كما يتحدث الينا اليقين .. ويمارس سحرة الثورة كتابة التعاويذ ويوزع كهنتها الرقى والحجابات .. كما سحرة قبائل الأدغال الافريقية المتوحشة..
من بين كل ماأقرأ من هذا الكم الهائل لاأحس جديرا بالقراءة الا مايصدر عن شخص واحد بعينه .. أقلّب مايقول .. وأضعه تحت المجهر وأعرف أنني أقرأ في عقل الأفعى .. وكل الباقي هو الأذناب .. ومن يساوي برأس الحية الذنبا؟؟
انه صديقنا العزيز ..جيفري فيلتمان
ومع هذا فان ماأقرأه هذه الأيام في الاعلام العربي يذكرني بتعليق ساخر لجيفري فيلتمان نفسه على تصريحات سابقة شديدة الوطنية لزعيم مسيحيي الشرق الجنرال ميشيل عون اذ قال فيلتمان: "ماقرأته من تصريحات للجنرال عون جعلني أعتقد انني أقرأ مقالا للسيدة بثينة شعبان" ..العبارة دعتني في الحقيقة للابتسام من بلاغة فيلتمان في التعبير عن مراراته وأدركت على الفور أن الجنرال عون قد أغضب فيلتمان وأخرجه عن طوره وهو منتهى النجاح السياسي..
ولكني لم أكن اعتقد على الاطلاق أن ألقي القبض على جيفري فيلتمان متلبسا بنفس التهمة .. وهو أنه يقول مايريد قوله عبر اعلام وكتّاب عرب يسمون أنفسهم صحفيي الثورات ومنها الثورة السورية .. واذا أردتم القراءة في عقل الأفعوان فيلتمان وزميله هنري برنار ليفي فما عليكم الا أن تقرؤوا لمجموعة من الكتاب "الثوريين" أو المرور على مقابلات بعضهم مثل السيد وليد جنبلاط مثلا ..الثائر الذي لايهدأ في الاتجاهات الأربعة !!
والمتابع الدقيق لكل من يكتب في الشأن السوري يلاحظ تشابها الى حد التطابق بين بعض الكتابات رغم تعدد المشارب وتناقض الاتجاهات ..اكتشاف وملاحظة لايدعان مجالا للشك ان هناك مجموعة من الكتاب يتلقون منشورات السيد فيلتمان وليفي وتعليماتهما لاثارة نقاط بعينها حتى أن بعض الكتاب كتبوا مقالات تناولوا فيها بالتعليق والتحليل ماكتب على اللافتات التي رفعها متظاهرون سوريون في صدفة غريبة تدل على ان الكتاب قد نقلوا بالضبط ماطلب منهم دون انتباه لتطابق ماكتبوا..
نفس الكتاب يطلبون بالحاح سحب الجيش الى الثكنات رغم خطورة هذا النداء في ظل وجود قطاع طرق وقتلة ومرتزقة .. ..دعوة خبيثة من كتاب خبثاء ...ونفس الكتاب يطالبون بفتح الأبواب أمام الصحافة العالمية التي رأينا نزاهتها وشفافيتها بأم أعيننا ..وقد فعلت مافعلت وهي في الخارج فكيف اذا دخلت بيوتنا؟ ..هل ستقف على الحياد؟.. ونفس الكتاب لايزالون يتحدثون بتلك اللغة الحقيرة عن قتل الدولة لأبناء الشعب السوري المسالم المطالب بحريته ..ونفس الكتاب يقولون ان المسلحين يدافعون عن أنفسهم .. ونفس الكتاب يعيدون تذكيرنا بان الروس والصينيين تخلوا عن صدام حسين ومعمر القذافي وسيتخلون عنا في تناغم غريب فيلتماني النكهة... ...
رسائل فيلتمان تصلنا يوميا ..فبالرغم من تآكل ماكان يسمى "الثورة السورية" وتساقط معظم أسنانها .. وبالرغم من طحن عظامها تحت أقدام ملايين المتظاهرين المؤيدين للدولة والاصلاح في الساحات الكبرى ..وبرغم ازدراء دمشق وحلب للثورة ..فان بعض "الثوار" لايزال يتحدث عن انتصارات الثورة بنفس طريقة محمد سعيد الصحاف آخر وزير اعلام عراقي في عهد الرئيس صدام حسين ..وبالرغم من أنني شخصيا لم أستطع الا أن أحب الصحاف وأعجب به كثيرا واحترمه رغم كل ماقيل الا أن مؤتمره الصحفي الأخير سيبقى للذكرى وهو يشبه كثيرا كتابات رجال الثورة السورية وتصريحاتهم ..فالصحاف الذي كان يقول في مؤتمره الأخير للصحافيين: "لاتخافوا لأن الامريكيين وقعوا في الفخ .." كان يعرف أن أن هناك دبابات أمريكية ظهرت خلفه مباشرة ..ومع هذا لم يبد عليه التردد أو الوجل ..ولم يغير وعيده للعلوج !! رغم ادراكه أن النهاية بدأت..
وان كان من فضل للصحاف فهو هدايتنا لمصطلح يناسب بعض الصحفيين والكتاب والثوارالذين يستحقون بجدارة لقب العلوج !! مثل العلج صبحي الحديدي والعلج عطوان والعلج محمد كريشان والعلج طارق الحميد والعلج عبد الرحمن الراشد والعلجة بسمة قضماني والعلجة سهير الأتاسي ..والعلج الطعج رضوان زيادة .. ..
اعلام فيلتمان والثوار فقد زخمه ومصداقيته ويبدو أنه فقد عذريته قبل "ليلة الدخلة" التي كانت مقررة بعد عرس اسقاط النظام ..وعذرية الاعلام كعذرية المرأة ..تفقد مرة واحدة .. لكن قوادي الثورة يصرون على شرف اعلامهم ويزودونه "بعذريات صناعية" بعد افتضاح كل مواقعة وحادثة زنا مع السيد فيلتمان ..علّ العقل العربي المغفل يتزوج من عارضة الأزياء "الثورية" هذه فيصدق أنها لاتزال "بنت بنوت" و"ماباس تمها غير أمها ..وعمو فيلتمان ..وعمو رجب ..وجدو قرضاوي"..
ولكن دعكم من كل هذا الهراء الثوري الفيلتماني والاجهاضات المتكررة لنبوءات الثوار التي لم تضع سوى مولودين اثنين حتى الآن هما "العار" و"الكذب" .. وتعالوا في رحلة عبر شيفرات الثورة من خلال أسئلة كثيرة قد تفضي معرفة اجاباتها الى توفير الجهد والعناء في قراءة سيرة وأشعار الزير برهان غليون وفارس بني عبس صبحي الحديدي وتوفر علينا قراءة سيرة الصحابي الجليل يوسف القرضاوي الذي لازم النبي (ص) وبز الخلفاء الراشدين في رشده حتى صار يصحح لهم عثراتهم ويقوّمهم ان اعوجوا .. وتوفر علينا قراءة "صحيح العرعور" الذي أزاح صحاح مسلم والبخاري والنسائي وابن ماجة ..رضي الله عنه وأرضاه..
أحد الغربيين المهتمين بشؤون الشرق الاوسط لسبب دراسي (فهو يعد أطروحة عن مستقبل الشرق الأوسط خلال القرن الحالي) والذين التقيتهم مؤخرا كان في منتهى الصراحة معي وقد فاجأني عندما قال: أعتقد بأن عملية فك طلاسم هذا البلد (سورية) أشبه برواية دافينشي كود (شيفرة دافينشي) . وستبقى الشيفرة الخاصة بفهم هذا البلد غير مفهومة .. وختم رأيه قائلا وهو يرفع حاجبيه متعجبا: ..هل هي شيفرة سوريا التي لم نفهمها؟؟!!...
من ضمن تساؤلاته الحائرة كانت: لماذا لم يسقط النظام حتى الآن رغم كل هذا الضغط؟ ماهو السرفي غياب انشقاق مهم؟ كيف أخرج السوريون الصينيين خارج سور الصين الى الشرق الأوسط وهم الذين يفضلون البقاء داخل سور الصين كما يعترف التاريخ ؟ لاتستخدم روسيا والصين الفيتو للمداعبة لأن الدول الكبرى لا تتأرجح في قرارات كهذه وتمارس المراهقة كما تركيا أو قطر؟ لماذا قبلت سوريا استقبال الوفد العربي .. وبرئاسة عدو لدود؟ ولماذا سافر وفد سوري الى قطر؟ ولماذا سكت أردوغان في الشمال قليلا وتكلم أوغلو في الجنوب؟ وماهي نتيجة المفاوضات الأمريكية مع ايران وسوريا بشأن العراق؟ لماذا أعطت كلينتون أمر اعدام القذافي؟ لماذا تشابه مصيرا القذافي وصدام حسين؟ ما الرسالة من قتل أولاد الزعماء ثم تصوير الزعيم يقتل بيد أبناء شعبه ببربرية؟ ولماذا قرر روبرت فورد أخذ فترة استجمام في عز دين الثورة السورية؟ هل للجغرافيا وتداخل التاريخ وتلاقح الحضارات في سوريا دور في صعوبة فك الشيفرات؟
ويضيف: ان تحليل الوضع في سوريا ومعرفة أسراره ودهاليزه وخلائطه الكيميائية بات من أخطر المغامرات على القوى الغربية .. سبب اعتقادي أن ماتم الاعداد له كان شيطانيا الى أبعد الحدود وربما تجاوز ماتم اعداده يوما لاسقاط الكتلة الشرقية..لأنه بعدما أفلت السوريون من انهيار مابعد بغداد .. وأفلتوا من فخ الحريري ..فان ماتم الاعداد له هذه المرة كان عمل فرق كاملة عابرة للقارات ..تطلب أحيانا تمثيليات خطيرة دولية بين تركيا واسرائيل ومسرحيات قطرية سعودية لبنانية ..وعزف سيمفوني غربي كامل على نغمة الحرية السورية... لقد تعرضتم لهزة عنيفة ليس لأن حجم الثورة كان كبيرا .. وليس لأن أعداد المتظاهرين وصلت في أية مدينة الى بضعة آلاف ..بل من حجم الخيانات وحجم التحالف الدولي الذي قلما اجتمع ولم يسقط خصومه .. لكن التحالف الدولي الذي أسقط العراق في ثلاثة أسابيع والذي صلب ليبيا في حرب أهلية خلال ثلاثة أسابيع وقف حائرا يتنقل من خطة لأخرى لاختراقكم ولايزال على حدودكم بعد ثمانية أشهر ..لم ينجز حتى الآن انجازا ذا مغزى ..أعتقد بجدية أن الغرب فشل تماما في فك شيفرة هذا البلد
وباسقاط كل ثرثرات الاعلام نجد أن هناك ادراكا وتسليما من جميع الأطراف أن النزر اليسير الذي أحدثته الأزمة على الأرض هو أقصى مايمكن تحقيقه .. فمن مشروع تحطيم وتقسيم دولة وافشالها اختصر الانجاز الى بقايا عصابات ملاحقة في كل مكان تتلفع بالظلام .. مشاريع اللعبة بدأت تتفكك ..المعارضة السورية تعاني من اضطرابات داخلية واستعصاءات عنيفة سنسمع بها بالتدريج قريبا وهناك مساع جبارة لابقاء الفضيحة طي الكتمان لتجنب الشماتة وهناك مسرحيات فاشلة لنفي التهمة..الأتراك تم تحييدهم ..الأكراد أخرجوا بحصافة من المعادلة ..أدخل السوريون الروس والصينيين الى لعبتهم بذكاء منقطع النظير مستفيدين من مخاوف الاثنين .. والسوريون تسللوا الى الجامعة العربية التي كانت فخا لهم فاذا بها صارت فخا لأمير قطر ..الذي سيضطر الى سحب الجزيرة ان عاجلا أم آجلا ..ومعها عزمي بشارة ..الذي قد يحال الى التقاعد .. في مرحلة قريبة لاحقة ويلتحق بخنفر..
عندما أستعيد تسلسل الأحداث أحس بالقشعريرة من حجم الخبث والنذالة والمكر الذي تعرض له الشعب السوري ..مال واعلام وخيانات وطعن في الظهر وتسلل وخدع كبرى لم يألفها التاريخ.. ولعب على العواطف والطوائف وطوائف الطوائف.. لكن مايطلق ضحكتي مجلجلة صافية في خضم هذا الغضب والحيرة هو ماسمعت من معارض سابق ارتد عن المعارضة لأن دخوله لداخل المعارضة كما قال كان أشبه مايكون بمشهد قدمه الفنان السوري ياسر العظمة في "سلسة مرايا" والذي روى عن رجل تزوج "شهناز" بنت البازرباشي شهبندر التجار لاعتقاده أنها المرأة الجميلة التي التقاها في السوق ..وفي ليلة العرس دخل على زوجته ليرفع الطرحة عن وجهها ليطل عليه من تحت الطرحة وجه قبيح جدا بشفاه غليظة مغطسة بأحمر الشفاه وعيون مخيفة وشعر أشعث..فيجفل ويبتعد كالممسوس وهو يصرخ: من أنت؟ فتقول القبيحة الدميمة بدلال العروس في ليلة دخلتها: أنا شهناز .. بنت البازرباشي ..حبيبي
المعارض الذي ارتد قال: هذا ماحدث لي عندما كشفت عن وجه الثورة طلعت عليّ شهناز بنت البازرباشي وأنا كنت أعتقد أنني سأرى أجمل وجه للثورات ..فوليت الأدبار ..ونجوت بنفسي ..وتركت للثوار شهناز بنت البازرباشي ..وتركت لهم أباها البازرباشي حمد وعمها رجب ..وتركت لهم عائلتها الكريمة من علوج المجلس الوطني علجا علجا .. وعلجة علجة .. وقلت لهم: يفتح الله..والله يبارك لكم بشيفرة شهنازوعلوجها
مزرعة الحيوانات في سوريا
"مزرعة الحيوانات" هي رواية شهيرة للكاتب جورج اورويل وتعد هذه الرواية التي انتقدت ستالين وهتلر مثالا على الأدب التحذيري على الحركات السياسية والثورات الاجتماعية التي تطيح بالحكومات و المؤسسات التي تعتبرها فاسدة و غير ديمقراطية إلا أنها في الحقيقة ثورات مشوهة مليئة بالسوء والرداءة والقبح وتنتهي إلى الفساد و القهر بسقوطها في كبوات السلطة و تستخدم أساليب عنيفة و ديكتاتورية للاحتفاظ بها..
أورويل وهو صاحب رواية الأخ الأكبر (العالم عام 1984) .. لم يكن يعتقد أن عبقرية مواطن سوري قد ترجمتها الى الأرض هذه الأيام بعدما رأى الثورات العربية التي أكلت كبده ..بفسادها ونشرها للكراهية والحقد والبذاءة والكذب..
"مزرعة الحيوانات" لم تعد مجرد خيال روائي انكليزي بل هي موجودة على الأرض فعلا وفي احدى قرى سوريا بفعل عبقرية مواطن سوري عبر عن مشاعره المحترقة بصدق ومرارة .. ولو عاش جورج أورويل ليرى عبقرية هذا المواطن السوري في ترجمته لرواية "مزرعة الحيوانات" لتنازل عن حقوقه الفكرية لصالح هذا المواطن السوري الأصيل..
هذا السوري الحر الذي رغم مؤهله الجامعي لم يتخل عن الريف بدأت صداقتي معه منذ سنوات طويلة هو من أولئك الأشخاص الظرفاء في الحياة الذين نلتقيهم فنحبهم .. يحولون الدنيا بعبقرية الى مسرح للابتسامات في زمن البكاء والصراخ والعذاب..وهؤلاء لديهم موهبة فريدة في جعل الآلام أقل ألما ويستطيعون أن يجعلوا الابتسام في ظروف جدية صارمة عابسة فعلا نبيلا ..لايناله الا الرضا والاستحسان ..
هذا الصديق يحب المرح والنكتة لكنه بارع في اطلاق الكوميديا السوداء اللاذعة .. وهو لايوفر شيئا في الدنيا من تعليقاته حتى أنا الذي نجوت من تعليقاته لفترة لم أتمكن من البقاء خارج حدود صواريخ لسانه .. كان هذا الصديق قد قرأ يوما أن أحد العراقيين الناقمين على مجلس الحكم الذي عينه بريمر في المنطقة الخضراء قد قرر تسمية دورة المياه في بيته (المنطقة الخضراء) كنوع من الثأر والنضال بأدنى الحدود على رأي (من رأى باطلا فليغيره بيده ..الخ ..فان لم يستطع فبلسانه وهو أضعف الايمان) ..وقد أعجبت صديقي الفكرة لأنه لم يكن معجبا بالثوار العراقيين وقائدهم أحمد الجلبي ..ولذلك وتضامنا مع الفكرة كتب على باب دورة المياه في بيته (المنطقة الخضراء) .. وكان كلما استأذن لقضاء حاجة قال : عذرا لدي زيارة للمنطقة الخضراء..وقد طور صديقي الموضوع بأن حذف حرف الضاد من الخضراء !! وأطلق على هذا التعديل "حركة تعريب" على اعتبار أن العربية تسمى لغة الضاد فيما المنطقة الخضراء غير عربية ..فسقطت منها الضاد..
لم أزره في بيته الريفي الجميل منذ فترة طويلة وطالما عاتبني على عدم زيارته فيه .. ولذلك كانت فرصة جميلة أن نلتقي ونرتاح من عناء الأيام ونتحدث بالشأن السوري الذي يتحدث فيه كل الناس هذه الأيام حتى الاسكيمو بفضل الجزيرة..
وقد أصر صديقي على تناول الغداء في حديقة بيته الريفي الجميل في احدى القرى السورية التي زرعها بنفسه بأشجار الفاكهة .. وعندما هممنا بالخروج من البيت نحو فضاء المزرعة الصغيرة، توقف لحظة ثم صار يتلفت حوله كمن يبحث عن شيء فسألته: عم تبحث؟ ...فلم يرد ..وبدا منشغلا في تقليب عينيه بين الأشياء ورأسه يتلفت في كل اتجاه وهو ينحني تحت الكراسي والطاولات ..لكنني سمعته يتمتم: ..وين عزمي؟!! فاستغربت .. ولكنه صاح مناديا ولده الكبير قائلا: ياولد وين عزمي بشارة؟؟ فقال الولد الكبيرمجيبا من على الباب: عزمي بشارة عند برهان غليون !! وعلى الفور اتجه صديقي نحو الدرج المفضي الى الفناء ثم قال مسرورا: نعم انه هنا؟ ثم تناول حذاء ضخما ثقيلا متسخا بالوحل ونظر لي مبتسما وقال: لاشك انك استغربت..لكني أطلق على أفضل أحذيتي التي أخوض فيها في الأوحال والأوساخ (عزمي بشارة) .. لافرق بينهما ..كلاهما حذاء متين مخلص يخاض به في الأوحال والقاذورات ..ثم تساءل بجدية: لماذا لايصمم الحذاؤون حذاء باسم ماركة (عزمي بشارة)..ستكون فكرة ممتازة ورابحة تجاريا..ثم ضحك وقال: ثق تماما أن أهل الخليج سيتركون الشباشيب وينتعلون عزمي بشارة ..ومن يدري ربما تصبح ماركة عالمية مثل ماركات بينيتون أو كريستيان ديور !! فابتسمت وقلت: ولكن من هو برهان غليون؟ فأشار عابسا الى قفص فيه ببغاء أبيض ..وقال: ومن غيره يكون؟؟!! ..يتحدث في السياسة ولايعرف ماذا يقول..
فضحكت وقلت له: ألن تكف عن هذه الخربطات؟؟!! ..منذ اكتشافك للمنطقة الخضراء وأنت تضيف المزيد .. فقال: ولماذا أكفّ وهم لم يكفّوا عن حياتنا؟ واستأنف قائلا : اذا عليك أن تعرف ماذا فعلت وأطفالي مستفيدين من الفكرة ..ثم نادى أبناءه وهم ثلاث أولاد وبنت صغيرة ..وقال لهم: هلا أريتموني ماذا حضّرنا للعيد ..عيد الأضحى؟ فوثب الصغار الى قن الدجاج في نهاية الفناء وبعد دقيقة سمعت فيها عراكا وصياح ديكة ثم عاد الأولاد وبيد كل منهم ديك..تقدم الأول وقال هذا اسمه: أردوغان ..فعلق صديقي شارحا وقال: وقد سميناه أردوغان لأنه كثير الصياح وأول من يصيح في الصباح ..دائما صبره نافد لكن عند الجد ليس ديكا .. وتقدم الثاني بديكه الذي بدا هرما وعرفه يتدلى منهارا على رأسه كالعقال الأحمر وبدا ريشه متساقطا وقال: وهذا أبو متعب لأنه أعتق ديك في البيت.. وهو قلما يتحرك وكثيرا اعتقدنا أنه ميت .. وأخيرا تقدم أكبر الأولاد وهو يحمل ديكا ضخما بليدا بدينا أبيض اللون وقال: وهذا حمد بن خليفة آل ثاني!! وان شاء الله انت معزوم عليه بالعيد الكبير..
وكانت الطفلة الصغيرة تحاول الامساك بدجاجة في القن وهي تقول: أنا عندي "موذة" .. وهنا أطل صوص صغير من القن ثم "زمق" بسرعة الى السياج ..فالتفت الأولاد بسرعة ثم تركوا ديكتهم وركضوا خلفه بحماس وهم يصيحون: هرب سعدو ..هرب سعدو ..أمسكوه..أمسكوه
بالطبع كان المشهد مضحكا خاصة ان صديقي قال ان لديه في القن صدر الدين البيانوني وهو دجاجة نحيلة شمطاء .. ولديه رياض الشقفة وهو دجاجة مشاكسة جدا وهناك دجاجات كثيرة أشار الى واحدة سوداء على أنها سمير جعجع .. وأضاف: هناك جقل (ثعلب) يحوم دوما حول المزرعة أسميه وليد جنبلاط..لو رأيته ياأخي لعرفت كم أنا على حق ولربما غيرت رأيك في نظرية دارون بان أصل الانسان قرد وصارت اصل الانسان "جقل" للشبه الكبير بينه وبين جقل الحزب التقدمي الاشتراكي !!..
ولكن صديقي الذي اكتفى بالابتسام أمسكني من يدي وأخذني نحو نهاية المزرعة وقال هذه المزرعة صارت هي سوريا والعالم ..تعال وسترى .. سرنا قليلا حتى حافة المزرعة حيث نهر صغير انعزلت منه بركة ماء وفيها ضفادع وسرطانات ..ثم ضجك وقال: هذا هو "المجلس الوطني الانتقالي السوري" ..أعضاؤه النقاقون لايجرؤون على مغادرة مياه النعيم في الغرب ولكنهم في الليل ينقون حتى نصاب بالصداع ..هنا ستجد الضفدع بسام جعارة، والضفدعة رزان زيتونة، وستجد الشرغوف (أي الضفدع الذي لم يكتمل نموه بعد) رضوان زيادة والضفدعة بسمة قضماني وو ..وكل من يخطر على بالك..
وعلى البعد خارج المزرعة بدت منطقة تجمع فيها النفايات والفضلات الحيوانية ..وكنت قادرا على رؤية بعض الجرذان التي تتجول على ضفاف تلك البقعة النتنة ..وسمعت صوت صديقي يقول من خلفي: أعتقد أنك تتوقع ماهي تلك البقعة وجرذانها؟ فبدت عليّ امارات الحيرة..فضحك وقال: يارجل انها ........الجزيرة........لايعيش عليها الا الجرذان ولايأتي منها الا الشر وروائحه ..هناك ستجد مذيعي الجزيرة وكتابها من القطسور فيصل القاسم الى فهمي هويدي الى ياسر الزعاترة الى عماد الدين حجاج ..
فبادرته الى السؤال: ولكن أين هو القرضاوي؟ فأجاب على الفور: انه "بوم" يعشش على شجرة الدلب هناك ..وأشار الى شجرة الدلب الضخمة وقال: ونسمع صوته المشؤوم كل يوم .. وأبنائي صاروا يعلقون كلما سمعوا صوته ويقولون لي: بابا بدأت الشريعة والحياة ..وفي الحقيقة صار يسبب لنا مشكلة .. والصغيرة صارت تخاف من صوته في الليل الدامس .. لكن أقسمت على أن أصيده يوما ببندقيتي..
ثم بدا جديا وقال : ألا تعتقد أن هذا القرضاوي يجب أن يدير برنامجا اسمه "الشريعة والموت" أو مثلا "الشريعة في الغاب" !! .. كانت أسئلته صادمة لأنها صادقة ولأنه قال مافي نفسي !! .. فسألته متحديا: اذا من هو العرعور؟؟ فقال على الفور: انه في البيت ..أنه أكبر ساطور في المطبخ ..اذا ماأردنا تقطيع العظم واللحم استعملنا العرعور ..لم نعد نقول مثلا أعطني الساطور، بل أعطني العرعور ..على وزن الساطور..
بالطبع الى جانب الكلب السلاقي الذي سماه صديقي "ساركوزي"، والقط البري الذي يمر بالمزرعة كل يوم محاولا السطو على أي شيء ويسميه صديقي "أبو عطوان" فالمزرعة الريفية لصديقي غنية .. فيها حمار رمادي سماه صديقي (عبد الحليم خدام) وقال هذا الحمار اشتغل 20 عاما دون شكوى لكنه الآن يرفسنا جميعا ..كل قادة الثوار هذه الأيام مثله .. مثل عبد الحليم خدام الذي اشتغل كالحمار 40 سنة ثم رفسنا وصار ثائرا ..ثوار المجلس الانتقالي الليبي كلهم عملوا 40 سنة كالحمير ثم صاروا ثوارا يرفسون سيدهم..كالحمير المجنونة ..أو كالأبقار المصابة بجنون البقر ..وعلى سيرة الأبقار أرشدني صديقي الى بقرتين سمى واحدة منهما وهي هولندية ملونة بالابيض والأسود "سعودية" والثانية بنية اللون " كويت" لأنهما تدران حليبا كثيرا (يسميه الذهب الأبيض) تصادره زوجته كله ..التي اسمها هالة ولكنه يناديها "هيلاري" هذه الأيام..
كنت مذهولا من قدرته على ترجمة أحاسيسه الى فعل احتجاج عارم بتسميته للحيوانات في مزرعته ..وعندما رأى دهشتي بدا مزهوا وأخذني الى شجرة منحنية تكاد تكون واقعة، لكنه رفعها بدعمها بالأخشاب والعوارض وربطها في عدة أماكن بأشرطة القماش ليثبتها حتى بدت كالجريح المريض المتعب وقال: هذا حزب البعث !! ...وأضاف مبتسما منتشيا بانجازه: وهذه الأخشاب والأربطة هي "اصلاحات" ثم التفت الى قطين سمينين يتفيآن نائمين في ظل الشجرة وقال: لن تصدق ان هذين القطين الكسولين اللذين يقضيان جل يومهما تحت هذه الشجرة قد وجدنا لهما اسما ووظيفة.. انهما الرفيق سليمان قداح، والرفيق عبدالله الأحمر ..لاأنكر أني لم اتمالك نفسي من الضحك وخاصة عندما اشار الى ثقب في أعالي البيت وقال: وهناك يعيش عقاب صقر ..وعرفت أنه أحد الخفافيش التي تؤرق ليل صديقي الذي كان يضحك ويقول ..كل تيار المستقبل عندي في الشقوق وثقوب الجدران..
وفي وسط المزرعة وصلنا الى شجرة سنديان عملاقة ..تأملها صديقي وقال وهو يربت بيده على السنديانة: هذا الخشب العتيق الصلد هو حافظ الأسد.. وهنا سنتناول الغداء اليوم بجانب تلك الصخرة الكبيرة (المستندة الى السنديانة) التي سميتها منذ عام 2006 "حسن نصرالله"..
ثم سار قليلا نحو ضفاف السور ووقف الى جانب نخلة فتية منتصبة وقال: هذه الشجرة التي زرعتها منذ 3 سنوات هي "صدام حسين" .. ثم أشار الى حفرة صغيرة وقال منقبضا بتأثر: وهنا ستكون نخلة أخرى .. سأسميها "معمر القذافي" ..
وقد تعجبت لما عرفته عنه من كره لصدام حسين .. فلمح في عيني الاستغراب فأضاف: لاتلمني ياصاحبي .. فمهما قيل عن الطغاة الا أنني أحترم الطاغية الذي لايكذب على نفسه وعلى شعبه ..ويموت بطلا .. كان بامكان صدام حسين أن يكون مثل حمد وأبو متعب لكنه فضل أن يرتدي حبل المشنقة كربطة عنق قبل حفل تكريم .. ولذلك استحق أن تكون له نخلته في نفسي .. واستحق القذافي الذي لم نفهمه يوما أن تكون له نخلته في نفوسنا .. كل من يسقط بسيف العدو هو نخلة سامقة مهما قلتم عنه وثرثرتم .. الأمم تحب الأبطال حتى لو كانوا طغاة ..انظر هل من طاغية يفوق نابليون ..الذي حوكم ونفي الى جزيرة ولم يهن (وليس مثل محاكمات ثوارنا المراهقين الذين يمارسون الدعارة الثورية) ..ان نابوليون الآن فخر فرنسا قبل أن تفخر فرنسا بثورتها الفرنسية وبثوارها..رغم انه قاد الفرنسيين الى أحلك هزائمهم وقضى على خيرة شبابهم في حروبه ..
ثم أضاف: خذ عني نبوءتي ياصديقي ..سيأتي جيل من العراقيين عندما ينتهي التشفي والغليل ويعود العقل والصواب وينتهي هذا الجيل المعاق يوما بعد عقود أو قرن من الزمن ليعيدوا تمثال صدام في وسط ساحة الفردوس كما كان ..سيكتبون كل الحقيقة من أنه كان حاكما قاسيا ومصدر جدل وخلاف لكنه بطل ووطني ..ووطنيته لن تكون مصدر نقاش .. وكذلك سيكتب جيل قادم من الليبيين أن لديهم قائدا حكمهم 40 عاما لكنه مات بطلا ..وسيرفع له تمثال في وسط طرابلس..
سألته في نهاية ذلك اليوم الطويل السؤال الذي أبقيته حتى النهاية:
.. ولكن أين هو الرئيس بشار الأسد؟؟فتوقف وقال:
لم أجد شيئا يناسبه سوى أن يكون ذلك السيف العربي المعلق في صدر غرفة الضيوف ...لأنه مقاوم وأصيل وسيف عربي خالص .. ربما سميته .. بشار.!! لايهمني ماستقول عني أو مايقال عنه .. المهم أنه من يحمي هذا البيت .. أتمنى ألا ينكسر ..مارأيك؟؟
وقال مختتما بحسم: أؤكد لك لن ينكسر .. عندما تنكسر السيوف الشرقية .. يغضب منا التاريخ ويصفعنا ..لأن الأفاعي التي تلتف حول اعناق الشرق لاتجد من يقطعها .. التاريخ يحب السيوف عندما تكون شرقية أصيلة .. وأكثر سيوف الدنيا مهابة عندما تكون دمشقية ..
بانتظار يوم القيامة.. ماذا بقي لنا من الاسلام؟
لم أكن أتوقع في حياتي أن أقف في محاكمة تقوم بها نفسي مع نفسي ..ولم أكن أتوقع في حياتي أن أنقلب هذا الانقلاب على نفسي ..ولم أكن أعتقد يوما أنني سأعرف معنى يوم القيامة ..وأصل الى يوم القيامة ..
لكنني أدركتك يايوم القيامة ..عندما قامت القيامة في قناعاتي .. رغم مروري وهذا الجيل من العرب والسوريين بأزمات وأيام فاصلة ... الا أن هذه الأزمة أخذتنا جميعا ورغما عنا الى أسئلة كبرى لاتسأل الا في يوم حساب ..كيوم القيامة ..وجعلتنا بشكل مذهل نرمي برؤوسنا الى النار لأن رؤوسنا لم تعد ملكا لنا ..بل ملكا لأسئلة كبرى في هذه القيامة الصغرى..
لم أسال نفسي عن اسلامي كما سألته اليوم: ماذا بقي لنا من القيم التي تعلمناها..وماذا بقي لنا من الاسلام الذي عرفناه؟؟
مواليد هذه الأيام المأزومة في كل الشرق كثيرة ..لكن المولود الخطير برأيي كان توأما سياميا متصل الرأسين: رأس يقول ماذا بقي من الاستقلال الوطني ورأس يقول ماذا بقي من الاسلام؟
تتساقط العروبة ويتساقط الاستقلال ..لقد سقطت معظم الدول المستقلة وبقيت الدول المحتلة ..العراق محتل وفلسطين محتلة والخليج محتل وليبيا محتلة ..وذهبت الديكتاتوريات التي لايستطيع أحد أن ينكر أنها حمت الاستقلال الوطني حتى آخر لحظة.. ودخلنا من جديد عهد الاستعمار كما يدخل الدجاج الغبي الى الحظيرة ..وكما يدخل سمك التونا الى مصيدة مذبحته البحرية .. كان استقلالنا فترة قصيرة لعدة عقود فقط لم ننعم بها لا بالحروب الأهلية والنزاعات السياسية الطاحنة .. فاذا كانت الحرب العالمية الثانية قد ساعدتنا كشرقيين ومسلمين على انجاز الاستقلال الوطني فاننا قد ضيعنا هذا الاستقلال الوطني من دون شك .. وبقي لنا من استقلالنا مجلس حكم عراقي صنعه بريمر ومجلس عسكري مصري ومجلس وطني ليبي وقاعدة عيديد وابراج دبي العبثية !! .. من سيعيد انجاز استقلال العراق وليبيا؟ من سيخرج الناتو بعد اليوم من فمنا وأسناننا وأمعائنا وهوائنا وقهوتنا وجيوبنا وفراشنا وثيابنا الداخلية؟ لاتقولوا لي ان من سيفعل ذلك هو جيل برهان غليون ومصطفى عبد الجليل ..
