المجموعة الخامسة من مقالات نارام سرجون
رسالة مع الحمام الزاجل الدمشقي الى طرزان الربيع العربي وقروده
السقوط بلا مظلة .. هل ستغفر لنا الحجارة أيها الملك سليمان؟؟
الحرب السورية التركية ..الدفرسوار في الشمال
من يطفئ الشمس؟ الأحرار.. واندحار ثوار شعب الله المختار
الدوتشيه رياض الشقفة والفوهرر أردوغان .. وتجارة تحطيم الأهلّة
فصل جديد في "الامتاع والمؤانسة" لفيصل القاسم .. نزار قباني بائع العرقسوس
زمن الزرائب الثورية .. وزمنك يا غيفارا أيها اللهب الأزرق
الأسد مابعد الأسد.. زفاف أردوغان على مرسي ..والمأذون خالد مشعل
العروس السورية والعرسان وعيون لاتتعب .. ورائحة كريهة من فم رويترز
النسر اللبناني الأصلع والكلب البوليسي في موت الصندوق الأسود
امبراطوريات أردوغان ولعنة التاريخ .. أهي سياط النهايات؟
انتحار الديك الرومي في انتظار العشاء الفينيقي
هجوم زاراداشت المعاكس .. وقوافل الثوار في رأس الرجاء الصالح
أوباما الأول والأسد الثاني .. وأوباما الثاني والأسد الثالث
اسلام للتأجير .. ومسيح للتأجير .. والقس والنبي في الدوحة
مرتفعات كليمنجارو في غزة..النمر وائتلاف حمير الوحش ...بقلم: نارام سرجون
هوميروس قطر “أبو النعاج” في “غزة والذئب” والعرب في زمن الكوليرا
مذكرات صاروخ .. ومذكرات نعجة
نارام سرجون وحديث من القلب الى القلب
ان "لاسرائيل" جنودا من عسل .. فلنقلب قدور العسل وصفحة حماس
سقوط جمهورية مرسي الاسلامية .. وسقوط الجمهورية الاسلامية السورية
رسالة مع الحمام الزاجل الدمشقي الى طرزان الربيع العربي وقروده
التاريخ : 2012/11/05
كيف أعيد رسم الكلام وكيف أخترع حروفا جديدة للعرب؟ .. لم يبق حرف الا وتعب وأنهك ونحن نحمّل
على أكتافه الحقيقة وسبائك الذهب ونبعثه مرسالا فيعود محملا بالغبار والعار أو مذبوحا من عنقه من الوريد الى الوريد .. صرت أسمع لهاث الكلام وملله من نفس الرحلة على نفس الخطى والدروب والسطور .. فهل يقرأ العرب الكلام؟؟ وهل يسمع العرب الكلام .. وهل لآذان العرب مداخل وأبواب؟ أم أن ثقوب الآذان في رؤوس العرب صارت كهوفا ومغاور في جبال صماء ..؟؟ أم أن حواجز مسلحة تقف على مداخل عقولهم تفتك بالكلام وتكبّر ولا تسمح الا بدخول العواء والنباح القادم من الفضاء؟؟
تبدو الكلمات عاجزة عن دخول رؤوس العرب كأن الكلمات قطعان من الفيلة وآذان العرب ثقوب الابر ؟؟ ماذا فعل العرب بآذانهم؟ ومن قطعها؟ ومن صب في ثقوبها الرصاص؟ وماذا فعل العرب بعيونهم؟ ومن فقأها لهم وسملها؟ ومن صادر البؤبؤ من عيون أطفالهم وشبابهم؟؟ من هؤلاء الذين ينطقون بالعربية ولايفهمونها؟ ومن هؤلاء الذين يكتبون بالحرف العربي ويسقونه بالسمّ قبل أن يشربه الناس ..أو يجعلون منه انتحاريا ينسف نفسه وينسف عقول العرب؟؟
كيف نعيد رسم الكلام .. وكيف نخترع حروفا جديدة للعرب؟؟ وكيف نفتح آذان العرب ونعيد للعيون البؤبؤ المفقود .. وكيف نقنع الكلام برحلات السفر من جديد الى موانئ في عقول العرب؟ وليس في تلك الموانئ منارات ولا أرصفة منذ أن داهمها القراصنة .. ورفعوا علم القراصنة الأسود .. الذي كتب عليه باللون الأبيض (أشهد أن لااله الا الله .. وأشهد أن محمدا رسول الله) .. وهل هي الصدفة وحدها هي التي جعلت علم لون تنظيم "القاعدة" يشبه كثيرا علم القراصنة المعروف بالسواد وبجمجمته وعظمتيه البيضاوين؟ .. علم قراصنة العقل العربي لاتشبهه الا أعلام المحاربين في بلاد العرب وفي ربيع العرب؟؟
كيف نعيد رسم الكلام .. وكيف نخترع كلاما جديدا للعرب منحوتا من رخام بعدما فتك الربيع بالكلام وحطم أعمدة الرخام ؟؟ كيف نحرر الكلام بعدما رأينا كلمات القرآن كالسبايا مسربلة بقيود وأصفاد من فتاوى القرضاوي ولعابه وسلاسل من صوت الأئمة والدعاة والحواة .. كلها سبيت كما سبت بابل مملكة أورشليم .. واقتادتها الى حصون بابل .. والى شتات عظيم..فهل من فارس يجمع شتات السبايا ويعيدها الى مصحف عثمان؟؟..
كيف تغير الكلام وصار رملا تذروه "جزيرة" وقراصنة في العيون؟؟ وهل تفيد اللغة التي تتفتت كالرمل قبل أن تخرج من أفواهنا؟؟ والتي تتلوى كالثعابين والديدان وهي تغادر أفواه الثورجيين المليئة بديدان اللغة وثعابينها .. ثعابين الحرية وأفاعي الديمقراطية وديدان الثورة..
وماذا يمكن أن يحمل الحمام الزاجل من دمشق المحاصرة بالمؤامرة والبداوة وقراصنة الكلام؟ ..
لمن لايقرأ الا أوراق الحمام الزاجل في زمن غربان الجزيرة والعربية ومخلوقات الفضاء .. هذه رسالة تحملها حمامة زاجلة .. ومقال الحمام الزاجل يطير مباشرة من ساحات الجامع الأموي يبحث عن عرب يقرؤون رسائل مكتوبة بلغة عربية صحيحة ومعطرة .. ليس فيها اعوجاج ولارطانة الثورجيين المتفرنسين ولا من تترّك لسانه وتسلجق .. ولن يسمع تكبيرات محمد بن عبد الوهاب ولا هياج المسعورين .. سأكتب فيها للعرب كلاما لن يسمعوه بآذانهم الصماء .. ولن تراه عيونهم الزائغة الدائخة .. بل سيتسلل من مساماتهم ويسبح في عروقهم .. عله يصل الى أدمغتهم..ان بقي منها شيء والتي لايشبهها الا حطام المدن الأثرية في بلادنا والتي يسرق مابقي منها الثورجيون ليبيعوه في سوق اللصوص…..
من دون مجاملة أو نفاق ومن دون أن أخشى اللائمين ومن سيشهقون تعجبا فسأقول: لم تعد تعنيني الديمقراطية بكل أشكالها ولا الحريات ولا صناديق الاقتراع .. ولاتهمني ان وصلت الديمقراطية السورية أو العربية الى الدرجة الحمراء أو الخضراء أو تفوقنا على ديمقراطية مجلس اللوردات البريطاني أو هبطنا الى ديمقراطية قبائل الزولو أو ديمقراطية قطر العظمى .. لأننا يجب ان نعترف أننا نواجه ماهو أخطر من الاصلاح السياسي والديمقراطي .. انه معركة استعادة المستقبل لأن ماخربناه اليوم ليس الحاضر بل المستقبل .. فماذا أصنع بالحرية والديمقراطية من غير وطن أو مستقبل أو وطنية؟؟ لقد انتهى عهد من الحلم العربي أثار جدلا كبيرا بدأ بالاستقلال عن العثمانيين وانذارات غورو عبر عصبة الأمم وانتهى بعد قرن الى حيث بدأنا بالعودة الى حكم القبائل ورجال الدين والصراع مع العثمانيين الأتراك وعودة الانتداب عبر مجلس الأمن .. وكأننا كنا على محيط دائرة .. فكانت نقطة النهاية هي نفسها نقطة البداية ..
فالذي أسسته المعارضات العربية هو مرحلة من أخطر مراحل الحياة السياسية وهي الثورة من مجلس الأمن .. ومن مجلس جامعة الدول العربية .. وربما تأسست لدى العرب مدرسة سياسية لاسابق لها تم تخريج الدفعة الأولى منها في العراق وتلتها الدفعة الثانية في ليبيا وهي أن من وصل الى السلطة بالناتو لايسقط الا بالناتو .. وحكام اليوم الذين أسقطوا من الجو الى القصور بالمظلات مع وابل قصف قاذفات الناتو .. سيسقط عليهم وابل قاذفات الناتو التي يأتيهم بها الحكام القادمون لاقتلاعهم .. المعادلة السياسية اليوم في عالم العرب هي التالية:
سلطة اليوم يأتي بها الناتو .. ومعارضتها تنتظر دورها في السلطة لدى الناتو .. والطرفان سيتناوبان في بيع الاستقلال الوطني للناتو .. فيما تتقدم العروض بالظرف المختوم الى مناقصات السلطة في مقر الناتو .. في الماضي كانت اما السلطة وحدها أو المعارضة وحدها ملكا للناتو .. واليوم قبض الناتو عليهما معا ووضعهما في القفص ذاته..كما توضع الديكة في الأقفاص ..
في المنهج العلمي والعقلي لمحاكمة الأشياء هناك مبدأ مقدس .. فللوصول الى نتيجة صحيحة لأية مقدمة لابد من استعمال وسائل صحيحة للوصول اليها .. وبطلان الطريقة الصحيحة يجعل النتيجة بلا قيمة .. وقد تعلمت هذا المبدأ عند دراستي للبحث العلمي المنهجي في الغرب حيث الأبحاث العلمية البديعة .. وأذكر أننا خلال دراساتنا كنا عندما ندرس فرضية ونحاول الاجابة على سؤال علمي ما كان أكثر مانعمل على أن يكون متينا متماسكا هو طريقة اجراء البحث العلمي وأدوات التجربة .. فاستعمال طريقة ضعيفة أو أدوات تتهم بأن فيها عيوبا كان يضعف أية نتيجة ويذيبها كالشمع في الفرن .. ومهما كانت نتائج الأبحاث عظيمة وقاطعة فان سؤالا واحدا عن نقطة ضعف موجعة في الطريقة أو أداة مستعملة معروفة بقلة دقتها كانت تجعل كل جهد لا معنى له وفاقد القيمة …وهذا يلخص مبدأ معروفا في ثقافتنا البسيطة وهو: مابني على باطل فهو باطل .. ولعل أكثر مبدأ محتقر في البحث العلمي المنهجي هو مبدأ الغاية تبرر الوسيلة .. فالغاية لايمكن في البحوث العلمية أن تبرر للباحث استعمال أية وسيلة مهما كانت نتائجه باهرة وغايته نبيلة .. لأن نقاء ومتانة الطريقة هي التي تثبت نقاء النتيجة ومتانتها والعكس بالعكس..وماحدث في الربيع العربي هو تكريس الباطل المبني على باطل وأن الغاية (الحرية) تبرر الوسيلة (الخيانة)..
واذا ماقمنا بتطبيق المبدأ العلمي الصارم في التجربة على تجربة الربيع العربي لوجدنا أن من يقول ان النتيجة منحرفة سيستنتج أن النتيجة منحرفة لأن الطريقة منحرفة أصلا والأدوات أدوات فاسدة .. فكل الثوار خرجوا من رحم دول الخليج الفاسدة أخلاقيا وسياسيا والفاقدة للبنية الاجتماعية والنخب المتفوقة .. وما خرج من بطن السعودية ورحم قطر لايمكن أن يكون ثوريا .. ولايمكن أن يؤمن بالتعددية والاصغاء للآخر .. لأن اساسيات التجربة منحرفة أصلا .. أما من يقول ان الطريقة لم تعد تهم طالما أننا وصلنا الى الغاية فانه يهدم مبدأ المنهج العقلي وسلامة النتيجة ..فلايمكن أن تصل طريقة مختلة الا الى نتائج مختلة ..فما بني على باطل ..باطل .. كما أن الغاية لايمكن أن تبرر الوسيلة ..الا عند قراء التلمود وبروتوكولات صهيون ..وأتباعهم ..
وهناك حقيقة تحير معظم الذين يبحثون عن دفاع مستميت عن ثورات الربيع العربي وهي أن الاعتراف بالثورات تم بسرعة من قبل صناع الانقلابات الشهيرة في أوروبة واميريكا (الثلاثي اميريكا فرنسا بريطانيا) .. ولايجد المتحمسون للثورات الا حجة مترنحة عرجاء تقول بأن الغرب لم يكن له خيار الا الاعتراف بقوة التغيير وقرر عدم مواجهة القطار المندفع بل الترحيب به على محطاته .. ولكن حتى هؤلاء يعرفون في قرارة نفوسهم أن ذلك خداع للنفس لأن الغرب لايجامل في هذه القضايا بدليل أنه قاطع الثورة الايرانية وحارب ثورة هوغو تشافيز كل هذه العقود وتحمل خسارة القطيعة مع ايران الثرية ولم يفكر بمغازلة ايران .. أما مع عربان الربيع واسلامييهم فلم يستغرق الاعتراف به وبهم الا بضعة أسابيع .. بل أن أول الواصلين الى عواصم الربيع العربي كانوا وزراء خارجية الثلاثي الشهير (فرنسا – بريطانيا وأميريكا)
أمام هذا الاعتراف الغربي السخي كان اللاوعي العربي مشوشا وغير راض فعجزت الثورات عن خلق اعتراف جماهيري شامل افقي وعمودي في المجتمعات العربية كأي ثورات كبرى لها طابع الولاء الساحق .. فباستثناء المجتمعات ذات الصبغة المتخلفة و(المحتلة عسكريا) في الخليج العربي والمجموعات الدينية، ظل حماس القطاعات المتنورة والعلمانية عموما غير قابل للتطويع وغير قابل للتصديق ببراءة الربيع من نكهة العمل الاستخباري الغربي بدليل أن المصريين مثلا رحبوا بتغيير النظام لكن نصفهم لم يشاركوا في انتخابات مابعد الثورة وهذه حالة ليست ثورية اطلاقا (عندما يغيب أكثر من نصف المجتمع الثائر عن صندوق الانتخابات) لأن النتيجة كانت مثيرة للحيرة فبعد كل هذه الثورة كانت النتيجة مثيرة للاستغراب وهي الوصول الى انتخابات اما أن تعيد انتاج عهد مبارك (احمد شفيق) أو تنتخب النموذج الرديء (الاخوان) كممر اجباري بعيدا عن اعادة انتاج حسني مبارك .. وقراءة متأنية للانتخابات تظهر أن نصف هؤلاء الذين شاركوا في الانتخابات صوتوا ضد انتاج الثورة الرئيسي (محمد مرسي) الذي تم اصطفاؤه في عملية دقيقة وفق صفقة بدأت تتضح .. وكثير منهم لم يصوتوا له اعجابا ببرنامجه بل صوتوا له نكاية بشفيق
كما أن الانتصار السريع القياسي للربيع العربي خلال أسابيع في مصر وتونس يثير أسئلة كبيرة عن ماهية هذه الثورات والتي بعكس ثورات الدنيا انتهت بانقلاب عسكري وليس باجتياح الجماهير للقصور .. وتقف ثورة ليبيا مجللة بالعار اذ لم تستطع اقتلاع نظام ماكان يسمى الديكتاتور الا عبر مذبحة الناتو الشهيرة بحق الليبيين ..أي عبر غزو خارجي ليس بسبب قوة القذافي بل بسبب ضعف القيمة الثورية للربيع الليبي وامتلائه بالانتهازيين .. ولاتزال ماتسمى بالثورة السورية عاجزة عن اطلاق جماهيرية الثورة فاستعجلت بسبب ذلك الوهن الجماهيري الانتقال الى العنف المسلح لغياب الاحتضان الشامل الشعبي (باستثناء البؤر المتدينة والفقيرة تعليميا) وهذا الضعف الجماهيري هو الذي نقلها من مرحلة السرية مع أجهزة الاستخبارات الى العلنية في الارتماء في حضن كل أجهزة الاستخبارات الدولية ..دون خجل..
سأعيد تذكير الناس بالحقائق رغم أنني لاأحب تكرار الكلام .. لكن غياب العقل يستدعي حقن الرؤوس بدواء العقلانية على جرعات متكررة حتى يتم شفاء الرؤوس المحشوة بالمتفجرات الثورية:
الثورات الأصيلة لاتبالي بالاعتراف الخارجي بها بل تفرضه بتحديها للحصار والرفض المفروض عليها .. وربما كانت أهم ميزة للثورات الحقيقية أن أعداءها الخارجيين أكثر بكثير من أصدقائها لما تثيره دوما من حمى التغيير وتصدير نفسها بالعدوى الثورية .. فالثورة الفرنسية واجهتها كل أوروبة وكل ممالكها وأماراتها وتزعّم التصدي لها رئيس وزراء النمسا مترنيخ .. أما الثورة البلشفية فعانت ماعانته من حرب شعواء عليها من كل أوروبة وامبراطوريات بقايا القرن التاسع عشر (البريطانية والفرنسية) وحاول هتلر نفسه اخضاعها لاحقا .. ولدينا حديثا نموذج الثورة الايرانية التي واجهتها أوروبة بكل ثقلها وتصدى لها ملوك العرب أجمعين وتم توريط القوميين العرب عبر الرئيس العراقي صدام حسين بالتعامل معها حربا .. ولاتزال هذه الثورة تحت حصار الملوك العرب ومطارق الغرب..وربما أهم سلاح أنتجته اوروبة لمواجهة نتائج الثورة الايرانية هو .. الربيع العربي نفسه الذي وضع ايران كهدف للمواجهة وأسقط من حساباته مواجهة الغرب واسرائيل ..
الربيع العربي على عكس كل ثورات العالم يتمتع بصداقات حميمة كثيرة وعلى رأس أصدقائه كل زعماء أوروبة الغربية الذين هدموا كل الثورات التحررية سابقا .. وتلقى ربيع العرب أحر ترحيب وأكثر العواطف الغربية دفئا بل وتبرع البعض بالاسهام فيه .. وهؤلاء اليوم يربتون على كتفيه ويقلدونه أوسمة البطولة ويضعون على رأسه الفارغ أكاليل الغار ويقدمون له هدايا الاعتراف وعلب الشوكولاتة والحلوى والقبل الديبلوماسية ..والغرامية ..والعناق الطويل الدافئ..
وانفردت ماتسمى الثورة السورية بأنها أكثر ثورة في التاريخ حظيت بترحيب كل الدول الغربية والعربية بشكل هستيري وتدافعت 130 دولة لتأييدها ..ومن المفارقات أن البعض يعتبر هذا الموقف الدولي دليلا على نبذ النظام لأنه قمعي .. وهذا قطعا مناف للناموس الطبيعي والمنطقي لتطور الثورات التي تكون سببا في التوجس من أفكارها ذات البعد الدولي العام والتي تخيف بتوثبها قادة العالم وكلاسيكيي السياسات التقليدية فيمارسون سياسة "النأي بالنفس أو الترقب والتثبت" من طبيعة الثورات أو المجاهرة مباشرة بعدم الارتياح .. والحال الآن هو أن المعادلة انقلبت بشكل مثير للدهشة فالنظام السوري يحظى بعدوانية دولية لاتحصى (130 دولة) لاتنالها الا الثورات الشعبية الكاسحة .. ولكنه في الداخل ينفرد بالتفاف الناس حوله بشكل ملفت للنظر .. ان مقومات الثورة يمتلكها النظام أكثر مماتمتلكه قوى الربيع العربي مجتمعة ..
ولاينكر أحد أن الثورات العربية قاطبة اعتمدت بقوة منهج الحرب الاعلامية والدعم الغربي غير المسبوق اعلاميا لتبرير نشاطها .. ولكن الثورة التي تقوم على سطوة الاعلام الغربي ليست ثورة طبيعية بل ثورة صناعية .. لأن الثورة الحقيقية لا تنتشر عبر جوقة الفضائيات لأن هذا يعني أنها مشبعة بالكذب وتفوح منها رائحة ألاعيب الدجالين والشعوذة البصرية.. وصار أشهر انجاز لربيع العرب هو اشاعة ثقافة الكذب وفقه الكذب وافساد المجتمع وصدقيته .. ولايمكن ان يكون المجتمع القادم الا مجتمعا مليئا بالمرض الثوري الذي سيلجأ الى نفس اللعبة والتكتيك .. ولن ينجب الا أطفالا كذابين .. ولن ينمو في المجتمع الا الكذابون والكذابات ..وأبناء الكذابين والكذابات ..
بالطبع سأتلقى (كما لاأزال أتلقى) الكثير من الرسائل المحتجة والرسائل الحائرة حول تشكيكي بالثورات العربية .. لكن ذلك الجدال والحوار والاعتراض أو القبول بانتقاد الربيع يشير بوضوح على أن هناك أزمة اعتراف عامة وأزمة معنوية تعيشها الثورات العربية وادراكا عميقا للمعضلة الثورية الأخلاقية .. ولعل ثمار الربيع وخاصة التي قطفها بيريز"العظيم" من صديقه الوفي محمد مرسي في رسالة الاعتراف التي حملها أول سفير لثوار الربيع العربي وللاخوان المسلمين صارت تحرج كل المتحمسين للربيع والذين صدقوا أكاذيبه ولايعرفون دفاعا فولاذيا لها .. وتؤكد على أن رفضنا كمجتمع سوري لهذا الربيع لم يكن رفضا عاطفيا وتعصبا لنظام بل رؤية بعيدة وثاقبة .. بل صار اسقاط الربيع بهجوم معاكس أكثر ضرورة والحاحا من قبل الجميع قبل أن يفتك الربيع بالجيل القادم ..صار هناك شعور عام بالخطر من الربيع العربي والقوى التي سيطرت على المجتمع والتي يبدو أنها أكثر تدميرا للفرد والمجتمع من أية ديكتاتورية ..
ومع هذا فان هذا الاعتراف الخجول من قبل المتحمسين للربيع بحد ذاته تقدم مهم حيث قبل هؤلاء أن منتجاتها رديئة للغاية ولايمكن الدفاع عنها.. وهؤلاء الناس رغم اقرارهم بهذه النتيجة فانه يعز عليهم أن يصلوا الى حقيقة أنهم خدعوا وأنهم كانوا يهرولون في مسرح الكاميرا الخفية لبرنامج الربيع العربي ومخرجيه في دوائر الاستخبارات .. الكاميرا الخفية تصور شعوبا تهرول وتثور ثم تتسلح وتتقاتل وتدمر جيوشها وبنيتها وتطلق لحاها وتكبر الله أكبر. . فالثورات العربية الآن تجهد بعد خيبات الأمل لتحصل على الاعتراف بها كثورات أصيلة لأنها تدرك في وعيها ولاوعيها أنها لاتنتمي الى فصيلة الثورات وأنها تنتمي الى عالم المخابرات الخفي .. وفن تصنيع الانقلابات الدولية العصرية..
فلايزال البعض يقولون اننا لانستطيع التهرب من أن "جذر" التحرك العربي في ربيعنا العربي بريء وأن هذه الثورات صادقة .. وصار البعض يقبل بالتسليم بأن أصل الثورات نقي صاف لكن تفرعاتها مسمومة .. أي يقبل بالتفسير الشائع بأن الغرب فوجئ بالثورات العربية ولذلك سارع الى ركوبها والتعاطي معها بواقعية حتى تمكن من ترويضها وحرفها ..
ويبلغ الغضب ببعض الذين يناقشونني أنهم يذكرونني بمئات آلاف المصريين في الشوارع الثائرة .. ويقول بعضهم متحديا: وماذا تسمي ذلك الحشد اذا؟؟ مؤامرة؟؟ وكيف تتخلص المؤامرة من عملاء الغرب في نظام مبارك وبن علي ؟؟ ويستحضر البعض الآخر البوعزيزي ويأتي بنيرانه ليرميها في وجهي فورا كشاهد لايرد من السماء ليقال انه صاحب الثورات .. فهل أحرق هذا الشاب نفسه ضمن تخطيط المؤامرة؟؟؟ ويضيف آخرون .. ان الشعب العربي وصل به الامر أنه وجد انه لامناص من الثورات فانتفض !! فلماذا تنكرون عليه هذا الحق الطبيعي بالثورة .. وهذا الواجب الطبيعي تجاه نفسه وأجياله؟ ولماذا هذا الاحتقار لارادته وقدراته ؟؟
ماحدث في ربيع العرب هو انقلاب عسكري تم التمهيد له بمسرحية التجمعات الكبرى .. فكما نعلم لم يعد مقبولا في عالم اليوم استعمال لغة الانقلاب العسكري الصرف مثل عالم الخمسينات والستينات حيث يصدر فورا البيان (رقم واحد) لمجموعة من الضباط ويتولى العسكر العملية الثورية .. بل صار ضروريا التقديم للانقلاب العسكري بمسرحية ثورية مقنعة .. تمهد لها مشاهد للمتظاهرين الكومبارس وتضخم الكاميرات الأحداث ويتبع الناس العواطف ويتم تحضير المسرح الثوري في الساحات ليأتي العسكر ويتم الانقلاب الثوري كما حدث في تونس .. ثم مصر .. ثم ليبيا التي لم يقبل العسكر باللعبة فقام الناتو بدور العسكر بعد أن مهدت له ملاعبات الاعلام وصورت المظاهرات على أنها ثورة شاملة وتجاهلت أن مؤيدي العقيد لم يكونوا قلة على الاطلاق .. العسكر في ربيع العرب هم من نفذ الانقلاب دوما بعد ان تقدمتهم الجماهير ليبدو مايفعلونه استجابة لطلب الجمهور فقط ..
كل مايقال في الدفاع عن الثورات العربية بدأ يترنح أمام رياح الأسئلة المحرجة .. ولايزال المنافحون عن الربيع وثوراته من تونس حتى سورية مرورا بمصر "كامب ديفيد الاسلامية" يزرعون حوله مصدات الرياح كيلا ينهار في عاصفة الأسئلة التي لاتعرف المزاح والمجاملة .. ولايزالون يبنون الجدران السميكة حوله والخرسانات الاسمنتية بالمقالات والمدائح ورقصات السامبا وموسيقا الجاز خوفا عليه من أن يسمع أصوات الضحايا ولعنات الاحتقار .. ويستمر هؤلاء المنافحون وتجار الكلام بحفر المناجم الثورية بلا كلل ولاملل في أرض الربيع العربي بحثا عن الماس المدفون في رماله .. رمال ألاعيب صناديق الانتخاب وأكياس الرز والسكر .. وكلما وجدوا ماسة متلألئة يرفعونها في وجوهنا للتباهي ولاسكات بريق عيوننا بالأسئلة .. ولكن متى كان بريق الحجارة أقوى من بريق العيون ؟؟ بريق عيوننا لايزال يقول .. ان قلوبنا لم تطمئن ..ولاتطمئن .. ولن تطمئن ..
كلام هذه الثورات جميل برّاق كالماس وشعاراتها الذهبية تذهب بالأبصار .. ولكن الحصول على الماس ياأصدقائي يعني أن نحفر نحو الأعمق في المناجم .. وكلما غاص المنقبون عن الماس في مناجم الأرض صاروا يرون القليل من مساحة السماء الزرقاء ومن ضوء النهار .. حيث الشمس .. الى أن يصلوا الى الظلام الدامس المطلق في الأعماق السحيقة .. حيث الظلام وحيث تحيط بهم المجوهرات النفيسة وعروق الماس والذهب والفلزات الثمينة (الحرية والديموقراطية وصناديق الانتخاب).. لكن لايصلهم شيء من ضوء الشمس .. وضوء العقل .. أو شيئا من شعاع الوطن..
من جديد دعوني أنتشلكم من الحفرة العميقة التي تواظبون الحفر فيها أيها الثورجيون وأنتم تجمعون الماس أو قطع الزجاج المهشم وتعتقدون أنه ماس ثمين في الاعماق السحيقة المظلمة .. ودعوني أيها الثورجيون أرفعكم الى سطح الأرض بيديّ وانتصبوا بقاماتكم بجانبي .. وافتحوا صدوركم وتنشقوا هواء عذبا ليس فيه أبخرة المناجم وغبار الذهب وعروق الماس ورائحة عروق النفط .. فلاشيء أبهى من نور الشمس الماسة العظيمة والمصباح .. ولاشيء أعذب من نسيم الأرض الذعذاع ..
لقد قامت الثورات العربية بحجة غياب صناديق الانتخاب وبحجة غياب مبدأ الرأي والرأي والآخر لكن ماحصل هو تمرد رأي على كل الآراء وهو رأي المؤسسات الدينية ورأي التزمت والتعصب والتكفير .. والثورات التي قامت بحجة التمرد على بيع استقلال الوطن وكرامته باعت الاستقلال الوطني رخيصا بدليل سفيري الخضوع والاذعان بين يدي شيمون بيريز الصديق العظيم للاسلاميين العرب .. وبدليل الاستماتة لاستجلاب الناتو كما وصفه بالضبط مقال الليكودي اللبناني فؤاد عجمي الذي قال عبر مقالة زاخرة بكل أصناف السموم والزرنيخ نشرت له في موقع ال بي بي سي قال فيها: ان السوريين يحسون بالحسد من الليبيين الذين غمرهم الناتو بالعطف وقام بتحريرهم !!..
تمكن الربيع من تغيير الثوابت وخلخلة أسنان الثقافة العربية .. فجاهر المقنعون بخلع الأقنعة فتغيرت القيم والبدهيات الوطنية وتم استبدال العدو الخارجي بالعدو الداخلي في استنساخ مذهل معكوس لتجربة الثوار العرب الاوائل ضد المسعمر الغربي .. ومن يتابع الصور التذكارية للثوار السوريين وهم يقفون تحزمهم أشرطة الرصاص ويحملون البنادق تماما كما كنا نرى صور ثوار الغوطة وجبل الزاوية يفعلون دون أي انحراف الا في صورة العدو الذي صار الجيش الوطني .. وصار من يمده بالسلاح هو من كان يحارب جده .. انقلاب مثير للاستغراب من بلاهة العقول التي أنشأها عرب الربيع ..
أنشأ الربيع فقه الخيانة .. فالتعامل مع الناتو واستحضار الفصل السابع هو مطلب كل الثوار العرب .. وتحول الجمهور الى قبول الرشوة السياسية .. فمن اجل السلطة تم التخلي عن الغاية الرئيسية من الوصول الى السلطة وهي الاستقلال السياسي والاقتصادي .. حتى القرآن تم اخضاعه ولي ذراعه .. وهذا تطور خطير في العقل العربي والمجتمع العربي ..
وعندما تكون ثمرة الثورات أن يهاجم الجمهور الثوري شخصا مثل سمير القنطار وهو الأسير المحرر والمقاتل المخضرم .. وحسن نصر الله .. والرئيس بشار الاسد .. فان ذيل الثورات تمسك به اسرائيل .. فماذا يعني أن تشترك اسرائيل وثوار العرب في العداء لنفس الشخص وبالذات بعد ربيع العرب؟؟
لذلك مهما دافع الثورجيون عن ربيع العرب فان المنتج النهائي من الثورات منحرف ولايمكن الدفاع عنه .. كما أن اللوحة الفنية التي تم الترويج لها ليست على ذلك القدر من الابداع والجمال والشاعرية الثورية .. وأن المولود الذي في أحضان الشعوب العربية لاينتمي لها .. بل ان ماحصلنا عليه هو عكس أسطورة طرزان ربيب القرود .. حيث أرضعت قردة ابنا بشريا فنشأ انسانا بين القرود .. فاذا بنا عرب نرضع قردا وضعه برنار هنري ليفي في حجرنا وتبنيناه .. وسميناه .. طرزان العرب .. وهو الذي صار ربيع العرب..
في أسطورة طرزان (ابن اللورد الانكليزي غريستوك) يتفوق الرجل الأبيض الانكليزي (طرزان) على الزنوج والأفارقة الأغبياء كما تريد الأسطورة قوله .. وفي أسطورة الربيع العربي يريد طرزاننا العربي ربيب الجزيرة (القردة بنت اللورد حمد) أن يقنعنا أنه متفوق علينا ويعلمنا كيف نختار حياتنا ..مع قردته ودببته.. ومفكريه العرب ..
أخيرا .. وفي آخر سطور رسالة الحمام الزاجل الدمشقية كلام لايشبه الكلام الثوري بل كلام اسمه الكلام الدمشقي .. يقول:
ان الكلام الدمشقي مسبوك من اسم دمشق ومسكوب من رحيق الياسمين .. واسم دمشق انسكب من دم هابيل عندما قتله شقيقه قابيل فنزف "دم الشقيق" على جبل قاسيون .. والتحمت الحروف وتمازجت وصارت "دم .. شقيق" أو "دمشق"
لكن دمشق اليوم تنسكب من شرايين السوريين .. فتأخذ دالها من "دم الشهداء" .. وتأخذ ميمها من ممانعة .. وتأخذ من شام الشرق الشين .. ومن "قاسيون" ومن "قلوب" الأحرار .. ومن "قوة الشعب" ..حرف القاف..
فانتظروا ماتقوله دمشق لربيعكم .. أيها العرب
السقوط بلا مظلة .. هل ستغفر لنا الحجارة أيها الملك سليمان؟؟
التاريخ : 2012/11/07كيف أعتذر من قلبي عندما أنقل له أخبارا عن المدن السورية التي حطمتها الثورة تحطيما لايليق الا بمدن حيفا ومابعد بعد حيفا ..
كيف نعتذر من مدائننا لأننا لم نحمها كما يجب من هؤلاء المجانين الرعاع الذين يتمترسون في المتاحف والقلاع وفي بيوت بريئة لاينتمون اليها؟ .. وكيف نصافحها من جديد وأصابعها ملفوفة ومضمدة بالشاش؟ .. وكيف نعانقها وتعانقنا وأذرعها مغطاة بالجبائر .. وكيف نقبل أيديها ونطلب الغفران ونحن نبكي؟ .. كيف نقبلها من جديد ووجهها محروق بشدة .. وشفاهها حمراء من نزف الدم القاني..
هل تغفر لنا مدائننا مافعلنا بها اذ تركناها للقبائل البدوبة كي تسبيها كالسبايا .. وهل تسامحنا العصافير التي صارت تفيق على صوت الرصاص والمتفجرات؟؟!! ..
كيف نعانق هذذه المدن الجريحة وكيف نكافئ صبرها على جنون ثوارنا الذين لايفقهون ولايسمعون؟؟ .. وأين ندفن شوارعها وأي صلاة جنازة سنصلي عليها؟؟ ..
من يفهم لغة المدائن فليقل لنا ماذا يسمع ..أأنينا يسمع أم تحديا؟؟ .. أو فليدلنا على ترجمان يقرأ لغات المدائن ..أو لغة الثوار الذين يطعنون المدن في خواصرها ويمشطون شعرها بأمشاط الديناميت و يضعون في أصابعها الجميلة سيارات مفخخة بدل خواتم العرس ..
لا أعتقد أن أحدا يفهم نداء المدن السورية كما يفهمها رجال الجيش العربي السوري ..وليس هناك ترجمان يفهم لغة مدننا مثل رجال جيشنا .. وهم الآن الأثيرون والمقربون لدى هذه المدن التي تهمس لهم وحدهم .. وتشكو لهم وحدهم .. وتبتسم لهم من تحت الضماد والشاش المدمى .. وتصر على مصافحتهم رغم الألم في الأصابع والراحات ..وتنهض من سريرها لتعانقهم عناقا طويلا ..
ولكن ماذا عن لغة الثوار .. ومن يستطيع أن يقرأ لغتهم وأن يفهم منطقهم الذي لايستطيع حتى الملك سليمان النبي أن يفك طلاسمه؟؟
لست الملك سليمان كي أفهم لغة الطيور والنمل والكائنات .. لكن ليس هناك أكثر حظا هذه الأيام من الملك سليمان بن داود الذي عرف أنه يعرف لغة الطير والنمل والحيوان .. الملك سليمان محظوظ جدا أنه ليس في هذا الزمن لأنه كان سيصاب بالحرج الشديد ان طلب منه أن يتحدث الى المعارضات العربية والثورجيين العرب .. فقد كان سيجد أنهم لايتحدثون لغة معروفة لدى أي من المخلوقات والكائنات الحية التي عرفتها الحياة .. ولم تستدل عليها قواميس الطيور والأسماك والأدغال ولاقواميس عاد ولاثمود ..
الملك سليمان نفسه سيجد نفسه في ورطة اذا ماطلب منه أن يترجم مايسمعه أو مايقرؤه في كتابات الربيع العربي .. وستجحظ عيناه وهو يحملق في شعارات الربيع والثوار ومافعلوه في بلدانهم من فوضى وعن الجنون الذي أطلقوه وعن المستقبل الذي فتكوا به فتكا لايشبهه الا فتك أسماك القرش الجائعة بمن عثر به الحظ وسقط بينها جريحا تثير دماؤه أعصابها ..
ان عملية قراءة لغة الثورات العربية عملية مرهقة للعقل والضمير النبوي .. ولن أتردد في أن أقول ان الملك سليمان النبي سيجد في الحديث مع النمل والطيور فائدة ومغازي ومعاني أكثر من الحديث مع كل الثوار العرب ومثقفيهم وكتابهم من المحيط الى الخليج أفقيا وعموديا ومن أقصى اليمين الى أقصى اليسار .. وربما سيفضل سليمان أن يتبادل الرأي في الحياة مع الخيول والأبقار وعن فوائد البرسيم ونكهاته على أن يتحدث عن الحياة مع معارض عربي كان شيوعيا أو تقدميا ثم انضم الى الاسلاميين أو مع مفكر عربي ثورجي تكوّن من خلطة محتال اسرائيلي الهوية ومسيحي وعربي وشيوعي الميل وقومي واسلامي قبل أن يصير مفكرا عربيا وقطريا وتونسيا .. وليس عندي شك أن النبي سليمان سيجد الأعذار القوية ليولي الأدبار قبل أن يصل اليه وفد الجامعة العربية ونبيل العربي لأنه سيجد أن الحديث مع البغال والحمير فيه متعة أكثر ومنافع للناس من الحديث مع نبيل العربي وجامعته وهرطقتها ..ونهيقها ..
وستكون العقوبة الأشد على الملك سليمان ان طلب منه أن يفهم لغة المعارضين السوريين وبالذات أن ينضم الى اجتماعات مجالسهم وأجنحة معارضتهم وقصاصاتها لأنه يستحيل عليه أن يفهم كلمة واحدة مما يقال .. فلا توجد كلمة واحدة لها علاقة بما يليها أو بما قبلها .. وهي أشبه بحروف لعبة الكلمة الضائعة أو الكلمات المتقاطعة التي يتسلى بها المسافرون الذين ملّوا على طريق السفر الطويل .. فهي تجمع متناقضات مثل (حرية + ديمقراطية + قطر + حمد + موزة + مال + عيديد + تركيا + فرنسا + كرامة + استقلال + علم احتلال + ولايات متحدة + هيلاري + هنري ليفي + اسلام + الله أكبر + ناتو + اسرائيل + حرية !!! …) والكلمة الضائعة هنا هي (الوطن السوري) وهم لن يجدوها ولن يحلوا كلماتها المتقاطعة .. فبين هذه الكلمات المتنافرة يتحول الوطن السوري الى (الوطن الضائع) أو (الوطن الذي ضاع) ..
سيحار سليمان في فك شيفرة المعارضة السورية التي تريد حرية للسوريين وتبني حريتهم في الدوحة بجانب قاعدة عسكرية أمريكية وهي دوحة اسرائيلية بلا منازع .. ويزورها كل موساد الأرض للاصطياف والاصطياد من أسراب المعارضات العربية وطيورها البلهاء..
وسيحك رأسه ويهرشه بقوة وهو يحاول أن يفهم ماذا يريد المعارضون السوريون بالضبط .. وكيف يقولون بأنهم أحرار مستقلون مع أن مالهم الذي في جيوبهم ليس مالهم ..لأنه ليس مما زرعوا وباعوا .. وليس مما نسجوا وحاكوا .. أو مما عصروا وسقوا .. بل انه مال من باعوا وطنا .. وعصروا شعبا وشربوا دما .. ونسجوا خيانة ولبسوها وارتدوا جلود السوريين الفقراء كمعاطف الفراء..
بأية لغة سيشرح ثوار سورية بالذات للملك سليمان تفسيرهم للاغتيالات وقتل كل من يحاول أن يعترض عليهم ولايبارك لهم؟ .. لايهم ان كان فنانا شابا وأميرا مثل الشهيد “محمد رافع” أم محاميا أم طبيب أسنان .. أم ضابطا في الدفاع الجوي .. وبأية لغة سيتحدث الثوار السوريون عن تبرير العنف تجاه شخصيات مدنية؟؟ .. ثورة تدعي أنها قامت لرفع سلطان الخوف عن المدنيين من سلطة الأمن ورعبه وتهديده للناس فاذا بها تريد اسكات الناس واخافتهم بالرصاص .. واغلاق أفواههم بالدم ..وتنصيب الخوف سلطانا وملك ملوك على أبنائهم وأجيالهم ..
سيقول الثورجيون انها ثورة الكرامة والحرية .. ولكن ماذا بقي من الكرامة اذا نطق رصاص الاغتيال ضد كل من لاترضى عنه الثورة؟؟ مالفرق بين من يطلق النار على معارضين له في بيوتهم وبين من يطلق النار على متظاهرين معارضين في الشوارع كما ادعت الثورة؟؟ وكيف سيأمن الناس على حياتهم وكراماتهم اذا صار الثورجيون يديرون مقرات أجهزة المخابرات لأنهم مارسوا القتل بعنف مفرط عندما كانوا خارجها؟ .. فكيف اذا صاروا في داخلها يأمرون وهم ظلال الله على الأرض والمباركون الأتقياء والأنقياء؟؟ ..
لكن الملك سليمان سيسأل الضباع التي تفهم لغة الثوار السوريين أن تنقل لهم مايقولون وستقول له الضباع التي تتحدث نفس لغتهم: أيها الملك العظيم .. هؤلاء قوم يقتلون لاخافة الناس ولاسقاط كرامتهم بالدم لأنه ليس لثائر كرامة عندما يقتل الناس .. وليس لثائر كرامة بعد أن وهبها لقطر وتركيا والناتو .. وهؤلاء أيها الملك العظيم يقتلون لأنهم يريدون أن يحكموا الناس بسلطان العبودية .. انه حكم الضباع اذا غابت السباع .. فويل الناس من الضباع ان تركت لها الساحات السباع ..
وستستدرك الخيول الأصيلة حديث الضباع وتصححه وتقول للملك سليمان: يعتقد هؤلاء أيها الملك العظيم انهم سيخيفون الناس ويخمدون أصواتهم .. لكن خوف الناس من جنونهم سيدفع الجميع للاستشراس في صدهم وسحقهم .. وملاحقتهم ..والاستبسال في القائهم خارج اسوار الحياة .. كلما اشتد الخوف منهم اشتد رفض الناس لهم وامتد ..وكلما أمعنوا في العنف أمعن الناس في الغائهم ..وبالغوا في استئصالهم ..وفي حرق جذورهم ..وفروعهم ..
وسيرى سليمان لغة جديدة لم يتحدث بها البشر ولا أي من كائنات الله .. ستستعصي لغة الثورجيين السوريين على كل الرموز والشيفرات ولغات الحيوانات والرقم المسمارية السورية والهيروغليفية المصرية التي تعلمها سليمان النبي.. فهناك لغة الكتابة بالجثث .. والتنقيط باستعمال الرؤوس المقطوعة ..والفواصل بأشلاء الضحايا وأطرافهم .. ومن أهم لهجاتها القاء الجثث الحمراء من فوق جسور نهر العاصي أو من فوق مباني البريد في حلب ..
وهناك عبارة من كلمتين اثنتين أعلن الملك سليمان استسلامه وعجزه عن ادراك معناهما وموسيقاهما والنشوة التي ترافقهما والرعشة التي تختلج قائليهما وكأنهم على سرير اللذة في أحضان غانية .. انها تكبير (الله أكبر) وهم يقتلون أسرى استسلموا وصاروا بلا سلاح ..يقتلونهم بلذة ونشوة وتشف وغل مريض ..لايصدر الا ممن رضع من اثداء دراكيولا ..
لن يفهم سليمان هنا أي شيء .. ولاأين هو الله ولاأين هو أكبر .. وسيطلب العون من قطيع من الكلاب التي تفهم لغة هؤلاء المغاوير من الثوار وستقول له: ياأيها الملك الرشيد .. هؤلاء يقتلون لأنهم لم يعودوا قادرين على الحياة من غير قتل .. صار القتل حياتهم .. وكلما عاشوا أكثر قتلوا أكثر .. ولايمكن أن يفهموا طعم الحياة طالما أنهم تذوقوا طعم القتل ونكهة الدم .. وطالما تشمموا في خياشيمهم أنفاس الضحايا وبخار الدم الساخن .. ورقصوا على عذابات واستغاثات الضحايا ..
ويأتي قطيع آخر من أبناء آوى ليدلي بدلوه ويتحدث لسليمان النبي وليعلمه لغة جديدة لم يسمع بها وتقول: أيها الملك سليمان ان “الله أكبر” هنا تعني حرفيا: من الفرات الى النيل حدودك يااسرائيل!!
وسيسمع سليمان النبي لغة سيصفها بأنها أحقر اللغات وأشدها انحطاطا رغم أنه لايفهم منها حرفا واحدا لكن في أنغامها وتواترات الصوت فيها شيئا مثيرا للاشمئزاز والتقزز .. انها ضجيج التفجيرات في الأحياء الفقيرة البائسة لقتل الفقراء .. وهل هناك في دمشق أحياء أكثر فقرا من أحياء مثل مزة 86؟ أو عش الورور والمخيمات التي لم يدخلها برهان غليون ولم يسمع بها السيدا ولايقدر رياض سيف أن يمضي فيها فترات نقاهة لربع ساعة؟ .. لا يقتل الفقراء الا نذل ابن نذل ونذلة ولن ينجب الا سلالات الأنذال؟؟
ولكن الملك سليمان الذي يفهم لغة المدن السورية دونا عن سائر مدن الدنيا يقول لها وهو يربت على كتفها: لاتجزعي ..فهذه التفجيرات تقول ان الغاية منها هي أن يتقاتل السوريون في حرب طاحنة .. وأن يفقد الناس صبرهم وأن ينصرفوا لنيل ثأرهم بأنفسهم .. والأهم أن أوامر التفجير قد سمعتها اللقالق قادمة من تركيا لأن تركيا متوترة جدا وتعيش حالة عصبية وتريد رفع سوية الضغط في الداخل السوري أملا في حدوث انفجار يخفف من مصيبة انهيار المعارضة السورية التدريجي .. فهناك من يقول ان جلد تركيا يتفتق بالأزمات .. أو أنها قادمة الى الدم ..أو أن الدم قادم اليها ..
في اشتداد الاغتيالات والتفجيرات أيتها المدن الجميلة تعبير عن حقيقة لايمكن بعد اليوم اخفاؤها وهي أن من يعجز في الميدان ويستشعر الخسارة في المعارك الكبرى يلجأ الى أسلوب الانتقام العشوائي ..وأن من ينقل قنابله الى المدن فلأنه لم يعد له أمل في خطوط المواجهة .. والقوي هو من يلجأ الى تفجير الجبهات وليس الى تفجير الأحياء ..وما ان تصل القنابل الى الأحياء حتى يعني ذلك أن من على الجبهة قد نال منهم التعب واليأس .. ولاأمل الا بضرب الخصم تحت الحزام ..انه مثل استعمال مظلة المطر بدل باراشوت المظليين الكبير..أو مثل رجل ..
الملك سليمان يقرأ في عربدة المعارضة ولغة عنفها وفي نشاط المسلحين السوريين ضد الأهداف المدنية السورية بعد أن ضعفت امكانية استهداف المراكز الحساسة يقرأ فيها لغة التاجر الذي كسدت بضاعته ومر موسمها وصار يعرض بضاعته على البسطات وفي الحارات الضيقة بعد أن كانت تعرض في المخازن الكبرى ..
ان موسم الربيع انتهى .. والثورجيون الذين كانوا يعتقدون أن الربيع بلا نهاية تنبهوا الى أن هناك من انتظر ربيعهم يتهيأ لرحلة الصيف.. وتذاكر رحلة الصيف ليس لهم فيها شيء..
.. فالمعارضون السوريون بدؤوا يدركون أن الرهان عليهم يتساقط وأن الحبال التي شدت من أشرعتهم بدأت بالتراخي والوهن ..وأن الصواري العالية لمراكب الثورة تقصفت في الريح العاتية وأنواء الغضب التي عصفت بها اثر اعصار الجيش العربي السوري .. المعارضة تبيع بضاعتها بعصبية .. وتريد الرد على هيلاري كلينتون بأن المعارضة موجودة ويجب الاستمرار في الرهان عليها ..أو على الأقل ان عليها أن تبقيها مربوطة بأحزمة الأمان..بدل القائها من ارتفاع شاهق من دون مظلات ..
الشرق الأوسط ينتظر صوتا يشق الفضاء والأجواء .. انه صوت سقوط .. بالطبع لم يعد أحد ينتظر سقوط النظام السوري الذي لن يسقط بعد اليوم .. بل الكل بانتظار سقوط شيء آخر .. لقد بدأ ضجيج السقوط عندما رمي وسام الحسن من أعلى ذروة في طموحات تيار المستقبل من دون مظلاته فتحطم شر تحطيم دون أن يسأل عنه أحد .. تلاه مباشرة دفع هيلاري كلينتون لاعضاء المجلس الوطني السوري واحدا واحدا من ارتفاع شاهق دون مظلات .. وليس هذا التزامن بالتخلي عن وسام الحسن والمجلس الوطني السوري مصادفة ..
وهناك سقوط يتوقعه الكثيرون قد يعلن عنه قريبا قبل أو بعد الانتخابات الامريكية .. فقد بدأ موسم البيع والشراء .. وبدأت مواسم السقوط .. قريبا ..
الساقطون لم تعد مطالبهم وتوسلاتهم في أن يبقوا على متن الطائرة التي حلقت بهم في أعالي الربيع العربي .. بل ليست لهم أمنية الا رميهم بالمظلات الكبيرة .. أو حتى بمظلات المطر .. فالسقوط من دون مظلات مريع ..مريع جدا ..واسألوا من تحطم على الأرض بعد سقوطه من شاهق .. من عزمي بشارة الى برهان غليون .. الى خالد مشعل ..
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الحرب السورية التركية ..الدفرسوار في الشمال
التاريخ : 2012/11/01
يجب علينا أن نسمي الأشياء كما هي ودون تجميل أو ديبلوماسية ربطات العنق والمساعي الحميدة ..فما نحن فيه الآن هو حرب سورية تركية ..وأعتقد أن من أهم الاصلاحات التي يجب أن نعمل عليها هو اصلاح المصطلحات والتسميات .. وعلى رأسها اصلاح اسم الثورة السورية والكشف عن الاسم الواقعي لها في كل المراحل .. فقد بدأت بالمرحلة القطرية (غزوة بني تميم) التي احترقت .. وتلتها مرحلة الحملة الفرنسية (ساركوزي) ثم وصلت الآن الى مرحلة الحملة التركية التي وصلت الى ذروتها عبر انطلاق فعاليات (الحرب السورية التركية) .. فما يحدث هو حرب حقيقية تدور بيننا وبين الأتراك .. ويبدو أن كلا الطرفين السوري والتركي يفضل عدم الاعتراف بوجود حرب بينهما ولكل منهما أسبابه الا أن واقع الحال هو أن الطرفين يتطاحنان في معركة كبرى .. وهذا الاحتدام في المعارك في الشمال هو حرب بلاهوادة .. لكل تكتيكاته واستراتيجياته العسكرية وحلفاؤه .. وسيخطئ كثيرا من يظن أن ميليشيا الجيش الحر المبعثرة وبغاثه المستنسرة في تركيا هي التي تقاتل الجيش السوري النظامي .. لأن مايدور في الشمال هو حرب استنزاف مع تركيا الدولة .. تعمل فيها التكنولوجيا والأقمار الصناعية وطائرات التجسس والاستطلاع وكل تقنيات الحرب الالكترونية والاستخبارات..
ووصول الثورة السورية الى مرحلة الحرب السورية التركية علنا (دون مستوى اعلان الحرب) يعني بالنسبة للمراقبين أن الثورة السورية قد فشلت نهائيا بعد مرور كل هذه المراحل الا في بعض التفجيرات المتنقلة .. ولجوء تركيا الى المخاطرة بالتلويح بالتدخل بعصبية يدل على أن الوضع الميداني للمقاتلين ليس على مايرام .. فالمنطق العسكري يقتضي أن تلزم تركيا الصمت ماأمكن وتقوم بدور اللامبالي اذا كان الوضع العسكري ميالا لصالح المعارضة بحيث تكتفي تركيا بتوجيه النصائح للطرفين دون أن تهز (بدنها) .. لكن ردود الأفعال المتوترة التركية مؤخرا تشير الى أن الأداء العسكري لميليشيا المعارضة ليس مقبولا على الاطلاق وأن مايقال عن ابادة كتائب كاملة منها حقيقي وليس دعاية حربية .. ولابد من تخفيف الضغط عليها عبر مايسمى تطوير الهجوم ..
ولذلك فقد تم تطوير الهجوم على مستويين لتخفيف الضغط الهائل على الميليشيا المترنحة .. الأول هو رفع نسبة التفجيرات في العاصمة والمدن السورية ورفع نسب العمليات المبعثرة لتشتيت انتباه الدولة والجيش وجهاز الاستخبارات عن معارك الشمال الحاسمة ومحاولة الزج ببعض المسلحين بكميات كبيرة داخل العاصمة لارباك القيادة السورية .. والثاني هو الزج بقوات تركية صرفة مؤازرة في الخطوط الخلفية للمعارضة تعمل على مد كل أنواع الامداد وتأمين الخطوط الخلفية والاتصالات للمسلحين والذخائر بكل انواعها لتمكين الميليشيات من الصمود ماأمكن .. ومما يشير الى ذلك ماتتناقله أوساط تركية عن اصطياد العشرات من الجنود والضباط الاتراك الذين وصلوا الى الخطوط الأمامية لتوجيه العمليات العسكرية .. وهذا مالايريد الطرفان الاشارة اليه كما يبدو لتجنب استثارة الرأي العام على الطرفين الذي قد يضغط نحو اعلان حرب حقيقي لايرغب فيها الأتراك قبل السوريين..
