المجموعة السادسة من مقالات نارم سرجون
الوطواط المستصقر عقاب صقر ..هل نراه طافيا في نهر وليد جنبلاط؟؟
حديث الاسكندر والباتريوت في "خريف البطريرك" المصري
درس في العربية الفصحى والأدب لعقاب صقر
انشقاق في عقل أحمد زويل في بحر الظلمات .. بين الدببة القطبية
عودة الروح ..رسالة من خط النار
السفر برلك الثاني... ما قاله الشرع شيفرة لاتفاق قادم
أعمدة الحكمة الثلاثة.. والعمود الرابع .. وأيام القيامة
صقور قريش السورية في حرب النجوم .. وعتاب قاس على زحل
ثورة بالمقلوب من رسالة الغفران لمعاذ الخطيب .. بابا نويل سورية
في خطاب الأسد حصاد وفير .. هل وضع الربيع العربي أوزاره؟؟
محمد حسنين هيكل، حجر رشيد مصر .. لايقرأ اللغة المسمارية..بقلم: نارام سرجون
دعوة محمد مرسي لزيارة دمشق لشرب الترياق ولتعلم فن التحليق
ما أجملك أيتها الحرب .. يا قنبلة في قلبي
من رأى ربيعا فليغيره بيده .. انه عام الفيل في الشام
الطريق الى تل أبيب .. برنامج الأسد الانتخابي عام 2014
تفجير الشريان الأبهر لدمشق ..طعم الموت العظيم
الحرب العالمية الثالثة .. الرقة لن تؤخر معركة النورماندي في حلب؟؟
جنازة وهمية ونعش فارغ .. لثلاثة بحار ودولة
الوطواط المستصقر عقاب صقر ..هل نراه طافيا في نهر وليد جنبلاط؟؟
التاريخ : 2012/12/03
كلما دق الكوز بالجرة ذكرنا الزعيم التقدمي بضفة النهر التي يقف بجانبها منتظرا جثث أعدائه الطافية على النهر .. وهناك ينتظرنا زعيم الحزب التقدمي وليد بيك لنصل اليه محمولين على أكتاف النهر الذي أهداه خصوما سوريين ..ونهر جنبلاط متخصص بحمل أجساد السوريين فقط دون سواهم .. نهر وليد جنبلاط يحمل له أجساد الخصوم كالهدايا التي يحملها بابا نويل والتي يطول انتظارها لكنها تصل رغم طول الترقب وتوق الانتظار.. في انتظار النهر وهداياه يريد القديس وليد جنبلاط أن يقول لنا ان السماء في عليائها تؤيده وتستجيب دعاءه ولاترده وترسل له الهدايا مكفنة بالثواب والعقاب .. وهو يجلس كالدراويش وأهل التصوف والزهد لايؤذي أحدا لكنه يشكو الظالمين الى الله فيرسل له الله الظالمين أجسادا طافية على النهر ..
القديس جنبلاط يريد أن يقول لنا رسالة مثل كل المتدينين المجانين في هذا العالم لكن على طريقته الخاصة .. فالمجنون المؤمن جورج بوش كان ينفذ وصايا الله بحذافيرها وهو الذي كان يشرب القهوة معه ويتناول معه أكواز الذرة ويوصيه باجتياح يأجوج ومأجوج .. ثم جاء مجانين القرضاوي والعرعور والاسلاميين الذين حصلوا على وكالة حصرية سماوية بمنح صكوك الايمان والغفران وبتنفيذ أحكام الله والقصاص في الطرقات من مؤيدي النظام السوري وكل أعداء الأمريكان .. وصار العرعور الصديق الشخصي لرسول الله وهو الوحيد الذي يفهم رسول الله ويقرأ لنا عقله بل وصار من صحابته الغر الميامين .. وطغى في رواياته وفتاواه على رواة الحديث وكل فقهاء الاسلام منذ وجد هذا الدين حتى يكاد المسلم ينسى الصحابي "أبو هريرة" وهو يستمع للورع التقي راوي الفضائيات "أبو عريرة" ..
وليد بيك أذكى من الادعاء أنه قديس بشكل علني .. لكنه يوحي الينا ويشير لنا بعينيه الجاحظتين المسكينتين الى السماء لأنه صفيها ووليها وانه من السادة المنتجبين .. وعلينا أن ندرك قدسيته من استجابة السماء له عبر النهر المقدس الذي يحمل له الثارات ويطفئ له النارات ..
دروشة وتصوف الزعيم التقدمي اللبناني ذات النكهة اللاهوتية تشبه في تذبذبها وتناقضاتها كثيرا مواقف التيارات الدينية التي ظهرت في الساحة والتي تتوق للجهاد ولكن ليس ضد اسرائيل أو السعودية الفاسدة بل ضد المسلمين الشيعة .. والتي تريد اعلاء كلمة الاسلام ليس بقتال اسرائيل بل ايران وسورية وروسية والصين .. جنبلاط ومن على نهجه من الاسلاميين لاشبيه لهم الا حصان امرئ القيس الذي وصف بأنه "مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا" .. لأن من يستمع الى جنبلاط يجد أنه (مكر مفر مقبل مدبر معا) في العام الواحد عشرين مرة على نفس الهدف .. ويكر ويفر ويقبل ويدبر عشرين ألف مرة في التجاذبات السياسية .. بل ان في الخطاب الواحد وفي السطر الواحد الذي يتحرك فيه جنبلاط كرّا (بفتح الكاف وليس بضمها) نجد فيه كلمات الفرّ الى الخلف .. ولايستطيع محلل واحد أن يحلل أو يتوقع مذاق ودرجة حموضة خطاب جنبلاط .. فهو حامض وحلو وفيه ملح وسكر وفيه المر والعذب .. ولايبدو أن هناك طريقة واحدة ناجعة لفك رموزه وشيفراته الا أذا تمت قراءته في مخبر تحاليل طبية حيث يمكن ادخاله في أجهزة تحليل البول لمعرفة علته .. وهناك لافرق بينه وبين عينات البول ..وعينات الأشياء "الأخرى"..من حيث المحتوى والنتيجة..
جنبلاط يريد أن يكون "هارون رشيد" لبنان .. فقد قيل عن الخليفة العباسي الأشهر هارون الرشيد أنه كان يحج عاما ويغزو عاما .. بالتناوب .. وسنوات جنبلاط مثل سنوات هارون الرشيد .. فجنبلاط كان يحج الى الشام ويغزو في لبنان وفي العام التالي صار يحج الى الرياض ويغزو الشام على صهوة لسانه في أزمة الحريري .. وبعدها عاد الى الحج الى الشام وغزو "تيار المستقبل" بلسانه .. ثم عاد في العام التالي الى غزواته اللسانية على الشام مع تيار المستقبل .. وفي العام القادم يتنبأ الجميع أنه يخطط ليكون من الحجاج الى دمشق ومن غزاة تيار المستقبل لأن النظام لم يسقط وصار من المحال سقوطه .. وهكذا دواليك ..وقد دخل في منافسته بقوة في الغزو والحج قادة حماس الذين كانوا يحجون الى دمشق ويغزون في غزة في نفس الوقت دون انتظار واستراحة بين العام والعام المعروفة عن هارون الرشيد .. واليوم يحجون الى قطر ويغزون في سورية في نفس الوقت .. حتى هارون الرشيد رفع حاجبيه من هذا الايمان الحمساوي الذي يحج ويغزو في نفس العام والشهر واليوم ويغير وجهة الحج والغزو..
المهم أن وليد بيك الذي يقف على ضفة النهر منتظرا سيتفاجأ أنه ليس وحده على الضفة .. بل انتشر مئات وآلاف السوريين على الضفتين حتى لامكان لوليد جنبلاط على الضفة التي يتدافع عليها الناس ويدفعونه بأكتافهم وهم يتطلعون الى أعالي النهر عله يحمل لهم أجساد أعدائهم .. وهؤلاء الناس هم أهالي الضحايا السوريين الذين يترقبون وصول دفعة من الأجساد الطافية .. البعض ينتظر جسد أردوغان وجسد أوغلو والبعض ينتظر جسد حمد بن جاسم أوجسد فرس النهر حمد بن خليفة .. وكثيرون يترقبون بتوق وصول أجساد كل الذين تغرغروا بالدم السوري من الجاسوس عزمي بشارة الى الوغد عبد الباري عطوان الذي تذكر أن يبحث عن حكماء مصر وعقلائها ليبعدوا الفتنة عن مصر محمد مرسي لكنه في سورية صفع العقلاء وكبّر للجهاد وحرض على الدم وهلل للناتو منذ اليوم الأول ولم يتذكر أن يبحث عن العقلاء .. وكثيرون ينتظرون أن يحمل النهر كل المجلس الوطني والائتلاف السوري .. وكثيرون يتلهفون لرؤية العرعور ورياض الشقفة طافيين بالأكفان بعد أن زرعا الوطن بالأكفان وألبسا الناس الأكفان حتى وهم يسيرون الى وظائفهم والى مدارسهم ولاناقة لهم ولاجمل في هذا النزاع ..
نهر وليد جنبلاط قد يفيض بالجثث ويغص اذا مااستجاب لرغبات الناس ودعواتها ولهفة عيونها الباكية .. وللأسف فان النهر لم يحمل لهم حتى الآن سوى جثة واحدة .. هي جثة وسام الحسن الذي قتله مشغلوه ورموه في النهر كما يرمي مقاتلو المعارضة السورية بجثث مقاتليهم الى نهر الفرات .. ولكن آلاف الناس تنظر وعيونها معلقة على جثة بعيدة طافية قادمة لم يتبينوا بعد هويتها .. يقول البعض انها غالبا ستكون جثة النائب اللبناني عقاب صقر.. وسبب هذا التخمين هو تسريب شريط الفيديو الذي يبدو فيه صقر متورطا ومبتهجا بعذابات السوريين ..وهو صانع من صناع الموت ومصممي الشر .. وأحد وكلاء العنف والفتنة المميزين ..وواحد ممن صار لكل سوري ثأر مع دمه الفاسد..
هذه ليست ليست رسالة تهديد للوطواط اللبناني المتواري نهارا والذي يطير في الظلام لأنني لاأمثل حركة سياسية ولاأنتمي لجهاز أمني ولاأملك مالا أشتري به قتلة كما يفعل هو وسعدو الحريري وليس لي في هذه الدنيا سوى قلم وحبر وورقة ولوحة كومبيوتر وأحزاني السورية على الأبرياء وغضبي .. ولكني أيضا أملك حدسي الذي تزداد اشارات تواتره ارتفاعا تتوقع حادثا ما ..
لكن تسريب الفيديو الأخير الذي يكشف دور عقاب صقر في تسليح المعارضين السوريين يشير بشكل مثير للقلق الى أن عملية تصفيته صارت جاهزة من قبل مشغليه تماما كما حدث مع وسام الحسن تماما قبل أسابيع من تصفيته .. لكي تتم اضافة دمه الى رصيد الاتهامات المتراكمة ضد مايسميه جنرالات (الحئيئة) النظام السوري ..لأن التسجيلات لايملكها الا من هم في الحلقة الضيقة القريبة من عقاب والذين يسيرون معه كظله ويشكلون حوله ستارا حديديا يمنع الوصول اليه .. لذلك فان تسريب الفيديو لاغرض منه الا منح الثنائي سمير جعجع ووليد جنبلاط ونساء المستقبل قرينة قوية لتبرير اتهام النظام السوري بالجريمة القادمة (كما العادة) ..حيث نهر وليد جنبلاط يستعد لحمل صديقه .. عقاب صقر..ملفوفا بالكفن ..
وبالمنطق فان هذا الرجل في خطر ..فأكثر شخص مرشح حاليا لأن يدفع به الى نهر وليد بيك ليطفو ويصل الينا هو عقاب صقر بسبب رفعه اعلاميا الى هذا المستوى من الرصد والتورط في الدم السوري .. فقد أدى الرجل واجبه وانتهى من أداء وظيفته بشكل متقن .. وقد تم عصره استخباراتيا حتى النهاية ولم يعد له لازمة ..فهناك كثيرون صاروا أكثر قدرة منه على تقديم الخدمات وهم يتنافسون للحلول محله .. كما أن أوساطا كثيرة في المعارضة السورية صارت تحس بالاشمئزاز من دوره ومن تعاليه على البعض وملاطفته للبعض ماليا وسياسيا وتمييزه بينهم في الأدوار والحظوات والهدايا والتحويلات.. ولم يعد دوره توفيقيا وثوريا كما كان في البداية حيث كان يمارس الاحتيال الثوري والخداع وخبرة العلاقات العامة بما فيها العلاقات النسائية ..وربما أهم نقطة صارت ملفتة للنظر ان هناك من صار يجاهر بتحميله مسؤولية الفشل المتكرر والتفكك وسوء التدبير والادارة مما انعكس على أداء مايسمى الثورة السورية المعروفة أنها مليئة بالتصفيات والصراعات والنزاعات والتصفيات المتبادلة .. وكما هو الحال مع كل الساسة اللبنانيين فهم يخدمون المشاريع الخارجية أحياء وأمواتا .. وقد يبدو أن خدمته للمشروع الخارجي صارت أفضل بتقديمه كقربان آخر .. والقائه في النهر .. كما ألقي بوسام الحسن وألقي دمه الفاسد على ثياب السوريين ..عقاب صقر صار عبئا آخر من أعباء معسكر المؤامرة لاتساع دوره وتداخلاته والأهم لتشعب علاقاته الاستخبارية .. وهناك من يريد الحلول محله لقطف الثمار المالية والسياسية التي يقطفها .. وقد آن أوان استبداله على مايبدو.. وأدمغة الاستخبارات الكبرى لاتحب الابقاء على نفس الطاقم من الصغار .. الذين لايكبرون ولايتطورون ولاينجحون في أية مهمة
لاأدري ان كان هناك من يوصل الرسائل والنصائح لهذا الوطواط اللبناني الصغير .. انني لاأخفي حزني عليه سلفا لأنه مغفل آخر وغرّ ساذج وقربان بشري سينحر وسترمى فروته على أكتاف السوريين كالعادة بعد أن قاتل من أجل الحريري ومشاريع السعودية كما لو كان سيرث عرش السعودية .. انني لاأريد لعبة الموت أن تفرمه وأن يلقى على السوريين بعبء دمه الثقيل والفاسد والمخلوط بدم الشياطين .. كما أنني لاأحب تصفيات السياسيين مهما اختلفوا مع خصومهم .. لكنني أنصحه نصيحة خالصة بأن يبتعد عن ضفة النهر لأنني أرى حركة مريبة حوله وهناك من ينظر اليه لدفعه الى النهر .. نهر وليد جنبلاط لايحمل خصومه دوما بل قد يحمل أصدقاءه .. وأحبته .. ويحمل حتى الوطاويط ..