واذا كنا قدمنا صحوة اسلامية وأيقظنا الاسلام من سباته ودروشته ووجهنا عيونه نحو القدس والأقصى لبرهة من الزمن .. فاننا ضيعنا الاسلام ..واستيقظنا صباحا لنجد أنه مفقود ..هل سرقوه؟ هل خطفوه؟ أم أنه تاه وشرد عندما خرج من بيتنا ؟؟..
الاسلام الذي تعلمناه في مدارسنا ومساجدنا المتواضعة خضع لعملية سطو ..وسرقت عباءته الكبيرة ..سرقت ثيابه وسرقت أسنانه وسرقت شهادة ميلاده وسرق بيت ماله وسرق فيه الخلفاء الراشدون ولم يبق لنا منه سوى سقيفة وجمل و....قرضاوي ..
الاسلام الذي تعلمناه في مدارسنا سرقت أمه وأبوه .. وسبيت أخته وسلب أخوه ...وقطع لسانه ويده ورجله من خلاف !! ..وفوجئنا به ينتظر في كل مطارات العرب ليستقبل على عكازاته كونديليزا رايس ويقبلها .. ووجدناه مرة محمولا على محفة في مطار يستقبل هيلاري ..وفي أخرى كان محمولا على نقالة ويرتدي النظارات الشمسية متخفيا كالجواسيس ليستقبل تسيبي ليفني..ويقبل يدها...
الأقصى بيد نتنياهو والمسجد الحرام بيد اللحيدان وبندر ...والأزهر يتنقل من يد طنطاوي الشيخ الى يد طنطاوي الضابط...والعرعور يدعي ملكيته للجامع الأموي وكأن أوراق الطابو تركها له أبوه في وصيته .. ونداء (الله أكبر) صار اسم شركة للذبح البشري.. ولم يعد تعبير الصادق النيهوم أن"الاسلام في الأسر" كافيا للتعبير عن حالة الاسلام .. بل الحقيقة هي ان الاسلام قد تصهين على يد "راسبوتين" الاسلام المدعو محمد يوسف القرضاوي ..ولو عاش الصادق النيهوم حتى هذه الأيام لكتب لنا سلسلة "اسلام بلا قلب" ..و "اسلام بلا عقل"..و "اسلام بلا اسلام" و "القرضاوي الذي انقرض به الاسلام"
منذ الاحتكاك السوفييتي الأول مع الشرق في افغانستان بدأت الحكاية ..وبدأت عملية السطو ..ومنذ تلك اللحظة خرج الاسلام من بيته الى جبال أفغانستان ولم يعد..أخذوه الى تورا بورا والى الشيشان والى غابات الفلبين ..وكل ماقيل عن عودته كان شائعات كشائعات عودة مفقودة أخرى اسمها فلسطين ..خرجت من بيتها في 15 أيار عام 1948 ولم تعد ..حتى هذه اللحظة!!
ماذا بقي لنا من الاسلام غير سقيفة وجمل و ...قرضاوي؟
فما رأيناه من قتل سخي في العراق بين الطوائف ومارأيناه من جنون الاسلام ضد الاسلام في لبنان ومارأيناه من كذب الاسلام على الاسلام في تركيا ومارأيناه من عنف الاسلام في سوريا يقول بلا تردد أن جورج بوش قد فعلها.. وأنه وجد أسلحة الدمار الشامل التي طالما بحث عنها وادعى أنه لم يجدها ..فاذا بابن القحبة يضربنا بها ...
فهل هناك من قذيفة جرثومية أقوى من القرضاوي؟ وهل غاز السارين والخردل الا أنفاس العرعور واللحيدان في مجتمعاتنا؟ وهل هناك قنبلة قذرة مثل حزب العدالة والتنمية الاسلامي التركي وعناقيده التي تفرخ اخوانا مسلمين وتتكاثر وتنتشر كغيمة بشكل الفطر "المشروم"؟؟...
ومن جديد ...ماذا بقي لنا من اسلامنا الا سقيفة وجمل و...قرضاوي؟؟؟
القرضاوي الذي جمع كل الاسلام في صرة صغيرة وخبأها تحت عمامته .. وسمى لنا الجزيرة قرآنا جديدا .. وسلخ جلد الخلافة وأهداه الى حمد ..
هل رأيتم ثوار سوريا المسلمين الذين يقتلون ويركلون ذبائحهم بأرجلهم؟ هل سمعتم نداء الله أكبر عندما يقتلون؟ هل رأيتم الثوار المسلمين كيف كانوا حول الزعيم القذافي؟ هل سمعتموهم؟ هل سمعتم بذاءاتهم؟ أسير لم يستحق منا الا أن نعدمه دون محاكمة؟ هل المنفذون قتلة أم أننا كمجتمع (بدوي) مجموعة من القتلة كلما عصفت مجموعة بالأخرى قتلتها شر قتل كما وصفتنا الموسوعة البريطانية؟ ماذا أبقى لنا الثوار من صيحة الله أكبر سوى لون الدم الذي يلون هذا النداء الخالد؟ ..ألا تحسون مثلي أن سماع هذه الكلمة صار يذكرنا بالدم على السكاكين؟ الله أكبر كان للاستسلام لقدر الله وتقربا لله واستغفارا لله من قتل أضاحي العيد ..فصار نداء الذبح والاعدام للبشر.. وكأني برسول الله مع صحبه ينظرون الينا من السماء وقد ملأت قلوبهم الخيبة ..والخجل ..
اننا أمة لم نقتل نبينا في حياته لكننا اليوم صرنا قتلة أنبياء عبر الزمن .. وسافر سيفنا من القرن الواحد والعشرين ووصل الى القرن السادس للميلاد ليستقر في قلب نبينا..ووصلت رصاصات ثوارنا المسلمين من زمننا الرديء الى زمن الصحابة واخترقت صدورهم ..فماذا بقي لنا من اسلامنا سوى سقيفة وجمل و ...قرضاوي؟ وماذا بقي لنا من استقلالنا الوطني سوى قاعدة عيديد ومجلس عسكري ومجلس وطني وأبراج دبي العبثية؟؟ .
أمام كل هذا الألم أحس بالفخر الشديد أنني انتمي لعاصمة أمسك بها الاسلام والعروبة هذه الأيام لائذين مستجيرين هاربين من قطاع الطرق ..دمشق صارت هي خيمة أم معبد .. ودمشق الآن هي المدينة .. وهي الأوس والخزرج ..وفيها ستستريح راحلة المهاجر الذي تلاحقه سيوف الناتو ..بوصول المهاجر الى مدينته سيكون هناك بدر وسيموت ابو جهل ..سيكون لدينا "اسلام بلا قرضاوي" ..
أحس أن الخير كله قد انبرى للشر كله في قادم الأيام على أرض بلد اسمه سوريا...كم أحس أنني سأمسك ببلدي بالأسنان والنواجذ .. وكم أنا مستعد لهذه الهارماجيدون التي أرادوها..
ان الانتصار الذي أحرزناه بامساكنا بببلدنا وصونه من هذه العاصفة يفرض علينا الانتقال الى المرحلة الثانية ..فالبقاء في الحصون لم يعد مجديا ..هو حصار ولايكسر الحصار الا الخروج من القلاع ..المعركة داخل القلعة حسمت ..وجاء الآن وقت لأن نسرج الخيول ..
اننا مدعوون جميعا لأن نصبح شركاء في قتل أبي لهب ..ماأجمل هذا الشرق وماأبهاه من دون أبي لهب..أما آن لنا أن نعلن شعارنا ونبدأ العمل لانجاز مشروع "اسلام بلا قرضاوي" ..و"اسلام بلا ناتو" ...و"اسلام بلا ثقوب"؟؟
ولنقل الأسماء بمسمياتها ..عندما تمطر في تل أبيب تحمل المعارضات العربية المظلات ويتبلل الاسلام الجديد.. ان ذيل المعارضات العربية (وخاصة السورية) وذيل الاسلام الجديد مربوطان في تل ابيب .. كما أن خصيتي المعارضة السورية في تل ابيب تحديدا ....ولن تسكت هذه المعارضات الا بالضغط على الذيل في مربطه وعلى الخصيتين ..في تل أبيب .. أوجعوا تل أبيب تصرخ المعارضات العربية وبالذات السورية ..أسكتوا تل ابيب وألقموها حجرا تخرس المعارضات العربية ويصرخ برنار هنري ليفي متوسلا ..ويتوقف مشروعه الجهنمي..ولاتأخذوني الى تصريحات فلان وعلان عن أمن اسرائيل ..هذه لعبة سخيفة لم تعد تمر علينا وتدوير للمعاني .. ونحن نعني مانقول..
هل سمعتم بمصطلح جديد اسمه "طحن عظام الجيش الاسرائيلي"؟ ان طحن عظام هذا الجيش سيطحن معه مصنع الفتاوى في قطر وستسقط عمامة القرضاوي ..وكما نظف صلاح الدين بيده المسجد الأقصى من بقايا روث خيول الفرنجة الذين استعملوه كالاسطبل ..فان الاسلام كله ملوث بروث القرضاوي وحمد و "أبو متعب" وأردوغان والاسلاميين الجدد مواليد الناتو وأبناء هيلاري ..وآن الأوان للمكانس أن تنظف هذا الشرق..وأن يبدأ من عندنا مشروع فتح "مكة" وأن تبدأ مرحلة الاستقلال العربية الثانية..
قطاع غزة "السوري".. العين بالعين.. والكاتيوشا بالكاتيوشا
لم يعد لدي أدنى شك أن معنويات الناس قد ارتاحت نسبيا وأن الروع قد هدأ الى حد كبير بالرغم من استمرار معسكر الشر بقيادة قطر على مواصلة ارهاق الناس بنقلهم من قلق الى آخر .. وبرغم أن الجزيرة تواصل الحديث عن انهيار سوريا وتنقلنا من مرحلة التدخل التركي الى مجلس الأمن الى تدخل الناتو الى ثرثرات الجامعة العربية ..وصلت الى هذه القناعة الراسخة بتجاوز الناس لمرحلة القلق الكبير الى القلق الصغير بعد أن لفتني كيف تغير الناس بشكل ايجابي ..ففي الأسابيع الأولى للأزمة السورية كنت حيثما حللت والى أي شخص تحدثت يبادرني الناس لسؤالي عن توقعاتي للأزمة وكان السؤال الذي يتكرر ملحاحا هو: هل صحيح أن النظام سيسقط؟ والى متى يمكن أن يصمد النظام؟ هل ستدخل تركيا وكيف ومتى؟ هل سيتدخل الناتو ومتى؟ متى سينقلب الروس؟؟ كنت أطمئن الناس وأؤكد لهم ان هناك محاولة لاسقاط النظام عبر دفع معنويات الناس للانهيار نفسيا ..ولكن مهمتي كانت صعبة في الحقيقة في وجه الجزيرة ووجه تنسيق اعلامي واسع الطيف انطلق في ساعة الصفر المقررة ..
كان الناس يسألونني بحكم متابعتي للأحداث السياسية وبحكم معرفتي ببعض الاصدقاء الغربيين العاملين في "الشأن السياسي" من باب المعارضة بالنشاط السلمي لسياسات الأحزاب الغربية المحكومة بلوبيات ومصالح الشركات .. وهؤلاء الأصدقاء الذين واظبت على الاتصال بهم كل هذه السنوات ومتابعة نشاطاتهم، لهم اتصالات مع مراكز دراسات غربية استراتيجية مرموقة .. وهم بالطبع ليسوا من النظام السوري .. وقد جمعتني بهم صداقة سنوات بدأت بصدفة غريبة سأتحدث عنها يوما ما.. وكان توطد الصداقة بيننا عندما خرجنا معا في مظاهرات في مدننا الأوروبية احتجاجا على عملية التحضير لغزو العراق بل اننا سافرنا معا من فرنسا الى لندن لحضور أكبر مظاهرة رافضة للحرب في تاريخ بريطانيا كان أبرز قادتها عمدة لندن كين ليفينغستون والقس الأميريكي جيسي جاكسون .. ودعوني أكثر من مرة لحضور لقاءات مع نشطاء غربيين ضد الحرب كان من بينهم النائب البريطاني المعروف جورج غالاوي الذي قال لنا بعد سقوط بغداد: لاتيأسوا ..ونصيحتي لكم ألا تقللوا من شأن الأحرار العراقيين وماقد يفعلوه لتحرير بلدهم..انتظروا وسترون العراقيين الحقيقيين ..!!
أصدقائي الغربيون هم الذين كانوا أول من قالوا لي عام 2000 ان هنالك اتجاها غربيا (أمريكيا تحديدا) لانهاء ملف صدام حسين..وأنهم يستشفون أن العراق قادم على تغيير وشيك باجتياح غربي .. فكان اجتياح العراق عام 2003 (الذي تأخر بسبب أحداث سبتمبر عام 2001) .. وهم الذين قالوا لي عام 2004 ان عاصفة قادمة على سوريا كما تشير مصادرهم والدراسات التي اطلعوا عليها والترجيحات كانت أن العاصفة قادمة من الشرق عبر تحرك أمريكي .. لكن العاصفة حدثت من بيروت وكانت بخروج سوريا العاصف من لبنان عام 2005.. وفوجئت أنهم توقعوا صمود حزب الله في حرب تموز في لبنان ولم يفاجئهم ذلك (ولاأزال أحتفظ برسائلهم الي مع بداية حرب عام 2006) .. ورغم أن أحداث تونس فاجأتهم وكذلك ليبيا الا أنهم توقعوا أحداث مصر قبل ذلكهؤلاء الناشطون والمهتمون بأحداث الشرق الأوسط هم الآن أنفسهم الذين قالوا لي قبل الأحداث السورية بشهر كامل: اننا سنكون مندهشين لعدم وجود تحرك سوري لأن مالدينا من معطيات يقول بان هناك شيئا على الطاولة ينتظر صافرة الاطلاق منذ فترة ..وقد استغربت هذه النبوءة ولكنهم لفتوا نظري الى ملاحظة أن الاعلام الغربي أكثر من طرح السؤال ان كانت سوريا محصنة، وتكرر سؤال الرئيس الأسد نفسه عن هذا الاحتمال من عدة جهات .. ولم يسأل السؤال لأي حاكم خليجي أو حتى ملك الأردن أو المغرب رغم كل فظائع الفساد واللاديمقراطية واللاعدالة وموت الحريات في هذه الدول التي يفترض منطقيا أن هذه القضايا ستكون وقود اي تحرك احتجاجي..
ومع بداية الأحداث في سوريا وصلتني التفاصيل الباقية عبر مجموعة الأصدقاء الناشطين الغربيين من ان مايحدث في سوريا الآن هو غالبا شيء مدروس لاحداث تشقق في المجتمع ينتهي الى تدمير ذاتي وتآكل الأسس الرئيسية للدولة السورية الحديثة .. وأزعم أن بعضا من هذه التفاصيل قد وصل الى القيادة السورية بطريقة ما.. وفي التفاصيل عرفت أنه لايوجد هناك أي احتمال لأي تدخل خارجي ..وكانت النصيحة بالاسترخاء وبتجاهل كل الصراخ الاعلامي عن تدخل خارجي (لأسباب كثيرة لاداعي لشرحها).. ولكن مع تركيز شديد الانتباه على معالجة الوضع الداخلي ..لأن الهدف هو قتل سوريا بالسم وليس بسيف الناتو..سم التفكك والانحلال ..واشارت التفاصيل التي اطلعت عليها الى الغاية من طرح خريطة سوريا مابعد التقسيم وفيها تمتد الدولة العلوية كالاسفين الى مابعد الصحراء في حمص لتفصل الدولتين السنيتين في دمشق وحلب ان أمكن ..الدناءة في الخريطة في أقصى حدودها بحيث حتى السنة السوريون يجب أن يكونوا سنة الشمال وسنة الجنوب..وليس في دولة سنية واحدة ربما تكون الدولة السنية الشمالية ملحقة بنفوذ تركيا كهدية ترضية ومكافأة (كلواء اسكندرون آخر) وبهذا تموت حتى قضية لواء اسكندرون الى الأبد..
وقد أرسل لي أحد هؤلاء الناشطين (وهو ناشط حقيقي وليس كناشطي الراحل وضاح خنفر) منذ شهر أيار (بعد 6 أسابيع على الأحداث) رسالة فيها مقاطع مما قاله البروفيسور مايكل تشوسودوفسكي الأستاذ في جامعة أوتاوا على بدايات الأحداث والعنف في سوريا اذ قال تشوسودوفسكي موصفا الحقائق بشكل مذهل: ماهو واضح من التقارير الأولية المتاحة أن هناك كثيرا من المتظاهرين لم يكونوا متظاهرين بل ارهابيين تورطوا بالقتل العمد عن سابق الاصرار ..أما النزاع الأساسي كما يرى تشوسودوفسكي فتجلى بقوله: من خلال كل المظاهر التي انبثقت عن النزاع صار من المرجح وجود دعم سري "لارهابيين اسلاميين" من قبل الموساد والمخابرات الغربية ..المصادر الحكومية الغربية تشير الى دور المجموعات السلفية الأصولية (المدعومة اسرائيليا) وبعض التقارير تشير الى دور المملكة السعودية عبر تمويل حركة الاحتجاج..
ويقول تشوسودوفسكي مامعناه بأن التنظيمات الاسلامية الاصولية صارت أحد الأسلحة الأمريكية خلافا لما يعتقد من أنها تخوض معها صراعا .. بل يشرح تشوسودوفسكي ذلك ويقول: لمراجعة ذلك لاحظوا.. منذ الحرب السوفييتية الأفغانية لجأت وكالات المخابرات الغربية وكذلك الموساد لاستعمال التنظيمات الأصولية الارهابية الاسلامية (والذي يشكل الآن ما يسمى جوهر ورأس المال الاستخباري في الاحتجاجات السورية) وقد قامت كل من واشنطن والحليف البريطاني بتأمين دعم سري للارهابيين الاسلاميين في أفغانستان والبوسنة وكوسوفو وليبيا ..و ..الخ .. كطريقة اطلاق للصدام العرقي والعنف المذهبي وعدم الاستقرار السياسي في هذه المناطق ..اذا الغاية الرئيسية من حركة الاحتجاجات السورية من خلال الأكاذيب والفبركات الاعلامية هي خلق انشقاقات ضخمة داخل المجتمع السوري ولتبرير تدخل "انساني" محتمل
وبعث لي هؤلاء الأصدقاء الناشطون مايؤيد ذلك عبر ماقاله جيريمي سولت وهو أستاذ مساعد في "تاريخ سياسات الشرق الأوسط" في جامعة بيلكيت في (أنقرة) اذ قال منذ أسابيع قليلة:
المجموعات المسلحة في سوريا مجهزة عسكريا بشكل جيد ومنظمة بشكل ممتاز .. شحنات ضخمة من السلاح تم تهريبها لسوريا من لبنان وتركيا تتضمن بنادق بومباكشن وكلاشينكوف وقاذفات ر ب ج وقنابل يدوية اسرائيلية وأعداد لاتحصى من أجهزة التفجير ..وليس معروفا على وجه الدقة من يقوم بعملية التزويد بالسلاح لكن بالتأكيد هناك شخص (جهة) يدفع الكلفة
المعلومات التي وصلتني من أصدقائي شرحت بعض السيناريوهات التي كانت مطروحة والمتعلقة بطريقة التدخل الدولي ..التدخل الذي كان محتملا وكان أكثر هذه السيناريوهات غرابة واثارة للدهشة يشير الى أن التدخل الغربي لن يكون تورطا مباشرا على غرار ليبيا (السهلة عسكريا) بل عن طريق خلق منطقة محمية دوليا تشكل مايشبه "قطاع غزة سوري" بحكم شبه ذاتي لاتملك أي دولة في العالم حق التحكم به حتى تركيا أو الأردن كيلا تكون هناك فرصة للتراجع عنه .. وكانت بانياس المدينة البحرية باقتراح عبد الحليم خدام هي أفضل بقعة لذلك لتتدفق عليها مساعدات وقطع بحرية وتتمتع باستقلال عن أية جهة ..ومن هنا قد يفهم لماذا أعلن الاعلامي اللبناني رفيق نصرالله شعار "خلصت" بعد الحسم في بانياس تحديدا ..(لكن جسر لشغور وحماة واللاذقية طرحت كبدائل أقل مثالية بعد انهيار الخطة الرئيسية في بانياس) ..
وقد اقتضت الخطة في ذلك السيناريو تسليح "قطاع غزة السوري" في بانياس للانطلاق بعمليات في الداخل السوري استنزافية الطابع تبقى بؤرة لعدة سنوات عبر نفس تكتيك حماس حتى بالأنفاق بحيث تجتذب وتمتص جهود الدولة والمجتمع وتكون يوما منطلقا لأي عملية ناتو.. ولكنها ستكون مكانا يقايض عليه الغرب لاخراس حماس والجهاد في غزة أوحزب الله في لبنان..وتكون سببا في تهجير المسيحيين السوريين الى لبنان عبر عمليات تستهدفهم لاضافة ثقل مسيحي الى الدولة اللبنانية بعد تراجع التفوق المسيحي السكاني الذي كان في فترة الاستقلال في لبنان .. وهو ماتبين أنه سبب زيارة أحد المسؤولين الأمريكيين لمنطقة مخيمات مفترضة في لبنان لاستيعاب النازحين المسيحيين قبل ضمهم الى الدولة اللبنانية ذات الأكثرية المسيحية خلال سنوات.. وسيكون احجام دمشق عن لجم حماس وحزب الله سببا لاطلاق دولة الحكم الذاتي المرتقبة من عقالها حيث ستكون منطقة تجمع المقاتلين الاسلاميين العرب الذين سيتوافدون بالآلاف أيضا تحت تأثير الجزيرة التي ستدعو عبر القرضاوي الى نصرة "اخواننا المجاهدين السوريين" ..وستكون العين بالعين، والسن بالسن، والكاتيوشا بالكاتيوشا..
وبمعنى أدق ستنتقل القاعدة المدجنة أمريكيا من أفغانستان قبل الخروج الأمريكي المفترض عام 2014 الى أمارتها الجديدة والتي ستوجه طاقاتها لاحراز انتصارات على دول الممانعة بدل انشغال أميريكا بها.. بل وستغير القاعدة نظرتها لأميريكا لأن صراعها سيكون مع أنظمة حكم لاأحد ينصرها فيها الا الغرب ودول الاعتدال .. وبكلمة أخرى ستتم اعادة الأصوليات الاسلامية الى الحظيرة الأمريكية بعد أن أطلقها بن لادن خارج تلك الحظيرة ..وكان مقتله ايذانا بتلك العودة .. أي ستتم اعادة التطرف الاسلامي الى الزمن الذي كان عندما وجد الاسلاميون في الحضن الأمريكي راعيا لتطلعاتهم في تحرير بلد اسلامي كان في الماضي أفغانستان "الشيوعية" واليوم سيكون سوريا وايران "الشيعية" وستعمل الولايات المتحدة على أن يتم قتل الظواهري كآخر رمز للعداء بين الأصوليات الاسلامية وأميريكا وسيبذل جهد كبير لتصوير أن مقتله تورطت فيه قوى شيعية أفغانية موالية لايران .. وستتشكل على يد المخابرات الغربية مايسمى "قوات صحوة القاعدة" على (غرار صحوات العراق) والتي ستكون صحوتها في نقل الصراع من صراع مع الغرب الى مرحلة التمذهب والصراع مع الاسلام نفسه "الشيعي أو الاسلام المعتدل الوطني" ..
ومن هنا يفهم الآن سبب اصرار التنسيقيات السورية واعلام الثورة السورية على الزج باسم حزب الله وايران في قمع الاحتجاجات السورية وفبركة الفيديوهات عن خلايا معتقلة تعترف أنها من حزب الله وليس من حماس أو الجهاد أو أية جهة سنية شديدة الولاء للحكم السوري .. بل ان بشار الجعفري ممثل سوريا في الأمم المتحدة صار ينسب الى أصول "فارسية" تآمرت على الثورة وأقنعت الروس والصينيين بغض النظر عن ذبح السنة السوريين .
ووفق هذا السيناريو الرهيب تتخلص أميريكا والغرب من الأصوليين الاسلاميين ودول الممانعة في تطاحنهما من أجل (الحكم)..الذي سيعمل الغرب على ابقائه الى أطول أجل طالما أنه بؤرة أخرى لموفديه ووسطائه وحقوقييه ولجان اغاثته ووساطاته .. علاوة على أنه جرح نازف في الجسد الشرقي لايتوقف يضعف ماتبقى من هذا الشرق..
في آخر اتصالاتي مع مجموعة الناشطين الغربيين والمهتمين بالشرق الأوسط لمست أنهم لديهم كل المعطيات للارتياح في الشأن السوري بعد انحراف الخطة المحكمة .. وكما قالوا فقد كان للمخابرات الروسية دور في احباطها عبر الكشف عنها وتقديم كل المعلومات الملتقطة وخاصة في تحركات بانياس عبر أقمار التجسس والاتصالات للمخابرات السورية، ولو أن أحدهم أسرّ لي بأنه فوجئ تماما بحجم العنف الذي استدرج اليه مجتمع عاش نعمة الاستقرار والسلام 50 عاما ..وفوجئ بان يفرز المجتمع السوري هذه الآلاف من حملة السلاح ..ويعتقد ان كثيرين منهم كانوا عمالا في لبنان وتركيا وأن وجودهم في هذين البلدين كان فيه ربما تدريب عسكري من نوع ما حتى ظهروا بهذه الفعالية العسكرية ..وهذا العنف الذي فاجأ الجميع..
اليوم، تراجع منسوب القلق لدى الناس عن صمود النظام .. وانهار التساؤل عن امكانية سقوط الحكم الحالي في سوريا مما يفسر اصرار مثرثري المعارضة على التبشير بشكل هستيري سخيف بأن النظام انتهى أو سينتهي ..وغاب تأثير الجزيرة بشكل غريب .. وفيما كنا نمضي 100% من أوقاتنا نتحدث بالأحداث السورية وومفاجآتها فان الحديث عن الشؤون الشخصية بدأ يعود للسهرات وجلسات الأصدقاء..وبدأت وطأة القلق تتراجع بين الناس وصارت الأمسيات خليطا عن الشأن العام السوري وأحاديث الهوامش والخصوصيات .. بالطبع هذا مزاج عام وربما كان الوضع مختلفا قليلا في البؤر الباقية للأحداث كما في حمص مثلا وبعض ريف دمشق . ولذلك لم تحدث ثرثرات القرضاوي هذه الأيام اهتزازا في المجتمع كما فعلت مفاجأته لنا بفتوى (ومالو) لكنها حركت الغضب أكثر بين الناس من هذا الرجل الذي صار يتحدث الى الناس والمؤمنين كما لو كان نبيا يأمر وينهى .. ويقتل من يقتل حتى ولو تعلق بأستار الكعبة.. وصار القرضاوي مثالا بارزا على المنافقين الذين دخلوا الاسلام وسماهم النبي (ص) بالمؤلفة قلوبهم الذين يبالغون في اظهار الورع ليكسبوا من الدنيا الفانية ..
لكن بالطبع دخلت أسئلة كثيرة الى حياتناعن مجاهيل كثيرة وضعتها أمامنا هذه الأزمة ..وهي أين اخطأنا ..ولماذا أخطأنا ؟ ولماذا تركيا وقطر تتسللان الينا خلسة دون انتباه منا؟ اين هي مراكز الأبحاث السياسية الوطنية التي يجب أن تدرس كل بلد حولنا وتنصح بمدى مسافة التقارب؟ وكيف جهلنا المؤامرة؟ وكيف سنتجه الآن؟ ..وكيف ستتغير علاقة الدولة بالناس؟ ..ماهو الشكل الجديد للنظام الجديد الذي ولدته الأزمة؟ من أين نبدأ؟؟ هل هي الجمهورية الثانية أم الثالثة؟ ماهو مصير الحركة الدينية وماهو مصير قادة المجلس السوري الانتقالي اذا ماتمت صفقة "كما يشاع"؟ ..
أسرار ومشاحنات من قلب المجلس السوري الانتقالي
همس لي أحد المعارضين السوريين ببعض الأسرار الصغيرة والمشاحنات في المجلس الانتقالي السوري ..هذا المعارض يصنف نفسه على أنه "منشق صامت" ومرتد حديثا عن المعارضة ومن الذين لايزالون في الظل ولكن لهم بعض القنوات مع بعض أعضاء المجلس الانتقالي السوري ....فقال هذا المعارض :
هناك حديث يتردد ان برهان غليون أبدى تراخيا في مهماته وتراجع حماسه لسبب ما .. مما أزعج القطريين فاستفسروا عن ذلك عن طريق تكليف "طرطورهم" عزمي بشارة بالتحقق على أساس ان عزمي مثقف ويفهم عليه برهان المثقف، وقد اعاد عزمي التعبير عن عدم ارتياحه لاختيار غليون وأنه دائما مخيب للآمال لكن عزمي قبل تنفيذ المهمة.. ويقال ان غليون منزعج لان القطريين وهم الداعمون الرئيسيون له لم يعترفوا بالمجلس السوري الانتقالي حتى الآن رغم أهمية هذه الخطوة معنويا.. وتركوا العملية لمجلس انتقالي ليبيا ليعترف بغليون ورفاقه ..وغليون أبلغ القطريين أنه لايفهم سبب تردد قطر في هذا الشأن رغم أنها لم تعد تجامل النظام السوري ..وبرهان أيضا يعرف أن قرار المجلس الانتقالي الليبي بالاعتراف به وبمجلسه لايقدم ولايؤخر وأنه أوامر غربية للمجلس الليبي دون أدنى شك ..وتساءل ساخرا ان كان القطريون والأتراك أيضا بانتظار أوامر غربية..!!
برهان غليون أيضا لاحظ أن تركيا نفسها مترددة في الاعتراف بالمجلس رغم أنها الرحم الذي حبل به بل ان المجلس ألقي به الى فرنسا ساركوزي للعناية به .. وبدأ أنف غليون يتشمم رائحة صفقة ..وقد عبّر لعزمي بشارة عن عدم ارتياحه ومخاوفه من أن القاء العبء على ساركوزي فيه مغامرة وقلة حصافة أو أنه مقصود .. لأن ساركوزي راحل وفق المعطيات في الانتخابات القادمة خلال عام ..وقد يكون لرحيله نفس تأثير رحيل شيراك على سعد الحريري ..فساركوزي صالح السوريين بعد شيراك .. وبعد ساركوزي سيصالح الرئيس الفرنسي القادم السوريين ..وسيدفع المجلس الانتقالي السوري وبرهان ثمنا باهظا..
وقد وصل بعض سوء التفاهم الى حد أن القطريين أرسلوا له من يقول انهم لاحظوا أن غليون صار يتصرف وكأنه حصل على الملايين العشرين وأنه يعتبر أنه أنهى مهمته بذلك..فكان رد غليون غاضبا بأنه سيرد الملايين العشرين ويستقيل وينزوي معتكفا وسيغفر أنصاره له هذا التراجع كما قال اذا ماعرف السوريون أن مجلسهم يبتز ويباع ويشرى ..لكن رسالة ذات معنى بليغ أسكتت غليون وبلغ دخان (غليونه الحانق) وصمت تماما .. ومفاد الرسالة أنه من الحصافة الا يتراجع الآن لأنه يقينا مستهدف بالاغتيال من قبل المخابرات السورية التي صارت قريبة منه..وقد فهم غليون الرسالة تماما وهو أنه قد تتم تصفيته اذا ماقام بهذه الخطوة وسيلقى اللوم علي المخابرات السورية..
المعارض الذي همس لي بهذه الأخبار قال: هل تصدق أن البعض صار يعتقد ان رفع اسم غليون بسرعة كرئيس مجلس انتقالي قد يكون لاستعماله "كرفيق حريري" سوري .. أي لينسف بطريقة غامضة .. وتتهم سوريا ..ومن جديد تحقيق دولي وشهود زور ومحكمة دولية وميليس آخر وصدّيق آخر ..وبلمار وبقية القصة التي لاتنتهي بالطبع ..
اني أعترف..
لو سئلت: أي اللحظات أحب الى قلبك؟ لقلت انها لحظات الاعتراف والاقرار بما لم أكن أجرؤ على قوله لنفسي في الماضي ولحظة ادراك مالم أدركه فيما مضى من عمري .. ولو سئلت: أي اللحظات هي الأقسى في حياتك؟ لقلت على الفور: أنها لحظة ادراك أنني لم أعترف بما كنت أعرف حين كان يجب أن أعترف.. وقد عشت كلتا اللحظتين في آن معا أثناء الأزمة السورية والربيع العربي ككل..
اني أعترف أنني لم أدرك حجم الكارثة التي وصلنا اليها ..ولم تدرك عيناي ضوء الحقيقة الذي سطع حتى زاغ بصري..
لاتستعجلوا ياأصدقائي قراءتي .. ولاتستعجلوا استجوابي ..لأن ماأعنيه ليس انقلابا على ماقلت طوال الأشهر الماضية بل هو امعان في موقفي القديم .. موقف لاأبيع فيه ولاأشتري
لن أعبأ بمن سيستهجن ماسأقول، ولن أكترث بمن سيرخي عليّ تهم العمالة والاندساس للنظام ويسترسل في استنتاج أنني أدافع عن القيد والسلاسل ..ومن هنا سأهزّ اصبعي متحديا في وجه أولئك اللاعنين والساخطين لما سأقول .. وسأقول بملء صوتي:
ان سلوك الثورات هو الانعكاس الحقيقي لما يخفيه المجتمع في ثناياه من أسرار تطوره او انتكاساته .. فسلوك الثورة هو اما انعكاس لأزمة المجتمع السوداء .. أو هو انعكاس لانبثاق طاقاته النبيلة وانبعاث الخير من البؤس ..وليس سلوك السطة ولاسلوك الديكتاتوريات هو الذي يعكس أزمة المجتمع لأن سلوكها يعكس أزماتها هي .. كما أن شكل المعارضة هو الذي يحدد أزمة المجتمع وليس شكل السلطة هو الذي يحدد أزمة المجتمع ..لأن السلطة تعكس حالها كمساحة ضيقة من مجتمع عندما تكون متسلطة ديكتاتورية فيما المعارضة التي تدّعي "الثورية" تعكس حال مجتمع كامل واسع بقواه الرئيسية وقيمه وأخلاقياته ومعادلاته..