ولاشك أن مصطلح تطوير الهجوم (أو ماتسميه مناورات أردوغان اللفظية تغيير قواعد الاشتباك) لاتعمل به القيادات العسكرية الا عند وجود انهيار أو ضغط مكثف على جبهة صديقة لامتصاص قوات العدو بعيدا عنها عبر فتح جبهة أخرى أو جبهات .. وربما كان اكثر (تطوير هجوم) شهرة سمعنا به هو الذي اخترعه الرئيس السادات بتطوير هجوم قواته في سيناء لتخفيف ماقال انه الضغط الاسرائيلي عن الجبهة السورية التي تلقت في يوم واحد مئات الغارات الجوية الاسرائيلية مقابل 25 غارة على الجيش المصري .. وبالرغم من اللغط والجدل الشديد حول مبرر تطوير الهجوم الذي بالغ به السادات بشكل غير مفهوم وسط اعتراض القادة العسكريين المصريين فانه تسبب في كشف الجيش المصري الثالث .. وقدم ثغرة الدفرسوار هدية لمفاوضات الكيلو 101 التي منها بدأ الحمل باتفاقية كامب ديفيد .. التي ولد من رحمها المولود الأول (عهد حسني مبارك) .. ووضعت وليدها الثاني مؤخرا في مرحلة (الاخوان المسلمين) ورسالتهم الى صديقهم العظيم بيريز..
تطوير الهجوم التركي عبر تفجيرات الداخل وعبر الاستماتة لكسب ميداني على الأرض في الشمال قد كشف ثغرة دفرسوار تركية كما يلاحظ محللون عسكريون .. أي دفرسوار سياسي وعسكري .. فالمخاطرة بزج قوات تركية في الخطوط الخلفية للمقاتلين جعل الحرب مع المعارضة حربا تخرج من اطار الحرب بين (السوريين ومعارضيهم) الى الحرب مع (تركيا وموالاتها) .. وهذا انقلاب هام في المعادلة النفسية في نظر الكثير من العسكريين الذين صاروا أقدر على تمييز العدو ..وتمكن الحكم الوطني السوري ببراعة لافتة من نقل اللعبة النفسية التي جهد الغرب والجزيرة لنحتها من نزاع مع معارضة مسلحة سورية وقوات نظامية الى نزاع دولة وطنية مع ذراع تركي وميليشيا تشبه ميليشيا أنطوان لحد
ويجادل الكثيرون بأن تورط تركيا في معارك الشمال قد يكون سببا في فتح ثغرة دفرسوار لاتردم .. فهناك تقارير عن عشرات آلاف المقاتلين الاكراد الذين ينتظرون انشغال الجيش التركي بشكل أكبر وانغماسه في المواجهة مع سورية .. لتوجيه ضربة قاسية له سيوفر لهم كل عناصرها التحالف الجديد في المنطقة الذي لم يعد يطيق أو يحتمل سلوك تركيا الراهنة..وهناك من يخشى أن يجد الجيش التركي نفسه يمتص الى ثغرة عسكرية تكون لها تأثيرات ثغرة الدفرسوار على النزاع مع سورية ..
في العديد من التحليلات العسكرية للموقف العسكري في الشمال السوري لايوجد أي احتمال لانتصار ميليشيا المعارضة في هذه المعركة في غياب الغطاء الجوي الذي تحاول القيادة التركية تعويضه ببرامج تشويش أميريكية (عبر طائرات الاواكس) واسرائيلية على الطيران السوري والاتصالات السورية وربما ببعض مضادات الطيران .. لكن لايبدو أن هذه البرامج قد اتت أكلها أو انها أثرت على أداء الطيران السوري الذي يدك تجمعات مدافع الهوان والرشاشات الثقيلة .. ويخشى غربيون واسرائيليون أن فشل هذه البرامج قد يعني أن لدى السوريين بالفعل مفاجآت الكترونية متفوقة حصلوا عليها من حلفائهم الروس والايرانيين وربما كان الهنود والصينيون مساهمين فيها .. وهذه احدى الخيبات الكبيرة التي جعلت تركيا مترددة كثيرا في اعلان حرب مباشرة لأن العقيدة العسكرية التركية مستمدة من العقيدة الغربية والتي تعتمد على سلاح الجو وسلاح تشويش دفاعات العدو الاكترونية .. وكانت كل مساعي الاتراك عبر استهداف الدفاع الجوي السوري وكوادره أو عبر استجلاب منشقين أو أسر أو اختطاف كوادر عسكرية هي بغاية الحصول على اختراق الكتروني يمكن الجيش التركي من التشويش على سلاح الصواريخ والطيران والدفاع الجوي .. لكن عددا من المناسبات والاحتكاكات المباشرة أكدت للأتراك أن اللاعبين السوريين تجنبوا هذه الفخاخ .. وأن عملية خرق الرموز والاشارات أواطلاق التشويش ليست مرضية على الاطلاق ..وأنها محمية بطريقة صلبة جدا ومرنة جدا بآن معا..ولايزال بعض القادة الأتراك يعتقدون أن برامج التشويش الأمريكية الحديثة لن يوقفها أحد .. ولكن لايجرؤ واحد منهم على اعطاء جواب قاطع وضمانة مطلقة بذلك بل يبقى الجواب مسبوقا ب (ربما).. ..
معركة الشمال لاتزال ثانوية للجيش السوري الذي يترقب بحذر العدو الكبير في الجنوب (اسرائيل) الذي يتهيأ لاحتمال حرب مع ايران .. لكن عملية اجتياح الشمال حيث تنتشر الميليشيا في رأي كل من يتابع الوضع الميداني ستكون أسرع مما يتوقعه البعض عندما ينطلق الجيش السوري بكتلة كبيرة الى مرحلة التنفيذ ..لأن الجيش السوري لايتحرك الا عندما تكتمل خارطة معلوماته وبنك أهدافه ..وهو يستعمل -كما يقال - تقنيات طائرات استطلاع خفيفة من دون طيار .. وهي التي كشفت له أكبر رتل من سيارات كبيرة محملة بمدافع ثقيلة ومضادات طيران متطورة في جبال ادلب المحاذية لتركيا .. حيث تولت قاذفتان سوريتان مهمة مرافقة الرتل الى الجحيم وتوديعه بحرارة فائقة في منصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) .. والذي تم تصوير عرباته بطائرات الاستطلاع فوق ادلب وقد ظهرت تلك العربات تقذف الى السماء بعنف الانفجارات وتصل الى ارتفاعات شاهقة وكأنها علب كبريت صغيرة يتساقط منها ضباط أتراك (؟؟) كما تتساقط أعواد الثقاب منها..
الحرب السورية التركية وليست رحلات الأخضر الابراهيمي المكوكية هي التي ستقرر مصير الأزمة السورية .. فقد انتهت فاعلية الدور القطري وانكشافه في انتهازيته ومحاولته التمدد السياسي بطموحات غير واقعية ولاتنسجم مع واقع قطر كجزيرة صغيرة لامحل لها سياسيا أو عسكريا ولاتستطيع قطر فعل أكثر مما فعلته ومالها وحده دون تركيا عاجز .. وتم تفجير جامعة الدول العربية نهائيا باللغم السوري حيث لم تعد لها فاعلية بعد أن أخفقت في آخر مهمة لها في تحطيم الحكم في سورية..وظهرت أنها مؤسسة من مؤسسات الناتو لاغير ..أما مجلس الأمن فقد وضع الروس له لجاما لافكاك منه ..اما السعودية فهي ستضطر للتراجع حال تعثر تركيا ..لأنها تدرك أنها من حيث الفاعلية هي قطر (كبرى) ..قطر الصغرى عندها غاز واخوان مسلمون وقرضاوي .. وقطر الكبرى (السعودية) لديها نفط وقاعدة وظواهري ..وكلاهما تنتظران تركيا ماذا هي فاعلة ..
أردوغان والمعارضة السورية بقي لهم أمل كاذب واحد وهو فوز (ميت رومني) الذي يعتقد هؤلاء الأغبياء أنه سيكون أكثر شراسة من اوباما وسينهي المهمة التي طالت والتي لن يقدر عليها الا جمهوري أخرق وصعب المراس ولايحترم مجلس الأمن .. ولكن ماذا يستطيع رومني أن يفعل؟؟ كل الخيارات أمامه وضعت ذاتها أمام أوباما ولم يقدر على اتخاذ قرار .. فرومني بالتأكيد لا يخيف بوتين طبعا .. وهو لن يحرر فم مجلس الأمن من اللجامين الروسي والصيني الفولاذيين .. ورومني لن يغامر بحرب يعرف الكل سلفا أن ايران طرف فيها وأن الروس لن يقفوا متفرجين وهم يرون الاسلاميين يسقطون سورية ليصلوا فورا الى روسيا .. واذا قرر رومني تزويد المعارضة بأسلحة نوعية فسيرد محور سورية وايران وروسيا بشكل واضح لالبس فيه .. وهو: على نفسها جنت براقش .. لأن الكثيرين من خصوم تركيا واميريكا سيحصلون على نفس السلاح ..دون حدود
..
أول الربيع اذا ليس كآخره ..وآخر الربيع ليس كأوله .. فأول الربيع هو آخر الشتاء .. وآخر الربيع هو أول الصيف .. فالوضع في تركيا لم يعد كما كان في اول الربيع .. وهناك تأرجح واضح وتجاذبات سياسية وعسكرية واجتماعية لايمكن اخفاؤها .. والوضع في المنطقة لم يعد كما كان .. .. الثورة ومجالسها تتفكك .. وتتكاثر حكوماتها الانتقالية كالجراثيم .. ويتكاثر المعارضون على المعارضين ..والمتمردون على المتمردين .. وينتشر قلق عميق في تونس ومصر من عواصف قادمة ..ومعركة الشمال السوري تنتظر الدفرسوار ..انها أواخر الربيع ..
دفرسوار سيناء أنجزها شارون باندفاعه جنوبا وهو وان كان لعدو أكرهه انجاز عسكري يحسب له .. حيث حاصر الجيش الثالث المصري .. وفرض شروطه التي لاتزال سارية حتى اليوم ..وتجعله صديقا عظيما لمحمد مرسي ولحية محمد مرسي..
وهذه المرة تسير مجموعة من الدبابات السورية من طراز ت 82 نحو الشمال .. لاحداث الدفرسوار التركي في جسم المعارضة المسلحة .دفرسوار مصر أخرج جيشها منذ ذلك التاريخ من خارطة المعارك في الشرق الاوسط .. والدفرسوار التركي في الشمال على عكس ذلك سيكرس الجيش السوري سيدا من سادة المعارك في كل معارك الشرق الأوسط القادمة لا محالة.
_____________________________________________________________
التاريخ : 2012/09/13
لم ترهقني الكتابة .. ولن ترهقني طالما انني أدافع عن دمشق .. ومن يدافع عن دمشق فهو يدافع عن العشق وعن أبواب السماء ..وعن فيروز العيون الزرقاء للسماء الصافية في دمشق..
لم أتعب من المرابطة في شوارع اللغة لأضرب بسوطي ظهور النخّاسين من المثقفين الذين يبيعون الكلام الرقيق كالرقيق .. ويسلبون حرية الكلام بسلاسل الكذب في معاصم الحروف ..
وكلما تعب قلمي زجرته مهاميز الاصابع التي تمتطي صهوته بأن يزيد الصهيل والحمحمة.. وكلما أنّ وجه الورق وتأوّه من اصراري على تغيير ملامحه بقلمي واستيطانه بالكلمات وزراعته بالدوالي وعرائش العنب الشامي، تدفقت خيول الحبر السوداء الى ساحات وجهه البيضاء ..وملأتها بالصهيل..
وكم ارتدى قلمي من ثياب الحرير .. ومن ثياب الفخامة والمراسم الموشاة بالذهب والقصب .. وكم غازل الجميلات ورسم لهن الأقمار وراقص أسماءهن وسكب النبيذ على صدورهن .. ولكن أجمل بزة ارتداها قلمي في حياته كلها كانت بزة المغاوير في هذه المعركة ..وأجمل الرقصات كانت رقصة التحدي ..
لم أكن أعرف أن الأقلام تحب وتعشق وتمتنع عن الطعام وتصبح رشيقة ضامرة كمهار الصحراء الا عندما تحارب في سبيل وطن جميل .. قلمي الرشيق الضامر الذي ارتدى بزة المغاوير ..لن يعود الا وبيده رأس الثورة .. ورأس الربيع ..الربيع الذي امتلأ كرشه بالضحايا والعظام والدماء وحطام مدننا وجدران بيوتنا وزجاج نوافذنا الصيفية وجثث أحلامنا..
وأقسم أنني لن أتوقف عن اطلاق ثورة الكلام .. وأقسم أنني سأقود مظاهراته للاحتجاج على سياسة الاعتقال والاخفاء القسري لكلمات الحقيقة .. وسأقيم الدنيا ولن أقعدها على تحويل فضائيات العرب وعقولهم الى متنزهات توراتية وحدائق لداود وسليمان وحزقيال وملوك اسرائيل .. ولن أسكت على تحويل أعمدة صحف العرب الى قصور لحفلات اباحية وكلام الثورات الاباحية .. فماذا يقال الآن عن فضائيات العرب السياسية سوى انها اباحية .. تبيح الدم وتبيح الأعراض والاغتصاب وتبيح الكذب وتبيح دخول الناتو ..وتبيح الجريمة وتبيح سرقة الجثث وسرقة الله من المساجد والكنائس لاجباره على الانشقاق .. وتبيح سرقة ثياب النبي وسواكه وناقته ليركبها برنار هنري ليفي .. حتى غار حراء وغار ثور سرقا وأهديا ..واحد الى حمد ..وواحد الى أردوغان..
ولن أملّ من اطلاق الرصاص على أقفال عقول العرب التي تحولت الى معتقلات تغص بأسماء الله الحسنى .. نعم ان عقول العرب صارت معتقلات تعتقل أسماء الله الحسنى وتعتقل صحابة الرسول وآل بيته .. وأقفال السجون رميت على شواطئ تل أبيب
انني سأواصل هدم الربيع العربي بأظافري .. وسأعمل على أن أربط الشمس في كبد السماء كيلا تغيب وأن أشعلها ليلا كيلا تنطفئ ..الى أن يحل الاصفرار واليباب في أوراق هذا الربيع .. لأن من يغوص في “بحر العرب” يعرف أن هدم الربيع ليس هدما للاسلام والدين والحرية بل هو هدم لاسرائيل وأقمارها الاخوانية التي تدور في فلكها .. من تونس حتى تركيا ومن قطر الى السعودية..
ومناسبة هذا القول أن البعض نقل لي أن جهاز المخابرات السوري تلقى رسالة تشفّ فيها سخرية لاذعة من جهاز الاستخبارات الاسرائيلية تقول: “هذه بضاعتكم ردت اليكم.. منظمات اسلامية ومقاتلون استشهاديون !! .. كما كان لديكم حركة مقاومة اسلامية (ح م اس) فلدينا نسختنا السورية ايضا .. حركة مقاومة اسرائيلية (ح م اس) .. تذكروا ان اللعب مع شعب الله المختار هو اللعب بالنار .. وهو انتحار”..
ومن ينظر الى لباس ميليشيا الجيش الحر والعصابات التي يلفون بها جباههم والعبارات التي تكتب عليها .. وطريقة تغطية الرؤوس والوجوه بالأسود واصطفاف المقاتلين وصلواتهم ومايتم تصويره على أنه صواريخ بدائية ومنصات اطلاق وصناعات عسكرية للمجاهدين .. سواء كان تمثيليات لخلق حالة تشبه الأمر الواقع أم أنه حقيقي فانه يشبه الى حد كبير ماكنا نراه في غزة .. حتى أنني أحيانا ان تابعت مشاهد من دون الصوت أحس بالحيرة أهي في غزة أم حلب وحمص..حتى أنفاق غزة وتقنياتها نقلت الى حلب وحمص والأرياف .. الفارق هو فقط رشاش الدوشكا ..وتكبيرات الله اكبر عند ذبح الضحايا في سورية .. لذلك فان المقاتلين فيما يسمى بالثورة السورية هم من يمثل حركة المقاومة الاسرائيلية التي صنعتها العقول الغربية والاسرائيلية (نسخة عن حماس الفلسطينية).. وهي التي تهددنا بقصف مدننا ومطاراتنا وهي التي تقتل طيارينا ومهندسي الصواريخ ..عمل لايستطيع كل جيش نتنياهو الاسرائيلي انجازه الا بثمن باهظ .. فعله الاسرائيليون ولم يدفعوا أي ثمن ..فيما هم يمسكون بالمناظير من فوق هضبة الجولان يراقبون المسرح بتلذذ ويعدون قتلانا ..
ولكن كيف ننظر الى الأمور والأحداث من وجهة نظرنا كسوريين ونحن نخوض هذه المعركة ضد حركة المقاومة الاسرائيلية (حماس السورية)؟؟
لاشك أنه لايمكن أن تمر الأحداث الكبرى الا ويحيط بها أنواع من الفضوليين .. فهناك مراهنون وهناك مقامرون .. وهناك مراقبون وهناك منجمون ..وهناك متعاطفون ومعارضون ومؤيدون وحالمون .. وكل هؤلاء لاتساوي آراؤهم عفطة عنز كما يقال في الزهد بالأشياء.. ولكن هناك فئة من الذين يختبرون المشاهد ويقرؤون التفاصيل التي لانقرؤها ويرون اتجاه الأحداث كما لو انها رسمت أمامهم بخط مستمر ويعرفون منها شكل المستقبل كما لو كان مرسوما بخط منقط يصل الى النهاية .. حيث الحقيقة..أولئك هم من يقول ان ميليشيا الجيش الحر مقبلة على نهاية مفجعة .. ونهاية حتمية..
دعونا نتجاهل رأي المتعاطفين والمعارضين للأحداث فهؤلاء يعبرون عن أحلامهم المتناقضة سواء بانتصار هذا الطرف أو ذاك .. لأن الرهان والمقامرة في آراء هؤلاء هما نوع من التخدير وعدم استخدام العقل والاستنتاج بل استخدام الدعاء والتمنيات وربما “التكبير الأجوف” أوالتوكل على الله .. فرغم أن النبي قال موصيا “اعقلها وتوكل” فان المراهنين والمقامرين لا يفعلون سوى “…توكل” ويتركون للناتو مهمة “اعقلها” في مجلس الأمن بالحظر الجوي وبالتدخل.. فلا حبل ولارباط ولاعقل ولاعقال .. وناقة الاحداث تشرد عنهم الى حيث يناديها الحادي والحداء ..
أيها السادة .. السماء لاتستجيب للدعاء الأجوف بل تستجيب للعقل والمنطق السليم .. السماء لاتسمع الدعاء والتكبيرات من الكسالى بدليل أن مليار مسلم دعوا السماء لنصرة الفلسطينيين وأن يعز الله الاسلام منذ عقود وردّ كيد المعتدين الغربيين الى نحورهم .. ولكن ماحدث أن دعاءهم ارتطم بأبواب السماء المغلقة حتى سمع صوت الارتطام كالرعد وسقط الدعاء عليهم على شكل ربيع عربي كارثي وثورات مدمرة وقناصات ومدافع دوشكا وسيارات دفع رباعي لعنت أم المدن والشوارع الشرقية المسلمة وحطمت كل النوافذ وهجّرت كل العصافير .. وعاد الدعاء على اسرائيل بثورات على مدن العرب بكل مافيها من فوضوية وسكاكين وذبائح بشرية وكراهية وتناحر وطوائف وقبائل وعشائر .. وتهجير وهجرات تتبع هجرات .. هجرة العراقيين واللبنانيين والفلسطينيين والليبيين والسوريين والجزائريين ..وكذلك هجرة المسيحيين العرب وهجرة الأقليات وهجرة النخب والعقول .. فماذا سيبقى لمدن العرب بعد رحيل النخب والأقليات والعقول؟؟..فبعد الدعاء على الغرب دمرت نصف مدن الشرق المسلم من بغداد الى وهران .. والنصف الباقي ينتظر الدمار لتعيد شركات الغرب اعماره .. وكلما زدنا من نشيد الله أكبر قويت القبة الحديدية لاسرائيل وانهارت قباب السماوات العربية .
الحالمون بنصر الربيع العربي السوري لم تعد لهم آذان ولاعيون بل أحلام وأمنيات رغم أنني لاألومهم فالأداء في المعركة النفسية التي تتولاها مكاتب مخابرات عريقة أداء رفيع فهي تحدثنا عن الانشقاقات وعن النهايات والأسرار القادمة والأقدار الحتمية .. وتعيد علينا كما الواثق أنها خرجت من مرحلة اسقاط النظام الى مرحلة ترتيبات مابعد النظام خلال أيام وتناقش الاتفاقات المستقبلية والخطط الاقتصادية .. حتى أن أردوغان يلف سجادة صلاته تحت ابطه مستعجلا لأن المسجد الأموي بانتظاره ..وكذلك قبر صلاح الدين..وربما سيجلب في حقائبه نفس حبال المشانق التي شنق فيها جده جمال باشا الأحرار في السادس من أيار في ساحة المرجة في دمشق..
لكنني سأستحضر من التاريخ درسا لاينسى وهو درس الحرب العالمية الثانية .. فعندما نجحت عملية باربروسا الألمانية باجتياح بولندة وتلاها بسهولة اجتياح فرنسا بدا للعالم أن هتلر لايقهر وبدا التخبط في تصورات العالم للجغرافيا الجديدة خاصة ان ستالين وقع معاهدة عدم اعتداء مع هتلر .. في هذا الجو المضطرب القلق كان هناك يهودي اسمه “مسينغ” معروف بدقة حدسه ودقة تصوراته التي درسها فرويد نفسه .. فقد قال ميسنغ كلمة كانت أقرب الى الجنون وهي أنه “يستطيع أن يسمع هدير الدبابات الروسية في قلب برلين في أحد أيام الأسبوع الأول من أيار من عام 1945
النبوءة تحققت بشكل لايصدق .. لكن ماهو أهم من النبوءة هو دراسة مستفيضة أيدت النبوءة وضعها عدد من الباحثين الغربيين الذين راقبوا كل شيء داخل المجتمع الألماني .. ووصلوا الى استنتاج في بداية الحرب وهو أن ألمانية لايمكن الا أن تخسر الحرب لأن نسبة الذين كانوا يعارضون توسيع الحرب من الطبقة المثقفة الألمانية كانت أكبر من تلك المؤيدة لتوسيع الحرب .. كما أن نسبة العلماء الالمان (في الفيزياء والكيمياء) الذين غادروا ألمانيا (وعلى رأسهم البرت اينشتاين) أكثر ممن بقي فيها .. وهذه كانت حرب الفيزياء والكيمياء .. لكن صوت هدير الانتصارات غطى على صوت العقلاء..واضطر الجميع للانتظار 5 أعوام وأن يمروا على جثث 30 مليونا من البشر ليصدقوا..
اليوم تصدر الكثير من التوصيفات والتنبؤات بشأن الثورة لكنني سأضع ملخص مجموعة من التقارير والرسائل التي وردتني بالعشرات من مجموعات تزودنا بالعديد من التقارير الغربية لجهات غير حكومية تنقل مايقوله العقلاء والعقول الاستراتيجية (في روسيا وانكلترة وألمانيا وفرنسا) .. هذه الملاحظات شددت على أن الربيع العربي نجح في عملية بارباروسا (وهي هنا اجتياح ليبيا) واجتياح فرنسا (مصر وتونس) ولكن ذلك لايعني أن نهاية الحرب يحددها نجاح بارباروسا .. بل ان اتجاه الصراع يتغير .. وقد قامت هذه الدراسات على تحليل توجهات المجتمع السوري ونخبه وأقلياته وتوزع العنف ونسب توزع الضحايا حسب احصاءات مستقلة ووصلوا الى توصيف واستنتاجات سألخصها رغم تعقيدها مااستطعت فيما يلي:
1- ان مايحدث في سورية هو بالمجمل ثورة الريف على المدينة مع استثناء أو استثناءين .. فالمناطق التي تمردت هي الأرياف أو أبناء الأرياف على ضفاف المدن .. أما المدن فنأت بنفسها ووقفت ضد الأرياف وهذا تجلى في موقف أمهات المدن دمشق وحلب تحديدا .. وهذه الثورات الناهضة من الريف تعاكس تطور الأشياء لأنها تريد “ترييف” التفكير و”ترييف” المدن .. فالمدن عادة هي التي تقود الثورات الكبرى فكريا لما فيها من تفاعل وتناقض وبيئة شحن ثوري واحتكاك المتناقضات الحاد علاوة على غنى المدن بالطبقات المتعلمة والنخبوية بحكم الاقامة والعمل وليس بحكم النشأة والمولد التي تقوم بتصنيع الفعل الثوري لتتلقفه الارياف.. وثورات المدن غالبا تجعل العمق الريفي رديفا لها .. لكن من الصعب أن يقود الريف ثورة في المدينة الا بانقلابات يصنعها أبناء الريف انطلاقا من المدينة .. وثورات الأرياف التي تبقى في الأرياف في الغالب لاتنتصر اذا لم تؤيدها المدينة بل وتمنى بالهزيمة النكراء ان وقفت في وجهها المدن .. فالمجتمع سفينة تشكل المدينة الدفة الرئيسية والمرساة، أما الأرياف فهي الأشرعة التي تدفعها أي ريح حتى نحو عرض البحر وفوضى العواصف ..
2- المدينة هي التي تقرر مصير الثورات الشعبية الاجتماعية .. بينما الريف هو الذي يقرر مصير معارك الاستقلال عن الاحتلال الخارجي بحكم بيئته الصالحة لحرب الاستقلال .. والريف انفعالي ولايخترع ايديولوجيا بل يسرع الى الايديولوجيات القديمة والمستعملة التي تنظر ببساطة الى ثنويات الفقر والغنى ..الكفر والايمان .. العدالة والظلم ..ولايضع لها اطارا .. أما المدينة فهي التي تؤطر الصراع وتمنحه منحى الثورة بادخاله الى عالم الايديولوجية والجدل والمصطلحات الجديدة والمعادلات الصعبة والتوازنات المستحيلة للحياة وتدمج آليات المجتمع المتاحة في المدينة مع آليات الثورة في الريف..
ومايفعله الريف السوري الآن هو انه يريد أن يفرض على المدن السورية نهجه وعقيدته وثورته.. وأكثر من ذلك يخشى أن يكون الريف السوري قد تعرض لعملية سطو بعقيدة خارجة عن طبيعة الريف السوري مما يجعله أكثر فأكثر الطرف المهزوم لأن العقائد المستوردة بلا جذور عموما لاتبقى .. اضافة الى ان ذلك قد يعرضه الى خطر أمراض الثورة الشعبية التي يتم تلقيحها بثوار المدن المنبوذين .. بما فيها من عنف وفوضى وانبات لشوك الفقر والتردي في الجهل والتفكك الاجتماعي والأسري وسيطرة عجلة الركود الاقتصادي..
3- وفي تطورات الثورة السورية فلا شك أنها استدرجت بسذاجة الى العنف والسلاح الذي كان من شأنه اطلاق الفوضى في البلاد لأنه استعمل بشكل ديماغوجي ..لكن تماسك الكتلة العسكرية الرئيسية للجيش السوري (أو لجيش النظام كما ورد في التقارير) ولمؤسسات البلاد يعني أن طواحين النهاية ربما تقترب الآن من اليد العسكرية للثورة.. ويدل حجم الأرقام التي تمت دراستها ودراسة عيناتها من الخسائر للطرفين أن ساعة الصفر التي أعلنتها الثورة قلبت كل الموازين ضد الثورة .. فقبل ساعة الصفر كانت الأرقام الحقيقية المدروسة للخسائر تشير الى أن كان هناك ميلا في الخسائر ضد الجيش السوري بمعدل 2:1 (اصابة مسلح واحد لكل جنديين مصابين) .. ولكن بعد ساعة الصفر الشهيرة (البركان) حدث انقلاب النسبة بشكل مريع وصارت (72: 1 ) أي يقتل أو يصاب 72 مقاتلا مقابل كل جندي سوري (وهذه دراسة لحجم الخسائر في شهري حزيران وتموز من عامي 2011 و2012 على التوالي .. “الانحراف المعياري للدراسة مهمل”).. ووجدت أن نسبة القتلى السوريين في صفوف المعارضة يتراجع كثيرا بسبب ارتفاع نسبة القتلى الأجانب .. فعند ساعة الصفر كانت نسبة القتلى المسلحين السوريين المعارضين 66% .. فيما صارت نسبتهم الآن أقل من 23% رغم أن خسائر المعارضة ازدادت بنسبة 38% .. وهذا بسبب تراجع تواجد العنصر السوري لأسباب كثيرة ودخول العنصر الخارجي بكثافة .. ولعل أهم سبب هو تراجع الانضمام للثورة ولتعرض الجسم المسلح السوري الى خسائر جسيمة لايمكن تعويضها بسرعة مما اضطر الى الاستعانة بالعنصر الخارجي الذي كان من المفترض دخوله المعركة للحسم كعامل عسكري رديف فاذا به يزج به لمنع انهيار الجسم المسلح للثورة بضربات سددها الجيش السوري.. ان سيطرة العناصر الخارجية على أعداد المصابين يدل على أنه حتى الريف السوري بدا يخرج من المعادلة لصالح ثوار مستوردين ..واطعام الثورة طعام (المعلبات الثورية) المستوردة..
4- وسبب تطور المعركة بهذا الاتجاه هو لجوء الجيش السوري الى عمليات لاتعتمد المواجهة المباشرة كما في معركة دمشق التي يحاول المسلحون الاستفادة من حرب الشوارع فيها بل تعتمد التطويق للجيوب لعزلها .. وتقطيع أوصال المجموعات التي تتحول الى تجمعاتها الى أعشاش زنابير في الأحياء محاصرة بالنار .. قبل اعدامها بالجملة (ذكرت حادثة واحدة على الأقل حوصر فيها 233 عنصرا مسلحا في أحد الشوارع المهجورة في حي صلاح الدين ومنحوا 15 دقيقة للاستسلام .. استسلم 34 عنصرا فقط وجميعهم سوريون باستثناء ليبي واحد .. وخلال 60 دقيقة تمت تصفية المجموعة المقاتلة بقوة نيران هائلة وكانت المحصلة احصاء 199 قتيلا ليس بينهم الا 32 سوريا على الغالب والذين دل عليهم المسلحون الذين استسلموا (23 جثة من الباقين لم يتم التعرف عليها أو تمييز ان كانت لملامح سورية أو غير سورية).
5- وتتنبأ هذه الدراسات بأن الجيش السوري اذا ماأعلن ساعة الصفر بأن يكون ذلك معناه أنه استكمل عملية الانتشار (الخلالية) بين مجموعات الأحياء خاصة انه من المؤكد ان هناك وحدات كوماندوس دخلت الآن الى بعض الأحياء بلباس الجيش الحر ولحاه مستغلة حالة الفوضى وتردد شعارات الله أكبر (وتردد أنها انسحبت تكتيكيا الى الحي) وبعضها على عربات دوشكا بدت قادمة من ادلب وذابت في بعض الأحياء تنتظر أوامر ساعة الصفر..
المعركة لم تعد تنتظر النتيجة أو ان كان الجيش سينتصر أم لا .. بل تنتظر متى سيعلن انطلاق ساعة الصفر.. البعض يشير الى أن الجيش يتريث في حلب بانتظار التأكد (ربما بمساعدة اقمار صناعية صديقة ) أن خطوط الامداد كلها صارت تحت عين الجيش ومراقبته وكذلك حقول الألغام .. اضافة لمعرفة كل شيفرات الاتصال بين المراكز الاستخبارية في تركيا والمسلحين..ويستعين الجيش السوري في ذلك بعقود خاصة مع خبراء معلوماتية (ربما من الهند كما نوّه احد التقارير)
6- وهذا التحطيم الممنهج للذراع العسكري للثورة السورية والقضم الكتلي لجسمها سيمهد الى شيئين رئيسيين .. الاول اقتناع بعض أطياف المعارضة المقبولة بالتوصل الى طاولة حوار (؟؟؟) وكذلك اعداد تركيا للانصراف عن الشأن السوري اذا تحطم الذراع العسكري .. وغني عن القول بأن نأي تركيا وحده هو الذي سيعني بداية نهاية الأزمة السورية ..لأن مال واعلام قطر والسعودية لايساوي الكثير من دون الوزن التركي حاليا .. فمجموعات لبنان مجرد مراهقين لاتستطيع وحدها فعل شيء في غياب الجبهة التركية العريضة..التي لايقدر لها أن تستطيع المتابعة بعد الانتخابات الامريكية كما يعتقد البعض..
ولذلك يحضر جهاز الاستخبارات السوري رسالة لارسالها الى غريمه جهاز الاستخبارات الاسرائيلية ..عند انجاز المهمة الأخيرة .. وأنا لاأعرفها للأسف لكنني أتمنى أن تكون كما يلي:
ياشعب الله المختار .. لاتلعب مع الأحرار ..وتذكّر:
الخالدان – ولانعد الشمس – سورية والزمان
والخاسران اثنان – ولانعد العرْب – أنت وأردوغان
وهي منحوتة من مقولة شهيرة للشاعر السوري المعروف بدوي الجبل الذي قال:
الخالدان – ولاأعد الشمس – شعري والزمان.-------------------------------------------------------------------------------------------
الدوتشيه رياض الشقفة والفوهرر أردوغان .. وتجارة تحطيم الأهلّة ..
التاريخ : 2012/09/23
أخيرا أخرجت الأحداث رياض الشقفة من مكمنه بعد أن اختبأ طويلا خلف ظل برهان غليون العلماني وخلف مجموعة من المثقفين السوريين الذين كانت وظيفتهم الوقوف كأكياس الرمل في المتاريس التي توارى خلفها الشقفة ومشروعه الديني وسلاحه العنيف .. كان الشقفة مقلّا من ظهوره ومن تصريحاته ماأمكن ومتصنعا الأدب السياسي والتقية والحشمة وأنه مجرد فرد في قافلة الحرية .. وترك جماعات الليبراليين تنوء بالحمل الاعلامي وبحمل عرشه القادم على هودج الثورة فيما كان مختبئا طوال الوقت في هودج الثورة كالظعينة الثمينة التي تحرسها رماح القبيلة..
لم يعد الشقفة قادرا على البقاء في الهودج الذي يهتز والذي يتقلقل حيث بعير الثورة الذي ينوء بحمله بدا هائجا متعثرا .. فكان لابد من أن ينشد الشقفة نشيده الذي يشبه الحداء لثورة لم يعد حداء الآخرين يرضيها ولايطمئنها رغم ارتفاع الحداء طوال 18 شهرا .. ففي تصريحه الأخير لصحيفة جمهورييت التركية قرر الشقفة أن يقوم بحركة يسميها بعض المتابعين (ستربتيز سياسي) أي خلع ملابس استعراضي لبيع الجسد كما تبيع بنات الهوى أجسادهن بعروض الستربتيز ..
أرجو أن يغفر لي السيد الشقفة هذا التشبيه لأنني لست مصدره بل نقلته بأمانة عن بعض الذين تابعوا تصريحاته بسخرية وبينهم مهتمون غربيون بالشأن الشرق أوسطي عموما والسوري خصوصا ..وليست هذه لغتي ولامفرداتي كما يعلم عني ولاأريد بها اهانته والاعتداء على عذريته السياسية لكن الحقيقة ان مافعله هو عملية خلع للثياب قطعة قطعة وعرض لبيع جسد مشروعه الذي كسد ولم يتمكن من تسويقه رغم كل ألاعيب الخفة التي مارسها باستعماله للبعير العلماني الذي حمل له بضاعته طوال 18 شهرا .. بعير من السوربون استبدله لاحقا ببعير من السويد .. ومع هذا لم تصل قافلته بعد ..ويبدو أنها تاهت الطريق .. وتصريحاته الأخيرة هي بمثابة تقديم عرضه الى مسابقة فض العروض ..وهو يعتقد أنه بذلك قدم أفضل الأسعار للدول الغربية ولدول الخليج ولتركيا .. ولكنه لم يقدم للشعب السوري عرضا يستحق أن يوصف بأنه ثوري.. لأن الطريق الى قصر الشعب يمر بالناتو وليس من ساحة الأمويين كما يعتقد الشقفة ..
فبعد 18 شهرا من الحديث عن الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان السوري تبين أن الشقفة أدرك أن هذه المصطلحات لم تنفعه كثيرا واضطر للكشف أخيرا عن ماهية الثورة وعن عقلها وعظمها وزمرة دمها ومكوناتها الوراثية .. فهو قال ان هدف الثورة هو “كسر العمود الفقري للهلال الشيعي”.. والقضية ليست حرية ولاحقوق مواطنة ولادستور ولا المادة الثامنة ولا قانون الطوارئ ولامحكمة أمن الدولة ولا حكم حزب البعث ولا حكم الأسد ..بل هو مشروع ديني مذهبي لكسر العمود الفقري للاسلام وشطره الى اسلامين متناطحين ..اسلام سني .. واسلام شيعي ..يتصارعان ويتناطحان ويتذابحان ويتفانيان ويتقلبان بين العمالة للغرب والشرق ..احياء حقير لمعارك الظلام والتخلف واسنتساخ لمعركة صفين ومعارك الجمل فيما نبي علي ومعاوية يهان ويسرق علنا في دور السنما وعلى يوتيوب الكون..
السيد الشقفة لم يجرؤ على ذكر اسرائيل كالعادة وأن المشروع السني سينقل همّ التحرير والمواجهة ويصادره من الهلال الشيعي الذي احتكره طويلا .. ولم يبد الشقفة أي نوع من الرغبة في انتزاع هذا الحق والشرف ونقل البندقية من كتف الهلال الشيعي الى كتف المشروع السني ضد اسرائيل..وهذا حد ذاته تسويق للمشروع الاخواني في الغرب..
أما سبب خروج الشقفة من مكمنه فاسبابه كثيرة ومنها أنه يريد أن يقدم أوراق اعتماده بشكل رسمي للغرب بأنه معني بمواجهة ايران ومشروعها ضد اسرائيل .. وأنه يتعهد بأمن اسرائيل بكسر ظهر محور عانت منه اسرائيل وهي تتوجس منه وترى الكوابيس ليلا نهارا .. ويتعرق خمسة ملايين يهودي ويصابون بالهستيريا كلما أطل حسن نصر الله مهددا لهم .. وكلما لوح لهم بصواريخه وذكّرهم ان الويل قادم اليهم وأن عليهم الحفر في الأعماق كالأرانب والجرذان في أعمق الجحور امتدت الأيدي الاسرائيلية الى الحقائب وجوازات السفر للرحيل خشية وصول صلية من الصواريخ عليهم..
يريد السيد الشقفة أن يلعب لعبة صديقه محمد مرسي في مصر والغنوشي التونسي وان يبيع نفس البضاعة الرائجة .. أن الوصول الى السلطة لايكون الا ببيع المشروع لأصدقاء اسرائيل واسماع اسرائيل معزوفة تحبها وهي (غيّرنا عدونا يااسرائيل.. وغيّرنا صديقنا أيضا)
ربما يقال ان الشقفة أراد استنهاض الراديكاليين الاصوليين السوريين بتذويقهم العسل الذي يريدون في التصدي للتشيع المزعوم الذي يزرع القلق منه كل يوم في عقول العرب .. ولكن هذا هراء فالأهم من كل ذلك أن الشقفة حاول جاهدا مد يد العون لصديقه أردوغان المتعب والمرهق والذي يتآكل كتمثال الرمل ويذوب كقطعة الثلج.. أردوغان الذي ينزف من قواه السياسية ومن هيبته والذي خلعت الرياح نوافذ بيته وصار عواء الريح تحت لحافه ويلسعه البرد بعد أن وقع المعطف السوري والعراقي والايراني ..لايوجد في لدنيا الآن شخص أحوج من أردوغان للمساعدة ..
لاشك أن موقف الشقفة مفهوم جدا فهو هبّ مشكورا لنجدة صديقه أردوغان لأن الشقفة رفض في تصريحه دعم وجود أي كيان كردي وقلل من وجود الأكراد في شمال سورية وهذه رسالة للداخل التركي الذي لن يغفر لأردوغن أنه تسبب في خروج حزب العمال الكردستاني من قمقم كان غطاؤه بيد الرئيس الأسد الذي قرر رفع يده عن الغطاء وتركه وشأنه .. حزب العمال لن يعود الى القمقم .. وأردوغان يعرف ذلك ويعرف أن حزب العمال لن يعود الا بزعيمه عبد الله أوجالان حرا وقائدا ومفاوضا للدولة التركية .. والسوريون وحلفاؤهم قد غمزوا بموافقة ما لمشروع مريح للأكراد .. وتوبيخ الشقفة للاكراد هو بيع لمشروع الاخوان المسلمين للداخل التركي وليس للداخل السوري ..فهو يريد أن يظهر على أنه الضامن الوحيد لوحدة تركيا المهددة جدا الآن .. وأن على الشعب التركي دعم أردوغان الذي يتأرجح لأن الشقفة والاخوان المسلمين السوريين هم الوحيدون الآن الذين سيقفون في وجه المشروع الكردي الذي سيكسر أرجل تركيا في الشرق .. والاخوان السوريون عبر الشقفة قد قدموا ولاءهم لأردوغان ..ولذلك فمن مصلحة الأتراك متابعة دعم أردوغان الذي سيدعم الأخوان السوريين من أجل ابطال مفعول القنبلة الكردية …. فياسبحان الله ..صار أردوغان يحتاج مساعدة الاخوان السوريين للبقاء في السلطة بعد ان كان يقدم لهم العون للوصول الى السلطة ..انه زمن يثير الشجون والاستغراب من سخريات القدر .. انه زمن يلقي بالمواعظ والدروس التي لاتصدق ..
وليس هذا هو كل شيء .. بل نبه الشقفة الى أن هناك قنبلة أخرى يخشى أردوغان الحديث عنها وهي لواء اسكندرون وانطاكية حيث أن هناك حراكا لم يعد من الممكن تجاهله أو ايقافه .. والشقفة يتهم النظام السوري وعملاءه بتحريكه في رسالة أخرى نيابة عن أردوغان الى الشعب التركي وبأن انفجار تركيا من الغرب أيضا ممكن اذا لم يتم دعم أردوغان المتهاوي ليوقف ذلك الانهيار المرتقب في تركيا بتقديم الدعم لاخوان سورية ..
اردوغان صار متهما في أوساط تركية كثيرة بأن قنبلة لواء اسكندرون – التي فشل في اقناع الرئيس الأسد بتوقيع التخلي عنها لكنه نجح في نزع صاعقها عبر علاقات ودية مع الشعب السوري – هذه القنبلة خطيئة لاتغتفر في القاموس السياسي التركي لأن اطلاق الشعور الطائفي في المنطقة المحاذية لها عبر اطلاق مسعور للمسلحين العرب والسوريين ورجال القاعدة تسبب في انطلاق مشاعر مرتدة طائفية لدى أهل اسكندرونة .. وهذا حسب توصيف برلمانيين أتراك غباء لايقدم عليه الأغرار في العمل السياسي .. لأن رد الفعل الطائفي متوقع بشكل بديهي في أجواء الاحتكاك المباشر بين المسلحين والمواطنين في اسكندرونة الذين لايشاطرونهم نظرتهم بل ويرون في تعالي المسلحين السوريين والعرب المذهبي (كما أورد طبيب فرنسي عمل في احدى المشافي التركية) يرونه استفزازا لايطاق .. الا اذا كانت نرجسية أردوغان وتصفيق العربان له بعد مسرحياته السياسية في اسطول الحرية ودايفوس أقنعته فعلا أنه زعيم تاريخي لايناقش وأن علو قامته سيحجب ردود الأفعال الطبيعية..
تصريحات الشقفة جاءت متناغمة مع تصريحات أردوغان عن الموت السياسي للأسد .. والغريب أن الشقفة تورط من جهته في رفع سقف التوقعات الى حد يستدعي نصحه بالتريث وأن يقال له (نصف الألف خمسمائة) لأنه على مايبدو لايزال يعتقد أن المبالغات ضرورية لابقاء جذوة المسلحين مستعرة .. من مثل أنه يسيطر على 75% من سورية وأنه بمجرد حصوله على صواريخ مضادة للطائرات فسيكون في قصر الشعب خلال شهر .. وربما كان عليه مراجعة تصريحات معلمه أردوغان نفسه الذي بدا أقل تفاؤلا بعد أن أعلن في نفس اليوم أن الأسد مات سياسيا عندما تدارك ذلك وترك مجال سقوطه بلا مدى معين بل معلقا بظروف استثنائية فقال:
“بالتأكيد من الصعب القول إن كان هذا سيحصل خلال أسبوع، أو شهر أو متى بالتحديد !!… هذا أيضاً له علاقة بكيفية مقاربة روسيا والصين للوضع”
وكما توقعنا معا ففيما يخص اهانة الرسول الكريم فان الشقفة بلع الاهانة ولم يوافق على اهانة الشعب الامريكي بقتل سفيره ولا الاحتجاجات.. أي مهما أعاد الشقفة استعراضه بخلع الملابس والرقص على الأنغام الاخوانية وموسيقا الجاز ولو وضعنا كلامه في عصارة للبرتقال لنزل الكلام في الكأس كالعصير الطبيعي ليقول ما يلي: نعم لقد أهنتم النبي ولكن لاشأن لنا بذلك .. فليس النبي هو مانريد .. بل السلطة .. خذوا النبي وافعلوا به ماتشاؤون ولن تسمعوا منا كلاما غليظا بل عتابا رقيقا ان سمحتم لنا .. أعطونا السلطة ..نتوسل اليكم .. السلطة فقط..وخذوا النبي وآل بيته وصحابته وزوجاته وسيفه وبردته وغزواته.. فقط اوصلونا الى قصر الشعب..
يذّكرني هذا الثنائي البائس (الشقفة واردوغان) بالثنائي موسوليني وهتلر مع فارق العظمة لصالح الأخيرين طبعا .. فعندما شاع صيت هتلر في أوروبا واجتذبت الدعوة النازية الكثير من الحركات الأوروبية والأحزاب السياسية .. وظهر هتلر زعيما لايقهر انبهر الكثيرون بالقوة الألمانية ومشروعها الواعد المنتصر .. وكان الدوتشيه (البطل) الايطالي موسوليني متحمسا للغاية لاقناع هتلر بأنه حليف قوي يستحق منه الالتفات لقوته والاتكاء عليه وعلى تشكيلاته الفاشية .. وعندما رأى هتلر موسوليني مستقتلا للانضمام الى معسكره قرر زيارته للاطلاع على مكانة الرجل وقوته .. فأعد له موسوليني استقبالا شعبيا حافلا وحارا ..ثم عرض له الفرق العسكرية الايطالية المحاربة وقوات النخبة .. وكان كلما انتقل هتلر الى مدينة ايطالية قام موسوليني بنقل تلك الفرق المحاربة الى تلك المدينة ليعرضها على أنها قوات أخرى ..مما عزز الاعتقاد لدى هتلر ان موسوليني حليف عسكري قوي فجيوشه وقوات النخبة واسعة الانتشار على كل مساحة ايطاليا لأنه حيثما ذهب شاهد الفرق العسكرية الجرارة ..وهي في الحقيقة نفس الفرق العسكرية التي عرضها أول مرة لكنها كانت تسبق الفوهرر الى أية مدينة يزورها لتعرض نفسها وتخدعه .. وقد ابتلع هتلر الطعم ووافق على تحالفه مع موسوليني .. ولكن كانت نهاية الحليفين مأساوية فقد انتهى الدوتشيه معلقا من عرقوبيه في احدى ملاحم ميلانو ..فيما انتحر هتلر في مخبئه..
مايجب أن يعرفه الدوتشيه (رياض الشقفة) الذي يستعرض قواته المحاربة ويدعي سطوته على 75% من الأراضي السورية ومايجب أن يعرفه الفوهرر (أردوغان) الذي ادعى أنه سيجتاح سورية ثلاثين مرة ولم يجرؤ .. ووعد أنه سيبني منطقة عازلة ولم يجرؤ .. مايجب أن يعرفه الدوتشيه والفوهرر – اللذان خدع كل منهما الآخر بامكاناته – مجموعة من الحقائق:
1- ان النفخ في معركة حلب هو نفس النفخ في معركة بابا عمرو في حمص .. ولاأعتقد أننا نسينا الأساطير المنسوجة عن بابا عمرو .. وأن حمص مقبرة النظام ..وأن سالتينغراد العالم في حمص .. ولم يبق ثرثار الا وأدلى بدلوه في معركة بابا عمرو واعلان السقوط .. ويعود الثورجيون اليوم الى نفس الفخ في استعراضهم ومباهاتهم بمعركة حلب ..
2- حسب المعلومات التي توفرت لدي والمعطيات فان عملية الاجهاز على المتمردين في حلب متوالية والقضم يومي ومتسارع ولاتستطيع قوة في الأرض ايقاف بلدوزر الجيش العربي السوري الآن .. ولكن لاتريد الدولة هذه المرة في عملية حلب استعادة بعض أحياء المدينة المخطوفة بل تريد قصم ظهر تركيا نهائيا في حلب وتريد أن تجتث كل شيء لتركيا اجتثاثا لاعودة بعده .. وتريد أيضا أن تجري عملية موازية يقصد منها تحضير الثورجيين نفسيا لمنعطف آخر اسمه منعطف بابا عمرو في حلب..
3- المعركة مع الثورجيين نفسية ..فقد أثر فراقهم لبابا عمرو بهزيمة نكراء في صدمة نفسية كبيرة .. تلتها صدمة نفسية كبيرة في انهيار بركان دمشق ..وستكون انهيار دفاعاتهم في حلب اعلانا شبه رسمي عن نهاية العربدة الثورية على اختطاف المدن .. لتبقى البؤر المتناثرة التي ستذوب تدريجيا
4- نصيحة صادقة للدوتشيه رياض الشقفة بأن انتبه الى ظهرك وظهر “فرسان النبي” من الفوهرر .. ففي التاريخ انتهت صداقة الدوتشيه مع الفوهرر بأن الجستابو (مخابرات الفوهرر) اعتقلت الدوتشيه ووضعته قيد الاقامة الجبرية عندما بدأ الفوهرر لايرتاح لتحركات الدوتشيه ويشك فيها .. وهنا ربما على الدوتشيه رياض أن ينتبه لما يساوم عليه أردوغان ..فهو من تحت كل الطاولات يريد شيئين من السوريين وحلفائهم مقابل أن يبيع الدوتشيه ومسلحيه .. الشيء الاول أن يسمح لمشروع نابوكو لأنبوب الغاز الآسيوي بالانطلاق كما هو مقرر عبر الأراضي التركية .. أو على الأقل بتمرير جزء من أنبوب سيل 2 ضمن الأراضي التركية .. والشيء الثاني هو اعادة حزب العمال الكردستاني الى القمقم ..وعلى الدوتشيه تذكر شيء واحد أن الفوهرر أردوغان قد صافح الرئيس الأسد ثم طعنه وحاول بيعه .. وسيبيع أردوغان الدوتشيه ورجاله دون خجل أو حياء اذا قبض الثمن .. فلا داعي للاستبسال بالدفاع عنه والثناء عليه ..فقد يأتي يوم تلعنه فيه….
5- وحسب ما يتردد فان السوريين وحلفاءهم غير مكترثين بالعرض التركي بشأن انبوب الغاز .. وكذلك فان حزب العمال خرج ليبقى خارج القمقم ..ولن يعود .. ومن يجب أن يدخل القمقم هو الفوهرر نفسه ..أردوغان .. هو ومشروعه العثماني ..
التاريخ يقال انه يحب سخريات القدر وتقليب الأدوار .. ومن سخريات القدر أننا مقبلون على رؤية الفوهرر أردوغان معلقا من عرقوبيه في ملحمة من ملاحم استانبول .. فيما سينتهي الدوتشيه في أحد مخابئه ..منتحرا ..أما الكسور التي ستنكسر وعظام الرقبة التي ستطقطق وفقرات الظهر التي ستنهرس فهي عظام المشروع الصهيوني
المشروع الصهيوني هو الذي يريد مستميتا احياء هلال شيعي كي يرتطم بالهلال السني ويطول الليل .. وليتذكر الدوتشيه رياض الشقفة والفوهرر رجب طيب اردوغان ..وليسمع كل فرسان النبي .. من الملا عمر الى أيمن الظواهري الذي كتب كتابه الشهير (فرسان تحت راية النبي) ثم أطلق فرسان النبي على بلدان النبي ودين النبي وشعوب النبي وترك النبي مهانا وكعبته تقبض عليها قواعد الأمريكيين .. فليسمعوا جيدا هذه العبارة:
ان من يمنع ظهور الهلال الشيعي وللمفارقة هو تحالف نجاد – الأسد – نصر الله .. لأن هؤلاء يعرفون أن الهلال هو جزء من القمر المضيء .. وان الهلال وحده لاينير الليل ولاالأقمار .. وأن في الشرق ليلا دامسا توراتيا مخيفا .. لن يكسره هلال شيعي ولاقمر سني .. ولن تمسح عتمته الأهلّة الضعيفة المبتورة ولا الأقمار التائهة.. لن يكسر الظلام التوراتي الا ظهور الشمس .. والثلاثي نجاد – الأسد – نصرالله يدفعون الشمس نحو كبد السماء بالصواريخ .. لكن الظلام يريد تكريس الأهلّة وتثبيتها كيلا تطلع الشمس الى السماء
الشمس تريد قهر الظلام .. والدوتشيه مشغول بتكسير الهلال واطفاء الهلال .. وتعليق هلال .. وتمجيد هلال .. وتثبيت هلال..ومن ثم اهداء الليل رأس الشمس على طبق الثورات كي لايطلع علينا نهار
فصل جديد في "الامتاع والمؤانسة" لفيصل القاسم .. نزار قباني بائع العرقسوس
التاريخ : 2012/09/25
والمؤانسة" لفيصل القاسم .. نزار قباني بائع العرقسوس .. بقلم : نارام سرجون
لم أكن أنوي الاشارة الى موضوع هذا المقال ولاالتطرق اليه لكنني وجدت وفيما نحن نحلل مواقف هيئة التنسيق الوطنية واجتماعاتها ونصل الى قاع نواياها لنكتب مايجب عنها أن يقال دون مجاملة لها أو للدولة، وجدت أن من المفيد أن نضيف الى فصول كتاب (الامتاع والمؤانسة) لأبي حيان التوحيدي فصلا ترفيهيا سريعا يختلف عن الليالي الثمانية والثلاثين التي أوردها التوحيدي في كتابه الشهير .. ليكون بمثابة استراحة في أمتع الفصول وأظرفها مؤانسة في مقال عن فيصل القاسم الذي فاجأ الجميع بوصف الشاعر السوري أدونيس بأنه "شويعر" كما انتشر مؤخرا نقلا عن احدى حلقات برنامجه الرديء الذي لم أره منذ عدة سنوات .. بل وتصنّع القاسم الاشارة الى أدونيس كأنه يتحدث عن شاعر مغمور بالكاد يتذكر اسمه أو يعرف كيف ينطق .. في طريقة مثيرة للسخرية .. وجعل فيصل يقلّب في الاسم وحروفه .. ويعيد تذكيرنا بالشويعر أدونيس الذي انتقد خروج الثورة السورية من الجامع لا من الجامعة ..ولايخفى على اللبيب أن القاسم تعمد اهانة اسم أدونيس وهو العارف بقامة أدونيس .. لكنه فعل ذلك لغاية في نفس حمد ولغاية في جيب فيصل.. هذه التهريجة (التمثيلية) ستبقى خالدة في سجله ولن يقدر على محوها حتى بقرار من مجلس الأمن وفق الفصل السابع
يعني ان كوميدية المشهد الذي ابتدعه فيصل لاتبزها كوميدية المايسترو الشيخ العرعور في العزف على الطناجر .. ولا اعلان رياض الأسعد عن الانسحاب التكتيكي .. ولا اتهام عبد الرزاق طلاس للصين كلها بالتآمر عليه .. ولا حتى رغبة القرضاوي بالزواج من ميديا الداغستاني بعد كشف مستورها الذي سال له لعاب الشيخ الذي سيطلب من عبد الرزاق طلاس السفر حالا الى الدوحة لامداد القرضاوي العريس بخبرته الجهادية على السكايب ..