الوطواط وطائر الليل المظلم قد يرتطم في طيرانه الليلي بجسد وسام الحسن .. ليجد أنه طار فجأة في السماء .. وحمله نهر وليد بيك .. انه عقاب النهر للعقاب المتوطوط ..أو الوطواط المستصقر علينا.. أما وليد بيك فربما من المفيد أن ننصحه بأن يثق بأن لكل منا نهره الذي ينتظر هداياه .. وأنه يوما قد يطفو على الأنهار ان بقي واقفا على الضفة طويلا كصياد السمك الصبور لأن من ضحى بوسام الحسن وسيضحي بعقاب صقر سيجد فيه قربانا .. والسوريون لايريدون أن يروا أحدا يدفع وليد بيك ليسقط في ذلك النهر الرهيب ولايرغبون في رؤيته طافيا يحمله النهر .. لا لشيء الا كرمى لعيون الكرام أبناء الكرام من بني معروف .. ونصيحتي الخالصة له أن يتذكر أن من ينتظر أجساد أعدائه الطافية ليس زعيما وليس من بني معروف .. بل مجرد مريض نفسي مهووس بالثأر ولايستطيع أن يرى في الأنهار الا ناقلات جثث .. فيما الزعامات الكبرى ترى في الأنهار ناقلات الحياة..
وأخيرا .. لابد من القول بأن هناك أنهارا على غرار نهر وليد بيك جنبلاط تحمل أجساد الاوطان المقتولة .. بالأمس حمل نهر الأوطان المقتولة جسد وطن اسمه العراق .. ثم حمل الينا جسد امرأة من شمال افريقيا تسمى ليبيا .. وكانت عيون الغرب تجوس أعالي النهر تنتظر جسد صبية رشيقة جميلة تسمى سورية .. لكن أهل "سورية" سيقتلون النهر الذي يفكر أن يحمل جسدها ان قتلت وسيقتلون البحر أيضا .. فلذلك لن يحمل هذا الغضب نهر ولابحر .. وسينأى بنفسه عن هذه النار..
وسينتظر المنتظرون على الضفة كثيرا الى أن تصل جثة جزيرة من خليج العرب تتعفن بالرذيلة والخيانة .. منفوخة بالغاز .. لأنها تلعب لعبة ليس من مقاسها ولامن حجمها .. وهي في اللعبة الدولية من حجم ووزن الوطواط المستصقر عقاب صقر لاأكثر ولاأقل وبنفس الدور ..
ولايدري أحد فقد يحمل النهر يوما جثة امرأة الأناضول الكبيرة نفسها.. أم أردوغان ..فالأنهار عندما تصاب بالجنون لاتعرف ماذا تجرف معها ..
ملاحظة هامة:
في ظل بطء الانترنت ومحاولات استغلال الثورجيين لهذه الفترة لاحظت ازدياد نشاطهم الالكتروني ومحاولات الايحاء أنهم ينتصرون ويسيطرون .. ولاأستطيع الاحاطة بكل مايقال من ثرثرات مملة وبطولات فرسان الخشب التي (زهقنا) منها ولايملون من روايات الجن والعفاريت .. ولكنني أستطيع أن أقول لكم بثقة عالية جدا .. لاتقلقوا .. وانظروا الى النهر الذي يحمل لكم جسد "الثورة" السورية المتفتت قطعة قطعة ..في كل يوم تصل منها قطعة .. واليوم ككل يوم .. ماننتظره قطعة جديدة مما بقي منها ..وصدقوني لم يبق الكثير ..------------------------------------------------------------------------
حديث الاسكندر والباتريوت في "خريف البطريرك" المصري
( السبت 2012/12/08 SyriaNow)من الحصافة ألا يلقى الكلام على عواهنه في أدق مرحلة من مراحل هذا الشرق وفي هذه العواصف والأنواء .. فكل كلمة لها وزنها الذري وصيغتها الكيماوية المتقنة كما هي عناصر جدول مندلييف الدوري في الكيمياء .. وليس أكثر قتلا للناس من الكلام الهائم على وجهه والذي يتجول في الأسواق والمقاهي ويتدحرج مع أحجار النرد معتمدا الصدفة وحدها .. وهذا هو حال كلام الثورة في زمن النعاج وأمراء النعاج ..
الأجوبة التي تسدد بدقة على الأسئلة النزقة تسقطها .. ولذلك أسقطت أجوبتنا الوطنية نزق الأسئلة الثورية على مدى عامين وروضت اجاباتنا التي اعتلت ظهور العواصف الجامحة كل زمجرة وتهديدات العواصف الأطلسية ووضعت اللجام في أشداقها .. ولأننا كنا نعرف كيف تمسك أعصابنا القوية بقرون رياح "الشمال" الهائجة وترغم ثيرانها السلجوقية على الاستلقاء أرضا وهي تخور فاننا لم ننكسر .. فنحن من سيكسر ظهر الرياح الشمالية .. ونحن من سيسجن الأعاصير ..وصمودنا هو الذي جعل بطريرك الاخوان المسلمين في مصر محمد مرسي يدخل عنوة الى مرحلة "خريف البطريرك" ..
كما في كل مرة أيها الأصدقاء تغير علينا الأسئلة وتهاجمنا الحيرة والخرائط الغامضة والأحداث المتلاحقة وبالونات الاختبار كأسراب الجراد الثوري طوال هذين العامين .. ولكن ماأحوجنا اليوم الى أقل الكلام في زمن الجراد الثوري الذي يأكل بلادنا .. الثرثرة الثورية صارت بلاقيمة .. فما يرميه كل هذا الجمع من مفكري الحرية الصحراوية واعلام الربيع والنعاج ليس الا حصى وتراب وأعشاب للأغنام والابل .. وهل في هذا الربيع الا عواصف الحصى والتراب وروائح النعاج وزرائب الابل؟؟
ولذلك ستقرؤون اليوم كلاما تعرّض للتدقيق والمراجعة الفائقة ولم يسمح لذرة غبار أن تتسلل عبره ويمكنكم اعتبار دقته بدقة ساعة الزمن التي وضعها اينشتاين في كل مليمتر من هذا الكون .. ففي أخبار المعارك في سورية صار هناك اتفاق ضمني بين جميع المتابعين العسكريين للشأن السوري على ازدراء بيانات الانتصار والتحرير التي تكثر منها المعارضة والتي صارت مثار نكتة ودعابة وخاصة تلك التي يتلوها علينا مراهقون ملتحون على شاشات العرب يكررون ويغدقون فيها على الناس أخبار الانتصارات والفتوحات والتكبيرات بنغمات عالية.. وقد وصلت المبالغة في سخاء بيانات النصر وتصوير كل الانتصارات الضعيفة بالمتفجرات او الهجوم على المدنيين والعزل وفي سرقة مركبات الجيش في تحويل هذه الانتصارات الى بضاعة أرصفة كاسدة كما يحدث في كل الاسواق حسب قانون العرض والطلب .. فازدياد سلعة في السوق واغراقه بها يقلل من قيمتها ويقلل من الثقة بها وقد يلقى بها على بسطات الأرصفة .. وكذلك هو حال بضائع الثوار وأخبارهم التي تعرض على بسطات العالم وعلى أرصفة كل القنوات والصحف فصار الناس يمرون بها ولايكترثون لأنهم لايثقون بها وهي التي وعدت باسقاط النظام السوري عشرات المرات وحررت العاصمة عشرين مرة .. وأعلنت النصر والبراكين ونهاية المعركة ألف مرة .. وانسحبت تكتيكيا مليون مرة حسب خطط الفيلد مارشال رياض الأسعد الذي يطلق عليه الساخرون الآن "رومل" الشرق الأوسط ..
ولا مثال يدل على بضاعة الأرصفة الثورية الرخيصة متل أخبار معركة مطار دمشق الدولي .. ففي الوقت الذي كانت أخبار الثوار تتحدث عن سقوط المطارات والحصون حول دمشق كانت معضلة القوات السورية عقب المعركة كما قال لي ضابط كبير ليست في تطهير المنطقة من المسلحين بل في عملية التخلص من جثث مئات من المسلحين التي انتشرت وتعفنت على مساحة واسعة في المناطق المؤدية الى مطار دمشق والتي لم يتمكن المسلحون من سحبها أثناء تراجعهم الفوضوي..وأقدر بثقة ان أقول أيضا ان المسلحين لم يتعرضوا الى خسارة في دمشق كمثل التي تعرضوا لها منذ أيام .. وكان السبب هو أن المعارضة وفي محاولة ساذجة لتحقيق كسب ما حول دمشق دفعت بأعداد كبيرة من المسلحين الى المعركة لأن القادة الميدانيين للمسلحين كانوا يلقون باللائمة في خساراتهم المتكررة الى عدم الزج بمسلحين باعداد كافية لتقلل من تفوق السلاح والنيران وفارق التدريب لدى الجيش السوري الذي لايكسره الا تفوق في العدد والزج كما يعتقدون .. ولجأ المسلحون فعلا الى تكتيك الأمواج البشرية (المعتاد) الموجهة "فضائيا" واستخباراتيا عبر ضخ آلاف من المقاتلين دفعة واحدة نحو ممرات ضيقة كالعادة لاختراقها واعلان نقطة متقدمة كرأس جسر في جسم العاصمة دمشق يبنى عليه تقدم آخر .. فيما لجأ الجيش السوري الذي كان على دراية بوجهة سير الأمواج البشرية الى تكتيك سماه لي أحد العسكريين "بحيرة أسماك التونا" .. أي بدل مواجهة الأمواج البشرية فقد تقرر السماح للأسماك المندفعة بدخول البحيرة (حول المطار) بأعداد كبيرة ومحاصرتها ..
وعلى عكس مصيدة سمك التونا الرهيبة التي تجري في البحر حيث تعدم الاسماك في البحر بضربها بعنف بالرماح حتى يتحول البحر الأزرق الى بحر أحمر من دمائها .. لجأ الجيش الى ماسماه "تصريف المياه من البحيرة الصناعية" أي (قطع كل الاتصالات وخطوط الامداد اللوجستي) فتخبطت الأسماك المحاصرة في الطين وهي تتعرض للاجهاز عليها بلارحمة .. وهذا ماحصل بعد اطباق الفخ حيث انفلتت نيران الجيش بلا توقف ولم تهدأ سبطانات السلاح الا بعد يومين كاملين بعد أن نضبت البحيرة من الماء و"الأسماك" .. ولتتخيلوا الموقف العسكري فانظروا في هذا المشهد المعبر عن طبيعة معركة مطار دمشق .. ماحدث بالضبط كان شبيها باصطياد التونا في المشهد .. ولمن لايعرف كيف يتم صيد التونا أو كيف يتم صيد المسلحين في مطار دمشق فليتأمل بدقة .. مايسمى الجيش الحر تعرض حول المطار لما تعرضت له التونا في هذا المشهد ..دون أية مبالغة .. ولأن نشر صور القتلى والجثث ليس أخلاقيا على العموم فقد استعضنا بمشهد تقريبي يكاد ينطق بالحقيقة لتجنب تصوير مشاهد مروعة ليس من شيمتنا الشماتة بصور الموت وقتل البشر كما يفعل الثورجيون..
http://www.youtube.com/watch?v=ye8WUxgFva8
واذا كان الثورجيون يخترعون أسماء لعواصفهم أو لأيام الجمعة فانني واثق انهم يفتشون عن أنسب كلمة لتوصيف معركة المطار .. وهي أكبر مذبحة يتعرضون لها .. ولاتستحق الا وصف "أم المذابح" .. أو "موقعة بحيرة التونا" .. وحسب عسكريين سوريين فان الموجة الأولى البشرية التي دخلت الى جغرافيا الخطوط الحمراء حول المطار لم ينج منها أحد على الاطلاق وكانت نسبة الموت فيها 80% والباقي جريح أو أسير .. فيما تكسرت الموجة الثانية وتعرضت لانهيارغير مسبوق وتراجع مابقي منها نحو البساتين .. ولم تتمكن الموجة الثالثة من الدخول والتزمت بتعليمات وردتها بشكل عاجل عبر اتصالات مكتب العمليات الخارجية بانهاء الهجوم الذي فشل فشلا ذريعا..لكن احدى تجمعات هذه المجموعة وصلتها بشكل خاطئ تعليمات مغايرة باستئناف الهجوم منذ يومين .. ويبدو أن التعليمات صدرت من الجيش السوري نفسه الذي قام باختراق أجهزة الاتصالات ودفع المجموعة الثالثة للتوغل نحو المطار لاكمال مذبحة التونا ..وقد تمكنت بقية المجموعة من تجنب الموت المحتم في تلك البحيرة الرهيبة بسبب تدخل عاجل من أجهزة الاستخبارات الغربية باتصالات عبر الأقمار الصناعية والتنبيه الى الاختراق..