اني أعترف..نعم اني أعترف
أعترف انني لست مذهولا من هشاشة الحزب أو الأحزاب الحاكمة وكوادرها بل مصدوم من أن المعارضة ظهرت أكثر هشاشة.. وأن ضمور الحياة السياسية في بلداننا كانت بسبب هلامية وهزال المعارضات التي تذرعت بالقمع .. وأشاحت بوجهها خوفا من اكتشاف الحقيقة في عيونها.. المعارضات التي ظلت مهاجرة في المنافي عقودا لم تتعلم في تلك المنافي كيف تخاطب الناس وكيف تخاطب العقل ..بل تعلمت كيف تخاطب الغرائز ..وتعلمت أن تطيع من لايطاع..
اني أعترف ..انني عشت في وطن لايقرأ، والمعارضة الواعية لاتنمو في وطن لايقرأ .. ولكن مهلاً، ليس النظام من منعنا من القراءة !!.. فأنا قرأت كل النشرات السرية والكتب المعارضة عندما أردت، وكانت متاحة رغم انف كل جنرالات الأمن..لكني عندما قرأت كتب التنوير والتحديات الكبرى كان المجتمع ومثقفوه كلهم يتحولون الى رجال بوليس وضباط أمن يقتادونني الى زنزانة النبذ والاقصاء والسخرية والتعنيف
واني أعترف ..أنني عشت في وطن كنت أمرّ فيه على المكتبات فلم أجد على بواباتها رجل أمن ولارجل بوليس ولم يسجل أحد رقم بطاقتي ونوع الكتاب الذي سأختار .. ولكني ايضا لم أجد فيها زوارا ولاقراء الا من أتوا ليقرؤوا كتب الطب النبوي وتفسير الأحلام..
واني أعترف أنني عشت في وطن فيه أستاذ الجامعة -ان كان معارضا صامتا أو مؤيدا مجاهرا- فانه لايقرأ .. ورفوف مكتبته نظيفة من الكتب الا كتب الأدعية أو كتب "الحزب" ونشرات الدعاية للمنتجات الغربية .. صامت في المؤتمرات العلمية لكنه يخوض في نقاش عن الصحابة وأهل البيت كشيخ فقيه
وأنا أعترف أنني عشت في الغرب سنوات ولم يسألني مكتب فرع المخابرات الخارجي في سوريا عما قرأت ..ولكني رأيت الجاليات العربية غارقة في كل شيء في الغرب.. كل شيء ..الا الثقافة
وأنا أعترف أنني عشت في وطن يهاجر استاذ جامعي ومفكر الى الغرب ليصبح استاذا في السوربون ليكتب عن (اغتيال العقل) لا ليوقف اغتيال العقل الذي اكتشفه بل ليقود عملية اعدام العقل بنفسه وليعترف أن أقصى ماتمناه هو أن يكون بيده سلطة ويخرج مالديه من عقد الزعامة كرئيس مجلس وطني ..انتقالي..ورشوة من أمير جاهل قطري
أنا لاأستطيع تبرئة سلطة من مسؤولياتها عن أزمات مجتمع اذا مااتهمت بالديكتاتورية .. وهناك أزمة مجتمع في سوريا للسلطة دور ما فيها بسبب تآكل عمليات التطوير المؤسساتي التي ربما تسبب بها الافراط في التركيز على الشأن الخارجي ...ولكن أليس من المفروض أن تعبّر ثورة على الديكتاتورية عن حالة مناقضة تماما، وأن تتصرف على أنها تحل أزمات المجتمع التي خلقها سلوك الديكتاتورية؟؟
انني لاأقبل الثورات فورا لأنها ثورات .. وكما يطلب الثوار محاكمة سلوك الديكتاتوريات واخفاقاتها فليس منطقيا ترك الثورات الناهضة دون محاكمة أيضا .. فالثورات ليست آلهة طاهرة دائما.. كما أن الثورات ككل الاشياء في الحياة قد تكون على صواب وقد تكون على خطأ.. وهي تشبه في حياتنا أشخاصا تجمعنا بهم ظروف خاصة وسيكون من الخطأ قبول صداقتهم وصدقيتهم وتناسبهم مع قيمنا من اللقاء الأول .. كما هو ربما من الخطأ "الوقوع في الحب من النظرة الأولى" والزواج من امرأة نلتقيها أول مرة ترتدي ثيابا مثيرة وتتعطر فيما لانعرف أمها ولاأباها ولا من أين أتت.. لذلك من الخطأ الوقوع في حب الثورة من "المظاهرة" الأولى ..والبيانات الأولى..
الثورة الحقيقية كفعل نافر كنصل السيف الساخن، وكعناق الأخلاق مع الأخلاق، والنبل مع النبل، هي وحدها التي تحمل روح المجتمع الحقيقية التي حجبتها الديكتاتوريات وغطتها ..والثورة هي اندفاع المشاعر النبيلة العارمة في المجتمع كاندفاع مياه بحيرة حبيسة خلف سدود الديكتاتورية نحو عناق الأرض العطشى ...وكاندلاع النار الوهاجة في برد الصقيع ضد حالة غير طبيعية من جفاف المشاعر وتبلدها وتجمدها في مجتمع النفاق الطاغي
طوال الأشهر الماضية سمعت المطولات المدبجة والشروح الوافيات والمؤثرات السمعية والبصرية و"العزمية" و "البرهانية" و "المناعية" و "المالحة" ..واستمعت لآلاف التقارير وأصغيت السمع لآلاف المقابلات وقرأت ملايين الكلمات عبر مئات المواقع والجرائد .. فهناك جحافل من الكتاب لأن من يكتب صار أكثر عددا ممن يقرأ .. ومع هذا لم تستطع الثورة السورية هز شعرة واحدة من مفرقي ولاأن تستميل خلية واحدة من الخلايا التي تفكر في دماغي ..ولاأن تهز وردة بيضاء واحدة مزروعة في ضميري .. وماكتب عن الثورة كان حقولا واسعة من ورود سود ..ووحده خطاب الرئيس الأسد الذي كان عقلانيا، استمالني وأقنعني واستنهض همتي ووطنيتي..فقررت الوقوف في معسكره الكبير..
فالكل كان يدور في نقاشه حول مجموعة نقاط مكررة وهي الحرية من حكم الحزب الواحد وانطلاق الحياة السياسية وحكم العائلة والفرد والفساد وكرامة المواطن .. وبالطبع يتم تحميل هذه النقاط ببعض المصطلحات مثل مصطلح 40 عاما والمخابرات والحلول الأمنية ..الخ .. وهذه شظايا حقائق.. ولكن الثورة أخفت عنا الحقيقة الكبرى التي بدت كعصا موسى .. أفعى عملاقة تبلع كل الحقائق الصغيرة ..والحقيقة الكبرى لاتظهر الا عندما نأخذ هذه الثورة الى محكمة الجنايات ونستجوبها .. دون تحامل عليها..
في محاكمة سلوك الثورة وحقائقها نجد أن الثورة السورية تصرفت بنفس منطق الديكتاتوريات دون أدنى فرق..ولم تقدم نموذجا يباهي به الانسان فقد صمتت عن القتل والتعذيب وظهر لها شبيحتها ومفارزها الأمنية وأقبية التعذيب..وجهاز الاعلام الذي يتصرف كالبوق الممجد للثورة وانجازاتها والذي يبرر كل قراراتها دون ذكر بسيط لنقد بنّاء ومراجعة تضفي على سلوكها صفة "العقلانية" الثورية .. ومن يستمع لها لايجد كبير فرق بين خطابات الرفيق سليمان قداح وبين خطابات اعلام الثوار الذي لم ينطق كضمير للشعب
في محاكمة الثورة سنكتشف الكارثة الكبرى في فرز هذا الشكل الفاسد من المنطلقات والأهداف وهذا النمط المتعفن من الخطاب الذي خلا من الشفافية ولجأ للتهويل ..وأسلوب ألف ليلة وليلة ..فترجم ذلك الى انحراف المجتمع الى عنف غير مسبوق ودموية فاجأت الجميع حتى السلطة.. وفتحت أفواهنا وعيوننا دهشة وذهولا..
كارثة الثورة أنها لم تحمل من أزمات المجتمع على ظهرها الا ماهو مأزوم وظهرت الثورة أنها (ستؤزّم المؤزّم ) وأنها بدلا من حمل الأزمات لترحيلها عن المجتمع قامت بانتشال الألغام من مدافنها السحيقة ونشرتها على الأرصفة واستحال الوطن الى حقل ألغام كبير ..وتجلى ذلك في ظلام سلوكها الذي أضفى عليها مسحة من البشاعة والقبح في هذه النداءات والدعوات الطائفية التي تخفت بماكياج وأصباغ ولبست الأقنعة والألبسة التنكرية، لكن ذيل الشيطان كان يظهر من تحت الملابس ..لم تستطع الثورة أن تطفئ الطائفية من روحها..ظهر الذيل الطائفي ليس في النداءات بل في البذاءات من تقديم تمثيليات رخيصة عن تورط حزب الله (كشيعة) في العنف .وتجلى في تمثيليات اقرار أسرى عسكريين بأن الأوامر كانت لقتل السنة تحديدا، وغير ذلك من السلوكيات الصدئة والمتقيحة وذات الرائحة الزنخة التي كان الأجدى بالثورة التنصل منها واعدامها كدسائس تشق الشعب بدل التعامل معها على أن الثورة ستشطر الشعب الى شعبين أو ثلاثة..
ووقعت المعارضة في التناقض السخيف فيما قالت انها لعبة النظام الطائفية.. لأن قادة الصف الأول للثورة أصروا على لاطائفيتها، لكن قيادات الصف الثاني ومايليه أسهبت في حديث الطوائف وتوازناتها التي لم تكن تراها منطقية..وماقالته قيادات الصف الثاني ومالمحت اليه جماهيرها في المساجد بشعاراتها واعترافاتها الجانبية الصريحة هو جوهر الحقيقة ..ويبقى خطاب قيادات الصف الأول المنكر للروح الطائفية صالحا فقط للاستهلاك الاعلامي والانشاء الخطابي ومبدأ "التقية" السياسية...وهو مالايمر على النخب السورية الناضجة الحالمة بوطن بلا طوائف..
مما يدين الثورة في "محاكمتها" في نظر النخب الوطنية ويجعلها مصدر توجس وقلق، هو كثرة الدعم الخارجي ..وهذا يعكس جهل قادة المعارضة بشكل مخجل لطبيعة المواطن السوري الذي ينظر بعين الريبة واللاارتياح الى الغريب عن العائلة السورية والذي تسود فيه ثقافة (أنا واخي على ابن عمي ..وأنا وابن عمي على الغريب) ..فالثورة كانت تريد أن تكون نزاعا بين ابن العم وابن العم في البيت السوري فاذا بالغريب يدخل ليلغي الصراع بين أبناء العمومة عن غير قصد ويكون هو الطرف الرئيسي فيه..وهذا جهل بتاريخ الشخصية السورية القديمة وثقافتها .. فمما يروى أن الغساسنة العرب السوريين "المسيحيين" عندما أرادوا الاختيار في الصراع بين الروم "المسيحيين" وبين أبناء عمومتهم من العرب "المسلمين" في معركة اليرموك ..اختاروا الانحياز في الصراع الى جانب ابن العم في انسجام غريب مع تلك المقولة عن الأخ وابن العم والغريب..وهو مارجح انتصار جيش خالد بن الوليد في اليرموك ..حتى أن الخيال "الميثولوجي" الاسلامي في بلاد الشام أراد أن يشير الى تفسير غريب لمعنى اسم معركة "صفين" بين علي ومعاوية فقال ان الاسم جاء من توحد صفي الجيشين المتحاربين ..جيش علي وجيش معاوية ضد ظهور طلائع لقوات رومية قريبة فتوحد الطرفان المتخاصمان وشكلا صفّين اثنين لملاقاة الروم ومن هنا جاءت تسمية معركة صفّين ..أي من تشكل صفين اثنين (لملاقاة العدو الخارجي الذي سيتدخل) ..صف علي ..وصف معاوية.. !!
والغريب هنا أن الثورة عابت على النظام انسجامه مع طرف خارجي تجلى بايران وقالت شخصيات المعارضة (مثل مأمون الحمصي) صراحة في مقابلاتها انها تريد اخراج الوجود الايراني من سورية وابراز استقلاليتها باخراج الحكم الحالي ..فاذا بقيادات الثورة تريد اخراج الايرانيين لتدخل الأتراك والسعوديين والقطريين والناتو بكل تشكيلاته وفسيفسائة الاوروبية.. ولو كان هذا الطرح بعد أشهر طويله من خسارة الثورة وبعد مجازر يذهب ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين بيد النظام ربما بدا متفهما من قبل البعض لكن هذا الخيار تم طرحه بقوة منذ الأيام الأولى عند انطلاق مؤتمرات المعارضة من تركيا ومن قطر ..وخلال أسابيع تم التلويح بالتدخل العسكري ومنذ سقوط الضحايا المئة الأولى في النزاع عندما فقد أردوغان صبره، رغم أن عدد الضحايا في الأسابيع الأولى كان يمكن ان يسقط في مناوشات جمهور كرة قدم ..ولم يكن هناك مبرر للتسرع بنفاذ الصبر لولا خطة مبيتة..
كان من أهم عيوب الثورة أنها كشفت مراهقتها في تشكيلة المجلس الانتقالي السوري الذي تسرع في التشكل قبل أن تتم عملية غربلة واصطفاء طبيعيين لبقاء الأقوى والأنظف ولاسقاط الغث والضعيف ..والشعوب الثائرة تبحث عن رموز كبيرة .. وظهور أسماء هزيلة ومريبة ألغي قيمة الدعاية على المجلس وأضعفه جدا ولم تجد عملية تسويق برهان غليون الذي بدا لمريديه "وعلا بلا قرون" بين مجموعة من الذئاب..
سأمتلك كل الجرأة لأعترف وأقول: ان الحرية غابت عنا ليس بسبب قمعيات دولنا البوليسية كما يردد فلاسفة الربيع العربي في استانبول والدوحة.. وكما يختصر بعض المثرثرين القصة كلها قبل أن يغط في نوم عميق في المجلس السوري الانتقالي.. بل بسبب فشل نخب المجتمع في انهاضه فكريا وتلكؤها عن الاجتهاد وتوقف نمو المعارضة رغم مبررات نموها القوية والتي انشغلت بكل شيء الا تطوير نفسها طوال عشرات السنين عبر برامج ومنهج منطقي مع أن تواجد رموزها في الغرب بدأ منذ عقود ...فظهر نبتها ..شوكيا مريضا..كشجر الصبار لايستفاء بظله..فتمدد ترهل الحياة السياسية وتمدد الجهل ..وتمدد رجال الأمن..وحيث تتراجع الثقافة والمعرفة يتمدد اثنان (الجهل ورجل الأمن)..
بل لنملك شجاعة الاعتراف بأن ضحالة المعارضة وتقزمها قزّم فعل الثورة لأن المعارضة تعاني الجهل البيّن وممارسة الارتجال فأفرزت ثورة عرجاء عوراء ...الحرية غابت لأن المجتمع لدينا أنتج كل شيء الا الحرية والمعرفة وهذا جلي في فشل العملية التنويرية (الذي أفرز هذا العنف والشيزوفرينيا الاجتماعية الدينية) التي هي من واجب النخب المثقفة المحايدة على الأقل التي لاتأثير لأي نظام عليها ان أرادت النهوض بالتنوير والمعرفة فمعظم تنويريي أوروبا وثوارها كانت منصاتهم في عقر دار الحكومات الملكية القاسية ومحاكم التفتيش..
الشعوب التي لاننتج المعرفة لاتنتج الحرية ..ومن لاينتج المعرفة لاينتج الا العبودية وشكوى العبيد .. نخبنا الفكرية المعارضة التي ظهرت ليست نخبا ...وقد خانتنا وكذبت علينا وخدرتنا بوهم اننا تخلفنا عن العطاء والابداع لأننا مقهورون .......المثقفون الكسالى يلومون الأنظمة.. فقط ليصنعوا معارضة ..فصناعة المعارضة هي أسهل شيء على العربي هذه الأيام..أسهل من صنع المعرفة..
خطبة قس بن ساعدة الايادي.. في المجلس الوطني الانتقالي السوري
كلما قرأت لبعض من يكتبون في صحف العرب على اختلاف ألوانها أدرك أن الثقافة العربية وثوراتها واقعة في الأسر وتعاني من غيبوبة وان زرعنا الفكري والثوري لم يمر عليه نحل ليخصبه بغبار طلع الثقافات، ولم تحركه ريح منذ قرون .. فلم يزهر ولم يثمر .. وأردد في نفسي بأسى نداء شاعر دمشقي (يابلدي الطيب ..يابلدي) .. الفقر في الثقافة جعلنا أمة يتيمة بلا ظهر ولاسند .. لايوجد يتيم على الأرض يستحق الشفقة هذه الأيام كالمواطن العربي الذي لم تعد معاناته في جسده وفي جراحه.. وليست آلامه بسبب سياط الديكتاتوريات على أجسادنا التي قد تتعذب وتألم وتدمى ..وقد تموت..بل بسبب سياط الثورات ولهيب أكاذيبها وسطوة أدعياء الفكر والثقافة الثورية ..وتجار الكلمات..والدم..
مالدينا في جعبتنا الثورية التي سميت المجالس الانتقالية رغم التلميع والتلوين البراق هو شلة من المشعوذين المثقفين الثوريين الذين لايشبهون الا عناصر بلاكووتر الثقافة التي تحاصرنا هذه الأيام ..وهي التي تطلق النار على أرواحنا في كل مكان كما تفعل فرق الموت وقتلة وقناصو بلاكووتر..
يخرج علينا مثقفو البلاكووتر في المجلس السوري الانتقالي من كل أوراق الجرائد ويتربصون بنا تحت العناوين المفخخة وهناك قناصون و"مندسون" -كما في مظاهراتهم - يدسون السم لنا والرصاص ويزرعون أصابع الديناميت في أرواحنا وفي مواقع الانترنت..وهناك مثقفون طيارون يشنون غارات جوية علينا عبر الفضاء وفضائيات ف16 وميراج الجزيرة.. وهناك فرق التمويه الفائق حتى أن أحد الطبالين شتم علنا وبغضب حكومة بريطانيا لاستصدارها قرارا بمنع توقيف مجرمي الحرب الاسرائيليين وقامت باستقبال مجرمة الحرب على غزة المطلوبة –سابقا- للقضاء البريطاني..ولكن هذا الطبال الثائر يكيل المدائح لأمير قطر الذي استقبلها مرارا..وهذا الطبال يثني على بطولة أردوغان في دعم الثوار العرب وكأن أردوغان لم يضع رادارات الاطلسي في أحضانه لحماية اسرائيل ولحماية تسيبي ليفني نفسها اذا ماأعادت اجرامها في غزة..
ماأجمل الانحناء أمام هيبة الحقيقة ..حقيقة أن ثوراتنا خاوية لأنه ليست لدينا نخب عربية مثقفة ممتدة افقيا وعموديا لتقودنا .وماتمدد افقيا وعموديا هو الجهل والطائفية واسرائيل وأميريكا وبقعة زيت واسعة طافية في ماء مجتمعاتنا من الدجالين الثوار .. بل مالدينا في جعباتنا الثورية كتّاب هم سبب مصائبنا كلها لأنهم لايقرؤون بل يكتبون ..ومن لايقرأ لن يكتب الا الخواء .. وأن أقصى مايفعله مثقفونا هو النظر الى مايقوله القطيع ليعيدوا انتاجه.. ولاأكذب عليكم أو على نفسي ان قلت ان المثقف العربي يقوده القطيع ..قطيع الغوغاء
..وليس العكس
ان الظاهرة التي تلفت نظري في ادارة المعارضة لأزمتها وتشد انتباهي كله هو هذه القدرة على اعادة انتاج الأمل من الأكاذيب .. واعادة تدوير المنتجات المستهلكة لاعادة تصنيعها واستهلاكها بطعم آخرونكهة أخرى ولكن .. يا بلدي الطيب، يابلدي ..هذه موهبة التجار وليست خلّة الثوار .. انها ميزة التاجر ونقيصة الثائر .. والثورة ان دخلت في مهارات التجارة، صارت أقرب الى الدعارة ..
ومع هذا فلن أخفي تعاطفي مع ضحايا هذه التجارة البائسة وهم بعض جمهور معارض لايملك من أمره الا أن يصدق ويطيع كالمنوم مغناطيسيا..وان أكثر مايستحق شفقتي وغصتي هم أولئك الذين لايزالون يصدقون مثقفي و ثوار المجلس الانتقالي السوري وانتصاراته القادمة الهادرة وثرثراته النظرية حتى أن أحد الكتاب وعد قراءه بأنه سيسمعهم صوت طقطقة عظام النظام وصوت ارتطامه الهائل المدوّي بالأرض خلال أيام .. لكن أكثر ماعصر قلبي عليهم هو ترديد ماصنعته لهم بيانات المجلس الانتقالي عن مفاجآت وعدتهم بها منذ الأيام الأولى للاحتجاجات ..ولم يصل منها شيء ...من الغضب التركي الى حماسة الناتو للنجدة..الى اخراج الشيطان من عقل بوتين وميدفيديف..
وأستطيع أن أفهم صدمة المعارضين اثر المعركة الفاصلة في مجلس الأمن بعد أن أقنعتهم القيادات المعارضة أن نظام الحكم السوري يعزف لحن النهاية وأن قرار الاعدام سيصدر عن مجلس الأمن .. وكان من المتوقع كأي معارضة تحترم نفسها أن تصارح جمهورها وتكاشفه بالاحباطات وبالواقع السياسي الفولاذي الذي لايمكن تخطيه ..هذا الخطاب الصريح كان سيريح جمهور المعارضة الذي سيعرف أن قياداته مخلصة له وحريصة على اطلاعه على المكاسب والخسائر بأمانة وعلى المشكلات والتشققات التي تواجه مشروع التحرير و"الثورة" ..الصراحة في هذه المواقف والاعتراف تقوية للعزيمة والهمم ..لكن قيادات المعارضات السورية اختارت اسلوبا يشبه أسلوب أطباء القرون الوسطى وهو ضرب المريض بعنف حتى يخرج منه الشيطان .. أي قالت لجمهورها اننا سنواصل الضغط على الروس والصينيين وسنضربهم ضربا مبرحا حتى يغيروا رأيهم ويخرج منهم الشيطان السوري الذي تلبّسهم!!.. وعادت الى ترويج الاوهام من أن روسيا تهدد الرئيس السوري وأنها بدأت تتغير فترقبوا ياأولي الألباب ..وكأن هذه الدول الكبرى تغير مزاجها كما تغير موزة بنت مسند مدير محطة الجزيرة وضاح خنفر..بعد كابوس ليلي يفزعها..وكما يغيّر حمد أباه من أمير الى أسير..في رحلة استجمام..
وتسارع المعارضة الى الاحتفاء بكلمة للرئيس الروسي بأن على الرئيس الأسد تسريع الاصلاح ..السذاجة هنا هي انتقاء مايناسب هوى المعارضة من الكلام الديبلوماسي الروسي الذي لم يغيره الروس منذ بداية الازمة فالروس قالوا منذ البداية: (اننا نريد رؤية اصلاحات في سوريا)، أي أنه كلام آخر لما قالته الرئاسة السورية بالضبط ..فيما الكلام الحقيقي للروس على الأرض كان بالكتابة على الحدود السورية ببطاريات صواريخ اسكندر التي ستلغي قيمة الدرع الصاروخي الأمريكي في تركيا ..والكلام الحقيقي الروسي في الديبلوماسية هو في فيتو لايقبل التأويل بأنه نهاية النقاش ..والسذاجة هنا ايضا أن نعتقد أن الأسرار العسكرية الروسية المنتشرة على الاراضي السورية سيسلمها الروس "لطراطير" المعارضة ومهرجيها ومجموعة "كشاشي الحمام" مع احترامي للحمام وكشاشيه أمام هذه المعارضة التي "تكش على جمهورها الكشات الكبيرة كما نقول في سوريا ..وأكثر المخدوعين بها هو جمهورها نفسه..الذي لايشبه الزوج المخدوع بل الزوج الغبي الذي يرى يرى رجلا في فراش زوجته التي تقنعه أنه كابوس..
فيما لايمل معارضون آخرون "انتقاليون" من اسماعنا صوت مناورات الجيش التركي وقعقعة السلاح على حدودنا ..لكن فات هؤلاء أن أردوغان قد تأخر كثيرا في التهديد (بقطع رأس القط) ليخيف الناس حوله.. ولايذكرني أردوغان الحائر الا بشخصية (بطيحان) في مسلسل بدوي قديم لاينسى عندما ادعى بطيحان أنه فارس لايشق له غبار وأن الصحراء تهتز من ذكر اسمه عندما يقتحم معركة ..ولما داهم قبيلته الغزو صاح صيحت مشهورة وقال: "اليوم يومك يابطيحان.. اليوم يومك يابطيحان" ..ثم طلب من خادمه البدوي أن يحضر له كل بنادقه ليختار أشدها فتكا..ولما حضرت البنادق جعل يمسكها واحدة بعد الأخرى ويختبر قبضتها وتسديدها وهو يغني نشيده الحماسي: اليوم يومك يابطيحان ..ومضى النهار وهو حائر في البندقية التي سيجندل بها الغزاة الى أن أطبقوا عليه...ألا تسمعون معي لحنا جديدا هو: اليوم يومك ياأردوغان..لحن يكرره منذ قافلة الحرية ..حتى اليوم ..ولم يظلمه من سماه "بالحائر الضائع"..
هنا أريد أن أتحدث لجمهور المعارضة وأنا كلي ثقة "ومعلومات" وأعدكم أنني سأكون أكثر صراحة معكم من صراحتي مع نفسي..ورغم كل التجربة السابقة والدلائل العقلية والحسية التي لم تقنعكم لم يبق الا أن أقول لكم ماقال قس بن ساعدة الايادي في خطبته الشهيرة .. (ياأيها الناس .. اسمعوا وعوا) ..عل هذا الخطاب ينفع مابقي فيكم من ثمالة العقل:
يا أيها المعارضون .. اسمعوا وعوا ..وإذا وعيتم فانتفعوا ...إن ما مات بالفيتو مات .. ومن مات فات .. وكل ما هو آت آت ..
أيها المعارضون ..هناك صمود وثبات ..وهناك مطر ونبات ..وأرزاق وأقوات ..وآباء وأمهات ...وأحياء وأموات ..جمع وأشتات وآيات ..وأرض ذات رتاج ...وبحار ذات أمواج ...اني أرى الروس يرفعون الفيتو ولا يرجعون.. أرضوا بالمقام في طرطوس فأقاموا؟..أم تركوا لدينا فناموا؟..
أقسم قسماً لا حانث فيه ولا آثماً .. إن للوطن ديناً هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه .. ونصرا قد حان حينه وأظلّنا أوانه.. فطوبى لمن آمن به فهداه.. وويل لمن خالفه وعصاه
يا معشرالمعارضين .. أين السادات وشاه ايران؟ أين من هان وخان ..وسلم أمره لحمد وأردوغان .. وحرّض العربان والامريكان ..؟ ألم يكونوا أكثر منكم أموالاً ..وأطول منكم آجالاً .. وأبعد منكم آمالاً؟؟ طحنهم الثرى بكلكله .. ومزقهم بتطاوله ..فتلك عظامهم بالية .. وبيوتهم خاوية .. عمرتها الذئاب العاوية..
كلا بل هوالوطن الواحد المعبود ليس والد ولا مولود..
***** ***** ***** ***** *****
وبهذه المناسبة سأقدم هدية الى رئيس المجلس الوطني السوري وأعضائه ..وهي عبارة عن قصيدة بيرم التونسي الشهيرة (المجلس البلدي) والتي أحسبه أراد أن يسميها (المجلس الوطني):
قد أوقع القلبَ في الأشجانِ والحَزَنِ *** هوى حبيبٍ، يُسمّى المجلس الوطني
ما شرّد النومَ عن جفني سوى *** طيف الخيال، خيال المجلس الوطني
كأنّ أمي أبلّ الله تربتها *** أوصت فقالت: أخوك المجلس الوطني
أخشى الزواج، فإنْ يومُ الزواج أتى *** أن ينبري لعروسي المجلس الوطني
وربما وهب الرحمن لي ولدًا *** في بطنها يدّعيه المجلس الوطني
يا بائع الفجل !! بالمليم واحدة *** كم للحصار؟ وكم للمجلس الوطني ؟
عبد الرحمن الراشد لايبيع الوهم السوري.. لأول مرة في حياته
عندما كنا نقول ان المعارضة السورية ليست معارضة وطنية وأنها معارضة الانفعال وان جمهورها ساذج مثل جمهور السينما يصدق الفيلم كما لو كان حقيقيا ويذرف الدموع عليه كان البعض ينظر فينا مشككا..وعندما كنا نقول أنها غير مؤهلة لقيادة معسكر كشافة للأولاد ناهيك عن معادلات الشرق الأوسط المعقدة وتشابكات العالم وتداخلات التاريخ كان البعض يبدو مترددا في قبول هذا الاستنتاج ..لأن القبول به سيفضي الى استنتاج أن المعارضة خسرت المعركة التي يصر بعض أنصارها على أن يصدق أحلام اليقظة وعلى أنها لاتزال تتمتع بالعقل والهدوء ولم تصب بالجنون بعد ..وكان أكثر ما يثير السخرية في هذه المعارضة هو أنها تريد أن ترى الفيلم من النهاية وليس من البداية ..ففيما لم يهتز نظام الحكم كقاسيون ولايزال الرئيس الأسد في قصر الشعب يخطط لما بعد الانسحاب الأمريكي من الشرق ..أصرت المعارضة على تقديم فيلمها للمشاهدين ليبدأ من نهاية الفيلم "السعيدة" حيث ظهر مجلس انتقالي ورئيس مجلس يتقبل التهاني..بنهاية عصر وبداية آخر..هكذا مرة واحدة..بدأ الفيلم من النهاية وتتجه المعارضة نحو بداية الفيلم التي ستكون مع انشقاق العميد ماهر الأسد..!!
لم أتمنّ يوما أن أكون معارضا الى جانب المعارضين السوريين كما اليوم لالشيء -لاسمح الله- الا كي أتأمل ردة فعلهم عن كثب ووجها لوجه (بعيدا عن مناورات الكاميرات في قطر والعربية) لحظة ظهور الشهيدة زينب الحصني حية ترزق .. جلدها لم يسلخ وأطرافها المقطعة عادت الى جذورها ونطقت الموؤودة ..
انني على ثقة أن جميع قادة المعارضة السورية قد ذهلوا وفرك بعضهم عينيه بشدة وهو يحدق النظر في مشهد زينب الحصني التي أحياها الله ..وربما أدركوا انهم وقعوا في الفخ العميق وبدوا جميعا كالغراب الساذج الذي امتدح الثعلب صوته وأقنعه بالغناء فتحمس فغنّى فوقع الطعام من فمه ليتلقفه الثعلب ..وهنا غنت جميع الغربان أوبرا زينب الحصني... ولعلي أستطيع القول وكلي ثقة أن المثل العربي (جمدوا وكأن على رؤوسهم الطير) يجب الآن أن يستبدل وبجدارة ليكون (جمدوا وكأن معارضين على رؤوسهم زينب الحصني) لأن لاشيء سيعدل جمود قادتنا الثوار وهم ينظرون الى زينب على شاشة التلفزيون السوري ويجدون أنفسهم مضطرين لابتلاع كل القيء الذي تقيؤوه، ولعقه من جديد.. وانا على ثقة انهم تمنوا ان تموت زينب من ساعتها وهي تنطق على شاشة التلفزيون..وأن بعضهم قد شتمها بعد أن أبكانا عليها فيما تمنى البعض الآخر منهم أن تكون القضية كاميرا خفية ومقلبا من المقالب المحبوكة أو أن يكون كابوسا من كوابيس الشبيحة التي "يكوبسون" بها علينا هذه الأيام ..فبعد كابوس حسين الهرموش وكابوس زينب الحصني بدا أن كابوس اعتقال قائد جيش الأحرار العقيد رياض الأسعد على وشك التحقق وربما صار هؤلاء يخشون من نهوض حمزة الخطيب وغيره من قبورهم..
انني في شوق لمعرفة ماستقوله المعارضة بعد هذه الورطة البشعة وكيف ستحبك تفسيراتها .. التي ان دلت على شيء فتدل على ان كل ماقيل وماسيقال من قبل المعارضة لم تعد له مصداقية ..بل وأن ماقالته السلطة صار أقرب الى الحقيقة.. وأنا في توق فائق لسماع تفسيرات المعارضة في احياء زينب الحصني التي اجتهد بعض جهابذة هذه المعارضة سابقا في تفنيد صور المندسين الملثمين الذين كانوا يطلقون النار على المتظاهرين لقتلهم واتهام الأمن السوري بدمهم..يومها قام أحد الجهابذة بقياس طول ظل الملثم على الأرض ومقدار ثبات الكاميرا ليكتشف حلا يعادل حل اينشتاين لمعادلتي لورنتز ويستنتج أن الصور هي لشبيحة الأمن ..الى أن ظهر الملثمون ليعترفوا بقتل المتظاهرين... فيما ظهر جهبذ آخر وفنّد لنا أن القطار الذي انقلب في حمص كان بسبب عمل تخريبي قامت به السلطات لأن تفكيك السكة يحتاج خبراء وأن السلطة هي من تمتلك الخبراء والأدوات لتفكيك السكة لاتهام الثوار ..الى أن ظهر المسلحون الذين اعترفوا بأنهم هم من قام بتخريب السكة.. وبعد فضيحة اغتصاب النساء السوريات في جسر الشغور اخترع جهبذ آخر طريقة لرد الاتهام عن صديقهم المضياف أردوغان بتصوير منقبة حمصية تحمل القرآن الكريم وتتحدث وهي تشهق (بتمثيل فاضح) كيف اغتصبها خمسة من رجال الأمن جاؤوا للتفتيش عن سلاح وقد نسيت وهي تقول ان صوت الرصاص كان يملأ الدنيا في الحي (بسبب الاشتباكات)..فتخيلوا رجال امن في اشتباك دام قريب من الموت وزخات الرصاص وهم مشغولون جميعا باغتصاب امرأة..أما الضباط الأتراك المسترخون في أمسيات معسكرات اللجوء لنساء بلا معيل دون صوت رصاص فكانوا يدورون على النساء والأطفال في الليالي الباردة للتأكد من أن الأغطية تغطي الملائكة النائمة..!!