هذه المقالة قطعا ليست دفاعا عن أدونيس .. وأدونيس لايحتاج مساعدة أحد ولادفاع أحد .. فهو من لديه كروم اللغة وعناقيدها وهو من لديه أعنّة الكلام .. وهو من لديه ترسانة هائلة من كلمات التدمير الشامل التي ان وجهها على فيصل القاسم لتقلّب القاسم كما لو كان ورقة شجر يابسة سقطت في تنور ... وربما تبخر القاسم كما في ضحايا الضربات النووية .. ولاأعتقد أن أدونيس سيسعد بمقالات غيره في شأن له .. ولكن هذه المقالة هي انتصار للشعر وانتصار للفكر مهما كان موقفنا مع صاحبه مختلفا..
ياراجووول يافيصل .. أدونيس معروف للقاصي والداني .. وهو ليس بشويعر .. بل من صروح الشعر العربي الحديث .. وأبحاثه الأدبية نالت اعجاب مبغضيه وخصومه .. ولاأنسى أبدا ماذا قال لي أحد الشعراء العرب الكبار (وأعتذر عن ذكر اسمه لتجنب الحساسيات بسبب خصوصية الحديث) الذين سألتهم عن رأيهم بأدونيس وكان مختلفا معه بشدة في مواقفه السياسية (موقف اعلان كوبنهاجن) اذ قال لي بالحرف: يخرب بيته شو ها الأبحاث البديعة اللي عاملها .. بصراحة أعماله البحثية تستحق الثناء والاعجاب رغم كل شيء..
وأذكر أننا في هذه الأزمة السياسية اختلفنا مع أدونيس كثيرا ورشقناه بمنجنيق النقد اللاذع عشرات المرات عندما أبدى نوعا من التبريرية لفوضى المظاهرات وبدا أنه يتحدث حديثا رومانسيا ولم يتسن له الاطلاع على كل التفاصيل الحاسمة .. بل أذكر أنني مع انطلاق الأحداث السورية وصفت موقفه الذي أبدى فيه تفهما للثورة وألقى عظاته المتعالية، وصفته بموقف ابن خلدون الذي نافق تيمورلنك وأنزله الدماشقة بالقفة من على أسوار دمشق ليفاوض الملك الغازي .. فوجدها ابن خلدون فرصة ليتملقه وليتقرب منه ويقول فيه مالايقال من المدائح والثناء .. وأنا في تلك المقالة قارنت أدونيس بابن خلدون كمجدد ومفكر وعبقري لكنني لم أرحمه من سياط النقد اللاذع والتقريع والتأثيم ماأمكنني ..ومع ذلك لم أستطيع وصفه اطلاقا الا بالشاعر والمفكر وان كانت كتبه ومؤلفاته تجتذب المترفين فكريا وليس العامة .. ولاأقدر الا أن أضعه - رغم اختلافي الشديد أحيانا مع مواقفه - بين مصاف الأيقونات الأدبية العربية .. شئت أم أبيت .. ولايمكنني أن أنسى تلك المخطوطة التي حققها عن حلب والمتنبي والتي أعدت قراءتها مرارا لامتصاص كل معانيها وتفكيكها لشدة ثرائها وغناها بالبروتينات التي لاتهضمها الا العقول المثقفة بقوة ولايقوى عليها الا ذوو الجلد الفكري .. مخطوطة مرهقة للعقول التي اعتادت المعلبات الثقافية والأدب مسبق الصنع ولافاشكيري النثر وكنتاكي الشعر والشعراء .. وماكدونالد فيصل القاسم ..
ياراجوووول يافيصل .. اذا لم تسمع بأدونيس فبمن سمعت اذا؟ ربما بزكي جمعة الذي سأل عنه عادل امام بقوله: الله يرحمك ياطهطاوي .. فين أيامك ياطهطاوي .. وفين فلان وفلان .. وزكي جمعة !! مين زكي جمعة ده؟؟ !!
أنا أجزم أن فيصل يعرف زكي جمعة؟ وربما كان فيصل القاسم هو نفسه زكي جمعة ..
ياراجووول .. أخشى ان كنت لم تسمع بنزار قباني أيضا .. وربما قلت انه بائع العرقسوس في حي مئذنة الشحم .. وربما تسمي شعر الحب عنده بأنه شعر الزعران والمراهقين .. وستسميه بدل شاعر المرأة (شاعر النسوان) وتلحقه بمعسكر صديقك المزواج المطلاق يوسف القرضاوي.
بعد تلك اللحظة التي قرر فيها فيصل أن أدونيس شويعر ارتجفت كتب الشعر العربي الحديث والقديم وتقصفت ركبها .. وعلا عويل القصائد هلعا وهرب الشعر الجاهلي حافيا على الرمال الى ملاذ آمن قبل أن يسميه فيصل القاسم بأنه شعر البدائيين وأحاسيس الهمج ..
أما كتاب (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني فقد أصابه الوجل الشديد والقلق من غزوة بني القاسم لأن فيصل كان بالتأكيد سيقدمه لجمهور الجزيرة على أنه ألبوم دويتو لمغني الوهابية فضل بن شاكر العبسي مع هيفاء وهبة .. وستكون ذروة كتاب (الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني) هي أغنية (بوس الواوا) لهيفا .. التي سيبوس فيها فضل شاكر العبسي واواها ..وكما يبوس أحمد الأسير واوا بيت الحريري .. وعبد الرزاق طلاس واوا الحرائر ..
وقد رأيت بأم عيني كتاب (طوق الحمامة في الألفة والألّاف) لابن حزم الأندلسي يلوذ بأعلى رفوف المكتبات هلعا من مصير قاس على فم القاسم كأن يمنحه القاسم وصف كتاب عن تربية الحمام والطيور والعناية بالدواجن ... ولاأستبعد أن الخنساء ستصبح الخنفساء في قواميس بني القاسم وأن أخاها صخرا هو الشبيح "أبو صخر" قاطع الطريق.. .
وقد فرّ الشعر الأندلسي والموشحات وابن زيدون وولادة بنت المستكفي من قرطبة وغرناطة الى عند اسياس أفورقي في اريتيرية أو الى عند ميليس زيناوي في الحبشة لأن فيصل القاسم لن يتورع كما يبدو عن اطلاق صفة الشعر الغجري أو النّوري (بفتح الواو) على ذلك التراث الجميل والتحف النفيسة الأندلسية... .
وسنصلي لله ونتضرع اليه أن يبعد عين فيصل القاسم وانتباهه عن شعر عنترة العبسي وعبلة وشعر "المعلقات" العربية وسوق عكاظ وزهير بن أبي سلمى والنابغة الذبياني فقد يجندل القاسم الجميع في ضربة واحدة ويقول ان ما يسمى معلقات هو شعر "المعلبات" الصحراوية التي لايساوي خطبة من خطب سعدو الحريري العصماء .. وان لاميّة الشنفرى وشعر عروة بن الورد وصعاليكه لاتساوي تأتأة خادم الحرمين الشريفين..
وقد صرت أخشى أن يستولي فيصل على شعر مليكنا المتنبي ويهديه الى آل ثاني ويقول لنا ان علاقة حمد بن خليفة وعزمي بشارة هي أعظم من قصة الصداقة بين سيف الدولة والمتنبي .. وان الخيل والليل والبيداء التي غطاها المتنبي بعباءته الواسعة طوال التاريخ وطوّبت باسمه قد يهينها شخص مثل القاسم ويقول انها صفات اللصوص الهاربين المطاردين والفارين من العدالة...
لم يبق لأصحاب الربيع العربي مثل القاسم وجماعته الا اتلاف ذائقتنا الشعرية بعدما أتلفوا دماغ الناس وخربوا مدننا وحدائقنا وصفاء الحارات الشعبية وتسامحها وبراءة القرى والأرياف .. سرقوا منا أحاديث المقاهي الشعبية ودخان الأراكيل وسرقوا منا المساجد وسرقوا الله أكبر .. ونقلوا الناس من (حق لايموت في فلسطين) لغسان كنفاني الى (هلكتونا بفلسطين) لفيصل القاسم ..في عبارة شهيرة لاتمحى..
يبدو أن الهدف القادم للربيع العربي ليس عاصمة أخرى تتوق للحرية مثل الدوحة أو الرياض بل عواصم التراث والشعر وديوان العرب نفسه .. وقد استهل فيصل القاسم ربيع الأدب العربي بشعار (الشعب يريد اسقاط الأدب واسقاط الشعر والشعراء) بمسخ قامة أدونيس الى شويعر ضئيل هزيل لأنه فقط أبدى بعض التحفظات على مايسمى بالثورة السورية .. فوصل الربيع العربي حتى الى شعرنا وكلامنا وحروفنا لنتوقع أن يسحل النابغة الذبياني يوما من خيمته في سوق عكاظ ليؤخذ الى قطر .. مثلما سحل القذافي من خيمته الليبية .. وليذبح عمرو بن كلثوم مثلما ذبح رجال الشرطة السوريون المخطوفون على يد من يسمون ثوار سورية...
ويبدو أن الغاز القطري صار يدخل الرؤوس فتمتلئ بالفقاعات ويخف وزنها ..دخل الغاز القطري رأس حمد فصار قابلا للطيران لخفته .. وهاهو يدخل رأس فيصل القاسم ..الذي انتشى بالغاز وثمل ..
ويذكرني فيصل بقصة لبشار بن برد الشاعر الضرير وسأرويها له لأنها مفصلة على مقاسه .. فقد كان بشار بن برد في بلاط الخليفة المهدي في أحد الأيام ينشده شعرا مدّاحا .. فدخل عليه يزيد بن منصور الحميري (وهو خال المهدي) وماان انتهى بشار من قصيدته حتى سأله يزيد بن منصور الحميري وكان معروفا أن فيه غفلة (أي جدبة وعقله على البركة) : كلامك جميل ياهذا فما هي صنعتك؟؟ فقال له بشار بن برد ساخرا بخبث: أثقب اللؤلؤ وأنظمه!! فضحك الخليفة وقال لبشار: ويحك أتتندر بخالي ؟؟!! فقال له الشاعر: ياأمير المؤمنين .. "انه يرى رجلا ضريرا ينشد الخليفة شعرا ومع هذا لايعرف ماذا صنعتي".. أي ان سؤال خال الخليفة كان غبيا وبليدا ولزجا .. بالضبط مثل تساؤل فيصل القاسم عن أدونيس واستخفافه به وتصنعه تجاهله مع أن أدونيس رشح عدة مرات لجائزة نوبل .. ولاأستبعد صلة وراثية ما بين خال الخليفة وبين فيصل القاسم ..فهذه البلادة من تلك البلاهة التي تريدنا أن نصدق أن تساؤله بريء وأنه لم يقبض ثمنه بالدولار..
وبما أننا ذكرنا بشار بن برد الذي بالتأكيد لم يسمع به فيصل وربما اعتقد أنه احدى الصفات التي يطلقها الثورجيون على الرئيس بشار الأسد، فهذا شرح مبسط عن قصة (ربابة) خادمة بشار بن برد .. وهي مثال على قدّ وحجم ملكات فيصل القاسم الشعرية وأدبه وذائقته الاعلامية .. لأنه ربما بنى ثقافته التهريجية من مسلسل افتح ياسمسم للأطفال وتأثر بطريقة الضفدع كامل في اذاعة افتح ياسمسم .. ولانبالغ ان قلنا بأن برنامج الاتجاه المعاكس هو نسخة من البث المباشر للضفدع كامل من اذاعة افتح ياسمسم .. لكن الضفدع كامل الآن صارت له فضائية اسمها الجزيرة !!وبرنامج اسمه (الاتجاه المعاكس) ..
وقصة بشار بن برد مع خادمته التي اشتكت من أنه لايقول لها شعرا تفهمه ففصل على مقاسها هذه الأبيات وداعبها بها ممازحا:
ربابة ربة البيت ------ تصب الخل في الزيت
لها عشر دجاجات ------ وديك حسن الصوت
وكي يفهمها فيصل سنقربها له حسب مصطلحات محيطه الثقافي:
فموزة ربة البيت ----- تصب المال في البيت
لها عشر مذيعات ---- وديك حسن الصوت
وكي لايعتقد فيصل أنه ذلك الديك .. فهو أقل من ديك في مقاييس موزة وهو من بين الدجاجات العشر .. لذلك فاننا سنقرّبها له قليلا وآمل أن يفك شيفرتها ... فمن لايعرف أدونيس سيعاني في تفكيك شيفرة هذه الأحجية ... ذلك الديك يافيصل يلقب بالمفكر العربي .. وأول حرف منه ع .. وأول حرف من كنيته ب .. وهو عضو كنيست اسرائيلي سابقا..وجاسوس حاليا
زمن الزرائب الثورية .. وزمنك يا غيفارا أيها اللهب الأزرق
التاريخ : 2012/09/29
كم يحاصرني هذا الزمن .. زمن الزرائب الثورية .. فمن تونس حتى مصر تحولت مزارع الديكتاتوريات القديمة الى زرائب ثورية .. وكم أنا بحاجة الى زمن طاهر آخر أعيش فيه .. وكم أنا بحاجة الى مظلة تقيني هذا المطر الأصفر .. وأن أعود الى حقول الحبق وشواطئ العطر .. ومقالات اللهب الثوري الأزرق ..زمن تشي غيفارا
كم كانت القراءة في الفكر الثوري عملا يشبه الاستحمام بالعطر .. كانت كتب الفكر الثوري والسياسي الكبرى والثقافة قوارير عطر ماان تفتحها حتى تسمع صوت تكسر القوارير وينسكب العطر وضوعة الطيب بين أصابعك .. كنت أحس بعد قراءة تلك المطبوعات أنني تحممت بماء الورد وكنت أمارس العوم في بحر العطر .
وقد كانت بيانات أو مقالات الزمن الثوري القديم، زمن غيفارا وغسان كنفاني وأنطون سعادة، تشبه خمائل الحبق وأصائص الورود ..وأما المناشير المكتوبة على عجل على ورق رخيص فكانت تشبه لهب النار الزرقاء الصادرة عن الكحول المشتعل .. ماان تهز عيونك سطورها حتى يتضوع العبير المخلوط برائحة التراب المندّى بصدق المعاناة .. أو يشتعل قلبك لهبا أزرق كما لو كان سكب على ناره الكحول فيتنقى ويتطهر قلبك وعقلك.. باللهب الأزرق..
ولكن هذا الزمن ليس زمن الكتب السياسية الكبرى والثقافات ومقالات اللهب الأزرق، بل زمن الأثداء السياسية الكبرى المتدلية من صدر أميريكا في الدوحة واستانبول .. ووزمن أثداء آل سعود ومطبوعاتهم المريضة التي ترضع الناس نفايات الفكر الثوري وتقطر منها مياه آسنة سوداء برائحة الحظائر .. ولاينتابني الا شعور بالحاجة للاستحمام بعد كل قراءة لثوار اليوم الذين يهبطون علينا من حلمات هذه الأثداء القحباء .. ويهبطون عبر صحف وفضائيات تتدلى فوق رؤوسنا كثريّات الشيطان وأثداء الخطيئة من السماء
نجوب كل العناوين والسطور والمواقع العربية والثورية ولكن عبثا.. فلم تعد القراءة أو الاستماع للعرب ومثقفيهم الا رحلة عذاب موحشة في جهل المجهول المطلق .. ولم يعد الاصغاء للثورجيين يشبه الا التقلب في روث الحظائر والزرائب المغلقة..
في زمن الزرائب الثورية هناك حاجة ماسة في القراءة الشاملة للأحداث لأن نحاول القفز فوق هذه السواتر الاسمنتية العالية والقفز فوق الحظائر الثورية وروائحها التي ينشرها الاعلام الأسود ويحاصرنا بها كما لو كان هذا الاعلام هو خرسانات السور الاسرائيلي الذي يحيط بالضفة الغربية رغم أنف كل اسلاميي العالم ورغم كل قبضايات القاعدة والجيوش الحرة من ليبيا الى سورية التي لاتفكر في فتح ثقب بحجم المسمار في هذا السور .. فالربيع العربي (أو ربيع الزرائب) هو أول حرب في العالم تمت عبر السيطرة على عقل الخصم والعبث به وتخريبه وقطع الهواء النقي والماء والكهرباء عنه .. انها حرب النفس وحرب الصورة والكلمة التي لاترتدي ثيابا محتشمة بل خلاعية لتفتن الناس .. فتنسيقيات الصورة والكلمة هي التي فتحت الحصون الأخلاقية والوطنية ونسفت العقول وأطاحت بالدول وأذابت تماسك المجتمعات .. والنموذج السوري كاد ينجح في اتمام اللعبة السينمائية لكن شاءت الأقدار - وربما رغبة التاريخ - أن تقاوم مزارع الياسمين روث الحظائر الثورية .. يد التاريخ قررت التدخل الايجابي في محاولات العبث بمجريات الأحداث .. وشطبت الربيع العربي من سورية.. ومن لايصدق فليقرأ في دفتر المستقبل وفي ثوريات وعنتريات اسلاميي سورية الأخيرة..
قراءة عاقلة غير ثورية في الهجوم على مقر قيادة الأركان في دمشق
عندما وقع الهجوم الأخير على مقر قيادة الأركان في دمشق اتصل بي أحدهم في الساعة الثامنة صباحا وعلى صوته أثر من حيرة وهو ينقل لي أن قيادة الاركان تتعرض للهجوم ولكنني قلت له على الفور انها عملية استعراضية وستنتهي بسرعة بالفشل .. وانصرفت الى شؤوني وكلي يقين مما أقول .. وقد قلت هذا لأنني أعرف أن الاستيلاء على هذه المقرات لايعني شيئا من الناحية العسكرية أولا فالمقرات الحقيقية ليست في تلك البنى العملاقة التي عرفناها وذلك منذ أن كانت هناك ملامح تدخل غربي على غرار ليبيا .. فرغم أن ذلك الاحتمال ظل ضعيفا لكن الاحتياطات لنقل المقرات الاستراتيجية التي يمكن أن تكون هدفا للقصف قد اكتملت ..وثانيا فان محاولة الاستيلاء عليها عمل غشيم لاينتمي الى صفة العبقرية العسكرية بل التهور الموتور..
وبالعودة الى عملية الأركان فقد تبين بعد وصول التفاصيل أنها وقعت في الصباح الباكر حيث لايحتمل وجود قيادات كبيرة .. كما أن العدد الذي نفذ الهجوم هو بضعة عشرات ..وهذا عدد لايكفي لاقتحام شقة في دمشق فيها ثلاثة أفراد مسلحين فما بالكم بمبنى قيادة الأركان السورية .. ولاأذيع سرا ان قلت ان السيطرة على أي نقطة في تلك المنطقة المحيطة بساحة الأمويين تتطلب على الأقل ألف مسلح .. لانها نقطة رمزية جدا ويشبه سقوط تلك النقطة في تأثيره النفسي والمعنوي مشاهد سقوط القصر الجمهوري وتمثال صدام حسين في ساحة الفردوس في بغداد ..ولذلك فان التواجد الأمني السوري والعسكري في تلك المنطقة يشبه مايحيط بمبنى البنتاغون الأمريكي ويستحيل الاستيلاء على أية نقطة في محيط ساحة الأمويين .. والغريب أن قوى التحالف الشرير ضد سورية تعرف ذلك وتعرف أن ساحة الأمويين مدججة بالحراسة الثقيلة وأن الاستيلاء على كل متر مربع فيها سيكلف آلاف القتلى .. ولكن هذا التحالف يزج بالمسلحين الى موت مجاني من أجل كسب النقاط ..
غير أن من يتابع تعليقات الصحف العربية والاعلام الثوري على الحادث يشم رائحة الزرائب تصدر بقوة .. ويجد كيف تم النفخ بالعملية وترويج الشائعات الكبيرة ومحاولة التأثير على معنويات الناس من أن قلب النظام تعرض لطعنة نجلاء ولهجوم صاعق وأن النظام ارتج واهتز وأخذ بالمفاجأة على حين غرة .. وأن المزيد قادم ..وأن العملية هي جزء من ساعة صفر قادمة.. وقد تم عصر العملية اعلاميا حتى آخر نقطة لدرجة أن أحدنا يحس أن تلك العملية تشبه في قيمتها عملية تفجير برجي التجارة العالمي في نيويورك ..
لكن هذه المعركة البائسة في مقاييس التكتيكات العسكرية جاءت بتنفيذ بائس وتوقيت في منتهى الحماقة وعدم النضج لأنها كان يمكن أن تحقق الكثير في بداية الأحداث وليس الآن بعد الاحتياطات الدقيقة المتخذة وبعد انهيار بركان دمشق وذوبان ساعة الصفر وبداية الانهيار في حلب .. وهي عملية يمكن تنفيذها كل يوم بنفس الطريقة الفاشلة .. فلاتحتاج الا الى انتحاري مجنون ومجموعة مقاتلين تقول لهم قياداتهم أنها عملية على طريق النصر ..ولكنها في الحقيقة على طريق الهلاك الحتمي..
ومع هذا فمن الملاحظ أن عدد المسلحين الذين نفذوا الهجوم كان قليلا بالقياس لحجم الهدف وطموحاته .. وهذا ربما يشير الى أن المخططين يعرفون أن مصير المجموعة المنفذة هو الفناء حتما ولذلك تم الزج بعدد قليل والتضحية به .. ولكن اعتراض مكالمة بين أحد قادة المجموعات المسلحة منذ أربعة اسابيع في ريف دمشق التقطت شكوى من تناقص عدد المسلحين لديه بشكل مثير للقلق .. ومن بين تفسيرات تلك المكالمة أن أعداد المسلحين تتناقص بسبب تعرضهم لخسائر كبيرة بسبب الزج العشوائي لمقاتلين في معارك غير منظمة وغير متكافئة وفي معظم المواجهات مع الجيش السوري المحترف أمام مقاتلين عشوائيين تكون نسبة الخسائر لدى المسلحين كبيرة في كل معركة وتتراوح بين 20 - 30% .. وفي بعض العمليات النوعية للجيش العربي السوري ضد المتمردين كان معدل المتمردين المسلحين الناجين لايتجاوز عشرة بالمئة .. ولفت البعض الى أن تناقص الأعداد الكبير في بعض المجموعات قد يعود لانسحاب المقاتلين لأسباب كثيرة .. وفي أربع حالات موثقة على الأقل كان هناك تذمر من سوء أداء بعض القيادات الارهابية ميدانيا والذي تسبب بكوارث وخسائر لمجموعاتهم .. وهناك اعتقاد لدى بعض المقاتلين أن مجموعاتهم مخترقة فقرر بعض النافذين فيها الانشقاق بمجموعاتهم والعمل بشكل مستقل مما انعكس على أداء المجموعات الأصلية وقدرتها على الزج بأعداد كبيرة من المقاتلين .. وهناك مثالان على اتصالات بين قياديين من المجموعات المسلحة وضباط مخابرات سوريين أبرموا صفقة مع المخابرات السورية على البقاء على الحياد واخراس الأسلحة (صمت السلاح).. مقابل أثمان معينة !!
ولكن ماهي أحوال الحركة الاسلامية الآن في سورية كما يقول لنا ضجيجها؟؟
ان من يتابع التصريحات والتهديدات العالية النبرة للاخوان المسلمين السوريين ومحاولة استعراض القوة قد يصيبه الوهم أن ارتفاع النبرة والتحدي يعنيان تمكن المشروع من الاستحواذ على مفاتيح اللعبة في سورية .. لكن الحقيقة التي لاتحب المجاملات هي غير ذلك .. وهي أن قيادات الاخوان المسلمين والحركات الاسلامية العاملة في سورية لم تعد مرتاحة أبدا لتعثرها الشديد في انجاز الحلقة السورية وانشاء الزريبة الثورية في بلادالشام ولم تعد مبرراتها وشماعة أن النظام شرس وعنيف مقبولة لدى من ينتظرها بفارغ الصبر من القوى الداعمة الكبرى .. وصارت تنظر بقلق الى أنه سينظر اليها على أنها هزمت مرتين في سورية خلال العقود الثلاثين الأخيرة اذا لم تتمكن من الحصول على أي ثمن بعد هذه الحركة العنيفة .. وهناك حرج شديد وقلق يجثم فوق رؤوس الاسلاميين السوريين وهو أن الهزيمة الثانية الكبرى لن تعني نهاية معركة بل تعني خروج الاسلاميين نهائيا من المعادلة المستقبلية السورية .. وتخشى القيادات الاسلامية من اعداد بدائل وتعويم قوى أخرى وسط مثل اظهار آل طلاس بشكل أكثر وضوحا في جسم المعارضة ..
ولذلك ستستعر التصريحات النارية للاسلاميين السوريين مثل تصريح الشقفة العلني بالتصدي للهلال الشيعي والتهديد بالحسم وسيرافق ذلك قيام المجموعات المسلحة بعمليات استعراضية .. ولكن سيغش نفسه من لايعتقد أن اللعبة الرئيسية في الداخل السوري انتهت لصالح النظام بعد صموده الجبار 18 شهرا في معركة مصممة لتنجز في أسابيع قليلة .. والترقب يتركز الآن على التحولات الخارجية القادمة لامحالة .. القوى الخارجية الهامة في السيناريو السوري صارت الآن على يقين من انتهاء دور الاسلاميين في سورية والى أمد بعيد ..
ويشير المحللون في استنتاجاتهم النهائية الى خروج الاسلاميين من المعادلة المستقبلية السورية بسبب انفراد النموذج السوري الذي هزم الحركة الاسلامية المسلحة في الثمانينات .. ويكرر الحاق الهزيمة بها الآن .. ولكن دوي هزيمتها سيكون الآن أكبر بكثير من هزيمة الثمانينات .. ففي الثمانينات كان دعم الاسلاميين من بعض دول الجوار على العموم (العراق والأردن ومصر وقليلا من السعودية) .. لكن طبيعة الدعم الذي لاقاه الاسلاميون في هذه الأيام فاق التصور فهو من كل الجوار بمن فيهم اسرائيل والسعودية وتركيا والأردن ولبنان ومصر وتونس وليبيا وقطر ومستعمرات الخليج ومن كل دول اوروبة الغربية وأميريكا .. كما أن دخول الحركة الاسلامية عالم السياسة من باب الصفقات العريض مع الدول الكبرى يعني أنهم دخلوا بثقل لايضاهى وراهنوا بكل مالديهم من بيض في السلة ..
وهزيمتهم القادمة في سورية ستجعل المشروع الاخواني في بلاد الشام عموما ينفرد عن غيره بأنه انتهى الى غير رجعة والاقتناع أن نموذج الحكم الاسلامي غير قابل للحياة في سورية .. لأن هزيمتين ثقيلتين متتاليتين تعنيان أن المجتمع السوري ورغم مسحته الاسلامية القوية وتعاطفه مع الحركات الاسلامية فانه في تركيبته الاجتماعية غير قابل للتعايش مع الاخوان والتيارات الاسلامية كقوى سياسية في السلطة رغم كل الاغراءات التي حملها الربيع العربي وأهله وهدايا الحرية والديمقراطية .. وفي هذه الثنائية والخاصية للمجتمع السوري يحزم المشروع الاخواني حقائبه وينتظر قطار الرحيل بعد انتظار على المحطة دام بضعة عقود ..ان الفشل الثاني لايمكن الا أن يكون درسا قاسيا للمشروع الاسلامي في بلاد الشام .. وبذلك سيدشن الشقفة وطيفور عملية انتهاء الحركة الاسلامية الفاعل سياسيا في بلاد الشام..بسبب سوء التقدير والحسابات والأخطاء الرهيبة التي وقع فيها التنظيم وعدم معرفته الواضح لمفاتيح المجتمع السوري..وللمفاتيح الاقليمية..
ان محاولة التصعيد في دمشق وحلب والتهديد بالحسم وساعات الصفر لم تعد تقنع الكثيرين من المتابعين الغربيين الذين يشيرون الى حقيقة ناصعة وهي أن تصعيد لهجة الثوريين الاسلاميين في سورية ترافق مع استخفاف علني أمريكي بفكرة التدخل في سورية وترافق مع محاولات تركية اظهار نوع من التنصل من الورطة السورية اما بالعزوف عن الوعود الكبيرة أو بالانخراط في محادثات اقليمية أو بطرد الأسعد بطريقة لائقة أو حتى الايحاء بأنه خرج من الأراضي التركية .. فربما أعلن ذلك رغم ابقاء الأسعد في تركيا ..لكن مجرد الاعلان يعني أن الأتراك صاروا يفكرون جديا في خط الرجعة والمساومة ولديهم يقين كبير أن معركة سورية صارت في صالح الدولة السورية ..دون أدنى شك..
الاسلاميون السوريون يحزمون حقائبهم على تخوم حلب ويستعدون للسفر ويتركون لنا الخراب في مدننا والخراب في عيوننا ونفوسنا ..ويتركون خلفهم آثامهم وجثث قتلاهم .. وجثث المدن التي حاولوا اغتصابها ..ويتركون لنا بلدا جرحت عيناه وقلبه ورئتاه..فماذا يقال بعدما فعلوا؟؟
انني شخصيا لايهمني ماتخرب وماتحطم في بلاد الشرق .. ولست أبكي المدائن الشرقية التي شاخت وكبرت من كثرة الهمّ والتي شابت عماراتها من الأهوال وجرحت وجوهها الجميلة بالبنادق المجنونة الهائمة على وجهها .. وملأت خدود حيطانها الندوب والثقوب .. وغارت نوافذها المحطمة كعيون الجماجم ومحاجر العيون .. ولست أبكي الشوارع التي كانت لمشاوير العشاق و"لقاء الكف بالكف" فصارت معارض للجثث الممزقة .. ولست أحزن على المقاهي التي آنستها طويلا ضحكات الأصحاب وطقطقة أحجار النرد وغرغرة الأراكيل المنفعلة والتي صارت اليوم قطعا من قندهار وكهوف تورا بورا ..
مايحزنني هو أن كل معارضة العرب لم تكن معارضة وطنية عندما أغوت شعوبها بالكذب وساقتها الى دخول الزرائب الثورية والمهالك والحروب منذ العراق وحتى اليوم في مصر وأقنعتها أن الذئبة الأمريكية وضعت مولودا حملا اسمه الربيع العربي وانها ترضعه الحرية .. فياسبحان الله .. متى كانت الذئبة تضع حملا؟؟ ..هل تلد الذئبة الا ذئبا ؟؟ !! ..وهل تلد ذئاب الناتو مشروعا وطنيا عربيا اسلاميا ديمقراطيا؟ ؟ وهل تأكل الذئاب الذئاب؟
كم صارت متابعة الثوار العرب والقراءة في بيانات ثوار العرب ومعارضاتهم وصحفهم ومواقعهم الالكترونية عموما وأقلامهم أشبه بحقن الهيرويين وتعاطي الأفيون والحشيش .. بل لايشبه النوم في سرير ثقافة الربيع العربي الا النوم في سرير الرذيلة ثم الاغتسال بالطين والمستنقعات .. وشرب ماء الطمي والوحل .. ولم تعد القراءة في زمن الثوار الجدد الا وسيلة للتعرق الشديد .. ولا تفوح من كتاباتهم وبياناتهم ومؤتمراتهم الا رائحة أقدام الأمراء الصحراويين .. وآباط الأميرات الصحراويات المليئة بالديدان .. ولاينتابني الا شعور بالحاجة الى الاستحمام والوضوء بعد امساكي لصحيفة عربية أو منشورات العربان الثوريين من المحيط الى الخليج .. وحتى الاستماع لحديث الثورات ورجالاتها .. لأنها احاديث مبللة ببول العرب والأتراك والاسرائيليين وكل من يتبول على ثقافة الثورات الانسانية ..
كم يحاصرنا هذا الزمن .. زمن الزرائب الثورية .. وكم نحن بحاجة الى زمن طاهر آخر نعيش فيه .. وكم نحن بحاجة الى مظلة تقينيا هذا المطر الأصفر .. وأن نعود الى حقول الحبق وشواطئ العطر .. ومقالات اللهب الثوري الأزرق ..زمن تشي غيفارا..
فاستريحوا من عبء ثوار العرب وضجيجهم عند هذه الأغنية .. عن الثائر تشي غيفارا.. قد لانفهم الكلمات لكننا حتما سنحس المعاني ونشمّها ونحسها كاللهب الأزرق.
الأسد مابعد الأسد.. زفاف أردوغان على مرسي ..والمأذون خالد مشعل
(الثلاثاء) 02/10/2012
كانت هناك عبارة دخلت قواميس السياسة الشرق اوسطية منذ أن شمر الملوك العرب عن سواعدهم لتحرير فلسطين منذ عشرات السنين .. عبارة كنا نسمعها كل يوم عشرات المرات ..وهذه العبارة الشهيرة هي: "التقى فلان بفلان لمناقشة نزاع الشرق الأوسط ومستجدات القضية الفلسطينية" .. وقد تحولت العبارة الى ديكور بروتوكولي ضروري لأي لقاء ومقدمة لازمة لأي بيان صحفي .. ومع الزمن صار لايصح سماع أي بيان ختامي ان غابت هذه العبارة المقدسة رغم أنه ليست لها أي قيمة سياسية .. وفي الواقع قلما ناقشت كواليس الزعماء العرب قضايا فلسطين وشجونها بل ناقشت النأي عنها والتخلص منها سرا ووساومت على أثمان كل بلدة وقرية بيعت شبرا شبرا .. وهذه العبارة المخادعة التي كانت تستعمل غطاء مطهّرا ومحلولا كالكحول للقاءات الفاشلة أو للقاءات التي لاتمتّ اليها بصلة (بل وللتآمر على فلسطين) كانت تسبق أي لقاء سياسي لتغطيه بستائر الطهارة والشرف .. ومن خلف الستائر كانت تجري حفلات الزنا الجماعي بالأمة العربية وبفلسطين..في كل مرة كانت هذه العبارة تقال نكتشف بعد عقود في مذكرات الأوروبيين واعترافاتهم أن اللقاء كان لقاء للمؤامرة أو للثرثرة وشرب القهوة .. وكان الزعماء العرب يقولون عن لقاءاتهم التي تكون للحديث عن النساء في السويد وفرنسا ومشاكل التقدم في العمر بأنها ناقشت "قضية الشرق الأوسط وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وتطبيق قرارات الشرعية الدولية" .. وكل لقاءات الملك عبد الله الثاني وأبيه من هذا النوع من اللقاءات كما صرنا نعرف من خلال مذكرات الاوروبيين والامريكيين وتسريبات ويكيليكس..
أما من تفنن في هذا النوع من التقية السياسية والنفاق فكان ملوك وأمراء الخليج وبلاد الحجاز (المستعمرات الأنكلوساكسونية حاليا) ..فحتى سباق الهجن كان لايكتمل الا بأن يبحث على هامشه مستجدات القضية الفلسطينية!! .. وبلغت الوقاحة ذروة الذرى عندما كان أمير قطر يلتقي تسيبي ليفني أو شيمون بيريز ويلقي ديوانه الأميري ستارة الشرف على اللقاء ويصدر بيانا يقول فيه: "ان اللقاء جرى فيه بحث تطورات القضية الفلسطينية كما جرى بحث الصراع العربي الاسرائيلي على العموم وطرق حل القضية الفلسطينية على اساس قرارات الشرعية الدولية" .. حتى مع تسيبي ليفني تدثرت الوقاحة بالقضية الفلسطينية!! ..
لكن هذا الديكور البروتوكولي انطوى الآن وترجلت العبارة الخالدة عن صهوة النشرات والتقارير الرسمية ولقاءات الزناة .. لتحل محلها على نفس الصهوة عبارة تقوم بنفس وظيفتها الطهورية والقاء الستائروالمسح بالكحول .. والعبارة الجديدة هي: "التقى فلان بفلان لمناقشة مرحلة مابعد الرئيس الأسد !! ".. وكأن نتيجة الصراع على سورية صارت يقينية وأن الصراع انتهى نهائيا دون نقاش..وأن الشقفة وطيفور يحزمان حقائبهما للوصول الى مطار دمشق مظفرين ..فيما وصل الأسد الى أحد المنافي من دون حقائبه!!..
لايوجد اجتماع بين اثنين في العالم هذه الأيام الا ويقول بيان اللقاء بأن الاجتماع مخصص لمناقشة الأزمة السورية و"مرحلة مابعد الأسد" .. حتى سهرات عقاب صقر الماجنة وحفلاته القاصفة الباريسية تتغطى بهذه العبارة التي تمنح غطاء الشرف والعمل الشاق لأي لقاء ..
لقد صار كل الجواسيس العرب الذين تطهروا بالدم المنساب من قلب فلسطين يتطهرون الآن باسم الأزمة السورية ويتوضؤون باسم الرئيس الأسد ومراحله .. فمناقشة مرحلة مابعد الأسد صارت عبارة مقدسة وكل من يتدثر بها يعفي نفسه من المساءلة وينال البراءة الجماهيرية وينال الثقة .. لأنه بها يصير بطلا ويعمل لخير الأمة .. حتى لو كان فيلم براءة المسلمين الذي غطاه الثورجيون العرب والمسلمون (كما توقعنا) بندوات عن مرحلة مابعد الأسد .. وبحفلات زفاف حزب العدالة والتنمية والاخوان المسلمين ولياليها الملاح في استانبول مؤخرا..
كل شيء بانتظار هذا الأسد كي يرحل وبانتظار مرحلة مابعده .. ومرحلة مابعد الأسد التي أضحت تشبه العقائد البوذية صارت مثل النيرفانا السياسية ولها قوة "الساتياغراها" في بيانات السياسيين .. الكل يبحث مرحلة مابعد الأسد .. من الانتخابات الامريكية الى أسعار النفط الى مهمات ناسا في المريخ الى لقاءات الفنانين وتخريج ضباط الشرطة في كوالامبور.. ومن وزارات الخارجية الغربية الى الدواوين الأميرية ..ومع هذا لم تأت هذه المرحلة التي ينتظرها العربان بفارغ الصبر ولم تصل..
ولكن ماذا يناقش المجتمعون هذه الأيام وهم يحملون تلك المظلة التي عليها (مرحلة مابعد الأسد) للتضليل وذر الرماد في العيون؟؟
مامن شك أن كل اللقاءات التي تغطيها بيانات اللقاءات والزيارات وتقارير الوكالات بهذه العبارة لاتناقش الآن أبدا هذه النقطة بالذات ..وهذا ليس من عندي ولا من تسريبات ويكيليكس بل من استقراء الواقع واعمال المنطق وبعض محاضر اللقاءات التي تتسرب من هنا وهناك.. وبامكانكم انتظار ويكيليكس وسترون أنني على حق وبأن مانعرفه عن العرب وسادتهم في الغرب لاتعرفه ويكيليكس الا بعد أن يصبح قديما عندنا ..
بالطبع هذه العبارة المكررة اعلاميا (مرحلة مابعد الأسد) هي في نطاق الحرب النفسية وايصال الجمهور عبر تكرار العبارة الى الاقتناع التام بأن القادم هو مرحلة مابعد الأسد حتما وأن التسليم بهذه القضية صار بدهية وضرورة ولافائدة من الاستمرار في المناكفة والعناد ..فالرئيس الأسد خرج من المعادلات الباقية للعالم بدليل أن اللقاءات كلها تناقش مابعده .بنوع من التسليم بهذا القدر .. ووجوده الآن صار مسألة ثانوية ..فلم يعد الحديث عن بقائه أو رحيله لأن هذا الأمر انتهى ونحن في طور مابعده !!..
من نافلة القول أن استعمال هذه العبارة صار يستعمل مجازا أيضا مثل الموضة لاضافة أبّهة وأهمية قصوى على الاجتماعات والمجتمعين مهما بلغت تفاهتهم .. وهناك مسؤولون وحكام عرب لايد لهم في قرارات حتى داخل قصورهم ودواوينهم لكنهم صاروا يتشدقون بهذه العبارة في أية مقابلة ومؤتمر لأنها تعطي انطباعا بأهميتهم القصوى وأنهم يساهمون في صناعة التاريخ والجغرافيا .. وهذه العبارة ترخي قدرا من الاجلال الكبير على طبيعة شخصياتهم باللجوء الى التعلق برداء الأزمة السورية وباسم الرئيس الأسد ..كأحد التحديات الكبرى في علم السياسة الدولية ومهاراته وبهلوانياته..
وكل الراغبين بالدخول الى عالم الشهرة السياسية يتلحفون بهذه العبارة وشراشفها.. ويحرصون على الظهور الى جانب اسم الرئيس الأسد بعنوان (مناقشة مرحلة مابعد الأسد) والا كان ظهورهم السياسي باهتا بلا طعم بطولي ومغامراتي وجهادي وجيمسبوندي .. وكل المنبوذين سياسيا يتسلقون الآن على جدران هذه العبارة العملاقة التي ينتظرها العالم كما ينتظر مولودا بعد حمل دام 18 شهرا وبلا مخاض حتى الآن .. وكل الفاشلين في سياساتهم الداخلية وبرامجهم الانتخابية أو حملاتهم الانتخابية يتعلقون بأستار هذه العبارة كمنقذ لهم .. كما أن اسم الرئيس الأسد صار الخبز الذي يطعم جياع الصحفيين وجياع المثقفين الذين يكتبون الأطروحات والمطولات عن مابعد مرحلته ... ولكن الأسد لم يرحل بل رحلت مرحلة مابعد الأسد عن كل اللقاءات الدولية والمحادثات الواقعية ..
سأقول لمن ينتظر تحقق الجزء الثاني من العبارة (مابعد الرئيس الأسد) بأن اللقاءات الجادة كلها في العالم ومحاضر جلسات اللقاءات الكبرى لاتقدر على البحث عن مرحلة مابعد الأسد دون أن يكون هناك طريق واضح لرحيل الاسد .. ولايستطيع رجل واحد في العالم أن يقول أنه يعرف كيف يدلنا على موعد رحيله ولاطريقة رحيله .. لقد اجتمع دهاة الانس والجان في العالم ولم يقدروا أن يزحزحوا هذا الرجل ميليمترا واحدا .. واجتمع عتاولة مجلس الأمن وعتاة الخيانة العرب وأثرياؤهم ولم يتحرك الرجل ليسير نحو (مابعد مرحلته) .. واجتمع اسلاميو العالم وتحشدت كل الفتاوى المذهبية ولم تقدر كل الصلوات والأدعية أن تجعلهم يصلّون في الجامع الأموي، من أردوغان الى محمد مرسي ورهط الاخوان والوهابية .. كلهم في حيص بيص وحيرة مابعدها حيرة..
وربما ليس مفاجأة ان قلنا ان مرحلة مابعد الأسد مقررة سلفا وموضوعة سلفا ولاتحتاج أي نقاش ولاتعديل من قبل المخططين الرئيسيين ..ولاتحتاج اجتماعات على الاطلاق .. وهي معروفة وواضحة كالشمس فمرحلة مابعد الاسد التي وضعت منذ سنوات هي التي نعرفها وهي تعني تقسيم سورية بالحروب الدينية واقتسامها بين تركيا والغرب .. مرحلة مابعد الأسد التي وضعت تفاصيلها منذ ماقبل الربيع العربي نعرفها تمام المعرفة .. وهي مرحلة انهاء سورية الدولة والمجتمع ومرحلة سايكس بيكو الثانية وتقسيمها الى دويلات قزمة .. وهي مرحلة تدمير وحلّ الجيش الوطني لسورية وتحويله الى فرق شرطة أقوى مالديها هو سيارات بيك آب ومدافع دوشكا رمز الفوضى المطلقة .. وسيتم في مرحلة مابعد الأسد اقتلاع أسنان الصواريخ السورية التي كانت ستعض اسرائيل في أية مواجهة مقبلة .. وأما المدرعات السورية فسيتم بيعها خردة مثل أسلحة العراق في مرحلة مابعد صدام حسين ومثل دبابات صدام حسين العزيزة على قلبه التي حاصرت يوما دبابات نورمان شوارزكوف في معركة الكويت الشهيرة والتي تم صهرها كقطع الخردة في مرحلة تحرير العراق وبعد صدام حسين!! .. وسيكون مصير السلاح السوري وذخائره مثل سلاح الجيش الليبي الذي هو ثروة ليبية وليس مجوهرات للقذافي ولاسيارات لأبنائه وعائلته لكنها الآن توزع على ميليشيا العالم مجانا لتبقى ليبيا من غير جيش وطني وبلاسلاح ثقيل وطني وتحت حكم الميليشيا وبنادق الاسلاميين ومجانين الدوشكا ..ومجموعة شركات أمنية..
ان مرحلة مابعد الأسد هي بامتياز مرحلة انكفاء الاستقلال الوطني الذي كان فخر السوريين وهم أصحاب أول استقلال عن الاستعمار بين العرب .. انها مرحلة عودة الاستعمار الحديث الى آخر البلدان العربية المستقلة ضمن صيغ اللعب الديمقراطية التي ستعمم نموذج لبنان وحكم عائلات السياسة والزعامات والبيكات وحكم الطوائف ومال آل سعود وآل خليفة وتلد بلادا لاتستحق الا أن تكون كازينو السياسة حيث المقامرون والباعة والبحارة الثملون وبائعات الهوى السياسي والقراصنة .. وفيها نماذج مثل وليد جنبلاط الذي يغير عهوده ومواثيق شرفه وثيابه وحلفاءه وأحذيته بنفس الطريقة ..لافرق بين الوعد والشرف والعهد والميثاق وبين الحذاء ..والجوارب..كلمته في حذائه ..وعهوده التي يتعهد بها هي أربطة في حذائه ..
مرحلة مابعد الاسد السورية تعني وجود سياسيين في سورية مثل القس الطيب سمير جعجع .. كقاتل دولي بالأجرة وقاطع طريق ومجرم حرب.. ونسخة مسيحية رديئة تكفيرية عن طالبان أفغانستان .. وتعني مرحلة مابعد الأسد وجود صبيان السياسة المدللون مثل سعدو الحريري لم يجد دم أبيه بعد لكنه غسل شوارع الشرق الأوسط بدم أبيه .. ومسح أحذية الساسة في العالم بجلد أبيه ..
ولمن يريد أن يعرف ماذا يبحث ساسة العالم اليوم فهو ببساطة ليس مرحلة مابعد الأسد .. ووزير الخارجية السوري وليد المعلم قالها بديبلوماسيته عندما وصف انتظار ذلك بانتظار الواهمين .. وللمزيد من الايضاح فان محادثات الساسة الكبار الآن لم تعد تبحث في مرحلة مابعد الأسد .. وهذا ليس لأننا منحازون للرئيس الأسد بل لأننا نعرف أن السياسة الذكية هي التي تقفز فوق المراحل عندما تتلكأ احدى المراحل .. ولم يعجبني توصيف كما أعجبني رأي ديبلوماسي غربي سابق يعكف على كتابة مذكراته عندما كان سفيرا في احدى بلدان الشرق الأوسط اذ نقل لي صديق مشترك عنه أنه قال بالحرف: الغرب لم يعد يمكنه أن يبحث عن مرحلة مابعد الأسد .. بل الأصح أنه يبحث في مرحلة "الأسد مابعد مرحلة الأسد" !! .. فالأسد بعد الربيع ليس كما الأسد قبل الربيع .. مرحلة مابعد الأسد ربما هي مرحلة "أسد المرحلة" ..
لانقول هذا الكلام تعصبا ولاتماهيا ولا تضليلا .. لكن نقول الحقيقة التي لم يعد من المستحسن طمسها كما يفعل اعلام العرب الذي يفقأ العيون ويخيط الشفاه .. لقد صار اسم الرئيس الأسد في ضمير الدنيا كلها مساويا لأهم نزاع في الشرق الاوسط .. وحل محل فلسطين كلها في اهتمامات العالم وفي لقاءات الساسة .. وصار اسمه كالنار التي يتطهر فيها البوذيون العرب .. وتنحّت فلسطين كلها له ليجلس في مكانها في أي اجتماع بين رؤساء وأمراء وملوك العرب والعجم وصار الشغل الشاغل وحلم ازاحته عن الساحة الدولية أصعب بكثير من مناقشة مابعد مرحلته؟؟
وبالأمس رأينا مثالا واضحا على أن تلميع اللقاءات والمؤتمرات الحزبية لحزب العدالة والتنمية لم يكتف باعلان زواج أردوغان من محمد مرسي على يد المأذون خالد مشعل بمهر قدره مليارا دولار .. ولم يكن لحفل الزفاف التركي المصري و"ليلة الدخلة" نكهة دون الحديث عن الرئيس الاسد ومرحلة اسقاطه ولم تفض بكارة العروس الا بعد أن شرب العريس مقويات "من الأزمة السورية".. وتبارى العروسان كالسكارى في اظهار العزم على ايصال الكون الى مرحلة مابعد الأسد .. وبذلك انتهت الحفلة وتم توزيع الملبس على شكل تعهدات ووعود .. كل حبة ملبس فيها وعد عن مرحلة مابعد الأسد ..فانتظروا تسعة أشهر المولود الذي سيضعه عرس الأمس وزفاف القرن الواحد والعشرين الذي لم يبزه زواج ديانا وتشارلز .. انه زواج روميو وجولييت المسلمين على سنة الله ورسوله..
كما ان الهالة التي صارت تحيط باسم الأسد صارت واسعة بسبب اتساع المؤامرة الكونية على بلاده ومن تمكنه مع شعبه من ايقاف عجلة الزمن في سورية قبل أن يطحن الزمن هذه البلاد في طواحينه .. ان التعلق بمناقشة مرحلة مابعد الرئيس الأسد تحت أي عنوان صار المنقذ للسياسيين الهابطين هبوطا اضطراريا والذين يطيرون طيرانا شراعيا في السياسة حسب الرياح والطقس .. وقد يتحطمون مالم يتعلقوا بعاصفة الرئيس الأسد وثيابه واسم بلاده .. ومالم يتعلقوا بهذا الاعصار السوري الذي يقتلع الربيع وأشجاره السياسية ..من على حدود الشام..
وهذا يذكرني ببيت شعر لعنترة العبسي اذ يقول:
ولو أرسلت رمحي مع جبان ---- لكان بهيبتي يلقى السباعا
ليصير في زمن يتعلق الجميع باسم الرئيس الأسد لاكتساب المجد السياسي وشجاعة التصريح ليقول الرئيس الأسد:
ولو أرسلت اسمي مع جبان ---- لكان بهيبتي يلقى السباعا
وعلى كل حال .. أنا أحب في تاريخ السياسة طريقته المريرة والقاسية والصاعقة في الرد على المستهترين بعلم السياسة وعلم التاريخ والذين ينتشون بالتصفيق .. ويرقصون بلامبالاة في كل الحفلات .. ولن أدخل مثل الجميع في التبشير الهزلي بالمراحل لكني أرى مرحلتين قادمتين حتما الى الشرق .. واحدة في تركيا وواحدة في السعودية..لأن الاستهتار بعلم السياسة يثير غضبه وسخطه وانتقامه المرير.. وبمعنى آخر يقول علم السياسة للواهمين بالمراحل:
أبا وهم فلا تعجل علينا ------ وأنظرنا نخبّرك اليقينا
العروس السورية والعرسان وعيون لاتتعب .. ورائحة كريهة من فم رويترز
14 تشرين اول 2012
تروي الحكايات القديمة عن أميرة فائقة الجمال اشترطت على المتقدمين من الزواج بها أن يدخلوا في منافسة لسرد أكذب حكاية تداولها البشر على الاطلاق .. أي على العريس أن يروي قصة ليس فيها حرف واحد صادق وليس فيها الا الكذب المملح .. وتكون كلماتها “مخللة” بالخيال الجامح .. وستفوز القصة الأكثر كذبا بقلب الأميرة الحسناء لأن العريس الذي يقدر على نسج الخيال والكذب قادر على معرفة الصدق الصافي .. وسيكون الرجل الأكذب على الاطلاق هو العريس الذي سيدخل القصر ويتربع على عرش الامارة .. ويصبح أميرا..أما الخاسرون فتصادر أموالهم ويرمى بهم خارج المدينة..
وتدافع العرسان والعشاق على بوابات القصر فما أسهل أن يروي الناس الكذب وخاصة المتقدمون لخطبة امرأة جميلة حسناء تهواها قلوب الرجال على الأرض .. فالشباب يجيدون الكذب في الحب كما يقال .. بل ربما لايجيدون غيره عندما يغير الحب على قلوبهم للايقاع بقلوب العذارى..
ولكن في المسابقة التي أعلنتها الأميرة كلما كان هناك عريس كذاب تبين أن هناك من هو أكذب منه فيخرج من المسابقة ملوما محسورا.. وتزايد المتسابقون الكذابون وفي كل يوم يظهر كذاب أكذب من غيره ..ولاتزال الأميرة بانتظار عريسها حتى هذه اللحظة فالكذب البشري نهر يتدفق بلاتوقف كما كان يفيض نهر النيل..الذي أوقف فيضانه سد جمال عبد الناصر العالي .. الى أن جاء محمد مرسي وأنشأ السد الكاذب العالي وهو أكبر من السد العالي بكل المقاييس..
حسب علمي دخل الى المنافسة في العامين الأخيرين رهط من العرسان والعشاق لرواية الأكاذيب الأقوى في التاريخ .. فقد تقدم الى خطبة الأميرة الشيخ يوسف القرضاوي وسبق الجميع ليكون العريس فهو دوما الأسرع والأعجل الى البر بالنساء والحسناوات والصغيرات ..وقد روى لها الشيخ عن ايمانه العميق بالله..وعن حبه لأمة الاسلام وحرصه على دمهم وأموالهم وأعراضهم ..وعن زهده في الدنيا وعزوفه عن هذه الفانية .. حتى أنه قال لأمير قطر قولا غليظا أكثر من مئة مرة لأن الأمير مزواج مطلاق ولحم بطنه من نار جهنم التي تغلي في أحشائه .. وروى لها القرضاوي كيف أنه دفع بأبنائه للاستشهاد بين شباب المسلمين في العمل الجهادي (في السفارات) .. وكيف أنه لايحب النساء (الا الأميرات منهن)وأنه لايستعمل حبوب الفياغرا أبدا لأن الله بارك له في عزمه !! وشد من عوده وصلبه !! ..
حديث من تحف الأكاذيب القرضاوية ..نال اعجاب لجنة التحكيم..وصفق له الحضور..