وكالعادة بعد كل نكبة ثورية يطل علينا أزعر الشرق الأوسط (أردوغان) ليشهر في وجوهنا تهديدا جديدا .. وهذه المرة شهر أردوغان الباتريوت كالخنجر العثماني .. وهذه الحركة فهمها الثورجيون المنكوبون بعد بحيرة التونا على أن البطل المغوار أردوغان قد نفذ صبره هذه المرة بشكل جدي وحسم أمره وقرر الدخول في الحرب أخيرا مع الناتو .. وأن الباتريوت هو أول الغيث الناتوي ..
لكن ظهور الباتريوت له مؤشر في غاية الأهمية وهو أن الدول الراعية للمسلحين صارت أقرب الى الاستنتاج بأن امكانات المسلحين غير قادرة وحدها على الحاق أي هزيمة بالجيش النظامي السوري وأنها في حاجة ماسة لاظهار عزمها في الضغط على النظام الى مالانهاية .. كي لاتصاب المعارضة بالوهن النفسي .. بل ان البعض يقرأ في اطلالة الباتريوت على الحدود السورية وتصعيد الكلام عن السلاح الكيماوي السوري على أنه خشية حقيقية من انهيار قريب في القوى المسلحة المتمردة .. وتحذير قوي من الفتك المبرم بالمسلحين واستعمال (نيران مفرطة) لسحقهم ..فحسب عسكريين فان الجيش السوري لم يستخدم من قوة نيرانه الاستراتيجية الا 5 % فقط وهو معتمد كليا على وحدات الكوماندوز وبعض الاسناد المدرع والجوي المحدود وراجمات الصواريخ الصغيرة .. فيما غابت فرق عسكرية كاملة وغابت دبابات ت82 وطائرات سوخوي 24 وميغ 27 وميغ 29 وميغ 31 والقاذفات الاستراتيجية ومخزون الصواريخ الهائل والأسلحة الاستراتيجية وهي مايخبئه الجيش السوري فقط للجيوش النظامية التي قد تفكر بالتورط في سورية شمالا او جنوبا .. ومعنى ظهور الباتريوت هو اعتراف بلاتردد أن النظام الذي تواجهه الباتريوت ليس نظاما ضعيفا وأن النظام الذي يحتاج اسقاطه للباتريوت - وهو من درر التكنولوجيا العسكرية الغربية - لايزال يتمتع بقوة لايستهان بها اطلاقا .. وربما تتلمس هذه القوى ملامح هجوم سوري عنيف على المعارضة المسلحة بشكل غير مسبوق .. فتركيا التي كان صاحبها يهدد وينفذ صبره كل خمس دقائق تبين أنه أثناء تلك التصريحات لم تكن لديه باتريوت وأن كل ماقاله كان غازات معوية كثيفة ..وأنه بحاجة للباتريوت كي يهدد فعليا .. بدل اسماعنا صوت غازاته المعوية السلجوقية ..
وكان غريبا على المتابعين لامبالاة الرئيس بوتين بعضلات الباتريوت وكذلك لامبالاة الجانب السوري الذي اكتفى بالقول انها ستفاقم الوضع .. وقالت مصادر تركية أن الأتراك في مباحثاتهم الأخيرة مع (القيصر) بوتين لفت نظرهم عدم تطرق الروس للباتريوت وهذا ماأثار استغرابهم .. وقد تعمد أردوغان في المحادثات التنويه الى الباتريوت ليذكر الروس بالأمر ويستدرجهم الى النقاش عندما قال بأنه "حريص على صداقته لروسيا الجارة القديمة وأن الباتريوت لايراد به روسيا بل سورية .." لكن القيصر بوتين قاطعه وقال له حرفيا: انها صواريخ هرمة على كل حال ..انها من عهد صدام حسين .. ثم انتقل الى ملفات أخرى بلامبالاة .. ويقال ان وجه أردوغان قد احمر من رد القيصر .. وأعتقد أن الجميع سمع صوت غازات أمعاء أردوغان بعد هذا الرد ..وحسب بعض المعلومات المطلعة فان الروس كانوا على يقين من أن الناتو قد قرر تلك الخطوة منذ فترة وأن عودته عنها مستحيلة وذلك ليس من أجل سورية بل من أجل استكمال الدرع الصاروخي حول روسيا وايران ..ولذلك قرر الرئيس بوتين أن لايتحدث بنفسه بل أن يترك الحديث لاحقا لـ (الاسكندر) .. ويقال ان الروس قالوا للسوريين الذين تشاوروا معهم منذ شهرين حول احتمال خطوة الباتريوت بأن من يتحدث بلغة الباتريوت لايفهم الا لغة "الاسكندر" .. وهو أحد الصواريخ العاتية في العالم الذي يصفه العسكريون الغربيون بأنه "الصاروخ الشرير" والذي اذا تحدث سكت الباتريوت ولزم الصمت وقرر أن تكون حكمته الذهبية بأن "السكوت من ذهب" حفاظا على سلامته وسلامة من حوله ..
وكما هو متوقع فان استعصاء أبواب سورية على الفاتحين الاخوانيين تسبب في عدم استقرار النظام الاخواني الجديد في العالم العربي الذي باركه الأمريكيون .. وهذا ما زاد من اصرار الغرب على تليين هذه العقدة بدل اسقاطها الذي لاينكر أحد أنه صار مستحيلا (بعد أن ينقع الثورجيون توقعات كلينتون وأوباما ويشربوها) .. فتوزعت التفجيرات والعمليات القذرة في عدة أماكن في سورية وتم الدفع بآلاف المسلحين ورفع نوعية السلاح ثم التصعيد بالايحاء بالتدخل العسكري ولغة التخويف من السلاح الكيماوي المشؤومة التي يهدد بها الأمريكان بكل وقاحة .. وهم يعرفون أن تذكيرنا بها رسالة لنا تقول: احذرونا فنحن بلا أخلاق دوما وأهل تلفيق ولانستحي من الكذب والاعتداء واللصوصية والجريمة .. لكن بالطبع لم يكن يتحدث اليهم أحد قبلنا بلغة "الاسكندر" الشرير ..فتمادوا ..
استعصاء أبواب السوريين الوطنيين أثبت أنهم القوة الوحيدة التي كشف تماسكها أن لاثورات في العالم العربي بل تمثيليات ومسرحيات اخوانية وصفقات ضد القوى المدنية والعلمانية العربية والاسلامية الحقيقية .. ووصول الاسلاميين وأجنحة الراديكالية الطائفية الى السلطة هو بداية تراجع قيم الحرية والحقوق المدنية وسطوة الغيبيات على المجتمعات وتراجع قيمة العقل لصالح النصوص الدينية الاسمنتية المصنعة في معامل محمد بن عبد الوهاب .. وهي نصوص فتاكة للحرية وسجون عقلية وزنزانات للابداع البشري.. ونشرها هو أكبر سلاح لقتل مجتمعاتنا بالسم الديني المريض..وقد وجد الساسة الغربيون أن تسميم المجتمعات الشرقية بالسم الديني والعقائد الوهابية المريضة التي لاهم لها الا استئصال كل مايعارض عقليتها ونهجها بالعنف الأقصى، والعيش في المغاور والكهوف وشد الرحيل نحو معارك الصحابة مع الصحابة .. هو الذي سيفتك بنا بدل اجتياحنا بالدبابات والطائرات .. ولذلك صار من المفهوم لماذا يدافع الغرب عن المشروع الاخواني والاسلامي باستماتة .. فيما نحن ندافع عن المشروع الانساني والوطني الطموح .. وبدأنا بنزعتنا للحرية باسقاط الربيع العربي ..واسقاط أسماك التونا في مطار دمشق ربما قد حوّل ربيع الاسلاميين الى خريف الغضب في شوارع مصر وغيرها .. التي من حيث لاتدري تدافع الآن عن شوارع دمشق .. وشوارع المدن الشرقية .. ويجب أن يقال: من ربيع دمشق المهزوم ولد خريف الغضب في مصر..
ماأسرع وصول الخريف عندما لايكون الربيع ربيعا .. لأن الربيع الصناعي لايتلوه الا الخريف الحقيقي الغاضب .. فها قد وصل الخريف قبل صيف الاخوان .. والدرس الكبير الذي سيتعلمه الاخوان هو: ان من لايصنع الربيع بنفسه .. لايعرف متى يأتي الصيف ولايعرف متى يصل الخريف .. أما من يصنع الخريف فانه ينتظر الربيع .. وسيعرف الاخوان المسلمون درسا يقول لهم بأنه بامكانهم استيراد الابل والنعاج من حظائر قطر والسعودية لكنهم لايستطيعون استيراد طيور السنونو لصنع الربيع .. ولايقدرون على رد الخريف عن بواباتهم ..
ولايشبه وضع الاخوان المسلمين اليوم سوى رواية الكاتب غابرييل غارسيا ماركيز الشهيرة عن الديكتاتورية والتي سماها "خريف البطريرك" والذي كان يردد: عاش أنا ..عاش أنا ..ولعل البطريرك الأبرز المعني اليوم هو .. البطريرك محمد مرسي..
ويذكرنا هذا الخريف الاخواني الذي سيتقهقر عن بوابات الشرق بأساطير الخريف وبعهود داهمها الخريف .. فقد مر على مصر خريف سابق كتب عنه الأستاذ محمد حسنين هيكل هو "خريف الغضب" ..وهو كتاب غني بالحكمة والمراجعات السياسية الكثيفة لمرحلة الخريف الذي أطاح بالرئيس السادات عندما خاصم الجميع .. ولكن من كان جزءا من خريف غضب أوقع السادات صار جزءا من ربيع غربي .. فاستحق لعنة "خريف الغضب" ..
البطريرك محمد مرسي يترنح الآن بين خريفين .. خريف الغضب وخريف البطريرك .. اذ يشتعل خريف الغضب المصري في وجهه لأنه أراد أن يكون بالفعل نسخة من ديكتاتور رواية خريف البطريرك الشهيرة وهو يقول بصلف في اعلانه الدستوري كما كان يردد ديكتاتور خريف البطريرك: عاش أنا ..عاش أنا .... فيما الجمهور الثائر في مصر يقول له: تسقط أنت .. تسقط أنت .. وسيبقى السجال بين عاش أنا .. وتسقط أنت .. حتى يقول بطريرك مصر الاخواني مرغما: سقط أنا ..سقط أنا..
وسيردد هذا اللحن الذي انطلق من القاهرة .. بطريركا حزب العدالة والتنمية أردوغان وأوغلو ويقول كل منهما: أمان ياربي أمان يسقط أنا .. .. يسقط أنا ..
وفي لبنان سيسمع صوت سعدو الحريري بين رياح الخريف وهو يقول بدلال: يسقت أنا .. يسقت أنا ..(أي يسقط أنا)..
وسنسمع جميعا صرخة الوطواط المرعوب عقاب صقر قريبا وهو يقول: لقد سقطت أنا .. لقد سقطت أنا ..
أما نحن فسنواصل ضرب هذا الربيع حتى يردد ربيع قطر والسعودية وتركيا وربيع الغرب واسرائيل :
يسقط أنا .. يسقط أنا ..
ونشيدنا لن يكون الا ..
المجد لنا .. وسورية لنا.. وهذا الشرق لنا
درس في العربية الفصحى والأدب لعقاب صقر
( السبت 2012/12/08 SyriaNow)
لم يكن هناك أمتع من المؤتمر الصحفي الذي عقده الوطواط المستصقر عقاب صقر في استانبول للرد فيه على اتهامات بتورطه في الدم السوري ..لما كان فيه من كوميديا .. والكوميديا وصلت ذروتها عندما انفعل صديق يعمل استاذا للغة العربية استمع الى مؤتمر الوطواط عقاب صقر وطلب احترام اللغة العربية وحرف القاف الذي يهان على يد أهل الحئيئة ..وشركاء عؤاب صأر..بحرمانه من حقه في التعبير عن نفسه لصالح الهمزة التي تسرق مقعده في اللغة بشكل غير شرعي كما يسرق الائتلاف الوطني السوري تمثيل سورية ببلطجة هولاند وجوقته ..
وكان عقاب في دفاعه المنفعل يلجأ الى تكتيكات البطل الهمام عبد الرزاق طلاس في الانسحاب التكتيكي .. فقد وقع عبد الرزاق كما تذكرون في فضيحة جنسية ثورية مشينة من العيار الثقيل ولكنه خرج علينا بمبررات لايقولها الأطفال .. فقد قال انه تم تهديده من عملاء النظام بهذه الاشرطة المفبركة ليتحول عن الثورة فلم يقبل بالتخلي عن مبادئ الحرية بالابتزاز والضغط فقام العملاء بنشر الأشرطة المفبركة .. ثم أضاف أن الصين قد لعبت دورا في تلفيق الأشرطة بتقنياتها ولم يكن ينقص عبد الرزاق الا أن يقول بأن لقاء شانغهاي بين بوتين ورئيس الصين كان للاتفاق على فبركة شريط عبد الرزاق طلاس وليس من أجل منظومة شانغهاي..
ولاندري لماذا يتعرض الأحرار الثوار ووطاويط الثورة الى نفس السيناريو من الأحداث .. وأقصد التسلسل التالي: فبركة .. فابتزاز ..فرفض .. ففضيحة .. فمؤتمر صحفي .. أي تتالي أحداث على وزن العبارة المعروفة: نظرة .. فابتسامة ..فموعد .. فلقاء .. فغرام .. فزواج .. فأولاد ..(والصحيح ثوريا أن تنتهي بقول "أولاد حرام" دون زواج اذا كان الثوار من عيار عبد الرزاق طلاس) ..