درس بليغ تعلمناه اليوم وهو أننا متورطون في الذل والتخلف لأننا واقعون بين طرفين وبين شرين..طرف أفّاق محتال مراوغ لاأخلاق له ولادين ..وطرف ساذج ولايمتلك حتى بعض ذكاء الدجاج .. والكارثة هنا أن هذا الطرف الساذج ليس البسطاء الذين ينفعلون في الطرقات بل المثقفون والمفكرون حتى وان كان أحدهم شيخ الأزهر نفسه أو منصف المرزوقي أو فهمي هويدي وحتى ان كانت كاتبة أو قاصة أو موظفة في الجامعة العربية أو مغتربا ومحاضرا في جامعة أو صحفيا ..لأن استدراج رجل بمكانة شيخ الأزهر وأساتذة الجامعات الى فخاخ رخيصة لاتدل على لاأخلاقية الصياد بل على سذاجة الفريسة وضعف حيلتها وانخفاض مستوى الثقافة العامة لديها وتراجع العقل وملكة البحث والتفتيش التي هي أساس الفكر الحديث .. فكيف يستدرج رجال وشيوخ ومفكرون الى فخ الادانة والتصريحات والتهجمات خلال أيام فيما كل المعلومات التي تصدر عن الثورة لم تصدر الا عن قطاع طرق صار الجميع يعرف أنهم مختصون بالخطف والقتل والتعذيب .. ولم يكلف أحد من هؤلاء الثرثارين بالادانات نفسه عناء البحث عن الحقيقة والاتصال بكل الأطراف قبل اصدار بيان ..أما لجان حقوق الانسان فرغم انها اكثر خبثا ومدربة جيدا على تجنب الفخاخ فانها سقطت في امتحان قاس وظهرت فعليا لاتستند في تقاريرها الى عمل عقلي أو وثائق متماسكة بل الى (يوتيوب) .. ومغامرات الزعران ..مثل رامي ورزان .. وعدنان ولينا ..ومغامرات سنان !!
يقول علماء الطبيعة في توصيف الحياة على الارض: ان "تاريخ الحياة" على الأرض هو "تاريخ الموت"..لأن 90% من الكائنات التي عاشت على هذا الكوكب ماتت وانقرضت ولم يبق منها الا أقل من 10% ..ولكن هذا التوصيف ينطبق بالضبط على توصيف تاريخ عقل هذه الأمة الذي مات وصار تاريخه تاريخا للموت ولم يبق منه الا 10% ..ونحن نحاول الحفاظ عليه بالحفاظ على سوريا آخر بقايا العقل العربي الذي يريد قتله العرعور وغليون ..غليون صاحب مؤلف (اغتيال العقل) ..وقصة زينب هي دليل اغتيال العقل..
على كل حال انتقل الثوار المفلسون من اغتيال العقل المعنوي الى اغتيال العقول المفكرة والاغتيالات الفردية وهي آخر مراحل الثورة حتما في سير معاكس غريب لأحداث الثمانينات التي بدأت بالاغتيالات الفردية واغتيالات العقول وانتهت بعصيانات المدن (حماة) ... فيما بدأت ثورة اليوم بعصيانات المدن لتنتهي بحملة اغتيالات فردية واغتيالات العقول .. ومع هذا التطور اللافت بدأت بوادر التسليم باستحالة تغيير نظام الحكم السوري من قبل أفراد ومؤسسات طالما كانت تهدينا النصر كل يوم .. فهاهو عبد الرحمن الراشد رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط المقرب جدا لأوساط الاسرة المالكة السعودية يقول بالحرف في آخر مقالاته في صحيفة الشرق الأوسط التي كانت تقول ان رمضان يحمل معه نظاما جديدا في دمشق:
لاأريد أن أبيع وهما للقراء بأن النظام السوري على وشك الانهيار لأننا امام حالة صعبة ...بسبب تعقيدات الوضع الا ان الوقت لسقوطه غير معروف وقد يستغرق عاما ..
اذا قالت حذام فصدقوها ...فان القول ماقالت حذام..
الراشد ليس حذام كي نصدقه بالطبع .. لكن حذام هي "خيبة" أمل عبد الرحمن الراشد وشعوره بالهزيمة والمرارة.
بين تربية التماسيح.. وبطل الألياذة السورية فداء الشيخ
لم يؤذني مشهد في هذه الاحتجاجات السورية كما آذاني مشهد أطفال يسيرون ضمن المسيرات أمام عيوني في تلك المظاهرات الخاطفة الصغيرة التي شهدتها ووقفت على بعد أمتار منها ..وكان هؤلاء الأطفال يرددون خلف مردد كلمات نابية بحق الدولة ويحملون اللافتات السياسية وكثيرا مالاحظت في متابعاتي لهم أنهم وزعوا ليحيطوا بالمتظاهرين كالسوار وكالحزام وكأن المقصود من هذه الأحزمة أنه اذا ماتمت المصادمات الأمنية تورط الأمن بأذية هذه الطيور الصغيرة البريئة فيتم التشنيع على الدولة بقتل الأطفال ..!
لكن أكثر صورة أذهلتني وجعلتني أشهق رأفة وهلعا ..هي صورة وزعتها المعارضة منذ أيام للدلالة على انتشار "الثورة" السورية في كل شرائح المجتمع ومكوناته..الصورة كانت لأطفال في المرحلة الابتدائية يلبسون ثياب المدرسة الزرقاء في مظاهرة أطفال مدارس وهم يحملون لوحات كتب عليها (الشعب يريد اعدام الرئيس) .. ومن الواضح من ابتساماتهم البرئية أنهم لايعون ماذا يفعلون أو ماذا كتب على اللافتات ..ليس العنوان هو ماأذهلني لكن الصدمة هنا كانت في استعمال الأطفال في المماحكات السياسية والصراعات الداخلية ..الأطفال الصغار الذين ظهروا أبرياء في الصورة كانوا يحملون اللوحات التي كتبت بخط واضح بيد كبيرة متمرسة ولم تكتب بيد طفل ابتدائي ..بكل تأكيد..
والسؤال هنا: هل من الأخلاق الزج بهؤلاء الأطفال في هذا الصراع؟ وهل يصح اخراجهم من مدارسهم لخدمة ثورة أو ثوار بدل أن تقتل الثورة نفسها لابقاء جيل أطفالها على مقاعد العلم؟؟ وهل الدكتور برهان غليون أستاذ السوربون وهيثم المناع ولفيف المنظّرين المثقفين والعاملين في جمعيات حقوق الانسان قادرون على الدفاع عن هذا السلوك أمام منظمات دولية؟ ..وهل هم قادرون على الدفاع عن هذا الاحتياطي من الثوار الصغار أمام منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" ؟؟ واذا كان الثوار يعيبون على النظام غزوه الفكري للطفولة عبر منظماته الحزبية وغيرها (طلائع البعث) فهل اطلاق الأطفال في مظاهرات ونزاعات سياسية سلوك يدل على وعي ببراءة الطفولة أو على حرص عليها؟ وهل هذا تحرير لأطفال سوريا من كابوس البعث (وأناشيد الطلائع) الذي على حد علمي لم يطلب يوما من الأطفال رفع لافتات عليها كلمة اعدام بحق ألد أعدائه؟ ..ثم هل من اللائق أن نباهي بطفل يريد أن يتعلم كلمة الموت والاعدام بدل تعليمه القيم الانسانية الراقية والسمحة وبدل أن نعلمه التسامح والنظر الى الغد بروح نظيفة مليئة بالرحمة والغفران ..
ماذا سنقول للصحف الأوروبية اذا مانشرت هذه الصورة وترجمت اللافتة ؟ هل تتوقعون أن الاوربيين سيقولون ان الظلم في سوريا قد جعل الصغار كبارا؟؟ ان كنتم تعتقدون أن هذا سيجلب تعاطفا مع الثوار وتفهما لغضبكم فأنتم سذج وأغرار، وهناك قطيعة حضارية ومعرفية بينكم وبين العالم الغربي لايشبهها الا قطيعة التلاقي بين الثلج والنار والشك واليقين؟ أنا أعرف العقل الأوروبي لاحتكاكي به لسنوات طويلة ..فهو لايقبل على الاطلاق (تذكروا على الاطلاق) بأن يزج بعقل الطفل بأية قيم سياسية "عنيفة".. على الاطلاق وتحت أية ذريعة ..وسيقول من يرى الصورة: ان ثقافتكم عنيفة أيها الشرقيون والمسلمون لأنكم ببساطة لاتعرفون الفرق بين الطفولة والسياسة..وكل العنف الذي في بلادكم هو زراعتكم ..فالطفل الذي يتعلم أن يجاهر بالكراهية والعنف سيتعلم أن لايتسامح وسيتعلم أن من الطبيعي أن يكون اما قاتلا أو مقتولا ..والطفل الذي يتعلم أن الاعدام أسلوب طبيعي وممارسة يومية سيكبر ليجد أن الجلادين ظاهرة طبيعية ..ومهنة ككل المهن .. والوطن الذي يربي أطفاله على هذه القيم انما ينجب المزيد من التماسيح و الجلادين الذين سيستعملهم أي نظام قادم حاكم..اسلاميا كان أو قوميا أو شيوعيا أو ليبيراليا أو أو ..
الجلادون يترعرعون في كنفنا صغارا ويرضعون الشذوذ الفكري والسلوكي من ثدي الكراهية ..في وقت يجب على أي ثورة أن تغير فيه من منسوب العنف في ثقافة مجتمع مضطهد يعيش تحت الديكتاتورية ..لتبني قيم الحرية والتسامح ..
في كل يوم ندرك حجم المراهقة السياسية للمعارضين السوريين وتفاهتهم واستعدادهم حتى لاستعمال الأطفال وقودا لشهوتهم السلطوية واحراز نقاط وكتابة انجازات بدموع ودماء بريئة ..وفي كل يوم يزداد توجسي من هذه المعارضة المجنونة وهذياناتها التي ستوصلنا يوما الى أن نفرّخ أطفالا كأطفال الأفارقة الذين نراهم في الأخبار يحملون الرشاشات والبنادق وهم ينوؤون بأجسادهم الضئيلة الصغيرة تحت أثقال أحزمة الرصاص وبالكاد قادرون على رفع بندقية أطول من قاماتهم وهم يفتشون على الحواجز ..
هل نضبت صفوف المعارضة من الرجال حتى تزج بالأطفال؟ هل تريد المعارضة مزيدا من الضحايا الصغار ومزيدا من المراهقين ومن حمزة الخطيب الذي غرر به لينضم لثوار يهاجمون ليلا بيوتا لارجال فيها ..واذا مات أو قتل حملت صوره في العالم على أنه ضحية النظام ..؟؟ هل يلام الطفل والمراهق أم القادة؟
في الحقيقة، لم أكن أصدق ان المعارضة يمكن أن تجرؤ أو تتنطح لتجادل بصوابية أو جنون هذه الفكرة القاسية حتى كتب موقع "كلنا شركاء" لصاحبه المعارض أيمن عبد النور هذا التبرير الوضيع نقلا عن أحد منظري الثورة وهو رضوان زيادة حيث قال الموقع: أما عن تسييس وعي الأطفال ومشاركتهم في المظاهرات، فقال رضوان زيادة "المهم ألا يتم إجبار الأطفال على اتخاذ مواقف معينة، أو ترديد شعارات لا يرغبون بها من قبل أي طرف سياسي"، موضحا أن هؤلاء الأطفال خرجوا بشكل عفوي دون أن يحركهم حزب أو منظمة ليعبروا عن إحساسهم بالظلم والقهر، وليس مناصرتهم أو تأييدهم لشخصيات أو أحزاب سياسية..
قلّبت هذه العبارات والهرطقات للسيد زيادة (وخاصة عبارة "خرجوا بشكل عفوي" بدليل اللافتات المكتوبة بخط الكبار) وحاولت تلميعها وغسيلها بالصابون في ماء البحر ونشرها تحت الشمس ثم حممتها بالعطور فبقيت لها رائحة كريهة..وحاولت نقعها بالكحول وتطهيرها بمحاليل اليود الطبية وبالحرارة العالية فلم يتخلّ عنها العفن والعفونة والقيح الكريه...حاولت أن أعطيها شربة دود ضخمة، لكن الديدان فيها لم تفارق بطونها بل ترعرعت وخرجت كاالأفاعي الصغيرة والحيّات من زوايا أفواه الكلمات ومن كل الثقوب ونقاط الحروف ..حتى زيت الخروع لم ينفع في اطلاق مافي أمعائها من عفن وصدأ.. غطيتها بالأغطية والزجاج السميك لكن انجذاب الذباب لها وكل الحشرات الدابة كان مذهلا..وضعتها في حظائر الخنازير والبغال فهربت الخنازير والبغال من حظائرها .. وضعتها على متن مكوك الفضاء لوكالة ناسا ورحّلتها الى الفضاء الخارجي لكن المكوك عاد ومعه رسالة من مخلوقات فضائية عليها اشارات استفهام وتعجب واستهجان...ولم ينفع لها الا أن قرأت عليها الفاتحة وسورة الناس ثلاث مرات:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، اله الناس، من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس. صدق الله العظيم
عند ذلك حدثت معجزة فقد ظهرت لكلمات زيادة فجأة أجنحة خفافيش حملتها وطارت الى أميريكا بسرعة الصواريخ السورية الموجهة الى تل أبيب.. وتوجه سرب الكلمات الخفاشية الى رضوان زيادة الذي كان في اجتماع هام في وزارة الخارجية الأمريكية ..ودخلت الكلمات بسرعة في جسده وتحديدا في أحد ثقوب جسده (؟؟!!!!) .. دخلت فيه ولم تخرج...وذلك الثقب لم تصدر عنه أصوات منذ ذلك اليوم..ورضوان يعالجه ويتنقل بين العيادات والمشافي الأمريكية ..ليفتحه من جديد..ولكن هيهات
وبالمقابل ولنعرف الفرق بين الوطن والسياسة وبين المعارضة الرخيصة والوطنيين الأحرار في أبسط البيئات السورية وكيف يربي الوطنيون أطفالهم ..وكيف ينجب الأبطال الأبطال ..وكيف ينمو العقل والنشاط الانساني بشكل صحي متوازن .. يجب أن نعرف ماذا فعل بطل مثل الشهيد فداء الشيخ الضابط السوري الذي استشهد منذ أيام ...ففيما كان ينزف تحت زخات الرصاص أدرك أنه اقترب من الموت وأنه لاحق بالرفيق الأعلى .. فأمسك هاتفه النقال وجعل يكتب رسالة ..وتوقع جميع من حوله أنه يبعث برسالة استنجاد واستغاثة ..ولكنه استشهد ولم تصل النجدة ..وكذلك لم تتلق أية جهة قيادية رسالة استنجاد أو استغاثة من أحد ..المفاجأة أننا عرفنا أين ذهبت رسالة فداء الشيخ التي كتبها في اللحظات الأخيرة..لقد تلقاها هاتف زوجته النقال وفيها هذه الكلمات:
أستحلفك بالله أن تربي لي أولادي على حب الوطن .... وداعا
الرسالة الأخيرة من البطل الشهيد فداء الشيخ (وهو ابن شهيد أيضا) التي لاتزال محفوظة على هاتف زوجته النقال ستبقى أيقونة لاتنسى ..ويجب ان تكتب هذه القصة وكلمات هذه الوصية كالقصيدة على جدران الجامع الأموي..ويجب أن تكتب بضوء الشمس على اطلالات جبل قاسيون..ويجب أن تدرس في كتب السوريين كما ندرس بطولة جول جمّال ..وسناء محيدلي ..وجميلة بوحريد ..
لم يوص البطل فداء الشيخ زوجته بمال ولابتركة ولا أن تربي أولادها على الولاء للرئيس ولالحزب البعث ولا على كره أحد ولا على اعدام احد ولا على الثأر من أحد ..بل أن تربيهم على ..حب الوطن ..
اليس هذا موقفا اسطوريا ؟..ألا تعجز خيالات هوليوود عن اجتراح مثل هذه البطولة حتى في السينما ..؟؟ ألا يعجز هوميروس عن كتابة هذا المشهد الملحمي في أية الياذة وفي أية أوديسا على لسان هكطور أو أخيليس؟؟ الا تشبه هذه القصة قصص الملاحم الاغريقية الشهيرة ..التي ينحني لها زيوس الاغريقي اله السماء والرعد وبوسيدون اله البحر؟
هل عرفتم الآن لماذا تموت "الثورة السورية" وتنتصر العقلية الوطنية ؟؟
وهل عرفت لماذا اسمنا سوريون..ياعزمي وياحمد وياأردوغان ويا أوغلو وياأوباما وياساركوزي وياكاميرون ..وهل عرفتم كيف هرمت ثرثراتكم يا برهان ويا هيثم ويا عرعور ويا كركور..
لقد هرمنا ...هرمنا ...بثرثراتكم الهرمة
شائعة غريبة في سوريا
يلفت الكثيرون النظر الى غياب البرلماني اللبناني الشهير عقاب صقر عن كل الساحات والتصريحات منذ فترة طويلة ..وتيار المستقبل قال منذ فترة ان عقاب صقر متخف في باريس حرصا على حياته الشخصية فيما يلمح بعض الاعلاميين السوريين انه مشغول في غرفة سوداء تكتب للثوار السوريين الشعارات للمظاهرات والأسماء لأيام الجمعة
لكن غيابه المثير أطلق شائعة غريبة في سهرات السوريين.. وهي أنه معتقل في سوريا منذ فشل فراره من بانياس!! وأن هناك مفاوضات صعبة لاطلاقه بصمت مقابل ثمن باهظ وأن حمد آل ثاني أمير قطر قد ذهب الى طهران مؤخرا ومن بين مافاوض عليه عرض ثمن كبير لاطلاق "الأسير" الصقر من القفص السوري ..لكنّ رفض السوريين لعروضه السخية أصابه بالجنون فأطلق سعار الجزيرة فورا عقب زيارته لنجاد .. وذكرت الأحاديث المتنقلة في مقاهي السوريين على نكهة الشاي "أكرك عجم" وخلف دخان الأراكيل وعلى وقع طقطقات أحجار النرد وخلافات اللاعبين وأيمانهم المغلظة بأنها الشيش بيش وليست دوشيش ..ان أحداث بانياس كانت آخر مرة علّق فيها هذا العقاب على الشأن السوري ليختفي من بعدها .. لكن كان هناك خبر مرّ مرور الكرام ابان تلك الأحداث وهو القاء الجيش السوري القبض على الدكتورة جنان الامام في بانياس وهي في سيارتها و معها احد الأرهابين "الأجانب" متنكراً بالنقاب الأسود عند محاولتها تهريبه من بانياس ..الشائعات السورية تقول ان ذلك الارهابي الأجنبي المنقب لم يكن الا البرلماني اللبناني .. عقاب صقر ..وكل السلاح القادم من وادي خالد للضغط على السوريين لاطلاقه ..
معقول ياراااجوووول ..
والله أعلم
القطسور فيصل القاسم.. في المقالة البرمائية
هناك في الحياة السياسية "البرلمانيون" وماأدراك ماالبرلمانيون؟ !! وهناك في الحياة اليومية "البراغماتيون" الذين يتعاملون مع المتغيرات بايجابية وينحنون أمام العواصف ويميلون مع الريح دون أن يغيروا ألوانهم ودون أن تتغير قناعاتهم ومبادئهم وقلوبهم ..وهناك "الحربائيون" الذين يتلونون بألوان كثيرة لخداع الناس والايحاء أنهم ينتمون لنفس البيئة التي يعيشون فيها دون أن تتغير قلوبهم الشريرة السوداء المليئة بالقيح .. أما "البرمائيون" فهم نوع فريد من الأشخاص الذين يتنقلون في حياتهم حسب الظروف أي كما نقول حسب السوق "بيسوق".. وهؤلاء نوع من الناس الذين لايصح وصفهم الا بالكائنات "البرمائية" لأنهم قادرون على السباحة والتنفس تحت الماء وقادرون على مغادرة الماء والعيش على اليابسة .. وهي قدرة فريدة على التأقلم لكنها خاصية اذا ماتملكها الانسان سمي بجدارة منافقا وأفاقا ومحتالا، فهو يخلع جلده وقلبه وعقله ليلبس جلدا جديدا ويخفق بقلب جديد ويمارس التفكير بعقل جديد كما لو كان يبدل ثيابا أويغير محرك سيارته من محرك ياباني الى محرك ألماني ثم لايتردد في مرحلة أخرى أن يرتدي جلدا وقلبا جديدين ويركب عقلا جديدا اذا وجد أن من الضروري أن تسير سيارته بمحرك ديزل أو محرك نفاث ....وأخطر أنواع هذه البرمائيات هي "البرمائيات السياسية" ..فالبرمائي السياسي يتنقل حسب درجة رطوبة الجو السياسي وبرودة الماء الوطني..وهؤلاء هم رواد الانتهازية والوصولية وهم مادة مهمة جدا ومثالية في علم الجاسوسية ..ولعلنا نذكر في رواية صالح مرسي أن الضابط المصري الذي اكتشف مواهب رأفت الهجان كان يسأل زملاءه أن يدلوه على شخص أفاق ومحتال ..الى أن وجد ذلك "الأفّاق" في رأفت الهجان واستفاد من قدراته "البرمائية" في صنع اسطورة جاسوسية ..وطنية..
بعد هذه المقدمة اسمحوا لي الآن أن أقدم لكم البرمائي السوري الأول في هذه المقالة التي سأسميها "المقالة البرمائية"..
فالبرمائي السوري الذي تفوق على كل أنواع البرمائيات على الأرض هو الأستاذ فيصل القاسم بلا شك ..وأنا بالطبع ليس لي شأن شخصي مع فيصل القاسم ولاأجد أنه ينافسني على عملي وبالطبع لم أفكر يوما في منافسته .. وانما أبني علاقتي بالناس بمقدار اقترابهم وابتعادهم عن وطني هذه الأيام ..في البداية لابد لي من الاعتراف أن فيصل شخص فيه طرافة وله حركات خفة دم وخاصة عندما يستحلف ضيفه بالقول (بربك يا راجول يعني هلق معقول انو ...) .. وهو أيضا شخص يتمتع بمواهب رجال المخابرات الانكليزية البارعين في اثارة الفتن وتأليب الناس على بعضهم، الذين علّقوا الهند وباكستان في فتنة كشمير ..وعلّقوا العرب بالأكراد بحجة الحلم الكردي .. وعلقوا العرب باليهود بحجة الوطن القومي لليهود ..وعلقوا المصريين بالسودانيين والصينيين بالتايوانيين والعراقيين بالايرانيين ...الخ ..وهذا جلي في سلوك فيصل القاسم في برنامجه الاتجاه المعاكس حيث يقوم بتحريض طرف على آخر وبعد دقائق ينتقل الى جانب خصمه ويبقى يتنقل بين الغريمين ويؤلبهما على بعضهما حتى تقع الواقعة ويحدث الانفجار وكل منهما يحس أن فيصل –المحتال- يقف معه ويرى فيه (صاحبه المفضل)..كضابط مخابرات انكليزي محترف..
فيصل صنع حلقة الاتجاه المعاكس الأولى منذ أسبوعين لصالح السلطة في سوريا حتى ضجت المعارضة وشتمته ثم صالح المعارضة بتصميم الحلقة التالية لتبدو فيها المعارضة وقد فازت بالنقاط ثم بالضربة القاضية التي أوقعت الخصم عبد المسيح الشامي "أرضا" في نهاية المقابلة فضجّ معسكر السلطة فيما هلل معسكر المعارضة وكبّر..وهذه البهلوانيات الاعلامية يراها فيصل حركة فهلوة وسلوكا برمائيا وفنا في قيادة الغواصات الاعلامية ..مرة تحت الماء ومرة فوق الماء ..مرة تحت الماء، ومرة فوق الماء ..ولسان حال فيصل يقول في رسالته من تحت الماء: اني أتنفس تحت الماء.. ثم يقول بعد برهة مذكرا ايانا أنه مخلوق بري وليس بحريا ..متناسيا وناكرا أنه قال بأنه قادرعلى التنفس تحت الماء وغير عابئ بالغرق: ان كنت قويا أخرجني من هذا اليم .. فأنا لاأعرف فن العوم
فيصل كان يغمز منه الكثيرون أنه رجل المخابرات السورية في قطر فيما رآه آخرون عميلا مزدوجا أما البعض فرأى أنه ينتمي الى نوع فذ من العملاء الذين يمكن أن يعملوا عملاء رباعيين وربما خماسيين والذين يؤدون خدمات لعدة أجهزة مخابرات..تتغير حسب تغير موازين القوى..أي رجل بلا لون ولاطعم ولارائحة..
مشكلتنا مع فيصل ليست في هذا السلوك البرمائي الذي يراه البعض فنا في البقاء لكن مشكلتنا أنه في حلقاته الأخيرة عن الوضع السوري أسمعنا بنفسه محاضرة ليلية صاخبة عن حب الوطن وعن استهجانه لسلوك السلطة وفسادها وقمعها وكانت حلقات الاتجاه المعاكس يجب أن تسمى بجدارة (الاتجاه المعاكس للاتجاهين) لأن "فيصل" كان يتلو علينا بحميمية وحماس بيانات المعارضة وأكاذيبها كواحد منها... لأن فيصل حاضر في الوطنية وكأن ماقدمه هو شخصيا للوطن لايضاهى ولايبز ..وهو الذي يعرف تمام المعرفة كيف تقوم الجزيرة بالتحريض على بلاده بل وبكسر مهنيتها، لم يبادر للالتحاق بمعسكر المحتجين على الجزيرة ويسجل نقطة لبلاده ..أما ان كان مواليا للاحتجاجات وله اعتراض على نظام الحكم السوري فانها فرصته ليقول ذلك علنا دون دوران وليسجل أنه معارض لنظام الحكم وليأت وليؤسس حزبا وليشارك بالثورة والحوار على أعلى المستويات.. لاأن ينق علينا من على جزيرته التي لايسمح فيها بالنقيق الا اذا كان النقيق ضدنا .. محاضرات فيصل التي تسللت عبر اتجاهه المعاكس كانت أشبه بنشيد نوع من البرمائيات التي تصيح ليلا ويسمى صوتها بالنقيق..
أما سلوك فيصل وقدراته البرمائية فتجليا في أنه يدعي أنه دوما غاضب على السلطة السورية ولكنه –كما نعلم- كان يأتي الى سورية ليلاقى بالترحاب والدلال والمعاملة الخاصة ودعوات العشاء من قبل المسؤولين في الدولة .. وبالطبع لم يكن هذا يسبب لفيصل الحرج من أنه مدلل النظام ..ولم يكن فيصل يرى حرجا في التوسط لذويه وأقاربه لتمرير القضايا الصعبة في أجهزة الدولة التي كان يستفيد منها ويسميها الآن من على منبره (سلوكيات الفساد والديكتاتورية).. وفيصل هذا كان يأتي الى سوريا ليلبي دعوات المسؤولين دون أن يقول لهم انهم أوغاد وفاسدون وقمعيون .. ولاأزال أذكر احدى الامسيات الصيفية التي أعلن فيها عن محاضرة للدكتور فيصل القاسم برعاية وزير الاعلام السوري وحضور وزير الثقافة فتدفق المئات الى مكتبة الأسد لحضور المحاضرة وقد أصر بعض الأصدقاء على الذهاب للاستماع للقاسم وكانت دهشتي أن أصحابي الذين رافقتهم الى مكتبة الأسد فقط دون أن أدخل عبروا عن خيبة أملهم وندمهم على حضورالمحاضرة لفقرها بالمفيد ..لكن مافاجأني ولفت نظري هو الكثافة الغريبة واندفاع الناس لسماعه حتى أن المئات منهم لم يستطيعوا الدخول الى القاعة التي اختنقت بالحاضرين ..يومها حاضر القاسم كما قيل لي عن العراق وأبوغريب وكل الاستعمار الذي خلقه ألله ..وعن الاعلام الحر.. ولم يقل انه سيتناول العشاء بعد المحاضرة مع حفنة من الفاسدين والديكتاتوريين وأزلام النظام ..!! الذين قرر الآن فجأة ضربهم بسوطه وصوته.. عندما أحس أن الأجواء لذلك مناسبة وأن المزاج القطري مؤات لتلك القفزة..من الماء الى الوحل ثم الى صخرة على الجزيرة
هذا الذي يحاضر لنا في الوطنية ومحاربة الفساد في برنامجه لم يتمكن من أن يعطي بلاده أقل القليل حتى واجب الخدمة الالزامية ..وحسب اعتراف أخيه أنور القاسم الذي يعمل مع عبد الباري عطوان في صحيفة أورشليم (القدس العربي) في لندن فان فيصل "يدبر كل أمور العائلة" عن طريق علاقاته مع المسؤولين السوريين ..بل وفي احدى الأمسيات وعلى حفل عشاء أعده أنور في بيته الكائن في غرب لندن (نورث كينزينغتون) لرهط الموظفين والصحفيين العاملين معه في صحيفة القدس العربي (والذي حضره عبد الباري عطوان) قال أنور متباهيا: "ان جميع اخوتي الشباب لم يؤدوا الخدمة الالزامية في سوريا "بفضل فيصل" الذي توسط لاعفائهم جميعا منها ..لم يخدم أحد منا الخدمة الالزامية بفضل نفوذ فيصل لدى المسؤولين الذين لايترددون في تلبية طلباته" ..قالها أنور بنشوة أهل القرى الذين يحبون أن ينظر اليهم على أنهم "مدعومون" ..(وحسب ماقيل فان له 10 أخوة !!)
تخيلوا .. على ذمة أخيه، يعفي فيصل اخوته جميعا من الخدمة الالزامية وهي واجب على كل سوري ..حتى أعتى المسؤولين السوريين قد يتمكن من تأمين خدمة الزامية سهلة ومريحة لولده لكنه لايستطيع اعفاءه منها..هذا شكل من اشكال الفساد الذي تحاسب عليه الدولة السورية في منح من لايستحق الاعفاء من أقدس واجب وطني ..والتي تستفيد منها هذه البرمائيات ..والسؤال البرمائي هنا لفيصل هو (يعني بربك ياراااجووول ..هذه وطنية ؟؟ ..يعني معقول كل شباب البيت اما معطوبين أو عباقرة..؟؟)
الشريك في الفساد هو الساعي اليه أيضا..والذي كما قلت كان (ينق) عبر منصة الجزيرة ويقرظنا متهما بلا دليل أن الدولة كسرت عظام علي فرزات .. ويسخر بطريقة انتهازية بائسة ومراهقة في كل مرة تسنح له الفرصة من الاعلاميين اللبنانيين الذين سماهم كذابين ويقول "بشرونا بأنها خلصت..وهي ماخلصت" في استغلال رخيص للطعن بصديق سوريا رفيق نصرالله..
هذا المخلوق البرمائي الذي لم يستطع أن يكون فارسا يترجل عن هذه "البسوس" التي تسمى الجزيرة..يحاضر في الثورة على الظلم والفساد وهو الذي أوفد على حساب لقمة السوريين ثم تسلل وهرب من كل التزاماته للعمل في بريطانيا..
انا شخصيا لم يفاجئني هذا البرمائي الماهر وهذا المخلوق النطاط وهذا القفز بين اليابسة والماء لأنني عرفت سلوكه البرمائي منذ المرة الأولى التي سمعت بها باسمه في أواسط التسعينات ..فقد كانت المرة الأولى التي أسمع بها بفيصل القاسم عندما التقيت صدفة بأحد معارفي القدماء في فندق الميريديان بدمشق أواسط التسعينات لدى حضوري حفل استقبال لهيئة الاذاعة البريطانية أعده غيمون ماكليلان المدير الجديد للقسم العربي بهيئة الاذاعة البريطانية آنذاك وقد حضره عديدون من الصحفيين والفنانين السوريين منهم رفيق سبيعي ومنى واصف -على ماأذكر- وكان بين الحضور الصحفي المصري الراحل هاني العربي والاعلاميان السوريان زياد الحكيم وياسين كلاس ومراسلة هيئة الاذاعة البريطانية في دمشق الراحلة السيدة سلوى الاسطواني .. وفيما كنت أتحدث الى صديقي القديم اقتربت منه سيدة محترمة (؟؟؟؟؟ التي سيتذكرها السيد فيصل القاسم بالطبع) وسألته عن سبب تأخر فيصل القاسم في الحضور فقال لها ممازحا: ربما بسبب الأربعة آلاف دولار !! فأبدت أسفها وتمنيها الا يشار الى ذلك لأن ذلك لايليق في مناسبة كهذه بين الأصدقاء..وقد سألت هذا الصديق المشترك عن قصده فقال: هناك نصاب اسمه فيصل القاسم يعمل في هيئة الاذاعة البريطانية وكان كلما احتاج مبلغا لايصاله لأهله في سوريا طلب من أحد أصدقائه دفعه لذويه على أن يسدده له لاحقا ..وهذه المرة وقعت برأس هذه السيدة (؟؟؟؟؟) الطيبة المعروفة بكرمها وسخائها فطلب منها اعطاء مبلغ أربعة آلاف دولار لذويه على أن يسدده لاحقا ففعلت عن طيب خاطر ولكن .. وضحك صديقي ضحكة مجلجلة وقال: بالطبع (شحن فيصل لم يصل بعد) على رأي "التكميل دريد لحام" في مسلسل وادي المسك .. وأردف صديقي قائلا: المعيب أن فيصل –عبر أهله- اقترح تسديد بعض المبلغ بالسوري وحسب تسعيرة الدولة للدولار وليس حسب سعر الصرف في السوق (أي أقل من ربع القيمة آنذاك)..ومع هذا لم يصل الشحن بعد ..قال لي هذا الصديق: ان فيصل اكتشاف لنوع جديد تطور بعكس نظرية التطور لتشارلز داروين من كائي فقاري الى برمائي ..لو رأيته لعرفت ماأعني ..(هذا ماقيل لي وشهدته بنفسي)
وقد رأيت ورأيتم فيصل القاسم بعدها وعرفت وعرفتم ماذا يعني صديقي بالكائنات البرمائية ..