لكن منافسا آخر اسمه عزمي بشارة روى مايرى أنه القصة الأكذب في التاريخ البشري فقد حكى عزمي للأميرة عن نضاله من أجل الشعب الفلسطيني وكيف انه صار عضو كنيست اسرائيليا من أجل عيون القضية الفلسطينية ..وكيف أنه لم يقم بتمثيلية الفرار الى قطر .. وكيف أنه يحب الشعوب العربية ولايحب الاقتتال ولاالتحريض وليس له ذنب في الدم المراق في ربيع العرب وأنه يبكي على فلسطين التي نسيها العرب ..وانه يعيش حياة متقشفة لايأكل فيها سوى الزعتر الفلسطيني حتى ضمر بطنه.. وروى لها كيف جاء الى درعا ونصح الثورجيين بالتعقل ومداراة سورية وأنه توجه الى قصر الشعب صادقا ليفتح قلبه لاصدقائه السوريين الذين لم يكرموه يوما !! .. وحدثها أنه دعا ملايين المرات للتعقل والحفاظ على الشرق وعلى سورية من الدمار .. وكيف طار الى استانبول ليوبخ المجلس الوطني السوري لأنه يتسرع في رفض الحوار..كما روى لها عن حبه للنضال واحتقاره الفكر الذي يشرب من بئر آل سعود الصحراوي .. وكيف أن ماتلقاه من علم الانسانية والحرية والفلسفة البشرية في قطر يفوق ماقرأه عن كل فلسفات عصر التنوير الاوروبية..وأن آل ثاني سيدخلون من نفس بوابة كارل ماركس ..وتشي غيفارا ..
ولكن منافسا عتيدا هو رجب طيب أردوغان ارتفع صوته فوق كل الأصوات وروى للأميرة ماهو أكذب من كل الاكاذيب فهو سلطان المسلمين جميعا وهو الوفي المخلص والصديق وأنه شجاع وحليم .. وهو من يريد حماية السوريين وأن يظلهم بظله يوم لاظل الا ظله .. وأنه هو الذي يفقد صبره دوما من وجود الناتو وراداراته على أرض أجداده السلاجقة .. فقام بطرد الناتو من تركيا وأعاد الحرف القرآني الى اللغة التركية ليقرأ المسلمون الأتراك القرآن كما اعتادوا .. وروى لها دامعا كيف غدر به صديقه الرئيس السوري وطعنه في ظهره وتآمر عليه وعلى أخويه أوغلو وغول.. وعلى حزب العدالة والتنمية الذي رفض رفع سوية العلاقات مع اسرائيل .. وكيف أن صديقه الرئيس السوري أراد ربط البحار الخمسة لمحاصرة تركيا ..وقام بتهريب السلاح عبر طائراته المدنية لقتل الأتراك ..
وتلا أردوغان تلميذه الكذاب الأكبر خالد مشعل ورهط حماس .. الذي أقسم بالسم الذي صبه الموساد في أذنيه أنه مناضل ابن مناضل ..وأنه حر لايعرف الغدر والنذالة .. وأنه لم يضع في مزرعته في دمشق سلاحا لتقويض أمن الذين آووه .. وأقسم المشعل أنه رأى بأم عينيه الأقصى في شوارع استانبول وليس في القدس .. وأنه لن يحرر القدس الا حارس قاعدة العيديد أو حليف الناتو أردوغان الذي مد حماس بالصواريخ والذخيرة التي تفجرت في حلب وهي في طريقها الى غزة.. وأن غزة تحررت وعادت الى مصر وأن اسرائيل محاصرة بالاسلاميين الذين يدكون مدنها .. وأن الاسرائيليين يستعملون الأنفاق ليحصلوا على المال والسلاح من سورية!! وان نتننياهو صار مليونيرا من تجارة الأنفاق ..!! .. وأضاف المشعل أن طائرة الاستطلاع “أيوب” لم يرسلها حسن نصر الله بل الجيش الحر وعبد الرزاق طلاس الذي كان يوجهها عبر السكايب بعد ترقيته الى قائد فيلق سيفلق اسرائيل فلقا ويعريها من ثيابها الرادارية كما فلق ميديا الداغستاني وعراها من ثيابها …
صفق الحضور طويلا للمشعل ووقفوا له كما وقف الكونغرس الأمريكي لخطاب نتنياهو 37 مرة..
ولم يتردد الغنوشي بالتقدم باعتباره سيدا من سادة الأكاذيب وقد أحضر معه شريطا مسجلا يؤكد نفاقه وأن أكذب الاسلاميين وأن كل شعرة في لحيته البيضاء كاذبة .. ففي الشريط كان ينصح السلفيين بالتريث لخداع الناس كما فعل هو كملك متوّج للكذب والرياء ..وبالطبع لن يغفل الغنوشي في مسابقة الكذب أن يقول انه طار الى ايباك ليوبخ أصدقاء اسرائيل لأنهم لايدعمون الثورة التونسية .. وقد حلف الغنوشي بقضبان السجن الذي كان فيه في قطر أنه بكى عندما رأى شواطئ تونس يسرح فيها البكيني .. وبالطبع فقد أكد وصيفه الأبله المرزوقي ذلك وهز رأسه موافقا عشرات المرات .. ولكن الأبله المرزوقي لن يتقدم لخطبة الاميرة لأنه لايقدر على الزواج بعد اخصائه في قطر .. علاوة على أنه لايقدر على عصيان أوامر سيده حمد بن خليفة الفارس المقدام والذكي الهمام الذي يريد ضم الاميرة الى حريمه ..
وبالطبع كان من بين المتسابقين كل آل خليفة وعلى رأسهم الأمير حمد بن خليفة الذي وقف خلفه حمد بن جبر يهمس في اذنه مايجب قوله ..فقال لها الأمير بصوت بدا عليه التأثر: انني غزال هذا الشرق الرشيق.. وأنا ابو الأحرار وأبو الفلاسفة .. وكل مالي حلال في حلال ولم أقتل في حياتي ذبابة .. بارّ بوالدي ولاأقول لهما أف ولم أخلع أبي عن عرشه .. مخلص ودود واشتري الصواريخ والقذائف للشعب الفلسطيني ليتحرر .. وأنفق مئات المليارات لخدمة جهاد المسلمين ضد الغرب .. وقد أثرت جامعة الدول العربية مئات المرات لعقد اجتماع لدعم نضال الفلسطينيين وأعطيت مهلة تلو المهلة للاسرائيليين بالساعات فقط ليوقفوا قتل الفلسطينيين ..وأنا أيتها الأميرة الجليلة ياجميلة الجميلات تختصرينني في بيت الشعر الذي يقول:
اقدام عمرو في سماحة حاتم —— في حلم أحنف في ذكاء اياس
وقد علا الهرج والمرج في قاعة القصر الذي احتشد فيه الاخوان المسلمون والرئيس المصري محمد مرسي الذي جلب معه قصصا عن أنه خدم مصر 28 عاما من أميريكا وأنه لم يعقد صفقة معها ولم يتعهد بأمن اسرائيل وأنه يفكر ليل نهار في الغاء معاهدة السلام مع اسرائيل لينطلق الجهاد نحو اسرائيل وليس سورية .. وأن أولاده رموا بالجنسية الامريكية في مياه النيل لأنه لايجوز لأبناء الرئيس أن ينتموا الا للنيل والهرم ..
وكان رياض الشقفة حاضرا ويهز رأسه موافقا وقد عرف أن الشقفة سيروي للأميرة أغرب الأكاذيب من أنه سيقصم ظهر العمود الفقري لاسرائيل ولأمريكا وأنه سيبني جبهة اسلامية موحدة من استانبول الى دمشق من أجل عيون الأقصى وأن كل أمانيه قبل أن يموت هي أن يبني نفقا من المسجد الأموي الى الأقصى ليصلي فيه بدل الانفاق التي يبنيها ثواره تحت المشافي السورية لنسفها ..
وقد ظهر بين الجمع الملك عبد الله الثاني وقصصه عن أنه ليس ابنا ليهودية وليس جده من باع القدس بل الحاج أمين الحسيني وأنه لم يتآمر على العراق وسورية .. وان جيمي كارتر اكتشف أن المستر بيف هو جمال عبد الناصر وليس الملك حسين .. وأن حافظ الأسد هو الذي طار ليخبر اسرائيل عن موعد حرب 1973 ..
أما ما فاجأ الجميع فهو ظهور الملك السعودي الذي دخل على كرسي متحرك وعلى يمينه خادمه الغلام سعدو الحريري الذي حمل له محفة الاسعاف في حال انتقاله المتوقع في أية لحظة للالتحاق بالرفيق الأعلى .. ووقف على شماله النائب عقاب صقر الذي كان يهمس للملك ويؤكد له أنه سيفوز لأن لديه أكذب القصص على الاطلاق “فالملك هو الرجل وليس نصف الرجل” وهو كل الرجال وليس أشباه الرجال .. وهو البطل الهمام والشاب وفي قلبه ينمو عشرون ربيعا أخضر ..وهو خادم الحرمين الشريفين وقد أمضى عمره في البحث عن اراحة الحرمين بتحرير ثالثهما الاقصى ..وهو الذي أنفق كل ثروات بلاده على فقراء المسلمين وعلى الكفاح ضد الامبريالية وضد اسرائيل .. وهو الذي ذهب الى أفغانستان ليجمع الشباب المضللين ليحاربوا في فلسطين وليحرروا أرض محمد من الاحتلال الأمريكي .. وهو الذي يريد الصلاة في المسجد الأقصى ..وهو الذي لايسمح بالفتاوى القاتلة للمسلمين ولايحل دم المسلمين ..
كان كل من لديه قصص موغلة في الكذب القبيح يحكيها آملا أن تكون الأكذب في التاريخ البشري .. وقد شوهد الشيخ العرعور الذي عبر عن رغبته في أن يخطب (الأمير) بدل الأميرة!! .. وقد أحضر معه قصصا غريبة عن أنه لايقتل وأنه يحب كل المسلمين وأن لحيته تخضل بدمع السعادة عندما يصافح اخوانه الشيعة ويساعد المسيحيين والعلويين ..وأنه يكره اللون الأحمر ورائحة الدم والفرامات ومقصات الألسن .. وأنه يتمثل السيرة النبوية بالجنوح الى السلم وبصلح الحديبية .. وأنه يقول بتقريب المذاهب ولايمانع ان يقيم المسيحيون صلواتهم في المساجد وأن يقيم المسلمون صلواتهم في الكنائس .. وأنه في فضائيته يدعو الى الجهاد في فلسطين ويدعو بالهلاك على الصهاينة ..
بالطبع تنطع عمرو خالد وقساوسة الافتاء السعوديون وانطلقوا يروون أغرب الأكاذيب عن حبهم للجهاد ضد الغرب والصهاينة وأن كل برامجهم التلفزيونية تبث الرحمة بين الناس وتدعو للصلح ومقاطعة من أهان النبي وزوجاته في الرسوم والأفلام .. وتدعو للوحدة من أجل فلسطين حتى اهتزت المؤسسات العسكرية في الغرب من دعاء هؤلاء المشايخ وتشققت سقوف وزارات الدفاع في أوروبة من هدير المؤمنين وهم يرددون خلفهم .. آااااااامييييييييين..
والغريب أن الرئيس أوباما ظهر فجأة وقد رفض الادلاء بأي تصريح لكن المتحدث باسمه قال ان لدى الرئيس أكذب القصص وهي قصة قصيرة لايمكن التطرق الى كل تفاصيلها لكنها تتحدث عن الحرية والديمقراطية وتنتهي بأكذب القول وهو: ان أيام الرئيس السوري معدودة .. وقد حان وقت رحيله !!
كان الكذابون يتدافعون وكان أكثر الكذب الذي رفعت الاميرة حواجبها دهشة لمتانته هو عريس اسمه الربيع العربي .. وقد جاء مخفورا بثرثاري الجزيرة وثرثاراتها .. وعلى رأسهم الكذاب المنافق محمد كريشان الذي أحضر معه فقط مقالة نشرها منذ أيام بعنوان “أيها الاسد متى ترحل؟” .. وقد اعتبرها النقاد ولجنة التحكيم من أكذب ماكتبه الضمير البشري ..وقد شوهد معه فيصل القاسم الذي أجمع المراقبون والنقاد على أنه أحد المرشحين الأقوياء جدا لأنه سيحكي عن قصته في العودة لأداء الخدمة الالزامية في بلاده وعن رفضه للوساطات وعن دفعه لجميع اخوته للانضمام الى خدمة العلم كما كل السوريين .. وسيحكي عن أنه كان يزور سورية لتقريع رجال المخابرات على موائد العشاء التي كان يقلبها عليهم ولايتناول منها شيئا .. وسيقول انه رجل شريف قلبه على العرب والحرية ..وأنه لايقبض قرشا من أمير قطر .. ولايغريه الدولار ولايباع ولايشرى .. وأن برنامجه “الديك المعاكس” يتابعه فلاسفة العالم ليتعلموا منه ..بمن فيهم فرانسيس فوكوياما ..
أما ماقلب كل الموازين والتوقعات وبدا كأنه الفائز بجائزة السوبر ستار فقد كان شخصا لايتوقعه أحد .. غلب الجميع وتبوّء على عرش الأكاذيب المنحطة .. هذا الصغير اذهل الأميرة التي فتحت فمها .. وأذهل الجميع بحبكاته وأرغم كل الكذابين على الصمت وهو يتحدث كمن حطّ على رؤوسهم الطير .. نعم ظهر العريس الأفضل والأكذب .. انه مراسل لوكالة رويتر لاتزال قصته تتربع على عرش الكذب دون منافسة ..
فقد قال مراسل رويتر القصة التي رشحته للفوز الحتمي بقلب الأميرة .. لأنها أكذب الأكاذيب ومليئة بالمجهول والمجاهيل والظلام والماضي والمستقبل .. ولأن أكوام الكذب فيها تزيد في مساحتها على أكوام المزابل في القاهرة وتفوح من كل كلمة فيها رائحة الكذب المتخمر والمتعفن .. وتنطلق منها أبخرة وغازات المستنقعات النفطية وغاز الميتان .. الكذب فيها أدهش ابليس نفسه .. وجعل الشياطين تحس بالخجل أمام هذا المارد الكذاب.. وعملاق الاختلاق والافتراء .. حتى الجزيرة وأيمن عبد النور أصابتهما الغيرة والحسد لما تفتق من أكاذيب من رويترز ..
فماذا قال مراسل رويترز وماذا نقلت عنه وكالته في الشأن السوري؟؟ اسمحوا لي أن أقدم لكم أكذب قصة في تاريخ البشر…وهو مانشرته رويترز بالحرف.. وكل طالب في الصف الابتدائي سمع بقصة ليلى والذئب وعفاريت القصص سيغويه الاستماع الى قصص العفاريت الزرق التي تصرح لهذا المراسل دون أن نعرف واحدا منهم لأنها قصص للأطفال .. فاستمتعوا بهذه الرحلة ولاتفوّتوا حرفا واحدا فكل حرف مثقل ومحمّل بثمار ابليس .. وكل حرف تنبت منه شجرة كذب وكل جملة هي غابة من النفاق والأضاليل ..
لكن نصيحتي لكم وأنتم بين أكوام هذه المقالة بأن ترتدوا أقنعة الغاز والكمامات الواقية من السلاح الكيماوي لأن حجم الغازات الخانقة لايطاق وهو قاتل بدرجة كبيرة ..وارتدوا القفازات السميكة الطبية لأن حجم الوسخ والقذارة حارق لاذع للجلد ..حتى جلود الفيلة اكتوت بحرارة الغازات الكاذبة..
وقد اأوردت مقتطفات لما ورد في هذه المقالة وأترككم في جولة على أكذب القصص فاستمتعوا بما روته رويتر .. حرفا حرفا ..انها فرصة لاتفوّت للاطلاع على أم الأكاذيب والابداع في التلفيق ..حتى الفواصل والنقاط والسطور كذبت في مقالة رويترز .. وثقوا تماما بأنني لو لم أعرف ذلك لما تجشمت عناء الكتابة .. انني أؤكد لكم أنني أعلم علم اليقين أن كل ماورد في هذه الرواية هو عكس الحقيقة .. انها صورة بريشة ابليس .. لكن الفنان والرسام هو يد رويترز ..وهي أشقى من يد ابليس ..لأن الدهاء هو في خلط الكذب بالحقيقة كما فعلت رويترز فتظهر الخلطة من أكذب ماأنتجه العقل البشري من نفاق وتضليل ..
أما من أراد النجاة بنفسه وبقلبه وعقله فليقفز فوق السطور الرملية لمقال رويترز أو ليركب المنطاد وليتجاوز هذه السطور ويقرأ مايليها ..من رسالة الأميرة لعشاقها ..
رويترز”:
الأسد يتولى قيادة قواته بنفسه ولا يزال مقتنعًا أن بإمكانه النصر في خضم صراع متغير في سوريا
تبدو الصورة طبيعية على نحو خادع، وقد نشرت على صفحة الرئيس السوري بشار الأسد على فيسبوك، وتظهر فيها السيدة الأولى في سوريا أسماء الأسد، وهي ترتدي سروالا من الجينز وقميصا وتصطحب ابنتها وأولادها الثلاثة في أول أيام العام الدراسي الجديد. وارتدى أثنان من الأولاد في الصورة سراويل قصيرة من القماش المموه وقمصان باللون الكاكي وقبعات تماشيا مع أجواء حاكم تحت الحصار. لكن عندما أوصلت أسماء الابن الأكبر حافظ الذي سمي على اسم جده الحاكم القوي الراحل لسوريا إلى مدرسته لم يكن هناك سوى تلميذ واحد وصل إلى الفصل بسبب هجمات شنها المعارضون في دمشق في ذلك الصباح.
ولخصت صورة نشرت على موقع فيسبوك للأسد في الزي العسكري التحول الذي طرأ عليه منذ أن قتل هجوم بقنبلة في يوليو تموز القيادة الامنية لدائرته الداخلية بما في ذلك صهره ووزير دفاعه
ويقول أشخاص التقوا بالرئيس السوري حديثا إن الأسد (47 عاما) تولى القيادة اليومية للجيش وتحدثوا عن رئيس واثق بنفسه ومتأهب للقتال ومقتنع بأنه سينتصر في النهاية عبر الأساليب العسكرية
وقال سياسي لبناني يؤيد سورياوتربطه صلات وطيدة بالأسد “لم يعد رئيسا يعتمد على فريقه ويصدر أوامره عبر مساعديه. هذا تغير جذري في تفكير الأسد.. والآن هو مشارك في توجيه المعركة”.
وربما تكون نهاية اللعبة قد تغيرت أيضا في سوريا حيث قال السياسي اللبناني “لا يتحدث أحد الان عن سيطرة النظام على كل سوريا وإنما يتحدثون عن قدرة النظام على الاستمرار”.
وأضاف أن الناس كانوا يتساءلون حتى فترة قريبة عن المسؤول المقبل الذي سيعلن انشقاقه لكن مضى بعض الوقت ولم تحدث انشقاقات كبيرة في صفوف الجيش.
ويقول مراقبون أخرون للصراع عن كثب إنه إذا كان الأسد يعتقد أن بإمكانه الانتصار فإنه موهوم وقال دبلوماسي غربي “المشكلة هي أن النظام يعيش في عالم خاص به. من الواضح أن الناس يرفضون هذه الفكرة -أي رواية النظام لما يحدث- وهي أن النظام علماني يهاجمه متطرفون في معركة بين الخير والشر وأن بشار سيثبت يوما أنه على حق. بشار ليس ضحية. هو سبب العنف”.
وتحول الصراع إلى حرب اهلية شاملة تشهد مذابح وقتلا طائفيا بشكل شبه يومي وهو ما يقول بعض المراقبين انه يجعل مصير الاسد امرا غير ذي صلة تقريبا.
وقال مسؤول عربي “الجميع منومون مغناطيسيا بشكل ما بمسألة اذا كان بشار رئيسا ام لا واذا كان سيرحل أم لا… أخشى أن تكون المسألة أكبر من ذلك بكثير. المسألة هي معرفة اذا كانت سوريا ستعيش ام لا وكيف ستولد سوريا الجديدة”.
وقال الدبلوماسي الغربي “سيكون هناك سبب ما يؤدي إلى سقوط النظام. سقوط دمشق أو انقلاب في النظام أو أي شيء أخر. لا يمكنني توقع اي فتيل سيطلق العملية لكن النظام سيسقط.”
هل يصدق عاقل بعد التجربة السورية القوية ان أحدا لديه القدرة على هز عرش الشام أو تقرير مصيره الا أهل الشام؟ وهل يصدق الا المجانين أن السوريين ورئيسهم تعبوا من حماية عيون الشام وحلب من العمى الذي ينشره رمد الربيع العربي .. ؟؟ هل يصدق عاقل بعد قرابة عامين على صمود الأسد وتفكك المحاور حوله وانكفاء قطر ورحيل ساركوزي وترنح أردوغان وعثرات أوباما الأخيرة أن مايسمى بالثورة السورية لايزال لها أمل ..؟؟ وهل يعتقد عاقل أن الأسد وحلفاءه الذين فككوا الربيع العربي ومنظومة الناتو السرية من استانبول الى الدوحة ومن الكويت الى بنغازي ..يمكن أن يهزموا ؟؟ وهل يراود أحد شك أن محور روسيا -الصين – ايران – بليكس قد فعل مافعل ليدخل في الصفقات المتأخرة ؟ وأنه محور ليس قويا بما فيه الكفاية لابتلاع مجلس الأمن بكل أعضائه..؟؟
هل يصدق عاقل أن المقالة ليست مكتوبة في تل أبيب من قبل رجال المخابرات الاسرائيليين ..؟؟
على كل حال .. التحدي للفوز بقلب الاميرة لايزال مفتوحا لكنه ربما انتهى لأنه لم توجد قصة خرقاء أكثر من هذه القصة التي تقطر كذبا وتستحق ان يكون لها في متحف الكذب والخيال الشرير قاعة خاصة وأن يتم تحنيطها كي تبقى .. والتي اذا مر الصدق بجانب بيتها انتحر .. وحتى هذه اللحظة تتنافس هذه القصة مع قصص وأكاذيب الربيع العربي والثورة السورية .. لكن مراسلي رويتر سيفوزون دون أدنى شك ..
ستتربع هذه المقالة على عرش الصحافة المنافقة المفبركة دون منازع ولن تكون الجزيرة وتنسيقيات الثورة السورية وخطابات الاخوان المسلمين سوى وصيفات وخادمات
بقي أن أقول لكم ان تلك الاميرة الحسناء هي سورية التي استمعت الى كل الكذابين وقالت لأبنائها الملايين ال 23 انها أرادت بهذه المسابقة أن تخرج الكذابين الكبار من حجورهم ليرى السوريون والعرب وجوه الفئران في وضح النهار على حقيقتها وليشم الناس رائحة أنفاسها الكريهة وأن يتعلموا من بعد هذا الدرس أن الثورات التي تكذب وأن المثقفين الذين يكذبون لاتستطيع ولايستطيعون أن يفوزوا بقلوب الأميرات الشرقيات .
وتقول لكم الأميرة السورية التي تعتبر أجمل أميرة في الشرق انها لاتتزوج الكذابين والمنافقين ولاترحب بهم .. لكنها ستعلق رؤوسهم كالمحنطات ورؤوس الضباع والذئاب والدببة والكركدن وحمير الوحش على جدران قصر الشعب الذي يحمله أبوها قاسيون .. الذي يرابط عليه ويحميه الرئيس بشار الأسد .. وجيشه الأسطوري الذي لايتعب..وعيون الرئيس التي لاتتعب .
النسر اللبناني الأصلع والكلب البوليسي في موت الصندوق الأسود
20 تشرين اول 2012
نسف وسام الحسن .. ولابد أن نسفه قد تأخر كثيرا .. لانقول هذا لأنه آذانا وكنا ننتظر موته بعد أن تسبب في حرائق كبرى من لبنان الى سورية .. ولكن رجلا مثله لايمكن الا أن يرحل رحيلا على متن عبوة ناسفة كبيرة أو قذيفة ثقيلة شأنه في ذلك شأن اللاعبين اللبنانيين المتورطين بعلاقات أخوّة مع المخابرات الغربية والتي تقرر التخلص من طواقمها في لحظات محددة عندما تريد احالتهم الى التقاعد لحسابات خاصة بها .. التقاعد من العمل مع المخابرات الغربية لايجوز .. والذي يسمح به هو الموت المفاجئ .. وهذا هو شأن كل الشخصيات اللبنانية التي يتم احراقها كلما أحست اسرائيل بالبرد والصقيع ..وكلما عطس جيش الدفاع الاسرائيلي وأصابه زكام الأزمات .. حيث تستعمل هذه الشخصيات كأعواد الثقاب لاشعال محيط اسرائيل من أخشاب الطوائف والأحزاب المبللة بالنفط السعودي والغاز القطري ..
لن تخيفنا اتهامات الكلب البوليسي وليد جنبلاط (وهذا الوصف غايته التشبيه لا الشتيمة) الذي يشم روائح القتلة التي لاتهب على منخريه الا من ناحية الشرق .. الرياح الشرقية تحمل الى منخري جنبلاط رائحة القاتل..وأنفه الذي لايخطئ لايلتقط من رياح الجنوب الا رائحة سلاح حزب الله .. الكلب البوليسي وليد جنبلاط تشمم الهواء بالأمس في المختارة ثم التفت رأسه الأصلع وانتصبت أذناه نحو الشرق وارتفع نباحه باتجاه الحدود الشرقية ونحو قصر الشعب السوري ..مباشرة..
ولن يخيفنا بالطبع ابتزاز شارلوك هولمز لبنان سمير جعجع الذي يلتقط الأدلة الجنائية وهو لايزال على الطريق الى أية جريمة .. ويصل الى الاستنتاج قبل وصوله الى مسرح الجريمة بل ووصلت العبقرية بشارلوك هولمز أنه لم يعد يحتاج الى فحص موقع الجرائم بل الجرائم تسرّ اليه بأسرارها وتعترف وصار يقرأ الغيب ويصله الوحي مثل مثله الأعلى جورج بوش .. لن تعرف أساطير الروايات البوليسية مثل شخصية التحري الخارق سمير جعجع..علم الجريمة كله يسجد لعبقرية التحري اللبناني الكبير .. بل ان عقل الانتربول الدولي كله ينحني لرأس النسر الأصلع .. سمير جعجع…ولمن لايعرف النسر الأصلع فهو مانراه في عالم الحيوان عند وجود جيفة حيوانية أو فريسة انتهت الضواري من التهامها حيث تتحلق النسور الصلعاء حولها وتتصارع عليها.. نسر ليس له من النسور الا الريش والاسم ..مثل سمير جعجع .. نسر لبنان الأصلع..الذي يهرع صوب أية ضحية لبنانية سقطت لينقر عيونها ويغور رأسه في أحشائها وامعائها ..ويلتهم .. ولاأدري لماذا يكون جعجع أول من يعلن عن الاتهامات ويجاهر بها .. ويذكرني ذلك دوما بمثل امريكي يقول: أن الدجاجة التي صاحت هي التي باضت البيضة ..
لاشك أن كثيرا من المواطنين السوريين لم تعد في قلوبهم شفقة ولم تعد قلوبهم تستجدي الرحمة لأي من أولئك الذين تورطوا بالسيناريو السوري وعجنوا خبزهم السياسي بدمنا وعذاباتنا ونقعوا حساباتهم البنكية في صرخاتنا .. ولاشك أن كثيرا من السوريين الذين تذوقوا نذالة فريق 14 آذار في لبنان وحقدهم يحسون باللامبالاة بحياة وسام الحسن لكثرة ماسرق أصدقاؤه وزعماؤه من حياة السوريين وماصدروه من نكبات ورصاص الينا .. وقد يصل الأمر ببعض السوريين الملوعين الملتاعين والغاضبين الى الشعور بالارتياح بسبب الأذى الذي نال عشرات آلاف السوريين على يد معسكر الشر الذي ينتمي اليه وسام الحسن المكلف ببعض ملفات الوضع السوري مباشرة من قبل سعدو الحريري .. وسيتمنى القليلون في مصرعه قراءة رسالة صارمة تقول ان ذلك هو مصير التطاول على جراحاتنا وهو رسالة لمن استمرؤوا الاستئساد علينا وشربوا دمنا والذي قد بلغ حدا جعل البعض يعتقد أن انشغال السوريين بمعارك الداخل قد أربكهم وشل قدرتهم على تنفيذ العقاب بالقتلة وجلب العدالة الى عقر دار العابثين بأمننا ..
ولكن دعونا نتساءل أسئلة منطقية .. لماذا ينسف السوريون وسام الحسن وماذا سيقدم نسف الحسن للوضع السوري؟ بمعنى آخر هل يستحق وسام الحسن عناء تدبير اغتياله؟؟صحيح ان وسام الحسن لاعب مهم في اللعبة السورية منذ اغتيال الحريري وفبركة شهود الزور وتجنيد زهير الصديق .. وصولا الى استضافة المقاتلين المسلحين المتمردين ضد سورية علنا وايوائهم وتسهيل نشاطاتهم وتحركاتهم ولوجستياتهم عبر شمال لبنان الذي صار عشا من أعشاش العقارب .. كما ان وسام الحسن لاشك سمكة كبيرة .. لكنه ليس السمكة الكبيرة أو الأكبر بل احدى الأسماك الكبيرة الكثيرة .. وتغييبه لن يغير في الملف السوري شروى نقير .. لأنه ليس صانع قرار بل منفذا لقرار .. ومقعده الشاغر للعبث بالأمن السوري ينتظر غيره ليتابعه الذي ربما تم تحضيره منذ زمن بانتظار التخلص من وسام الحسن الذي يبدو أنه لسبب ما صار عبئا على من حوله وصار مثقلا بالأسرار الكبيرة التي تقطر منه والتي لم يعد من الحكمة تركها تسعى حية ولابد من الستر عليها بالموت..
وبالنسبة للسوريين ليس من الحصافة التعامل مع الأذرع والاستطالات مثل وسام الحسن – التي كلما قطعت نبتت غيرها بأعداد أكثر- وترك الرؤوس الكبرى التي تحرك اللعبة والأذرع.. هذه عملية في منتهى السذاجة لايقوم بها الا قصيرو النظر..والسوريون الذين برعوا في لعبة الصبر والتحكم بالغضب وصبوا من برودة أعصاب وليد المعلم وعباراته المثلجة على كل انفعالاتهم .. لايمكن أن يفكروا بهذه الطريقة الانفعالية وتنفيذ اغتيال لاقيمة له على معادلة الأزمة السورية..
والغريب أن شخصية وسام الحسن هي أقل شخصية يمكن أن تنفتح لها شهية رجال المخابرات السوريين للتصفية لأنه مجرد عبد مأمور وتغييبه لايغير من معادلة اللعبة ولا من توازن القوى .. لكن وسام الحسن هو شخصية لاتستطيع القوى المناهضة لسورية مقاومة اغراء استعماله كقربان ضد سورية .. ولايمكن الا أن يفتح شهية اغتياله عندهم .. وقد لوحظ أن اسمه دفع به مؤخرا كثيرا لربطه بالملف السوري لكن الحسن لايفعل الا مايؤمر به وهو ليس براسم لسياسات بل منفذ ومطيع لها ..وتقديمه بتسريبات اعلامية من قبل فريقه على أنه العقل المدبر لكل شيء ليس بريئا .. كأنما كان يحضره ليقدمه كخروف عيد الأضحى ..
للكثيرين مصلحة في غياب وسام الحسن حتى السوريين .. لكن الربح السياسي والمعنوي الذي يتحقق للسوريين بتصفيته هو أقل من القليل .. وربما كان حزب الله معنيا أكثر من غيره بالابقاء على حياة الحسن لأن الصندوق الأسود لاغتيال الحريري (الذي يريد حزب الله اثبات براءته منها فعلا) هو وسام الحسن والاحتفاظ به حيا ضرورة حيوية وحاجة ماسة لكشف كل ملابسات قضية الحريري .. أما الفريق المعارض لسورية وحلفائها وبالذات اسرائيل فانها تجد فيه المرشح الأفضل لاطلاق سيناريو اطلاق كلاب الصيد في لبنان على حزب الله وابقاء أحد مفاتيح سر اغتيال رفيق الحريري مفقودا الى الأبد.. ومما يلفت النظر أن نفس كورس اغتيال الحريري بدأ التغريد بنفس الكلمات ونفس السيناريو من اتهام شخصي للأسد وطلب استقالة الحكومة اللبنانية والدعوة الى مسرحيات التظاهر الاعلامي أمام الكاميرات ..
وسام الحسن يبدو أنه عود ثقاب يراد به الانتقال بالملف السوري- الايراني الى مرحلة ثانية وهي توسيع نطاق النزاع الى لبنان لاتهام سورية وحليفها الرئيسي “حزب الله” واشغال الأخير في حرب عبثية داخل لبنانية صارت ضرورية ربما في سياق تحضيرات اسرائيل لضربة حمقاء على ايران .. لأن سيناريو الحرب مع ايران أو سورية يبدو أن كوابحه هي في قوة حزب الله الذي يجلس على أكتاف الدولة العبرية ويدلي ساقيه في الجليل والى مابعد بعد حيفا وصارت قدماه تصلان الى مياه ايلات .. وصار يعتقد أن تركيا حاولت توريط الغرب في الحرب على سورية لأنها لاتجرؤ على تحمل مسؤوليتها وحدها .. والسوريون أدركوا ذلك ولمسوا التردد التركي .. وحتى هذه اللحظة لم تتحرك القوات السورية بشكل كتلي الى الشمال .. ولاتزال كتلة القوات السورية المحاربة المحتشدة في الشمال صغيرة الحجم ولايتناسب حجمها مع تهويلات اعلان الحرب بين سورية وتركيا .. أي أن حجمها لايتناسب مع جبهة يفترض أنها ستشتعل بين جيشين ومنظومتين كبيرتين .. لأن للسوريين وحلفائهم حسابات دقيقة في موضوع التصدي لتركيا وطريقتهم ستعتمد على نقطة ضعف طول الحدود التركية وعمقها نحو ايران .. ولامجال للدخول الآن في تفاصيل ذلك..
والسوريون يعرفون أن تركيا واسرائيل يحاولان التحرك بشكل متزامن ومتساوق لتشتيت انتباه الجيش السوري .. فمرة تثير تركيا الضجيج بحشود وتعزيزات وبطاريات صواريخ واقتراب تنفيذ المنطقة العازلة لتتابع اسرائيل تحريك قواتها في الشمال واجراء المناورات في الجولان كأنها تريد مع تركيا فرض كماشة على الجيش السوري فيرتبك ويوزع نفسه في جهتين .. لكن القوة الضاربة العاتية للجيش السوري بقيت في الجنوب حيث اسرائيل ولم تخدعها ضوضاء الجار الشمالي التركي .. وبقيت متركزة في الجنوب ..
اذا فكرت اسرائيل في ضرب ايران وكان الأتراك قد لعبوا دور المغناطيس لجذب حديد القوة السورية نحوه فان الجيش السوري الذي يرتبط بمعاهدة دفاع مع ايران لن يكون قادرا على تهديد اسرائيل لأن كتلته الضاربة تنتظر الجيش الانكشاري العثماني في الشمال .. وهذا بدوره سيكشف ظهر حزب الله عسكريا بسبب انشغال الجيش السوري في الجهد العسكري في الاستعداد للحشود الشمالية واحتمال خوض معركة الشمال .. واذا ما حاول حزب الله الانخراط في رد فعل محور الممانعة على الهجوم الاسرائيلي على ايران فسيكون في غياب الرديف العسكري السوري الممتص نحو الشمال في خطر كبير ..بل حتى مجرد غياب الدرع والرادع السوري سيشكل اغواء لايقاوم لاسرائيل للثأر منه .. وهي فرصة حرمت منها في 2006 عندما علمت أن الجيش السوري ينتظرها بمجرد وسعت هجومها على لبنان وحزب الله ..
اسرائيل تحتاج لاشغال سورية وحزب الله اذا ماتصادمت مع ايران .. وسورية الآن نصف منشغلة .. اما حزب الله فلايزال متفرغا لرصد اسرائيل بدليل طائرة أيوب التي صدمت المؤسسة العسكرية الصهيونية .. ولذلك صار الاسرائيليون حريصين على ابعاد هذين الطرفين كليا في صراع داخلي لتكون معركة ايران المحتملة أكثر أمانا وهدوءا ..ولايوجد ثقب أسود يمتص سورية وحزب الله مثل الثقب الأسود اللبناني .. وثقوب الطوائف اللبنانية وثقوب سوداء أخرى مثل فم وليد جنبلاط والحريري وحمادة ..وأفواه كل القطيع اللبناني في 14 آذار ..والثقب الأسود الأكبر ..فم أردوغان ..
وقد ظهرت الثقوب اللبنانية السوداء بسرعة بالأمس .. ثقب جنبلاط وثقب النسر الأصلع سمير جعجع انطلقا في تكرار ممل ونسخة طبق الأصل عن مسرحية اغتيال الحريري الممجوجة .. انها استنساخ النعجة دولي (ودم الحريري) .. ونسخة رفيق الحريري هي في نعجة اسمها دم وسام الحسن ..
انا لست ناطقا باسم الحكومة السورية كما تعلمون ولاأتحدث الا عن مشاعري الصريحة بشفافية .. ولكن سأقول بصراحة انني في لحظات اغتيال الحريري ومابعدها كنت أحس بالقلق والتوتر وباللااستقرار من اتهام سورية ولغة التهديد والوعيد ..خاصة أن المجرم بوش وقف على حدودنا يطالب بدم الحريري .. لكنني اليوم لاأبالي بكل ثرثرات فريق الاستنساخ للنعجة اللبناني دولي (دم الحريري ودم الحسن) .. ولايرهبني هذا الهدير ولا بطولات الكلب البوليسي ولا كل متحري الانتربول في فريق 14 آذار .. ولاأشتري كل الزبد الذي ترغي به الأفواه اللبنانية بفلس واحد .. لأننا أيام أزمة الحريري كنا نخشى على سورية من الأذى والضرر وكنا نخشى جنون المحافظين الجدد الذين كانوا يبحثون عن أية ذريعة “لاطلاق مشروع قتل عشوائي ضد الشعب السوري بحجة تحريره” ..وكنا وحيدين تقريبا ..
أما اليوم فلن نلتفت لمسرحيات النسر الأصلع وحلفائه وتيار المستقبل .. ولم نعد نخشى على سورية لأن الأذى الذي تسبب به هؤلاء الباعة الجوالون للدم على بسطات الخضار لم يعد من الممكن قياسه لفظاعته .. لم يعد هؤلاء قادرين على ايذائنا بأكثر مما أوذينا عبر دعمهم اللامحدود لزعران المسلحين والجيش الحر .. فماذا سيفعلون أكثر مما فعلوا؟؟ .. تحطيم المدن السورية بكل الوسائل؟؟ حصار الشعب السوري؟؟ مقاطعة عربية؟؟ التهديد بالفصل السابع؟؟ قتل مئات المدنيين والعمال السوريين البسطاء الذين لازلنا لانعرف مصير مئات المفقودين منهم كما فعلوا سابقا؟؟ غضب السعوديين وسخط الخلايجة والجامعة العربية؟؟ محكمة دولية ومجلس أمن بعد أن هتك عرض مجلس الأمن بمحاولة تدويل الأزمة السورية؟؟ الاستعانة بالناتو بعد أن لم يترك المعارضة السورية وزعران لبنان مكانا للتوسل والتضرع للناتو الا وفعلوه؟؟
ومايجعل ضغط الدم يرتفع أن كل هؤلاء السفهاء الذين غضبوا لمقتل وسام الحسن كانوا يريدون أن يتباهوا بالقدرة على اللعب بالملف السوري والتحريض على الدولة السورية ويتدخلون حتى بالتصريحات المحرضة والتي تهدد وتتوعد.. ولايريدون منا حتى الرد على تطاولهم .. وعندما يسقط أحدهم في صراع الاستخبارات يعتبرون القضية كفرا براحا واعتداء صريحا من السوريين ..
يعني رجل مثل الحسن يلعب بين كل رجال المخابرات من السي آي ايه الى المخابرات السعودية والقطرية والتركية والفرنسية والاسرائيلية وحتى السورية والايرانية والروسية .. وهو يشكل نقطة المفصل بين كل هذه الأجهزة والتي في تصارعها لابد سيكون هذا المفصل هو أول الضحايا المطحونة ..وهذا المفصل هو الذي تتحكم بحياته أجهزة المخابرات الأقرب اليه والتي تحظى بثقته المطلقة .. وهذا بالطبع ليس حاله مع المخابرات السورية ..
انني لاأحب عمليات الاغتيال ولامراسلات التصفيات المتبادلة ولايمكن الا أن أتعاطف مع أسرة وسام الحسن من مبدأ انساني صرف لاأقوى على تجاهله ولا تقدر أخلاقياتي الا على احترام رهبة الموت والانحناء لها والغضب من فكرة الاغتيال .. الا أنني لاأستطيع ذرف الدمع على وسام الحسن ولاأستطيع منافقة ولامجاملة الدجاج الذي يصيح في بيروت .. لأن الدجاج الذي يصيح هو الذي باض البيض .. وهو دجاج فريق 14 آذار .. ودم الحسن ليس في رقبة أحد الا في رقبة حزبه وتياره وكل من أراد دفن الصندوق الأسود الذي يحتفظ بأرشيف أسرار مرحلة عشر سنوات كاملة .. كما دفن الصندوق الأسود لمجازر صبرا وشاتيلا ايلي حبيقة ..
هذا هو لبنان وصناديقه السوداء من كمال جنبلاط الى ايلي حبيقة الى غسان تويني الى وسام الحسن الى الصندوق الأسود القادم .. وهؤلاء السياسيون اللبنانيون الذين لاتربطهم بلبنان الا درجة ارتباطهم بأجهزة مخابرات خارجية كلهم مشاريع صناديق سوداء لأنهم جميعا يلعبون لعبة ليست لبنانية وكل شيء فيها مصمم لارضاء الكبار .. ولايزال قصر نظرهم يعتقد أنهم جزء من الكبار ..وهم مجرد أعواد ثقاب .. اشتعل واحد بالأمس في الأشرفية وانتهى .. ولاندري من هو عود الثقاب القادم ..الذي سترمي به مصالح اسرائيل ..وحروبها ..
علبة الكبريت اللبنانية في جيب نتنياهو جاهزة دوما لاشعال سكائره ..وحرائقه .. وحدائقه الخلفية ..
امبراطوريات أردوغان ولعنة التاريخ .. أهي سياط النهايات؟
7 تشرين اول 2012
امبراطوريات أردوغان ولعنة التاريخ .. أهي سياط النهايات؟
لاشيء يدل على بدء الانهيار السياسي وبدء الكوارث لأي منظومة سياسية أو اجتماعية أو مشروع طموح الا ظهور معالم الشطط في تقديرات زعمائها وتصرفات جنون العظمة لقياداتها .. ومن دلائل واعراض جنون العظمة لقيادة المشاريع النهضوية الاعتقاد أن تجميع شظايا وحطام الامبراطوريات المتوفاة سهل للغاية .. كل من حاول اعادة احياء امبراطورية عبر كل التاريخ سقط وانتهى بقسوة ولم يستثن التاريخ أحدا .. في التاريخ درس قيم وهو أهم تعاليمه على الاطلاق .. انه درس احياء الامبراطوريات التي ماتت .. والدرس يقول: الامبراطوريات كالأفراد لاتبعث بعد أن تصبح عظما رميما الا يوم القيامة .. لم تمت امبراطورية ثم عادت الى الحياة ..
نعم لقد ماتت الامبراطورية الرومانية ولم تعد .. ولن تعود .. والامبراطورية الفارسية كذلك .. وماتت امبراطورية المكدونيين التي بناها الاسكندر الأكبر ولم تعد.. وماتت الامبراطورية العربية ولم يمكن “بعثها” كما اعتقد الراحل زكي الارسوزي !! وماتت الامبراطورية الاسلامية وتحولت الى نتف مبعثرة متهالكة ولن تعود الا في أحلام مجانين المسلمين الهائمين الذين يعتقدون أنهم يقيمونها بسيارات الدفع الرباعي ومدافع الدوشكا واطالة اللحى .. وفي الغرب توفيت الامبراطورية الجرمانية المقدسة التي لم يتمكن هتلر من استعادتها رغم قوته وطموحه الذي بلغ الشمس ودفن من أجلها امبراطوريتي فرنسا وبريطانيا معا .. ماتت الامبراطورية الفرنسية ودفنها هتلر بنفسه ولم يقدر على احيائها لاديغول ولاميتيران ولاشيراك وبالطبع لاساركوزي ولاهولاند .. الامبراطورية البريطانية التي لاتغيب عنها الشمس انتهت كذلك الى الأبد وعاد الانكليز الى جزيرتهم .. وفي أقصى الشرق انتهت الامبراطورية اليابانية وامبراطورية منشورية ولن تعودا .. وماتت امبراطورية الرفاق الشيوعيين السوفييت ولن تعود .. فلماذا يعتقد الامبراطور أردوغان أن الامبراطورية العثمانية أو السلجوقية ستعاند التاريخ كله وتكسر التقليد الأزلي للوجود وتحيا من جديد؟؟أردوغان ومجموعته هما وصفة مثالية لاطلاق انهيار عاصف للدولة وانفلات الأزمات الكبرى .. ستشهدها المدن التركية والمجتمع التركي .. فأحلام احياء الامبراطوريات هي التي تفتك بما تبقى من فتات الامبراطوريات..وهي مايسبق شهقة الموت لما بقي من حطامها..
من استمع الى خطاب أردوغان الأخير في مؤتمر حزب العدالة والتنمية يرى أن الرجل قد حلق في الخيال الجامح وأصيب بجنون العظمة .. فالرجل صار يتحدث عن عقود قادمة مطوبة له ولحزبه .. وأعلن الحرب على الأكراد بالتذكير بمعركة ملاذكرد ..وصار يرصع الكلام بالسلاجقة والشرق القديم وووصل الى حد التعالي على أوروبة (المظلمة) .. ولكن كل من أصغى اليه من العقلاء والمحللين صار يشبه خطابه بالخطابات الأخيرة للرئيس المصري أنور السادات قبل رحيله بطلقات خالد الاسلامبولي .. كل من سمع خطابات السادات عرف أن الرجل يهوي وأنه يدخل رجله في الهاوية لما ملأ خطاباته من تحدّ واستفزاز ولهجة العظمة غير الواقعية ..
والبعض صار يتحسس نهاية أردوغان بطريقة ما .. أردوغان يريد أن يدخل عنوة الى حيث دفن التاريخ أمه السلجوقية وأباه العثماني .. أو بالتسلل عبر البوابة السورية للتاريخ ومحاولة تحطيمها ليوقظ الموتى العثمانيين من قبورهم .. وبعض الاسلاميين يعتقد واهما أن الامبراطورية الاسلامية التي صارت عظامها مكاحل ستنطلق من جديد من الأناضول وعلى يد أردوغان لتضع جوهرة العواصم الشرقية دمشق على تاجها العثماني .. وهنا يرتجف التاريخ غضبا على غضب .. وينهض ليرفع سوطه ويجلد ظهور العصاة والمارقين والمعتوهين .. والتاريخ اذا غضب حل الغضب على الأمم .. وأفرادها المجانين..وليس هناك أكثر جنونا من الاسلاميين هذه الأيام ..الا زعيمهم التركي أردوغان..
ويتساءل البعض هل من قبيل الصدفة أن يتم تتويجه زعيما للعالم الاسلامي بشهادة خالد مشعل ورئيس الاخوانيين العرب محمد مرسي .. ثم تحدث تفجيرات حلب؟ وهل من قبيل الصدفة أن تتوالى الأحداث على الحدود السورية التركية وتسقط قذائف سورية عليه فيما أردوغان لايزال في ثياب العرس؟؟ ..
ماذا تعني الأحداث الأخيرة؟ والى أين المسير؟
كنا جميعا نتابع تطورات التصعيد على الحدود السورية التركية واستمعنا الى عشرات وربما مئات التحليلات .. وكانت على العموم متباينة لكنها تختصر في ثلاثة احتمالات وقراءات:
1. ان أردوغان يريد التصعيد لأنه أدرك أن معركة حلب ستشارف على النهاية قريبا لمصلحة لدولة الوطنية السورية وهذا يعني نهاية اللعبة عندما يقفل الجيش السوري الحدود الى الأبد ويحبس تركيا خلف طوروس..أردوغان سيكون في قفصه خلف طوروس هذه المرة وخلفه الظلام الأوروبي – كما قال هو – الذي سيبقى مظلما في وجهه .. وفي هذا القفص سيجد نفسه مع نمر شرس اسمه حزب العمال الكردستاني الذي أدخله السوريون الى قفصه .. ولذلك سارع أردوغان المتوتر بالقاء الوعود للتفاوض مع عبد الله أوجالان قبل اغلاق باب القفص عليهما..
وهذا تفسير معقول لكن يناقض حقيقة أن اردوغان لايريد التورط بأي حرب ويفضل البقاء في الخطوط الخلفية الاقل كلفة حيث هو الآن .. لأن التقدم الى الخطوط الامامية للمواجهة مع السوريين لن يكون مجانيا .. خاصة أن هناك احتمالا كبيرا للغاية لتدخل ايراني ومشاركة روسية ما في ردعه..
2. ان أردوغان استشعر ضعف السوريين وأنه آن الأوان لتوجيه ضربته بعد انهاك الجيش السوري ولذلك فانه بالغ في التصعيد..والبعض يعتقد ان القذيفة من تدبير معارضين سوريين بالتنسيق مع أردوغان لجر تركيا عنوة الى النزاع أو لتسهيل تبرير الحرب من قبل أردوغان امام شعبه .. ولكن هذا الاحتمال سينمائي الطابع .. لأن السوريين لم يسارعوا الى اعلان براءتهم واتهام طرف ثالث (يحاول الاساءة الى علاقة الشعبين والجارين السوري والتركي كما تحاول اللغة الديبلوماسية المتصالحة) .. بل اكتفوا بتقديم التعازي للضحايا وليس للحكومة التركية ورفضوا الاعتذار منها بتحدّ.. وقالوا باقتضاب فيه لامبالاة انهم سيحققون في الأمر وملابساته .. وهذا يعني اعترافا ضمنيا بأنهم مصدر النار وليس الطرف الثالث..أي اننا المسؤولون عن الحادث..
3. ان اردوغان قد استدرج الى فخ الحرب مع السوريين كالغبي لأن السوريين تواقون لاخراج أزمتهم الى الحدود ومنازلته ومن ثم ارغامه على التفاوض لاغلاق ملف المعارضة السورية المسلحة ..ولكن هذه القراءة ناقصة الدسم لأن السوريين يريدون الحسم في الداخل على مبدأ بتر الأيدي والأرجل التركية المتدلية في الداخل السوري..وكما انتهت بابا عمرو ستنتهي حلب ..كما أن رهان القيادة السورية هو على تنامي الاحتجاجات ضد سياسات أردوغان والحفاظ على عدم تجييش الشعب التركي بالحرب..وبدا ذلك الخط جليا في أحاديث الرئيس الأسد للصحافة التركية التي بالغ فيها في اظهار وده للشعب التركي وفصله عن أردوغان المغامر الأناني .. ولو كان الواقع غيرذلك لتسربت كلمات في حديث الأسد فيها تهديد أو وعيد لاستدراج القيادة التركية واحراجها أمام شعبها مباشرة ..أوحاولت اثارة العسكر وحزب العدالة والتنمية لاستدراجهما الى المنازلة لاخراج الازمة السورية الى الحدود التركية..
لكن اين هو الصواب من كل ماقيل؟ فكلها قراءات معقولة ..
الميل هو ان ماحدث هو تبادل حوار بالقذائف بدأه السوريون بعد تفجيرات حلب ومؤتمر الاسلاميين في تركيا .. القذيفة السورية ليست عرضية ولم تسافر الى تركيا للسياحة ولالأنها انشقت عن النظام كما قد يحلو للبعض التهكم .. القذائف السورية على الأراضي التركية حدثت بعد ساعات قليلة من تفجيرات حلب وفي فترة لايزال أردوغان يمضغ خطابات الثناء عليه والعسل المقطر في فمه من اسلاميي العرب في مؤتمره الأخير .. فاذا به قد تلقى لطمة على فكه وهو يسير نحو العرش ويراقص أحلامه..القذيفة التي انفجرت في مؤخرته خرجت منها رسالة كبيرة وقد قرأها أردوغان جيدا .. الرسالة واضحة للغاية: ان هذه الرسالة هي اذلال لأردوغان وتحد له بعد عنترياته في عرسه الاسلامي الأخير وتنصيبه خليفة ..فهاهو خليفتكم يسقط طربوشه وشرواله بقذيفة وسترون أنه لن يفعل الكثير لاسترداد طربوشه وسيرفع شرواله ويتابع سيره .. والتفجيرات في حلب لن تمر دون عقاب علني ومتحد ومباشر وليس بطريقة السيارات المفخخة التي يتبئ خلفها أردوغان..
ان القذيفة تسخر من أردوغان علنا ..لأن من أمر باطلاق القذيفة يعرف أنها جاءت بعد اسقاط الطائرة التركية المذل .. وبعد العديد من تحذيرات تركية بسقوط رصاص وقذائف على الأراضي التركية التي لم تكن قاتلة .. وهذه القذيفة القاتلة لرفع سوية التحدي ولسوية الاذلال لأردوغان ولاحراجه .. فقد كان من المتوقع أن أردوغان سيسارع لطلب الناتو لمساعدته في الرد وتفويضه بالحرب .. لكن المعلومات التي يعرفها السوريون والروس والايرانيون لايشوبها الغبش ولاالأوهام وهي بالضبط ماقاله مراسل صحيفة الغارديان على الحدود السورية التركية عندما سئل عن رد فعل الناتو المتوقع فقال ساخرا: “كلنا نعرف أنه لاتوجد لدى أي عضو في الناتو شهية لهذه الحرب .. حلف الناتو فقد شهية الحرب في سورية تماما .. وأروغان دعانا عدة مرات الى مائدته السورية فاعتذر الجميع بتهذيب وتعلل بانشغالات خاصة” .. وفي كل مرة كان يبقى وحده على الطاولة مع أحمد داود اوغلو ورياض الشقفة .. واليوم انضم اليه تابعه المخلص خالد مشعل .. لكن لاأحد من المدعوين الكبار لبى الدعوة .. وكراسي المدعوين كلها فارغة ..
وبالفعل هرول راسموسن والغربيون الى التقاط الصور التضامنية مع أردوغان وأوغلو كما في كل مرة ورأينا الأيدي تعصر الأيدي في المصافحة وتهتز بتواتر شديد اثناء المصافحة لتطمين الأتراك وللتهويل على السوريين .. لكن هذا هو كل شيء..وسيعود الجميع بصور تذكارية جميلة ولكن من دون الجلوس الى مائدة عشاء أردوغان ..الذي طبخ القدور ونفخ النار حتى احمرت وجنتاه .. وضاع طبيخه هباء وبقيت القدور مليئة حتى برد الطعام .. والقاعة بقيت خاوية من الزوار..