ولاندري لم لايقوم الثوار والأحرار الذين يتعرضون للابتزاز والضغوط الى مطالعة الناس وتحذيرهم من مكيدة وفبركات للابتزاز كي يتم الاحتراز والاستعداد لرد الكيد وانصاف الشرفاء .. لكن كل شيء لدى ثوارنا يتم كشفه بعد الفضيحة المجلجلة..حيث يتم سلق الحقائق والردود بسرعة ..
ومع هذا فان أكثر مافي المؤتمر الصحفي كوميدية للوطواط عقاب صقر والتي ألهبت سهرة ضاحكة هي تلك الفقرة التي سألته فيها صحفية لبنانية "دلوعة" عن طريقة تسرب الأشرطة التي تدينه، وقالت له بالحرف: هل أنتو مخروءين؟ وبالطبع قالتها باللهجة اللبنانية على طريقة "أهل الحئيئة والمستأبل" واعتقد البعض أنها كانت تقصد: هل انتو مخروقين؟؟ أي بالعربية الفصحى: هل أنتم مخترقون؟ ولسماع السؤال بدقة تابعوا المقطع التالي في الدقيقة 7
http://www.youtube.com/watch?v=mwaplZVTZMY
والحقيقة التي لابد من الاشارة اليها هي أن الصحفية الدلوعة السمراء عند ذلك السؤال لم تكن تتكلم العامية اللبنانية لأنها عند استعمال كلمة "مخروءين" بالذات كانت تتكلم الفصحى وكانت تعني بسؤالها بالفصحى تماما: هل أنتم مخروءون؟؟ ولتوخي الدقة في مؤتمرات قادمة سألقي درسا مقتضبا في النحو والصرف والبلاغة واللغة متمنيا أن يقرأه كل الصحفيين اللبنانيين والعرب ليتجنبوا الحرج وجرنا الى سوء الفهم ..وسوء الظن ..فان بعض الظن اثم .. واستغفر الله لي ولكم من سوء الظن وسوء العاقبة .. المحاضرة التالية ضرورية كيلا تأخذنا الأسئلة مستقبلا الى مالانريد فهمه بسوء.. .
فلتشريح سؤال الصحفية الذي كان (هل أنتم مخروءون؟؟ ) نحيل العبارة الى قواميس اللغة العربية الشهيرة لنجد أن "المخروء" لغة هو اسم المفعول من الفعل الثلاثي الشهير "خرأ" .. والخرء "بالضم" هي العذرة.....
ويقول ابن الأثير: الخراءة بالكسر والمد، هي التخلي والقعود للحاجة، ويقول الخطابي: وأكثر الرواة يفتحون الخاء وقد يحتمل أن يكون بالفتح مصدرا وبالكسر اسما.. ومن جمعه أيضا: خرآن، وخرؤ هو فعل، ويقال: رموا بخروئهم وسلوحهم، ورمى بخرآنه وسلحانه. وخروءة: فعولة، وقد يقال ذلك لغائط الجرذ والكلب. وقد قالت بعض العرب: طليت بشيء كأنه خرء كلب... و "خروء" يعني النورة، وقد يكون ذلك اسما لغائط النحل والذباب. و المخرأة و المخرؤة هي موضع الخراءة والتهذيب .. والمخرؤة أيضا: هي المكان الذي يتخلى فيه، ويقال للمخرج: مخرؤة ومخرأة..
وقد قال جواس بن نعيم الضبي يهجو:
كأن "خروء" الطير فوق رؤوسهم ---- إذا اجتمعت قيس معا وتميم
متى تسأل الضبي عن شر قومه ---- يقل لك: إن الحريري لئيم
وحسب تصريف الفراهيدي فان لبنانيي الحئيئة عندما يتحدثون عن الاختراق الامني على عقاب صقر والحريري عليهم استعمال القاف المشبعة والا اعتبر "الخرق" الذي يعنونه ..خرءا.. وأعوذ بالله لي ولكم من سوء الظن وسوء التفسير وسوء العاقبة..
أي في خلاصة هذا الدرس نجد أن عفوية الصحفية قادتها الى الحس العفوي بالسليقة أن عقاب صقر شخص "مخروء" أي يتخلى عنه في قضاء الحاجة .. وأن الحريري أيضا شخص مخروء لنفس العلة والسبب .. وكلاهما مخروءان (أي مخروقان) ولكن الفصحى أبلغ وأكثر دقة في انصاف الحقيقة وفي الاخبار عن الحقيقة عند أهل الحئيئة.. ..
اذا فالنتيجة هي أن "المخروء" عقاب صقر بكل معنى الكلمة قد تم "خرؤه" منذ زمن بعيد منذ أن "خرئ" معلمه الحريري..وأصر هنا على أن الهمزة حقيقية وأصيلة .. ولم تسرق مقعد القاف... ..
ولاشك أن كل أبطال الحرية والربيع مخروءون من أجهزة المخابرات والناتو .. وماأكثر المخاريء هذه الأيام .. فهناك المخروء القرضاوي .. والمخروء عزمي بشارة .. والمخروء معاذ الخطيب خليفة المخروء برهان غريون .. والمخروء ميشيل كيلو .. والمخروء حمد ومخروءته موزة .. وأيضا لدينا المخروء نعجة بن جاسم آل جبر .. والمخروء عبدالله بن عبد العزيز .. والمخروء محمد مرسي .. وهناك تجمع كبير للمخاريء في الائتلاف الوطني .. وأخر المخاريء هو المخروء من دمشق خالد مشعل .. الذي جعل حماس مخروقة من تركيا وقطر .. ومخروءة من دمشق ..
وبعد هذا الاكتشاف اللغوي الفذ بفضل مؤتمر عقاب صقر يبدو أن على الجزيرة وتابعيها أن يستبدلوا المصطلح الشهير (منشق) بمصطلح أكثر دقة وحرفية وهو (المخروء) لأنه يتخلى عنه من وطنه عند قضاء الحاجة .. فالمنشق هو شخص "مخروء" من وطنه .. وأكبر هؤلاء المنشقين هو بالطبع المخروء رياض حجاب .. والمخروء المخلوق الفضائي محمد فارس ..
ياربي لم صار عالمنا مليئا بالمخروقين والمخروئين والمخاريء حتى صار لزاما علينا تبديل قول أبي الطيب المتنبي في قصيدة "العيد":
وأن ذا الأسود المثقوب مشفره ------ تطيعه ذي العضاريط الرعاديد
ليصبح:
وأن ذا الأسود المثقوب مشفره ------ تطيعه ذي المخاريء الرعاديد
على كل حال .. نرجو من جميع الصحفيين وبالذات صحفيي لبنان وأخص جماعة (الحئيئة والمستأبل) أن يتكلموا الفصحى وأن يحترموا حرف القاف خاصة عند الحديث عن (الاختراق) كي تكون رسالتهم واضحة ولتجنب الوقوع في الخطأ ووصول رسائل منافية للأدب .. فنجد بعدها أنفسنا نتلعثم ونتعثر بحروف اللغة المقعرة وهمزاتها الشائكة ونحن نعتذر قائلين مثل لعقاب صقر:
نحن قاسفون ياقستاذ عؤاب صأر ..
أخيرا..
لابد لي من أن أعتذر من جميع القراء الذين اعتادوا على قراءة اللغة الجميلة والعذبة والصافية والبيضاء والذين يقطفون عادة ورق النعناع من بين هذه السطور ويهزون شجيرات الكلام ليتناثر الياسمين الشامي تحت الحروف والذين يغمسون ريشاتهم في اللون الأزرق والأخضر الذي أهديه لهم ليرسموا لوحاتهم الناعمة .. وهؤلاء قد يسوءهم لقاء بعض المفردات التي لايحبون رغم فصاحتها اللغوية .. لكنها الثورة التي أفسدت ذائقتنا وسلامنا وخرمشت أرواحنا الرقيقة بأظافرها.. فصرنا قساة حتى عندما نقطف العنب .. فنجرح دواليه بمقصاتنا .. ولكن ثورة فيها "عؤاب صأر" والحريري الذي يستر فيها الحرائر بالتشرد واللجوء في المنافي ويرضع الأطفال الرصاص ويعزف لهم لحن السيارات المفخخة عند الصباح .. هذه الثورة وصانعوها لاتستحق الا أن نخاطبها ونخاطبهم بمفردات من قاع اللغة الفصحى وقعرها الموحل ونرميهم بالقار والوحل ..
انشقاق في عقل أحمد زويل في بحر الظلمات .. بين الدببة القطبية
( الثلاثاء 2012/12/11 SyriaNow)
سأتقدم اليوم نحو خط آخر من خطوط المواجهة مع الثورات العربية .. وسأجتاز خط الحدود غير عابئ ولاآبه بالطلقات التحذيرية ولا مكترث بصوت القصف واختراق الطائرات لحاجز الصوت فوق رأسي ..وسأعبس في وجه من يذكرني بغضب الآلهة وبحقول الألغام التي سأضيع فيها وتنثرني أشلاء .. ولكني سأتقدم .. ليس لأنني ضد أية ثورة
ولكن لأنني أنا هو الثائر وليس في هذه الثورات العربية الواسعة الا القليل القليل من الثورة والكثير الكثير من الأوهام .. قلب الثائر مقطوف من قلب الله مباشرة كي لايخاف .. و الفارق بين الثائر والمتثائر هو كالفارق بين النحلة والدبور .. الأولى لاتخطئ الزهر ولا تحط الا على الورد .. والثاني لايقف على أية وردة ولايعرف طعم الرحيق بل طعم النفايات والجيف ..
للثائر عينان كنجمتين مضيئتين ..وتعرفان حدود الوهم بين خيطان العناكب وأسلاك الحرير .. وللثائر بوصلة يتبعها القطب ولاتتبعه ..
سنجتاز الحدود اذا في هذه المهمة الشاقة خلف خطوط الثورة .. ونزيح الأصنام الثورية عن طريقنا وندفع الأوثان العقلية عن دروبنا .. حتى ولو عاب علينا بعض الناس أننا نتوجه بالنقد الى كل من يقف مع التمرد السوري ..وحتى ان وجهوا اتهامهم لنا بأننا صرنا نشبه جبهة النصرة أو تنظيم القاعدة حيث لانقبل الخلاف مع أحد ونفتي باهدار دم الكتابات والآراء وباختطاف أجساد المقالات التي لاتوالينا لتمزيقها بسكاكيننا ونحن نكبّر تكبيرا كبيرا..
ولكن موقفنا الذي يقارع أنصار الثورة بـ "التفكير" لايعني أننا نمارس "التكفير" لمن يخالفنا في الرأي السياسي أو لمن يعتقد بيقين أنه يقف على الشاطئ الصحيح لجزيرة الكنز "الثوري"، ويعتقد أننا لانزال نقاتل مؤشر البوصلة كي نرغمه على أن يشير الى حيث نريد لا الى حيث البوصلة تريد ..
ولكن ماذا أفعل ببوصلة لاترشد سفننا الى القطب الشمالي للعقل ولايهتز مؤشرها متوترا بل يبقى ملتصقا باتجاه قطب "الثروة" .. وتريد هذه البوصلة أن تقنعني أن القطب الشمالي لثورة العقل العربي والحرية العربية هو في الدوحة أو الرياض بدليل وجود الدببة القطبية البيضاء في الخليج .. والثعالب البيضاء .. وبعض عجول البحر والفقمات السوداء المجللة بالسواد .. و.. النعاج البيضاء .. فلاتكفي رؤية الدببة البيضاء وكلاب الثلج التي تجر الزلاجات لأصدق أنني وصلت الى القطب الشمالي .. فقلبي أصدق أنباء من الدببة القطبية البيضاء وعجول بحر العرب .. وقلبي يقول انني لاأزال في الصحراء حيث رغاء النوق وحمحمة البغال .. وبوصلة عقلي تشير الى البعيد في الأفق البعيد .. وتنبئني بيقين بأنني في حديقة حيوان قطبية في قلب الصحراء العربية..
عقلي هو بوصلتي وكلما أشارت بوصلة واسطرلابات الاعلام العربي -وماأكثرها- لتدل سفينتي لتسير في موج الثورة .. كان عقلي الثائر يبرق ويرعد ويتحول قلبي الثائر الى مؤشر لبوصلة عقلي .. ويشير الى الاتجاه المعاكس .. وهو بالطبع ليس برنامج فيصل القاسم الذي في علم الملاحة البحرية ليس الا سفينة للقراصنة وأعلام القراصنة .. حيث العيون العوراء المغطاة بقطعة قماش سوداء وحيث لاأصابع .. بل خطافات معدنية .. ومبارزات الدم بين القراصنة وضحاياهم من المشاهدين العرب .. فمن كل سفينة "فضائية" عربية كان القراصنة يهبطون عبر لواقط الفضائيات العالية كصواري المراكب والسفن ويغيرون على بيوت الناس ويستولون على عقولهم الطيبة وكنوز الفطرة والوعي .. ويقتلون سلام الناس بسيوفهم .. ويلقون الشبان والأطفال في البحر .. بحر الظلمات الهائج ..ظلمات الحرب الأهلية .. وظلمات الحرب الدينية..
أن أكبر مشكلة تواجه المجتمع العربي ليس في غياب البوصلة بل في ترويج نوع مبرمج من البوصلات البشرية .. واعتمادها للعامة لأخذهم الى حيث الدببة القطبية وعجول البحر في الصحراء وثلوج النفط السوداء .. ولذلك كان اعتماد الاعلام الثوري في البداية على بوصلة مزيفة سماها "المفكر العربي عزمي بشارة" أخذت الناس في رحلة ضياع رهيبة .. ولم يتوقف ضخ أسماء علمية وشخصيات لها مراكز مرموقة وأكاديمية لاستعمالها كالبوصلات لدفع جماهير الربيع نحو رحلات الضياع ولارغام سفن الشرق على الرسو على شاطئ غريب بلا عنوان ..