فيصل القاسم بالتعريف كائن من الكائنات التي تصنف بالبرمائيات البشرية ..والتي يطلق عليها علماء الطبيعة اسم "القطسوريات" نظرا لكونه يعيش في قطر بقلب قطري بعد أن كان يعيش في سوريا بقلب سوري ..وحسب تشارلز داروين فهناك صلة قرابة وتقارب في الأصل التطوري وجذور النشوء بين أشكال متنوعة من البرمائيات مثل القطسوريات والاسراطينيات التي يمثلها عزمي بشارة وعبد الباري عطوان (الفلسطينيان الاسرائيليان) وأما عالم النشوء والتطور المعروف "لامارك" فيقول ان هناك غلاصم انتهازية متشابهة الشكل والوظيفة بين القطسوريات والغليونيات ..لكن لايزال العلماء حائرين في سر تشابه القطسوريات البرمائية مع نوع من الزواحف الحمراء المسماة (السعسوريات) التي هاجرت من سورية لتعيش في المملكة العربية السعودية ومثالها الفريد ..العرعوريات
الانعطافات السورية.. أردوغان وقارئة الفنجان؟
كلما استمعت الى المعارضين السوريين والى أميرهم الأكبر رجب طيب أردوغان تذكرت قصيدة قارئة الفنجان حيث يجلس المعارضون السوريون على الفضائيات منذ 7 أشهر ويقرؤون لنا فناجين قهوة الثورة السورية فيما يذهب أردوغان بعيدا في قراءته للفنجان السوري حيث يبصّر لنا ويقول: ان الربيع العربي سيحط رحاله في سوريا حتما وأن من وصل بالدم لايستمر الا بالدم !! وأن النظام سيسقط ..
وكلما تجولت على محطات الأخبار والفضائيات طالعتني وجوه جديدة ..ووجوه قديمة .. مؤيدة ومعارضة ..وغني عن القول انني لم أعد أستمع للكثيرين لأنني صرت أعرف ماسيقوله قرّاء الفنجان السوري.. وأكاد أحيانا أوفر على المتكلم عناء الشرح وأتحدث نيابة عنه في سري.. وربما أعرف مفرداته التي يستعملها كل مرة (نفس العبارات والمفردات عن النظام والوحشية والديكتاتورية والفساد والحاجة للتغيير والعائلة الفاسدة ومخلوف و40 سنة والحل الأمني وو..وبالطبع حمزة الخطيب). والحقيقة ان كل مايمكن ان يقال في هذه الأشهر السابقة قد قيل وصار عزمي بشارة وعطوان وجعارة واللاذقاني وزيادة وغليون والعرعور ووو..حائرين في اختراع لغة جديدة ومفردات جديدة يعلقونها كالعقد في عنق الثورة السورية لتجميل وجهها الدراكيولي القبيح ولارضاء جنونها، وصاروا يرددون نفس المقولات الى حد الملل حتى أنني أرغمت على الاعتراف أن تكرار الاستماع للمعارضين السوريين أوصلني لمعرفة معنى عبارة (لاجديد تحت الشمس) وصرت أخفض صوت التلفزيون وأتفرج على حركات الفم والعيون والوجه دون الحاجة لسماع الصوت فيما أقرأ بعض الكتب.. فقراءة الكتب هي التي أوصلتني دوما للحقائق وليست ثرثرات عزمي بشارة وبسام جعارة..
كم من فناجين القهوة قرأ لنا المعارضون، وكم فنجان قهوة شربنا وقلبنا في كل مساء وعقب كل مؤتمر للمعارضة لنعرف مصيرنا وقدرنا واتجاه الأحداث في سوريا ولم نصل الى نتيجة الا أننا كنا نطارد خيط دخان !!...في كل مساء.. وفي كل يوم جمعة، يجلس المحللون المعارضون ويتفننون في القاء الهلع والرعب من الناتو القادم كالقدر، ومن انهيار النظام الذي يترنح .. كم جلسوا (كما جلست قارئة فنجان عبد الحليم حافظ) ..يتأملون فناجين القهوة المقلوبة ..وليقولوا لنا ان الموت هو المكتوب على النظام السوري قبل رمضان وان الشعب السوري الثائر في الحارات والزنقات سينتصر قريبا .. وأن الجيش السوري سينشق مئات المرات ويضرب بعضه، وأن الملايين ستخرج الى الشوارع وأن الاقتصاد سينهار، وأن الناتو قادم، وأن المناطق العازلة قد انطلقت ..وأن الروس سيتغيرون وأن الايرانيين سيتراجعون وأن وأن وأن .. ومن يقرأ فناجين القهوة لدى المعارضة يكاد يعتقد أن برهان غليون صار يجري مقابلاته مع الجزيرة وهو يشرب فنجان قهوته في قصر الشعب في دمشق !!...أوبعد هذا الفشل في استقراء الأحداث بربكم أليست أية قارئة فنجان بدوية تعرف في السياسة أكثر مما يعرف هؤلاء المعارضون والمحللون؟؟ أليس من حق جمهور المعارضة قبلنا أن يسأل قرّاء الفنجان الكثر: كيف لم تصدق كل قراءاتهم للفنجان السوري؟؟؟
والجواب هو أن الفرق بين قراءة الفنجان ياسادة وبين علم السياسة هائل كالفرق بين ضوء الشمس وضوء الشمعة وكالفرق بين دماغ ألبرت اينشتاين و دماغ عدنان العرعور وكالفرق بين جدول مندلييف الدوري في الكيمياء ومعادلات العطارين في الأحياء الشعبية ...وكالفرق بين وطنية برهان غليون التي باعها بعشرين مليون يورو ووطنية أبطال جسر الشغور الذين قاتلوا حتى النهاية وهم يرقصون وترك أحدهم لنا وصية: اننا سنموت..لكن الوطن أمانة في أعناقكم
الجمهور السوري لايريد قراءة في الفنجان بعد اليوم بل يريد علما في السياسة وهو تواق الآن لأن يعرف الاتجاه بعد أن بدأت السفينة السورية انعطافة أخرى في هذا الجو العاصف ..ويريد البعض أن يتأكد أن الهزيمة قد ألحقت نهائيا بالمشروع الكبير الذي أراد تقويض النظام في سوريا والحاق البلاد بالفوضى والصراعات السياسية..ولكن وقع الرصاص هنا وهناك واستمرار التصريحات وتوالي العقوبات الغربية يلقي بظل من الريبة والقلق ويولد شعورا عاما أن الأزمة ستطول وأن لانور في الأفق..وفي كل مساء يردد السوريون السؤال الذي يقول: هل انتهت الأزمة؟؟ اذا لم تنته الآن فمتى؟
يعتقد البعض أن قراءة الأزمة السورية بالغ التعقيد لأن كل قراءة المعارضة لها كانت ركيكة وتعتمد تقنيات البصارات واغفال علم السياسة .. لكن تعالوا معي في هذه الرحلة الصغيرة نطوف بها على علم السياسة ولنترك قراءة الفناجين المقلوبة لبرهان غليون والمجلس السوري الانتقالي ورجب طيب أردوغان والشيخ العرعور ..العرعور الذي يقرأ للروس فنجانهم هذه الأيام..ولمن يريد أن يبتسم فليبحث عن قارئ الفنجان الروسي ..عدنان العرعور..
ففي مراجعة للأحداث السورية يمكن الوصول الى استنتاجات ستفضي الى معرفة الاتجاه الذي تسير فيه هذه الأزمة..فالأزمة أطلقت على شكل امتداد لربيع عربي لاحداث تغيير كبير في بناء السلطة عن طريق ضغط الشارع والاحتجاجات خلال أسابيع وانتهت اليوم بعد 7 أشهر الى اتباع التركيز على سلسلة اغتيالات وعمليات مسلحة متناثرة ولو أنها متركزة في وسط البلاد ..
علم السياسة والتاريخ يغرقاننا بالدلائل ويرشقاننا بالاستنتاجات الغزيرة على أن الثورة تلفظ أنفاسها ..وهذا الضجيج والصخب هو حشرجات الموت في أسابيعها الأخيرة.. ومراجعة الأحداث تشير الى حقائق هي:
أولا: بالرغم من كل الهجوم الاقليمي والدولي ومليارات الدولارات فقد صمد النظام وتماسك 7 أشهر ويبدو من السخف الآن أن نتوقع سقوطه بعد هذا التماسك الاسطوري وبعد أن استرد زمام المبادرة حيث فشلت الثورة في تحريك الكتلة العظمى من السكان .. فما سمي بالثورة السورية كان يمكن لها أن تحظى بالنجاح فيما لو استمرت على نفس النمط من التصاعدية والاتساع في الأسابيع الأولى وهو كما يصفه بيل غيتس بالتحرك الحلزوني للنجاح..فالنجاح يستولد مزيدا من النجاح ..واذا كان التحرك متسعا باطراد سمي الحلزون الايجابي وان بقي ثابتا أو تراجع ليتضاءل ويموت سمي "الحلزون السلبي"..وماحدث أن الثورة فشلت في الاتساع بعد حد معين لعدم رفدها بالمزيد من المحتجين فغيرت اتجاهها نحو الحلزون السلبي ووقعت في الخطأ القاتل.. وهو العنف المبكر..
فالمعروف أن الثورات الجماهيرية وتحركات الشارع اذا لم تتصاعد وبقيت طويلا بنفس السوية فانها لاتملك القدرة على البقاء .. وقد كانت نصيحة الخبراء الغربيين الذين يقدمون النصائح الآن "لقيادة الثورة" (وهؤلاء الخبراء هم شخصيات تتحرك في الظلام الدامس باستثناء هنري ليفي وسيتم الكشف عنهم لاحقا) أن الفشل في توسيع الاحتجاج المدني بسرعة سيتسبب باحباط مفاجئ لدى المحتجين وقد يتراجعون في بعض المناطق خاصة أن السلطة في سوريا لجأت للحل الامتصاصي وسحب الحل الأمني بالاستجابة غير المتوقعة لطلبات المعارضة فيما يلتقي الأسد بالناس بشكل مكثف وينشط مؤيدوه بالملايين وهذا بدأ يخلخل معسكر المحتجين مهددا اياه بالتفكك ..وكانت النصيحة هي التالية: يجب قطع الطريق على الأسد باجباره على استخدام مخالبه وليس هناك من طريقة الا السلاح الكثيف ..كانت الغاية من اظهار السلاح الكثيف للناس هو اقناع من لم يتظاهر أن الثورة وصلت الى مستوى الثقة بالنفس لتتحدى السلطة علنا وأن على الناس أن يصلوا الى نتيجة أن النظام انتهى فيلتحق المترددون والمنافقون الخائفون من النظام الجديد بالثورة التي ستوقف عملية تخلخل صفوفها وتتوسع من جديد ..وكانت استعراضات الثوار العلنية في حماة وجسر الشغور وبانياس واللاذقية والتي تم تصويرها من قبل المسلحين رسالة الى بقية السوريين بأن الثورة واثقة الخطوات ولاتخشى النظام .. لتزيد من ارباك الأسد الذي سيتردد كثيرا في استعمال "مخالبه" الأمنية والعسكرية لأن اقتحام المدن سيكون غاية في الصعوبة والخطورة وسيجلب عليه نقمة داخلية وخارجية.. وعملت المعارضة على زيادة منسوب الثقة لدى الجمهور أن النظام يترنح عبر مسرحية الاستعداد التركي للتوغل في سوريا بتفويض الناتو والاستشهاد بالدرس الليبي ...
ولكن حدث مالم يكن بالحسبان..!!
الانعطافة الكبيرة حدثت هنا، وكانت في توجيه ضربة معلم مفاجئة وناجحة لمراكز العصيان المسلح والفوضى.. وكان لانهيار المتاريس والحواجز ومصادرة السلاح واعتقال الفوضى أثر في تغيير مزاج الناس الذين كان يمكن أن تتأثر معنوياتهم فيتراجعون عن تأييد سلطة أريد لها أن تظهر متداعية في رمقها الأخير...فقد سقطت كل المعاقل الكبرى للتمرد المسلح بسهولة فائقة وبأقل الخسائر وتحول المسلحون من مجموعات كبيرة متمترسة في الشوارع وتحتل مدنا الى أفراد متناثرين لائذين بالجبال والغابات يقومون بعمليات الاغتيال خلسة وتحت جنح الظلام في منطقة جغرافية محددة وهذا دليل على ضعف الحيلة وتشتت القوى الرئيسية للمسلحين
ثانيا: تمكن جهاز الاستخبارات من اثبات قدرات وكفاءة كبيرة في القاء القبض على معظم المجموعات والأفراد الذين قاموا بعمليات عنف كبيرة وشهيرة في تحد لسلطة الدولة وكل من تورط علنا بالقتل استحضر مقبوضا عليه ليعترف على التلفزيون ..فاعتقل قتلة نضال جنود وسفاحو جسر الشغور الذين التقطوا الصور التذكارية فوق الجثث واعتقل دبيحة دير الزور والقناصون في حمص ودوما وتم اصطياد المنشق (حسين الهرموش) .. وهناك معلومات مثيرة للقلق بين المعارضين أن جهاز المخابرات قد أرسل منشقين ولاجئين كثيرين للادعاء أنهم معارضون وزرع المؤتمرات برجاله الذين يرصدون كل الحركات ويسود بسبب ذلك جو من القلق والهلع بين كل الفارين ..فهذه الخدعة الاستخباراتية والاختراق الكبير هي التي فتحت حماة ودرعا وبانياس وجسر الشغور..وهناك صيد ثمين قادم على الطريق..والفأر بدأ يتذوق الطعم ويريد دخول الفخ..وهذه الانجازات الاستخباراتية في ضبط الأمن صارت مثار تقدير الكثير من رجال الاستخبارات في العالم..وسيثبت الزمن أن الاستخبارات السورية هي الاستخبارات الأفضل في منطقتها وخاصة بعد أن يتم تركيز عملها على اصطياد العملاء والمتسللين والمندسين دون التدخل في شؤون الناس اليومية ودون سلطات قانون الطوارئ التي أسيء استخدامها في الماضي وتسببت في تذمر الناس
ثالثا: تحركات أمير قطر باتجاه ايران ومحاولته الضغط على السوريين لقبول توبته، واسقاط وضاح خنفر مع ماتحمله كل دلالات هذا السقوط ..واحتمال عرض اسقاط رأس آخر.. فخنفر ومهما حاول تمثيل الاستقالة ورباطة الجأش لاشك أنه فوجئ بقرار اعدامه "المهني" والتخلي عنه بسهولة التخلي عن حذاء قديم مثقوب .. وقد سقط بشكل مدوّ ومفاجئ له ولنا وسمعنا صوت ارتطامه بالأرض بعد سقوطه من هذا المكان الشاهق الذي تبختر فيه صلفا ..سقط وضاح بين جمهوره ومريديه واتباعه الكثر أبو محمد الحمصي وأبو عبدالله بايزيد ورزان زيتونة ورامي عبد الرحمن و و و .. وكل جمهور شهود العيان الذين حاولوا تلقفه لكنه سقط بينهم على رأسه وتهشم دون أن يكون له أو لهم حول ولاقوة..نعم الرجل كان أداة كأي (جزمة) لعبور المياه الآسنة وكأي قفازات تعبث بالجثث وكأي سكين للجريمة وكأي فأس لقطاع الطرق وكأي ساطور من سواطير دير الزور وحماة وحمص.. وسقوط الأدوات مهما كانت رمزيتها يدل على ضعف الأيدي التي تسلحت بها ويدل على تعب هذه الأيدي أيضا .. وتغييره يشبه تغيير قائد قوات الكوماندوس الأمريكية في العراق بعد فشله في ضبط التمرد في "المثلث السني" لكن الفرق أن القائد الأمريكي سيعامل معاملة بطل فيما خنفر سيبقى حذاء مثقوبا لافائدة منه.. الجزيرة بعد خنفر لن تكون الجزيرة ..فخنفر أتى في زمن أريد به اطلاق التيار الاسلامي الطائفي في المنطقة حيث عملت الجزيرة تحت خنفر منذ بداية غزو العراق وفرشت العقول العربية بقصص التطرف المذهبي والانتحاريين السنة وفرق الموت الشيعية وانتهى عهد خنفر ايذانا بنهاية فعالية الجزيرة ونهاية مرحلة الثورات العربية.. بعد سقوطها على أسوار الشام..وتدحرجها من على ذرى قاسيون ..كما سيتدحرج رأس عزمي بشارة قريبا كطريقة وحيدة باقية لاعادة الثقة بالجزيرة..الثقة التي ثقبت بسبب اسم عزمي بشارة ..وبعد أن كان اسم بشارة صمام الثقة فاذا به يمثل أكبر ثقوب الجزيرة.. ولابد من رتق الفتق..أو التخلص من الفتق (عزمي) والفاتق (خنفر) والمفتوق (الجزيرة)..
رابعا: تسليم الأمريكيين بأن لاأمل في تمديد بقاء قواتهم في العراق والتهيؤ لهذا الرحيل الذليل بعد استمرار عناد الرئيسين الأسد ونجاد بهذا الشأن دليل ثقتهما بالقدرات والامكانات لديهما وعدم وجود احتمالات تغيير كبرى
خامسا: ثبات الدعم الايراني والروسي واندحار تركيا وجعجعاتها ومناطقها العازلة بل ولجوؤها السريع لاستضافة الدرع الصاروخية الأمريكية لما سمعت من نية اغراقها بالصواريخ ان هي أقدمت على حماقة أطلسية..
أما مانسمعه من أردوغان هذه الأيام وماسنسمعه منه في قادم الأيام فهو بالضبط قراءة الفنجان من قبل رجل تركي عقله خربان يريد اثارة انتباه المخدوعين برواسب فناجين القهوة ويحب رؤية الدهشة في العيون والفضول من رموزه وعباراته الغامضة.. ولأن أردوغان يفهم في لغة الفنجان فسأهديه شخصيا هذا المقطع الجميل من أغنية العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في قارئة الفنجان:
لكن سماءك ممطرة ...وطريقك مسدود مسدود
فحبيبة قلبك ياأردوغان ..نائمة في قصر مرصود ..
من يدخل حجرتها ..
من يطلب يدها ..
من يدنو من سور حديقتها ..
من حاول فك ضفائرها ..
مفقود ..مفقود ..مفقود ...ياأردوغان
وسترجع يوما يا أردوغان
مهزوما مكسور الوجدان
وستعرف بعد رحيل العمر
بأنك كنت تطارد خيط دخان ..
ياولدي.. ياأردوغان
توم وجيري وحمزة الخطيب.. في الاتجاه المعاكس
لم أحس في حياتي بالعتب على النظام السوري كما أحسسته بالأمس والسبب كان مشاهدتي -بعد انقطاع طويل- لبرنامج الاتجاه المعاكس الذي جمع المعارض السوري محمد عبد الله وممثل السلطة في سوريا عبد المسيح الشامي وكان عنوان الحلقة هو عن صلاحية النظام السوري للاستمرار ..أنا لاأنكر أنني منقطع عن الجزيرة منذ زمن طويل، لكن ماقيل عن حلقة الاتجاه المعاكس السابقة والتي أصابت المعارضة السورية بالجنون والاكتئاب كان السبب في لفت نظري وخاصة بعدما رأيت معارضين ومؤيدين يتحرقون شوقا لهذه الحلقة التي بدت للمعارضين كمباراة الثأر من هزيمة الاسبوع الماضي المجلجلة .. وبدا المعارضون يتوعدون ويراهنون على هدّاف اسمه محمد عبدالله وكأنه مارادونا المعارضة ..
وقد أرغمت نفسي على رؤية هذا البرنامج الذي كنت اعتبره في السابق لايساوي أكثر من حلقات مسلسل الكارتون توم وجيري حيث يتصارع الطرفان بشكل كوميدي ويحضران المقالب والقفشات لبعضهما والخطط الجهنمية للايقاع بالخصم بعيدا عن كل منطق فيما يقوم فيصل القاسم بدور الكلب القوي والطرف الفاصل بين المعتدي (توم) والمظلوم (جيري) ...هذا البرنامج ممجوج بالنسبة لي بعد ان رأيت برامج الحوار الغربية المتوازنة والرزينة والثرية بالفائدة والنقد البناء والحوار الموضوعي بين أشد الخصوم تناقضا دون الوصول للهستيريا التي تصلها في هذا البرنامج الرديء الذي لم يفعل شيئا سوى تعميم ثقافة حوار عبس وتميم.. ومضر وتغلب.. وحوار المشارط اللسانية ..وحوار توم وجيري ..
قبل كل شيء لابد لي من القول ان حجم الصراخ والصياح والانفعال جعلني أحس بالألم على وطني الذي يتقاتل فيه الناس أثناء الحوار بالكلمات المكتوبة بالاسلاك الشائكة والمسيّجة بالأكاذيب..وتصبح الألسنة سكاكين وسواطير والحروف مسامير تشبه مسامير صلب السيد المسيح..فما سمعته وبالذات من المعارض السوري كان أشبه برقصة الموت الهائجة التي ترقصها القبائل الافريقية في الأدغال عند احتفالات أكل لحم البشر..وكان أشبه بأغاني المشعوذين والسحرة حول النار
وأما ما أقنعني أن النظام ارتكب خطأ كبيرا ورزية من الرزايا فهو ماسمعته من المعارض محمد عبد الله لأنني اكتشفت أن سجن شخص مثله وهو بهذه السوية الفكرية الرديئة والضحالة الأدبية دل على سوء تقدير النظام في اختيار الخصوم لأن الانسان يباهي بخصومه اما مثل هذا الخصم فان التخاصم معه اذلال واهانة وتحقير لمن يخاصمه ..فالخصوم من أمثال برنار ليفي وليفي شتراوس وفوكوياما وشيمون بيريز وصموئيل هنتينغتون تزيد من مهابة المعركة ومن قدر من يخاصمهم أما محمد عبدالله فان التخاصم معه لا يشبه الا التخاصم مع الحج صلاح في حارتنا (وجيراني بالطبع في الحارة هم وحدهم يعرفون من هو الحج صلاح) ..
أنا شخصيا لاأستطيع مناقشة شخص مثل محمد عبدالله لايستعمل أذنيه الا كديكور دون أن يكون لهما وظيفة الاستماع .. وأنا لاأستطيع مناقشة شخص يعتقد أن كل الدنيا خاطئة ولايعرف أن أجمل مافي النقاش الاستماع والقاء الحجة والاعتراف بحجة الخصم ووثائقه (وهو هنا السلطة) وان أجمل مافي تخاصم الفرسان هو أن ينحني الفارس لنزاهة خصمه مهما كان في جسده جراح منه..لكن مارأيناه بالأمس لم يكن فرسانا.. ولا نصالا تكسرت فوق النصال
وقد حكمت على محمد عبدالله منذ العبارة الأولى التي نطقها على أنه شخص لايعرف شيئا عن الوضع في سوريا وأنه في منفاه الأمريكي اختار ألا يتابع الا أخبار الجزيرة وفيلم الرعب الطويل الهوليوودي الذي حبس نفسه يراقبه في الظلام وهو يدري أنه من اخراج تنسيقيات الثورة السورية التي صار سكان الاسكيمو يعرفون كذبها والتي صار مخرجو هوليوود يراجعون تجربتها فيما يسمى سينما (الشارع الوهمي)..
فمحمد عبدالله بدا حديثه بالرحمة على الشهداء ..فأيدناه وترحمنا معه عليهم ..لكنه قال (وأخص بالذكر الطفل حمزة الخطيب الذي عذب وقطع عضوه الذكري) فأدركت على الفور أنني أمام رجل كذاب أو مغيب العقل لأنني شخصيا عرفت أن حمزة الخطيب بالفعل لم يعذب ...وأنه قضى بطلقات نارية أصيب بها ليلا أثناء هجومه مع مجموعة من مجانين درعا على مساكن العسكريين السوريين بعد فتوى حقيرة بسبي نساء "الكفار"..ولكي لاأتهم نفسي أنني أصدق الاعلام السوري ومحطة الدنيا ذهبت بنفسي منذ أسابيع والتقيت الطبيب الذي استقبل جثته في اسعاف المشفى العسكري في دمشق ليلة 28 – 5- 2011 (على ماأذكر) وشاءت الصدف والأقدار أن هذا الطبيب ورئيس قسم الاسعاف هو صديق الطفولة والذي بيني وبينه خبز وملح وأيام صداقة طويلة ومعاناة وهموم مشتركة وأسرار اصدقاء منذ وعينا على هذه الدنيا ..وقد سألته أن يصدقني القول عن قصة حمزة الخطيب وتعهدت له أن أحفظ السر كما حفظت له أسرارا في الماضي..فما كان منه الا أن طلب من زوجته أن تروي لي بنفسها ماذا قال لها يوم وصول جثة حمزة الخطيب الى المشفى..فقالت لي ان زوجها وصل تلك الليلة متأخرا وأخبرها عن وصول بضعة قتلى من درعا قتلوا في ذلك اليوم أثناء هجوم مجموعة مسلحة على سكن العسكريين كما قال له العسكريون والجنود الدرعاويون البسطاء الذين نقلوا الجثث.. وكان أحد القتلى ضخما جدا واحتاج بالضبط ستة من عناصر الاسعاف الطبي لوضعه في النقالة ..وكانت هذه الجثة لمراهق ضخم الجثة وقد اصيب بعيارات نارية قاتلة حديثا في درعا..
واستكمل صديقي قائلا: بقينا اسبوعا كاملا في المشفى ننتظر من يأتي للسؤال عن بعض الضحايا التي لم نتعرف عليها ومن بينها تلك الجثة الضخمة فبعثنا الى محافظ درعا بالصور لسؤال الأهالي عن أصحاب تلك الصور لتسليمها الى ذويها لدفنها فعاد الرد أن الجثة الضخمة تعود لمراهق اسمه حمزة الخطيب وهو من قرية تبعد عن المكان الذي قتل فيه 20 كيلو مترا ..وتابع صديقي الطبيب قائلا: وقد تم اخراج الجثة سليمة وبحضوري من البراد وارسالها الى درعا وبقيت في مشرحة درعا 3 أيام وبعدها فورا ظهرت على قناة الجزيرة في أسنان عزمي بشارة ليلوك لحوم الأموات بطريقة حقيرة..
وكان صديقي الطبيب العسكري في حالة ذهول من حجم الكذب والنفاق في قصة حمزة الخطيب وهو الشاهد على حقيقة ماحدث..وتساءل بمرارة : ماذا كان هذا المراهق يفعل ليلا في سكن العسكريين بعيدا عن قريته 20 كيلومترا ومعه مجموعة من المسلحين ..وهل هذه القصة دليل دامغ على أن معظم الذين عرضوا في الاعلام المعارض أكلت لحومهم بالكذب وعرضوا بهذه الطريقة المهينة لهم وزج بهم في خانة الشهداء مثلهم مثل من قتلته اسرائيل..هذه اهانة للشهادة والشهداء..
وبالطبع ولأنني –كما رويت بالضبط وبصدق- أعرف قصة حمزة الخطيب من شاهد عيان أعرفه منذ عقود وربما ألتقيه بشكل شبه يومي وأعرف أنه لم يكذب علي يوما فقد عرفت أنني أمام افتتاحية محمد عبدالله أقف امام شخص جاهل وكذاب أو على الأقل لايعتد برأيه طالما أنه لايعتمد الا على أخبار الحكواتيين ونسوان الثوار في الحارات و"الزنقات" ..ورأيه مشروخ ومصاب بنقص المناعة ..وأقل مايقال فيه أنه رأي رجل مقاهي وجلسات طاولات الزهر والأركيلة حيث لاتوثيق ولاوثائق ولاتحقيق ولاصدقية في وقت نطلب فيه كسوريين من المعارضين أن يتمتعوا بكل الصدق الشديد وألا يلقوا الاتهامات جزافا لحساسية الوضع ولكننا ابتلينا بقامات المعارضين الصغيرة والهزيلة والمريضة والتي تعتمد مقولة (لاأخلاق في الحرب) ومقولة (كل شيء يجوز في الحب و..في الحرب)..
كم كان مهينا لنا أن يصنع رجل مخابرات من شخص مثل محمد عبدالله بطلا وهو لايمكن أن يكون الا مناديا على بسطة أبو كاسم في صح النوم (أصابيع الببو الخيار) فالتقطته المعارضة ليكون مؤذّنا لها لمواهب الانفلات الصوتي والكراهية العمياء ولميزة عجيبة وهي غياب الاتصال بين الدماغ والأذنين وغياب قطعة كاملة من المخ اسمها جهاز التفكير السليم وغرفة المحاكمة العقلية ولميزة أخرى هي احتكاك نظام الكهرباء الدماغية دون حدوث ماس كهربائي بل انهيار كل أنظمة التحكم بالمزاج والنشاط الفكري السليم.
محمد عبدالله رجل صغير على السجون السياسية المعروفة أنها لقامات كبيرة وأستغرب من ضآلة حجمه السياسي كيف لم يتمكن من المرور عبر قضبانها بل عبر أي (ثقوب منخل أو غربال سياسي)..هذا رجل ماكان يجب القاؤه في السجن بل ارسال فريق طبي نفسي للتعامل مع عقده وأزماته ..هذا شخص غير سوي على الاطلاق والطريقة الانفعالية التي كان يهاجم بها تدل على أنه ليس معارضا بل (خريج حبوس) وان شركاءه في السجن لم يكونوا الا بسوية أبو عنتر وأبو النار وأبو صخر..كنا بالأمس نكتشف أننا أمام رجل ناقم دخل السجن لشهرين فلم يعد قادرا على التمييز بين الثأر الشخصي وبين دماء وطن..وأنه يريد أن يكون نلسون مانديلا لأنه دخل السجن 60 يوما..هلا قارنتم بين حكمة مانديلا الذي سجن أكثر من ربع قرن وخرج ليسامح سجانيه وبين "ثويئر" صغير اسمه محمد عبد الله كان غاضبا بالأمس كما لو كان نلسون مانديللا سوريا..ويريد أن يحرق الدنيا وكأن عرش الرب اهتز بسبب سجنه..مع فائق تعاطفي معه أثناء محنة السجن 60 يوما..لكنها فورة التشفي والصغار وليست ثورة الفرسان..فلا تلوموه..
المعارض لايروّج الأكاذيب ولايتحدث بهذه الطريقة الانفعالية لأنني شخصيا لاأصدق منفعلا سواء كان مع النظام أم ضد النظام ..فالانفعال حالة نفسية يعرفها الطب النفسي جيدا ويعرف أنها تشبه عملية استخراج الماء من بئر موحل والهدوء هو الذي يأتي بالماء القراح والنقي العذب فيما الهياج والتوتر يحرك الوحول ولانحصل الا على الوحل والمياه العكرة..المليئة بديدان القاع..
محمد عبدالله أهاننا جميعا عندما استغل منبر الجزيرة ليعلن أنه مجرد كاتب صغير وجندي من جنود عزمي بشارة وكرر الدفاع عنه عشرات المرات ..هل بعد فضيحة 45 دقيقة و(الأردن بلاه) يجرؤ رجل محترم على الدفاع عن عزمي ..حتى عزمي نفسه لم يتجرأ أن يبرر تلك الفضيحة أو أن يدلك لها ظهرها ويدهنها بالمراهم التي يستعملها للتبييض والتسكين بل حتى العنصري سوموزا في أدغال افريقيا اعتبرها فضيحة مشينة ....
ومحمد عبدالله أهاننا لأنه أعلن أنه صعلوك صغير من صعاليك حمد وموزة يدافع عن أبي لهب وامرأته حمالة الحطب ..فهذا زمن يكفي فيه الاشادة بعزمي بشارة وحمد وموزة كي نعرف أننا لسنا أمام صعلوك (فالصعاليك شعراء وثوار) بل أمام مملوك وضيع..وأننا ندشن عهد المماليك...كبير المماليك عزمي بشارة وملكهم حمد المملوك لقاعدة العيديد والسيلية..
كنت أترقب ان أرى في محمد عبدالله معارضا سوريا كانت الأقلام تتحدث عن قداسته لأنه دخل السجن وكانت هذه هي المرة الأولى التي أتابعه فيها مطولا فحزنت بشدة أن يكون انتظاري على موعد مع وقت ضائع وثغاء ورثاء وأن يكون مستوى المعارضة السورية بهذه الرداءة والقماءة والجهل والانحطاط ..أنا لم أكن أنتظر من محمد عبدالله كي يقرأ لي ماذا قال منافحو النظام ومحطة الدنيا وكذلك لم أكن أريده أن يكرر ماكتبت لجنة حقوق الانسان التي تملي عليها رزان زيتونة ورامي عبد الرحمن كل أرقام الضحايا وكأنهما مراسلان حربيان اسرائيليان يضخمان أرقام خسائر العدو السوري من المتظاهرين السلميين ولايذكران خسائرهما من المسلحين (الكوماندوز الاسرائيليين) المسلحين بالبومباكشين والقناصات على أسطح الأبنية في سوريا..