ولذلك اختار أردوغان مرغما طلب تطبيق المادة الرابعة من اتفاق حلف الناتو وليس الخامسة (الصارمة والملزمة) وهما مادتان مختلفتان كليا لأنه سمع سلفا نصيحة بعدم اذلال نفسه أكثر من ذلك ..
القذيفة السورية التي سافرت الى تركيا قالت بوضوح لأردوغان ومجانينه بعد تفجيرات حلب: انظر قبل أن تتابع مشوارك .. الجيش السوري سينهي معركة حلب قريبا شئت أم ابيت .. هاأنت ستترك وحدك .. وسترى بعينك بعد هذه القذيفة أن لاأحد سيهرول للحرب رغم أنها تحد واضح لك وللناتو وتكفي لكم لايجاد المبرر للحرب .. انك قد تجاوزت كل حد .. والقذيفة القادمة بعدي لن تكون وحدها ..لكنك ستكون وحدك!!
وطبعا كان على أردوغان الرد بأي طريقة لتخفيف مرارة الاذلال .. واختار اطلاق بعض القذائف التي قال عنها اعلامه انها استمرت لساعات و(ربما قتلت) العديد من الجنود السوريين .. أخبار للاستهلاك المحلي ليتسلى بها الناس المحتقنون من الذل الذي وصلت اليه تركيا بسبب أردوغان.. وماصار يخشاه مستشارو اردوغان هو سيناريو أكثر اذلالا .. فالسؤال الآن الذي يثيره مثقفون أتراك هو ماذا لو أقدم السوريون على اطلاق صلية من القذائف ثانية وبمعدل اكبر ..وبضحايا أكبر؟؟ من المؤكد أن الناتو لن يعبأ كثيرا وسيغدق وصاياه بضبط النفس وسنكون مضطرين لدخول الحرب وحدنا صونا لكرامتنا .. صار واضحا أن الناتو استعمل تركيا دائما في كل نزاعاته ولكنه لم يدخل في أي من نزاعاتها على الاطلاق (أزمة قبرص مثالا والتوتر مع اليونان)..
وغني عن القول ان الجيش التركي يعرف ان مواجهته مع الجيش السوري لن تكون سهلة على الاطلاق خاصة بعد تطوير الدفاعات الجوية السورية مؤخرا التي تذوقت بعض طعمها الطائرات التركية على شواطئ سورية .. وكان المذاق لاذعا حارقا انتهى بحمّام بحري .. ويقول أحد التقارير العسكرية التركية الذي يتداوله بعض أقطاب المعارضة التركية .. ان الحرب مع سورية قد تكلف الجيش التركي خسائر باهظة لأن الجيش السوري مصمم لمواجهة خصم قوي هو اسرائيل ولذلك فانه ليس جيشا عاديا ولاسهلا خاصة ان القوات “الاستراتيجية” لاتزال على حالها .. ويمكن القول انه عبارة عن نموذج لقوة حزب الله بمئة مرة .. وحزب الله لم تقدر عليه اسرائيل نفسها .. وقد نرى أن مجزرة وادي الحجير التي أقامت حفل شواء للدبابات الاسرائيلية عام 2006 تتكرر في تركيا ..
ولعل النقطة التي أثارها التقرير العسكري التركي بقلق هي أن عددا من جنرالات الصف الأول المحيطين بالرئيس الأسد صاروا يعبرون عن رغبتهم في منازلة أردوغان وتلقينه درسا في الحرب بسبب الغضب الشديد مما يصفه الجنرالات (زعرنة تركية باستعمال الارهابيين كمتاريس بدل المنازلة) .. غضب العسكر لاتعجبه الحلول السياسة .. الجنرالات السوريون يريدون حربا رادعة للمستقبل لكل زعيم تركي يريد التطلع جنوبا .. فليست الحرب فقط لاسكات الأزمات العابرة بل لردع التجاوزات القادمة من بعيد .. وغضب الجنرالات يعرف دوما أنه يخلق مزاج الحرب ويعكس روحا قتالية لدى الجنود ومزاج الجمهورعلى العموم
واذا ماوقعت مواجهة فستتراوح – حسب التقرير- تقديرات الخسائر في الجانب التركي بين 500 – 700 قتيل في الأيام الثلاثة الأولى اذا مااستخدم الجيش السوري طاقته النارية الهائلة .. وقد يتعرض السوريون لخسائر هامة أيضا لكن الجمهور التركي لم ير النعوش العائدة لمئات الجنود الأتراك منذ عشرات السنين .. وربما تفجر هذه النعوش العائدة من الجبهة كل تركيا .. لأنه ربما يستحيل أن يقتنع الناس بضرورة زرع تركيا بالنعوش من أجل مجد أردوغان وامبراطوريته وكرمى عيون رياض الشقفة .. أما السوريون فلن يكون لديهم هذه المشكلة لأن غالبية الناس ستنظر الى الحرب على أنها دفاع عن وطنهم من غزو خارجي وليس عن النظام ضد سوريين معارضين .. خاصة بعدما تكشفت طموحات تركيا الحقيقية بعد أن كان الكثيرون يعتقدون أنها غاضبة على التنكيل بالشعب السوري كما روجت في بداية الأزمة .. وقد يلم هذا الشعور المناهض لتركيا بعض شتات المعارضين أو يحرجهم .. ولايمكن التعويل على بعض قوى المعارضة الراديكالية التي ستخوض الحرب الى جانب تركيا وتنظر الى الأتراك على أنهم فاتحون .. لأنه ليس كل المعارضين السوريين (اخوان مسلمون)..
كما أن البحبوحة الاقتصادية التي تباهى بها حزب العدالة والتنمية بدأت بالنفاذ بسرعة .. واي حرب هي وصفة للافلاس في هذه الأزمة الاقتصادية العالمية الطاحنة .. الا أذا كان أردوغان يصدق العرب بأنهم سيمولون الحرب .. لأنه سينتهي كما انتهى صدام حسين مفلسا بعد حربه مع ايران وتنصل العرب الخلايجة كعادتهم من الوعود قبل أن يطعنوه في ظهره كعادتهم أيضا ..
اذا السوريون على مستوى القيادة السياسية ليسوا راغبين في الحرب لكنهم راغبون في اذلال أردوغان على مهل وتكسيره قطعة وراء قطعة وتفكيكه .. وهم يعرفون محدودية حركته وقيوده التي تكبله الآن .. وقد بلع أردوغان ريقه مئات المرات في الساعات الأربع والعشرين الماضية كما وصفته الصحافة الغربية ..وقالت عنه صحيفة نرويجية أنه لابد قد استعمل كل المناديل على مكتبه لتجفيف عرقه بالأمس..لشدة ارتباكه وخذلانه أمام شعبه من قبل الناتو بعد أفراح تنصيبه زعيما اسلاميا ..أفراحه لم تدم أكثر من ساعات ..
أردوغان يدرك أنه غير قادر على الحرب وقد قبل وصول سيارات الاطفاء الديبلوماسية الايرانية الى تركيا دون تردد وبدا شديد الامتنان لها باظهاره بمظهر من يحاول الايرانيون كبح جماح غضبه لكنه يعرف أنها مسرحية لتطييب خاطره بالرغم من أن المضمون الفعلي لسيارات الاطفاء الايرانية هو تذكير لبق بمعاهدة الدفاع المشترك بين سورية وايران التي ستلتزم بها ايران ..
أردوغان الحالم بالامبراطورية العثمانية المنحدرة من جلابيب الخلافة الاسلامية يخوض معركته الخاسرة الأخيرة .. لأن معركة حلب النهائية بدأت الدولة السورية ترسم خطوطها الأخيرة .. وقذيفة الامس كانت الاختبار الحقيقي لما يقدر عليه التركي ..وقد صارت مشكلة تركيا عويصة للغاية .. فقد سمعت أوروبة بخبث صوت الأذان والتكبير في مؤتمرات أردوغان وصورت تلفزيوناتها اللحى الاسلامية التي جمعها أدوغان حوله .. وصار اسم خالد مشعل (الارهابي في تصنيفات الغرب) ضيفه الرئيسي مقترنا به وسببا وجيها ومبررا لكارهي تركيا “لتقليعها” نهائيا من على أبواب أوروبة.. واقتلاع أي احتمال لأوربة تركيا .. خاصة أن أردوغان قد وصف دخول محمد الفاتح الى القسطنطينية بأنه فتح مدينة الظلام .. وفي الجنوب لايبدو أن الرئيس الأسد راحل ولاتبدو سورية نضجت تماما للانهيار .. وهذا يعني أن التوجه جنوبا انتهى وأن زعامة العالم الاسلامي تنزلق بسرعة من بين يدي الأتراك .. وسيجد التركي نفسه لاول مرة أمام سؤال وجودي خطر .. فلا هو أوروبي .. ولاهو الزعيم الاسلامي وهو حبيس في قفصه خلف جبال طوروس .. حتى علاقته بالناتو ليست طبيعية وليست تبادلية ولاتخادمية بل خدمية .. وهي ليست ضامنة له لأن الناتو لن يتدخل في حروب تركيا ..
هذه قذيفة واحدة فقط هزت عرش أردوغان .. وخربت أعراسه وامبراطوريته .. وتكاد تركيا تتشقق سياسيا اثرها بين مؤيد للحرب ومعارض مر ولايعني تفويض البرلمان بالعمل العسكري الخارجي الا نأيا بالنفس عن تحمل مسؤولية الحرب .. وهذا يدل على أن حلم استعادة الموتى السلاجقة مستحيل .. ويدل على أن جمهورية رجب طيب أردوغان هشة للغاية ..وأنها تقترب من مصير سيء..تتخبط بين أسوار أوروبة واسوار الجنوب ..
قذيفة واحدة تسببت بكل هذا الارتباك والهلع والتشقق .. فيما سقطت على السوريين آلاف القذائف التي بعث بها أردوغان عبر مسلحيه فتألمت البلاد وتأوهت ..ولكن لم تهتز البلاد ولم ترتج لأن أحلامنا هي في الحرية لبلادنا .. ومن معه الحلم لايهتز..
السياسة فن وموهبة .. والقيادة شجاعة وجسارة وثقة .. والزعامة حكمة وتوازن واصرار لايتردد ..وليس في تركيا فن ولاموهبة .. ولاجسارة ولاشجاعة .. ولاحكمة ولاتوازن ولاثقة .. بل مراهقة وحفلات صاخبة .. وهاهي أحلام تركيا الأردوغانية هذه الأيام تقترب من نهايتها وحتفها .. ليس لأنها قد تقع في مواجهة مع السوريين بل لأنها تدفع دفعا عبر بعض مجانينها الى مواجهة منطق التاريخ الذي لايقهر والذي يصر أردوغان بعناد أجوف على أنه أكثر ذكاء منه وأكثر فطنة من كل سابقيه من البشر .. ولكن لم يسمح التاريخ يوما بتحدي ارادته ولن يسمح بنبش مقابره التي دفن فيها جثث الامبراطوريات التي قرر قبض روحها ونفذ فيها حكم الاعدام دون رحمة ..
لن يقبل التاريخ لأبناء الامبراطوريات ان يدخلوا الأضرحة ومدافن القوى الامبراطورية القديمة التي توفيت الا لوضع الزهور والبكاء على رخامها العتيق .. ومن يحرك الرخام أو عظام الموتى ستحل عليه اللعنة .. لعنة التاريخ .. فانتظروا .. وسترون أمام أعينكم كيف يلعن التاريخ من يستهتر به وبتعاليمه الصارمة ..
انني أسمع صوت فرقعة سياط التاريخ قادمة ..أصيخوا السمع جيدا ..وتنبهوا .. التاريخ وصل على عربة الغضب .. ويترجل منها .. ويبحث عن أردوغان..خليفة الاسلاميين والعثمانيين .. لقد نفذ صبر التاريخ وقرر أن يستعمل سوطه
انتحار الديك الرومي في انتظار العشاء الفينيقي 15 تشرين الأول، 2012
من مفارقات القدر أن الأشهر القليلة الماضية كانت تحمل احتمال أن يكون طائر الفينيق السوري موضوعا على مائدة العشاء التي دعا العالم نفسه اليها وجلس اليها سادة العالم ساركوزي واوباما وكاميرون وميركل وكل الرهط الأوروبي .. الضيوف كانوا سيختمون رحلة الربيع العربي ورحلة الصيد في بلاد العرب بتناول وجبتهم المفضلة والأغلى والألذ من لحوم طيور الفينيق السورية التي أطلقوا عليها كلاب الصيد ذات اللحى الطويلة التي اصطادت لهم "طائر أيلول الأخضر" في ليبيا ..
وكان العربان الخلايجة يهرولون كالخدم يحضرون الصحون والأطباق حيث تولى القطريون والسعوديون وأمين عام الجامعة العربية واجب الضيافة واستقبال المدعوين وتوزيع الضيوف والترحيب بهم .. كما فعلوا سابقا عندما ذبحوا "الثور المجنّح" العراقي الذي اصطاده رعاة البقر من المحافظين الجدد ..وتناولوه مشويا باليورانيوم المنضب ..
في انتظار طائر الفينيق السوري المطبوخ في قدور الحرية وعلى نار الطوائف والمذاهب كان الاسلاميون العرب يسكبون النبيذ الحلال في كؤوس الناتو من قوارير الجامعة العربية .. أما أردوغان فأمضى وقته يبحث عن كرسيه بين السادة فلم يجده رغم أنه كان يعتقد بيقين أنه سيجلس مع السادة .. ولكن تبين له أن مكانه ليس على مائدة الكبار بل في .. المطبخ .. لأنه الطباخ الرئيسي للوليمة وهو "الشيف رمزي" المعروف بعصبيته .. فكلاب الصيد تأتي بالطرائد، والشيف أردوغان يقطع الطرائد ويجزئها ويشويها في فرن (الحرية)..والسادة الكبار يأكلون لحومنا..
لكن الأطباق التي انتظرت طيور الفينيق ظلت فارغة .. وطال انتظار الضيوف وكلاب الصيد لم تظفر بطائر الفينيق .. طائر الفينيق لايزال يصارع النار التي حاصرته .. الى أن بدأ يخرج من تحت الرماد ..رغم نباح كلاب الصيد التي بحّ صوتها وتكبيرها.. حتى أن نباحها علا بالأمس بصوت يوسف القرضاوي في الدعاء اليائس على الجيش السوري وحليفه الروسي والصيني والايراني .. في كراهية مقيتة مريضة لنصف العالم دفعة واحدة ..
كان ساركوزي أول المغادرين للمائدة بمعدة خاوية من غير أن يتناول العشاء الفينيقي .. وهاهو أوباما يحضر نفسه للرحيل ولم يتذوق لحم الفينيق الشهي..
ولكن من يدري ماذا سيوضع في أطباق الشرق الأوسط القادم ..؟؟ ربما هو نفس الطبق الذي اشتهاه ونستون تشرشل عندما زار تركيا بعد الحرب العالمية الثانية .. اذ يقال ان ونستون تشرشل في تلك الزيارة سأله مضيفوه الأتراك عن نوع العشاء الذي يفضل أن يأكله فأجاب مداعبا وساخرا: أفضل أن آكل الليلة .. لحم (تركي)
I want to eat Turkey
وهذه العبارة باللغة الانكليزية تعني "أريد أن آكل تركيا" ونفس العبارة تعني أيضا "أريد أن آكل ديكا روميا" الذي يكون على أطباق البريطانيين أيام أعياد الميلاد..
وقد صدم طلبه الأتراك يومها وأحسوا بالحرج الشديد من تلك الدعابة الثقيلة والمزحة المهينة ... وربما انزلقت هذه العبارة من فم تشرشل آنذاك ولكن آذان الأقدار تلقفتها الآن بعد عقود مديدة .. فهل تركيا من حيث لاتدري تطبخ نفسها ليتناول لحم الديك الرومي ضيوف الشرق الأوسط الجدد ... الصين وروسيا وايران؟؟ ..ان أبلغ تشبيه لوضع تركيا اليوم هو أنها الديك الرومي الذي يتخبط بلا رأس ..ويرتطم بكل الجدران .. وهناك عيون ترقبه .. ليكون طبق العشاء ..أحد زواري الغربيين لفت نظري الى ملاحظته من أن ايران خلصتها الأقدار من خصومها جميعا عندما تورطوا بحماقة في حروب خاسرة من طالبان في أفغانستان الى الرئيس صدام حسين في ورطة الكويت الى ورطة أمريكا في العراق التي شغلتها عنها .. وربما تهدي الأقدار ايران هدية ثمينة بأن تتورط تركيا المنافس الاقليمي الرئيسي المحيط بها مباشرة في حماقة التدخل في نزاع سورية الذي لايفيدها وتكون بداية نهاية تركيا بالتفسخ الداخلي وتفجر الأزمات .. فنهاية تدخّل تركيا في الورطة السورية ليست مأمونة العواقب على الاطلاق .. لأن مايحدث الآن هو أن سورية تشبه لغما هائل الحجم فيما تجلس تركيا على هذا اللغم وتعبث بأسلاكه المعقدة دون أدنى معرفة بتقنيات الألغام .. انها تشبه جاهلا أحمق يجلس فوق 5000 كيلو من الديناميت ويهمّ بالرقص .. فيما الكل يطلب منه بقوة أن يهدأ ..
ذلك لان أكثر بلد مصاب بالتشويش والدوار والدوخة هذه الأيام هو تركيا التي باتت الديك الرومي الذي قد يوضع على مائدة الشرق الأوسط الجديد .. كما أن أكثر شخص في هذه الأيام لايستطيع أردوغان أن يفهمه هو أردوغان نفسه .. وصار الرجل يتصرف دون أن يفهم عليه أحد كما وصفته بعض مقالات الصحافة التركية ..
أردوغان يتزنز بعصبية بحزام ناسف من الأزمات المتفجرة .. وكأنه يحضر نفسه لعملية انتحارية سياسية وحول خصره أصابع ديناميت سورية وعراقية وايرانية وكردية وروسية .. ناهيك عن الديناميت الطائفي والعرقي الذي يتعاظم في بلده .. أما المعارضة السورية والأزمة السورية فشكلت الزناد القادح ...وهو برعونة فائقة يضغط على زر التفجير ولايدري أنه موصول الى الحزام الناسف حول خصره وليس حول خصر الأسد .. ويبدو أن الأسد يتخلص بمهارة من الحزام الناسف الذي أعده له بعناية معسكر الشر وهاهو يلفه باتقان حول عنق أردوغان .. والأخير متشنج لايعرف ماذا يفعل ..صار واضحا أن الأسد يلاعبه بمهارة فهو لايريد منازلته في الحرب المباشرة لكن الأسد يربطه بنعومة وهدوء سياسي الى الحزام الناسف .. وهناك لاشك من يورط بخبث أردوغان في التحرك بعصبية وهو يحمل حزامه الناسف..كما ورّط الرئيس صدام حسين بالحرب على ايران والكويت ..
لقد صار الرأي العام التركي يميل لاعتبار المعارضة السورية نذير شؤم عليه بما تحمله من تعقيدات الأزمة السورية وسببا محتملا لكارثة تركية قادمة من الفوضى والصراعات وبدأ نوع من النفور منها والتشاؤم من ذكرها .. فيما يحاول الديك الرومي اقامة مهرجانات التعبئة والاحتفالات والزج بالدعم الاسلامي للتخفيف من هذا الشعور المرير وتقديم الاستعراضات بخطف الطائرات والايحاء أنه زعيم الاسلاميين الاكبر .. بشهادة جوقة الرديدة من خالد مشعل ومحمد مرسي والغنوشي..
ومع الوقت صارت هناك شكوك كثيرة ان كان أردوغان مصابا بالصمم السياسي ولايسمع صوت الأزمات القادمة اليه وتحذيرات الأقدار ..بل انه لايرى من تصريحات الساسة الأطلسيين سوى نصفها .. أي النصف الذي يؤكد دعمهم لتركيا كعضو في الناتو .. أما النصف الآخر الذي يتراجع عن التورط فلا يسمعه .. وربما كان فريق المستشارين الذين يحيطون بالرجل يقودونه عن قصد (أو غير قصد بسبب قلة الكفاءة) الى نهاية سياسية مأساوية .. لأنه في كل الحسابات - حتى في حسابات المبتدئين وذوي الملكات السياسية المتواضعة - لاتوجد حكمة في التحرش بروسيا مثلا التي صارت طائراتها تحلق في قبرص اليونانية .. كما أن تركيا لن تجني من حربها المفترضة على سورية الا الخراب مهما حققت من انجازات عسكرية ..حتى لو تمكنت من احتلال أجزاء من شمال سورية .. لأن المأمول كان في سقوط النظام ذاتيا من دمشق كي يسقط شمال سورية في سلة الطيب أردوغان .. أما بالحرب المباشرة فان السيناريو قد يعني أن تغرق تركيا في البحر قبل أن تصل الى دمشق .. لأن السوريين الوطنيين سيقولون ببساطة وبتحدّ وعناد: سنغرق سورية في البحر المتوسط ولن تعود عثمانية !!
مابناه الأتراك من اقتصاد عبر عقود قد ينهار لينتظر عقودا ليعود ..لأنه من المستحيل أن يترك السوريون الأتراك يعلنون الحرب دون أن يؤلموهم بشدة ويوجعوهم حيث أشد وجعهم .. أقله تحطيم كل السدود والمنشآت الاقتصادية الرئيسية والتي وان تولى العرب الخلايجة تعويضها واعمارها فستحتاج سنوات مديدة لتقلع .. وكلنا نذكر زلزال تركيا منذ عدة سنوات والذي تسبب بسؤال مخيف عن احتمال انهيار السدود بفعل زلزال مشابه يقترب أكثر .. ويومها انطلقت دراسات جادة قام بها الخبراء الأتراك ونظراؤهم الغربيون كشفت عن التغيرات الهائلة ومدى الدمار الشاسع الذي سيلحقه انهيار أحد السدود الكبرى شرق تركيا والذي لن تشفى المنطقة من أضراره الا بعد سنوات طويلة وشبهها أحد الخبراء بأنه شبيه بقنبلة نووية مائية أو بتسونامي هائل يتدفق منه 30 مليار متر مكعب من الماء في لحظات .. هذه المخاوف مطروحة بشدة في حال قرر أحد الصواريخ السورية الضخمة أن يستحمّ في أحضان سدود أتاتورك
..
علاوة على ذلك هناك تقارير لمؤشرات على كارثة سياسحية تؤكد لأردوغان أن عدد السياح الذين ألغوا حجوزاتهم الى بلاده تضاعف أربع مرات بعد القذيفة السورية على أراضيه منذ أيام وهذا الرقم يتزايد كل ساعة يزيد فيها من توعداته ..هذه قذيفة واحدة أكلت بضعة ألاف من حجوزات السياحة فماذا لو سقطت آلاف منها ..وماذا لو قررت الصواريخ السورية السياحة في مدن تركيا بدل السياح الغربيين؟؟ .. بل أكثر من ذلك فان سمعة تركيا الآن بدأت في التبلور عبر وسائل اعلام غربية بأنها تستقبل مقاتلين متطرفين وهذا ماينفر السياح الغربيين ويثير قلقهم من أن ينشط هؤلاء المقاتلون ضد أهداف غربية في تركية مثل المنشآت السياحية كما حدث في مصر سابقا خاصة أن مشاهد عنف الثوار السوريين القادمين من تركيا تنتشر بسرعة (وبالذات مشهد الذبائح في مدينة الباب على حدود تركيا وهي ترمى من علو شاهق وقد بعث بها لي صديق فرنسي يسأل عن معرفتي بها) .. والسائح الذي يغادر بسبب قلة الاطمئنان لن يعود .. والسياحة التي تتعطل لاتشفى بين يوم وليلة .. بل تحتاج أشهرا لاستعادة الثقة وتهدئة الروع ..
القلق الآخر الذي لم يتنبه اليه الأتراك واستهتروا به هو أن كم التطرف الذي استقبلوه كالوقود في البراميل لتصديره الى سورية بدأ ينسكب داخل حدودهم لأن سورية لم تسقط بسرعة وبقيت براميل الوقود تتوقف في تركيا .. وصار من المسلّم به أن تطاول الأزمة السورية سينقلها بشكل حتمي الى عش الديك الرومي بسرعة لأن الآلاف من المقاتلين الاسلاميين الذين يسيلون كالزيت على جدران البيت التركي صاروا يتسربون الى داخل البيت أيضا .. فليس فقط مال النفط من دخل بيت أردوغان بل صار في بيت أردوغان البنزين سريع الاشتعال .. وصار المتطرفون الاسلاميون يتسللون كالعناكب الى البيت السوري وينتشرون في زوايا البيت التركي أيضا .. وتتحدث تقارير متقاطعة عن أن التوتر بين الطوائف على الحدود التركية قد بلغ مدى قياسيا وتنشر مشاعره كانتشار النار في الهشيم ..واذا تزايد هذا التوتر فربما تشتعل حرب أهلية في تركيا قبل أي مكان آخر ..خاصة أن الرجل يستفز الأقليات التركية بشكل غير عقلاني..
ويبقى السؤال الذي يجول في مقاهي استنابول .. لماذا هذه المغامرة؟؟ هل هناك من يوحي للرجل أن القضية سهلة ومحسوبة؟؟ وصارت أسئلة استهجان تتصاعد عن سبب استفزاز روسيا بعد أن كان مفهوما استفزاز سورية وايران والعراق .. هذه روسيا ياأردوغان وليست سورية كما قال أحد الغاضبين الأتراك في مشهد احتجاجي والذي أضاف: ان هذا الأحمق يجمع علينا الأعداء من كل حدب وصوب واذا وقعنا فلن يهرول الناتو الينا..هذا الرجل يدمرنا ..
مابات واضحا بلاشك أن تركيا فقدت أعصابها تماما وفقدت القدرة على التركيز ومعرفة القرارات المناسبة .. ولكن ماصار يخشى هو أن الأتراك يسيرون بأنفسهم الى التهلكة وبعض الأتراك يعتقد أن اردوغان الطائش صار قاب قوسين أو أدنى من خيار شمشون بهدم الشرق الأوسط على نفسه وعلى خصومه .. وأن كل هذه العنتريات والزعرنات قد تعكس قلقا عميقا وتخبطات التائه .. فلايوجد عاقل في تركيا الا ويعرف أن الساعات الأربع والعشرين ساعة الأولى لأي تورط عسكري في سورية سيعقبه ترنح صرح الاقتصاد التركي المعتمد على رساميل غير تركية بمئات المليارات التي طالما تباهى الاسلاميون بالتجربة التركية من خلالها والتي ستبدأ بحزم حقائبها في الحال .. وسيعجل الرحيل بمجرد اجتياز الصاروخ السوري الأول للحدود نحو الشمال .. كل صاروخ يسقط سيحل محل بضعة مليارات من الاستثمارات الهاربة..
هناك من يقول بأن أردوغان بلغت به السذاجة السياسية أنه يعتقد أنه يستطيع أن يناور بذكاء ودهاء وأنه لاأحد يفكك شيفراته .. فقد صار من شبه المؤكد أن أردوغان لايريد اشعال الحرب مع سورية في هذا التوقيت بالذات لسبب بسيط وهو أنه ينتظر نتائج الانتخابات الامريكية .. لأن هناك بعض التوقعات بانتهاء عهد باراك أوباما وبداية العهد الجمهوري وعصر (ميت رومني) أو الديك رومني.. والأخير يروج انه سيعمل على تزويد المعارضة السورية بالسلاح ورفع وتيرة المواجهة مع الروس والصينيين .. وهو يعني أن يسمح الديك "رومني" للديك الرومي أردوغان بمنح المسلحين الطالبانيين السوريين صواريخ ستينغر ومضادات دروع متطورة لقلب ميزان الصراع الذي يميل بقوة لصالح الجيش السوري .. وتوجد لدى بعض المثقفين الأتراك قناعة أن هناك من يقود الرجل بالخديعة ليضع قدمه في الهاوية ..لأن الأطلسي لايريد الحرب ..وأقصى مايفعله قد فعله ولايجب انتظار أو توقع الكثير منه..
لكن العقل التركي الذي طالما احتقره والدي - وطالما نعت به خصومه الذين غضب منهم بأن عقلهم تركي وجامد- هو الذي لايفهم أن ميت رومني لايجرؤ على تسليح المعارضة بأكثر مما فعل أوباما خوفا من وقوع هذه الأسلحة بيد قوات موالية للأسد ستحولها الى حزب الله وأبناء عبد الله أوجلان .. ورومني يعرف بقية القصة بالتأكيد ..
فالرجل الساذج الطيب أردوغان اذا ورغم عنترياته لايريد الحرب الآن بل يريد "أجواء الحرب" ريثما يصل حزب الحرب (الجمهوري) وميت رومني .. ويعتقد أردوغان المعتوه أنه يناور بمكر الثعلب وأنه سيمسك بميزان درجة الحرارة عى الحدود ويضبط ايقاع وارتفاع الزئبق فيه .. وانه سيعمل على أن تبقى الحدود السورية التركية ساخنة دون أن تلتهب بالحرب لتبقى المعارضة السورية متعلقة بالأمل وكي لاينفرط التحالف الشرير حول سورية بالاحباط والملل وكي يحلب ضرع المال من أبقار السعودية وقطر .. كذلك فانه يريد للحدث السوري أن يبقى في الذاكرة العالمية دون أن يغيب كليا ريثما يصل موكب الكاوبوي الأمريكي ورعاة البقر الجمهوريون..
أما اذا لم يصل الموكب المنتظر فيعتقد أردوغان أنه يستطيع أن يبرّد الأجواء ويقول (سامحونا ياشباب) ..فالانتقال من الجو الساخن المتوتر أسهل من الانتقال من اعاصير اللهب والحرب..كما يعتقد عقل الديك الرومي البائس وهو التركي الذي يعرف أن دخول الحمّام ليس كالخروج منه ..
ولكن في الأيام الأخيرة وصلت رسالة أخرى مجهولة المصدر الى أردوغان من صحراء النقب هذه المرة لكن فيها بعض الأبجدية السورية .. هذه الرسالة حملتها طائرة حزب الله التي اخترقت دفاعات اسرائيل ورادارات التكنولوجيا التي اصيبت بالعمى نفسه الذي أصاب رارادات رأس اردوغان .. فرسالة حزب الله واضحة في اصرارها على اعادة انتباه الناس الى الصراع مع اسرائيل الا أنها موجهة أيضا الى حلفاء اسرائيل في المنطقة وبالذات الحليف السلجوقي ابن السلجوقي والسلجوقية الديك الرومي فاقد الرأس .. وهي أن على الغبي أردوغان ان يتبصر .. فالطائرة التي تخترق دفاعات اسرائيل وأساطيل الناتو المعقدة جدا ماذا ستفعل بدفاعات تركيا ان طارت شمالا؟؟ ان اسرائيل هي أكبر تجمع لتكنولوجيا الرقابة والرصد في الكون على أصغر بقعة جغرافية ومع هذا فقد انزلقت طائرة أيوب وانسابت بنعومة موسيقية في أجواء اسرائيل كما تنساب عصفورة الصيف في كروم الجليل ..وتركيا شاسعة وحدودها مديدة جدا وستكون عصافير "أيوب" مغتبطة برحلات التنزه المشمسة فوق العسكر الأتراك ..عبر كل الحدود ..
وطائرة حزب الله ايرانية .. وتكنولوجيا ايران الموجودة في سورية تعني أنه في الحرب القادمة قد تهبط هذه الطائرات الدقيقة وحمولتها في مقرات الحكومة التركية وفي غرفة مكتب رئيس الوزراء وربما تدخل في غرفة نوم السيد اردوغان من نافذتها وتحط في فراشه .. بينه وبين زوجته اذا أريد ذلك ..ليفيق ليجد أنه يعانق "أيوب" وليس حرمه المصون!! واختيار توقيت 6 تشرين لاطلاق طائرة أيوب له مدلول قوي وهو تاريخ مقدس ويعني الكثير في سورية .. وهو بامتياز انعكاس عن الرسالة السورية المتضمنة في الرسالة لاسرائيل وحليفها السلجوقي ابن السلجوقي والسلجوقية أردوغان ..الديك الرومي الطائش..
تركيا لاتصدق - كما لايصدق الكثيرون - أنها بعد أن كانت تريد اعادة الرجل المريض الذي مات الى الحياة صارت نفسها الديك الرومي المنتوف والمعد للشواء على مائدة يتحلق حولها الكثيرون من ايران حتى اليونان .. بمن فيهم الدب الروسي الذي استفاق من غيبوبته جائعا لمجده وغاضبا من أصوات كلاب الصيد التي تقترب منه .. ليجد أمامه ديكا روميا شهيا يتخبط من غير رأس ..
شهية المنطقة فتحت على لحم الديك الرومي .. أما طيور الفينيق .. فتخرج من تحت الرماد .. لتحلق عاليا ..ولاتسألوا ونستون تشرشل .. بل فلاديمير بوتين وأحمدي نجاد .. والرئيس بشار الأسد.. وبالطبع الشعب السوري .. والجيش العربي السوري ..مفخرة الشرق المقاوم..
هجوم زاراداشت المعاكس .. وقوافل الثوار في رأس الرجاء الصالح
التاريخ : 2012/10/25
تستحق مقابلة رياض حجاب مع الجزيرة أن يكون لها عنوان برّاق هو "هكذا تكلم زاراداشت" تيمّنا بكتاب (هكذا تكلم زاراداشت) للفيلسوف فريدريك نيتشه .. ليس لأن المقابلة تضاهي الكتاب .. بل لأن الغاية من المقابلة كانت محاولة لتبرئة قطر والجزيرة والثورة السورية من الجريمة الأخلاقية التي ارتكبتها .. ومحاولة لغسل الدم على أيدي الثوار وشنبات أمير قطر .. باستعمال الكلام الفصل النهائي لزاراداشت الثورة السورية ..رياض حجاب ..
لمن لم يسمع مقابلة رياض حجاب على الجزيرة فنصيحتي له بالحاح أن يسمعها ان أراد أن يعرف المعضلة التي وصلت اليها مايسمى الثورة السورية .. والمأزق الأخلاقي للثورجيين .. هذه من أهم المقابلات على الاطلاق التي تظهر أن الثورة مأزومة ومتألمة بشدة وانها تصارع للبقاء على قيد الحياة أخلاقيا وأن معسكر قطر ومشروع الربيع العربي في سورية بدأ يظهر مؤشرات قوية على أن سورية تنزلق من بين يديه ..وأن مزاج الناس لم يعد كما كان ..
وليس أدل على أزمة أخلاقية كبيرة تعيشها الحالة الثورية العربية والسورية تحديدا الا اطلاق هذا اللقاء بالتقارب مع زيارة أمير قطر وموزته الى غزة ..فهناك بالتأكيد معضلة جوهرية بدأت تلوح في الأفق تستدعي هجوما مجوقلا لاسترداد السمعة الأخلاقية المتداعية للربيع العربي .. زيارة حمد وموزته تشبه مقابلة الجزيرة مع رياض حجاب من حيث التوظيف والاستثمار كل منهما مرافعة دفاع بطريقة مختلفة .. ويراد بها اثبات مصداقية واسترداد شرف مراق .. ففي غزة يتطهر حمد من رجسه .. وفي الجزيرة يظهر رياض حجاب ليطهر الجزيرة وأميرها ..ويطهر الثورة وأمراء الحرب فيها .. فتعالوا نقرأ في هذين الحدثين العابرين ونسبر أغوار هاتين الخطوتين المتساوقتين والمتناسقتين والمتزامنتين لتحقيق هدف واحد وهو انقاذ الربيع العربي وقائده القطري من سمعته السيئة ..وانقاذ "الثورة" السورية من ترديها في الاحتقار الشعبي والشك العميق ..الذي هوت فيه ..
غزة .. أم رأس الرجاء الصالح؟؟
علاوة على بعثرة الفلسطينيين فان حمد يريد بزيارته الى غزة تضليل الناس وازالة روائح الدم العالقة بجسده عبر الاستحمام في بحر غزة .. والحصول على شهادة "لاحكم عليه" من قبل الأحرار .. غزة صارت مقر اصدار شهادات (حكم عليه) .. أو (لاحكم عليه) .. لأنها خزان دم الشهداء المعطر .. ولأن فيها كل الصواريخ التي نقلتها أكتاف مقاتلي حزب الله عبر الأنفاق الى مقاتلي حماس .. وحيث يلتقي الدم بالصاروخ تصدر شهادات لاحكم عليه ..والى هناك توجه حمد وموزة ..واشتريا شهادة لاحكم عليه ..بأربعمئة مليون دولار
صارت غزة وحماس المطهر الذي تتطهر به الخيانات العظمى .. فكما منح خالد مشعل صك البراءة لأردوغان من كل جرائمه في حق السوريين فان غزة صارت تبيع شهادات (لاحكم عليه) لمجرمين ومنافقين وقتلة وفاجرين ولصوص .. كم هو عار على غزة أن تستقبل أميرا بسوية أمير قطر وأن تقوم بغسيل أمواله .. كم هو عار أن يغسل دم الشهداء في غزة مالا حراما ومالا مسروقا ومالا يقتل جيرانهم .. لاأحد يعرف ماذا فعلت الأيام حتى صارت المدن المحاصرة تستقبل حقائب الذهب ..وتبيع الصواريخ ..؟؟ولاأحد يعلم كيف صار الدم يغسل الوجوه المسودة ويبيضها..
في التاريخ كان ظهور رأس الرجاء الصالح سببا من أسباب أفول الشرق وصعود الغرب .. وغزة اليوم صارت رأس الرجاء الصالح الذي تمر عليه سفن فاسكو دي غاما (الربيع العربي) .. مدينة تمر بها قوافل التجار الذين لايريدون المرور في دمشق بل للوصول الى قهر دمشق .. ويريدون قطع طريق الحرير القديم الذي كان يمر في بلاد الشام وحلب .. غزة تتحول الى رأس الرجاء الصالح لضرب دمشق وحلب..
ولاأستبعد أن يصل الى رأس الرجاء الصالح في غزة مغامر مرهق مثل أردوغان الذي بشره خالد مشعل بقرار لاحكم عليه في استانبول ليقلده وسام الأحرار .. ولاأستبعد أن يصل الى رأس الرجاء الصالح أحمد فتفت ليقدم له الشاي وفؤاد السنيورة وصديقته كوندي وسعدو الحريري ووليد جنبلاط وبندر بن سلطان وسمير جعجع .. وكل أصحاب سوابق الخيانة والعمالة .. فللوصول الى توابل دمشق لابد من طريق رأس الرجاء الصالح .. وهي طريق كل من يريد الوصول الى نهاية القضية الفلسطينية .. ولاتستغربوا ان وصل اليها أولمرت نفسه وتسيبي ليفني وجورج بوش وديك تشيني .. ولاتستغربوا ان يستحم في بحر غزة مابقي من أيريئيل شارون كي ينهض من سباته .. ولاترفعوا حواجبكم دهشة ان سمعتم أن أبا رغال نفسه قادم من أعماق التاريخ ليستحم في بحر غزة ويستلقي على الشاطئ قرب ضريح جدنا هاشم .. وأن يصل العلقمي من بغداد عبر معبر أبو سالم ..ومعه أبرهة الاشرم ..وأبو جهل ..وأبو لهب ..ومسيلمة الكذاب .. وهولاكو ..وتيمورلنك .. ونابوليون بونابرت ..وغورو والأميرال اللنبي ..ولورنس العرب والسيدان سايكس وبيكو .. بحر غزة يطهر الروح بالملح الثوري كما يطهر الحج المؤمنين الورعين .. ويرغم الملائكة على تعديل ماتكتبه في ألواحها المحفوظة على أكتافنا ..حتى لو كتبت الملائكة عن عقوق الأب وطعنه .. وحتى لو كتبت الملائكة عن قاعدة العيديد .. وعن صفقات العلاقات السرية مع الليكود ..فكلام الملائكة على الرمل وأمواج بحر غزة تمحو مايكتب على الرمل..
ان غزة بلهجة اهل قطر اسمها "قزة" كما يلفظها حمد بن خليفة ..وقطر اسمها "غطر" وتبادلية حرف الغين والقاف ليس صدفة بل ربما لأن "غطر" بدأت تبتلع "قزة" .. والقزّة لغة هي عذارى الفراشات التي تحيك شرانق الحرير حول نفسها وتنام بسلام فيها تنتظر اطلاق أجنحتها .. مشروع التحليق والحرية الطموح للشرانق ينهار ويتحول الى مشروع انتحار عندما تنزل من الشجر الى مزارع الحرير .. لأنها سترمى في الماء المغلي عندما يقطف الحرير .. و "قزة حمد" تأكل من يد حمد وتنام في شرنقتها وتعزل نفسها عن أمها .. الى أن ياتي موعد قطف الحرير .. ولايبقى من غزة هاشم الا فرع جديد لقاعدة العيديد في "قزة" .. بعد ان يملأها أميرها بالعمارات والرشوات ويشتري منها الصواريخ والبنادق .. فحيثما حل هذا الأمير تدنى المستوى الأخلاقي للأمم والأديان والثورات .. فكل شيء يباع للأمير .. يباح .. حتى الجهاد..وحتى الدين .. وحتى الثورات
..
قراءة في مقابلة الجزيرة مع رياض حجاب:
وبالعودة الى مقابلة رياض حجاب مع الجزيرة التي ستستمتعون برؤيتها .. فلاتكترثوا لاجابات هذا الرجل الدمية ولاتعيروها اهتماما وركزوا على الأسئلة التي وجهت له .. لأن الجواب دوما هو الضماد الذي يغطي الجروح والقروح والكمادات الباردة على الجباه التي تعاني من حرارة الحمى .. أما السؤال فهو الجرح المفتوح الذي ينزف تحت الضماد وهو الحمى نفسها .. أجوبة رياض "كممرض" وضماداته وكماداته متوقعة من شخص يحاول اخفاء الغرغرينا في جراح الثورة ..ولن يقول لكم الا مايريد أن يقول في تمثيلية المقابلة .. وهي أجوبة متوقعة من شخص يروج لاعلانات بضاعة مغشوشة .. ففي المعارك الاعلامية ينشغل الناس بالأجوبة ويغوصون في تفاصيلها لكن الباحثين الثقاة والمراقبين الدهاة للحقائق لايكترثون بالأجوبة (البضائع المغشوشة) لكن يسألون عن قوافل الأسئلة التي حملت البضائع عليها .. ومن أين أتت ومن أين مرت ومن أي واحة شربت .. وهل القافلة مرهقة وبغالها منهكة ..والقاء النظرة على البغال يعطينا الخبر اليقين فلكل دابة وراحلة وشمها ..فكيف كانت بغال علي الظفيري التي حملت بضاعة زاراداشت الثورة ..وماذا كتبت الوشوم على جلودها؟؟
من نوع الأسئلة لم يكن الغرض من المقابلة رفع معنويات المقاتلين والقائمين على مشروع التغيير ولادك حصون النظام السوري بل كان لمعالجة أزمة واضحة كشفتها الأسئلة وهي أزمة بدأت تقض مضاجع القائمين على الثورة ومشروع التغيير في سورية وتثير بالغ القلق من ارتفاع حرارة المريض ..وانتشار الغرغرينا .. ومن يرفع الضماد سيشم رائحة القروح .. ومن ينظر الى القوافل سيرى حميرها وبغالها منهكة ومرهقة ..
ففي عمق برنامج (في العمق) كان من الممكن أن نرى اعترافا لأول مرة بأن الثورة تقر بأنها في قفص الاتهام بالعنف والكذب وأنها مخترقة بالمشاريع المتناطحة المتناقضة .. وأن الجزيرة كانت في الحقيقة عبر أسئلتها في حالة مرافعة للدفاع عن اسمها لأن اللقاء المرتب بعناية كان لأول مرة في حالة دفاع مستميت عن النفس .. الثورة كانت تدافع عن نفسها وعن سمعتها .. وقطر والجزيرة تخضعان لعلاج مكثف لاسترداد العافية وثقة الناس الذين تحولوا عنها .. لأن المقابلة التي أريد لها في الظاهر أن تكون مقابلة تنغرز كالسيف في خاصرة الدولة الوطنية السورية لم تكن (في العمق) الا محاولة لاطفاء الحرائق المندلعة في صدقية الجزيرة وأميرها .. ولاعادة الثقة المفقودة بصدق الثوار والمسح على عقول الناس لتبرئة الثورة من الجريمة المنظمة والعنف اللذين طفيا على نهر الثورة المليء بالتماسيح .. والمقابلة كانت محاولة لاستعمال وجوه بارزة من المنشقين (الفارين) كالمكانس لكنس القمامة المتراكمة على وجه قطر..ووجه أميرها ..
واقناعنا أن التماسيح الموجودة في بركة الثورة وديعة كالدلافين ومهمتها انقاذ الغرقى ..
كانت الحلقة خاصة جدا لتخليص الثورة السورية من سمعة التصقت بها ولوثات كبرى علقت بها وبدا أن ثياب الثورة عالقة في سياج الكذب وسياج الريبة بها وهي تحاول السرقة كما لصوص الحقول والبساتين وجاء رياض حجاب في مقابلته يحاول تخليصها بحكم أنه جاء من قلب النظام .. لكن مافعله أنه شدها بقوة فخرجت من السياج عارية وقد بقيت ثيابها عالقة على السياج .. سياج المنطق الوطني والفطرة .. وبدت المقابلة محاولة يائسة لترقيع ثوب الثورة الممزق الذي يرى تحته جلد الأفعى الأملس والمرقط .. ولاأبالغ ان قلت انها محاولة لترقيع عذرية الثورة واستعادة بكارتها .. فاستعمل رياض حجاب كغشاء البكارة الصناعي للقول للمعارضين بان "ثورتكم عذراء فلا تسيئوا بها الظن .. ان بعض الظن اثم .. فليس هناك كما يقال في كتب التراث "الميل في المكحلة" ..ولاوجود لمؤامرة .. لاوجود لميل اردوغان ولاميل حمد ولا ميل بندر ولاميل أوباما ولاميل هولاند وبرنار ليفي .. ليس أي من هذه "الأميال" في مكحلة الثورة الطاهرة ودبرها .. هكذا تكلم زراداشت الثورة .. رياض حجاب..
مااتفق عليه كل من رأى المقابلة أن ماقيل فيها لم ينحرف قيد شعرة عما قالته الجزيرة على مدى عامين من الأزمة السورية بل كانت كل اعترافات حجاب تلخيصا وظلاّ لكلام الجزيرة وصورة مرآة لما قالته وتوأمة لكل معلومة نقلتها .. والرسالة المراد ايصالها هي: الى المشككين بمصداقية الجزيرة والثورة .. ان الجزيرة لم تكذب ابدا وأن الثورة لم تكذب ابدا في اي حرف بدليل كلام زاراداشت الثورة .. رياض حجاب ..وهذه هي الغاية من اللقاء .. ولاأعتقد أن رياض يمكن أن يدلي بمقابلة الى قناة الميادين وأمام غسان بن جدو مثلا التي سيظهر فيها هذا الزاراداشت تائها شاردا متناقضا متعرقا .. ويقطر دهنا كما لو كان يتقلب وهو يشوى على نار الأسئلة المتحدية ..وهنا أستطيع تحدي الثورة في السماح له في الظهور على قناة الميادين مثلا ..وأتحداه ان تجرأ على ذلك دون اذن رئيس الديوان الأميري القطري ..وان ظهر فليسقط سقوطا حرا وليعرف الجميع كيف تسقط الدمى ..
هذا التطابق والتماهي الساذج في كل مانقلته الثورة والجزيرة وقع في محظور وفخ مربك .. لأن التطابق 100% لايمنح مصداقية بقدر مايثير الشك في مصداقية الوسيلة الاعلامية التي باتت تدافع عن نفسها بهذه الطريقة الفجة .. وكان يجب اظهار بعض الفوارق في التفاصيل والاختلافات الطفيفة وذكر بعض الأشياء التي قيلت ويتم تصحيحها .. لأن عالم الاعلام اليوم في المقابلات الثقيلة العيار يعتمد على الخبطات والمفاجآت بأن يظهر الثغرات التي قد تشوب عملية النقل الاعلامي قبل المقابلة بسبب ظروف الحصول على المعلومة كما يفترض .. لكن أجوبة زاراداشت الثورة رياض حجاب كانت تشبه بصمات ابهام القرويين الأميين على بيانات مختار القرية (الجزيرة) دون مناقشة .. الأصابع تتلون بالحبر .. فيما علي الظفيري (المختار) يمسك أصابعه ويضغطها على الورق دون اعتراض لتبصم .. أوراق الجزيرة المزورة كانت أمام أصبع القروي رياض حجاب الذي كان يبصم على كل شيء قاله المختار مستسلما لقدره ..هكذا ظهر زاراداشت ..رياض حجاب
بصم القروي على الورق الذي قال ماقال عن القتل العشوائي للدولة ضد المدنيين والحلول الأمنية وعشرات آلاف القتلى والمعتقلين وعن مسؤولية روسية والصين عن الدم السوري وعن مصادرة القرار السوري من قبل ايران وروسيا .. وعن غزو ايراني لسورية وعن وجود ميداني لمقاتلي حزب الله .. وكل شيء دون أن ينحرف قيد شعرة عن خط الجزيرة .. ولم ينس دور قطر الملائكي في كفكفة دموع السوريين وعن ضرورة تدخل الناتو (الطلب العزيز على قطر) .. القروي كان يبصم بابهامه دون تحفظ على كل ماقالته الجزيرة سابقا ولم يعترض .. بل وكان مسليا جدا ان القروي كان يصر على تكرار اسم الرئيس الأسد مجردا من لقب الرئيس بشكل متكرر مقصود ملفت للنظر -كما أوصت تدريبات المقابلة- للزج بهذا التجريد في عقل المشاهد .. حتى يتم نفسيا نقل هذا النزع لهيبة مقام الرئيس الى عقل المشاهد والتعامل مع الرئيس الأسد كأنه فقد الهيبة
الرئاسية .. من قبل رئيس وزرائه ..وأنه صار مجرد اسم بلا عنوان وبلا حقوق ..هكذا تكلم زاراداشت الثورة السورية .. رياض حجاب
فالحديث في (العمق) مع شخص يعتبر ذروة "المنشقين" وصندوقهم الأسود ودرتهم الثمينة يفترض ألا يكون مجترا ومكررا عن النظام السوري بل أن يكون مليئا بالصراحة وبالأسئلة عن الثورة السورية وافرازاتها ومآلاتها ومستقبلها وتشخيصا موضوعيا لأزماتها الداخلية وعثراتها وتصويبا لرهاناتها واعترافات ومصارحة عن الثقوب والعيوب التي أصابت العمل الثوري الذي كان من نتيجته الفشل في زحزحة النظام قيد شعرة أو تخويفه .. وكان (في العمق) يجب أن يكون عن المعارك الخاسرة مثل معركة دمشق والتساقط التدريجي بالقضم اليومي لمعاقل التمرد في حلب .. وعن المراجعات التي يجب أن تجرى مثل الرهان على تركيا والناتو وليس من باب الاعتراف بالهزيمة كما يخشاه الثورجيون بل من باب ادراك عدم سهولة المعركة وضرورة معرفة الأسباب الحقيقية لفشل الانجاز الثوري حتى الآن دون بيع الناس أوهاما وملء نفوسهم بأحلام اليقظة ..وبطولات باب الحارة..وباب الهوى
ومع هذا فلم يخل حديث زاراداشت الثورة من بعض الطرائف والدعابات الظريفة مثل طرفة أنه أراد بالهروب ابتغاء مرضاة الله لأن الله لايرضى عن المؤمنين الا في الأردن حيث ملوك خيبر وحيث موساد شعب الله المختار يتجول في عمان كما كان رياض حجاب يتجول في دير الزور .. وحيث أرسل الله الوحي لارسال سفير الى اسرائيل من الاردن .. ويبدو أن الله جعل من عمان يثرب المؤمنين .. ومن الملك عبد الله الثاني سعد بن عبادة الأنصاري .. وصارت دمشق هي قريش .. وأمير قطر هو أبو أيوب الأنصاري الذي بركت عنده ناقة (النبي) المنشقة عن أهل مكة .. وصار الله يحب الناتو وأهل الناتو ومن يبتغي مرضاته أن يلجأ للدعاء للناتو واللجوء الي الناتو .. وصارت الهجرة الى فرنسا مثل هجرة المسلمين الى النجاشي في الحبشة .. أما الله فصار عثماني الهوى وسلجوقيا ..وربما عضوا في الناتو ..وهناك مرضاة الله
أما الأكثر طرافة وظرافة فهو أن زاراداشت الثورة لم يتقاض مالا من قطر .. رغم أن كل القبيلة التي هاجرت معه لاتعيش في خيام معسكر الزعتري كما نعلم من دون فواتير وتكاليف الاقامة لعائلته التي تقدر الآن بحوالي 60 ألف دولار شهريا بالحدود الدنيا .. لأن القريبين من عائلته يقولون ان لاأحد من أهله في الخيام بل في المناطق الراقية كما أن أبناءه يعيشون في بحبوحة بعكس لاجئي المخيمات .. ولو كانت قناة محايدة هي التي أجرت اللقاء لسألته لم لا يساوي نفسه بلاجئي المخيم ويختار خيمة بينهم ويدفع بأبنائه للعيش بين أبناء اللاجئين بين الرمال..ولكن الرفاهية التي يحاط بها والسخاء يقولان شيئا آخر .. ولادليل على قبض المال الا خضوعه المطلق لكل بيانات الجزيرة وعجزه عن الافتراق والاختلاف عنها ..
هذه المقابلة بالطريقة التي صيغت بها وعرضت تشير الى تراجع في مواهب العاملين في الجزيرة الذين صاروا يتصرفون بطريقة شباك التذاكر والاثارة والأكشن بعد أن بدأت ميادين غسان بن جدو تجتاحها حصنا حصنا وقلعة قلعة وترميها حجرا حجرا بحيادية ومهنية واحترام لعقل المشاهد بدرجة قصوى واعادة تركيب العقل العربي الذي فجرته قنبلة موقوتة زمنية اسمها الجزيرة ولم تبق منه الا مثلما بقي من جسد وسام الحسن في الأشرفية .. شباك تذاكر الجزيرة جاء برياض حجاب عله يستعيد بعض الجمهور الذي نجا بنفسه الى الميادين الحرة .. مقابلة كانت الجزيرة تستجدي من خلالها العطف وتحلف الأيمان المغلظة على أنها لم تكذب أبدا ولم تفبرك ولم تنحرف .. وكل من يرى المقابلة لايساوره شك أنه تم الاعداد لها بعناية فائقة لتبدو عفوية وأن حجاب كان كالتلميذ الذي حفظ الدرس عن ظهر قلب ..