وكنا كلما اعترضنا على آراء هذه الشخصيات ذات المكانة المرموقة ارتفع صوت الثورجيين مستنكرا ومحتجا على عدم احترام النخب وبوصلات النخب .. فاذا كنا نشكك بقدرة النخب والجماهير فلأننا برأي الثورجيين كنا اما في حالة انكار أو أننا أذناب أنظمة وأيتام عهود ..لأن عورة الثورة مغطاة بوجوه محترمة وانتقادها قد يعني السقوط الأخلاقي ..
ومشكلة العقل العربي أنه يستسلم للصورة النمطية بمعناها النفسي وليس للفكرة بمعناها الحقيقي .. وهو لذلك عقل يميل بسهولة الى المظاهر والاستعراضية للأسف ويخشى محاكمة الفكرة خاصة اذا منحت لقبا مبجلا وصورة مقدسة .. ولذلك تتركز عملية اجتياز بوابات العقل العربي المفتوحة على مصاريعها على اخضاعه لسطوة الصورة النمطية وقدسيتها دون أن يجرؤ على مساءلتها .. أي كل مايلمع ذهب .. فهل يخطئ أحمد زويل مثلا وهو في الصورة العالم وصاحب جائزة نوبل؟؟ وهل بعد جائزة نوبل بعد آخر للعقل البشري؟؟
لاشك أن شخصية مثل شخصية أحمد زويل تستحق الاحترام الفائق والانحناء لانجازه العلمي ولكن لايجب تقديسها .. ولايجب التعاطي معها على أنها لاتخطئ وأنها فوق البشر .. وأن مايصدر عنها لايأتيه الباطل كما البوصلة .. فأحمد زويل هو انسان متفوق في مجال عمله ولكن هذا لايعني أنه متفوق قي كل المجالات .. وأنه يصيب دوما ويرى أكثر منا بحجة أن بوصلته لاتخطئ ..
ومن يقرأ ماكتب منذ أيام في جريدة "الاتحاد" يدرك أن الرجل عالم في الكيمياء والفيزياء لكنه بسيط في قراءته الحياتية للواقع .. بل ان له عقلين .. عقلا فيزيائيا علميا براقا .. السطوة فيه للمنطق والتجربة والتحليل التجريبي .. وعقلا آخر اجتماعيا فقير التجربة والتحليل وبائسا في استنتاجاته لدرجة مثيرة للرثاء ..ولكن الملفت للنظر هو هذا الافتراق الهائل بين العقلين في طريقة تعاطيه للأمور وعدم تناغمهما وكأنهما في حالة نزاع .. فالعقل العلمي لدى زويل الذي أنتج بحوثه صارم لايقبل التسليم بأية مقولة من غير برهان قاطع أو تجربة حاسمة .. ولايقبل النقل والقيل والقال دون مرجع .. فيما العقل الاجتماعي لديه مستسلم لقضاء الله وقضاء الاعلام والقيل والقال ويبدو فقر الحال فيه جليا وعلى باب الله .. ولاسطوة فيه الا سطوة العاطفة .. والغريب أن العقلين يعملان بشكل منفصل ولايبدو أن للعقل العلمي الصارم حظوة لدى العقل الآخر أو أنه قادر على ضبط ايقاعه وانفعالاته .. ولايبدو أن هناك انسجاما أو تنسيقا بين العقلين .. ولذلك نجح زويل في العمل العلمي لأن المناخ العلمي في الغرب يفرض عليه أن يترك عقله الاجتماعي في رعاية زوجته (السورية) في البيت قبل وصوله الى مخبر التجربة .. ولكنه خارج المناخ العلمي يسيطر عليه عقله الاجتماعي بعيوبه العربية .. ويسيطر حتى على عقله العلمي ويخضعه لأوامره..
ولأنني عملت في مجال البحوث الفرنسية فانني أعرف أن كل كلمة تكتب في ورقة البحث يجب اسنادها بدليل ومرجع راسخ مثبت وقاطع .. حتى أن كتابة نصف صفحة في بحث أو مراجعة علمية يتلوها كتابة صفحة كاملة أحيانا بأسماء المراجع والمؤلفين والكتب والمؤلفات وأرقام الصفحات وتواريخ نشرها التي يتم استقاء كل كلمة منها ..كل كلمة في الورقة البحثية عليها رقم المرجع الذي استندت عليه وتبدو الورقة مرصعة بعشرات الأرقام والنجوم ذات الدلالات المرجعية .. وغير ذلك لايقبل البحث الا في سلة المهملات والازدراء العلمي..ولذلك تكون عملية نيل الدكتوراه هي مرحلة تحضير وصقل العقل لتدريبه على النهج العلمي الصارم والدقة المتناهية في تناول الأشياء وليس لكتابة الأطروحات والمطولات التي يستطيع عملها كل انسان ..
وماكتب أحمد زويل في جريدة الاتحاد بعنوان (سورية .. خطر الابادة الجماعية) .. يدل على ماأقول .. فكلامه كان هوائيا للغاية وليس فيه أي دليل أو سند علمي أو توثيقي وكان عقله البدائي العاطفي المشحون وليس العلمي هو الذي يكتب .. وهو من الناحية العلمية مقال مفكك رديء جدا واستند على كل شيء الا الدليل العلمي والوثيقة والمرجعية الصلبة وهو مقال لايليق باسم أكاديمي رفيع ولا مكان له الا المقاهي الشعبية .. ولو نشر من دون اسم أحمد زويل لما فرقناه عن كتابة أي صحفي مبتدئ أو هاو من هواة التنسيقيات السورية .. لكن اسم زويل يمنحه ماركة تجارية في حديقة الحيوان القطبية ..
ويصطدم القارئ في السطور الاولى للمقال بحاجز عسكري يشبه حواجز المسلحين السوريين في فوضويته وهو جملة (نظام بشار الأسد وحشي لأنه يخوض حرباً مع شعبه، يقصفه فيها من البحر، ومن الجو، ويقتل السوريين الآمنين في منازلهم..وحسب المرصد السوري لحقوق الانسان...الخ).. لأنه أولا لادليل على وجود معركة بحرية حتى الآن ولاعن وجود قصف بحري على أي هدف لأن معظم المعارك في سورية داخلية وليس في منطقة الساحل الا مناوشات محدودة في بعض الجبال لم تضطر الدولة فيها لاستعمال سلاح البحرية..ومع هذا يقرر العالم زويل أن هناك قصفا بحريا لايرحم "على الشعب" .. أما مسلحو القاعدة والجيش الحر بعشرات الآلاف في شوارع سورية فهم لايقصفون الشعب السوري ولايقتلونه بل يدرسون نظرية أحمد زويل في الفيمتو ثانية وكيمياء الفيمتو التطبيقية .. !!! و المخجل هو أن يستند العالم الفيزيائي زويل على مرجعية المرصد السوري لصاحبه رامي عبد الرحمن .. والأخير صار معروفا للقاصي والداني على أنه شخص مشبوه جدا حتى بنظر المصادر الغربية .. وليس معه مؤهل علمي واحد أو حقوقي وهو شبه أمي وتحوم حوله وحول تقاريره أسئلة كبيرة .. ومع هذا صار رامي عبد الرحمن مرجعية لعالم الفيزياء العالمي وصاحب نوبل ونظرية الفيمتو دون أن يسأل عن صدقية مرجعيته..
وفي عبارة أخرى يقول زويل بالحرف (..ثم إن كل شيء قام به الأسد حتى الآن يشير إلى أنه سيفعل كل ما يتطلبه الأمر من أجل البقاء في السلطة، بما في ذلك استعمال الأسلحة الكيماوية في النهاية. فنظامه ليس مختلفاً عن نظام والده حافظ الأسد، الذي سمم وسوى مدينة حماه بالأرض ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف) .. هل هذا الكلام يكتبه رجل عالم وعاقل ويستعمل المنهج العقلي أم منهج مقهى "أبو علاء" في القاهرة اذا لم يكن مقهى "أروما" في تل أبيب الذي يفضله حمد بن جاسم على غيره من مقاهي تل أبيب في زياراته السرية .. أليس هذا العقل النوبلي قادرا على تذكر أن نفس العبارة قيلت عن صدام حسين لتبرير غزو العراق وابادة 5 % من سكانه في أشهر قليلة (أي مايعادل 5 ملايين مصري في مصر).. وبأن نفس الكلام المعلّب ردده البلهاء في كل العالم عن صدام حسين وكأنهم كانوا يأكلونه في سندويتشات الماكدونالد التي كان يأكلها أحمد زويل .. في حين نسي العالم كله ونسي زويل أن أول من استعمل السلاح الكيماوي في العراق هو ونستون تشرشل نفسه ضد ثورة العشرين الشهيرة .. وأن أول من استعمل السلاح الذري ضد مدن بريئة هي حضارة الغرب الذي منح زويل لقبا وجائزة ولسانا يدافع فيه عن الناس ضد أسلحة الدمار الشامل الكيماوية ..
من المعيب على شخص مثل زويل أن يكتب كلاما مستعملا ويستحم بماء مستعمل .. ويلبس ثيابا مستعملة .. وينظف أسنانه بفرشاة أسنان يوسف القرضاوي .. ويتناول حساءه المعرفي بنفس ملعقة حمد بن جاسم.. ويشرب الشاي من نفس الكأس الذي يشرب فيه العرب بول البعير .. وينهمك معهم في رضاعة أثداء الجزيرة .. التي ترضع الكبار فقط ..
ألا يستطيع هذا العقل النوبلي -الذي يجتهد في الكيمياء والفيزياء ويتكاسل في البحث عن حقيقة الدم - أن يغامر في البحث منطقيا ؟؟ .. ألا يفكر مثلا أن يأتي الى سورية ليوم واحد ليرى كيف سيوقفه "الثوار" في حلب على حاجز هيئة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ويمنعون زوجته السورية من قيادة السيارة .. هذا ان لم يصادرها له المقاتلون ليهدوها كالجارية الى أمير جماعة سلفية كما حدث مع أحد المفجوعين الذين التقيتهم وقد أخذ المؤمنون زوجته أمام عينيه على أحد الحواجز لأنها أعجبت الأمير فقرروا اهداءها له كمجاهدة رغما عنها لأنها صارت مما ملكت الأيمان..
ألا يأتي هذا العالم النوبلي يوما واحدا الى شوارع دوما ليلتقي واحدة من السيدات الدومانيات اللواتي التقيتهن لتحدثه برعب كيف أنها لم تعرف سبب تقاتل الكلاب الضالة بضراوة في حارتها ليلا لتكتشف لاحقا أن الكلاب دخلت الى مسلخ الحارة الذي كان الثوار يحاكمون أعداءهم فيه ويقتلونهم ذبحا .. ورأت الكلاب تعود بأذرع وأرجل الضحايا وتتقاتل فيما بينها في الطريق وهي تتجاذب أطراف البشر .. عشرات الجثث التي تبعثرت وجرتها الكلاب الضالة .. فيما رابح جائزة نوبل لايرى الا ماتراه الثورة (أو زوجته) من براءة وطهورية الثوار..
وبعد تخبطات رومانسية وحالات اغماء عاطفي انتابت أحمد زويل في مقالته .. توقف العقل الاجتماعي العاطفي لزويل ليترك المجال فجأة للعقل الأكاديمي الذي لم يحرك مقعده عن الكرسي طيلة المقالة ليستنتج بسرعة النتيجة الذهبية وهي(يجب على القوى الكبرى أن تدعم الجيش السوري الحر في الميدان وتفرض منطقة حظر طيران، وهو ما سيعيق قدرة النظام عديم الرحمة على قصف الأبرياء من الرجال والنساء) ..
لاأدري ماذا يقال بعد هذا الاقتراح الذي سأسمح لنفسي بأريحية وثقة وصفه بالاقتراح الساذج وضحل الفكر وضيق الأفق ..يعني كلف الرجل نفسه وحمل لنا "بطيخة" تركية ..مضغها أردوغان بأسنانه حتى لم يبق فيها الا القشور ..أو بعد كل هذا العقل الأكاديمي لاتعمل بطاريات العقل الأكاديمي الا في آخر لحظة بعد أن نامت وشخرت كل الطريق في المقالة النوبلية..
ان مقالة بمقدمات مفككة ومهترئة ومقتطفات مهربة من دكان رامي عبد الرحمن ومقالات مغشوشة منتشرة على كل الأرصفة .. لن تصل الا الى نتائج تنتهي في سلة المهملات .. وسلة الازدراء .. حتى لو كان عليها خاتم نوبل .. أو خاتم سليمان .. أو خاتم لقمان..
ولكن السؤال الذي يحيرني هو ماالذي يدعو شخصا وصل الى ذروة علمية لأن يتوق للانخراط في العمل السياسي؟؟ .. أحمد زويل ومنذ بداية الربيع العربي وهو يقدم نفسه سياسيا .. وصار كل طموحه مقعد سياسي ورئاسة .. وهذه ظاهرة لم أرها في الغرب ..في الغرب لايزال الموقع العلمي مقدسا وله هيبته التي لاتسمح للسياسة بالاقتراب من مجالها الحيوي ومياهها الاقليمية ويفضل النأي عن الرأي العلني مهما كانت آراؤه الحقيقية .. بل ان عالما مثل ألبرت أينشتاين عرض عليه كيهودي أن يكون أول رئيس لدولة اسرائيل فاعتذر متذرعا بأعذار كثيرة ..وترك لاسرائيل الحق في الاحتفاظ بدماغه بعد موته وهو محفوظ في أحد مؤسساتها البحثية حتى الآن .. لكن في عالمنا العربي هناك عقدة من المنصب والعمل السياسي .. وكل الناس يتمنون أن تتحول انجازاتهم الفكرية للاستثمار في العمل السياسي والمناصب (وأستثني الدمشقي الكبير نزار قباني الذي ترك السياسة والعمل الديبلوماسي لينجز عبقرية فكرية) .. فقد طرح زويل نفسه مرشحا رئاسيا .. وزج أنفه في النزاعات العربية رغم أن منصب ورمزية أحمد زويل يجب أن تكون محايدة في السياسات والنزاعات .. وشخص مثله يجب أن يكون رسول حوار ومصالحة على أبعد تقدير اذا أراد ممارسة العمل العام .. أما أن يتحول الى طرف أعور في مشكلة فهذه أزمة من أزمات العقل العربي التي لايمكن تجاهلها .. عقل يجب أن نعترف أنه يعاني عقدة الزعامة والرئاسة والمشيخة ..