انتظرت من محمد عبد الله أن يقول كمعارض شيئا ما عن نضال جنود وعن مئات الجنود المدفونين في قمامات جسر الشغور ..وعن وجثث نهر العاصي الذي صارت ماؤه حمراء لأيام كي يعيد علينا ذكريات دجلة عندما اقتحم هولاكو بغداد .. رجال هولاكو سفكوا دماء العلم والكتب الزرقاء في دجلة أما ثوار محمد عبد الله فلونوا نهر العاصي باللون القرمزي ..لون الدم والذبائح البشرية ورسموا عيوننا بأشلاء رجال مقطعة على يد دبيحة دير الزور..
تمنيت من محمد عبدالله أن يقر أن النظام لم يقتل الجميع بل ان البعض على الأقل قتلته "الثورة" وتمنيت منه أن لايستخف بعبارة المؤامرة وأن يسأل نفسه عن مصير الثوار السوريين اذا ماانسحبت الجزيرة والعربية وبي بي سي وفرانس 24 واعلام العالم الغربي والتركي واعلام ساركوزي وكاميرون وأوباما وبان كي مون..هل كانوا سيستمرون أم سيختبؤون تحت الشراشف حيث لانصير ولاظهير؟؟ أم انهم مطمئنون ان هذه الأمومة الاعلامية والحنان العالمي يحميهم من غضب النظام؟ ان كان كذلك فهذه ثورة ليست للسوريين بل ثورة للأغيار..وان كان كذلك فهؤلاء ثوار بيادق .. والثورات الحقيقية لاتصنعها البيادق ..
ان كان من ميزة الاستماع للمعارضة هذه الأيام فهو ليس مراقبة ممثل الدفاع عن السلطة ان كان قويا أم ضعيفا بل اكتشاف الكارثة التي كانت ستحل بنا من وصول هذه العصفوريات المتنقلة والجرائم النائمة الى سدة الحكم تحت اسم المعارضة... بعد مقابلة محمد عبدالله زاد تمسكي بالنظام وتقديري للرئيس الأسد الكبير في خصومته وزعامته، ولكن هذا لايعفي النظام من لوم شديد لتصنيع نجوم المعارضة في السجون السياسية ...بعض المعارضين السوريين يشبهون الشحادين المفلسين الذين يعطيهم أحد المستهترين ورقة يانصيب رابحة ..فيتصرفون كالسادة وأبناء الذوات وربيبي السرايات ..والسجن هو تلك الورقة الرابحة ..هؤلاء المعارضون كقطع الظلام والليل الأسود الشتوي تدخل السجن لترصع نفسها بنجوم وأقمار بلاستيكية ومصابيح على انها نجوم..
أخيرا لمحمد عبدالله نعتذر عن اهانة السجون السياسية بك وكلي ثقة أن سهرة الأمس رسخت القناعة لدى الكثيرين أنك مرحب بك لتسير في شوارع دمشق حرا فأمثالك لايهزون العواصم العظيمة وأمثالك لايجب أن نعاملهم بالسجن بل بالاهمال واللامبالاة وسدادات الأذنين وكتاباتك لاشك ليست نظريات وماقلته عن قانون الطوارئ كان يقال في كل مكان..ونؤكد لك أن ثورتك تآكلت وأن الصياد السوري قد أردى ببارودة الخردق ضباعا مثل عزمي بشارة ورجب طيب أردوغان وبالأمس ألحق بهما صفيكم وخليلكم وضاح خنفر..وهناك طيور بوم سوداء ستسقط قريبا ..قبل أن يقطع رأس الأفعى التي تسللت الى الشجرة السورية..
فيزياء وكيمياء وبيريسترويكا.. ونبوءتان قطرية وتركية
في علم الكيمياء نعرف أن المعادلات الكيميائية تنجم عن انتقال جزيئات وذرات تحت ظروف "خاصة" ما لتولد جزيئات جديدة ومركبات وليدة دون أن يختل عدد الذرات والجزيئات الداخلة في التفاعل ..ومن يدرس الكيمياء يعرف ذلك ويعرف أن بعض التفاعلات عكوسة وبعضها لاعكوس ولكن ميزة التغيرات الكيميائية أنها قابلة للعكس على العموم..وفي دراستنا لعلم الفيزياء تعرفنا على تحولات المادة من حالة الى أخرى كالسوائل التي تتحول الى غاز أو العكس..وتعلمنا في علم الفيزياء أيضا أن معظم التغيرات الفيزيائية على عكس التغيرات الكيميائية غير قابلة للتراجع كاحتراق المواد وتفحمها..
ولكن مادخل هذا في علم السياسة وملامح الشرق الأوسط الجديد..؟ هذا ليس خلطا للأشياء لأن الشعوب والحضارات هي مركبات كيميائية تتفاعل عبر ظروف فيزيائية هي ظروف الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد ..ومايحدث في أنابيب الاختبار الكيميائي يحدث في أنابيب الجغرافيا السياسية والتاريخ ..ولابد لنا يوما من التعاطي مع ماسيسمى "الفيزياء والكيمياء السياسية"..فالحروب والنزاعات هي تفاعلات كيميائية بين الشعوب لكن نتائجها قد تكون غير قابلة للتراجع كنتائج الاحتراق الفيزيائي..
الانفجارات العنيفة التي شهدها الشرق الأوسط حطمت الجغرافيا السياسية التي نعرفها أو التي توقعناها ..الألغام التي انفجرت في شوارع الشرق الأوسط عند مرور قافلة الزمن العربي كانت بمثابة تفاعل كيميائي وعملية فيزيائية معقدة وآن لنا الآن بعد عدة أشهر من أن نحاول أن نتعرف على بعض المركبات الجديدة التي نتجت من حرائق الثورات العربية وكيمياء مختبرات الشرق الأوسط..
لابد من الاعتراف ان ماحدث منذ بداية هذا العام يكاد يشبه انهيارات الكتلة الشرقية في الثمانينات التي انطلقت من هبوط جدار برلين ..ولكن لابد من الاعتراف ايضا أن تماسك الكتلة السورية بالذات كان بمثابة جدار برلين معاكس ينهض في وجه الانهيار في الشرق الأوسط ..الجدار السوري الذي نهض كان مفاجأة الفيزياء السياسية والمعادلات السياسية الكيميائية.. ولابد لنا الآن بعد هذا التفاعل الكيميائي الشديد والتغيرات الفيزيائية في السياسة الشرق أوسطية من قبول انهيار منظومة تحالفات اعتقدنا متانتها وصلابتها ولابد من ملاحظة تأسيس تحالفات جديدة شديدة التميز ..المفصل الرئيسي فيها هو مفصل سوري بامتياز..
فمعادلة السين سين (سوريا والسعودية) الهشة التي صدعت رؤوسنا تفككت الى الأبد بعدما تبين أن سين السعودية راغبة في احداث تغيير في السين السورية ..ومهما تم التقليل من شأن الخلاف فهناك حقائق تقف أمامنا من غير أقنعة ..فالسعودية احتضنت العرعور وفريقه وفتاواه ورداءة منطقه، والسعودية غرزت أنيابها الاعلامية (وتكفيرييها) في الجسد السوري دون رحمة وبلا مواربة.. وبدت السعودية مسكونة بهاجس قتل ايران وحزب الله عبر قضم لحم سوريا ونهشها وتجييش السوريين طائفيا..اذا هذا التشكل الفيزيائي السياسي انتهى الى احتراق لايتوقف الا بعد نهاية عهد الملك عبد الله (أبو متعب) ورحيل بندر نهائيا عن القرار السعودي عبر انقلاب قصر..أو زيارة عزرائيل الى الرياض قريبا لجني بعض المحاصيل الناضجة..
وأما مشروع الزواج الكبير بين سوريا وتركيا فقد انتهى عندما تبين أن العروس التركية تصرفت كأنثى العنكبوت التي أرادت التهام الذكر بعد أن حصلت على التخصيب الذي تريده (انفتاح على العالم العربي عبر البوابة السورية)..وتبين لأنثى العنكبوت (أردوغان) أن العنكبوت السوري أدهى مما توقعت ..فقد التهم أبناءها من العناكب الصغيرة في جسر الشغور وحماة وبانياس .. وأنه قد يلتهمها نفسها ان دخلت شباكه.. وأن حفلة التخصيب كانت دعابة ليست الا للهروب من أنثى عنكبوت أخرى..
وكان المركب الكيميائي القطري - السوري هو المركب الذي شبه بالملح لأنه أضاف مذاق الملح على مطبخ السياسة العربية فاذا به يتفكك ويذوب ويتحلمه (أي ينحل بالماء) بعد أن بدا صلدا قاسيا ليتبين لنا أن "الجزيرة" صبت الماء على هذا المركب الملحي فذاب ..
وبعد تفكك المركبات السابقة كشفت الكيمياء السياسية عن مركبات جديدة وهي ان المركب السوري الايراني كان قويا متماسكا وأصيلا لكنه التحم مع مركب آخر هو المركب الروسي ليتشكل معقد سياسي جديد هو محور سوريا-روسيا-ايران..وهو مركب خطر جدا وفعال ولايمكن تفكيكه ببساطة وأنه بدأ يعمل بفاعلية وانسجام ..والمعارضة السورية التي ذهبت الى روسيا لبيعها معسول الكلام والوعود ونثر التهديدات نالت في امتحان الكيمياء السياسية والفيزياء السياسية علامة الصفر المكعب ..طلاب المعارضة السورية لم يدرسوا للامتحان في العلوم الجديدة..واعتقدوا ان ورقة الامتحان في مادة (الكيمياء السياسية) تحوي أسئلة عن كيمياء العرب القدماء الذين انشغلوا قرونا بالبحث عن المعادلة التي لم يتوصلوا اليها وهي "تحويل المعدن الرخيص أو الخسيس الى ذهب" ..وماقام به علماء الكيمياء السياسية في المعارضة السورية (برهان غليون ومجلسه الانتقالي الى رحمة الله) أنهم اكتشفوا المعادلة المعاكسة التي تحول الذهب الى معدن رخيص وخسيس..أي المعادلة التي سبقهم اليها أحمد الجلبي ومصطفى عبد الجليل عندما حولوا بلدانهم من معادن ثمينة الى معادن رخيص وفق المعادلة التالية:
بلد من ذهب يضاف اليه غباء معارضين سياسيين + شهوة للسلطة + عامل ثابت غربي (ناتو أو محافظين جدد) يعطي بلدانا هشة مفككة رخيصة من القصدير والنحاس المغشوش..
هذه المعادلة الفاشلة هي ماقصم ظهر المعارضة السورية..وأصابها بالشلل وأدخلها في الغيبوبة السياسية وغرف العناية المشددة.
اننا كوطنيين سوريين لسنا في معاهد أبحاث تدرس لنا الدول والمجتمعات كما تدرسها معاهد المحافظين الجدد ومؤسسة "راند" الشهيرة ..لكننا قد نمتلك حدس المفكر العربي الشهير المصري جمال جمدان (1928 - 1993) الذي لم يعمل في مراكز أبحاث سياسية شهيرة لكنه تمكن رغم انزوائه في بيته المتواضع (ورغم التجاهل والحصار الاعلامي على فكره) من استشراف تغيرات كبرى في العالم بناء على نظرة ثاقبة وصدق في العمل وجهد ومثابرة على المطالعة حتى أنه وفي ذروة نجاح الاتحاد السوفييتي في الستينات وضع نبوءة صادمة عام 1968 وهي أن هذا العملاق سينهار ويتفكك وكان هذا ماحدث بعد 21 سنة فقط من نبوءته الشهيرة..وأضاف الى تلك النبوءة نبوءة أخرى لاتقل صدمة وهي أن البديل عن العدو السوفييتي سيكون الاسلام..وأن العالم وأميريكا سيتبادلان الكراهية وسيراقب العالم بشماتة سقوط اميريكا كوحش جريح يمارس العنف العسكري ..وأنها ستتحول الى عملاق سياسي وقزم اقتصادي..فيما تتحرك اليابان وألمانيا لتصبحا عملاقين اقتصاديين رغم قزامتهما السياسية..
هناك عديدون ممن يشبهون جمال حمدان في صمتهم وانزوائهم والذين لاتعيرهم الجزيرة اهتمامها لأنها مشغولة بصنع المفكرين (الكرتونيين) من أمثال عزمي بشارة وفهمي هويدي وكتاب الشعوذات مثل غازي التوبة وعشرات الكتاب الذين يكتبون بالقمامة والهلوسات..وتقفز البراغيث من بين سطورهم..
المفكرون الأحرارالذين يعملون بصمت ولايتحدثون للجزيرة والعربية يقولون ان الفقاعة القطرية نشأت بارادة غربية واسرائيلية وأن انكشاف المشروع القطري بعد السيناريو الليبي واصطدامه بالفولاذ السوري خلق منذ الآن الحاجة للتخلص منه أو تغيير شكله خلال زمن اقصاه 3-5 سنوات خاصة بعد تذمر وقلق الحليف الرئيسي المتمثل بالعائلة المالكة السعودية من تعملق القزم القطري وتمدده وظهور طموحاته لزعامة العرب بعد الثورات العربية..فأهم قاعدة عند تجنيد العملاء واسناد الأدوار اليهم هو بقاؤهم بعيدين عن الشبهات أو الانتقادات وعدم تهديد التحالفات الرئيسية.. وماحدث الآن أن الدور القطري صار محور الحديث بين العرب ومصدر قلق سعودي..وأن الجزيرة كذراع اعلامي قد احترقت واصيبت باضرار شديدة جعلت فاعليتها مشكوكا بها وأنها تعرضت لخلل واحتراق فيزيائي غير قال للعكس والاصلاح ولابد من ايجاد حل أو بديل ..السيناريوهات التي يتعرض لها هؤلاء المفكرون الأحرار والعباقرة القابعون (في الظلام) تقول ان قطر لاغنى عنها كجزيرة تحمل القواعد الأمريكية ويحبل باطن أرضها بمخازن القنابل الأمريكية التي تدك الشرق وتحمل على أكتافها قاذفات ب 52 العملاقة كما كان الأفارقة العبيد يحملون على أكتافهم صناديق المؤن والمياه والذخائر للمغامرين والصيادين البيض وتجار الرقيق في مجاهل أفريقيا..وينطبق على قطر ماينطبق على مصر عندما قال ديبلوماسي اميريكي عند قيام مظاهرات ضد حسني مبارك:
"نحن لانريد مبارك بل ..نريد مصر". والدلائل الأمريكية تقول: نحن لانريد حمد بل .. نريد قطر.
السيناريو المطروح أن الأمريكيين مطلعون تماما على خفايا القصر الأميري حتى أن احدهم قال متهكما: لاتستغربوا ان نكون نعرف حقائق كما لو أننا أخفينا كاميرا دقيقة وجهاز تنصت في الشارب الكبير لحمد أمير قطر..أي أن أنفاس حمد مراقبة ودرجة حرارته مرصودة ..وحتى غزلياته بموزة تتابعها الولايات المتحدة..
والأمريكيون مطلعون بدقة على دسائس القصر الأميري وهم يعرفون أن هناك شخصيات طامحة للسلطة وتواقة للقفز على دور الامير الذي بدا لهم (عالميا) وهناك عروض واقتتال سري لمزاد سري للتفوق على مايقدمه حمد..والأنكى من ذلك ان الامريكيين مطلعون على نفسيات العائلة والمحيط الأميري ويعرفون أن سابقة الأمير بالغدر بوالده خلقت مرارات كثيرة كما خلقت ثقافة جديدة لدى الأفراد المحيطين بالامير من أن الغدر بالحاكم لم يعد محظورا أو مستنكرا في ظل سابقة حمد على أبيه ..ومايحدث الآن أن هناك انتظارا للمرحلة القادمة ليهدا الغبار العربي ..فالبديل في قصر حمد جاهز وهو محدد بأحد شخصين اثنين فقط (؟؟؟)..والمضحك أن الانقلاب في القصر سيكون بسبب سياسة الأمير المتهورة تجاه القضايا والشعوب العربية..وبالذات لدور الجزيرة في الاضرار بالعرب وعلاقة قطر بالشعوب العربية ...وقد نرى نهاية موزة قريبا كما رأينا نهاية زوجة فرديناند ماركوس الفلبيني..
الرسائل الخفية من أمير قطر بالاعتذار تصل تباعا منذ زيارته لايران وربما استعمل برنامج الاتجاه المعاكس مؤخرا لطلب الصلح والمغفرة بعد الانتباه لمؤامرات القصر ودسائسه..وبعد أن تشمم الأمير رائحة تغيير آتية في القصر وبعد أن أشيع ان أنفه تشمم رائحة البارود في احدى محاولات الاغتيال التي لانعرف بعد حقيقتها..
وفيما يتعلق بتركيا فان القراءات العاقلة والصامتة ترى أن هذا البلد مقبل على هزة عنيفة لأن نواة الدولة التركية التي تفاهم من خلالها مصطفى كمال أتاتورك مع الغرب قام على العلمانية بعد أن تلاشت ملامح الدولة الاسلامية عندما سقطت أهم ركائز منطق الخلافة الاسلامية بفقدان دمشق وبغداد كعاصمتين أثيرتين للعواطف الاسلامية، لأن الاسلام نهض كدولة رسميا في هاتين العاصمتين وكان لسلاطين بني عثمان القدرة على ادعاء الخلافة بسبب الاستيلاء على قلبي الخلافة الاسلامية (دمشق وبغداد) فصارت استانبول تحكم الاسلام عاطفيا لأنها أمسكت بالقلبين بيديها وعصرتهما ومنعت أي اسلام من التنفس الا من خلالها بحجة أن القلبين الخافقين للاسلام بيدها وأنها استمدت مشروعية الخلافة من السيطرة عليهما..القراء للجغرافيا والتاريخ وللكيمياء السياسية يرون أن خطأ حزب العدالة والتنمية هو النهوض بالخلافة العثمانية (الاسلامية) من دون دمشق او بغداد..ولذلك سعى اردوغان لانقاذ مشروعه بالاستيلاء على القلب السوري لأن القلب البغدادي بيد قوتين هما اميريكا وايران..وفشل اردوغان في الاستيلاء على القلب الدمشقي يعني نهاية امكانية بناء مشروعية لخلافته الاسلامية ..وانكفاء تركيا عن سوريا يعني غياب المبرر لحكم اسلامي في بلد فيه أقليات عرقية ودينية ولايحكم الا بمعادلة مصطفى كمال العلمانية..وماسيحدث أن المتضررين من حكم حزب العدالة والتنمية سيجدون في الفشل الأردوغاني حجة قوية على عدم صلاحية الحكم الاسلامي لبلد مثل تركيا .. والهزيمة على المحور السوري ستقوي من شكيمة المعارضين العلمانيين وتقوي من رغبة الأقليات بالتخلص من أردوغان لما يسبب لها من هواجس...وحسب بعض المراقبين فان تصريح أردوغان عن خشيته من حرب أهلية سورية بين العلويين والسنة ربما كان لاخافة أقلياته من أن أكثرية تركيا قد تنجرف الى نفس الحرب المذهبية اذا مافكرت هذه الأقليات بالتمرد على سياسته وسياسة أكثريته ..
المسألة الكردية هي التي ستحل الدولة التركية نهائيا لأن تركيا الجيوسياسية الحالية غير مرغوبة كجار الى الأبد لأوروبا ولذلك فان دولة كردية قادمة ستكون (الحل النهائي) لوضع تركيا المتاخمة لأوروبا والدولة الكردية لاتقوم الا باقتطاع شريحة لحم كبيرة من الجسد التركي ..الحليف الكردي الذي بدئ بمشروعه في شمال العراق سيكون موثوقا أكثرلاعتماده الكلي على دعم الغرب وسيكون بمثابة (اسرائيل كردية) بنفس الدور الوظيفي أي محاط بالأعداء من كل الجهات ومتوجس من الجميع وسيكون أكثر تعاونا ومستعدا للقتال حتى الموت من أجل الغرب لأن تلكؤه عن خدمة الغرب حتى في المجال الروسي يعني نهايته الحتمية وذوبانه من جديد وتحطمه تحت سنابك الدول المحيطة..الغرب لن يخسر عضو الناتو التركي بل سيضيف الحليف الكردي بكتلته السكانية وبموقعه المماثل للموقع التركي جغرافيا وسيكون أقل عنجهية وبلا تاريخ وسلاطين يهدد باحيائهم..
فيما يخص سوريا يعتقد هؤلاء الخبراء في مكاتبهم المتواضعة أن الهزة في سوريا تشبه هزة أرضية صغيرة ستسبب وقوع أبنية متهالكة وبنى ردئية وستظهر القلاع القوية المغبرة التي علاها الغبار والتي لن يسقط منها حجر واحد..هذه الهزة ستطلق عملية غلاسنوست و بيريسترويكا سورية أي "الثورة من فوق" ومن قصر الشعب حيث لايكون بشار الأسد ميخائيل غورباتشوف الهاوي في الاصلاح بل ربما يكون (بطرس الأكبر)..
كيف تهزم في خمسة أشهر من دون معلم؟! قفزة عباس بن فرناس في سورية
لم توجد حركة احتجاجات نالت هذه الحظوة من العناية والدلال والرعاية على مستوى العالم كالاحتجاجات في سوريا والغريب أن المنصات التي انطلقت منها هذه الاحتجاجات لاطلاق التغيير هي نفس المنصات ومهابط الانزال التي أنزل عليها الرئيس بشار الأسد خطواته الإصلاحية والغريب أيضاً أن هذه المعارضة قفزت من تلك المنصات لتتركها ليحل محلها مشروع الرئيس بشار الأسد الذي أعلنه منذ زمن عندما وثبت هذه المعارضات في الهواء ...ولا يشبه هذا القفز إلا قفزة عباس بن فرناس ونهايتها المعروفة..ولم يعد السؤال هو ان كانت المعارضة السورية قد منيت بالهزيمة وتحطمت كما تحطم عباس بن فرناس الذي وثب في الهواء بحسابات خاطئة، بل صار السؤال:لماذا خسرت المعارضة هذه المعركة رغم كل هذا الحشد الأممي الداعم؟؟؟ ولايستحق من ينكر هذه الحقيقة في الهزيمة المرة للمعارضة الا الرثاء والدعاء له بدعاء جدّي "اللهم ثبت علينا العقل والدين يارب العالمين" ..
في الوقت الذي كان قادة الثورة من باريس والدوحة يتحدثون الينا عن انجازات الثورة وينصبون برهان غليون رئيسا لمجلس انتقالي قررت ألا أستمع لاعلام الثورة والجزيرة وبرهانيات الثائر "غليون" ولا الى اعلام السلطة في سوريا.. وقررت أن أتجول بنفسي بين الناس وفي مدن ساخنة وأتحدث اليهم لأن الحقيقة تهمني كسوري يريد ان يرى مايريده الناس ليعرف مدى انسجام أفكاره مع أفكار الناس ..ولمعرفة المسافة بينه وبين الناس والمسافة بين السلطة والناس والمسافة بين المعارضة والناس كيلا يعتقد أنه يعيش اليوتوبيا وأحلام اليقظة المأساوية كما يعيشها برهان غليون ومجلسه الانتقالي..
تجولت في عدة مدن فيها الاحتكاك الساخن ونزلت الى الشارع حيث "بقايا" المتظاهرين ..ووجدت من هذه الرحلة الطويلة لعدة أيام بين الناس وفي نقاط الاحتكاك أن السلطة في سورية متماسكة جدا أما مايشاع عن تعب وتراجع معنويات أجهزة الأمن فهو أقرب الى الخيال بل وجدت أن هيبة الدولة على حالها ولمستها عند المرور بالحواجز الأمنية على ضفاف المدن التي تعرضت لعنف "الثوار" وكل مايقال عن تداعي هيبة جهاز الأمن والجيش بعيد عن الصحة ..ورأيته في ذوبان المتظاهرين وتشتتهم بمجرد اطلاقهم لرصاصة واحدة تستدعي تدخل رجال الأمن الذين لايظهرون الا فجأة كالبرق مع لعلعة رصاص العابثين بين المتظاهرين وكأن الرسالة واضحة وهي أن حناجر المتظاهرين لاتستفز ولاتهم طالما أن الأصابع العابثة لاتضغط على زناد الرصاص وتخيف الناس ..وعلى العكس لاحظت أن الشعور بهيبة النظام خالطها شعور باحترام كبير للمؤسسة العسكرية ..ورأيت بأم عيني العلاقة الجميلة والود بين معظم الناس ورجال الجيش ورأيت بأم عيني التلويح والتحيات للشباب في الجيش على الحواجز واصرار الناس على اظهار تأييدهم لهؤلاء الرجال..وكم سمعت أذني كلمات الدعاء لهم والشكر (الله يعطكوالعافية...الله يحميكو..الخ)..والحقيقة القاطعة أيضا التي تبينتها هي أن انشقاقا في سطح القمر قد يحدث قبل أن يحدث انشقاق في الجيش السوري..
التقيت كثيرين من المؤيدين والمعارضين ولاحظت أن هناك شعورا بالاهتزاز لدى جمهور المعارضة بسبب عدة عوامل كان أهمها انحسار العامل التركي وخيبة الأمل من انهيار الوعود التركية من نفاد الصبر .. وصار أردوغان الشخصية التي يصب عليها جام الغضب من قبل المعارضين قبل مؤيدي السلطة.. كان انكسار الحلقة التركية نذير خطر على المحتجين..ولذلك ظهر الاصرار على شحن المعنويات بطلب الحماية الدولية.. والنفخ في معنويات المحتجين لدفعهم الى الطرقات...أما الناس فقد ماتت لديهم الجزيرة والعربية وصار عدد من يشاهد الجزيرة بثقة أقل ممن كان يتابع التلفزيون السوري وبرنامج عالم الأسرة أو أخبار تدشين الرفاق البعثيين للمدارس في ذكرى ثورة آذار..وحاولت الجزيرة دفع بعض المتظاهرين لرفع لوحات (شكر للجزيرة والعربية) بطريقة دعاية مضحكة لايشبهها الا بيانات الشكر لمنظومة دول عدم الانحياز لوقوفها العادل الى جانب قضية العرب المشرّفة !!
لا أريد هنا أن أبحث فيمن ارتكب الأخطاء الأكثر..السلطة أم المعارضة ..ومن الذي سفك دماء أكثر ..ومن الذي هتك حقوق الانسان أكثر ..لكن دعونا نعترف أن الدولة والسلطة في سوريا لعبت أوراقها بنجاح منقطع النظير ومارست لعبة ذكاء يستحق الثناء وكانت اللاعب المحترف في لعبة السياسة الدولية فيما خرجت المعارضة كمثال على الهزال والتشتت وسوء الإدارة وسوء توزيع الأدوار وتناقض العزف بين مكوناتها وعازفيها وغياب مفجع للحكمة ولمنطق التخاطب مع عموم الشعب السوري لأنها تخاطبت مع الشعب السوري على أنه "شعوب سورية" ...فمرة تخاطب السنة ..ومرة تخاطب العلويين ..ومرة تخاطب العلمانيين ..ومرة تخاطب التكفيريين ..ومرة تدعي السيادة والاستقلال ..ومرة تستجدي النيتو..ومرة تدعي السلمية ..ومرة تدعو إلى التسلح....خطاب يدعو للرثاء ويدل بما لايدع مجالا للشك أن السوريين أشد مايكونون الآن بحاجة إلى معارضة ناضجة وحكيمة ومنبثقة من داخل النظام نفسه وليس من ثنايا الجزيرة ومن فنادق الخمس نجوم في أوروبا .
تعالوا نقوم بتحليل بسيط لنرصد من خلاله التأرجح والقفزات البهلوانية للمعارضة السورية التي كشفت خفتها فبدت ملاكما في وزن الريشة أو الذبابة يخوض نزالا في الملاكمة مع بطل العالم في الوزن الثقيل..ولم تكن قفزاتها في الحلبة تنم عن رشاقة ودراية في علم السياسة بل عن تخبط وجزع ولاثقة رغم أن الحكام انحازوا لملاكم "وزن الذبابة" كما أن مقاعد الحلبة كلها حجزت لمشجعي وجمهور الذبابة ونقلت محطات الذبابة –حصريا- تفاصيل المباراة بحرارة معلقيها مثل المعلق عزمي بشارة والقرضاوي وعبد الباري عطوان وبسام جعارة..ومع هذا اعتقد ملاكم الذبابة أنه يسجل النقاط ..ولكن المشهد يقول ان الملاكم الثقيل تجنب خوض المباراة لعدم التكافؤ فشجع ذلك ملاكم وزن الذبابة على توجيه لكمات سريعة الى الملاكم ذي الوزن الثقيل الذي ضاق ذرعا فسدد الضربة القاضية لملاكم الذبابة الذي سقط على أرض الحلبة بعينين متورمتين..والحكم الأمريكي بدأ العد الى عشرة وعندما وصل الى تسعة قرر أن يعيد العد فيما لاعب الذبابة مستلق على ظهره وقد فرد يديه ورجليه وغاب عن الوعي..
لماذا منيت المعارضة السورية بهذه الهزيمة التي لاتريد الاعتراف بها بعد مرور عدة أشهر؟؟ تعالوا معي في هذه الرحلة البانورامية لندخل في عالم المعارضة السورية ونتعلم درسا سنسميه (كيف تهزم في خمسة أيام من دون معلم؟!) ولانصاف المعارضة سيكون عنوان الكتاب (كيف تهزم في خمسة أشهر من دون معلم؟!) وسيكون بمقدور فريق السلطة أن يصدر كتابا معاكسا يسميه (كيف تهزم العالم في خمسة اشهر من دون معلم؟!) ..وتعمل الآن العديد من مراكز الأبحاث على البدء بدراسة ظاهرة الربيع العربي الذي ملأ الشرق "بالزهور الصناعية" ولم تزهر هذه الورود الصناعية في دمشق رغم كل رياح الاعلام التي حملت غبار الطلع من كل الجهات ..فحقول الزهور والربيع زرعها السوريون في مظاهرات حاشدة بالملايين في كل مدنهم دعما لربيع آخر مختلف تماما وفوّاح بعطر الوطنية وضوعة الطيوب السورية..
ونستطيع أن نلخص أسباب انهيار التمرد السوري في الأسباب العشرة التالية:
1- المعارضة السورية انطلقت في البداية من منطق التظاهر السلمي الذي أصرت على استدعائه في كل خطاباتها والالتحاف به لتقفز إلى مرحلة العصبية والتشنج والعنف المسلح بدليل لقاء محمد رحال مع صحيفة الشرق الأوسط الذي أعلن فيه صراحة هذا التحول الى جانب انجاز المئات من المجازر والأعمال العنفية التي تمت بيد "الثوار" السوريين .. فيما قفزت تحركات الرئيس الأسد من مرحلة التصدي العنفي الذي عرف عن النظام في السابق في مرحلة الثمانينات إلى التعامل الهادئ وعلاج كل عنف حسب عنفه والتعامل مع كل سلمية بمثل سلميتها دون نقص أو زيادة..بميزان الذهب..هذا القفز وتبادل الأدوار صدم الجميع حتى جمهور المعارضة نفسه ووضعه أمام تناقضاته حائرا..
وثقوا تماما أن المعارضة كانت ستحقق تطورا هاما فيما لو أصرت على نبذ العنف مهما كان الثمن ورغم كل المرارة والقسوة التي اتهمت بها النظام وقسوته..وعنف الثورات الشعبية لايصح عموما الا في نهاياتها للحسم.. أما العنف لانقاذ ثورة سلمية محاصرة فقد كان خطأ قاتلا دل على أن قادة الثورة أغرار يواجهون فريقا حصيفا من الدهاة في عالم السياسة.. تمكن فريق السلطة من استفزازهم بهدوئه وصمته الذي لم يتوقعوه حتى خرجوا من مكامنهم يعتزون بقوتهم ويباهون بسيوفهم فثبتوا عليهم تهمة اللاسلمية وكان خروجهم مثيرا للفزع من قبل الناس على العموم ومن مريديهم على وجه الخصوص حتى صار الاجهازعليهم مبررا..ومطلبا جماهيريا..
2- فيما انطلق مشروع المعارضة لبناء سوريا حرة ديمقراطية موحدة وللجميع ..انتهى هذا المشروع إلى إمارات ظلامية وتكفيرية والى دويلات طائفية مثلت صدى لتصاميم مشاريع سرّبها مفكرو الغرب وبيوتات التخطيط في معاهد الأبحاث الاسرائيلية..هذا المصير أدخل الرعب في قلوب الوطنيين السوريين الذين تذوقوا معنى السلفية دما ورعبا وسواطير وجلابيب طالبانية ورأوا نماذج التفكيك في العراق والسودان وليبيا واليمن..والبلقان..فكان المزاج العام ضد هذه النماذج بل اصرار على تقديم نموذج لايقسّم هو النموذج السوري
3- وفيما تأسس مشروع المعارضة على كرامة الوطن السوري واستقلال الوطن السوري (وانفكاكه بالذات عن إيران كما ادعى المعارضون) فقد انتهى هذا المشروع –وياللمفارقة- إلى الدعوة الصريحة للاستغناء عن السيادة السورية وفتح البوابة السورية لقوات الناتو (والحملات الصليبية!!) ..وصار راسموسن الدانماركي الذي –وللمفارقة أيضا - رفض الاعتذار عن إهانة الرسول الكريم هو الرجل الذي تستغيث به المعارضة السورية (وبطيفها الواسع السلفي)...وبصريح النداء: واراسموسيناااااه ...وبدأ ذلك يطبق بسرعة عبر جمعة الحماية الدولية التي ستوصلنا الى طلب صريح بالاجتياح ..