ولو كنت في مكان الجزيرة والمعارضة لما أخرجت هذه المقابلة بهذه الطريقة المسرحية السمجة..بل طرحت أسئلة صعبة جدا وجديدة على رئيس وزراء الثورة "البطل" ..وماانشغلت بتفاصيل هروبه المملة.. بل واجهته بأسئلة عن مصاعب الثورة واخفاقاتها وليس بتبرير فشلها .. ولسألته عن عنفها وعن هيكلية عملها وطريقة تحسين سمعتها وعن الجثث الملقاة من الاسطح التي وصلت الى كل العالم وهدمت من سمعة الثورة .. وكان من المفيد جدا ان يقول بعض الكلام القاسي بحق بعض (الأخطاء الثورية) ..فيبيّض مع أخيه الصغير علي الظفيري سمعة الثورة وقدورها السوداء..وأسنانها الحمراء .. ولكن التبييض كان يحتاج شنبات عزمي بشارة الكثيفة التي تشبه فرشاة ضخمة.. التي تبيّض حتى الليل الداجي وتلون بالابيض سواد الحرائق ..
بدا واضحا أن اللقاء مصمم للرد على المشككين بالثورة وقدرتها على الاستمرار من ضمن الثورة نفسها ومن ضمن الجمهور العربي المتذبذب .. ويدل على أن هناك قلقا عميقا من تحولات نفسية كبيرة وتمرد على الارادة الثورية وقناعات الناس .. وان الوضع حرج .. فلم تعد الغاية الهجوم على النظام السوري بل الدفاع عن أكاذيب الثورة وشرفها الذي تحوم حوله شبهات جارحة كما تحوم النسور والطيور الجارحة حول حيوان جريح يحتضر .. والطيور صارت تقف قريبا منه تنتظر أن يلفظ أنفاسه فيحاول طردها بحركات منفعلة توحي أنه ينتعش وأن ضعفه وهمي وأنه ناهض الى الحياة ..لكن الطيور الجائعة المنتظرة على كل الأشجار أو التي تحوم في السماء تعرف أن الوليمة كبيرة وأن الحيوان الجريح يحتضر ببطء .. رغم كل مايقال من أنه سينهض .. مهما تكلم زراداشت الثورة
أوباما الأول والأسد الثاني .. وأوباما الثاني والأسد الثالث
التاريخ : 2012/11/10
ليست مهمتي أن أداوي الناس ولاأن أمرر يدي بالمراهم على حروقهم ومواجع أرواحهم .. ولست موظفا في وحدة الحرب النفسية لأي حزب أو ثورة أو جيش .. ولكن قوة الحقيقة التي يحملها كل مقال صادق وعفوي نسجته من كل الحكايات السورية صارت تجتاز جدار الصوت وتسابق سرعة الضوء .. بعض المقالات محملة بالعفوية التي صار لها فعل الكهرباء الى حد صارت كل كلمة فيها مشحونة بالطاقة وتتسبب ملامستها بصدمات كهربائية متلاحقة للثورجيين .. بعض المقالات كانت كهرباؤها عالية التوتر وتسببت في انفلات أعصاب الثورجيين ووقوعهم بالساعة ..
كل كلمة مكتوبة هنا تتعرق جبهتها أمام القراء ان لم تملك وثائقها الدامغة .. وأهم الوثائق هي وثيقة الواقع .. ففي الوقائع قلت سابقا رغم كل التهويل ان أردوغان ظاهرة ثرثرة ولايجرؤ على دخول الحرب فلا تعيروه بالا .. وأن تركيا هي التي وقعت في الفخ ولاتعرف الخلاص .. وفي الوقائع قلت أيضا ان النظام لايمكن أن يسقط لاعتبارات معقدة لها علاقة بالمستقبل العالمي وصراع المحاور الضخمة .. قلت هذا رغم أن أحد أعضاء المجلس السوري قال في جلسة خاصة بثقة متناهية مزهوة في بداية الأحداث بأن الأمريكيين قرروا أن أركان النظام السوري سيؤتى بهم الى لاهاي في أيلول 2011 تحديدا .. وكان واثقا كما لو أن ذلك ورد في آية قرآنية أو أنه يتحدث من المستقبل ومن قاعات لاهاي التي وصل اليها قبل الجميع .. وكان ردي عليه لاحقا بأن الشعب السوري هو "لاهاي" .. وأن "لاهايه" التي يهددنا بها لاتتسع ل 23 مليون متهم .. والأهم هو أن عليه ن يتوقع أن الشعب السوري سيحضّر لزعماء المجلس الوطني الانتقالي السوري محاكمات "نورنبيرغ" عينها .. وهي المحاكمات التي حوكم بها القادة والضباط النازيون في أشهر محاكمة عالمية في العالم بعد الحرب العالمية الثانية .. لأن مافعله هؤلاء من بيع لاستقلال بلادهم ومن تآمر رخيص على أمان الناس على كل الطرق والمفارق الدولية لايليق بهم الا محاكمات ثقيلة من عيار محاكمات نورنبيرغ ..
ولاأخفيكم أن أكثر مايقلقني هو أن تمر هذه المقالات أمام عيون الثورجيين دون أن تثير حفيظتهم .. وأن يصنف الثورجيون مقالاتي على أنها واقعية لأن ذلك يعني أنهم يريدون تسويق بضاعة وأوهام لاتسمن ولاتغني .. ولاشك أن أكثر مايسعدني هو تداولهم لهذه المقالات للرد عليها ولتسخيفها واتهامها بالهذيانات الواهمة .. لأن فلتان أعصابهم هو مايشير الى أن شحنات الكهرباء وصلت الى أدمغتهم وأعصابهم .. وأن مااحتوته المقالات موصول مباشرة بأعصابهم وأسرار مواجعهم .. وللطرافة فان الثورجيين صاروا كلما دققنا بين عيونهم اسفينا قالوا انها مقالات الوهم ولاذوا بالفرار الى أوهامهم ..وتحديناهم مرارا للمبارزة واثبات العكس لكنهم اكتفوا بأن يصدقوا أحلام اليقظة..
وقد تجنبت مرارا التعليق على بعض الأحداث والتطورات في الأزمة السورية كيلا يعتقد أي قارئ أنني من أولئك الذين يكفكفون الدموع ويهدؤون الروع بمجاني الكلام .. وأنني أقوم بتلوين الليل بفرشاتي البيضاء كي يبدو نهارا وأنني أطلي نهار الخصوم بالسواد..انني لاأفعل ذلك طبعا لقناعتي بأن الليل يبقى ليلا مهما سكبنا عليه من الطلاء الأبيض .. ويبقى النهار نهارا مهما سكبنا عليه من القار الأسود .. ففرشاة فنان قد تلطخ الليل بالبياض لكنها لاتستطيع أن تجعل الليل دافئا كالنهار ولاأن تحرك سكونه .. ولاأن تمنع الضفادع من النقيق في الدجى .. ولا أن تسكت عواء الذئاب الجائعة .. ولاتستطيع فرشاة مهما بلغت حرفيتها أن تقنع الشمس أنها تقف معنا في تلك الجهة الملونة بالطلاء الأبيض فيما تعرف الشمس أنها تقف على الجانب المقابل حيث ’يصنع ضوء النهار الحقيقي بحزم النور المتدفق من غير طلاء وديكورات النهار
لكن في مقابل ذلك فان أطراف المؤامرة يفعلون العكس تماما في الأزمة السورية .. فهم يستثمرون في كل حدث .. وهم يسكنون الفضاء ويلقون الستائر السميكة السوداء على الشمس لمحو النهار فتغشى عيون الناس .. ولديهم ماكينة اعلام وخلاطات ومطابخ وأفران تقدم الطين على أنه شوكولاتة .. وتستطيع حلب الثيران والتيوس .. وصنع المهلبية من الديناميت .. كيف لا ومئات المواقع الاخبارية ومحطات الفضاء تقوم بتداول أي خبر وعجنه وخلطه بالملح والماء حتى يتحول من تراب الى عجين ومن ثم الى رغيف خبز ساخن مقمّر يخرج من الأفران العربية فورا الى مائدة الاعلام ومباشرة الى معدة المشاهد البائس دون أن يسمح له بتذوقه .. فيأكل الناس التراب ولاشيء غير التراب والصلصال والفخار ..
مايفعل أطراف المؤامرة هو محاصرتنا بالالغام النفسية .. لم تعد العبوات الناسفة فقط هي التي تنفجر في وجوه الناس بل الالغام النفسية الكثيرة ومن كل العيارات .. كل خبر وكل مقال فيه عبوات ناسفة وكل تحليل يرمى الينا يشبه حاضنة قنابل عنقودية مثل مليون قنبلة عنقودية ألقتها اسرائيل على جنوب لبنان نكاية بانتصاره .. ولذلك يجب على الكتاب الأحرار أن تتحول أقلامهم الى مجسات حساسة تكشف مواقع الألغام والشراك والفخاخ في الأخبار والمواقع والاشاعات المبثوثة .. ويجب على الكاتب أن يقوم بفتح ممرات آمنة للناس مثله مثل أي مهندس في سلاح الهندسة في الجيش السوري .. وعلى كل مثقف أن يقيم منطقة عازلة وملاذات لاتصل اليها غارات الاعلام الآخر يلوذ اليها الناس .. وعلى كل صحفي أن تكون له منطقة حظر جوي لاتحلق فيها أخبار المؤامرة وأن يسقطها دون تردد كلما رصدها في منطقة (نو فلاي زون) لأن أكثر مكان مستهدف بالنسف هو عقلنا ومعنوياتنا ..
العقل السوري اليقظ الذي فتت الجزيرة وحولها الى خردة اعلام هو أكبر هدف لهجمات محور المؤامرة .. بعض هذا العقل السوري تسرب منا للأسف في بداية الأزمة وتمكن الخصم من الايقاع به في الفخ واستدراجه الى حقول الألغام وتم نسفه .. وتحول منسوفو العقول الى ثوار" بلا رؤوس .. ومنسوف العقل يتحول الى شحنة ناسفة .. تنسف نفسها ومحيطها بحماقة ..
بعض الألغام الاعلامية مخصصة لتفكيك عقدة متينة جدا وهي الروح المعنوية العالية للسوريين واعتدادهم بأنفسهم وكبرياؤهم .. وهم الذين وجدوا أنهم أوقفوا نصف كوكب الأرض على حدود بلادهم .. ولاأحد يستطيع تجاهل هذه الحقيقة التي تشكل قلب الحدث السوري .. ان بعض الحقائق تشبه القلوب النابضة وكل الأحاديث حولها تشبه دما يسري في العروق ولاتستطيع الدماء أن تتجاهل المرور في القلب ولاتستطيع الا أن تعود اليه مهما ابتعدت ودارت وناورت سواء في شرايين البدن أو في أوردته .. فلا بد من المرور بالقلب النابض.. نعم ان نصف الأرض ومنذ سنتين يتحدث عن ضرورة تغيير بقعة صغيرة من العالم هي قمة جبل قاسيون وكأن قمة قاسيون تنغرز كالخنجر في لحاف السماء الأزرق وتثقبه وتتسبب بثقب الأوزون الذي يتسع .. لكن قاسيون أثبت أنه أثقل من نصف الأرض عندما أمسك به الشعب السوري .. ان دولة واحدة أوقفت زحف 130 دولة .. وأن 23 مليونا أوقفوا زحف بضعة مئات من الملايين المضللين الذين قادهم الضلال العربي والغربي والصهيوني .. وتبين أن قمة قاسيون ليست مسؤولة عن ثقب الاوزون في السماء لكنها فتحت ثقوب أوزون في مؤخرات قادة العالم من أوباما الى ساركوزي وهولاند وحمد وأبو متعب ..الى مؤخرة الاسلاميين الناتويين في تونس وليبيا .. وكان أكبر ثقب أوزون هو الذي في مؤخرتي أردوغان وأوغلو اللذين لايزالان يتأوهان ويصرخان من اتساع ثقب الأوزون بالتدريج..
ولاتنسوا مؤخرة القرضاوي التي تحتضر من اتساع ثقب الأوزون قبل أن يفي بوعده بتحرير سورية !! ولاأدري ان كان ثقب أوزونه هو سبب احتضاره أم انه جرعة زائدة من عقاره التي أعطيت له خطأ ..حيث يسري شعور بأنه ربما دس له للتحضير لمرحلة مابعد القرضاوي لبدء مرحلة المرجعية الجديدة (خالد مشعل؟؟) في تكرار لسيناريو التخلص من عهد بن لادن واطلاق عهد الاسلام الناتوي .. الذي استهله القرضاوي والذي انتهى مثقوبا في أوزونه .. ليبدأ عهد آخر .. هو الناتو الاسلامي الحمساوي..
لقد عرفنا جميعا بتماسك السوريين في وجه المؤامرة الآن وبالدليل القاطع معنى كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة باذن الله" دون أن نحتاج نزول الملائكة لتقاتل معنا .. ان من ينتظر نزول الملائكة كي تنصره لن ينتصر ان لم تكن لديه الرغبة بالصعود الى الملائكة .. فالأمم تنتصر بمقدار ماتصعد أرواح أبنائها الى السماء وليس بمقدار ماتنزل عليهم الملائكة من جنود .. ونحن من صعد رجالنا وشبابنا الى السماء .. نحن من غزونا السماء بالشهداء ونحن من بعث الشهداء ملائكة الى السماء .. ومن يغزو السماء بالشهداء ويصل بجحافلهم الى حيث الملائكة .. لاتقدر شياطين الأرض على النيل منه .. وأنا شخصيا وقفت مذهولا من اندفاع مقاتلين في الجيش السوري للذود عن بلادهم .. ولاأدري ان كانت القصص التي ستحكيها الأجيال قادرة على الاحاطة ببطولات ووطنية هؤلاء الشباب الذين يستحقون أن تقبلهم كل جميلات الدنيا .. بل ان قصصهم ان عرفت بها هوليوود لأتلفت كل ماقدمته من بطولات وهمية في السينما ونقلت قصصا عن بطولات لاتصدق .. وقد أخصص موضوعا قادما لأنقل لكم بعضا من الصور التي وصلتني عن جنود جرحوا أربع مرات و خمس مرات وعشر مرات ولم يتذمروا الا من طول المكوث في المشافي قبل الالتحاق برفاقهم .. ووصلني تقرير عن احد أبطال المدرعات الذي صار اسمه (عبد الرحمن الدوشكا) وأن التلة التي يتمترس فيها سميت تلة عبد الرحمن الدوشكا لأنه تمكن حتى اليوم من اصطياد 21 سيارة مجهزة بمدافع دوشكا وصارت سيارات الدوشكا تتجنب المرور بالقرب من كتيبته التي صارت مثيرة لرعب سائقي الدوشكا وفرسانها الذين يعرفون أن المرور من طريق عبد الرحمن الدوشكا هو طريق ينتهي الى السماء .. لأن عبد الرحمن الدوشكا يصدر من دبابته جوازات السفر الى الجحيم (سفرة واحدة فقط بقذيفة واحدة) .. ولدي مذكرات جنود استشهدوا تمكنت من الاطلاع على ماكتبوه قبل ساعات من صعودهم الى السماء ..وماكتبوه على عفويته لايليق به الا أن يكتب على أبواب دمشق السبعة ..
لم أعد أجيب عن أسئلة كثيرة عن مصير النظام لأنها أسئلة لم تعد تنتمي للمستقبل بل للماضي .. ولم أعد أجيب عن اسئلة من مثل ان كنا سننتصر لأننا انتقلنا الآن الى مرحلة لم نهزم .. ولكن كيف ننتقل الى النصر الحاسم" .. كما أنه لم يكن يوما النظام هو ما أدافع عنه بل هذه الشخصية الوطنية الصوفية التي برغم كل مثالب النظام وهموم الفساد لم تتمكن العيوب والفتوق الدستورية والادارية والحقوقية من المس بنقائه وانتمائه .. ولأنني أدرك هذه الحقيقة لم أهتز يوما وقد دق بابي الكثيرون في بداية الأزمة وفي عز اشتداد الضغط والتهديد يسألونني عن توقعاتي .. وكنت أقول للجميع بثبات .. تريثوا واهدؤوا ..ليس هناك أي احتمال لهزيمتنا..
في هذه الايام تحاول أطراف المؤامرة أن تثير فينا الرعب بالاغتيال والتفجيرات ..وتباهي هذه الأطراف بمشاهد الفوضى والأبنية المتصدعة ..وتريد أن تصيب الناس في معنوياتهم بأنها قادرة على ضرب شوارعنا واغتيال كل من يعترض طريق حمار الثورة المحمل ببرسيم الربيع" ..بل وتباهي بسادية مريضة بعرض صور الضحايا لارهاب الناس .. وأعرف ان ذلك يجعل مزاج الناس منخفضا لكنه لاييترافق مع اي شعور بالانكسار في المعركة الكبيرة .. انه مثل الشعور بأن الطيران الاسرائيلي قصف مصفاة حمص أو قصف حي أبو رمانة في حرب تشرين .. الناس تعرف أن ذلك ليس هزيمة لكنه مؤلم ..ولذلك اتبعوني هنا في هذا المقال في ممر آمن وأنا أزيل حقول الألغام .. وثقوا تماما أنني ادعوكم الى ملاذات آمنة ومناطق عازلة حيث (نو فلاي زون) ..لاعلام الثورجيين وهرطقاتهم
في سيكولوجية الاغتيالات والسيارات المفخخة يدرك الخصم أنه لم يعد يحارب في ميدان عسكري لأنه بدأ في الخروج منه مرغما .. وأنه انتقل الى ضرب الخطوط الخلفية لعدوه .. ويدرك هذا الخصم أنه لم يعد يعنيه الجمهور وأنه خسره تماما ولن يكسبه ثانية الى الأبد .. ولذلك نلاحظ أن السيارات المفخخة الأولى التي ضربت دمشق وحلب منذ أشهر عملت قوى مايسمى بالثورة" المستحيل للنأي بنفسها عنها والتنصل منها .. وأصرّت على الصاقها بجهاز الأمن السوري كمسؤول مباشر عن التفجيرات لالحاق العار بالثورة (السلمية) وتنفير الناس منها والتشنيع على الثوار وأسلوبهم الهمجي .. ونسبت كل عمليات الاغتيال الى أجهزة الدولة واخترعت حججا لانهاية لها من مثل تصفية هذا أو ذاك لأنه انتقد الدولة سرا أو جاهر بحبه للثورة .. أو تم اغتيال الطيارين والعسكريين لأنهم كان لديهم نية في الانشقاق وماالى ذلك من ترهات وخزعبلات وقصص مشفى ابن سينا..
لكن اليوم غادرت الثورة هذه المرحلة ووصلت الى مرحلة الاعلان المباشر عن المسؤولية عن السيارات المفخخة والمباهاة بعمليات تصفية الموالين للدولة وصارت هذه العمليات تحمل صفة تطهير واعدام الشبيحة (كما حدث بوقاحة مع اغتيال الشهيد محمد رافع .. وهذا يعني أن الثورة انتقلت الى ادراك ان احتيالها على الناس لم يعد مجديا .. ولم تتمكن طوال عامين من دفع الناس للوقوع في هواها وفي تكذيب الدولة السورية .. والأهم أن الناس بدؤوا يجاهرون بعدم انتماء الثورة لهم وأن ماتحمله لايمثل طموحاتهم حتى وان كان التغيير والحرية .. فوسيلة الثورة غير مأمونة العواقب .. وغير شفافة .. وهذا التمرد العلني والشعبي على الثورة هو أخطر ماتواجهه حركة تمرد .. فلايجب أن يتجرأ الناس على الثورة والا سقطت الثورة كليا ..فانتقلت الثورة الى اعلان حرب على كل من يجاهر بالعداء لها حتى ولو كان شيخا مسيحيا حمصيا .. فحتى هذا الشيخ صار أخطر على الثورة من جنرال في الجيش السوري أو من دبابة ت72 .. لأنه امتلك الشجاعة وكسر الخوف وبدأ الناس يتعلمون منه احتقار الثورة وتحديها .. ولذلك انتقلت المواجهة الآن من مواجهة بين معارضة ودولة الى مواجهة مكشوفة بين قوى مخابرات خارجية والشعب السوري كل
ورسالة الاغتيالات والسيارات المفخخة من قبل أجهزة الاستخبارات الخارجية الداعمة للثورة هي معادلة واضحة لاغموض فيها وهي: ان لم تقبل بالتغيير .. فلن تهنأ باللاتغيير !!.. وان انتصارك سنحوله الى نصف هزيمة ..
وفي الحرب بين طرفين يحق استعمال أي سلاح مهما كان قذرا .. وبالطبع الطرفان هما الدولة الوطنية السورية ومحور الغرب والعرب .. والمعارضة السورية هي القفازات التي تمسك بالقذارات كي لا تتلوث بها أيدي الكبار..
ولكن هناك أمر حاسم في هذا الشأن وهو ان أجهزة الأمن السورية لم تتفكك كما حدث في العراق مثلا بعد انهيار الدولة حيث انتشرت السيارت المفخة منذ اليوم الثاني لسقوط بغداد لأن القاعدة وبلاكووتر هما من أرسل المفخخات الى الشوارع لاطلاق الحرب الأهلية العراقية .. تفكك أجهزة الامن لدى الدولة العراقية جعل عملية اصطياد منفذي العمليات العسكرية والسيارت المفخخة مستحيلة حتى اليوم .. وفي الحالة السورية فان وقوع شبكة متكاملة من الانتحاريين ومنفذي هجمات السيارات المفخخة منذ أشهر يدل على أن الشبكات الداخلية الحالية في طريقها الى الشبكة مهما طال الزمن ان عاجلا او آجلا ..وحسب قطرات المعطيات التي أتيحت لي باقتضاب -وأتمنى ان تكون دقيقة كما أتوقع – فان أهم شبكة صارت على مدخل القفص .. وأن اثنين من أعضائها الكبار تم تحديدهما بدقة وسيكونان في ضيافة الأمن السوري لشرب فنجان قهوة مرة" .. ولكن هناك اعتبار هام وهو أن هذه الشبكات تعتمد على التشكيلات العنقودية وفق ترتيبات استخباراتية دقيقة جدا .. وقبل شرب القهوة المرة" يجب تطويق بقية العنقود والا تمكنت بقية المجموعات من النجاة والافلات والعمل من جديد وفق توزع عنقودي جديد يستغرق قطافه أشهرا..
وعلى كل حال .. لايخفى على المتابعين أن تصعيد العنف هو رغبة تركية جامحة لأن الأتراك أدركوا وفق مصادر وثيقة ان اوباما عمليا هو غالبا من سيحسم السباق الانتخابي وأن أوباما الثاني ليس مثل اوباما الأول .. ويجب أن يتم الضغط ماأمكن على القيادة السورية وحلفائها الروس بتقديم تعهد باسترجاع مجموعة الأزمات التي دخلت تركيا وأهمها الأزمة المرعبة بعودة الروح لحزب العمال الكردستاني .. والمطلوب هو سلّ روح الحزب الثائر واستعادته الى حظائره الجبلية .. وبالطبع لايغض المتابعون الطرف عن تزامن التصعيد مع انتخابات أميريكا لأن عقول الثورجيين والأتراك تعتقد أن عليها ايصال رسالة قوية لأوباما وللفائز عموما بأنها حصان سباق لايزال قويا في الحلبة ويجب الرهان عليه .. ولكن باراك الثاني ليس مثل باراك الأول كما قلنا .. وكلام الليل يمحوه النهار ..
للأسف فان هذه الاغتيالات والتفجيرات تلقي بظلال داكنة على المشهد وتمنعنا ألسنة اللهب وسحابات الدخان من رؤية مايحدث على الأرض .. فانتصار أوباما جاء -حسب مااتفق عليه الكثير من المراقبين الغربيين – تلبية لرغبة المجمع العسكري والصناعي الأمريكي وكبريات الكارتيلات الاقتصادية الضخمة بتجنب مواجهة مع الروس والايرانيين في هذه الظروف الخاصة اقتصاديا لأن الجمهوريين وممثل المحافظين الجدد (ميت رومني) قد يندفعون استجابة لنداءات لاهوتية الى حماقات وهارماجيدونيات اسرائيلية وصهيومسيحية .. ولذلك لم يتم الحماس بشدة لحملة رومني لتمكين أوباما من البقاء ..
وستبدأ ملامح صفقة روسية امريكية حول تقاسم النفوذ والمصالح بالوضوح .. فلروسيا والصين نفوذ وحلفاء شرق البحر المتوسط ولأميريكا جنوب البحر المتوسط (شمال افريقيا) والخليج العربي المحتل .. وقد بدأت كلينتون تنفيذ الصفقة بوداع المجلس الوطني السوري واختراعات بهلوانية لحكومات وتجمعات حفلات شاي وقهوة وأركيلة ودوحة .. ومن القضايا المطروحة على الطاولة عدم المساس بتركيا وبالذات اعادة المشهد التركي الى ماقبل عام 2011 ..والتعهد بعدم دعم الأكراد الأتراك ..لأن ماصارت واشنطن تدركه أن رأس تركيا الأطلسية صار مطلوبا كضمان ونفوذ وأمن شرق البحر المتوسط .. ووضعت معادلة مؤلمة يقال انها معادلة بوتين وهي (رأس تركيا مقابل رأس سوريا) .. والسكين الذي سيحز عنق تركيا هو حزب العمال الكردستاني .. وذلك لقطع ذلك التواصل الجغرافي للحركة الاسلامية الأصولية وقطع رأسها التركي بحيث لاتقترب تكبيرات الثورجيين من روسيا ..
وتريد تركيا وأميريكا بتصعيد العنف في سورية الضغط ماأمكن على الرئيس السوري لتذكيره بقوة تركيا داخل سورية .. وأن عليه القبول بصفقة الانسحاب التي يتداولها الروس والاميريكيون .. وأن يقبل بحلاقة رأس المعارضة السورية" في تركيا مقابل حلاقة رأس الحركة الكردية" (حزب العمال) الذي تصل تقارير مقلقة جدا للعسكريين والمعنيين الأتراك أن الحركة الكردية صارت مجهزة تماما لاعلان تحرير مناطق ومدن مهمة جنوب شرق تركيا وأن القضية صارت أكبر من امكانات تركيا وحدها .. وأن مغازلة الرئيس السوري للشعب التركي تضعف موقف الحكومة التركية فعلا لكن هذا الغزل هو الغزل القاتل ولايجب الركون اليه ..
المعارضة السورية تدرك ذلك وقد وصلتها الرسائل .. وصارت تعرف أنها ستترك وحدها ان عاندت ارادات السادة .. وأن عليها الاستماتة للضغط على النظام واظهار بأسها للحصول على بعض الرضا التركي الذي غامر برقبته ودعمها وعليها المغامرة برقبتها هي لحماية تركيا أو لدعمها على طاولة المقايضة ..أي كلما اشتد الضغط بالتفجيرات والاغتيالات يحس القادة السوريون أنهم تحت ضغط شعبي لابرام اتفاق فيه مكاسب سياسية لتركيا على حساب حليف ناهض قوي للسوريين والروس وهو الحركة الكردية وبعض القطاعات التركية العلمانية.. وحسب تسريبات لها مصداقية عالية فان حزب العمال الكردستني مسترخ جدا ويبدو مطمئنا.. وقد قال لي أحد المقربين منه: يبدو أن الحزب قد راهن على شخص الرئيس الأسد الذي لايطعن في الظهر .. وكلام الرئيس الأسد عهد ووثيقة وعقد لأنه رجل لايغدر كغيره .. وأضاف باسما: لايمكنك أن تبرم اتفاق شرف وميثاقا مع أردوغان مثلا الذي قدم غدره بالرئيس الأسد درسا لاينسى .. وبالطبع لايمكنك أن تثق بكلمة واحدة تصدر من أشخاص صار معروفا في سيرتهم الذاتية التنكر للعهد وللصداقة .. فأنا مثلا لاأدري من سيثق بخالد مشعل أو قبضايات حماس ..بل لاأدري مامعنى الاتفاق بين مشعل وحمد وأردوغان والاخوان .. وكلهم يعرف أن الآخر قد يبيعه في السوق .. نحن الكورد نعرف عائلة الرئيس الأسد .. الأب كان شهما وصديقا للكورد .. وهو من حمى لنا آبو" (أي أبو الأكراد عبد الله أوجالان) .. وهو الذي تفضل على البرزاني وهو الذي رعى جلال الطالباني .. والكورد شعب لاينسى الجميل .. وهذا الشبل (أي الرئيس بشار الأسد) من ذاك الأسد كما تقولون..ونحن نثق به..
واسمحوا لي أخيرا أن أنقل لكم مقتبسا من عبارة أرسلها لي صحفي غربي طالما زودني بالعديد من مراجعات الصحف الغربية وبعض الدراسات الهامة وقد تلخص الفترة القادمة وملامحها بدقة فائقة .. اذ قال لي في رسالته:
صحيح أن أوباما الأول" اصطدم مع الأسد الثاني" .. ولكن أوباما الثاني" هو مدين بالعودة الى البيض الأبيض بسبب تماسك الأسد الثاني" .. ولذلك فان أوباما الثاني سيقبل بالأسد الثالث مرغما (أي الولاية الثالثة للرئيس الأسد) .
وترجمة ذلك حسب رسالته هي: لو سقط الرئيس الأسد لدفع المجمع العسكري الغربي بميت رومني الى الواجهة وسانده لكسب الانتخابات لاسقاط ايران بسرعة بعد سقوط حليفها السوري القوي .. ولاطلاق بداية حصار روسيا .. وحصار الغاز الروسي والاقتصاد والجيش الروسي لاعلان القرن الواحد والعشرين قرنا أميريكيا دون منازع .. وبالتالي فان عودة أوباما تعني أن الولاية الثالثة للرئيس الاسد صارت من ضمن البدهيات السياسية القادمة ..التي لن يتدخل فيها أوباما الثاني .. ولن يقررها الا الشعب السوري ..وحده الشعب السوري ..الذي هزم أوباما ..وأبناء أوباما ..من الثورجيين اليتامى .. بعد وفاة أبيهم أوباما الأول …
اسلام للتأجير .. ومسيح للتأجير .. والقس والنبي في الدوحة
التاريخ : 14/11/2012
لم يرو عن السيد المسيح أنه شوهد غاضبا الا في حادثة تطهير الهيكل .. عندما دخل السيد المسيح الى الهيكل فوجده مليئا بالدواجن والماشية وطاولات الصرافة والصرافين .. فما كان من المسيح الا أن أمسك بمجموعة من الحبال وجعلها مثل السوط وانهال على الباعة والصيارفة ونثر دراهمهم على الأرض وقلب الموائد وطردهم مع ماشيتهم وهو يقول غاضبا: لاتجعلوا بيت أبي بيت تجارة؟؟!! ..
في القصة التي رواها الكتاب المقدس اشارة وكناية الى ان المعابد والأديان هي هدف للتجار ومرتع لهم ان لم يطردوا بالسوط .. وأن دين الله لايغفر من يمارس البيع والتجارة في ظل الله .. وهذا الموقف الغاضب للسيد المسيح يلخص كل أزمة الدين منذ الأزل والعلاقة مع الله وهي متمثلة في أولئك الانتهازيين من البشر الذين يبحثون عن ثرواتهم حتى في معابده ويجعلونها مكانا للربح والتجارة حتى وان دخلت المواشي والدواب والعلاقات المالية ومافيها من فساد الى ملكوت الله ..
انني أخشى أن أتحدث في أديان الله لأنني لست بواعظ ولاقديس ولاأملك الحق في رجم أحد أو دين أحد لأنني بشر ولست "بلا خطيئة" .. ولاأقدر على مجادلة المتدينين من كل الأديان والطوائف لأنني أخشى أن أخلط الدنيا بالآخرة .. والعلم بالكهنوت .. وهما لايختلطان كما لايختلط الماء بالنار .. ولكن ماذا أفعل وأنا أرى أن حناجر الثوار صارت تبيعنا المصاحف والأناجيل من الرياض ومن قطر .. وأنا لم أعد أعرف في عهد ثوارنا أين هي بيت لحم ولا الناصرة .. ولا أين هي مكة ولا المدينة ..
ففي مكة التي عرفناها وحدثنا عنها المحدثون لم يكن هناك مملكة ولاملوك بل كان هناك دار ندوة للقرشيين وحلف الفضول الذي كان اول معاهدة لحقوق الانسان .. لكنها اليوم بلا ندوة وبلا حلف فضول .. بل مدينة محشوة ومتخمة بالملوك وأبناء الملوك وتفور بالأمراء والأميرات وتتقيأ الألقاب الملكية .. ومكة اليوم لاتغزو "خيبر" كما فعلت يوما ولاتغزو تبوك بل تستعين "بأهل خيبر" على غساسنة اليرموك السوريين الذين قاتلوا مع خالد بن الوليد .. وتستعين مكة اليوم بمن حاربتهم في تبوك من الروم لقتل مناذرة العراق .. فمكة لم تعد مكة .. ومكة اليوم يعشش فيها الملوك والأمراء كما يعشش القمل في الرأس..
وفي جزيرة العرب يتم تأجير الاسلام وتأجير اسم النبي العربي للأمريكيين .. وقد تولى عملية التأجير شيخ زنيم اسمه القرضاوي بعد أن تقاسم وكالة التأجير مع شيوخ آل سعود .. وصار الاسلام ونبي الاسلام تحت الطلب الأمريكي ..الى درجة مهينة جدا ومزرية جدا حتى أن الدعاء على أعداء أميريكا (روسيا والصين وايران) تم تأجيره في الحج وفي المنابر ولم يسمح بالدعاء على اميريكا واسرائيل .. وكلنا نذكر أن محاولات الحجاج الايرانيين في الثمانينات لاقامة مسيرات (البراءة من أميريكا واسرائيل) تمت مواجهتها بعنف وقتل مئات من الحجاج الايرانيين بحجة أن عملهم خلط للدين والسياسة في شهر الحج والعبادات والتجليات وصرف للناس عن عبادة الله .. الاهانة النبوية في الحج لاتصدق ولاتطاق ولاأدري كيف نقرر الزج بديننا ونبينا في صراعات الأمم .. القرضاوي يدعو على أمم كاملة بالهلاك ويعرض النبي للتأجير لصالح الولايات المتحدة .. أنا لم أسمع عن عقيدة من عقائد الأمم أنها تدخل بازارات السياسة والعرض والطلب الا في عهد اسلاميي هذا الزمان ..وعهد الاسلام المؤجر ..
وكما لاأدري في ثورات العرب أين هي مكة فانني لاأدري أين هي "بيت لحم" الثوار العرب .. ولم أعد أعرف درب الناصرة أيضا .. ففي الطريق الى بيت لحم يقف التجار الذين طردهم السيد المسيح والصيارفة وتجار المواشي والدواجن في طوابير .. وصارت عيوننا ترى بعضا من هؤلاء المطرودين من ملكوت الآب والابن والروح القدس يقفون في معارض السياسة الشرقية يعرضون المسيح نفسه للتأجير في الدوحة .. ويعرضون صليبه للأجرة .. وتاج الشوك الذي أدماه للأجرة .. فالمسيح صار يعظ من الدوحة وهو يتناول العشاء مع حوارييه في المعارضة السورية .. والمسيح "يقوم" من الدوحة .. والمسيح يمشي على الماء من الدوحة ..
فالثورة السورية كما نعلم ثورة ملتحية ومعممة ومسوّرة بالتكبيرات وأحلام الامارات الاسلامية ومنطق أهل الجزية ولكنها تستعمل بعض الأسماء المسيحية (التي تنتمي الى فصيلة تجار المعبد الذين طردهم السيد المسيح) لحلاقة لحيتها الكثيفة والطويلة ورفع عمامتها عن رأسها كي تبدو ثورة عصرية مدنية حليقة الذقن .. ان عملية التغطية على العنف الثوري في القيم المسيحية تشبه ببشاعتها اطلاق سراح باراباس واعتقال المسيح بدلا عنه ..
وحلاقو الثورة كثر، منهم صالون حلاقة لشخصية مسيحية سورية اسمه (صالون كلنا شركاء لحلاقة اللحى) .. وأحد الصالونات المعروفة التي كانت الثورة تحلق فيها لحيتها كل أسبوع هو صالون حلاقة يديره الحلاق البليد (ميشيل كيلو) الذي يحمم للثورة لحيتها ويشذب شعرها الأشعث لتحتال على الناس وتغير ملامحها كما يفعل اللصوص .. ويذكرني ميشيل كيلو بحلاقي الشخصي فهو يشبهه كثيرا ولافرق بين حديث الشخصين سوى أن حلاقي شخص مهضوم وظريف ونظيف ولايكذب رغم أنني لاأذكر حديثا واحدا من ملايين الأحاديث التي يحدثني بها دون توقف .. تماما كما لاأذكر من أحاديث حلاق الثورة السورية ميشيل كيلو سوى أنها نموذج للظل الثقيل والروح الثقيلة .. وقد عجزت طوال سنوات عن منع نفسي من التثاؤب بعد السطر الثاني من مقالاته .. وصارت عيناي تقفزان كما الخيول العربية الأصيلة من فوق الحواجز عندما تنصب لي الصحف مقالات ميشيل كيلو كالحواجز العالية والموانع الخشبية البغيضة والطينية .. وقد نجحت خيولي في اجتياز كل الحواجز دون أي خطأ ..
في قطر يشترون كل شيء ويعتقدون أنهم يستطيعون حتى استئجار يسوع الناصري .. حتى أن أمير قطر بتصرفاته يعتقد أنه يستطيع أن يشتري المسامير -التي دقها اليهود في كف المسيح على الصليب - ليصنع منها قلادة لنفسه أو يعلقها في غرفة الاستقبال أو تلبسها موزته خلخالا .. وأما من يعمل على اقتلاع المسامير من أخشاب الصليب ليبيعها له فهو تاجر معبد كان يبيع الدواب والدواجن اسمه جورج صبرة .. جورج تسلل الى صليب المسيح وبدأ ينزع بأسنانه المسامير التي غادرها يسوع الى قيامته .. ليبيعها التاجر جورج صبرة في قطر الى شيخ جاهل لايستحق من المسيح الا سوطا على ظهره ..
والغريب أن جورج صبرة يعرف أنه مجرد ديكور .. وستارة .. ومنكهات لتخفيف ملوحة البحر الاسلامي وملونات وأصباغ تخفف سواد هذا الشراب العربي .. وهو بالتالي يشبه زوجا تتزوجه عاهرة لتمارس الرذيلة مع كل الرجال دون أن يحق لأحد ان يسألها عن الرجال الداخلين الى مخدعها لأن في البيت رجلا وزوجا يغطي لها فحشاءها .. وهو لايفعل سوى قبض ثمن جسد زوجته ..
وكنت فيما أراقب اجتماعات الدوحة وحيواناتها ودواجنها أحس أن المسيح قد ينزل في أية لحظة من عليائه غاضبا يحمل نفس الحبل الذي جلد به التجار يوما في القدس وهو يقول: "لاتجعلوا بيت أبي بيتا لتجارتكم .. ولاتجعلوا بيت "سورية" بيتا لسفاهاتكم" ..ثم يقلب الطاولات وينثر الدولارات والدراهم ويهش على الأغنام والماعز والأبقار والبغال والحمير الحاضرة مثل جورج صبرة والسيدا وغليون وسيف ومعاذ الخطيب وو .. التي جمعها حمد ... ويطردها .. من المعبد السوري..
كم يجهد الذين يرسمون لنا لوحة سورية في قطر أن تبدو لوحة طبيعية ربيعية أخاذة .. وكم فيها من الرومانسية والحلم حتى أن دموع الناظر تطفر من فرط تأثره بالوطنية وهارمونيكا الاديان .. مسيحي سوري ثائر في رئاسة المجلس الوطني السوري .. وائتلاف سوري برئاسة شيخ ثائر اسلامي اسمه معاذ الخطيب
العياذ بالله لي ولكم من هذه الثنائية المنافقة .. هذا اللقاء بين جورج صبرة ومعاذ الخطيب يشبه عنوان كتاب غامض نشر في نهاية السبعينات اسمه (قس ونبي) كتبه الأب جوزيف قزي باسم مستعار هو (أبو موسى الحريري) .. يقول فيه ان الرسول الكريم محمد بن عبد الله قد تلقى علمه عن القس ورقة بن نوفل الذي نقل له ترجمة فصيحة للانجيل العبراني المفقود المنحول عن انجيل متّى والذي تمت تسميته لاحقا باسم .. القرآن .. أي أن القرآن ليس قرآنا بل نسخة من الانجيل المفقود "العبراني" .. وبالتالي فان سيدنا محمد من صنع قسيس من قساوسة الجزيرة العربية هو القس الجليل ورقة بن نوفل قريب السيدة خديجة والقرآن هو كتاب عبراني .. وقد بنى جوزيف قري آراءه بناء على ملاحظات التشابه بين السور المكية تحديدا والانجيل العبراني ..
لاأعرض هذا الجدل لرفض الكتاب أو تأييده لأنني لست باحثا تاريخيا ولامفكرا لاهوتيا رغم أنني لم أستسغ النظرية وثقوبها الكثيرة والفتحات الصناعية التي أحدثها أبو موسى الحريري كما يحدث سعد الحريري ثقوبا في جسم لبنان ومسلمي لبنان .. لكنني اليوم في الحقيقة أتذكر عنوان الكتاب وعندي احساس عميق أن عمليات التوليد والتأليف والدمج والعجن والخلط والالقاح والاخصاب بين الثورجيين في قطر تستحق أن تسمى لقاء (القس والنبي) حيث يترجم "قس الثورة" جورج صبرة و"نبي الثورة" معاذ الخطيب معادلة ذلك الكتاب فيتبادلان كتابة كلمات القرآن الجديد للسوريين .. في الحرية والديموقراطية والتعايش المشترك بدل الدستور الوطني السوري .. وينجزان القرآن العبراني وآيات الربيع العربي وسوره القطرية والاستانبولية ..التي حلت محل السور المكية والمدنية..للقرآن الذي تعلمناه ..ولو قرأنا سلسلة كتب المفكر الراحل الصادق النيهوم مثل (الاسلام في الأسر) و (اسلام ضد الاسلام) لأدركنا أن هناك عنوانا ناقصا لم يكتب بعد في هذه السلسلة وهو (اسلام للايجار) .. و(مسيح للايجار) ..
ومهما قيل عن هذه الائتلافات والمهجنات المتنافرة في المعارضة السورية فانها قد تعبر عن نقلة حاسمة في مسيرة مايسمى الثورة السورية .. وبرغم الضجيج والصخب في بيان مؤتمر الجامعة العربية وكلام حمد بن جاسم ونبيل العربي فانني كنت قادرا على رؤية أن حمد بن جاسم ليس حمد بن جاسم الذي كان يتحدث بوقاحة وصلف وغرور وثقة منقطعة النظير عندما كان يمهل السوريين بالأيام والأسابيع ويحذر من التلاعب والتردد في الانحناء والاذعان .. ولاحظت أن الرجل كان ليس على مايرام في المؤتمر رغم هدوئه وكان لسانه اقل طولا من ذي قبل .. لكن الهدوء والرزانة في سلوك هذه الشخصيات المعروفة باللؤم والنذالة لايعكس الا اذلالا فهي لاتهدأ الا عندما يكون في أفواهها أحذية كبيرة .. وقد رأيت عقب الحذاء (كعبه) بين شفتيه وقد دخل الى بلعومه بكامله بعد أن ابتلع حذاء كبيرا .. يقال انه حذاء جندي في الجيش العربي السوري ولكني أيضا أستطيع أن أزعم أنه حذاء من مقاس قدم لرجل طويل فارع الطول .. وهو صاحب أطول قامات السياسيين في الشرق الأوسط .. وكان يعمل طبيب عيون ..
أما مايمكن فهمه من هذه الائتلافات فهو ببساطة أن هناك اتفاقا على تحويل الثورة السورية الى حالة سياسية بعد فشلها .. ويشير بعض الصحفيين الغربيين الى أن بداية موت أي ثورة هو بالضبط الطريق الذي فرضته قطر على الثورة السورية بأوامر أمريكية استعدادا لمرحلة قادمة بعد تبين نهاية ولاية أوباما الأولى ..لأن الائتلافات السياسية وخلق الأدوار الديبلوماسية والحقائب والوفود والمشاركات في الاجتماعات يعني استدراج أو ادخال أي منظمة مسلحة في خيارات السياسة ومجاملاتها وحساباتها وضبط ايقاعها .. تماما كما تم حشر حركة حماس وبنادقها في الحكومات والصراعات السياسية فماتت فبرغم انتصارها العسكري والسياسي في غزة فان عملية ابتلاعها لم تتم الا عندما ألبستها الديبلوماسية ثياب الحكومات وحمّلتها الحقائب الوزارية ومسؤولية الأمن وجهدت بالانضباط العسكري لاثبات نجاحها السياسي .. وهناك محاولة مشابهة تماما كما يحاول الغرب امتصاص حزب الله في حركة سياسية ونواب برلمان وتوازنات سياسية لترويضه .. والملاحظ أن كلا من حماس وحزب الله وحفاظا على توازنات سياسية دخلا فيها لم يتمكنا من ممارسة المقاومة الايجابية .. بل المقاومة السلبية .. لأن كل مقاومة ايجابية ستتعرض للاتهام من الأطراف السياسية المشاركة معها في اللعبة السياسية بأنها لاتمارس التفاهمات السياسية والعمل السياسي .. لكن حزب الله كسر تلك القاعدة المميتة واخترق الديبلوماسية عام 2006 وانتقل مجددا الى عالم المقاومة الايجابية ولاتزال حرب 2006 مستمرة حتى اللحظة ولم تتوقف بدليل الاعداد المتواصل وكان آخرها رحلة الطائرة أيوب المتحدية التي وصلت بحزب الله الى النقب وديمونا والتي افتتحت نهاية الحقبة الديبلوماسية وعودة المقاومة الايجابية التي ستنفجر ان عاجلا أو آجلا ويحاول الغرب تأخيرها بمحاولة امتصاص حزب الله الى معادلة الحرب الأهلية اللبنانية باستفزازات واضحة ..
ولكن على عكس عودة حزب الله الى المقاومة الايجابية خرجت حماس نهائيا من لعبة المقاومة .. ودخلت النادي السياسي ونادي الحقائب الوزارية والمالية ..ولم تنطلق رحلة أيوب (حمساوية) من غزة وبدا صاروخ القسام مثقلا بالحقائب والاوراق والدولارات وقد ترهل بالديبلوماسية وصار جسمه أكثر شبها بجسم حمد بن خليفة بعد أن كان ممشوقا كالرمح ورشيقا كالمقاومين !!.. وقد وصلت حماس في رحلات السياسة والاستطلاع الى استانبول والدوحة .. والقطبين المتجمدين الشمالي والجنوبي حيث أبعد نقطتين عن فلسطين وأبرد نقطتين في العالم يصلهما قلب ثائر مطفأ.. ولن نستغرب أن نرى خالد مشعل يعانق أحد البطاريق أو يلتقط صورة تذكارية بين مجموعة من البطاريق أو سكان الاسكيمو .. ولا تستغربوا ان وجدتم اسماعيل هنية راكعا منحنيا يقبل يد بطريق عجوز لأن له لحية هو رئيس الاتحاد العالمي لعلماء البطاريق وعلوم البطريقيات..وأن نراه على عربات تجرها الكلاب ..بدل الأيائل..
واليوم يقال في الكواليس ان الائتلاف السوري هو التابوت الذي سيوضع فيه جثمان الثورة عندما يتم القضاء عليها نهائيا .. وقد بدت هناك قناعة دولية أن النظام السوري متين جدا وراسخ جدا .. وأن السيطرة على قرية حدودية مثل رأس العين مثلا أو معابر فارغة لايعني سقوط (دمشق) .. وهناك أكثر من دراسة استراتيجية تضعها اللجان البرلمانية الدولية في الغرب تحديدا خلصت الى القول بأن مايسمى الثورة السورية لاأمل لها بالنصر لكنها قد تستطيع القتال والشغب بالدعم المباشر التركي على هذه الشاكلة لمدة 12- 24 شهرا أو أكثر قليلا .. أما النظام وحلفاءه فسيحصدون جوائز انتصارهم لامحالة بسبب الموقف الروسي والصيني والايراني ودول بريكس.. كما أن صوت لهاث تركيا الحائرة والمتعبة من الورطة صار يهز موج البحر المتوسط وهذا ماسيقصر من فترة صمود المعارضة المسلحة ...
والغربيون يحسبون المصالح الخاصة بهم ولذلك تشيع الآن بين بعض الديبلوماسيين الغربيين نصيحة تقول: دعونا لانصل متأخرين سنتين أو ثلاثا الى وليمة الرئيس الأسد ونحن نسعى خلف معارضة مهزومة سلفا .. فليس هناك مايمنع من مصافحة الرئيس الأسد .. فقد عدنا الى القذافي الذي فجّر لنا لوكربي وفجّر النوادي الليلية .. وبعث السلاح الى الجيش الجمهوري الايرلندي لقتل البريطانيين يوما ..فلم لانعود الى الرئيس الأسد..ان الرئيس الأسد لم يفعل بنا مافعله القذافي ..والعودة اليه لايشوبها شائبة ..ويمكن استعادة صورته بسهولة كما تم تشويهه ..وذلك بلوم المعارضة في الكذب علينا ..
ولذلك فان المرور نحو تجاوز مرحلة الثورة السورية بلق الائتلاف وفق تفاهم ما يتم سرا لايمكن استبعاده وهو لن يتم بشكل مفاجئ ولابد من سيناريوهات هدم واعادة بناء قد تدوم أشهرا .. فتم هدم المجلس الوطني السوري وبناء الائتلاف السوري للمعارضة.. واختراع حكاية التمثيل والاعتراف في المحافل الدولية .. وقد وضعت كلينتون المجلس الراحل في التابوت ليقيم عليه جورج صبرة الجناز والقداس .. وتم وضع التابوت في القبر السياسي (الائتلاف السوري المعارض) ليقيم معاذ الخطيب صلاة الجنازة على الطريقة الاسلامية .. هذه المجالس والائتلافات أنشوطة سياسية ترمى على عنق النظام بين الفينة والفينة لابتزازه .. أما الصراع المسلح فيخضع الآن للمبادلات التجارية والحسابات والمقايضات .. ومايجري على الحدود بين سورية وتركيا وغارات رأس العين ليس الا شكلا من اشكال المناورات العسكرية واستعراض القوة ليقدم كل طرف عرضه ومطالبه ..
انها الوفاة البطيئة على مهل وعلى نار الانتظار والمبادرات والمنشطات السياسية ومدغدغات العواطف والضحك على اللحى التي طالت كثيرا .. والتي دخلت المعابد .. فوجدت أن بانتظارها 23 مليون مواطنا يمسكون بأيدهم الحبال التي جعلها السيد المسيح سياطا لطردها من "أبي المعابد الشرقية" ..ولذلك اضطر الغرب لاختراع الائتلاف السوري المعارض للدخول في مرحلة مختلفة تماما .. وماتصريحات كاميرون عن احتمال تدخل عسكري الا جزرة ورماد في عيون الملتحين والأغبياء ....
ومنذ اليوم يجب تحرير النبي وتحرير السيد المسيح من براثن رجال الدين ورجال السياسة الثورجيين .. وعلى كل واحد أن يمسك سوطا وينهال على التجار والصيارفة وجيوانات المعابد ودواجنها وحاخاماتها .. وان يقول ملء صوته الغاضب:
كيف جعلتم بيت أمي سورية ..بيتا للتجارة؟؟؟؟!!! ..
مرتفعات كليمنجارو في غزة..النمر وائتلاف حمير الوحش ...بقلم: نارام سرجون
التاريخ: 17/12/2012
لايستطيع أحد أن يتبجح ويدعي أنه توقع شلال الأحداث في غزة .. اسرائيل وفي لحظة ضعف أمام شهوة القتل قررت قتل مابقي في غزة من عنفوان .. سؤال يحير الجميع عن سبب هذه المغامرة الاسرائيلية غير المتوقعة وغير المبررة عسكريا ..
فبعض غزة ذهب الى حيث الذهب وترك التعب .. وبقي فيها قليل ممن لايحبون الذهب بل يحبون التعب ..
كل مايحيط بالاسرائيليين كان يهدئهم ولايثيرهم .. فالاسلاميون قادمون وفي حقائبهم العروض والصفقات وخطوط التقسيم الجديدة في خارطة العدو الشمالي السوري .. وفي حقائبهم قوائم الأعداء الجدد في الشيعة والايرانيين والاقليات ..عدا عن قوائم الأصدقاء الجدد في الناتو واسرائيل ..وفي سورية يحاول الاسلاميون وأردوغان والعرب ايقاع الفارس الأخير السوري عن صهوة جواده وغرز النصال في صدر حصانه..
كلها مهدئات للروع ..ناهيك عن كامب ديفيد المدللة التي تعامل كالبقرة المقدسة في الهند دون المساس بها .. وتمت ترقية رئيس اسرائيل الى مرتبة الصديق العظيم والوفي لرئيس مصر الاسلامي .. فما حاجة اسرائيل للحرب في هذا التوقيت بالذات؟؟
لاأصدق أن اسرائيل خرجت للحرب عشوائيا أو لأسباب انتخابية .. أو أنها أرادت احراج الاسلاميين واذلالهم لأن مافعلوه أكثر اذلالا مما قالوه ..وماقالوه أكثر اذلالا مما فعلوه ..ولن تنام اسرائيل في سرير وثير أكثر دفئا من سرير الربيع العربي الذي غنى لها الثورجيون حوله أغاني الفوضى والحروب القبلية والطائفية .. ان توقيت الحرب على غزة غريب جدا ..
استمعت الى تحليلات كثيرة بعضها قال ان اسرائيل قررت استئصال مابقي لسورية وايران في غزة عسكريا بعد أن قام العربان باستئصال خالد مشعل ورفاقه بسنارة الذهب ..والبعض قال ان اسرائيل أرادت اخراج السلاح الفلسطيني من مخابئه لأنها تعلم بوجوده لكنها لاتعلم فاعليته وتريد اختباره والاستعداد لذلك تجنبا لمفاجآت لحرب محتملة قادمة ..
فيما قال البعض ان الحرب مسرحية لأيام لاظهار محمد مرسي بطلا يهدد ويضغط ويرغي ويزبد ليمحو عار صداقته العظيمة مع شيمون بيريز وحرج الاسلاميين .. ويستشهد هؤلاء بكم المدائح التي أغدقها خالد مشعل وفريقه على مرسي ومصر التي تغيرت التي يرتفع الغبار من تحرك جيوشها .. تماما كما فعل مشعل من دمشق عندما أجزل الشكر لقطر على مساعدتها له في صفقة شاليط .. ومشعل يعيد اليوم نفس قلة الأصل .. ففي صفقة شاليط كان الشكر الكبير لقطر والصغير لدمشق وهو يذيع بيانه من دمشق المكلومة من قطر .. واليوم يمتدح مصر في معركة تطير فيها الصواريخ السورية والايرانية من غزة نحو اسرائيل .. أي يسرق انجازنا وبطولاتنا وصواريخنا ويهديها مجانا للآخرين ..