فهل المثقف العربي مأزوم وهل النخب لاتحس بالتفوق الا في السياسة؟؟ فحتى المتنبي شاعر العرب الأكبر الذي وفي حياته ملأ الدنيا وشغل الناس .. كان أقصى طموحاته هو وزارة عند أحد الولاة حتى لو كانت عند كافور الاخشيدي في مصر .. وقد جد السعي للوزارة عبر البلدان وسافر الى كل الولاة في كل الأمصار ولم ينلها رغم أنه تربع على أكبر عروش العرب وأهمها على الاطلاق .. هو عرش الشعر والثقافة الذي لايزال شاغرا من بعده .. ينتظر مليكا عظيما آخر كالمتنبي الذي لم يدرك أنه ملك وكان يلهث خلف وزارة ..
وحتى ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع وكاتب المقدمة الشهيرة كان يتنقل لاهثا بين المناصب من دمشق الى مصر الى المغرب حتى كرهه الناس ولاكته الألسن ونبذه المغاربة .. عقله كان ظامئا للمناصب رغم أنه ملك على عرش علم المجتمع..
ان استدراج زويل الى السياسة مهين له وللعلم ومهين للمجتمع العربي .. وقد عمل مروجو الثورات وأصحاب المعامل الثورية على توريطه وتوريط أمثاله واستمالة أسماء لامعة في حياتنا ليبدو الاعتراض عليها وعلى مواقفها يشبه التورط في جريمة أو عمل فاحش أو كفر أو حتى انتحارا أخلاقيا أو غباء مطبقا .. ولاأزال لاأنسى نظرة أحد الثورجيين بما فيها من استهجان وغضب واستخفاف لأنني انتقدت محمد فارس عندما قلت له: مهما قلنا فان محمد فارس رائد فضاء اعتزت به سورية والعرب .. ولكن الثورة حطمته رمزيا وحولته للأسف الى مثل أي سائق سرفيس .. لأن المنظر الذي رأيته فيه مهين للغاية وهو بجانب "أبو ابراهيم" ثم وهو يجلس أمام شاب هاو مضحك الهيئة من اعلاميي تنسيقيات الثورة ليسأله ببلاهة في لقاء مطول عن أسباب "هروبه" الى تركيا .. وليسأله عن تفاصيل كشفت لكل من راقب اللقاء أن السبب السيكولوجي لفرار محمد فارس هو أنه لديه اعتقادا راسخا أنه فوق الناس وفوق سلطة الجيش وتراتب القيادات وأنه لايجب انتقاده وان الدولة لم تعامله على هذا الاساس ولم ترض شعوره بالاستعلاء والصلف .. فقرر الانتماء للثورة بحجة الميل لحق الشعب في الحرية .. بل ومايسبب الأسف والأسى والصدمة هو أن رائد الفضاء كان يتحدث كما شيخ الجامع في أية حارة شعبية عن الطوائف .. وبنفس البساطة والتصورات .. وعن الجنة والنار .. ثم ومن حيث لايدري تحول وهو يوجه نصائحه الى هواية الافتاء الي يطمح لها .. فأفتى بأن من يقتله الثوار هو في النار !! وأن العسكري الذي يقتل الثوار هو في النار أيضا !!.. ولاسبيل لدخول الجنة الا بالموت مع الثوار أو مع المنشقين !!!!..
رائد فضاء .. وشيخ جامع .. و"مفتي" ..وأقصى طموحاته منصب سياسي في الثورة .. أو وزارة .. وهو بالتالي أول رائد فضاء في العالم يتصرف بهذا الشكل .. علما أن رواد الفضاء الروس (أساتذته) وأثناء انهيار الحكم الشيوعي وربيع غورباتشيوف لم يبادروا الى الانشقاق أو الهروب الى الغرب أو الانحياز الى أي طرف في النزاع السياسي رغم تصريحات لهم بانتقادات عامة .. وظلوا على ولائهم لوطنهم ولم نر أحدا منهم في أميريكا رغم أن ثمنه سيكون هائلا في سوق الانشقاقات آنذاك .. حتى أندريه ساخاروف العالم النووي السوفييتي الذي ساهم في تصميم القنبلة الهيدروجينية والمعروف بمرارة انتقاده للشيوعية .. انتقد الشيوعيين علنا وبقسوة .. ولكنه لم ينشق ولم يهرب الى بلد غربي ..وعندما نال جائزة نوبل للسلام عام 1975 في ذروة قوة الاتحاد السوفييتي لم يستعملها ساخاروف لطعن بلاده .. لكنه استمر في انتقاده المرير للتجربة السوفييتية وسباق التسلح وحرب أفغانستان .. فوضع تحت الاقامة الجبرية سبع سنوات الى أن جاء غوربتشوف وأطلق سراحه .. ومات في بلده التي انتقدها وصارع فيها الاستبداد وليس في الدوحة ولا أنقرة ولاباريس ولا لندن .. ولذلك استحق لقب (بلورة الأخلاق) من الشيوعيين أنفسهم..
فهل عرفتم الآن لماذا تذهب ثوراتنا الى الدببة القطبية وعجول البحر في الخليج ؟؟ وهل عرفتم لماذا تردد كالببغاء أن التحالف مع الشيطان أو اسرائيل مبرر لاسقاط النظام؟وهل عرفتم لماذا لاتوجد لدى ثوراتنا بلورات أخلاق ؟؟ وهل عرفتم لماذا لايطير النحل في ربيع العرب ولماذا سماؤنا مليئة بالدبابير والزنابير
لأن كل البوصلات معطلة .. ولأن كل البوصلات تعمل على البنزين والغاز وليس على المغناطيسية .. ولأن أرفع العقول العربية مشطور نصفين .. نصف مربوط بعمامة القرن الأول الهجري ونصف مربوط ببوصلة لورنس وسايكس بيكو وبرنار هنري ليفي .. ولأن الانشقاق الحقيقي هو في عقولنا .. فعقولنا تنشق دوما عن عقولنا ..حتى ان صعد أحدنا الى القمر ودار حول الأرض .. أو كان يكتشف فيمتو الكيمياء أو كيمياء الفيمتو .. بدليل عقل الملا محمد فارس .. أو الدكتور أحمد زويل .. مع الأسف
عودة الروح ..رسالة من خط النار
( الثلاثاء 2012/12/18 SyriaNow)
السادة القراء الكرام
اليوم عرفت طعم الكوابيس واليوم تذوقت الرصاص في جسدي .. انه محاولة الاغتيال التي تعرض لها قلمي والسم الذي تسرب الى حبري وأوراقي.. اليوم عرفت كيف يمكن أن يكون الاغتيال بغير الرصاص ..واليوم عرفت معنى أن يسرق قلم أحدنا ..وأن تسبى كلماته وتهدى الى أمير صحراوي ..ليفك ضفائرها بيديه الغليظتين..لم أفق في حياتي على رعب كما حدث في لصباح الباكر من هذا اليوم ..عندما تم ايقاظي على هاتف ملح من صديق عزيز ونقل لي مقالا لي وتساءل عن دقته لأنه سألني منذ ساعات وقلت له انني لست بصدد كتابة شيء قبل يوم الخميس وسأكتب عن قلم الرصاص الروسي ..ووثبت كالممسوس ..وقرأت .. انه أنا ..ولكني لست أنا ..قصة الشبيه في الأفلام العربية تكاد تكون حقيقة .. أنه أسلوبي ومطولاتي ..وانها طريقتي وفواصلي واستراحاتي .. ولكن في النهاية انني لست نارام .. أحسست أنني خارج بيتي وقلعتي وأن القلعة مسكونة بالشياطين .. كيف لقلعتي أن يتم المساس بها؟؟ أحسست أنني صرت شخصا بلا حنجرة وبلا فم ..وأن أسناني ليست أسناني .. ماأبشع أن تكون لست أنت ..الجهة التي صادرت قلعتي ونامت في سريري وارتدت ثيابي العسكرية وسرقت سيفي ورمحي وبندقية الكلاشينكوف.. لاتعرف أن سيفي لايقطع الا اذا أمسكته ذراع نارام ..وأن رمحي لايسافر الا نحو القتلة ..وأن ناري لاتبرد ولو سكب عليها طوفان نوح ..وألف نوح ..فأنا سوري وجدّي طائر الفينيق .. ولاتوجد نار في الدنيا قادرة على أن تغرق طائر الفينيق ..
الجهة التي رسمت بدمي مقالة هي جهة تتابعني وتتعقبني منذ أول حرف وتعرف أين تسير كل كلمة وأين بيتها وبيت أمها وابيها ..وتعرف أي حنطة تأكل حروفي وأين وسائدها وأين رسائلها الغرامية وصندوق مجوهراتها ..وتعرف نوع العطر الذي تصنعه من أوراق الليمون والياسمين .. وقد نوهت مرة الى موقع يكتب بنفس عباراتي وبنفس شعاراتي .. لكن السرقة هذه المرة تمت بيد محترف .. اسجل له مهارة فائقة .. لكنه أغقل شيئا بسيطا واحدا وهو أن نارام يكتب من وحي جمهور عريض ويعكس كالمرآة ملايين السوريين ولكن نارام عندما يعكس نفسه فان من يقرأ سيعرف أنه لايرى ملايين السوريين بل شخصا واحدا فقط.. المقالة مرسومة بعناية ولكن هناك تفكك بين فقراتها لايدركه الا من يحس بوهج عنفواني ..
ومن يقرأ نارام يعرف أن البراغي التي بين الفقرات لم تثبت الفقرات وبالنسبة لي بدت مخلخلة وسطورها مهتزة ..بالرغم من محاولة اظهار أن فيها تسريبات وأن اسرائيل مشوشة من جديد هذه المقالة المنسوبة لي ليست لي ..ولاتنتمي لي ..ولاأنتمي اليها .. وماأعرفه في تفاصيل دقيقة معاكس تماما لما ورد فيها .. واعتقد ان أهم مافي المقالة هي فكرة تريد القول ان اليأس يتسرب الى نفوس السوريين ..وأن رئيسهم الشاب سيدخل في بازار سياسي ليبقى .. وأنا أؤكد لكم أن كل هذا لاينتمي الى الحقيقة ..وأن رجلا منتصرا على الأرض وبعد صمود عامين وظهور مقاجآت على الأرض لايمكن أن يدخل في بازارات السياسة .. ومن يتحدى الدنيا عامين لايرضى بهذا الفتات ..أحرقوا تلك المقالة وعلقوا مشانقها ..واقتلوها حيث ثقفتموها ..ولو تعلقت بأستار الكعبة .. شكرا لكم جميعا
السفر برلك الثاني... ما قاله الشرع شيفرة لاتفاق قادم
أوقات الشام الثلاثاء، 18 كانون الأول، 2012
نحن أحفاد السفربرلك .. ليس فينا سوري واحد لم يحدثه والده عن الأجداد المفقودين الذين ابتلعهم السفربرلك .. السفربرلك سافر عبر جيناتنا وحرث الذاكرة حرثا عميقا .. وبقي كالوشم على قلوبنا ولايضاهيه في دفاتر التاريخ الشرقي حتى السبي البابلي .. العثمانيون وحزب الاتحاد والترقي ساقوا الأجداد الى حروب السلطنة للحفاظ على خلافتهم وامبراطوريتهم .. وبقيت الذاكرة تتوجع وتنز قيحا من تلك البقعة التتي استقرت فيها صور السفربرلك .. حيث الجوع والفراق القسري للأهل وحيث وحشية ضباط حزب الاتحاد والرقي وقسوة السلاجقة على رعاياهم الفقراء .. لاتزال ذاكرة الأجداد تتوجع من منظر الجنود الأتراك وهم يسوقون الشباب الى الحرب ويداهمون "بيوت المونة" للسوريين ويصادرون قمحهم وطحينهم وزيتهم وكل شيء .. ولايبقون لهم حتى علف الدواب .. أيام السفربرلك جوع وقهر وجيل كامل مطحون بالاذلال .. ولأن العثمانيين كانوا يتصرفون باستعلاء عنصري فلم يتحمس العرب للدفاع عن الخلافة ولم يعنهم انهيارها .. فالقادمون الى بلاد الشام والراحلون عنها أوغاد ولصوص ..فانتهى السفربرلك بخريطة سايكس بيكو التي قتلت خرائط عمرها آلاف السنين..نحن أحفاد السفربرلك .. وتعود أيام السفربرلك الينا من جديد هذه الأيام ولكنه السفربرلك الأكبر لأن حزب الاتحاد والترقي بثياب حزب العدالة والتنمية صار بيننا عبر الاخوان المسلمين وهم الامتداد الطبيعي لحزب الاتحاد والترقي .. وصار الطورانيون يعملون مع لورنس العرب هذه المرة وعربانه لتجنيدنا في رحلة معاناة السفربرلك الثاني لرسم الخرائط الجديدة للشرق وتطريزها بأجسادنا وأشلائنا .. حيث يدفع بنا السلاجقة وحزب الاتحاد والترقي العثماني بنسخة (العدالة والتنمية) الى ظروف شبيهة بالسفربرلك .. فتقوم عصابات حزب الاتحاد والترقي عبر تنظيمات مسلحة للاسلاميين الى سرقة المطاحن والمعامل والمخابز السورية وتحرق الوقود وناقلات الوقود وكل مايملكه السوريون في "بيوت المونة" ونقلها الى تركيا.. لتخلق في بلاد الخبز طوابير للخبز .. وفي بلاد الدفء طوابير الوقود .. أردوغان حفيد السفاح يريد اقتيادنا قسرا الى امبراطوريته المفقودة .. والى أيام السفربرلك .. وكل الشعب السوري يدفع به الى السفربرلك الثاني .. وكأنه السبي البابلي الثاني في دفاتر الشرق..