المعارضة السورية بهذا الاسم الآثم ليوم الجمعة نقلت العقل العربي وضميره من صرخة "وامعتصماه" التي طالما اعتز بها الى مرحلة "واناتواه"..وهذه نقلة لاتبررها ذريعة عنف الديكتاتوريات بل تدل بلا شك على ضعف المعارضة وعدم التفاف الناس حولها ووهنها الشديد وهزال خطابها ومعاناتها من نقص التغذية كما أطفال المجاعات الافريقية..وهذا النداء كان بمثابة اغتيال للثقافة العربية التي تعتز بصرخة وامعتصماه وتعتز بالارادة العربية ..ان هذا النداء مثّل اهانة تضاف الى سلسلة الاهانات التي لحقت بهذا الشرق مؤخرا..فقد جاء في خضم تجربة رديئة مقززة للمعارضة العراقية وللمعارضة الليبية.. فحلف االناتو الذي أهان الرسول وكتاب الرسول، يستغاث به لنصرة الشعب السوري الذي صنع امبراطورية الاسلام والعرب الأولى والذي يحتضن أضرحة المؤسسين الأوائل والرواد الكبار.. والشعب الذي يحتضن ضريح صلاح الدين الذي أذل أهل "الناتو القديم" في حطين هو الذي تستنجد معارضته وثواره بأبناء من سقطوا صرعى في حطين من ساركوزي وكاميرون وراسموسن ..هل هناك أي اذلال للسوريين من هذا النداء؟! وهل هناك أي معارضة أحط وأتفه بل وأغبى من هذه المعارضة؟! .. فالمعارضة برهنت أن الشعب السوري يعيش بمشاعره الوطنية في الذرى فيما تعيش المعارضة بين الحفر ..ومن يعرف السوريين يكون على ثقة ويقين أن السوريين ان قرروا القيام بثورة فلن يحتاجوا أحدا في العالم..لاناتو ولاأطلسي ولاسعودية ولاايران ولاتركيا ..وليس كما قال المناع انها فرصة قد لاتحدث الا كل مئة أو ألف عام !!هذا عدم دراية مطلق بالشخصية السورية التي حطمت جمال باشا السفاح عندما طغى وعندما جعلت سورية أول دولة عربية تنال الاستقلال التام معلنة نهاية عهد الاستعمارالأوروبي..
4- اعتمدت المعارضة السورية على دعم أطراف لايشهد لها بنظافة اليد ..فلم يساندها أشخاص مثل هوغو تشافيز أو نيلسون مانديلا بل حمد وموزة وأبو متعب وهذان نموذجان لحكم ظلامي مهما تفنن المعارضون في تبييض صفحتيهما وتقديم الشكر لجزيرتهما وعربيتهما ومجرد الاستعانة بهما ألقى المثقفين والمتنورين السوريين بعيدا عن مجال تأثير الثورة .. فوجود قطر في صف المعارضين وحاكمها المشبوه بعلاقته باسرائيل والمشاريع الأمريكية والذي لاتزال طعنته لأبيه في ثقافتنا الشرقية مصدر خجل وعار لايمكن الدفاع عنه ناهيك عن اعتماد المعارضة على أوباما وكلينتون وساركوزي وهنري ليفي وغيرهم..وكان ممكنا للثورة أن تصيب النجاح فيما لو تصنع كل الحلفاء السابقين التزام الصمت لاسباغ صفة الوطنية الخالصة على الثورة ممما سيدفع الكثيرين من المثقفين والمتنورين لتأييدها..وهذه الشريحة من المتنورين طرف مهم جدا في أية ثورة فهم يمثلون دماغ وأعصاب الثورة التي تبقيها يقظة فبدونهم تبدو عضلات الثورة بلا أعصاب تتحكم بها كما المصاب بالصرع ..
5- المعارضة السورية اعتمدت على مظاهرات (همبرغر) أي كالوجبات السريعة لدقائق.. والبعض سماها مظاهرات (سياحية) لالتقاط الصور التذكارية لمحطات فضائية وبشكل خاطف ..وعجزت عن تكوين حالة اعتصام عفوية مديدة دون اللجوء للبلطجية وحملة السواطير والمتمردين الذين تباهوا بخرق القانون.. والمظاهرات كانت على العموم صغيرة متفرقة خاطفة وكان الاصرار على نفخ وجناتها وشفاهها بحقن البوتوكس التجميلية من الجزيرة مشوها لها ومنفرا فلم تتعد أضخم مظاهرة في اقصى حالات الغياب الأمني اكثر من آلاف قليلة
6- في خطاب المعارضة دغدغة للأقليات على أنها ستحظى بالمواطنة الكاملة وبالرعاية من الأكثرية السنية لكن هذه المعارضة خيبت آمال الأقليات بعدم صراحتها في موقف من شخصية إشكالية خطرة مثل العرعور..فالعرعور تبين أن له مريدين ...والعرعور حرك الشوارع ..وحرك السواطير..ولم تتبرع كل القوى العلمانية في المعارضة بإصدار بيان واحد يدعو الناس لتجنب منطق العرعور ..وبدا أن هناك تحالفا ضمنيا واعترافاً بوجود تيار العرعور على الأرض والسماح له بالمشاركة والفعالية في الثورة بل وعدم قدرة على تجاهله..وتبين للناس أن لافرق بين المعارضة والوهابية السعودية ..واصطفاف السعودية مع المعارضة أثار قلقاً كثيراً.. فالسعوديون كانوا على الدوام رعاة للمذهب الوهابي الذي لايقبل الاعتراف بأي آخر..وبدا الالتزام بيوم الجمعة وبالذات بالخروج من المساجد مصدرا للقلق لدى الكثيرين الذين رأوها ثورة دينية صرفة تتلفع بالحرية والديمقراطية لتخفي حقيقتها السلفية..
7- أما الخطأ الأكبر فهو رهان المعارضة على شخصية السيد أردوغان ..فخذلانه للمعارضين في كل معاركهم العسكرية جعلت قناعتهم راسخة أنهم أدوات وأنهم على الدوام قرابين يضحى بهم في لعبة سياسية كبرى كما في التسريبات عن تسليم تركيا للمقدم المنشق "الهرموش" الذي يبدو أنه سيحل ضيفا على جهاز الأمن السوري بعد تسليمه بصفقة صامتة من قبل الأتراك للسلطات السورية مقابل رؤوس تركية أسرت في الداخل السوري..ومن يدري من هي الشخصية التالية؟؟
8- سوء قراءة الخارطة الدولية للتحالفات والتوازنات ..فالتحالف السوري الايراني الروسي ثابت وقديم وليس حديثا طارئا كالتحالف مع تركيا وقطر ..وهذا التحالف متين يتبادل الحياة والموت فسقوط حليف واحد يؤثر في الحليفين الباقيين ..فيما اعتمدت المعارضة تحالفات تكتيكية مزاجية وتتبادل فقط (المصالح)..ولذلك بدا تهديد المعارضة لروسيا بأنها قد تتأخر في حصاد نتائج مابعد سقوط النظام السوري اذا ماأصرت على موقفها، بدا بائسا ويدل على خلل فظيع في علم السياسة والجيوبوليتيك..فيما تقول التسريبات الأكيدة أن حلفاء المعارضة يخوضون مفاوضات شاقة لبيع منتجاتهم وحلفائهم بالجملة والمفرق للتخلص منهم مقابل اثمان ما !!
9- غياب شخصيات معارضة ذات بعد وطني وطيف شامل ..فكاريكاتيرات المعارضة مثل رضوان زيادة وحازم النهار ورامي نخلة ورزان زيتونة وبسام جعارة كلها شخصيات غير مقنعة الا لمسرح العرائس السوري وحلقات "افتح ياسمسم" السوري لتنضم الى شخصيات كعكي وكركور والضفدع كامل وأنيس وبدر .. ووجود برهان غليون أو المناع في جسم المعارضة لم يثرها بل ان وجود هاتين الشخصيتين في بحر من المعارضة الرثة لم يغن المعارضة لكن على العكس قلل من كثافة وتركيز هاتين الشخصيتين في هذه البحيرة من المعارضة المائعة الرخوة ..تماما مثل اضافة لون ما الى بركة آسنة لتجميلها..فلن تتلون البركة بل سيضيع اللون في المياه الآسنة الواسعة..ويضيع بريق اللون المضاف ..ويصبح نفسه آسنا
10- مايلفت النظر هنا هو حقيقة غريبة وهو أن المعارضة راهنت على الحالة النفسية للجمهور السوري لأن مايحدث لايزال صغير الحجم على الأرض بالقياس الى حجوم الثورات في تاريخ سوريا وفي الجوار القريب..فالناس في سوريا لم يعتادوا على التظاهر ولم ير معظمهم تجمعا في حياتهم ضد السلطة ولم يسمعوا بأناشيد المعارضين في الطرقات فهذه المظاهرات الصغيرة خلقت شعورا لدى الناس في البداية أن البلاد تعيش أزمة عويصة ومظهرا يسبب جحوظ العين المندهشة.. وسببت المظاهرات لدى البعض قلقا من وجود عدم اجماع على بعض مااعتدنا عليه من ولاء للسلطة .. ولكن تفكيك هذا الشعور يفضي ببساطة الى ان القضية نفسية جدا ..فمعظم السوريين تمتعوا بالاستقرار المديد وغابت أشكال الاحتجاج طوال عقود حتى صار مجرد تجمع من عشرات او مئات الأشخاص يثير فزع المواطن السوري من ان حدثا جللا يصيب الاستقرار الذي أرسته الدولة وبقوة طوال عقود.. والسوري أصيب ببعض الذهول وهو يرى نداءات لم يعهدها تتحدى السلطة..ولكن لم يتفاجأ السوريون من وجود معارضة فكلنا يعرف أن المعارضة موجودة ونعرف أين تتركز وفي أية بؤر ولن نفاجأ مثلا من وجود أكبر تجمع للمعارضة في حماة مثلا بسبب الارث التاريخي للمدينة في مواجهتها مع السلطة في الثمانينات ولكن هذه المعارضة أطلت برأسها كما تطل الأفعى من سلة الحاوي الذي يعزف لها على مزماره ويحركها ويراقصها بحركات مزماره ..والمعارضة السورية التقليدية التي نعرفها عزف لها كل حواة العالم ..ولولا هؤلاة الحواة لما أطلت برأسها ..وما ان يتوقف الحواة عن العزف على الجزيرة والعربية ومنابر مجلس الأمن حتى تعود الى سلالها..
والآن بدأ الناس يتعاملون بشكل طبيعي مع هذه الأشكال من المعارضة التي ترقص في الطرقات على عزف الحواة والناس صاروا يعرفون أنها معارضة فارغة لم تعد تثير الفضول..فمثلا كنا نطل من على شرفة منزلنا لنراقب المتظاهرين (على قلتهم) كظاهرة ومشهد جديد في البلاد وكان المتفرجون على المتظاهرين ينتشرون على النوافذ والشرفات بالآلاف (مظاهرات الشرفات)يتابعون بفضول دقائق خاطفة وسريعة قبل أن تختفي ..واليوم بالكاد أرى بضع عشرات على الشرفات..فقد صار المشهد مملا ويدعو للسأم ..وكثير من الجيران يتابعون شرب الشاي في بيوتهم دون الرغبة بالاطلال من على الشرفات ليتابعوا برامج أخرى وبعضهم صار مهووسا بمتابعة قفشات مضحكة سقطت فيها الجزيرة ويتداولها الناس كمشاهد ظريفة
أردوغان: كلاكيت رقم 3 – أكشن
يتخبط السيد رجب طيب أردوغان في الملفات التي خلطها وخلط حابلها بنابلها..ويحاول الساسة الأتراك اليوم الحد من الخسائر المعنوية التي أصابتهم ..فكما نعلم فقد منح السيد أردوغان مدة أسبوعين فقط للقيادة السورية كي تنفذ وعدها باصلاحات "تركية" الطابع وعاجلة..وقد مضت الأسابيع تلو الأسابيع ولم يعر أحد اردوغان اهتماما حتى خفت صوته وبدأ "خناقة" حقيقية وجديدة مع حزب العمال الكردستاني لايعلم الا الله أين ستأخذه عجلات "البي كي كي"PKK..
مايفعله السيد اردوغان هذه الأيام من استعراض بطرد السفير الاسرائيلي هو عملية اسعافية لانعاش سمعته التي تحطمت في أسبوعين اثنين هما الأسبوعان اللذان حددهما لنفاد صبره من الرئيس بشار الأسد..فقد خذل أردوغان المعارضة السورية التي انتظرته على مشارف جسر الشغور وانتظرته على بوابات حماة ولكن الباشا الذي حلف يمينا بالطلاق ثلاثا على أنه سيأتي بتفويض أطلسي وأممي لنصرة الثوار السلميين ترك "الثوار" لقدرهم والتحق بالنضال في جبال كردستان واكتشفنا أن صبره قد نفد على حزب العمال والقرى الكردية وليس على سوريا..أخيرا قرر أردوغان طرد السفير الاسرائيلي بعد أن تذوق طعم الاذلال ..لاتعتقدوا أن الاذلال الذي أذله اياه الاسرائيليون قد عذبه بل الاذلال الذي لاقاه بعد تجاهل السوريين له ولشنباته الراقصة هو ماأوجعه..وحركة طرد السفير ماكانت لتحدث لولا التراجع في الملف السوري الذي تبين انه مفاجأة من العيار الثقيل ونهاية لطموحات حزب العدالة والتنمية الذي عليه منذ اليوم التحضر للخروج من السلطة في الانتخابات القادمة لأن عملية البناء التي استغرقت 15 عاما بددها له الاخفاق الذريع في الملف السوري خلال أسبوعين لاأكثر ..والذي ستظهر تأثيراته الارتدادية خلال السنتين القادمتين في استفحال بعض الأزمات التركية بعد انكسار سلة العسل السورية التي كانت استرخاء أمنيا واستبدادا بالأكراد دون معين لهم، وكانت هبات اقتصادية على حسابنا، وكانت ولوجا الى الشرق كله من بواباتنا ..ويحاول أردوغان الآن استعادة ثقة الشعب التركي الذي رآه خلال أسابيع عاجزا عن تنفيذ وعوده باخافة الرئيس الأسد والقادة السوريين لتكون بداية عهد الهيبة العثمانية وجعل ذلك نموذجا للقيادة التركية الفذة المهابة .. ورآه الشعب التركي كذلك عاجزا عن الحصول على اعتذار اسرائيلي رغم كل توسلاته..
وفي طرد السفير الاسرائيلي محاولة غشيمة أيضا للحفاظ على بعض مكانته لدى الجمهور العربي الذي بدأ يظهر شكا كبيرا في وعوده وامكاناته بل وفي عدائه الحقيقي لاسرائيل..والحركة لم يعد لها الا مفعول الدواء الذي انتهت مدة صلاحيته..وتناوله يضر أكثر مما يفيد..
هذه الحركة الاستعراضية لن تمر بعد الآن علينا...وأستطيع بكل ثقة ان أقول ان التمثيلية الآن هي ان يغيب السفير الاسرائيلي لفترة من الوقت (ربما للاستجمام في بلد عربي صديق فالعروبة صارت مفتوحة له من الدوحة الى نواكشوط) دون أن تتأثر الاتفاقيات الكثيرة والتعاون العسكري والاستخباراتي مع تركيا..وستتم تمثيليات الوساطة والضغوط من الاصدقاء الأوربيين والأمريكيين لحل النزاع الديبلوماسي..وسيعود السفير الاسرائيلي الى أنقرة خلال أسابيع قليلة ولن يطول غيابه عن بضعة اشهر مهما تشدد أردوغان..ولاأستبعد أن تكون حركة طرد السفير مجرد محاولة لجر الانتباه عن الفشل في الملف السوري ..
هذا رجل مخادع وكذاب وقد انكشف، والمؤمنون لن يلدغوا من نفس الجحر ولن يناموا في فراش العقرب ..والأتراك رحلوا مرتين مرة عام 1916 ومرة عام 2011 ولاعودة ثالثة لهم بعد اليوم الى الشرق ولو طردوا السفير الاسرائيلي مليون سنة الا بتحقق المعادلات التالية:
1-رحيل الكذاب اردوغان وثلاثي العدالة والتنمية أوغلو-غول-أردوغان، 2- اعادة الاعتبار للغة القرآن الكريم واعادة كتابة الأحرف التركية باللغة العربية، 3-الانسحاب من حلف الناتو الذي أذل العرب،4- اعادة لواء اسكندرون كاملا، 5- ارسال جيش يسمى "جيش نفد صبرنا" لتحرير غزة من الحصار، 6- وارسال جيش "ستندمون" للمساعدة في تحطيم الجدار العازل في الضفة الغربية،7- تزويد حزب الله وحماس بكل العتاد العسكري الذي يتزود فيه الجيش التركي لمحاربة الأكراد والقرى الكردية بما فيها سلاح الطيران، 8- الاعتذار للشعب العربي عن احتلال ظلامي دام 400 عام، 9- الاعتذار للشعب السوري عن التحرش بأمنه، 10- التعويض على ضحايا مجزرة جسر الشغور الذين قتلهم قتلته (بالسلاح التركي) والذين وجدوا ملاذا آمنا في تركيا بعد فرارهم، 11- والتعويض للضحايا في جسر الشغور يجب ألا يقل عما دفعه الليبيون عن ضحايا طائرة لوكربي (قرابة 3 مليارات دولار) فالفرد السوري ليس اقل ثمنا من الفرد الأمريكي..12- الاعتذار للشعب الليبي عن مساعدة حلف الناتو في قصف المدن الليبية بحجة تحريرهم من القذافي..13 التعهد بعدم استجداء الانتماء للاتحاد الأوروبي لأن تذلل الأتراك وتعريهم لأجل ذلك أهاننا كشرقيين وخاصة بعد الصد الأوروبي الفج..14- تسمية اكبر ساحة في استانبول باسم ساحة الشهداء السوريين الذين قتلهم جمال باشا السفاح في دمشق، 15- وتسمية اكبر ساحات انقرة باسم شهداء الجيش السوري في جسر الشغور، وأخيرا 16- الافراج عن كل الحصة المائية لكل من العراق وسوريا من مياه دجلة والفرات والغاء مشاريع السدود ..
كما تلاحظون الشروط السابقة تعجيزية ونحن نعلم أن تركيا لا تستطيع القيام بها بل ولاتفكر في عمل اي منها .. ونحن أيضا لم نعد مهووسين باستعادة المعادلة التركية التي لاتزال مخطوفة من قبل حزب الاتحاد والترقي منذ مئة سنة وتتسلل الينا بأسماء مختلفة وآخر تسللاتها كان عبر معادلة الصفر لحزب العدالة والتنمية فاذا بها "تنمية" لمشروع الشرق الأوسط الكبير واذا بها "عدالة" في اقتسام بلداننا مع الأمريكان ..يعني بالعربي الفصيح لا نثق بالسياسة التركية بعد اليوم..والحياة مصالح فان كانت لنا مصالح سياحية واقتصادية فليكن بيننا وبينهم مثل مابيننا وبين الانكليز والفرنسيين..الانكليز والفرنسيون استعمرونا والآن نتبادل المجاملات معهم ولكن لانثق بهم..فلماذا لاينطبق ذلك على الأتراك الذين استعمرونا 400 سنة باسم الأخوة الاسلامية والخلافة وكادوا يدخلون في بلدنا 400 سنة أخرى باسم الانسانية والثورة السورية.
أخبار النجومبعد مسرحيتيه الناجحتين "خناقة في دافوس" ومسرحية "أسطول الحرية" يعود اليكم نجم المسرح الدولي الأول رجب طيب أردوغان بعرضه الجديد المميز وهو بعنوان "طرد السفير".. وقد قال داود أوغلو مدير أعمال النجم التركي أردوغان ان هذا العرض سيتفوق على سابقيه ..ففيه من الاثارة والتشويق ماسيمتع المشاهدين الذين يحلمون بالبطل مهند وبعودة الخلافة العثمانية خاصة أن أردوغان سيكرس نفسه "وحش الشاشة" (أو وحش الساسة) الذي لازم الفنان الراحل فريد شوقي ..وفي تعليقه على العمل الجديد الذي استغرق اعداده قرابه عامين قال الفنان المحبوب أردوغان: لقد بذلت جهدا كبيرا لانجاز ذلك العمل الضخم وأتمنى أن ينال اعجاب الجمهور العربي..
جيمس كاميرون المخرج الكندي الشهير الذي أخرج فيلم أفاتار قال ان أردوغان لابد سينال جائزة الأوسكار لهذا العام كأفضل ممثل، وقد يحصل عبد الله غول على جائزة أفضل دور ثانوي أما أوغلو فربما سيكون الفائز بجائزة البافتا عن دوره في فيلم "حب وحرب في سوريا" الذي لعب فيه دور الأستاذ الناصح الذي يكتشف معادلة الصفر ..
لكن يقول المتابعون للشؤون المسرحية والسينمائية ان شباك التذاكر قد يخون نجمه المفضل أردوغان رغم الحملة الاعلانية الضخمة التي تولتها شركة الجزيرة للاعلانات ورغم دخول الصحفي الطبال عبد الباري عطوان على الخط ..السبب أن الفنان أردوغان صار يكرر نفس الشخصية التي ملها الجمهور كما أن البروفات التي استغرقت وقتا طويلا قد اساءت للعمل...والنقاد يعتقدون أن العملين التلفزيونيين الهابطين للثلاثي المرح (أردوغان وأوغلو وغول) وهما "لاجئون من جسر الشغور" وتمثيلية " نفاد الصبر" قد أضرا كثيرا بنجاح الثلاثي المرح الذين لم يفدهم استعمال نجومية البطل أردوغان لاسترداد شباك التذاكر الذي انفض عنه الجمهور لصالح عمل آخر ينتمي لأفلام الرعب اسمه "غراتزياني يحرر شعب عمر المختار"...
مجلس "المبعوثان" السوري.. وأستاذ السوربون زعيماً للدبّيحة
لايبدو أن المجلس الانتقالي السوري المعلن قد ناله التوفيق والنجاح..المجلس الذي وصل عدد أعضائه الى 94 عضوا (رقم لاأدري لماذا يذكرني بأمّ 44) تجولت بين الأسماء فعرفت بعضها (ولاأفشي سرا ان قلت انني أعرف بعضها شخصيا) ولكني لم أجد له شبيها تاريخيا لهذا المجلس الا مجلس "المبعوثان" العثماني الذي شكله العثمانيون عام 1877 ليمثل بداية حياة دستورية ..لكنه كان مجلسا كاريكاتيريا لسوء فهم الناس لوظيفته.. ولذلك وقف رئيس (مجلس المبعوثان) في ختام جلسات الدورة الاولى في شهر تموز عام 1877 وقال للمبعوثين :"ارجعوا الى ولاياتكم وأعيدوا الانتخابات واجتهدوا ان ترسلوا لنا مبعوثين أتم عقلا وأكثر وقوفا على احتياجات البلاد" ..
المجلس الانتقالي السوري بحد ذاته عبارة عن خليط من تنافرات مدهشة ..واللعبة من دمج هذه المتناقضات هي للضحك على الذقون في الداخل السوري وتمثيلية الديمقراطية للمراقب الغربي للدلالة على تلون المعارضة واستيعابها للرأي والرأي الآخر...هذه المجالس الانتقالية كما نعرف لايمكن أن تعمل في الظروف الطبيعية على الاطلاق ولابد من قوة خارجية ضاغطة جدا لتجميعها للتغلب على قوى الكهرباء السالبة بينها..والأحوال التي اجتمعت فيها هذه المجالس الانتقالية وتشكلت سابقا كانت استثنائية وهي الحالة العراقية عقب الاحتلال الأمريكي والحالة الليبية قبل الاحتلال الأطلسي..وكلتا الحالتين كان العامل الحاسم في التشكيل والاشراف هو العامل الخارجي وتحديدا الغربي- الأمريكي ..ولاشيء يدعونا لتصديق أن المجلس الانتقالي السوري نشأ وحده وبعفوية وبعيدا عن اليد الأمريكية التي تعجن وتطبخ وتمزج الألوان وهي على هذه الحالة من التنافر..التي تشبه الأزياء الافريقية المزركشة..
هذه المجالس هي تعبير عن نفاق المعارضة وليس انسجامها..هذه معارضات متعارضة في معارضة وكل منها معارضة للمعارضة..انها أشبه بأقزام يركبون على ظهور بعضهم ويتطاولون حتى يبدو للناظر أنهم جسم ممشوق القامة طويل وهم يغطون هذا التراكب بالعلم السوري ولكن ما ان يسقط هذا الغطاء حتى نعرف أن هذا الطويل الممشوق القد ماهو الا قزيمات تعتلي ظهور بعضها وما ان تحين فرصة الانقضاض المتبادل حتى تتناهش وتدمي جلود وعيون بعضها..
وكما قلت فأنني أعرف العديدين من هذا التجمع الذي يراد له أن يبدو طبيعيا لكنه شبيه بحفلات التنكر التي يحضرها المترفون حيث الحاضرون لايعرفون بعضهم في الحقيقة ومع هذا يتنكرون.. انني أعرف بعض تلك الوجوه عن قرب وبعض مموليهم ودار بيني وبين بعضهم جدال ودي في الماضي عندما كنت منخرطا في النشاط المدني والمنتديات التي نشطت في أواخر عهد الرئيس حافظ الأسد وبداية عهد الرئيس بشار الأسد حول تصورات الانتقال لعملية الدمقرطة ولكني لم أجد نفسي ميالا لطروحات لم تكن ناضجة.. ومازاد من نفوري وعدم ثقتي بها أنني اكتشفت أن بعضهم كان يتجسس على بعض متقربا من أجهزة الأمن بشكل انتهازي..!! وأذكر أنني حضرت جلسة حوارية حضرها قرابة 40 شخصا من بينهم الدكتور عارف دليلة لأفاجأ في الجلسة التالية أن أحدهم أبلغنا أنه اكتشف أن أجهزة المخابرات (وبالذات مكتب محمد ناصيف) تلقت قرابة 20 تقريرا من داخل الجلسة عما دار فيها بالتفصيل وبعضها كان على أشرطة كاسيت !!.. بل ان أحدهم وقد قدمته وسائل الاعلام معارضا وملاحقا من أجهزة الأمن (وأتعفف عن ذكر اسمه) كان صديقا مقربا من مأمون الحمصي ونزار نيوف وبسبب خلاف شخصي معه كتب يوما تقريرا كيديا الى أجهزة الأمن يتهمني فيه على أنني معارض وأدعو لاضراب !! وكان ذلك آخر عهدي بهذا النوع من المناضلين....وعلى مايبدو صار البعض لاحقا معارضا ونقل ولاءه من مكتب ناصيف الى مكتب الاستخبارات الأمريكية في الشرق الأوسط..
وربما كان عارف دليلة هو الشخص الذي حظي باحترامي دوما وخاصة عندما حضرت بعض أحاديثه في المنتديات التي انضم اليها ..لم يكن متحدثا بارعا أو جذابا لكنه بدا طيب السريرة وليس بالخبيث الوصولي ...كنت معجبا بعارف دليلة منذ أن قرأت له كتابه الجامعي "تاريخ الوقائع والأفكار الاقتصادية" الذي أدخلني لفهم شيء من تاريخ علم الاقتصاد ومن خلاله عرفت روبرت مالتوس والنظرية المالتوسية وآدم سميث وآدم موللر وجان باتيسيت ساي وشارل كينز وغيرهم ..وحتى هذه اللحظة أحس أن انخراط عارف دليلة في نشاط هذه المعارضة سببه المرارة التي أحس بها من ادخاله السجن بلا مبرر قوي ..وربما تعاطفت معه في مرارته لكنني لاأستطيع على الاطلاق أن أتفهم انضواءه تحت هذه المعارضة الخطرة ذات الأنياب والمخالب وذات أخلاق قطاع الطرق ..والمنكّهة بطعم الموساد وعزمي بشارة وطعم آل خليفة وطعم بندر والمذاق العصملّي..انها سقطة وخذلان لنا من عارف دليلة الذي لايزال لدي شعور أنه سيتغلب على مرارته وينتصر لشعبه ولنبله وفطرته الريفية فقط..قبل أن يفوت الأوان..هو وقلة قليلة جدا معه اعتقد بقوة أنها مأخوذة بالأضواء وستستيقظ وطنيتها من غيبوبتها
تضفي المعارضة صفة القداسة والطهورية على المعارضين الذين تعمدوا بالنفي والسجن والمحاكم العسكرية ولكن - ومع اعتراضي على سياسة الاعتقال لأسباب سياسية أو لقول الرأي - فان هذا ايضا تجاهل لحقيقة أخرى وهي أن بعض هؤلاء المعارضين لايتمتعون بالحياة النظيفة على المستوى الشخصي وأن محنتهم السابقة مع السلطة لاتعني طهوريتهم وقداستهم على الاطلاق ولاتعني أنهم يتمتعون بالنقاء والصراحة مع الذات وأنهم ليست لهم مطامع النفس البشرية وأخطاؤها ..ولذلك ليس من الضروري اللحاق بهم لأن الطريق التي قد يقودوننا فيها ليست بالضرورة هي الصحيحة ..بل عندما نقترب من السير الذاتية لبعض هؤلاء المعارضين نحس بالنفور والاشمئزاز ... ورغم أن لاأحد يستطيع "أن يرجم أحدا بحجر لأنه يزعم أنه بلا خطيئة" فان المعارض الذي يحمل همّ الوطن يجب أن يكون نقيا ونظيفا حتى في حياته الشخصية بحيث لايستطيع أحد رميه بحجر لأنه يمثل أقصى درجات الزهد والنبل والعطاء والشرف فهو يقدم نفسه وليا لأمور الأمة التي يمثل ألمها وطموحاتها وولي الأمر يجب أن يكون قدوة ..ويكفي في الغرب أن تظهر هفوة أخلاقية لسياسي حتى ينتهي الى الابد رغم كل الحريات الشخصية والجنسية في الغرب ..ولكن في معارضاتنا هذا مغيّب ..فمثلا أعرف ان أحد المعارضين وهو متزوج وله أولاد لكنه كان يطارد الفتيات كمراهق لمغامراته وقد اشتكت لي منه صحفية شابة عربية كان يعمل معها ويراودها عن نفسها بالحاح.. لاأستطيع الخوض في الفضائح والأسماء لأنها ليست شيمتي وليست وسيلة محترمة للمناظرات والمماحكات السياسية ولذلك لاأستطيع ذكر اسمه ولكن صحفيا عربيا معروفا بصدقيته كتب عن أحدهم وسماه بالاسم –الذي أنأى بنفسي عن ذكره الآن- وعرّج على الموقف التالي:
"..السيدة سعدية العجوز الشمطاء البالغة من العمر اكثر من سبعين عاما لم تكن في حقيقة الامر اكثر من" قوّادة" حولت شقتها الى وكر لاصطياد الزبائن ولم يكن فلان (المعارض؟؟) على اي حال زبونا فقد اكتشفت انه (طبّق) العجوز وانه كان "يدقّ" بها في مقابل ان يقيم في شقتها مجانا ... ولما اخذت عليه هذا الامر واعربت له عن "قرفي" من شكل العجوز الشمطاء سعدية التي تجلس الى جانبه على السرير بقميص نوم تظهر من خلاله عظامها التي أكل عليها الدهر وشرب- فقع (هذا المعارض؟؟) من الضحك وشفط رشفة من زجاجة الويسكي وقبّل سعدية من رقبتها قبل ان يقول لي : انت حمار وما بتفهم بالنسوان..." !!
وقد خضت نقاشات حول الشأن السوري سابقا مع بعضهم وحول الأحداث السورية وكان بعضهم في الجدال يستعين بالكذب ويحاول اقناعي بالتحايل بالانضمام للمعارضة ولكنني عندما كنت أسألهم الأسئلة الصعبة كانوا يتعثرون ولايستطيعون الاجابة ويتلعثمون لأن فلسفة الثورة غامضة وأهدافها وداعميها مجهولون وأما مابعد الثورة فهو مالايستطيعون معرفته .. ولأن الانتظار لثلاثة أشهر لاختبار الاصلاح لم يعد ممكنا بنظرهم أدركت أنهم ليسوا بأصحاب مشروع سوري ثوري بل مشروع سوري-غربي وعند المصارحة والاعتراف كانوا يقرون أن "بعض" فعاليات الثورة عنيفة ويرمون باللائمة على من يسمونهم "أوباشا وأنذالا " التصقوا بالثورة و"لوثوها"..ولكن كانت ألسنتهم تتحجر في أفواههم عندما كنت أقول لهم انني مستعد للانضمام للثورة اذا ماخرج بيان من ثورتكم يتبرأ ممن يمارس العنف باسم الثورة ويدينه..ويعتذر للشعب عن كل الضرر الذي لحق من أخطاء الثورة ويتعهد بمحاسبته كما نطلب من السلطة محاسبة رجال الأمن المخطئين ..وهذا موقف أخلاقي لانقاش فيه..
ومن بين كل الشخصيات التي ظهرت في المعارضة السورية لم يلفت نظري شخص مثل برهان غليون لالشيء، فلا هو بالكاريزمائي ولا هو يتمتع بموهبة الحديث الجذاب الممتع.. بل أحس بالارهاق كلما استمعت له بسبب تلك النبرة المتواصلة في صوته ومن غياب الفواصل والنقاط والاستراحات في جمله التي يلقيها علينا في "اطلالاته" الكثيرة..لكن لفت غليون نظري لكثرة الاشارة الى عمله الأكاديمي واستظلاله تحت فيء اسم السوربون..
أنا لاأعرف الرجل وليس بيني وبينه عداوة ولا خصومة ولاأنوي بالطبع منافسته على أي مكان أو كرسي يتربع عليه في المعارضة أو سيتربع عليه..ولكن الرجل يستحق أن نبحث عنه طالما أنه يقدم نفسه مخلصا للأمة ومنقذا لها..والشعوب عندما يتقدم لها منقذون ومخلصون يجب أن تدقق في سيرهم وامكاناتهم لأن نقل الأمم من مرحلة الى أخرى لايجب أن تترك للمتبرعين وللغوغائية وللعواطف والرومانسيات الحقوقية بل للانتقائية الصارمة والا وقعت في الفخاخ والأخطاء..