ولكنني أؤكد لكم أن أكثر شخص مهموم بسبب الحرج في غزة هو محمد مرسي .. وكل خطاباته العنترية عن صبر مصر ونفاذ صبره لايمكن قياسها الا بصبر اردوغان على سورية .. ولاتستحق عنترياته الصوتية الا أن نطعمها للدجاج والأرانب .. وأن نذكره بأننا نفضل صوت أزيز الصواريخ أو على الأقل صوت صرير بوابات معبر رفح (وهي تفتح) على هدير تهديداته الجوفاء..
لكن أكثر التفسيرات كوميدية وفقرا وتحتاج أن نأخذ أصحابها الى مصحات عقلية أو أن نلبسهم حفاضات بسبب سلس البول الذي يعانون منه فهي تلك التي أرادت أن تقول بأن ضرب غزة انقاذ للنظام السوري من الانهيار بجذب الانتباه عن سورية الى غزة ... حيث يغرد أحد أصحاب هذا الطرح في تفسير الأحداث ويقول لافض فوه: (فان النقاش الاسرائيلي الداخلي في الحلقة الأضيق من صناعة القرار الأمني - العسكري انتهى الى ترجيح خيارات مد النظام بمزيد من أسباب الاستمرار ..!!)
صاحب هذا القول ثورجي اسمه صبحي الحديدي الذي عودنا على الهرطقات وفن الهرطقة .. ومن يقرأ كل مقاله يحس أن الكلمات المرصوفة فيه تعاني من سلس البول الذي يبللها .. بل تهتز كلماته متوترة كما لو كانت قطعا مغناطيسية تحمل نفس الشحنة وتتنافر وتأبى الثبات والبقاء بجانب بعضها وهي تهتز .. وفي بعض الفقرات رأيت شخصيا ومضات من ماس كهربائي بين الكلمات ودخانا أبيض لشدة احتكاك الشحنات السالبة كما في خطوط التوتر العالي .. ولاشك أن هذا الماس الكهربائي يعكس الماس العقلي الكهربائي والهوس الذي أصاب بعض الثورجيين الذين يحولون أي حدث في العالم نحو المعركة من أجل السلطة ..حتى ضرع اسرائيل يحلب وبقرتها تطعم من أجل اسقاط الدولة السورية ..
على كل حال، اختلفت القراءات .. ولكن قراءة مغايرة لفتت نظري وهي أن اسرائيل ربما استدرجت بسذاجة الى معركة غزة .. أما من قام بتوريطها فذلك متروك للأيام القادمة .. فكما قلت ليس لاسرائيل مصلحة اطلاقا في مواجهة غزة لأن غزة تقتلع أسنانها ومخالبها بيد خالد مشعل والاسلاميين العرب ..
ومن يقرأ ردود الافعال من كل الذين استفاقت ضمائرهم الثورية والانسانية والاسلامية وجاؤوا باكسير الحياة الى مومياء الجامعة العربية من أجل ليبيا وسورية وأغدقوا السلاح المتطور للثورجيين والمجرمين السوريين وفتحوا أبواب السماء للدعاء لهم في عرفات وعجنوا وخبزوا الفتاوى المعدلة .. كلهم قرروا الذهاب الى العطلة الثورية واستراحة المحارب هذه الأيام وشرب المنومات .. من تركيا الى مصر وغطر وتونس والسعودية ..
لاأعرف فعلا ان كانت اسرائيل قد استدرجت الى الحرب .. لكن طبيعة الأحداث لايمكن أن تقنع أحدا أن هذه العملية التي قدمها نتنياهو وباراك هدية للاسرائيليين كآخر معركة مع غزة وصواريخها لم تكن مدروسة بدقة بالغة من قبل الاسرائيليين .. ولايقدر الكثيرون على فصل توقيتها عن توقيت زيارة حمد وموزة الى غزة منذ فترة وجيزة ..وكأن حمد كان يضع اللمسات الاخيرة لقيام اسرائيل باجتثاث الرافضين لمشروع قيادة حماس (مشعل)
ويذكرني هذا الفخ - ان صح - برواية مرتفعات كليمنغارو للروائي الأمريكي ارنست همنغواي الذي كتب في تلك الرواية عن صياد يعثر على نمر ميت في ذرى الجبال حيث الثلوج والبرد والصقيع .. ولايستطيع أن يفهم سبب صعود هذا النمر الى هذه الذرى الشاهقة وتركه للسهول الافريقية الغنية بكل أنواع الطرائد .. ويمضي الصياد كل الرواية باحثا عن تفسير يقنعه .. وفي نهاية الرواية يكتشف أن التفسير الوحيد هو أن ذلك النمر قد لحق برائحة خاطئة يتعقبها .. .. فتابعها ولاحقها عله يظفر بها فقادته الى مكان خاطئ ..وانتهى بأن لقي حتفه في البرد والصقيع..
هل الاسرائيليون بلغت بهم السذاجة أنهم وقعوا في فخ من هذا النوع؟ .. فضربة الطيران الاسرائيلي التي قيل انها استأصلت الصواريخ بعيدة المدى الفلسطينية تبين الآن أنها كانت تضرب الأوهام والأهداف الوهمية .. تماما كما حدث عام 2006 في لبنان عندما دعهم حسن نصر الله .. واذ بالصواريخ السورية والايرانية النائمة في غزة تنهض من تحت لحاف التراب ومن أسرّة المخابئ وتغادر في "عمليات استشهادية" الى بنوك أهداف اسرائيلية .. وتدك مدن اسرائيل وعاصمتها ..
ان كانت اسرائيل قد استدرجت الى الحرب فهذا يعني أن الخطة تعني أن الحرب لن تتوقف عند غزة .. بل ستتسع .. وربما نفهم اليوم لماذا لم تغادر الكتلة العسكرية السورية الكبيرة الجنوب السوري باتجاه حلب رغم كل نفخ العضلات التركي والاستفزاز على كل خط الحدود وتحريك البطاريات والمدرعات .. هذا يعني أن احتمال الحرب جنوبا قد يكون عاليا ..
من نقل لي احتمال تعرض اسرائيل لخدعة استخباراتية كبيرة قال لي بأن اسرائيل حصلت على معلومات موثقة ويقينية من خلال عملاء مزدوجين قدموا لها كل المعلومات التي كانت تريدها وهي وجود منصات صواريخ متوسطة المدى وبعيدة المدى في غزة .. والأهم أماكن تواجدها ومخازنها السرية التي لم تتمكن اسرائيل من معرفتها على وجه اليقين طوال فترة تعقب طويلة .. والبعض يقول ان المعلومات أوصلت الى اسرائيل عبر تقديمها من قبل فريق عملاء اجتمع بهم حمد بن خليفة في زيارته الى غزة وقام هو بايصاله للاسرائيليين معتقدا أن يسدي لهم خدمة .. وكان أخطر مافي المعلومات أن هذه المخازن خاضعة في معظمها لفصائل ترعاها سورية وايران وهي تعاند ضغوط حماس بالانفصال عن سورية وايران .. وان هذه المخازن سيتم تحريكها قبل بداية شهر كانون الاول 2012 الى جهة مجهولة اما بسبب اعتقاد هذه الفصائل أن مواقع الصواريخ السرية قد كشفت .. أو بسبب وجود احتمال هجوم مفاجئ من حزب الله الذي سيثأر قبل هذا الموعد لقائده عماد مغنية عبر تنفيذ عملية نوعية جدا وقاسية جدا ..وقد يحتاج الى فتح جبهة غزة اذا مااندلعت الحرب ..
ولم يكن الوقت متسعا أمام نتنياهو والقادة العسكريين الاسرائيليين لأن افلات الصواريخ من التدمير قد لايعوض ..وقد يكون ذلك هو الخطأ القاتل .. وحدثت مناقشات وكثيرة ولاحظت أوساط متابعة للشأن الاسرائيلي اجتماعات على غير العادة في الأسبوعين الاخيرين في مقر الحكومة واللجان الأمنية المصغرة لاتخاذ قرار .. وكان القرار بعدم تفويت الفرصة ..والقضاء على الصواريخ ومخازن السلاح النوعي ..والقيادات النوعية ..
ومن المشهد العام تبين ان ماضربته اسرائيل من أهداف كان أهدافا وهمية .. وشبهه أحد الصحفيين البريطانيين بأنه يشبه خدعة انكليزية استدرج فيها سلاح الجو الألماني الى أهداف بريطانية على اساس أهداف عالية القيمة .. وكانت نتيجة القصف الألماني العنيف قتل دجاجتين في تلك المنطقة التي تعرضت لدمار هائل..
واليوم تقف اسرائيل في مواجهة الفخ وقدر تلقي صفعات الصواريخ السورية والايرانية التي تقدر أعدادها في غزة بالآلاف ..وهي أمام خيارين صعبين:
الأول هو الاستمرار وعمل المستحيل لاستعادة هيبتها وبأي ثمن ولو عبر عملية برية واسعة .. وهذا يفتح بقوة خطر تعرضها لموجات متلاحقة من الصواريخ في كل مدنها حتى الوسط وخطر مفاجآت أخرى في الحرب البرية أقلها مجزرة دبابات بصواريخ الكورنيت التي ثبت وجودها الآن في غزة .. وربما سيجد حزب الله ذلك الاجتياح مبررا لدخول النزاع بمباركة سورية وايرانية لفك كل الأشتباك الحادث الدولي في الشرق الأوسط على الأرض السورية .. ومن أجل هذا الاحتمال بقي الجيش السوري بكتلته الكبيرة في الجنوب لأن دخول حزب الله قد يعني اتساع الحرب واستدارة اسرائيل نحو الشمال وعندها ستجد الجيش السوري (وليس الجيش الحر طبعا) بانتظارها مع حليفه ..
والخيار الثاني هو ان تقبل بالذل والهدنة ..وان قبلت ذلك فانها تنحني لعاصفة الصواريخ وتطأطئ رأسها الدامي وهذا وضع لم تكن اسرائيل فيه في صراعها مع الفلسطينيين منذ لحظة تأسيسها .. واحناؤها يعني صدمة نفسية هائلة للاسرائيليين العاديين وثقتهم بالمستقبل ..وهذا سيغير كثيرا من قواعد اللعبة وسيضعف كثيرا من محور السلام وقد يضعف بقوة معاهدة كامب ديفيد المبنية على افهام المصريين أن الحرب مع اسرائيل مكلفة وخاسرة
ولكن أجمل نتيجة لهذه المعركة التي انطلقت في غزة هو لقاؤنا بالأجوبة التي طالما بحثنا عنها وتلاعبت بها التخمينات عن سبب احجام العالم وتركيا عن التدخل العسكري المباشر في سورية ... فما حدث في غزة كشف ماكان العالم يخشاه من حرب على سورية .. فتركيا ترى الآن بأم عينيها المحملقتين أن اسرائيل وقببها الحديدية عاجزة عن فعل شيء أمام صواريخ غزة المتواضعة نسبيا .. ولاشك أن حلق اردوغان قد نشف وأنه يتساءل عما ستفعله به الصواريخ السورية ان قررت مداعبته ومباغتته ان اعتقد أن مناوشات الحدود قد تتطور .. فهو يرى اسرائيل مشلولة وعاجزة وشوارعها فارغة ومئات الآلاف يهاجرون شمالا .. وكل مافي غزة هو جزء يسير جدا مما تملكه سورية خاصة أن منظومات الصواريخ السورية كلها مجهزة بقدرات تشويش على أنظمة الباتريوت..
واليوم نستطيع ان ندرك لماذا لم يتورط حلف الناتو بالتدخل رغما عن الامم المتحدة .. فقد أدركنا ان القادة العسكريين الغربيين ليسوا اغبياء حيث اشاروا الى القوة الكبيرة التي ستواجههم والعصف الناري الصاروخي الذي قد يواجهونه في مغامرة كهذه ..وحسب بعض المصادر الغربية فان الجيش السوري صار قطعة من الجيش الروسي حسب منظومات التسليح الفائقة التطور التي تلقاها مؤخرا من روسيا..
وربما سيفهم مجانين الائتلاف السوري أن الاعتراف بهم لايعني شيئا ولن يغير في المعادلات السورية ولعل أهم المعادلات هي معادلة القوة التي يحترمها الغرب جدا ولايفضل التعامل معها بعناد .. وكما قال لي أحد الزوار الغربيين بأن المعارضة قد تحصل على دعم الغرب الذي تريده لكن عليها أن تنتظر 15 سنة على الأقل لأن الغرب انتظر 15 سنة حتى تدخل في العراق بعد أن تآكلت آلته العسكرية تماما وصدئت .. وبمقارنة للتحديث الذي يطرأ يوميا على الجيش السوري فان الانتظار قد يصل الى 30 سنة لكي يرى الغرب أن الجيش السوري لن يسبب الأذى له في غياب الدعم الروسي .. اذا لم تنقلب المعادلات كليا .. أما وعود انتظار السلاح النوعي فان معركة غزة فيها رسائل نوعية جدا من قبل السوريين وهي ان وصول السلاح النوعي للمعارضة السورية سيصل مقابله سلاح نوعي مثل ماوصل الى غزة الى كل خصوم تركيا واسرائيل والغرب ..
البعض يتساءل وأين هي حماس التي خرجت من دمشق اذا .. والجواب هو أن من يقاتل ليس "حماس" وحدها بل ان القوة الضاربة الرئيسية لغزة هي في الفصائل التي بقيت على وفائها لسورية والتي لم تكن متحمسة لخط حماس .. وقيادة حماس لاتستطيع املاء ارادتها على الجميع وهي مضطرة لمسايرة المتحمسين في حماس ذاتها للحرب بدليل أن رئيس وزراء مصر هشام قنديل ومن داخل غزة ماكاد يتحدث عن التهدئة مع اسماعيل هنية حتى كانت الصواريخ تغادر غزة في احتقار للتهدئة وتحد لها..
علينا أن نتوقع منذ اليوم أن يتقاطر كل الكذابين الى غزة بحجة الدعم والمساندة .. وأن يتسابق القطريون والسعوديون والأتراك والقرضاويون لاطلاق صواريخ الكلام وصواريخ المؤخرات ..لأنهم في حرج شديد وموقف لايحسدون عليه ..وتوسع الحرب في غزة سيأكل من الأزمة السورية .. لأنه لن يكون في مقدورهم تبرير حرب على سورية وتهدئة في غزة ..فاما حرب في سورية وفي غزة وهذا محال لأن اسرائيل ستتأذى .. أو تهدئة في غزة مقابل تهدئة في سورية ..
مما سبق لاأستطيع تفسير الحرب على غزة ببساطة أو القبول بتفسيرات ساذجة .. وأميل الى أن أن ماحدث كان فخا لاسرائيل أوقعت فيه ..وفخا لثورجيي الربيع العربي الحائرين في انتقاء الكلام الأجش والخشن وتركيب محركات نفاثة لعباراتهم ..لكن على الأرض لايحركون بندقية خردق ..
ان مغامرة اسرائيل في غزة تشبه صعود النمر في رواية (ارنست همنغواي) الى الأعالي خلف رائحة خاطئة استدرجت اليها فتركت سهول الربيع العربي وطرائده الوفيرة ..واذ بها تجد نفسها في برد وصقيع مواجهة الأقدار ..
ولاابالغ ان قلت ان المعارضة السورية نفسها تلحق برائحة خاطئة وتتعقب هدفا يستدرجها الى ذرى عالية لتواجه موت الصقيع والبرد .. عندها سيعثر صياد دولي على جثة النمر وعلى مقربة منه جثة حمار وحشي مخطط اسمه (الائتلاف السوري) على الذرى .. وسيتساءل الصياد عن سبب وجود النمر وحمار الوحش (الائتلاف) على الذرى الثلجية .. ولكنه ان سألكم فقولوا له: ان النمر أقنع حمير الائتلافات أن رائحة برسيم الربيع العربي تفوح من الذرى حيث السلطة فتبعت الرائحة الخاطئة فقتلها الصقيع .. فيما النمر تبع رائحة حمير الوحش فوجدها قد نفقت على الذرى الباردة .. فاما أن ينزل بسرعة واما أن يبقى ليموت بجانب حميره .. وليفهم الجميع أن الذرى لأهل الذرى..
هوميروس قطر “أبو النعاج” في “غزة والذئب” والعرب في زمن الكوليرا
التاريخ : 19/12/2012
لاأدري أين أصنف الآن حمد بن جاسم وزير الخارجية القطري ..ولاأعرف كيف يمكن أن ينصفه التاريخ .. لقد حيرني هذا الرجل … فبالأمس فاجأني جدا وداهمني واجتاح جهلي بعلمه ..وعرفت فيه جانبا لم أعرفه من قبل .. فهو فيلسوف وحكيم .. وهو روائي وقاص .. وهو سياسي وديبلوماسي .. وهو ثلاثة عمالقة اجتمعوا في رجل واحد.. لقمان الحكيم، وسقراط الفيلسوف، وهوميروس صاحب الالياذة ..
فبعد أن سمعت منه الياذة (الذئب والنعاج) أدركت مالم أدركه .. وعرفت بأنني عرفت مالاأعرف .. وان سر الخلود ليس في بلاد الرافدين بل في قطر .. وبأن العمر الذي خشيت عليه من الضياع لم يضع .. وحزنت أننا لم نقدّر هذا الرجل ولم نعطه مايستحق .. وأننا كدنا نثب عليه ونقتله متسرعين كما قتلنا محي الدين بن عربي الذي قال ان معبودكم هذا تحت قدمي .. فاذا بصاحب “الذئب والنعاج” يجلس بحكمته في مكان محي الدين بن عربي وهو يقول ان معبودكم هذا تحت قدمي (وأحسب أنه يعني النفط والغاز) .. وأنكم نعاج …
لقد فاتني من هذا العمر اكتشاف هذه الالياذة العربية مبكرا وهذا الهوميروس العربي بدشداشته القطرية.. فحديثه استغرق دقيقتين لكنني بعده رميت بمكتبتي الى النار وأحرقتها بما فيها لشعوري باضمحلال اللغة والفكر أمام فكر (أبي النعاج) .. أحرقتها كلها كما فعل أبو حيان التوحيدي في آخر عمره .. وبدأت أتساءل ان كان أبو حيان قد أحرق كتبه لأنه بعد كل علمه ومؤلفاته ظهر في عصره متحدث وفيلسوف من آل بن جاسم جعله يحتقر كل ماقرأ وكل ماكتب أمام عصارة العلم والفكر والأدب التي تجلت في حكيم قطري ظهر في ذلك الزمان..
ولاشك أن حمد بن جاسم سيرسل لي شيكا بعد هذه المدائح التي قد تعني انشقاقي الى جمهوريته الديمقراطية (كما يفعل مع الفارّين اليه).. ولكن الهوينى فلاتستعجلوه لأن عليه أن يقرأ بقية المقال فلعله لايرسل شيكا بل يخلع عقاله ولايضعه قبل أن ينازلني في مبارزة شعرية وأدبية في بيته في مستوطنة نهاريا شمال فلسطين لأنه (شاعر صحراوي) لايجيد المبارزة بالسيوف أو بالمسدسات على طريقة الفرسان بل يجيد الطعن في الظهر واطلاق النار في الظهر على طريقة الأنذال وعهدنا بهم ..
لقد صارحنا – أطال الله عمره – بأننا نشهد اجتماع النعاج من هجمة الذئب والذئاب .. وكان حكيما وعاقلا كما عهدناه ولم ينفلت نزقه ولسانه الطويل بالتهديد ولم يرفع سبابته في وجه أحد بل اكتفى بأن يكون حملا أو كبشا بلا قرون وبلا خصى .. أو نعجة بين النعاج .. وأحسست فجأة وأنا تطفر عيناي بالدمع من قوة البلاغة أنني سمعت .. صوت ثغاء الحملان في الجلسة وصرت أدقق في رؤوس المجتمعين علّي أحظى بلحظ القرون التي كشفها لنا حمد بن جاسم .. هوميروس العرب وقاصّهم الأول “أبو النعاج” ..
سيكون من الاجحاف أن يكون لدينا لقب (أبو العلوج) الذي أطلقه اعلام الخليج العربي على وزير الاعلام العراقي الأشهر محمد سعيد الصحاف للسخرية منه والتشفي بهزيمة العراقيين أمام الأمريكان .. من الاجحاف أن لانعلق في رقبة حمد بن جاسم لقب (أبو النعاج) وحبيب العلوج .. وهو لقب يلبسه جدا ويناسبه جدا خاصة أنه متحمس جدا للربيع العربي وبرسيمه واخضرار أرضه حيث العشب والكلأ “الأخضر” .. وسنناديه مستغيثين منذ اليوم كما كان فقراء العرب ينادون مستغيثين بعروة بن الورد وهم يقولون (ياأبا الصعاليك أغثنا) .. وسيكون نداء أمة العرب لعروة بن الورد القطري حمد بن جاسم: ياأبا النعاج أغثنا ..
هل نرشح معاليه لجائزة نوبل في الأدب ونرمي بأدونيس الى الصفوف الخلفية؟ اننا على أبواب جائزة نوبل ثانية في الأدب بعد جائزة نجيب محفوظ ينالها العرب عبر عبقرية (الذئب والنعاج) .. ولاشك ان فيصل القاسم الذي لايعرف (ادونوس !!) يعرف بالتفصيل فلسفة (الذئب والنعاج) ويعرف كاتبها الذي يكتب له الشيكات ..وسيستهل احدى حلقاته التي لن أراها بالطبع بالقول بحماس: ان العرب نعاج ..واسرائيل هي الذئب .. يقول أحدهم!! ..
هذا الأدب الانساني الرفيع للروائي العالمي حمد بن جاسم لايضاهيه أدب غابرييل غارسيا ماركيز صاحب (الحب في زمن الكوليرا)..وصاحب (مئة عام من العزلة) ..فبعد عبقرية “الذئب والنعاج” عرفنا لماذا وصلنا الى مرحلة (العرب في زمن الكوليرا) أو (العرب في زمن النعاج) .. ولماذا دخلنا عبر بوابة الربيع العربي الى (مئة عام من العزلة)..
ان نجيب محفوظ في “ثلاثيته” الشهيرة وفي رواية “أبناء حارتنا” لايضاهي في ابداعه ابداع رواية (الذئب والنعاج).. وقد ظهرت قامة أدبية رفيعة تكتب من قطر ثلاثية جديدة هي: “الذئب القرضاوي في قصر الشوق” .. و “عزمي بشارة بين القصرين” .. و السكرية “موزة في غزة ” .. وأخيرا العمل المميز .. “نعجات حارتنا” ..لحمد بن جاسم هوميروس الشرق (أبو النعاج) ..
لاأدري سبب هوس السياسيين العرب باظهار ميول الأدب والشعر والقصائد والروايات ولايكتبون المذكرات عن الأزمات .. طبعا هذا ليس عيبا لكن السياسة لاتحتاج خيالا بل واقعا وتحتاج انصرافا الى العمل المتواصل لحل معضلات المستقبل قبل مشكلات العصر واللحظة الراهنة .. فهذا هو سبب التفرغ للعمل السياسي .. فشاعر مثل نزار قباني قرر ترك العمل الديبلوماسي والتفرغ للشعر احتراما للديبلوماسية التي لاتعرف الرومانسية بل الواقعية .. واحتراما للشعر الذي لايستطيع أن يبقى طويلا في الواقع دون رومانسية ..
فهناك عند العرب وزير نفط عربي كان يكتب الشعر الغنائي للفنانين والفنانات .. ولاأدري ان كان يعرف العلاقة بين سعر النفط وسلة أوبك والنمو الاقتصادي في القرن الواحد والعشرين.. وكان لدينا وزير دفاع عربي كان يؤلف الشعر وينظمه ويكتب في كل صنوف الأدب .. وكان لدينا كذلك الرئيس الراحل صدام حسين الذي في أوج صراعه مع الغرب واثناء الحصار خرج علينا برواية (زبيبة والملك) .. ثم تلاها برواية (اخرج منها ياملعون) ..فكان أن دخل فيها الملعون وملاعينه .. وصرنا جميعا نعيش زمن (موزة والأمير) بدل زبيبة والملك ..
وكان الزعيم الراحل معمر القذافي يكتب فقرات الكتاب الأخضر وهذا طبيعي فهو كتاب ونظرية في السياسة لايعترض عليه أحد حتى وان كان يشبه في نجاحه نجاح كتاب أحمد داود أوغلو الذي كتب فيه عن (صفر مشاكل) .. لكن الزعيم القذافي لم يقدر على مقاومة اغراء الانتماء لعالم كتّاب الروايات فصدرت عنه رواية بعنوان غريب هي (الأرض الأرض ..والقرية القرية .. وانتحار رائد الفضاء) ..
حمد بن جاسم لاشك لم يصدر رواية ولكن حديث “الذئب والنعاج” ملفت للنظر لأنها ارهاصات روائي عربي قادم ..ونهوض لفيلسوف من فلاسفة الغاز .. وولادة حكيم ولقمان العرب ..كلها دخلت في وجداننا وتاريخنا عبر بوابة غزة وحديث (الذئب والنعاج).. وسأساعده في اختيار عنوان روايته القادمة أو حديثه القادم وأمثولاته .. فبدل (الذئب والنعاج) يمكنه أن يتحدث أو يكتب عن (نعاج بلا أسد !!) ..أو (الأسد والنعاج) .. أو (ذئاب وأسود ونعاج) .. أو يمكنه أن ينسج على نمط رواية القذافي ووزنها عنوانا مثل ( الأسد الأسد .. الذئب الذئب .. النعاج النعاج.. وانتحار رائد الفضاء محمد فارس)..
بالرغم من كل شيء فان حمد نطق بالحقيقة وكنا نرى نعاجا مجتمعة تتباكى وتهدد بسحب مبادرة عربية لم يترك الذئب زاوية بها لم يتغوط عليها .. وبالرغم من كل السبابات التي رفعت في مصر ورفعها الاخوان الذين حلفوا بمليونيات اللحى بأن مصر تغيرت فان الحقيقة هي أننا دخلنا رسميا عهد النعاج والثغاء .. وأن قبضايات الاسلاميين وأردوغان لم تعد لهم حناجر تهدد اسرائيل لأن حناجرهم مصنوعة من سكر وذابت من كثرة الصراخ على السوريين ومن كثرة النفاق ومن كثرة الهدير .. وتعجبت ان كان اردوغان ترك صبره وحنجرته وأعصابه النزقة في رحلة استجمام أو انه نسيها في السرير أو الحمّام أو على حدود سورية .. كل هذا الأردوغان العصبي لم يقدر أن يرسل بارودة واحدة الى غزة ولا حبة خردق !!! .. ون اقصى مافعله الاسلاميون هو رحلات السياحة الرسمية الى غزة .. وكل هذا المرسي لم يقدر أن يخرج من ثياب حسني مبارك وجزمته ولم يردع اسرائيل التي لم يعد خافيا أنها لاتخشاه وأن الرجل لم يأت بثورة بل بكامب ديفيد ذات لحية وبحسني مبارك “مؤمن” ويطلق اللحية .. والحقيقة ان اسرائيل لاتخشى بحرا من اللحى الاخوانية يحيط بها .. بل تخشى غضب آلهة الصواريخ ..لأن القصف بالصواريخ غير القصف باللحى والسبابات..
ليس عندي شك أن الحضور في ذلك الاجتماع العربي (جلسة النعاج) كان لديه شعور أنهم أغنام .. فغياب الأسد ورجال الأسد السوريون ترك جوا عاما من الشعور بشعور النعاج .. وربما يعيدنا هذا الى مقولة نابوليون بونابرت الشهيرة: أن يقود أسد جيشا من الوعول ..أفضل من أن يقود وعل جيشا من الأسود .. وترجمتها العربية التي تليق بهوميروس القطري هي: (أن يقود أسد جيشا من النعاج .. أفضل من أن يقود خروف جيشا من النعاج) ..ونترك لفيصل القاسم أن يشرح لهوميروس العرب معنى ذلك بدقة وبلغة السوريين ..ويستطيع هوميروس أن يستعين بسفير اسرائيل في قطر ..عزمي بشارة ..ليوضح المعنى الفلسفي ويغوص “في العمق” مع أخيه الصغير علي الظفيري..
في الحقيقة كنت بدأت أفتقد غياب الزعيم معمر القذافي الذي كان حضوره الى أية قمة عربية أو اجتماع دولي يضفي عليه جوا من الاثارة والمتعة بسخريته اللاذعة ونزقه وصراحته الصادمة وعصبيته .. وعدم مجاملته لأحد وخاصة (لأبو متعب) والخلايجة .. ولكن منذ أن برزت نجومية القطريين من الخوارزمي حمد بن خليفة ومعادلة (3%) الى هوميروس الشرق بن جاسم (أبو النعاج) .. فان اللقاءات العربية ستصبح أكثر اثارة ومتعة وثرية بالثقافة والجزالة اللفظية والعلم والمعرفة..وبالطبع الكوميديا ..
لن يكون هناك ذلك المشاغب والزعيم الأخضر النزق القادم من الخيمة والصحراء والزنقات .. بل سنسمع حكمة وموعظة وشعرا وحكايات ماقبل النوم عن ليلى والذئب (وغزة والذئب) .. وعن الذئب والنعاج .. وصرت بصراحة بانتظار مسرح الاثارة والكوميديا السوداء في الجامعة العربية لأضحك في هذا الزمن الكئيب الأسود .. أضحك من تأتأة نبيل العربي وعدم استقراره النفسي .. وأضحك من بلاغة الخلايجة والسعوديين الذين يقرؤون بياناتهم الفصيحة كما لو أنها كتبت قبل عهد أبي الأسود الدؤلي بلا تنقيط ولاحركات ويستعملون الفاصلة في وسط الكلمة .. ويقصون نصف الجملة بالمقص والنحنحة والسعال ويقذفون بها الى بداية الجملة التي تليها .. وعندهم لايعرف المبتدأ أين هو خبره ولايعرف الخبر لماذا يلبس حذاء المبتدا .. ولايعرف حرف الجر ماذا يجر .. ولا ان كان هو نفسه سيجرّ بالحبال ويسحل على السطور ..
وبين هذا المجال اللغوي الأنيق والرفيع سنسعد منذ اليوم بسماع (نهج البلاغة) القطرية .. بلسان هوميروس ..أبو النعاج .. الذي لم يكن قريبا الى قلبي مثل ذلك اليوم الذي انطلق فيه على سجيته الرعوية وكان يتحدث بعفويته كطفل حافي القدمين (كما يقول نزار قباني) عن “غزة والذئب” .. ويتأوّه بخضوع واذعان للذئب الذي أكل جدة ليلى (فلسطين).. وينهل من ثقافة الراعي الكذاب ..
ماهذه ال “قطر” ؟؟ ..صارت تلبس ثياب بغداد الشرق وترتدي وشاح دمشق الأموي ..لأن فيها حمد بن خليفة بدل المأمون وفيها قاعدة العيديد بدل دار الحكمة .. فأميرها صاحب اللوغاريثمات الخوارزمية ومعادلة (3%) .. ووزير خارجيتها هوميروس أبو النعاج .. وأميرتها موزة التي تدير الممالك الاسلامية مثل (شجرة الدر) .. وفيها القرضاوي ظل الله .. وعزمي بشارة تلميذ أفلاطون .. وفيصل القاسم روح جان جاك روسو .. وقريبا أبو الوليد خالد مشعل بن الوليد ……أهذه قطر .. أم أمّ البشر ..؟؟!!
بالرغم من أنه ليس زمن النكتة ولاالدعابة ولاخفة الدم في زمن اراقة الدم في عالمنا العربي وشرقنا فانني لم أجد غضاضة من أن أداعب شنبات هوميروس العرب (أبو النعاج) .. وأن أعطيه بعضا من حقه كأديب وفيلسوف وحكيم لايشق له غبار .. وأن أهديه عنوان رواية الراحل صدام حسين .. (اخرج منها ياملعون) لأننا أدباء وشعراء وعشاق قصة وهو يفهم بالأدب ولغة الشعر والقصة والروايات .. وأتمنى أن يفهم ماذا عليه أن يفعل وأن يستجيب لطلبي .. ويخرج منها .. ملعونا ابن ملعون .. لننظف طرقات الشعر والأدب والمقاومة من روث هوميروس القطري (أبو النعاج) وبقايا أعشابه وبعره .. ولننظف الشرق من نعاجه وذئابه .. ونكتب الى صدام حسين في السماء (سنخرج منها الملعون ..ابن الملعون) .. ونكتب الى نابوليون وحفيده هولاند فنقول: .. ان النعاج لن تقود الأسود في الشرق .. وان الخيول البرية والأيائل ستدهس الذئاب ..وأبناء الذئاب ..والملاعين أبناء الملاعين ..
مذكرات صاروخ .. ومذكرات نعجة
التاريخ : 12/11/2012
قبل أن نستأنف رحلتنا في البحث والتنقيب في أحداث الشرق لابد من أن نعرج مرة أخرى على أكثر ماأثار مشاعرنا هذه الأيام فخرا أو حنقا .. وهما ..تناقص الصاروخ والنعجة .. فاختلسنا النظر الى بعض أوراق تخص الصاروخ .. وبعض أوراق تخص نعجة تباهي أنها نعجة بين النعاج .. فلنقرأ المذكرات ..
مذكرات صاروخ:
اسمحوا لي أن اقدم لكم نفسي لأنني صرت هذه الأيام مالئ الدنيا وشاغل الناس .. وبالرغم من أن الأضواء تحرجني الا أن الفضول الذي أحاط بي يدفعني لأن أقدم لكم نفسي وأن أزيل بعض التراب الذي غطاني وأنا في المخازن وتحت الأرض ..
اسمي فجر .. واسم أمي ثورة واسم أبي رضوان .. ومكان ولادتي ايران .. لكني نشأت وترعرعت في سورية حيث تلقيت علومي ونلت شهاداتي ونجحت في كل امتحاناتي .. وعشت شبابي وأجمل أيام عمري في جنوب لبنان حيث عشت كالأمير في “الكلية الحربية للصواريخ” لأتعلم فنون الطيران لمسافات بعيدة قبل الانقضاض .. وقد تخرجت منها بمرتبة الشرف .. وحصلت على عملي في غزة التي انتقلت للعيش فيها منذ سنوات قليلة ..
ومكان اقامتي هو منجم من مناجم غزة السرية .. ولي فيها أصدقاء كثر ..صديقي قسام وصديقي غراد وصديقي م75 وصديقي كاتيوشا وصديقي كورنيت وآخرون… كانت رحلتي الى غزة طويلة ووصلت بي الى أعالي النيل .. وكنت أسافر ليلا وأتجنب ضوء النهار وفضول الفضوليين .. ولم أدخل غزة من بواباتها المصرية المقفلة بل من الأنفاق المظلمة حيث حملني على كتفه رجل من جنوب لبنان .. حملني وكان يلهث لكنه لم يتركني حتى وصلت مسكني الجديد في أحد المناجم الغزاوية .. وقد نمت من شدة الارهاق وطول الرحلة فلما كان الصباح لم اجد ذلك الصديق الذي تحمل مشقة السفر معي فقد غادر عائدا الى حيث الكلية الحربية للصواريخ ليحمل بعضا من رفاقي الى غزة .. وكم حز في نفسي أن يعود دون أن اعانقه وأن قبل جبينه وأن اقول له بأنني أحبه ولاأنسى فضله .. فأمثالي لاتنكر الصداقة والخبز والملح وشقاء الأسفار مع الأخيار ..كما يفعل البعض هذه الأيام..
بقيت في غزة ردحا من الزمن وكنت أرى بأم عيني مخلوقات تطير في السماء تلقي بالقنابل على الناس .. أشكالها مقيتة ويبدو عليها الصلف والغرور وقسوة القلب .. شاهقة عالية لاتنال .. ندمت مرارا أنني لم ألتحق بالكلية الجوية لأصبح صاروخا شبيها بصواريخ سام كي أثب اليها وأنزلها من تلك الابراج العالية .. وكم تمنيت أن يسمح لي بمغادرة موقعي لتنفيذ مهمة ثأرية لكن لم يكن الوقت قد حان ..
واليوم جاءت تلك الطائرات البغيضة الشرسة التي تلقي على الناس النار بجنون .. واذ بأمر عمليات يصدر بتكليفي بمهمة عاجلة ..
أخيرا ومن بعد الصبر سأخرج وأنفذ مهمة .. أخيرا سأثبت لأمي وأبي واساتذتي في الكلية الحربية أنني رجل وأنني “فجر” ابن الثورة والرضوان ..
ارتديت الزي الرسمي المبرقع .. ووقفت باستعداد أنظر الى السماء ..وقلبي يغلي ودقات قلبي لم تتسارع كما تسارعت اليوم ووجهي لم يحمر كما اليوم .. لم أمر بهذه اللحظات والانفعال الا عندما نجحت في امتحاني النهائي في سورية ..ففي الامتحان يكرم المرء أو يهان ..
انتظرت أوامر الانطلاق في مهمة كوماندوس وأنا على أحر من الجمر.. والمهمة هي أن أصفع وجه فاجرة اسمها "تل أبيب" وأدمي أنفها وأذلها .. وان أركل مستوطنات بعينها في بطنها وخصرها ..
طال الشوق للسماء .. من السماء سأرى مالا يرى .. ومن السماء وفي الأعالي سأرى بيتي ومدرستي الابتدائية في دمشق .. وسأرى بيت الشباب في جنوب لبنان ..أطلقوني ..أطلقوني ..ان توقي للسماء لاحدود له
وأخيرا .. جاءت ساعة الصفر .. ومددت أجنحتي .. ووثبت الى السماء وصوتي يهز غزة وأنا أغني أغاني المحاربين في الحرب ولحن (خلي السلاح صاحي ..صاحي ..صاحي) ….كنت كالجواد والبراق الذي يدق بحوافره وسنابكه دروب السماء ..فأثير الغبار خلفي بسرعة .. وأرسم خطا من الغبار والنار..هو الخط بين السياسة والخيانة ..
في السماء سمعت أصوات يحي عياش وعبد العزيز الرنتيسي وهادي نصر الله وعماد مغنية وأحمد ياسين وسناء محيدلي ومالك وهبة وكثيرين .. وسمعت أصوات أساتذتي داود راجحة ..وآصف شوكت ..وحسن تركماني .. وسمعت صوت جول جمّال وعز الدين القسام .. هذه الأصوات التي كانت تهلل لي وتحييني وتلوح لي من السماء ..جعلتني أسرع في تحليقي .. حذرتني الأصوات من قبة حديدية قد اصطدم بها .. لكن اجتاحني شعر غامر بالنشوة وأنا أسمع على الأرض صوت عويل تل أبيب وصراخها وصفارات الانذار .. ورأيت وجهها الأصفر وعيونها المذهولة كعيون الثعابين من رؤيتي عابسا من السماء .. فقررت في لحظة أن أتحول الى كاميكاز .. مثل الاستشهاديين الذين سبقوني الى السماء .. لم يعد يرضيني أن أصفع وجه تل أبيب تلك الغانية الفاجرة .. بل سأنفجر في وجهها وأنسفه ..وأدميه وأحرق شعرها الأسود .. ولسانها المشقوق وأكسر رأسها .. وأستشهد ..
وفي آخر ثلاث ثوان في حياتي وهي المسافة بيني وبين الأرض .. كتبت وصيتي لأمي وأبي ولغزة وقلت فيها: انني لن أعود .. لكن قلبي الآن منغرز في فلسطين كبيوت أهل القدس .. فلا تصالحوا .. لاتصالحوا .. لاتصالحوا .. وان همس لكم الشيطان فاقطعوا آذانكم .. وان همس لكم عيال الشيطان ولصوص الصواريخ وتجارها (؟) في القاهرة وأصدقاء أردوغان فاقطعوا ألسنتهم ..وان أراد العرب بيع جسدي وأجنحتي وقلبي ونيراني وصوتي فلا تبيعوني ..فان مات قلبي ماتت غزة ومات الشرق .. وآخر وصيتي لكم هي:
خلي السلاح صاحي ..صاحي ..صاحي….
خلي الصاروخ صاحي ..صاحي ..صاحي..
خلي الضمير صاحي ..صاحي ..صاحي..
مذكرات نعجة:
اسمي حمد بن جاسم .. وأنا خروف معلوف .. ولكني منذ أن تم اخصائي صرت أعيش بين النعاج العربية ..لي قرنان صغيران واحد على اليمين اسمه قرضاوي وآخر على الشمال اسمه عزمي .. وأما إليتي فاسميها “الفيصل القاسم” لأنها تفصل حياتي عن مماتي..وتفصل ريح “الاتجاه المعاكس”.. ..
ولدت في قطر .. واسم أمي بسوس .. وجاسم ليس أبي .. لأنه لاأب لي فأنا ابن أبيه .. وقد تحدرت من أصول داحس والغبراء .. أقيم في “جزيرة” يحكمها وحيد قرن (كركدن) قرنه “موزة” .. وهذه من معجزات الخالق تبارك وعلا .. ولكن بيتي في نهاريّا حيث زوجتي الاسرائيلية ..
تلقيت تعليمي الابتدائي في مدارس الأمريكان الذين سقوني حليب الأتان ..ولكني لم أكمل دراستي فالنعاج لاتحتاج العلم والشهادات طالما أن أقصى ماتريده هو الثغاء والغباء..
منذ ولدت حملا جميلا لأمي وأنا أكره نفسي وأحتقرها .. وأحس أنني حاقد على الناس .. لأنهم لايحترمون النعاج رغم أننا معشر النعاج لانؤذي ولاهم لنا الا ارضاء الناس .. نطعم لحمنا للناس .. ونسلخ جلدنا للناس .. ونخلع صوفنا للناس..
العيش بين النعاج جميل ومريح وليس فيه مشاكل ..ولدي أصدقاء كثيرون .. نعجة في مصر ونعجة في تونس .. ونعجة في ليبيا .. ونعاج كثيرات ..من المحيط الى الخليج .. ونحن نجتمع في نادي النعاج الذي يسمى (الجامعة) .. ونعجتنا البيضاء “النبيلة” تحبني كثيرا .. وتجلس بجانبي دوما ولاتعصي لي أمرا .. وكلما رأيتها غنيت لها:
يانعجتي البيضاء .. يازينة النعاج …. ترعين في الرمضاء والظل للمحتاج
وخلافا لكل النعاج في الدنيا فان صديقي الأول ذئب اسمه “نتن” وهو ابن “ياهو” .. ولحم أكتافه من اخواني الخراف الصغيرة التي أبعثها له مشوية بالحرية والطائفية والثورجية ..التي أحتفظ له بها في زريبة الربيع العربي ..حيث الحلم الأخضر .. والحرية .. والله أكبر..
وأكره من المخلوقات الأسود .. وأرتجف من سماع زئيرها .. وأكره ملاقاتها .. وأسأل الله أن يكون مصيرها كمصير الديناصورات .. وأن تحط عليها النيازك وتريحني من زئيرها .. وبالذات ذاك الأسد الشرس الشرير الذي يتجول بين بلاد الرافدين وشواطئ البحر المتوسط ويسكن قمة الشام .. هو ابن آشور وبابل وترعرع في بيت أوغاريت .. لقد رأيته بأم عيني يقصم ظهر ضبع من ابناء عمومة صديقي “نتن” ابن “ياهو” ويعفر وجهه بالطين في أرض العراق ..
وكانت من اكثر اللحظات حرجا في حياتي هي عندما اعتقدت أن الصوف حول عنقي يمكن أن يسرّح ليكون مثل لبدة الأسد فقصدت صالون حلاقة اسمه (حماس) يديره حلاق اسمه خالد مشعل عاش يوما في عرين أسد وهو يعرف لبدة الأسد .. فمشط لي فروة الصوف لتبدو مثل لبدة الأسد .. ولكن هيهات أن تصنع من الصوف لبدة أسد ..فقد صرت سخرية للقطعان والنعاج ..
ولعل أقسى ذكرياتي على الاطلاق هي عندما حاولت أن أخيف هذا الأسد بقروني الثورية .. فنظرت الي غاضبة جماعات الأسود من سيبيرية والقوقاز وحتى هرمز وبلاد الشام .. فجفلت .. وبللت عباءة الصوف التي أرتديها بللا لم يبلله خروف قبلي وأنا أستغيت بصديقي الذئب وأهله الضباع .. آه ياأخي من نظرات الأسود الى النعاج .. آه كم حياة النعاج “هنية” .. وكم هي صعبة حياة النعاج ..
أذكر حكمة قالتها أمي البسوس لابد أن أقولها لكم في نهاية هذه القطعة من مذكراتي وهي: ان من أسهل الأمور أن تكون نعجة .. وليس من الصعب أن تصادق النعاج ذئبا .. ولكن من الصعب أن تصنع من الصوف لبدة كلبدة رأس الأسد .. ومن أصعب الامور أن تعيش بين الأسود .. أو أن يحترمك أسد ..وأن يخشاك شعب الأسد.--------------------------------------------------------------------------------------------
نارام سرجون، وحديث من القلب الى القلب
تلقيت مجموعة من الأسئلة من طرف أحد الاصدقاء وهو السيد حسام داود - آدمن صفحة سوريه يا حبيبتي
وبالرغم أنني ليس من عادتي التعامل مع أسئلة بعينها .. فانني وجدت أن من غير اللائق التزام الصمت أمام أسئلة قلقة حائرة تريد صادقة أن نتداول معا هموما مشتركة وآلاما نتقاسمها كما نتقاسم الخبز .. والأزمة الاقتصادية ..والرصاص على المنازل وقلق الانفجارات الارهابية..
وكنت سابقا قد تلقيت عددا من المراسلات من بعض الصحف الا أن انشغالي منعني من الرد على الجميع .. ولكني اليوم ولحسن الحظ وجدت متسعا دافئا لمنازلة أسئلة صعبة ..سأحاول الرد عليها ..وبالطبع فان أجوبتي هذه هي وجهة نظر لاتلزم احدا ولاتدعي العصمة ولاتنسج ثيابا لنظرية تلبسها بل هي اجتهادات وطنية .. وصهيل جواد بري .. لكنها تريد ان تقول ..نحن هنا ..وسنبقى ه
1- اعتــاد القراء على مقالاتــك الرائـــعة فلمـــا تطيل علينا؟
أنا كما تعرفون ايها الأصدقاء لاأصدر مطبوعة دورية .. والكاتب ليس مالكا لمصنع ولديه خطة انتاج فصلية أو خمسية .. والكلام بالذات لايجنى بالأطنان بل بمكيال الذهب ومكيال الصدق .. والمقالات والخواطر الصادقة هي قطع من القلب والروح .. وكل مقالة لاتقطف من دالية القلب مباشرة وهي مبللة تقطر لاتحيا في النفوس ولاتدخل القلوب .. وعندما يتحول الكاتب الى نشرة دورية فهو يتحول الى جريدة .. ويصبح مملا مثل الروتين .. والجرائد فيها كلام كثير لايقرأ .. اضافة الى أن من يكتب بشكل دوري لجريدة يكتب ليكسب رزقا ويقبض مالا خاصة كتاب الصحف الخليجية .. ولهذا لانجد الدقة ولاالصدق في الغالب .. لأن الكتابة صارت وظيفة وراتبا ولاتهتم بالابداع والأخلاقيات المهنية (مثل صاحبنا فيصل القاسم الذي يقبض على كل كلمة بذيئة بحق سوريا وصار سعر كلمة (ياراجول) يساوي آلاف الدولارات .. وكلما رفع اليدين وبدا بالتهريج والصراخ زاد ثمنه بالعملة الصعبة وقل ثمنه بالليرة السورية ..
عندما تتحول الكتابة الى وظيفة وروتين ..يسقط الكاتب .. وتسقط الكتابة .. وتتسول كلمته على الأبواب .. وأنا قبل كل شيء لاأقبل باذلال كلماتي وبتسولها على الأبواب لأنها قطع من قلبي .. ثم انني لاأكتب لأعيش من كتاباتي .. بل أكتب لتعيش روحي التي ضاقت ذرعا بالصمت في زمن لم يعد يسمع فيه الا العواء والذئاب .. وأكتب كيلا يتحول قلبي الى حجر .. وعقلي الى اغصان شجرة يابسة عاجزة، ينشر عليها الثوار ثيابهم الوسخة وعربان الخليج عباءاتهم .. وأنا أكتب كيلا يتحول ضميري الى ضمير مومياء .. يشبه ضمير البروفيسور برهان غليون وضمير أردوغان أو حمد .. أو ضمير عزمي بشارة ..أو القرضاوي الذي لديه ضمير اقتطعه من الجحيم الأسود ..
2- ونحن في سورية نشهد كل يوم حدث وتطورات جديدة.... هل تتبــع أســــلوب التشــويق.. أم انتـــظار الحدث؟؟ ولمــا لا تكـــون أنـــت الحدث؟
نحن في أزمة وطنية وأزمة اخلاقية ولامكان هنا للتشويق وللبيع في شباك تذاكر السينما .. فأنا لست "ألفريد هيتشكوك" لأدير مسرحا للاثارة .. ولست محررا لدى الجزيرة كي أكتب عن الأوهام ..
هنا بلد محاصر بالذئاب والكلاب وأبناء آوى .. وفيه ينهض فجأة جيل مذهل .. كنت أعتقد أن موت الحياة السياسية خلال سنوات تراجع النشاط الحزبي والسياسي فيه لاتستطيع ايقاظه من سباته فاذا به يتطاول الى حيث النجوم .. واذا به يقطف الشمس ويمسكها من ضفائرها الذهبية ويضعها في سورية .. مذهل هذا الجيل .. وعملاق .. انه "قبتنا الحديدية" التي فاجأت اسرائيل وعربانها وغربانها ..وفاجأت كل الاستراتيجيين في معاهد صنع الثورات .. ولو كان هذا الجيل أيام سايكس بيكو لوجدت أن الدنيا كانت دنيا أخرى ..
أما أنني أنتظر الحدث فلا .. لأن الأحداث تتلاحق ولاتنتظر أحدا .. ومسيرة الربيع العربي هي سرعة صاروخية لاتقدر عليها الثورات الطبيعية ..تقدر عليها فقط الثورات التي تضع في مؤخراتها محركات توربينية اسرائيلية نفاثة تدار بالغاز القطري ..ومثل محركات الثورة العربية الكبرى التي وضعت في مؤخرتها محركا اسمه لورنس العرب وكان وقوده مراسلات حسين-مكماهون ..التي تستنسخها مراسلات ليفي-غليون ..
وأنا لاأرى أن الكاتب يجب أن يكون مع الحدث والا صار مراسلا حربيا وشاهد عيان (والعياذ بالله من شهادة العيان هذه الأيام) ..أنا معني بتفكيك الحدث .. وانا كخبير المتفجرات وكالطبيب الشرعي وخبير الأدلة الجنائية ..افتش وأقرأ وأجري اتصالاتي.. وأعود الى قاعدة بيانات علمية لأكتب رأيي دون تحيز .. قراءة الحدث أهم من تصويره والصراخ في موكبه حيث الجميع يطلق الضجيج فيضيع فيه لحن القيثارات .. والأغاني الشجية ..والمواويل الجبلية ... و..... القدود الحلبية .. آه ماأحلى قدودك ياحلب ..وماأحلاه شعب حلب ..شعب لاأشك أن سيف الدولة كان سيفا لامثيل له لأنه محاط بأهل حلب .. وأن المتنبي كان المتنبي لأنه عاش بين أهل حلب ..
3- لـــقد آمنـــا بحزب البعـــث قيــادة وتنظيمـــاً وقبل ذلك عشــــقنا أهدافه، ولكــــن كيــف السبيل إلــى إعادة عمــل هذه المنظومة التــي كانت رائــعة؟ مع أنــي أعلم أن الشباب هو الذي سيـــكون أساسها
ليس من حقي الاجابة عن هذا السؤال ..فللبعث رجال ومتحدثون وكتاب ومريدون .. وله قيادة طويلة عريضة ..وان كنت سأجيب فكمواطن سوري عاش تجربة حكم البعث ..
أنا قبل كل شيء معجب بالبعث كفكرة ومعجب برواده الأوائل ...ولكن التجربة قالت بأنه ترهل كثيرا وأنه لم يتجدد وأن مقتله كان في كوادره نفسها التي ماتت ولم تعد صالحة حتى للتحنيط لأنها لم تعش المنافسة السياسية لمعارضة حقيقية .. والمعارضة هي العلاج الوحيد ليصبح أي حزب قلقا على نفسه فيجتهد ويتطور ..مثل شاب ليس في القرية غيره بين الصبايا ..فلن يسرح شعره ولن ينظف اسنانه ولن يركب الخيول لأنها أعلى من الحمير وأكثر تمردا.. لكنه اذا وجد شابا رشيقا قويا نظيفا وخيّالا فارسا يخطف ألحاظ الصبايا فستجده يتعلم ركوب الخيل ويمشط شعره وينظف اسنانه ..كيلا يخسر اعجاب الصبايا
ربما كانت هذه هي فرصة البعث الأخيرة فبعد تجربة الصراع مع نفس الخصم في الثمانينات لايجب عليه الدخول الى المعابد البوذية حيث الصمت الحزبي .. عليه أن يطرح برامج استراتيجية ..في بناء العقل للمواطنة الصالحة .. برامج تأهيل الأرياف وابعادها عن أظافر رجال الدين الظلاميين .. وبرامج تحل المسألة الدينية والطائفية بشجاعة وبشكل علمي يعتمد على تجارب الغرب في تحييد المشاعر الدينية والطائفية ..المهام كثيرة جدا وشاقة جدا ..ولكن عليه قبول التحدي والا فعليه ان يجلس في دار العجزة يطقطق بطقم الأسنان ويشرب الشاي ويلعب الورق وطاولة الزهر .. قبل أن يذهب على عكازاته لينام..
4- ســـــورية قيــادة وشعباً وأرضاً تتعرض لهجمة شـــرسة فهل تتوقع الــرد على هذه الهجمة؟ وكيف سيـــكون هذا الرد وما أبعــاده؟
تعلمت من خلال متابعتي للسياسة السورية أنها سياسة بارعة وذكية في النهاية رغم كثير من ملاحظات هامشية وهنات بسيطة .. وأهم سر في السياسة هو الصبر والجلد ومصادقة لعبة الوقت واتقانها .. أخطر شيء في السياسة هو ردود الفعل .. مثل الرئيس الراحل صدام حسين والراحل القذافي .. السياسة اسمها يدل على أن العمل السياسي مثل التعامل مع الجياد المتمردة العصبية والنزقة ..والسائس هو الذي يهدئ روعها ولايجلدها كلما غضب..
ماتفعله السلطة في سورية من امتصاص لهذه الموجة هو عمليا رد جدير بالاعجاب .. لكنه الرد الأول الذي انتهى ببدايات تصدع المحور الخارجي .. فرنسا برأس جديد..واميريكا تنتظر مولودا جديدا ..وتركيا تلعق الجراح وستنزف قريبا كما يبدو لي .. أما العرب فلاعليك ولاتقلق بشأنهم لأنهم معلقون بعمامة أبي عمامة (أوباما أو أبوعمامة كما قيل) .. أما الرد الثاني فهو قادم لاريب في ذلك وربما بدأت أتحسسه .. لكن كيف فهذا بلاشك في أدراج الرئيس بشار الأسد السرية ... وأنا ليست لدي مفاتيحها!! ..