في حكاية السفربرلك الأول لم يكن السوريون يعرفون مايدور حولهم ولم يسمعوا بمراسلات حسين مكماهون ولا جلسات سايكس بيكو .. لكن السفربرلك الثاني شيء مختلف وهو أن السوريين صاروا يعرفون الخيارات المتاحة أمامهم ويعرفون ماذا في كواليس الكواليس .. فهذه الخيارات هي:
1- اما تقسيم بلدهم الذي يحبونه وانشطار جواز السفر السوري الازرق الى مجموعة أجوزة سفر عددها بعدد ألوان علم الانتداب الفرنسي (علم الثورة) وحسب بعض الأسرار التي كشفت كان من المفترض أن يعد جواز سفر أخضر لدويلة لساحل .. وجواز سفر أحمر لدويلة حلب .. وجواز سفر أسود لدولة دمشق ..
2 واما القبول بمملكة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للمطوعين الوهابيين في بلاد الشام أي أفغنة البلاد وحكم طالبان .. بلاد الشام التي قدمت المعروف والجميل لكل الشرق هل يمكن لأحد في الكون أن يعلمها المعروف؟.. بلاد الشام التي حاربت كل المنكر من الخيانة والاستسلام والرذيلة الوطنية .. يراد لها أن تتعلم معنى المعروف والمنكر..
3- القبول بالصفقة المطروحة بين الكواليس
ان الخيار الأول كان الخيار الذي حضرت له مرحلة بابا عمرو .. وبتحطيم نقطة الانطلاق في بابا عمرو انهار هذا الخيار وانهارت أجوزة السفر وألوانها .. أما الخيار الثاني فلا يعتقد أنه قابل للحياة في بلاد الشام لاعتبارات ثقافية قوية في بلاد ولد فيها القوميون والليبراليون العرب ونمت فيها نهضة فكرية وفيها نهض أول مسرح عربي .. في بلاد كهذه فانه يستحيل قبول الوهابية كحالة نقيضة للثقافة والابداع .. والوهابية طارئة ومرورها سريع في المجتمع السوري ولاتمر الا بالارياف الفقيرة ذات الانتماء الديني المتزمت الشبيه الى حد ما بالوهابية..
لكن الخيار الثالث هو مابقي وهو كما يقال سلة واحدة يريد بها أوباما انهاء الصراع العربي الاسرائيلي في آخر حلقاته ليكون الرئيس الأمريكي الخارق في التاريخ الامريكي وتاريخ العالم .. أوباما يقترح كما يتسرب أن يتوقف الدعم الغربي للمعارضة السورية قطريا وسعوديا وتركيا وسحب مسلحيها نهائيا على أن تقبل سورية (بضمانة روسية تحدد لاحقا) بما لم يقبله الرئيس حافظ الأسد أي تجاهل وديعة رابين وتوقيع اتفاقية سلام مع اسرائيل من دون متر الماء على شاطئ طبرية الذي أصر عليه الراحل حافظ الأسد اضافة الى حقوق اسرائيلية محددة بمياه الجولان يتفق على حصصها بين الطرفين .. وأن تعاد مزارع شبعا الى لبنان مقابل أن يتعهد الايرانيون (وبضمانة روسية أيضا) بالزام حزب الله بالاتفاق أو على القبول بهدنة لمدة 25 عاما قابلة للتمديد 25 سنة في كل مرة دون الزامه بسلام موقع مع اسرائيل .. ويربط البعض بين هذه الصفقة وبين الزيارة التي قام بها الرئيس بوتين لاسرائيل وطرح فيها كلاما شبيها لم يفصح عنه في حينه .. ولكن يقال ان السوريين ردوا على هذا الاقتراح بأن وديعة رابين هي الأساس فيما أصر الاسرائيليون -من منطلق الشعور بالقوة بسبب الأزمة السورية - على تعديلات هذه الوديعة..
واذا نجح أوباما بذلك فسيكون قد أرغم السوريين القلقين من مشاريع الصوملة والعرقنة والأفغنة على السلام مع اسرائيل بشروط تميل لصالح اسرائيل .. وباستئصال سورية من الصراع لاتعود ايران تشكل خطرا على اسرائيل ولاحتى حزب الله .. فماذا تساوي تهديدات ايران أو حزب الله من غير سورية؟ .. ولذلك ستجد ايران نفسها أكثر ليونة فيما يتعلق ببرنامجها النووي ..
الخيار السابق يعرض على مايبدو في الكواليس على أنه الاتفاق الرئيسي الذي يجب أن يتبلور في الربيع .. أما النقاط الجانبية في الصفقة فهي 1- تثبيت الحدود السورية التركية كما هي الآن وفيها تنازل نهائي عن المطالبة بلواء اسكندرون (وورد هذا صراحة على لسان رياض الشقفة مرشد الاخوان المسلمين السوريين وهو من حيث لايدري وقع في فخ أمريكي لأن قبول النظام بالصفقة في جانبها التركي ولواء اسكندرون لن يكون محرجا له لأن القوة المعارضة الرئيسية الاخوانية سلمت بذلك ولم يعد بامكانها التشنيع عليه بذلك) ... 2- والقبول الامريكي ببرنامج ايران النووي شريطة خضوعه للتفتيش المفاجئ من قبل وكالة الطاقة الذرية الدولية دون انذار السلطات الايرانية .. فيما سيتم تراجع الدرع الصاروخية الأمريكية من حول روسيا في حدودها الجنوبية مع ابقائه في أوروبة دون تغيير ..كنوع من الانفراج بين الروس والأمريكيين..3- ضمان حصة أمريكية جيدة في اعمار سورية لمساعدة الاقتصاد الأمريكي..
البعض قال ان اسرائيل ليست في وضع ضعيف كي تقبل بالصفقة والهبوط عن هضبة الجولان .. لكن المفاجأة التي ظهرت هي أن القيادة العسكرية العليا لاسرائيل وبعد حرب غزة قدمت تقريرا خطيرا الى رئاسة الوزراء الاسرائيلية وهي التي تسببت في النهاية السياسية المفاجئة لايهود باراك الذي اتهم بالتقصير في رصد التطور لدى الطرف الآخر وهو العدو الشمالي ..سورية .. وبالذات التطور النوعي في سلاح الصواريخ لدى العدو السوري والايراني .. وقد قال التقرير بأن الصواريخ ذات الحجم المتوسط التي سقطت في اسرائيل والتي فشلت القبة الحديدية في تحديدها أو اسقاطها كانت كلها من الصناعة والتطوير السوريين (معهد التقنيات والبحوث الصاروخية والذي يقال بأن من أشرف عليه شخصيا هو الشهيد اللواء زغيب بالتنسيق مع الصناعات العسكرية الايرانية والذي اغتالته التنظيمات المسلحة مع عائلته مؤخرا في سورية).. وقال التقرير ان نسبة الصواريخ السورية (التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية) والتي اخترقت القبة الحديدية كانت 100% .. وكانت النتيجة التي خلص اليها التقرير العسكري الاسرائيلي بأن الأسد الآن قد اختبر قدراته الصاروخية وهو لاشك سعيد جدا بنتيجة الاختبار رغم منغصات الأزمة السورية .. والأهم أن الأسد اختبر القبة الحديدية وتبين له أنها فقاعة صابون لاتضر ولاتنفع وهذا سيعرض اسرائيل لشهوة المغامرة من قبل الأسد اذا لم يسقط الأسد بسرعة ... والعبارة حرفيا كما نقلت عن التقرير هي: اذا لم يسقط الأسد فتسقط صواريخه علينا قريبا ورأسنا بلا خوذة .. ويعزو البعض الضجيج المثار حول الأسلحة الكيماوية السورية على أن القصد منه كان تهديد الأسد بملف خطر اذا مافكر في المغامرة واغراءات التفوق الصاروخي على القبة الحديدية أو فقاعة الصابون كما صار مهندسو الصواريخ السورية يسمونها الآن..والذين وفي ذروة الأزمة السورية كشفوا عن تصنيعهم لصاروخ جديد فيه المزيد من الميزات الاضافية ..
وحسب تقارير وتسريبات تتمتع بدقة "ليست بالقليلة" ويمكن وصف درجة اطلاعها بالجيدة فان الرئيس الأمريكي قد تم ابلاغه بتلك الخلاصة في التقرير الاسرائيلي .. ووجد أوباما أن في ظروف استحالة تغيير النظام السوري فان بامكانه الآن أن يفرض صفقة على كل الأطراف .. فالسوريون في ضيق وحصار .. والاسرائيليون في قلق من نوعية الصواريخ السورية والايرانية التي تم اختبارها والتي قد تغادر منصاتها جنوبا في لحظة حاسمة .. والروس لايريدون مغادرة الشرق الأوسط بخسارة .. والايرانيون يريدون الخروج من عنق زجاجة البرنامج النووي .. فلتكن اذا صفقة الصفقات .. ويكون أوباما الرئيس الأشهر في التاريخ باغلاق ملف الشرق الأوسط واسكات أزماته .. وهو يرى أن السوريين صاروا أكثر جاهزية للقبول بتسوية لأنهم صاروا مجردين من السلاح الديبلوماسي المسمى (القضية الفلسطينية) .. فالعرب الذين مدحوهم عقودا جاهروا بمواقفهم بل وجاهروا بصداقة عظيمة لاسرائيل حتى الاسلاميون والاخوان المسلمون .. كما أن تركيا والعالم الاسلامي صاروا ضدهم .. والأهم -كما يعتقد الأمريكيون - أن الفلسطينيين جميعا لم يعودوا معهم لأن الكتلتين الفلسطينيتين الرئيسيتين في الساحة السياسية الدولية هما فريق عباس وفريق حماس .. وقد وقع الفريقان في مصيدة التسوية والمحفظة المالية الخليجية ..فلم يعد السوري ملاما ان قال بأن قضية فلسطين ليست ملكا له بعد اليوم لأنه كان يقولها بحجة أن حماس في أحضانه .. فكيف يقولها اليوم وحماس في عدة أحضان؟؟ ومن سيلومه ان اكتفى بالجولان ..
ولذلك قرأ البعض تصريحات السيد فاروق الشرع بأنها أول اعلان غير صريح عن احتمال وجود مفاوضات قد تنتهي بتنازلات سورية "مؤلمة" في موضوع الصراع العربي الاسرائيلي .. فالاشارة الى أن طرفي النزاع "في سورية غير قادرين على الحسم" ربما يعني التمهيد للرأي العام العربي والسوري بأن المعركة يجب أن تنتهي باتفاق "اقليمي" تاريخي وهذا ماورد بشكل خاطف في تصريحاته التي تلت تصريحات بوغدانوف الملتبسة ..
البعض رأى في عدم قبول السوريين بهذا العرض الذي وصف بالسخي أنه قد يعني أن منع تقسيم سورية هو المعركة الأساسية التي خاضها السوريون .. وهي معركة أهم من معركة الحفاظ على أي نظام ..لكن المعركة الآن هي على دور سورية القادم في الشرق الأوسط من غير قضية فلسطينية ..
ويرى بعض الخبراء أن السوريين قد يقبلون بالصفقة لأن مجرد القبول بتنازلات داخلية مثل ادخال الائتلاف الوطني أو الاخوان المسلمين في أية صيغة داخلية هي وصفة للموت البطيء للمجتمع المدني السوري وللدولة السورية الكبيرة القوية .. لأن هذه التنظيمات والمكونات السورية صار جليا أنها مخترقة بشكل كثيف بسبب التحالفات المعقدة الخارجية التي التحقت بها في معركتها لكسب السلطة .. وبالتالي فان وصولها الى أية صيغة تقاسم سلطة يعني وصول الأطراف الخارجية لأول مرة الى داخل الحكم السوري والتدخل فيه وتحوله الى فرق سياسية لبنانية متناحرة (نسخة 8 آذار و14 آذار السوري) .. أي نهاية الدور الرئيسي لسورية ونهاية أية قدرة تفاوضية مستقبلا حول الجولان أو اسكندرون ..بل ووجود أطراف سيكون لها دوما مطالب خارجية .. وهذا لم يعد خافيا فقد ظهر في تعهد أحد مكونات الائتلاف السوري المهمة في جلسة سرية في قطر برعاية أمير قطر باعادة رفاة الجاسوس الاسرائيلي ايليا كوهين وبالبحث عن مصير الطيار الاسرائيلي المفقود في لبنان (آرون أراد) والذي هبط بمظلته في حرب لبنان عام 1982 وكان معتقلا لدى منظمات موالية للسوريين قبل أن يختفي نهائيا .. وهذه كما وصفها المعارض السوري البارز وبحضور (النعجة حمد بن جاسم) ستكون أول بادرة حسن نية تجاه السلام مع اسرائيل ..