مشكلتنا في الشرق أن الألقاب تخدرنا كالمورفين فمابالك اذا كانت هذه الألقاب كبيرة ..هذه حالة نعرفها فكم التقينا أناسا تسبقهم ألقابهم الينا كتروس ودروع تحميهم من تطاولنا عليهم أو تساعدهم في التسلط علينا أو الضحك على ذقوننا..فهذا فلان ابن فلان وهو من الشخصيات الموثوقة من الرئيس أو نائب الرئيس ...ويتصرف على هذا الأساس ويلقى المعاملة على هذا الأساس ولكن عند الامتحان نكتشف أنه مدّع وأن حاجب الرئيس لم يسمع به فما بالك بالرئيس..
وكم التقينا أناسا زائرين من الغرب يلثغون بالفرنسية والانكليزية ويتكلمون العربية بصعوبة لأنهم كما يقولون أساتذة في الغرب وقد نسوا العربية جزئيا فيطعّمون حديثهم ببعض العبارات الأجنبية ليتحدثوا لغة هجينة مضحكة.. ولكن ماان يصيبهم انفعال ويضطرون للجدال والمفاصلة أو للشتائم حتى تخرج منهم المصطلحات العامية أو الشتائم عربية خالصة غيرمخلوطة بالغربة ..صافية لم تمس أصالتها مما يستدعي سؤالا عن مدى الصدق في الادعاء انهم لايمثلون عندما يرطنون بهجين الكلام العربي المفرنج..
ولاأزال اذكر صديقا كان كلما زارنا في سنوياته من باريس وهو يلبس الأزياء الجميلة وآخر موضة واحيانا قبعة أوروبية هرع الأصدقاء للقائه والتبرك بباريسيته واستشارته وتنهال عليه الدعوات السخية حتى يزدحم جدول زيارته بالدعوات ولايشتري طعاما لأنه قلما لايحل على مأدبة غداء أو عشاء حتى أن وزنه يزداد في نهاية الزيارة ويضيق خصر بنطاله عليه..وشاءت الأقدار أن أزوره في عرينه الباريسي ففاجأني أنه يعمل عملا متواضعا في احدى الشركات ويستأجر "غرفة واحدة ونصف" في حي متواضع ..وكل الهيلمان والكهرمان في دمشق تبخر لحظة لقائنا...وأستطيع أن أقول ان كل أصدقائه يعيشون في دمشق رفاهية ودلالا ونعمة لن يقدروها حتى يزوروه في عرينه..الباريسي
منذ أن بدأ برهان غليون ثورته السورية مع رهط الاخوان وجدت أن من المفيد الاطلاع على الرجل خاصة أنه يقدم وباعتزاز على أنه أيقونة الثورة السورية ودماغها النير ومصدر فخرها ..لسبب واحد أنه يقدم نفسه على أنه رئيس مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون الشهيرة في باريس..وهو علاوة على ذلك استاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة ..
ولمعرفة شخص كهذا لابد من الاطلاع على انجازاته العلمية وأبحاثه ومكانته في السوربون لان من يتابع مواقع الثورة السورية يجد أنها تقدمه على أنه فلتة زمانه وأن باريس ستهتز لخروجه منها الى دمشق وأن علم الاجتماع السياسي سيتوقف اذا غادر برهان غليون باريس..
في الحقيقة لايمكن تجاهل أن غليون شخص مثابر يعمل في مجال أكاديمي وفي حقل الدراسات الانسانية بل ولاشك أن وصوله الى العمل الأكاديمي في السوربون يدعونا جميعا للثناء عليه ..ولكن هذا يكفيه ولايعني ان يعامل عى أنه رجل خارق مع أن الاعلام ينفخ في الرجل ويزيد من تصويره على أنه رجل غير عادي..
ولذلك قررت القاء نظرة فاحصة على مكانة الرجل العلمية في السوربون ..نظرت الى مؤلفات الرجل فوجدت أنها محدودة في مجموعة كتب عربية منها "المأساة العربية: الدولة ضد الأمة" وكتاب "اغتيال العقل" و كتاب "نقد السياسة: الدين والدولة".. حتى أن الكتب التي كتبها غليون بالعربية لم تكن الا وجهات نظر ولم تحمل صفة الكتب العملاقة التي تلد نظريات كبرى أو صغرى مثل كتب محمد عابد الجابري أو الفيلسوف محمد أركون ..ان أي دارس للدكتوراه يكتب في أطروحته كتبا بنفس القيمة العلمية لكتب غليون ولكن قلما تشرئب قيمة هذه الاطروحات لتكون نظريات ضخمة انقلابية في العالم والحياة..وأقول بثقة ان في الغرب على الأقل عشرات الشخصيات العربية والسورية التي تفوقت عليه علميا لكنها مشغولة بأبحاثها وليس بطموحاتها السياسية ..كما أنها لاتلاحقها الجزيرة والعربية والأضواء..
وعندما قررت الاطلاع على عدد مؤلفاته باللغة الفرنسية وجدتها متواضعة بمقارنتها مع انجازات أساتذة في نفس الاختصاص..وفي نفس القسم الذي يعمل فيه..ولاحظت أنه يقدم نفسه على أنه رئيس مركز دراسات الشرق المعاصر ولكن لاوجود لموقع على الانترنت باسم هذا المركز الا ماوضعه برهان ملحقا باسمه، أو على الأقل فشلت في العثور على ذلك الموقع الذي يفترض أن يشرح طرق الاتصال به ومعرفة أبحاثه ونشاطاته العلمية، وأغلب الظن أن الموضوع لايعدو كونه وظيفة بحثية في مكتب في الجامعة لكن تسميته مديرا للمركز يعني للكثيرين من العرب والسوريين الشيء الكثير ويضفي هالة من الاحترام الشديد لمكانته .. وأخشى أن يكون هذا المركز مكونا من بضعة موظفين صغار وهو يدير عملهم..أقول هذا لأنني عشت في الغرب سنوات وأعرف كيف تطلق المسميات على المراكز أحيانا ..وأذكر حادثة لاتفارقني عندما وصل أحد الطلبة الأتراك للالتحاق بالجامعة ذات السمعة الكبيرة التي درست بها في فرنسا ولما التقى برئيس القسم طلب مني الأخير اصطحاب الطالب التركي الى ماكان يسمى "مركز أبحاث العلوم..." وبالطبع كان المركز مجرد غرفتين صغيرتين ملحقتين بالجامعة فيهما بعض التجهيزات المختبرية .. لكن كل الشروط الموضوعية والظرفية المطلوبة للبحث متوفرة فيهما..ولما وصل اليه الزميل التركي دخل الغرفة الصغيرة وبدأ يتلفت...ثم نظر الي مستغربا وقال: أين هو مركزالأبحاث؟ فأشرت الى اللوحة على الباب وقلت: أنت الآن في المركز..فبدت عليه الصدمة ..قادم من تركيا وقد سمع في النشرات العلمية عن التجارب العلمية الممتازة في هذا المركز واعتقد أنه سيجري دراسته في مبنى عملاق فيه عشرات ومئات الموظفين..فاذا به في غرفة صغيرة ومع موظفة صغيرة لتساعده...وسيكتب أنه أجرى أبحاثه في ذلك المركز..
الأغرب من ذلك أن غليون شخص مليء بالتناقضات وماقاله بالأمس يمحوه اليوم فمثلا قام شخصيا بالتهجم على قناة الجزيرة عام 2007 لأنها كما قال منصة المتدينين الذين يسيطرون على 90% من الاعلام العربي وهذا مايستنكره ..لكنه اليوم يخاطبنا من على منصة الجزيرة ويكتب لنا على موقعها ولايبالي بقرضاويها وفتنه وفتوى (ومالو) بل ويعرف غليون أن ثورته السورية تنطلق من المساجد وتحديدا أيام الجمعة ..ومع هذا قرر أن يصير رئيس الثورة ..لاحظوا في هذا الرابط ماذا يقول عام 2007 عن الجزيرة والاسلاميين الذين يراهم عقبة في وجه المجتمع:
فالجزيرة التي هي أهم أهم قناة عربية برأيه هي تحالف أسود بين الديكتاتوريات والتيارات الدينية حيث يلغى المفكرون والمثقفون لصالح الحركة الدينية وهذا لايبني مجتمعا حسب غليون "الثائر" نفسه..
ومما يردده غليون في كتبه، رأي يكرره كثيرا وهو ان المجتمع العربي مليء بأناس سذج تحبط نصفهم الأمية الأبجدية، فلا يفكّون الحرف أصلاً, وتعصف بنصفهم الذي يقرأ الأمية الثقافية التي تجعلهم لايختلفون بل يتساوون مع من لا يقرؤون. وهؤلاء وأولئك يصفقون ويهللون لمن يتلاعب بالعواطف ويخلق انتصارات زائفة, ويبيع الأوهام على عتبات القنوط والإحباط الجماهيري... ومايخشاه غليون في كتاباته هوكما يقول أن يحدث الآن نزاع بين الحكومات والأحزاب التي لاهمّ لبعضها سوى الزام البنات بالحجاب ولبعضها الآخر نزعه عنهن بالقوة ..وهذا برأيه لن يعني سوى انحدارنا وانحطاطنا إلى أدنى درك أخلاقي وبشري ..وتدمير وتخريب آخر ما تبقى من قيمنا العقلية والروحية واحترامنا لتاريخنا ولأنفسنا..
برهان يقول ذلك بعظمة لسانه ..وعلى الطرف الآخر من ثورته، العرعور وجمهوره ودبّيحة دير الزور ودبّيحة حماة ودبّيحة جسر الشغور ودبّيحة درعا (كما رأينا بالعين المجردة ذبائحهم في كل تلك المدن)..بل ان شيخ الدبّيحة في درعا الشيخ الصياصنة هو عضو في المجلس الانتقالي الذي يترأسه غليون نفسه ..كما أن المحرك الرئيسي للأحداث في سوريا هو صقور تنظيم الاخوان المسلمين وبالذات رياض الشقفة..وبرعاية تركيا "الاسلامية" ..
لاأدري ماذا أسمي ذلك الطيران الغليوني من علم السوربون الى علم الدبّيحة وعلم الفتاوى والمجتمع الديني..وبرهان لايزال صامتا عن كل النزيف والجهل الذي ينطلق أيام الجمعة مناديا بالطائفية وملوحا بالموت لكل من يعترضه..وأنا على يقين أننا اذا ماأرسلنا بعضا من صور الهمجية الثورية الدينية في سوريا الى مكاتب السوربون - نوفيل -3 لتعريف الفرنسيين بالثورة التي يقودها استاذ السوربون العقلاني لقامت مظاهرات ضده في الجامعة نفسها وأرغم على الاستقالة من منصبه الذي صار متناقضا مع طموحاته السياسية..
مايحز في نفسي أن أرى برهان غليون قد استدرج بشكل يستدعي الرثاء الى هذا الحفل الدموي وقرر أن يصم أذنيه عن أي مبدأ من مبادئ الديمقراطية ..الشعب السوري في غالبيته ليس مهيئا لهذه القيادات المتهورة والشعب السوري قال كلمته في مظاهرات لم يرغم عليها، محتجا على طروحات برهان وغيره ..ومع هذا يصر برهان بعناد على الغاء العقل والمنطق والمحاكمة العقلية ويمارس بالحرفية ماكتبه يوما عنوانا لكتابه الذي سماه (اغتيال العقل).
مشهد طريف من مجلس "المبعوثان" العثماني الشبيه بالسوري
كتب نصرت مردان
كان مشهد مجلس "المبعوثان" الذي يضم نوابا من كافة الولايات العثمانية المترامية الأطراف ، يعكس التعددية الدينية والأثنية تحت المظلة العثمانية . وقد تحول المجلس بسبب ذلك إلى مسرح لا يخلو من الطرافة أحيانا، من جراء اجتماع الهويات المختلفة تحت سقف المجلس (مثل عدم تناغم المجلس الانتقالي السوري)..
الشيخ أسعد نائب حلب كان من الشخصيات الطريفة، إلا أنه تعرض إلى النفي من قبل السلطان عبدالحميد الثاني، بعد محاولته إشاعة أنه يجيد قراءة الطالع ومعرفة ما يخبئه المستقبل في محاولة منه للتقرب من القصر العثماني، إلا أنه ما لبث أن أعيد إلى المجلس بعد استلام حزب الاتحاد والترقي السلطة. وكان يجاوره في مقعده بالمجلس نائب بغدادي لا يجيد التركية ..وكان البغدادي غالبا ما يغط في النوم أثناء المناقشات ، وعندما كان يستيقظ ،كان يخاطب الشيخ أسعد قائلا:
ـ ماذا تقرر اليوم ؟
وكان الشيخ أسعد يوجز له في كل مرة مادار في المجلس من مناقشات، وما اتخذ فيه من قرارات . وكان صاحبنا البغدادي، ملحاحا في أسئلته اليومية إلى درجة أثار فيها سخط وتذمر الشيخ أسعد، الذي قرر أن ينتقم منه بعد ان سئم من إلحاحه في السؤال.. .
في أحد الأيام غط النائب البغدادي في النوم كعادته بعد اشتداد حمى النقاش في المجلس ، وعندما نهض من نومه على صوت تصفيق النواب، سأل الشيخ اسعد سؤاله التقليدي اليومي، فما كان من الشيخ إلا بادره إلى القول:
ـ ألم تعلم ماذا تقرر في جلسة اليوم ؟
ـ ومن أين لي أن أعلم ؟ قل لي أنت ماذا تقرر ؟
تنحنح الشيخ أسعد قليلا قبل ان يقول:
ـ لقد قرر المجلس تخصيص وابورين (باخرتين) لكل ولاية!!
امتقع لون صاحبنا وهو يتساءل:
ـ وحصة ولاية بغداد ؟!!
ـ لقد كنت نائما وفاتتك الفرصة .. حيث لم يمنح المجلس حصة للنائب الذي لم يتقدم بطلب
وهنا نال الغضب من النائب البغدادي مأخذه ، فانتصب واقفا وسط القاعة وأخذ يصرخ بأعلى صوته بالعربية:
ـ أربعة وابورات لدجلة والفرات ..أربعة وابورات لدجلة والفرات
ترى كم واحدا على شاكلة البغدادي يحوي المجلس الانتقالي السوري الذي تشكل في أنقرة؟...لاتقولوا الفرق كبير..كلا المجلسين يديرهما السلطان العثماني ..والأعضاء بنفس المواصفات ..والسلطان اليوم هو القبضاي رجب طيب أردوغان الذي وياللمفارقة يعاكس التاريخ القريب..ففي بداية القرن الماضي تحالف العرب سرا مع الغرب (الانكليز) لاسقاط الدولة العثمانية وكان وسيطهم لورنس العرب ..واليوم ومع بداية القرن الحادي والعشرين تحالف العثمانيون سرا مع الغرب (انكليز وأمريكان) لاسقاط الدولة العربية الوحيدة الباقية مستقلة من آثار تلك المرحلة السابقة لاحياء حلم عودة العثمانيين ... ولورنس الأتراك هو ..برنار هنري ليفي..والعرب أكلوا خازوقا من ذلك التحالف في الماضي ..ولاشك أن الأتراك سيتذوقون طعم الخازوق عندما يعرفون ماذا يعني أن يخسروا سوريا التي لن تعود اليهم لابالحرب ولابالخديعة..عجيب هو التاريخ كيف يعيد نفسه بالمقلوب..
المعركة الأخيرة بدأت.. درس في الفلسفة من زيارة حمد الى ايران
كنا في مدارسنا نتعلم دروس الفلسفة للوصول الى الحقائق، وكان أستاذ الفلسفة يجهد في شرح الحدس والاستقراء والمعادلات الفلسفية البديهية التي تبدأ بمقدمات سليمة لتصل الى نتائج صحيحة مثل معادلة:
كل انسان فانٍ...
سقراط انسان ...
اذا النتيجة ببساطة هي أن سقراط فانٍ..
ولذلك يمكن ببساطة استنتاج النتائج من المقدمات..لكن فلسفة العالم اليوم صارت بلا منطق ..هذا عالم لايريد أن نقدم الحجة والبرهان والمنطق بل يريد تذكيرنا أن الفلسفة هي للكتب وطلاب الفلسفة ..الحدث السوري بامتياز كان صدمة أخلاقية ليس للسوريين فقط بل هو صدمة أخلاقية للفلسفة ذاتها .. واهتزاز عنيف للمنطق بدرجة 8،8 على مقياس ريختر .. فالكذب الخرافي وانقلاب الأصدقاء المفاجئ والطعن في الظهر أخلاق رخيصة لم نرها الا في المسرحيات الشكسبيرية وكتب التاريخ القديم .. واهانة الحقيقة وتكريم الكذب الفاجر علنا شيء غريب لايصدق .. وتكالب الأمم على تناقضها -بغاثها ونسورها- على السوريين كقطيع الذئاب لايشبهه الا غزوة الأحزاب على المدينة والدعوة الاسلامية.. ولاتفسير له الا أن العالم يغير فلسفته وأخلاقه..
لدي أصدقاء يتابعون الحدث السوري وتراهم وهم يراقبون كيف يتم التعامل مع الحدث السوري يعانون من الغثيان والغليان من هذا الزيف والكذب والرياء والمعايير الفارغة وتراهم يحدثون بعضهم في جلساتهم وهم يقدمون الحجج والبراهين على النفاق والمعايير والخيانات..بالدليل القاطع والحجة والبرهان يتحدثون عن غزة والفلسطينيين وعن القصف الأطلسي لليبيين وتخريب بلادهم ويتحدثون حائرين واجمين ..ومع هذا لاشيء غير صدى الفلسفة القديمة أمام زئير الفلسفة الجديدة فلسفة الجزيرة وثوارها.. لكن أين هي الفلسفة القديمة أم الأخلاق؟ هيهات، الفلسفة القديمة عند بان كي مون في اجازة والمنطق في نزوة من نزوات السوء لدى الاتحاد الاوروبي والحقيقة في الاعلام العالمي مصابة بالايدز وتعاني من الحمّى أما "الضمير" العربي فوقعت منه الميم ليسد محلها حرف الراء...ويصبح ضريرا..أي "الضرير العربي".. الذي ستسقط راؤه الأخيرة ويحل محلها حرف الطاء..!!
ولكن الهوينى أيها الأصدقاء...لاتتعبوا أنفسكم في البحث عن الأدلة والبراهين على تناقضات العالم كله الذي لايرى قتلانا بل يرى تمثيليات المعارضة وبكاء تماسيحها..هذا العالم لم تعد تعنيه دروس الفلسفة ولاالبراهين القاطعة ولامعادلة فيثاغورث .. فالعالم لايرى شغب لندن وباريس بل وحشية السلطات السورية في تعاملها مع الحواريين المؤمنين المسالمين ..هذا العالم الذي لايريد أن يعرف شيئا عن غزة ولاعن الفظائع في المملكة العربية السعودية ويستند الى وثائق اليوتيوب ومونتاجاته والجزيرة ومدبلجاتها يريد أن يغير علم المنطق والفلسفة .. الدرس الفلسفي هنا واضح تماما: بعيدا عن كل منطق .. نريد رأس سورية ونريد اذلال الشعب السوري والحاقه بركب اللاجئين والجوعى وتحويل حياته الى جنازات وموت..والمعادلة المنطقية هي:
كل بلد حر ومستقل وعدو للغرب فان ٍ
..السوريون أحرار مستقلون معادون للغرب ..
اذاً السوريون فانون..
ولذلك فقد قرر الشعب السوري أن يعيد للمنطق ألقه وعلميته، ودرس الفلسفة الذي سيحاضر به الشعب السوري قريبا...سيكون الدرس الذي سيعيد لأرسطو احترامه الذي هتك.. ولسقراط وعيه الذي صودر ..ولكل علم الفلسفة نقاءه وعقلانيته بعيدا عن فلسفات هنري ليفي وثوار ليبيا ودروس الفلسفة الموزية وبعيدا عن فلسفة الاسلاميين الجدد العرجاء التي مزقت ابن رشد والغزالي وجاءت براسموسن.. وبالطبع بعيدا عن فذلكات طالب الفلسفة الفاشل عزمي بشارة (كوهين العربي)..
المعركة الأخيرة بدأت ...وبدأت بزيارة أمير قطر (أو بعير قطر لافرق) الى ايران .. ثيران المجموعة الدولية المتحالفة تسدد قرونها نحونا وتضرب الأرض بحوافرها القطرية استعدادا لتحطيم الوطن السوري وطعنه الطعنة النجلاء ..لن يكون الأمر بالحرب بل باثارة الفوضى من الداخل واستئصال نزعة الرفض لدى السوريين وزرع قناعة الاستعداد للمرحلة القادمة..شاء السوريون أم أبوا ..
هذه معركة التحدي واذا كان الراحل صدام حسين قد اختار لمعركته الخاسرة اسم "أم المعارك" فاننا سنبدأ معا "أم المعارك" بنكهة سورية ومن تصميم السوريين ..
لايزال الكثيرون يحاولون قراءة زيارة أمير قطر الى ايران..البعض قرأها محاولة لرشوة ايران بالابتعاد عن سوريا "الساقطة حتما" والابتعاد عنها الآن يحمل الهدايا والرشى لمن هو في ضيق .. يعني باختصار رسالة أمريكية يحملها الأمير مضمونها: اذا تركتم السوريين لقدرهم فستكافؤون بمنحكم العراق كمنطقة نفوذ لاتنازعون فيه وسيتعهد السعوديون باغلاق اماراتهم الاسلامية فيه ..والملف النووي سيؤجل بحثه لسنوات..
رشوة يسيل لها اللعاب...لكنها غبية جدا..غبية لأن الايرانيين يعرفون أن الساسة الأمريكيين كذابون ولايمكن الوثوق بالأمريكي الذي يجيد اصطياد الطرائد على طريقة الضباع في حقول السافانا الافريقية، فالضباع تعجز عن الفتك بالطرائد والجواميس الضخمة وهي متجمعة فتناور وتهجم وتتراجع حتى تتمكن من عزل أحد الثيران بعيدا عن قطيعه لتفتك به بعد أن يصبح وحيدا...وفي اليوم التالي تبحث عن غيره بنفس الطريقة .. فالأمريكان عندما أرادوا الاستفراد بصدام حسين لم يطلبوا من السوريين المشاركة الفعلية في الحرب بل توسلوا المشاركة المعنوية ووعدوا السوريين بالجولان في مؤتمر دولي (سمي مؤتمر مدريد لاحقا) واطلاق يدهم في لبنان..بل والتزام الصمت عن عملية انتقال السلطة في سوريا بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد ودون أي انتقاد.. ويقال بأن الرئيس حافظ الأسد قد وافق على مضض ومكرها بعد أن علم من بريماكوف ان الروس لايستطيعون دعمه اذا استدار الأمريكيون على السوريين بعد العراق وهو ماسيحصل بالتأكيد .. وكان الجيش السوري يمر بأزمة تسلح ولم يكن في الجيش السوري قطع غيار حتى الاطارات لعربات نقل الجنود أيام حكم بوريس يلتسين في روسيا .. فوافق الأسد بشرط رئيسي وهو عدم احتلال العراق وعدم تفكيك العراق ...
وبعد أن انتهى الأمريكيون من أسر الضحية العراقية نكثوا بكل وعودهم وكان مؤتمر مدريد حفلة فارغة لافيها جولان ولا مولان ثم بعد سنوات افترسوا العراق واحتلوه وفككوه وانفلتوا بعدها على السوريين وجردوهم من انفرادهم في لبنان عام 2005.. واليوم تذكروا الديمقراطية في سوريا وأن الرئيس بشار الأسد غير ديمقراطي..
لكن هل الأمريكان بهذه السذاجة كيف يعرضوا عرضا على ايران الخبيرة بالدهاء الأمريكي ويعرف الأمريكان أنه مرفوض 100% ؟؟
اذا كان كذلك فما هو السر في زيارة أمير (أو بعير) قطر الى ايران؟ السر ربما يكمن فيما تلا هذه الزيارة فورا..فالأمير القطري أطلق ردمة من رداماته (راجع الدرس البليغ في "اللغة والنحو" لأسامة فوزي لتعرف معنى ردام البعير !!) وقال بتحدّ ان الشعب السوري لن يتراجع عن الثورة..وفي الحال أعقب ذلك هجوم عنيف اعلامي مجوقل على السوريين في الصباح الباكرعبر اشاعة الأكاذيب بأن ساحات دمشق تغص بملايين الثوار المتظاهرين ..وصارت الجزيرة تعطي التوجيهات المباشرة على الهواء..
الذي يتردد في الكواليس أن الأمير القطري لم يعرض وساطة بل كان (ساعي بريد) وقد عرض صفقة حقيرة على السوريين وطلب عودة الود .. وذهب الأمير بنفسه الى ايران لمعرفة الرد..الرد كان مهينا جدا نقله الرئيس أحمدي نجاد بأمانة ..
أنا لاأعرف الرد السوري ولكني سأزعم أنني أعرفه فقد قيل له: "ان السوريين يتساءلون ان كانت لديك الرغبة في الحصول على الجنسية السورية قبل أن تعرض الصفقات بنفسك نيابة عن المعارضة كطرف أصيل في الأزمة السورية .. في هذه الحالة تقدم بطلب الى السفارة السورية في الدوحة وسيصلك الرد خلال اسبوعين..الشأن السوري داخلي سوري وليس قطريا" ..المعنى الآخر للرد السوري هو "سوريا ليست جمهورية موز ..وليست موزة أيضا".. واختتم الرد بالقول: بالنسبة لعودة الود نقول "الصيف ضيعت اللبن"..!!!
جن جنون الأمير وأدرك أن تنفيس حجمه وانقاص وزنه لم يكن فقط في ربط معدته بل في ربط معدة السياسة القطرية التي تضخمت عبر المطبخ السوري المفتوح له لدخول أزمات المنطقة ..الأمير الذي يعتقد أنه أسقط الرؤساء في الجمهوريات العربية الأربع مصر وتونس وليبيا واليمن وفتت ثلاث جمهوريات هي السودان والعراق ولبنان (ولم يبق من الجمهوريات الا سورية والجزائر) لاطلاق يد الاسلاميين والفتك بالدولة العلمانية..غضب جدا وقرر أن يطلق كل مالديه من تقنيات الجزيرة لارباك السوريين ليعرفوا حجم قطر وأعلن بنفسه استمرار الشعب السوري في ثورته (لاحظوا لايزال يتحدث باسم السوريين) وفي اليوم التالي امتلأت ساحات دمشق بالأوهام عن احتقان الساحات بالثوار..وهي في الحقيقة تجربة اعلامية لما يخطط له لاحقا
المعركة الأخيرة بدأت والبعير القطري صار طرفا شخصيا فيها فيما بدأت ترتيبات المعركة العالمية عبر اجتماعات وتصريحات تحضر وافلام في منتهى الخطورة وبتصريح وقح لما يسمى برئيس "المجلس الثوري للتنسيقيات" في سورية المسمى "محمد رحال" في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط" أن المجلس اتخذ قرارا بالانتقال قريبا جدا للمرحلة الثانية من "الثورة" التي تقتضي تسليحها وكأن ماتقيأته ثورته من رصاص وقنابل ومجازرودم في طول الوطن وعرضه لم يكن مسلحا بالسلاح بل بالأدعية والأناشيد الدينية .. وأضاف رحال: لقد"اتخذنا قرارا بتسليح الثورة التي ستتحول إلى العنف قريبًا جدًا لأن ما نتعرض له اليوم مؤامرة عالمية لا يمكن مواجهتها إلا بانتفاضة مسلّحة" ..كذب وقح لأن ماناله كان دعما عالميا لدمويته ..وكلامه تصعيد وتهديد وقح فيه الكثير من الحرب النفسية والصفاقة باستعمال التهديد بالعنف..
وبدأت الحرب النفسية بالتحضير لتهويلات اعلامية مثل ما يسمى انشقاقا كبيرا "لمسؤول كبير" ..قد تكون تقنيات الفوتوشوب والجزيرة وتقنيات هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) لاعبا مهما فيه للعمل على اخراج مشاهد حقيقية تشبه مشاهد (مشوار مع الديناصور) الذي تظهر فيه هذه الوحوش حقيقية ..
ومع ذلك تتصرف القيادة السورية والشعب السوري بثقة كبيرة ..ودرس لبنان لايزال قريبا جدا عندما انتحر غازي كنعان الضابط البارز في الاستخبارات السورية ووزير الداخلية وأعلن عبد الحليم خدام انشقاقه ..ديناصوران كبيران انشقا فتخلص الجسد السوري من بؤرتين عفنتين.. رحل الاثنان كل في طريق وبقيت سوريا ..وبقي السوريون ..
على كل حال السوريون مستعدون للنزال ولديهم أيضا مفاجآتهم .. فاللعب مع السوريين الآن هو بعينه اللعب مع الكبار .. بدليل أن هناك اعترافا لم يعد هناك مجال لانكاره وهو فشل تحريك الجمهور وفشل الثورة الجماهيرية "الفضائية والالكترونية" خلال ستة أشهر ..على العكس، الناس نزلت الى الشوارع بالملايين لتؤازر خط الوطن السوري وليس خط المعارضة القطرية الناتوية...
انها المعركة الأخيرة لاعادة الفلسفة الى رشدها ولاعادة النتائج المنطقية الى المقدمات السليمة..ولاعادة الميم الى الضمير الضرير.. والمعادلات السقراطية ستستعيد شرفها وعقلها الذي فقدته في عهد البعير وجزيرته:
كل خائن وعميل سيسقط ..حمد خائن وعميل ..اذاً حمد ..........سيسقط
كل وطن يعشقه أهله باق ومنتصر...السوريون يحبون وطنهم ويعشقونه...اذاً سوريا منتصرة
كل مقاوم حر هو ظل الله على الأرض...سوريا مقاومة حرة...اذاً سوريا هي ظل الله على الأرض
وان غدا لناظره قريب.
بقعة ضوء: طفولة نهر ..من قطر
يقال ان الشاعر السوري نزار قباني أرسل يوما قصيدته الجديدة "طفولة نهد" الى الاستاذ أحمد حسن الزيات رئيس تحرير مجلة الرسالة وهومن رجال النهضة الثقافية في مصر الذين كانت لهم ميول أزهرية بحكم دراسته في الأزهر الشريف...وعندما قرأ الزيات عنوان القصيدة شهق وقال: الله الله الله الله طفولة نهد؟ ..نهد؟!! ..كده حتة واحدة؟ لااله الا الله..
وقد عدل الزيات في العنوان حرفا واحدا ليبتعد عن الاباحية في قصيدة نزار
وفي اليوم التالي نشرت القصيدة الجديدة للشاعر نزار قباني بعنوان "قصيدة نهر" ..!! وقد غضب نزار قباني كثيرا وقال محتجا: من سيقرأ هذا العنوان سيعتقد أنها درس في الجغرافيا وعن نهر في الأمازون مثل الميسيسيبي ..
الطريف أن حمد وموزة فكرا في اصدار مذكراتهما مستلهمين من كلمات نزار ..فكتب حمد مذكراته بعنوان "طفولة حمد" ...وكتب في الاهداء قصيدة الى موزة استوحى عنوانها من رائعة بيتهوفن (فور اليز – أي من أجلك يا اليز) وعنوانها "من أجلك يا موزة"
وبالطبع عرضت المخطوطات على المفكر العربي عزمي بشارة الذي ارتأى أن العناوين يجب "تثويرها" وقال لحمد: ألا تذكر ان نزار قباني قال في قصيدة "وبر الكشمير": هذا عصر الثورة والتغيير؟ وأنت الآن قائد هذا العصر ياشيخ..ولذلك أقترح أن تكتب عنوانا ثوريا وواقعيا في نفس الوقت ...مثلا "طفولة كرش" ..أو مثلا "طفولة كركدن" أو مثلا "ثورة على المعدة"..وبالنسبة للاهداء "من أجلك يا موزة" ..فيها شوية قلّة شاعرية وقلة ثورية ..اكتب عنوان فيه موسيقا سيمفونية مثلا "من أجل الموز..أحبك يالوز" ..أو "في قلبي فورة الكازوزة..وحب موزة المزموزة"" ..
ووافق الشيخ على عنوان "طفولة كرش" لأنه كما قال –حفظه الله ورعاه- يعكس شخصيته وقناعته في الحياة ..وبعد عرض المذكرات على المفتي القرضاوي قال الأخير بوقاره المعهود: لابأس أيها الاخوة طالما ليست هناك خلاعة والعياذ بالله مثل خلاعة هذا.. ال.. ال.. ال..الكافر نزار قباني لعنه الله ..الذي كان يكتب عن النهووووود .. والفروووووج .. والجميلااااااااات .. ووبر العاريااااات ..والبطووووون والأفخااااااااذ ..والحشيييييييييش والخمر ...ثم بلع الشيخ ريقه وقال: لعنه الله من زنديق كلما قرأته أحسست بالشباب يتدفق في عروقي كأني أرى فيلما اباحيا مثل أيام زمان..
وبعثت مذكرات الشيخ حمد لصحيفة أورشليم (القدس العربي) لنشرها حيث صاحبهم عبد الباري عطوان الذي كان منهمكا في حديث ناري عن الثوار السوريين على فضائية الجزيرة ..ولما وصلته المذكرات قرأها وقال للمحرر الذي عرضها عليه: الجماعة يعني والله مفلسين يعني ..يعني هذا عنوان هذا ..هذا فيه خطأ مشين...مشييييييييييييين ..المحرر لدى عطوان فهم أن عطوان يقصد بكلمة مشين (موشين ..أي من دون شين)..فعدل عنوان مذكرات حمد كما فهم من معلمه أي العنوان (طفولة كرش) من دون شين..فصدرت المذكرات في اليوم التالي ....طفولة كرّ
ترى ماذا سيعدل المحرر على مذكرات موزة عندما تصله (طفولة موزة)؟؟؟؟؟