وأما الرد الثالث فعند السيد فلاديمير بوتين .. وأنا لست مخولا بالاطلاع على أسرار القياصرة ..لذلك لااعرف أكثر من ذلك
5- الفكـــر الوهابي منتشر في سورية مــا هي أفضــل وسيلة لمكافحة هذا الفكر؟ ولم إلى يومنــا هذا لم يتم التعــامل معه؟
اصعب شيء في الدنيا هو اجتثاث الأفكار .. حتى الرسالات السماوية لم تستأصل أفكار الشر من نفوس البشر فبقي الخير وبقي الشر متصارعين ..هذا الفكر الوهابي ليس نتاج الأزمة بل محصول لزراعة وبذار وفلاحة وري وحفر .. عمل طويل منذ سنوات أنتج هذا الشوك وهذا النبت الابليسي .. وهذا الجراد الذي يقضم الياسمين ..
والحل ليس سحريا ويحتاج على الأقل خمس سنوات وربما عشر سنوات .. ويكون عبر عدة اتجاهات منها اطلاق العدو الطبيعي للفكر الوهابي وهو العلمانيون واليساريون .. واطلاق برامج تعليم ومناهج تنوير مدروسة بعناية والعمل اعلاميا على تحجيم دور الفضائيات الوهابية باطلاق مشروع تنويري حقيقي وليس ارتجاليا ومراهقا ..
وأخشى أن محاولة اطلاق اسلام معتدل (العلامة البوطي والمفتي حسون) قد تكون حلا مؤقتا ناجعا لكنها غير مأمونة العواقب لأن الاعتدال يتوقف على من يقود الجمهور .. فاذا تغير اعتدال القائد أو تغير القائد تبعه الجمهور.. فجمهور حزب الله مثلا معتدل لأن قيادته معتدلة وعاقلة فماذا لو وصلت اليه قيادات متهورة طائشة.. ثم ان خطورة الاعتدال لاتقل عن خطورة التطرف لأن الاعتدال الذي يبتعد كثيرا عن الوسط بحجة الابتعاد عن التطرف قد يصل تراخيه الى مأساة تشبه الأزهر الشريف وسباته وغيبوبته أيام طنطاوي وفي عهد الطيب .. ونجد بعد ذلك الاعتدال المترهل ووعاظا من قياس عمرو خالد .. الذي يباع ويشرى ويدخل أداؤه بهلوانيات العرض والطلب حتى في تدجين الجمهور وتخديره لتمرير عمليات سياسية.
6- مــا هو موقف نارام ممن يطلقون على أنفســهم إسم التيـــار الثالث.. أو ما نسميهم نحن بالرمـــاديين...؟
أولا ..نارام ليس قائدا سياسيا ولامنظّرا لحزب ..نارام مواطن سوري ربما تجلس معه في سيارة أجرة أو تشاطره مكتبا ووظيفة ..أو تشرب فنجان قهوتك في مقهي وهو على الطاولة المجاورة .. ثانيا، التيار الثالث موجود وهذا طبيعي وحق لمن اختاره .. لكن مايحدث الآن ليس صراعا داخليا بين طرفين لاثالث لهما ليكون هناك تيار ثالث داخلي لاينتمي لأحد المعسكرين .. بل هو صراع خارجي على بلدنا يلبس ثيابنا .. ويستعمل أمشاطنا وشفرات حلاقتنا .. وعندها فليس اسمه التيار الثالث بل التيار التائه ..والتيار الذي تفكيره على البركة .. أو تيار "حارة كل مين ايدو الو" .. حتى جارنا الحج ابو صلاح لايحب هذا الموقف الرمادي في هذه الأزمة ..
فليس هناك واحد على الأرض يقتنع أن المعارضة السورية طرف أصيل بل هي ذراع .. فلا أحد يصدق بالتالي أن تركيا مستنفرة من أجل الحرية للشعب السوري .. وكذلك بريطانيا وفرنسا وامريكا والسعودية وقطر .. ولايصدق أحد أن بان كيمون لاينام الليل قلقا علينا .. وجود هؤلاء كداعمين لأي سوري هو عار على المعارض السوري .. والتيار الثالث لايلحقه العار بل هو من يلحق بموكب الاغبياء والبلهاء .. لأن دخول هذه القوى الخارجية على ظهر المعارضة السورية الى بلادنا ستجعل ألواننا مثل ألوان قوس قزح ..وبالطبع ليس فيه اللون الرمادي .. وسيكون كل مواطن مهما ترامد (اي تلون بالرمادي) تابعا لأمارة ولدولة نافذة خارجية رغما عنه وعن أمه وأبيه كما حدث مع جيل سايكس بيكو الذي شقوا ثيابه وأعلامه وفصلوه عن أمه وأبيه شاء من شاء وأبى من أبى .. وصار له قرن كامل يبحث عن أعلامه وعن ثيابه فلم يجدها ولايزال يسير في شوارع العالم بسرواله الداخلي .. ووصلنا الى هنا حيث دويلة سمير جعجع وأمين الجميل وجنبلاط وووو ..وملك اخترع لنا "الهلال الشيعي" ونسي نجمة داود الجاثمة على صدورنا ..فدام ظله البريطاني ..
لذلك ايها الرماديون تعالوا الى لون العلم السوري وتلونوا به ..
7- بمن ســتضحي أمريكا لقــاء لملمة الأزمة السورية ؟ «السعودية ـ قطر ـ أم تركيــا»... ومــا هو مصيــر من ذكرناهم؟
هذا سؤال صعب .. فالسعودية وتركيا بلدان عزيزان جدا على قلب أميريكا .. لكن أميريكا بصدد خلق دولة كردية فهي أكثر فائدة لها من تركيا بعد اليوم .. ولاأدري متى ستظهر .. لكن الحمل حصل ..والرحم في العراق .. ورأس المولود سينزل في تركيا ..
أما السعودية فما من شك ان اعادة تشكيلها صارت في مصلحة الامريكان لأن هناك من يحذر ويقول بأن أية ثورة حقيقية في السعودية ستكرر سيناريو شاه ايران .. حيث سيرث الخميني السني "السعودي" كل القوة المالية والروحية كما فعل الخميني في ايران حتى صارت دولته عملاقة .. ولذلك لابد من تجهيز سيناريو توريث أي ثورة قادمة في السعودية بلدا متشظيا لايرث فيه الخميني (أو جهيمان العتيبي القادم) الا جزرا متناحرة في الصحراء .. والبعض يرى أن السبيل لدرء الثورة في السعودية هو تقسيمها قبل اندلاع المحذور .. ولذلك تسارع السعودية الى مشاريع التوحيد متأخرة للايحاء بأنها تلم الشمل وتوسع العائلة .. لكن الحقيقة هي أن تقسيمها هو ماسيحدث بمجرد أحس الامريكان ان الثورة نهضت ..لاضعاف الدولة القادمة..
فيما يتعلق بقطر .. لايوجد دولة في قطر كما تعلم بل حاملة طائرات عسكرية أمريكية ضخمة اسمها العيديد .. وأميريكا لاتترك قواعدها .. لكن قد تغير طاقم السفرجية في الدوحة وتقلع أشجار الموز في بادرة حسن نية تجاه حكومات قادمة في الشرق .. حكومات تريد رأس العائلة الحاكمة في الدوحة في العشاء الأول في البيت الأبيض ..وسيكون بالنسبة لآل ثاني ..العشاء الأخير ..مع اعتذاري من قدسية وعظمة العشاء الأخير للسيد المسيح ..الذي لم أرد التذكير به الا من باب تذكير بحضور يهوذا الاسخريوطي (حموذا آل ثاني) لعشائه الأخير..تابع حوار مع نارام - الجزء الثاني
8- هنــاك من يشكك بالدور الروسي في حال نشـــوب حرب وإنه لا يتعدى الفيتو في مجلس الأمن؟ كيف تحلل الموقف الروسي من وجهة نظرك... ؟ وهل ستكون سورية الشرارة الأولى.. لبدء حرب عالمية ثالثة؟
دعك من هذا الهراء ياصديقي .. الروس لم يقفوا كل هذه الوقفة ليلعبوا الورق والطرنيب بالفيتو في مجلس الأمن.. هذا صراع نهائي في العالم .. وهنتينغتون تحدث عن نهاية التاريخ .. لكن التاريخ لاينتهي بل ان مراحله تنتهي .. وهو الآن يعزف لحن النهاية لمرحلة بقايا القرن العشرين..والتاريخ يريد أن يعيد مركز ثقله الى آسيا .. انها سنة الله في الحياة كما يقول الملتحون والمؤمنون .. حتى القرضاوي يقول ذلك ..
وروسيا لن تسلم سورية فهي تعرف أن وقوع سورية يعني أن نهاية التاريخ وقعت بالنسبة لها ..لكن لن تحدث حرب عالمية..كما أعتقد
9- الشعب بدأ يتململ من صمــت القيادة أكثر من المعارضة وسلاحها وتفجيرات القاعدة!! لم هذا الصمـت؟ وهل تظن
اتباع كتيب الإرشــادات لمجلس الأمن سيوصل الى نتيجة.؟
ياأصدقائي .. القيادة ربما كلامها قليل وربما كان ذلك غير مناسب في هذا الزمن .. ولكن المعارضة كلامها كثير وضجيج لايهدأ .. نحن في مكان فيه ثرثارون وجوقة زعران وبينهم رجل حكيم عاقل وهادئ وبارد الأعصاب (مثل السيد وليد المعلم) .. الجمهور يحفظ كلام الاستعراضيين ومدرسة المشاغبين (المجلس الوطني السوري) ويلفت نظره دور بهجت الأباصيري (برهان غليون) ومرسي الزيناتي (اردوغان) والواد منصور اللي مابيجمعش (القرضاوي) وناظر المدرسة (عزمي بشارة) .. والاستاذ علام الملاناوي (نبيل العربي) .. ويتابع بتشوق سرحان عبد البصير (هيثم المالح) ..ومسرحية ريا وسكينة (بسمة قضماني وموزة بنت مسند) لذلك كل ماتقوله المعارضة مسموع لدى جمهور له أذنان كبيرتان ..
التعامل مع التفجيرات الارهابية لايحتاج حربا بالكلمات والتهديد بل حرب الاستخبارات .. وماالذي سيفيد اذا خصصنا كل الوقت للحديث عن اجراءات ضد الارهاب .. اصة أننا نقود معركة معقدة جدا مه أعتى أجهزة استخبارات في الكون (اميريكا اسرائيل فرنسا بريطانيا تركيا ...)..
ومجلس الأمن هو لعبة بيد الكبار .. واللعب مع الكبار يحتاج منك ان تنزل الى ملعبهم ..وتخريبه ..وكما تلاحظ فان معظم الحروب التي قامت في القرن الماضي اتكأت على مجلس الأمن (مجلس الحروب) ..ومن الحكمة ان تلعب مع أصدقائك في نفس الملعب فيما انت تستعد في الوقت الضائع لحربك أنت وليس لحربهم .. وقد يفيد ملاعبة القطط بكرات الصوف لتعلق مخالبها بها ..خيطان الصوف مثل القرارات والفصول والمبادرات والمواد الصادرة عن مجلس الأمن ..
10- هل تعتقد أن الجامعة العربية ستعود؟ وإن عادت هل سيكون لها دور في المســتقبل غيــر الدور التآمري الذي عهدنــاه منــها؟
الجامعة العربية انتهت منذ حرب عاصفة الصحراء ..مابقي هو مومياء .... ولن تعود الا بحالة واحدة لادخال اسرائيل عضوا اصيلا فيها ..ربما بدل سورية ..على العموم هذه من مخلفات الحرب العالمية الثانية .. وانتهاؤها دليل عافية الأمة .. ودليل انتهاء عصر القومية الرومانسية الارتجالية ذات النكهة البريطانية .. والانتقال الى القومية الواقعية الوليدة
11- أنــت كمواطن سوري.... قبل أن تكــون كاتبا!! هل تقبل أن يجلس على طاولة الحوار من شــارك بسفك الدم الســوري؟ وهل تظن أن الشــعب السوري سيقبل بذلك؟
بالطبع ..لا..لأنني ان قبلت فسيدفع جيل سوري قادم ثمن ذلك دما آخر ..فالقاتل سيتعلم أنه مغفور له .. وتنتشر ثقافة اقتل ثم اطلب المغفرة ..كل القيادات والأفراد الذين شربوا الدم ..شربوا من شرايين الوطن ..ومن شرب من دمنا يخرج من دمنا ..وهذا ينطبق على الجميع فان وجد شخص من القيادات الميدانية للدولة وقيل انه لم يطع الأوامر بتجنب الدم .. ينطبق عليه ذلك ويحاسب ويخرج من المعادلة الوطنية..
12- دول مجلس التعاون الخليجي....... إلي أين؟
هذه ليست دول ..هذه مستعمرات .. ليس فيها حكم ولابرامج سياسية وهي تنفذ مايصلها بالبريد اليومي من لندن وواشنطن ..ومهمة مشايخها بناء استثمارات للسياحة الغربية والاستثمارات العقارية والملاهي الماجنة القاصفة .. ومن يعش فيها يعرف معنى كلامي ..
المستعمرات مرهونة مصائرها بمصير مستعمريها ..أو بارادة اهلها ..ان ثار العرب في الخليج ..ولد مجلس التعاون الخليجي الاصيل .. وان لم تثر بقي كما هو ...مجلس ظل ملحق بمجلس المستعمرات البريطاني-الأمريكي ..
12- كيف تعتقد أن تكون الحكومة المقبلة وما هي أولى خطواتها ومهامها؟ «حكومة وحدة وطنية أم حكومة إدارة أزمات.... أم حكومة استغلالية لهذه الظروف الراهنة
اعتذر عن الاجابة .. لكنني اريدها حكومة الشعب العربي السوري ..ومع هذا فانها ربما ستكون أفضل الحكومات منذ عدة عقود ..ولكنها ستكون حتما أسوأ الحكومات في العقود القادمة لأنها وليدة من رحم أزمة ومن رحم مرحلة طويلة من الركود السياسي ..انها الحكومة الأولى في الجمهورية الجديدة ..
13- ماذا تتوقع من الشبـــاب في المرحلة المقبلة وما هو المطلوب منهم؟ وكيف يجب توجيههم؟
كل الأمل متعلق بهؤلاء الشباب ..وأنا أحس أنهم ثروة هذا الشرق .. وشباب الدنيا دوما هم الراحلون في عربات الزمن نحو المستقبل .. شباب سورية قلبوا ناموس الكون ..فهم زوارنا القادمون من المستقبل لينقذونا .. المستقبل زارنا عبر هؤلاء الشباب .. ويجب الترحيب بالمستقبل واكرام وفادته بشبابه وان نشرب من عصير العنب والكرمة الذي خبأه في حقائبهم ..وندوخ .. ندوخ ..ندوخ
14- إن الســؤال الذي يشــغل بال رواد صفحتك...... نارام وتمثال صلاح الدين.... إلـــى أيــــن بعد انتهاء الأزمة؟
أعتذر ..ربما لم أفهم السؤال جيدا ..لكن صلاح الدين بالنسبة لنارام قيمة لاتقدر بثمن .. وقد حدثتكم عندما زرت قبره لأول مرة في طفولتي عندما اصطحبني ابي اليه ..وحدثتكم عن زيارتي الثانية له مستجيرا بعد سقوط بغداد .. حبه كقيمة زرعها فيّ والدي كرمز للوحدة ضد الأعداء .. وعندما حدثني والدي عن تأثره برمزية صلاح الدين تأثرت بقصته .. فقد عاد والدي بعد حرب حزيران 67 من الجبهة وكان أحد المقاتلين في الجولان .. عاد مهزوما ومكسورا مليئا بالغبار والتعب وبالهزيمة والعار وبدم زملائه الذين أسعفهم جرحى ..
وعندما وصل ذلك الشاب المقاتل المهزوم الى البيت وجد نفسه وحيدا بلا طعام وبلا ماء .. فالماء كانت مقطوعة في ذلك الحي الشعبي الذي يسكنه الفقراء والذي سكنه والدي في بداية حياته .. وكاد يبكي في وحدته من مرارة هزائمه ..لكن فجأة يدق الباب .. وعندما يفتح والدي الباب يظهر جاره وزوجته وقد حملا له الماء والطعام .. ثم تقاطر الجيران كل يحمل شيئا .. صابون ومناشف ووسائد .. كانوا يسألونه عن الحرب وعن الاسرائيليين ويهدئون ألمه .. وانتبه والدي الى أن جيرانه كانوا من كل الطوائف والأديان سنة وعلويون ودروز ومسيحيون .. الجميع يسأل بقلق عن الوطن وتنقبض ملامح جميع الوجوه عند ذكر الهزيمة .. في هذا الجو قال لي أبي بأنه أحس بأن الجندي الاسرائيلي لم يهزمه .. وبأن الناس الذين يجمعهم وطن لايهزمون .. ومنذ تلك اللحظة مات شعوره بالطوائف وبحث عن رمز يوحد من التراث فكان صلاح الدين .. وعلمني منذ ذلك اليوم أن أحب صلاح الدين .. لكن جيل أبي يحس بالمرارة من أن الاسرئيلي المهزوم عسكريا اليوم .. لديه شعور بالانتصار وهو يفرق أبناء الحي عن بعضهم ..الذين اجتمعوا حول المقاتل السوري يوما يشدون من أزره .. واليوم يطلق بعضهم الرصاص عليه ..
15- متى سيكون ظهور نارام للعلن.....وماذا ينتظر؟
ان "لاسرائيل" جنودا من عسل .. فلنقلب قدور العسل وصفحة حماس
التاريخ : 2012/11/26
ان من يقترب من القيادات الفلسطينية - الاسلامية تحديدا - في القاهرة والدوحة هذه الأيام يستطيع أن يشم رائحة الكحول من أفواهها ومن عباراتها المغمسة بالنبيذ لأن مايقولونه لاينتمي الى عالم الصحو بل عالم السكر والثمل .. ومن يستمع اليهم لايعتب عليهم .. فليس على الثمل والسكران من حرج .. هناك نشوة وسكر ومزاج طفولي ساذج متفائل بلا حدود .. وهناك من أقنعهم أنهم يعرفون السياسة وبهلوانياتها .. وأنهم الآن سيأكلون العسل .. ولم يسمعوا في التاريخ عبارة الخليفة الأموي الشهيرة "وان لله جنودا من عسل" عندما تخلص من خصومه السياسيين بدس السم لهم في العسل ..وليست الغاية من ذكر هذه المقولة الدخول في مماحكاتها وملابساتها التاريخية أو استفزاز أحد بل التنويه الى أن دمشق التي حكمها العقل السياسي الفريد وصنع منها قلب امبراطورية هي التي تعرف أن أطباق العسل قد تكون مميتة .. وقد أعاد العقل السياسي الاسرائيلي انتاج درس من دهاء الدماشقة الأمويين وقام باعادة انتاج العبارة الأموية لتكون: وان لاسرائيل جنودا من عسل .. " والعسل الاسرائيلي هو (الاتفاقات والمعاهدات المغطسة بالعسل) ..
هناك من حقن المخدرات والهيرويين في عروق قادة حماس والجهاد الاسلامي تحديدا .. وهناك من سقاهم زجاجات كبيرة من النبيذ المعتق حتى داخوا وصاروا يسيرون مترنحين .. لايريد بعض هؤلاء القادة الفلسطينيين الاستماع الى أحد هذه الأيام .. ومن يستمع الى خالد مشعل ورمضان شلح يحس أن أجهزة الاستقبال في رأسيهما معطلة وأن مايعمل هو فقط أجهزة البث المبرمج .. وأن درجة النشوة والسكر جعلتهما بلا ذاكرة وحطمت فيهما مخازن التجربة الفلسطينية الطويلة .. ولافائدة من التذكير ولا من توجيه النصائح لأي منهما فالنبيذ تمكن منهما والمشروبات النفطية والمشروبات الروحية الاسلامية لمحمد مرسي واخوانه .. وعندما يستيقظان في صبيحة يوم قادم (ستذهب السكرة وتأتي الفكرة) وسيعرفان عما نتحدث .. وسيعرفان أن دمشق الخبيرة بأطباق العسل وكشف مافيها من سموم كانت على حق دوما .. دمشق التي رمت بأطباق العسل من حلف بغداد الى كامب ديفيد الى اتفاق 17 أيار اللبناني الى رفض حرب صدام العبثية مع ايران الى رفض الجهاد في أفغانستان التي سوقها العرب والأوروبيون .. كل هذه الأطباق المسمومة تناولها كل العرب وأصيبوا بالاسهال ونزيف الأمعاء وبعضهم بالغرغرينا الوطنية.. واليوم تقلب دمشق طبقا من عسل يطلقون عليه الربيع العربي وتندلق منه السموم والقطران والغسلين .. وبعض العرب لايزالون يلعقون الأطباق بألسنتهم وألسنة مثقفيهم وكتابهم ونخبهم ..
صحيح ان لاسرائيل جنودا من عسل.. فاسرائيل تنتقل اليوم الى مرحلة جديدة في بناء نفسها وتحصين نفسها تماما كما تريد بالاتفاقات التي تريد ..فلديها كامب ديفيد (بنسختها الساداتية ثم بنسختها الاخوانية الأكثر تحصينا) وهدنة غزة والمضمونتان مصريا وأمريكيا في الجنوب .. واتفاقية وادي عربة في الشرق .. واتفاقية أوسلو في قلب فلسطين .. ولم يبق الا اغلاق ملف الحدود الشمالية عبر اتفاق رسمي يعمل عليه القادة العرب وتركيا بزعزعة استقرار سورية وابعاد ايران عن حدود فلسطين بحجة ابعاد المشروع الصفوي وتثبيت حكومة توقع اتفاق سلام حرمها اياه حكم الأسد .. الحدود الشمالية وان سكتت ردحا من الزمن فانها لاتزال خارج اي اتفاق رسمي وضمانات من اي طرف ولاتزال تقف على حدود اسرئيل كاللغم الصامت الذي سينفجر ان عاجلا أو آجلا ..وهذا يفسر اصرار اسرائيل على ابرام الاتفاق مع سورية ولبنان رغم هدوء الجولان لأربعة عقود .. فالحدود التي لاتسيجها الاتفاقات والضمانات النهائية عبر التاريخ كانت دوما مرسومة بالبارود والمفاجآت ويستطيع أي لهب أن يشعلها..
في كل مرة يفاجئنا بعض القادة الفلسطينيين بخياراتهم السيئة وغير الموفقة .. ففي الثمانينات اتفقنا مع الراحل أبو عمار أن نقاتل معا في بيروت وأن تكون معركة بيروت ملحمة لاتقل عن ملحمة طروادة أو ستالينغراد .. ولكن فجأة ودون التنسيق مع السوريين أبلغنا الراحل ياسر عرفات قراره بقبول الخطة الأمريكية لانسحاب المقاتلين الفلسطينيين والتي حملها "فليب حبيب" .. خطة اتفاق مثقلة بالعسل وبالضمانات من الادارة الامريكية بصوابية قرار الانسحاب.. وغادر المقاتلون الفلسطينيون شواطئ بيروت الى اليمن وتونس والجزائر .. وقد التقيت يومها ضابطا سوريا عائدا من القتال في بيروت .. والعسكري غير السياسي لأنه هو من يحزن على تفويت الفرص العسكرية .. وقد بدا هذا الضابط السوري مذهولا من قرار ياسر عرفات المغادرة لأن هذا الضابط السوري في ذروة الحرب والقصف دخل مواقع الفلسطينيين المتحصنين في أنفاق وخنادق في بيروت ورأى كميات هائلة من الذخائر والمواد التموينية مايكفي لحصار يدوم سنتين وروحا معنوية عالية لدى المقاتلين وأدرك ورطة اسرائيل ان دخلت بيروت التي ستفرم لحم جيش شارون في حرب الشوارع .. ومع هذا فاجأنا الراحل ياسر عرفات بخيار لم يكن موفقا بدليل أن ضمانات فيليب حبيب للمخيمات الفلسطينية تبخرت بعد أيام وحدثت مذابح صبرا وشاتيلا بمجرد خروج مقاتليه .. وتم اهدار فرصة صنع ملحمة فلسطيية سورية لبنانية ولم يتم استغلال تلك الروح العالية للمقاتلين .. ولايزال فاعل صبرا وشاتيلا مجهولا بزعم منظمات حقوق الانسان وماقاله شارون يومها: لادخل لنا .. انهم مسلمون عرب قتلهم مسيحيون عرب في حرب أهلية ..
وبعد تجربة الحرب مع القيادة الفلسطينية خضنا مرة أخرى تجربة التفاوض المشترك فذهبنا مع الراحل ياسر عرفات الى مدريد على أن نفاوض معا حتى النهاية كوفد عربي واحد لايتفكك .. ولكن المحيطين بعرفات يومها أقنعوه بالسير سرا الى أوسلو خلف ظهر الأسد .. الذي سمعنا به بعد تقشيره وتقطيعه وطهيه وتوزيعه على الاطباق مغطسا بالعسل .. فاجأنا أوسلو كثيرا وفاجأ الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي وصفته وسائل الاعلام الغربية يومها ودون مواربة "بالأسد الجريح في ظهره" .. وجميعنا سمعنا يومها ماروجت القيادات الفلسطينية عن العسل الذي سيقطر من أوسلو بعد خمس سنوات وكان أحدهم يتغنى بدخول 30 ألف بندقية فلسطينية لأول مرة الى داخل فلسطين بواسطة الاتفاق الذي خدع به الاسرائيليون .. وقد قال لي سياسي سوري يومها نصف هذا السلاح سيتوجه للفلسطينيين .. وكل هذا السلاح لايساوي دبابة اسرائيلية واحدة .. واليوم نعرف ماهو أوسلو وماذا جنى الفلسطينيون من "جنود العسل" .. وماقاله الرئيس حافظ الأسد يومها اختصر كل أوسلو بعبارة: كل نقطة في هذا الاتفاق تحتاج الى اتفاق .. وبالفعل استفاق الفلسطينيون على مابعد من أوسلو وتبين أنهم كانوا قد شربوا الكثير من النبيذ والويسكي السياسي وهم يقرؤون بنود أوسلو بعيون (هل رأى الحب سكارى مثلنا) .. حتى أصبح الصباح وتغيرت الخرائط وبدل العسل تقطرت المستوطنات في الأراضي وانشطر الفلسطينيون الى ضفة وغزة .. ودفنت اسرائيل كل نقاط الاتفاق نقطة نقطة مع الراحل ياسر عرفات لأن كل نقاطه توفيت .. ونجت اسرائيل بجنود من عسل ..عسل الاتفاقات والتهدئات .
واليوم يعيد الفلسطينيون الاسلاميون شرب النبيذ المعتق وتعاطي الحشيش السياسي .. وكأنها حالة ادمان .. ولم يقلعوا عن هذه العادة السيئة .. لنكتشف أن الثورة الفلسطينية لاتزال تعاني من غياب السياسي الفلسطيني الفذ والذي لا تغريه أطباق العسل .. والذي يجيد العوم والسباحة وركوب الخيل في حلبات السياسة .. وتبين من مراجعة السيرة الذاتية للقرارات الفلسطينية الكبرى أنهم يتخذون قراراتهم على شكل رهانات ومقامرات وأنهم بعيدون حتى اليوم من الدهاء السياسي .. وأنهم لايستطيعون مقاومة طعم العسل المسموم .. من خيار استدراجهم الى معارك أيلول الى الصراع الداخلي اللبناني الى قرار اعلان موقف الى جانب الرئيس صدام حسين الى قرار أوسلو .. الى قرار كسر الحياد في أزمة سورية بل واعلان الولاء لتركيا العثمانية الى آخر قرار بقبول تسوية غزة التي تعني فيما تعني اخراجهم نهائيا من الصراع المسلح وتحويلهم الى جسم سياسي ثرثار .. فمعادلة الصراعات الكبرى والثورات هي ذات اتجاه واحد محدد .. وهو أنك تقدر أن تفاوض بالسلاح ولكنك لاتستطيع القتال بالحقائب الديبلوماسية ..
ومن يستمع الى مقابلة خالد مشعل مع كيرستيان أمانبور في ال (سي ان ان) يرى بوضوح أنها كانت محاكمة للكفاح المسلح واذلالا شخصيا له وهو يرفع صوته معتقدا أنه لايزال ثائرا .. ويرى المشاهد بوضوح أن بندقية حماس يتم افراغها من الرصاص حتى لم تعد فيها رصاصة واحدة في نهاية المقابلة .. وفات خالد مشعل أن الثورة التي تسقيها الثروة تترهل وعليها أن ترحل ..
ماحدث منذ أيام أن غزة كانت بين قوتين .. قوة تريد تطوير المعركة واكمالها لانجاز اتفاق لاينزع من الغزاويين صفة أنهم في معظمهم لاجئون وان معركتهم ليست من أجل غزة بل من أجل العودة من غزة ..ولكن هناك قوة تحركت بسرعة واحتوت القوة الاولى وحرمتها من اكمال مشروعها الذي كان من الممكن أن يلتقي مع نار الشمال .. فتحولت حرب التحرير الى حرب تحريك .. أي يتكرر التاريخ في الجنوب تماما .. ففي عام 1973 دارت حرب بين سورية ومصر من جهة واسرائيل من جهة أخرى وتبين أن كواليس ماقبل الحرب (هنري كيسنجر) قالت للرئيس المصري الراحل أنور السادات ان سيناء تحتاج حربا لتحرك عملية سلام مثمرة لتعود سيناء .. فتحركت الجبهة ولكن تتحرر سيناء الا باتفاقية كالحديد .. اتفاقية تقطر عسلا يسبح فيه جنود اسرائيل..
مشكلة بعض القادة الفلسطينيين أنهم حتى اللحظة لايعرفون الجغرافيا والتاريخ .. ولايسمعون حديث الأرض .. فلسطين هي قطعة من سورية .. وكلما ابتعدت فلسطين عن سورية ابتعدت عن فلسطين .. من يقرأ كتاب "تاريخ مصر" للجبرتي منذ أكثر من قرن وبالذات عندما يتحدث عن رحلة البطل سليمان الحلبي السوري الذي سافر من حلب الى مصر لقتل نائب نابوليون بونابرت في مصر الجنرال كليبر .. عليه أن يتوقف عندما قال الجبرتي بعفوية العبارة التالية: وفي الطريق الى مصر توقف سليمان الحلبي وقضى ليلة في بيت أحد الشوام الغزاويين (في غزة) .. والعبارة صريحة أي أن غزة بلد شامية من بلاد الشام .. ولم يقل المؤرخ الشهير ان سليمان الحلبي بات عند غزاوي مصري أو غزاوي فلسطيني .. اي مهما قالت السياسة عن مصرية غزة وفلسطينيتها فان للتاريخ والجغرافيا رأيا لايتغير .. واليوم غزة ليست شامية في عيون قادة حماس بل غزة مصرية وتركية وقطرية وحتى تونسية ولاشي فيها سوري .. ولايستحقون الا أن نقول لهم: وما أوتيتم من العلم الا قليلا ..وكن الله في عونكم ..
وكلما استمعت الى القادة في حماس والجهاد الاسلامي أحس أن هناك عبارات مسبقة الصنع التي تشبه العلب المصمتة التي لانعرف من اين تفتح لنعرف محتواها .. من هذه العبارات المصنعة والمعلبة عبارات الشكر المديد والجزيل للرئيس المصري الرائع والفذ والعبقري والبطل والمقدام ورجل الدولة الأول .. محمد مرسي الذي صارت له الأسماء الوطنية والقومية والنضالية الحسنى .. ومن يستمع الى هذه العبارات يعتقد أن محمد مرسي يحاصر القدس أو أنه يدخلها الآن وأنه وضع نتنياهو على بغلة ويعرضه في شوارع القاهرة .. وكلما حاولت فتح علبة من هذه العلب لاأعرف من أين تفتح ولاأهتدي الى أي نافذة .. وصار البحث عن أسرار بطولات محمد مرسي يشبه أسرار رواية شيفرة دافنشي .. لاأحد يقول لنا ماذا فعل محمد مرسي .. وعلينا أن نخمن وأن نفك الشيفرة .. وكما ان دعابة "الراجل الواقف خلف عمر سليمان" أثارت الضحك عندما تساءل الناس عنه .. فان سؤال (ماذا فعل مرسي؟؟) لايزال بلا جواب..
ومما يلفت النظر في حديث قادة حماس والجهاد هو استماتتهم في تجنب الاشارة الى دور سورية وهم في اقصى حالات الضغط والاحراج يمرون بسرعة صاروخ غراد الذي أهديناهم اياه أمام عيوننا .. وكأن الاشارة الى دور سورية يعني تعرضهم لغضب السماء .. .
في حديث مع سياسي سوري مخضرم .. تحدثت طويلا عن غضبي من نكران الجميل .. وعندما سألته ماذا سيكون ردكم: ابتسم وقال: "كما في كل مرة .. اقلبوا الصفحة .. لقد قلبنا الصفحة منذ فترة" .. ولم يزد حرفا واحدا رغم الحاحي عليه بالايضاح
قلب الصفحة يعني كثيرا ..يعني أن السوريين الذين قلبوا صفحات القضية الفلسطينية قد أنهوا الفصل الحالي وأن فصلا جديدا قد يبدأ لاأحد يعرف شكله .. البعض قال أنه ميلاد صفحة جديدة لثورة فلسطينية لاتشرب النبيذ ولم تتذوق العسل ولاتحج الى بيوت الله وبيوت الغاز والبعض قال انها شيء مختلف تماما .
واذا كان لاسرائيل جنود من عسل .. فان اسرائيل تعرف وتدرك تماما أن السوريين مشهورون جدا بقدرتهم على قلب قدور العسل ورميها في البحر الأبيض المتوسط ونهر الفرات أو نهر بردى .. وكما انقلبت قدور العسل الاسرائيلية في الصراع مع سورية عدة مرات فان آخر قدور العسل المسكوب في هدنة غزة ..سينقلب كما انقلبت القدور التي سبقته ..
سنقلب الصفحة .. ونقلب قدور العسل ..ونقلب جنود العسل القادمين من الشمال ومن كل الاتجاهات .. فانتظرونا .. فسنصل مهما تطاول الطريق .
سقوط جمهورية مرسي الاسلامية .. وسقوط الجمهورية الاسلامية السورية
التاريخ : 2012/11/28لن أبالغ ان قلت بأن الربيع العربي وزوجاته (الثورات) الأربع في مصر وليبيا وتونس وسورية والذي أنجب لنا بضعة جمهوريات اسلامية ربما بدأ يشهد ترنح بعض مواليده من الجمهوريات الاسلامية .. هناك بالطبع جمهورية اسلامية سقطت من بطن أمها (الثورة) وتهاوت قبل أن تصل وهي على الطريق الى المشفى في تركيا .. وهي "جمهورية رياض الشقفة الاسلامية في سورية" والتي سيصير أقصى ماتتمناه القوى الاسلامية الآن هو اطالة عمر الأم قبل رحيلها المحتوم .. وهذا ماسنتحدث عنه لاحقا .. وأما جمهورية محمد مرسي الاسلامية في مصر فقد بدأت تهتز .. في حين أن جمهورية راشد الغنوشي التونسية ستتعرض للارتجاجات والاهتزازات المرتدة عن سقوط جمهورية رياض الشقفة الاسلامية قبل ولادتها وستتأوه جمهورية الغنوشي أيضا كلما تألمت جمهورية محمد مرسي في عذاباتها في ميدان التحرير حيث بدأت ترجم بالحجارة كما ترجم الزانية في دولة "قانون الشريعة"..
لاتبدو أوضاع الشيخ محمد مرسي في "جمهوريته الاسلامية" على مايرام رغم كيل المدائح وعملية التطهير الثوري والاستحمام في حمامت حماس التي منحه اياها خالد مشعل ورمضان شلّح اللذان غسلا قدميه بدم الشهداء ودلّكا ظهره بالمدائح وماء الورد وأغدقا عليه الألقاب الفخمة وخلعا عليه الصفات المقدسة ونصّباه فارسا رغم أنه لافرس له ولاسيف وليس له من الكاريزما ورجل الدولة أي شيء .. بل أن مصر لاتستحق هذه الاهانة في شخص رئيس بلا هيبة تحاول الحركات الاسلامية تصويره على أنه هبة ا لله.. رغم أن أكثر تسمية تناسبه هي (ابن الحظ)..
كما لاتبدو أمور الشيخ محمد مرسي مريحة أبدا لأن الحقيقة الساطعة هي أن الاسلاميين لم يصلوا قط الى السلطة في مصر بل وصلت اليهم السلطة عندما تدحرجت واستقرت في حجرهم ووجدوها ملفوفة بمنديل أنيق وعليه توقيع هيلاري كلينتون يقول: بالرفاه والبنين ولاتنسونا من الدعاء ..
وبات وضع الاخوان المسلمين يشبه الجائع الذي وجد نفسه فجأة أمام مائدة السلطة العامرة .. فصار يزدرد كل الأطباق بسرعة لأنها فرصة لاتتكرر وجاءت بعد جوع دام قرابة تسعين سنة .. ولم يخف هذا الجائع شراهة ونهما للسلطة بأشكالها التشريعية والتنفيذية حتى أصابته الغصة وهو يلتهم الطعام بسرعة .. فصار يحشو جيوبه بما لذ وطاب ليحمل كل مايقدر الى بيته في "المقطم" حيث مرجعية الاخوان.. وأخذ "ابن الحظ" محمد مرسي يتصرف بخشونة لابعاد بقية المدعوين عن مائدة الثورة بحجة حمايتها من الطفيليين .. حتى وقعت الواقعة بينه وبين الجميع .. وبدا صاحب الدعوة (الشعب) الذي لم يتمكن من استبعاده في حفل الاستقبال "الثوري" غير قادر على تحمل هذا الطفيلي الجشع..
سلوك الاخوان المسلمين في مصر وعجلتهم تكاد تفضحهم وتفضح نواياهم .. والعجلة ناجمة عن خوف وهلع من فقدان الزخم الثوري الذي يجلل شعاراتهم بعد أن ظهر واضحا أنهم تخلوا عن الشعارات وألبسوها ثياب البراغماتية وأنهم صاروا لايحملون القرآن في حقائبهم بل "مشاريع وصفقات" .. فالاسلاميون أظهروا بالفعل نفاذ صبر واستعجالا في انفاذ مايرونه أمر الله (في استخلافهم في الأرض) وعقيدته لبناء الجمهورية الاسلامية المصرية على غرار ووزن وموسيقا الجمهورية الاسلامية الايرانية أو نموذج جمهورية أردوغان العثمانية .. ولكن التعجل في عملية أسلمة الدولة والمجتمع (أو بالأصح أخونة المجتمع والدولة والدستور) لم تكن حصيفة .. والأكثر من ذلك فانها دليل على أن وصول الاسلاميين الى حكم مصر "صناعي" وليست منتجا طبيعيا لتحرك 25 يناير والا لما كان هذا الخوف من انزلاق السلطة والعمل على تسييجها بالدساتير والقوانين واقصاء كل من لاتريده .. وفوق كل هذا بدا وصول الاسلاميين "صناعة رديئة" .. لأن سلطة الاسلاميين المصريين هي نتاج صفقة بدأت روائحها تزكم الأنوف في زواريب الشرق الأوسط وتغلب روائحها على روائح أكوام القمامة في القاهرة .. ولو كان وصولهم الى السلطة طبيعيا لما حدث هذا الاستعجال لابتلاع كل السلطات بسرعة قياسية في عملية حرق للمراحل والاسراع بالطبخ قبل أن يتنبه البعض ويسترجع المبادرة .. كما أن الأمراض والبثور والفقاعات الالتهابية التي ظهرت على جلد السلطة الاسلامية في مصر هي أعراض الثورات المصنعة المصابة بنقص المناعة .. وليست أعراض وأزمات الثورات الطبيعية ..
والاستعجال المصري في محاولة اجتياح المجتمع المصري يأتي لشعور طاغ من أن قوى المجتمع الحقيقية بدأت تتحرك وأن ألاعيب وتمثيليات الاسلاميين صارت ممجوجة وأن انتخابات الرز والسكر قد لاتتكرر لأن هناك تيارات علمانية مصرية لم ترق لها عملية تقاسم التسلط على مصر بين أمراء وملوك المال في الخليج العربي والامريكيين .. فأمراء المال تولوا عملية السيطرة على القواعد الشعبية المصرية بشراء الانتخابات والتأثير فيها ماليا واعلاميا .. فيما بقي تسلط القرار الأمريكي على المستويات العليا دون تغيير عبر صفقة "السلطة" .. وماحصل عليه الشعب المصري بعد ماقيل انه ثورة 25 يناير هو أن الحكومة المصرية تخضع للغرب فيما مجلس الشعب يخضع لأمراء المال الذين سيقررون منذ اليوم شكل مجلس الشعب المصري بالتنسيق مع الغرب بدل جمال مبارك وأحمد عز .. وربما سيصير مرشحو مجلس الشعب المصري يقومون بزيارات روتينية الى الدوحة لضمان استمرارهم تحت قبة البرلمان .. ومما لاجدال فيه أن ذلك هو أسوأ مما كان عليه الأمر قبل 25 يناير حيث كانت السلطة مثمثلة في حسني مبارك خاضعة للغرب ولكن مجلس الشعب خاضع للسلطة ..
وبدأ شعور عام متنام بأنه مهما قيل عن الاسلاميين وجنوحهم للعملية الديمقراطية وقبولهم باللعبة الانتخابية فان هذا خداع للنفس وجهل ببنية العقل الديني السياسي الذي يؤمن بنوع واحد من الديمقراطية هي ديمقراطية الاله .. وديمقراطية السماء .. وهؤلاء لايصلون الى السلطة ليتركوها لأن سقوطهم من السلطة يعني سقوط نهج الاله .. والدفاع عن نهج الاله هو واجب شرعي وهو قلب عقيدتهم النابض .. ومن يدافع عن ديمقراطية الاله لاتعنيه ديمقراطية البشر..ومايفعله مرسي وجماعته اليوم بالتعديلات الدستورية ان تم اقراره فالمستقبل يعني أن تطرح تعديلات دستورية متلاحقة يصوت عليها مجلس شعب الرز والسكر (القطري السعودي) .. وتتحول مصر ديمقراطيا وبالتدريج الى .. جمهورية مصر الاسلامية ..
والتجارب الدينية تقول بأن وصول الصيغة الدينية الى الحكم لايعرف التراجع ولاالتعديل .. وان وصلت دولة الى مرتبة جمهورية اسلامية أو مسيحية فمن الصعب اعادتها الى مجرد جمهورية بلا دين أو نزع هذه الصبغة الدينية عنها ..وفي نموذج الجمهورية الاسلامية الايرانية دليل على ذلك ولكن الفارق بين جمهورية مصر الاسلامية المزمع انشاؤها مستقبلا على يد الاخوان كما يبدو وبين جمهورية ايران الاسلامية هي أن جمهورية الأخوان نالت السلطة في صفقة لاجدال فيها على حساب القوى الرئيسية التي تحركت في المجتمع المصري .. أما في ايران فقد قامت ثورة طبيعية عارمة وكان لها قائد واضح الملامح وله برنامجه ومشروعه منذ الأيام الأولى دون أي لبس أو مجاملة لأحد في الشرق أو في الغرب .. وتعتبر احدى ثلاث ثورات بشرية شاملة (الفرنسية والبلشفية والايرانية) .. وفوق هذا فان اضافة اسم "اسلامية" كان بعد اقامة "الجمهورية الايرانية" على أنقاض حكم الأسرة القاجارية، ولم يكن بقرار ثوري بل كان عبر انتخابات شعبية وصوّت 90% من الناس على اضافة تلك التسمية "الاسلامية".. ومايريد الاخوان المسلمون المصريون فعله هو اضافة كلمة "الاسلامية" بعد تسمية "جمهورية مصر" وذلك عبر سلسلة من الاجراءات والتلاعبات الديمقراطية التدريجية .. تحت شعار حماية الثورة .. ولكنها في الحقيقة حماية مشروعهم القادم ..والذي لايريد النزول عن قمة الهرم الى يوم القيامة..
وربما من أسباب تعجل الاخوان المسلمين للسطو على كل مصر هو اقتراب تسوية شاملة في المنطقة .. يسمع بأصدائها وهمساتها الجميع .. ويبدو الاسلاميون المصريون متوترين من احتمال أن تعترف الولايات المتحدة بنهاية الجزء السوري من المشروع الاسلامي دون أن يحالفه النجاح وهذا قد يدفع بقوى علمانية في المنطقة من تركيا الى مصر وتونس لتحدي استمرار القدر الاسلامي كسلطة .. ويبدو أن جمهورية سورية الاسلامية لصاحبها رياض الشقفة لن ترى النور .. وأنها اقتربت من لحظة قبول الحقيقة بأن المجتمع الدولي سيسلم بأن سورية لن تكون جمهورية اسلامية بل جمهورية "مارقة" على ارادة الغرب .. وأن الغرب يتهيأ لذلك الخيار باعلان تعيين مندوبين وسفراء كنوع من الاقرار بأن عملية انتزاع السلطة في سورية على أرض الواقع مستحيلة ولابد من التعويض عنها بانتزاع شرعيتها ومعاملتها معاملة دولة مارقة ومعاقبتها ديبلوماسيا .. ولو كان الغرب على يقين من انتصار الاسلاميين السوريين لفضّل انتظار لحظة الحسم .. ولكن تعيين سفراء الجمهورية الاسلامية السورية (مندوبي الائتلاف السوري) قبل قيامها اعتراف أن قيامها على أرض الواقع ليس مرئيا ولابد من نقل المعركة الى المجال الديبلوماسي والدخول الى مرحلة المعارك الديبلوماسية المعروفة بنفس طويل للغاية لايقل عن سنوات بانتظار تغير ما في الخارطة .. أما عند حدوث الهزيمة النهائية للمعارضة فان صرف هذه المجموعات الديبلوماسية من الخدمة سهل للغاية ..بل ان اي تغيير في اي حكومة غربية قد يعني تبديل الاعتراف بها من قبل الحكومات الجديدة ..
وصار غنيا عن القول بأن تماسك الجبهة السورية سيضعف كثيرا وبشكل حتمي من جمهورية أردوغان العثمانية التي خسرت كل شيء في الغرب في رهانها على المشروع الاسلامي في الشرق .. وخسرت كل الشرق بخسارتها للجسر السوري والممر الوحيد والاجباري الى كل الشرق .. واذا ماتراجع اسلاميو تركيا واستعاد العلمانيون زمام المبادرة تجنبا لمشاكل طاحنة داخلية .. فان هذا سيشجع القوى العلمانية والوطنية في الشرق وفي مصر وغيرها على استرداد زمام المبادرة وتحدي سلطة الاله وديمقراطية السماء واسقاط النموذج الاسلامي للحكم الذي لايرفض شعبيا لاسلاميته بل لأنه ليس صناعة شرقية بل اسلام الاستيراد وتجميع قطع غيار لايعرف مصدرها..وربما أظهر تمرد الشارع المصري على جمهورية محمد مرسي الاسلامية أن الأمل في ايقاف المد الاسلامي يتعاظم وأن هناك شعورا أن قوى اخرى معتبرة في المنطقة معنية باسقاطه .. وأن تحدي المشروع الاخواني صار أمرا يجب التسليم به
أما من يريد أن يعرف كيف سقطت الجمهورية الاسلامية السورية ومستقبل كل الشرق فليذهب معي الى حلب .. أو ليذهب معي الى ريف دمشق .. أو الى ريف حمص .. وهناك سيعرف كيف سقطت الجمهورية الاسلامية السورية .. والتي تجر خلفها جمهوريات الاخوان المسلمين في الشرق كله ..هناك سيرى الزائر لهذه المناطق النفور الشعبي العارم من الاسلاميين وهناك سيرى (المرتدين) عن الثورة والنادمين على انجرافهم خلف التحريض .. وهناك سيرى ثورة على الثورة السورية .. وهناك سيرى ضباط الجيش السوري الذين يديرون عمليات المواجهة ويدرك أن مثل هؤلاء الرجال ستتعب منهم الحرب ولن يتعبوا من مقارعة المشروع الديني الغريب..
بل ان أكثر مايجعل أحدنا يدرك خطورة الاعلام هو زيارة ميدانية الى حيث تتموضع وحدات الجيش السوري .. وقد جمعت في أرشيفي عددا لانهائيا من التقارير والأخبار والتحليلات من كل المواقع والقنوات المعارضة منذ بضعة أشهر والتي بعد أن قرأتها أشفقت على الناس لأن بعض من يصدق هذه الاخبار ويرى الصور ومقاطع الاستعراض والعضلات العسكرية لايشك أبدا أن رياض الشقفة صار قاب قوسين أو أدنى من اعلان الجمهورية الاسلامية السورية .. على نفس وزن وموسيقا الجمهورية الاسلامية الايرانية .. ولكن في طبعة أمريكية ونكهة اسرائيلية لأنه وعد بكسر عظم المشروع الايراني "الشيعي"..كما تطلب اسرائيل دون زيادة أو نقصان..
من يعرف الحقائق على الأرض يدرك سبب هذا الاستقتال الاخواني والتركي تحديدا لاسقاط سورية لانقاذ المشروع الاخواني .. فلم يكتف الأتراك بتقديم قربان اسمه خالد مشعل وحماس التي تم ذبحها والتضحية بها من قبل الأتراك في سبيل معركة تركيا مع سورية .. ولم يكتف الأتراك بالمقامرة بالقضية الكردية والطائفية .. بل صارت تركيا تدفع بالقرابين البشرية بشكل لايصدقه عقل لخوض قتال خاسر مع جيش محترف مدرب ومسلح تسليحا وبتكنولوجيا متفوقة ..
ترددت كثيرا قبل أن أكتب عما استمعت اليه من بعض العسكريين الذين تحدثت اليهم عبر مختلف الوسائل .. والذين وصفوا لي مشاهد مثيرة للاستغراب .. وهي ظاهرة الانتحار الجماعي لمجموعات المقاتلين الذين تدفع بهم المعارضة السورية عبر سياسة الأمواج البشرية الحمقاء .. ونقل أحد المراسلين الاسبان الذي وصلتني ملاحظات يسيرة من تقرير سينشره قريبا اثر عودته من حلب ووصفه لبعض المشاهد والتي تظهر احدى المعارك الطاحنة (ريف حلب) والتي -كما يقول- ".. ظهرت أمواج بشرية من مئات المقاتلين في منطقة منبسطة نسبيا يرفعون البنادق ويمكن سماع تكبيرات كما قال لي المترجم وهم يركضون باتجاه قوات الجيش السوري النظامي التي يطلق عليها المعارضون اسم قوات الأسد .. وكان المهاجمون يطلقون النار بشكل غزير لايوصف تتقدمهم سيارات دفع رباعي.. وماحدث أن الجيش النظامي قام مباشرة باطلاق وابل هائل من النيران على القوات المهاجمة وتحولت الأمواج البشرية خلال نصف ساعة الى أكداس من الموت .. وبدأت الامواج البشرية تهرول في الاتجاه المعاكس" .. ولفت المراسل الى "أن قسوة المشهد كانت لاتطاق والمقاتلون يتراكضون بحثا عن النجاة ويدوسون رفاقهم الجرحى الذين كانوا يطلبون نجدتهم ".. ويضيف في قصاصة أخرى من تقرير طويل: " .. ولكن مافاجأني هو ماقاله لي أحد العسكريين السوريين الذين سألتهم عن تكتيك مواجهة الموجات البشرية اذ قال لي بأن ضباط احدى الوحدات السورية المتمركزة في احدى المناطق الاستراتيجية اضطروا لايقاف اطلاق النار الكثيف الذي يلاحق فلول القوات المهاجمة لأنهم كانوا يرون مجزرة مريعة تقع أمام عيونهم في مجموعات مقاتلين غير مدربين فرت بشكل هستيري فوضوي مذعور وغير منظم في كل الاتجاهات وتركت كل سلاحها .. وختم مشاهداته التي سينشرها في تقرير مفصل خلال فترة قريبة كما قال بأن العسكريين السوريين يدركون أن هؤلاء المقاتلين المهاجمين مدفوعون بلامبالاة من قبل الاتراك الذين لايهمهم أن تموت القوات المهاجمة عن بكرة أبيها طالما أنهم يواصلون الهجمات المتواصلة التي قد تثمر عن مشهد استعراضي لبثه والادعاء بأن المعارضة ستطيح بالنظام ..
اذا المشروع الاسلامي الذي تعثر في سورية يبدو في أعلى مراحله شراسة وصار يدفع بكل مالديه من مقاتلين وامكانيات لاحداث أي خرق في خطوط التماس الرئيسية .. وصار يلجأ الى الخواصر الضعيفة وغير المحمية لأن مواجهة الكتلة النارية للجيش السوري في النقاط الرئيسية جعلته يدفع ثمنا باهظا .. ويبدو أن خطة نصب شبكات الباتريوت لصد هجوم صاروخي سوري على تركيا لن تغير شيئا في المعادلة وأنها جاءت متأخرة كثيرا .. ربما لأن تكنولوجيا الصواريخ السورية والايرانية أكثر ماتهتم به الآن هي تزويدها ببرامج التشويش والتضليل والأهم تكتيك الاغراق الصاروخي .. أي اطلاق كميات كبيرة من الصواريخ بحيث تحتاج تركيا أن تضع على حدودها كل ماأنتجته شركة راثيون المنتجة للباتريوت حتى الآن عشرين مرة لتتمكن من رصد كل الصواريخ والتعاطي معها .. أما ان كانت الغاية تحييد الطائرات السورية وفرض حظر جوي فان أردوغان قد يفعلها قبل أن يغادر مبنى رئاسة الوزراء الى بيته الريفي منهيا حياته السياسية .. انه دخول في الحرب علنا ..
ان الربيع العربي سيشهد اما وفاة زوجاته الأربع (الثورات العربية) أو طلاقهن جميعا خلال فترات متقاربة .. أما جمهورياته الاسلامية التي تبدو فتية فان أمورها لاتسر أباها كثيرا وقد تدخل العناية المشددة فجأة .. وماتتناقله الصالونات السياسية من أن نجاة سورية من الحكم الاسلامي ليست بشارة خير لجمهورية أردوغان العثمانية .. وبالطبع ليست بشارة خير لجمهورية محمد مرسي الاسلامية .. الجمهوريتان الاسلاميتان متوترتان .. وحفلة رجم الزنا في ميدان التحرير قد تتواصل .. وقد تصل الحجارة الى استانبول .. والحقيقة أن هذا الكابوس المفاجئ والذي لايزال صعب التخيل في عشية وضحاها يثير قلق شخص واحد أكثر من أي شخص آخر الى حد عدم النوم وهو زعيم حماس ..خالد مشعل .. الذي صارت جماعته تهدد الجمهورية الاسلامية الايرانية بأن اجهاضها لولادة الجمهورية الاسلامية السورية لصاحبها رياض الشقفة سيغضب الجمهوريات الاسلامية في مصر وتونس وليبيا وتركيا .. خالد مشعل وجماعته لايتخيلون كيف سيكون موقف جمهورية حماس الاسلامية أن سقطت جمهوريتا أردوغان ومحمد مرسي الاسلاميتان ..