وهذه الرسائل الودية وحسنة النية بالطبع طلب اسرائيلي لكن هذا المكون السوري المعارض تبناه بذريعة اظهار النوايا السلمية ..والغريب جدا أن السوريين قد نقلت لهم رسالة عن طريق طرف ثالث بأن رفاة ايليا كوهين يمكن أن تقبل من قبل اسرائيل كثمن تدفعه سورية مقابل تسليم رأس معارض مهم جدا خاصة أن الاسرائيليين قريبون جدا من قيادات المعارضة في تركيا .. وهذا الطرح يكشف أن الاسرائيليين يلاعبون كل الأطراف لكنهم يعرفون أن لاأحد يقدر على اعادة رفاة كوهين الا الحكومة الحالية لأنها هي نفسها الحكومة القادمة .. واسرائيل لاتمانع في بيع بعض الرؤوس المعارضة مقابل رفاة ايليا كوهين كرمز يهودي وطني ..
ان ماخسره السوريون في هذه المعركة ليس بالقليل .. لكنه في مقاييس الربح والخسارة هو الربح بعينه لأن الاستسلام لالقاء البلاد لقمة سائغة للفوضى كان سيعني أن تحلّق أرقام الضحايا بشكل فلكي .. فبعض تقديرات الاحصاءات في الأمم المتحدة تقول ان انهيار النظام كان سيرفع عدد الضحايا الى 350 ألف قتيل في عام واحد فقط .. وتفسير ذلك هو أن الغاية الرئيسية من اسقاط النظام كانت هي تقسيم البلاد .. وتقسيم أي بلاد لايتم الا برسم الحدود الجديدة بالجثث والمجازر والضحايا .. وحدود الدويلات الجديدة تحتاج مئات آلاف الجثث كي ترسمها حدودا جغرافية ونفسية .. ولذلك كان القتلة من الاسلاميين بغباء منقطع النظير يقومون بتصوير عمليات القتل والاعدام والتعذيب الوحشي بحجة القاء الرعب في قلب العدو من منطلق (ترهبون به عدو الله وعدوكم) ولفصل المجتمع السوري نفسيا .. لكن الدماغ المفكر في الغرب الذي قدم هذه النصيحة الاعلامية للاسلاميين السوريين كانت غايته تقطيع العقل السوري الواحد الى عدة عقول وضمائر فيحصل الرفض المتبادل من كل الأطراف وتتقسم النفوس .. ويصبح الانفصال الجغرافي عن الآخر ملحّا لأن بين الناس دما ومناظر القتل ..وهكذا نشأت كل الدول والحدود التي تحرسها ذاكرة الموت والمذابح والمعارك وتسيجها الجثث ..
وفي قراءة بعيدة للمستقبل كما صار يتردد في مناقشات غربية علنية فان هذه الوثائق المصورة بيد (الثوار الاسلاميين السوريين) ستفيد يوما لتكون هذه المشاهد العنيفة والدموية للاسلاميين مادة فعالة جدا عند قرار اقصائهم من قبل الغرب واستعمال العنف المفرط بحقهم وابادتهم بلا رحمة عند أي دخول غربي الى أي بلد شرقي (وبالذات مصر وسورية) .. فستقدم هذه الصور التي يقومون بتصويرها بأنفسهم (في سورية) الى العالم دليلا على فقدان التنظيمات الاسلامية للسلوك الانساني والرحمة ودليلا على همجيتها .. تماما كما صار الغرب يقدم صور انتهاكات حقوق الانسان في عراق صدام حسين فقط عندما قرر هذا الغرب تحرير العراقيين رغم امتلاك الغرب لها منذ سنين طويلة .. وكذلك فان هذه الوثائق ستسهل التخلي عن الائتلاف السوري عقب أي اتفاق التي ستعمل وسائل الاعلام العالمية على ترويجها لاعادة الرأي العام الغربي الى القبول بالأسد ونظامه بعد حملة التحريض ضده ليظهر على أنه كان يقاتل تنظيمات متوحشة .. ويعود الحكم السوري الى الساحة كما عاد القذافي من بعد قصة لوكربي الطويلة..
وان كنا خسرنا في سورية مخزونات "بيت المونة السوري" والكثير من الشهداء في هذا السفربرلك فهذا لايقاس بالاحتفاظ بالبيت السوري الواسع الذي تهدم بعضه في السفربرلك الأول .. خسائر المال والبناء والخراب لاتقاس ولكن يمكن استعادتها بسرعة خاصة اذا ماتم استثمار مكتشفات حقول الغاز قبالة السواحل السورية .. لكن من سيعيد بناء خارطة سورية اذا ماتشققت بالفوالق والشقوق المقدسة التي ترسمها الأمم المتحدة وشياطينها؟؟
في الأمثال هناك مثل يقول "فلان أحمق من جحا" .. وهو يقال عن شخص لايضاهى في حماقته الخارقة .. لكن الثوار السوريين هم الذين تربعوا على عرش الحماقة .. وترجل جحا عن عرش ذلك المثل ليجلسوا مكانه بجدارة .. وصارت النسخة الجديدة للمثل تقول (أغبى من معارض سوري) .. فاذا قيلت هذه العبارة لأحد فانها تعني منتهى الاهانة والانحطاط الفكري لان التجربة السورية أثبتت أن أغبى أنواع المعارضين هو المعارض السوري ..
فمن يعيد تلخيص الأحداث السورية يجد أنها مرت بمراحل .. وكانت كل مرحلة وان تغير شكلها وملامحها تمر بنفس التفاصيل المتكررة بترويج التدخل العسكري .. وتصل الذروة ببشائر تغير الموقف الروسي وانهيار النظام في أيام .. وفي الحقيقة صرنا محرجين جميعا من مستوى البلاهة السياسية لجمهور المعارضة السورية الذين ومنذ سنتين يعيدون اجترار نفس المقلب ولايتعلمون ..ويخرجون من حفرة ليسكنوا حفرة أخرى أعمق .. وصارت عملية احصاء عدد المرات التي زفت المعارضة أخبار التدخل العسكري عملية مرهقة وصعبة .. منذ أيام نداءات الحماية الدولية والتدخل الدولي ..حيث ألبس أردوغان ثياب الحرب عشرين مرة .. ووقف على الحدود خمسين مرة ..ونفذ صبره مئة مرة .. ولقم مسدسه العصملي ألف مرة .. وكانت خطط التدخل الناتوي بتفاصيله المملة توزع مجانا وكأن التنسيقيات وجنرالات الجيش الحر الذين يتحدثون كضباط الحلفاء في الحرب العالمية يجلسون مع العقول العسكرية للناتو وينقلون محضر الجلسة وشيفرات الخطة واحيانا ساعة الصفر ..
ومع كل مرحلة كان يقدم لنا نفس سيناريو الفصل الأخير .. فآخر فصل فيها عادة يكون للروس فيها نصيب من نمط ترويج تصريح روسي يروج له وتسريبات لانعرف من أي أنبوب تتسرب بأن الروس يتغيرون ..أو سيتغيرون ..أو تغيروا .. لنكتشف أن الحمقى الثورجيين صدقوا ونزلوا الى مراقص الساحات ورقصوا لمجلس الأمن ونسفوا وفجروا .. فيكافئهم الأمريكي بعروض وصفقات مع النظام ... ومن أجمل كلام الغزل الذي يقوله الأمريكيون في عملية تناوب الأدوار مع الفرنسيين عبارات صرنا نحفظها عن وجه قلب وهي (كل الاحتمالات على طاولة الناتو) .. (العمل العسكري ليس مستبعدا) (تتم تحضيرات سرية لعملية الغزو) .. (النظام يفقد سيطرته بسرعة وهناك عملية عسكرية على الطاولة) ثم تتم عملية سحب هذه التصريحات بتصريحات مناقضة ..
السذج المعارضون مثل ثيران المصارعة كلما لوح لها المصارع بالخرقة اندفعت .. وناطحت الهواء والقماش والخروق وهي تكبّر .. ولم تنفع كل النداءات والنصائح للثيران الثورية أن مايلوح لها هو الخروق .. خرقة حمراء تسمى سقوط النظام ..
وبرغم كل هذه التنبؤات فهناك البعض ممن يتخوف من أن يقلب السوريون الطاولة بما فيها في آخر لحظة ..أو أن يحدث شيء خارج كل الحسابات .. لأن السفربرلك السوري الأول كان اعلانا لنهاية مرحلة اقليمية ونهاية لخارطة قوى اقليمية قديمة .. وربما يكون السفربرلك الثاني سببا في خرائط جديدة لدول تشرف على السفربرلك السوري.. ..
والسوريون شهيرون بقلب الطاولات في ذروة الأحداث
أعمدة الحكمة الثلاثة.. والعمود الرابع .. وأيام القيامة
الخميس 2012/12/20 SyriaNowكلما سئم القلم وتضجر من رفقة أصابعي والتصاقها الحميم به .. زجرته الأصابع ..وأخذته الى الخدمة الالزامية على الورق وعلى حدود الأرق .. ولولا المشقة والعار ولولا خوفي من أن تصفعني أصابعي لاهانتها لوصفتها "بجبهة النصرة" لكثرة ماساقت من الأقلام وسفحت حبرها ونزيفها على نطوع الورق .. ولكن من غير ذلك التكبير المقيت على الذبائح البشرية..
وكلما تعبت أصابعي من رقصها على مفاتيح الحروف وسمعت لهاثها .. زجرها قلبي ووبخها عقلي وذكّرها أنها في حالة استنفار .. فأصابعي لاتعصي أوامر عقلي .. وهي لا تخضع لحكم "المرشد" .. وأصابعي ليس لها ولي فقيه معصوم الا قلبي ..
فهذا زمن يرتزق فيه الكلام ويمارس التسول ويتعرى أو تعرض فيه كلمات الاغواء في المؤتمرات السياسية للمعارضات العربية كبائعات الهوى .. كلام بلا كرامة يلبي كل الدعوات والولائم المجانية وحفلات القمار والرقص الخليع والحفلات الاباحية القاصفة .. وقد يلبس العمامات ويتربص بنا في كل مكان ليغتال بكواتم الصوت كل المصطلحات العظيمة التي تتجول بأمان في شوارع الذاكرة منذ الطفولة الاولى .. الكلام القبيح الوقح انفلت من كل عقال وصار يحمل السلاح ليمارس السلب والنهب في مخازن الذاكرة .. الكلام الفاجر الذي يصافح أصدقاءه العظماء في تل أبيب أو يقف على حدود ادلب وينتظر شارون صار يغتصب عذارى الأفكار ويذبح الكلام الذي زرعه الآباء والأجداد ويقطع شجر النخيل والزيتون .. وصار يصوب الرصاص نحو "جسد الوطنية" ونحو "الوفاء" كيلا يبقى في الوطن الا الخيانة والطوائف .. وظلال الناتو..وابتسامة شارون اللعينة الشامتة على حدود ادلب ..
وفي هذه الأجواء الرديئة سأعلن الأحكام العرفية في المقالات وسأطلق كتائب مغاوير الكلام وكوماندوس اللغة في طرقات البيان .. لتعتقل كل العراة وكل بائعات الهوى واللذة المحرمة .. ولتجندل كلمات الخيانة رميا بالرصاص .. ولتقيم المحاكم الميدانية وتعلق المشانق في ساحات الورق لكل الكلمات التي ترتكب الخيانة العظمى والفساد الأكبر .. وفي أقفاص الاتهام ستقف كل مفردات الربيع ومفردات الحرية وحقوق الانسان ومفردات الثورة وحكم الشريعة .. وستهدم كل أعمدة الحكمة التي رفعها الثوار .. فكل محاكمي الميدانية محاكم عسكرية .. لاتقبل الطعون .. وأحكامها نافذة ..وفورية..فهل تشاركونني في محاكمي .. وهل تشاركونني في هدم أعمدة الحكمة الثورية ؟؟..
منذ مئة عام كما تعلمون قامت ثورة لورنس العرب الذي كتب كتابه الشهير (أعمدة الحكمة السبعة) الذي يتحدث فيه عن الثورة العربية ضد الأتراك ويرسم نموذج الادارة السياسية للمجتمعات العربية الناهضة و "المتحررة" .. واليوم تسير ثورة معاكسة يقودها الأتراك وأبناء لورنس .. وتنهض من ثناياها عباءة لورنس العرب وأعمدة حكمة جديدة .. فما هي أعمدة الحكمة الثورية التي تستند اليها الثورات العربية التي نجحت في مصر وتونس وليبيا وهي التي ترفع مشروع الاستعمار الجديد في سورية؟؟ .. ان أعمدة الحكمة الثورية السبعة هي:
الناتو صديق العرب الجديد
الروس والايرانيون أعداء العرب الأزليون
الاسلام دين العنف وحكم الشريعة قدر وحتمية
الوطنية والعروبة كفر
السلام مع اسرائيل ضرورة حتمية
افراغ الشرق من تعدده الديني حتمي
نهاية قضية فلسطين صارت حتمية .. وآخر مراحلها وصل مع وصول خالد مشعل الى غزة ..ومقاتلي حماس الى مخيم اليرموك بدل مخيم جنين
ومن تابع الازمة السورية منذ بداياتها الأولى يلاحظ أن خيمة المعارضة السورية التي جمعت تحتها العربان والأمريكان وسقتهم القهوة العربية دما من شراييننا وعزفت لهم أوبرا (الشعب يريد) وسيمفونية (الله أكبر) الحمراء .. يلاحظ أن هذه الخيمة نهضت كغيرها على أعمدة الجكمة السبعة الثورية السابقة وربطتها بأوتاد المزاعم الكثيرة .. ولكنها وبسبب عاثر حظها تأرجحت وسمع الجميع صوت تقصف أعمدتها .. فأضاف الثورجيون ثلاثة أعمدة كبرى لتبقى هذه الخيمة منتصبة وسط هذه الصحراء لاستراحة الغزاة .. فتعالوا معي الى داخل هذه الخيمة لنقترب من هذه الأعمدة الضخمة الثلاثة الاضافية لنرى ان كانت غائرة ومنغرزة في الأرض وثابتة .. ولنرى ان كانت هذه الأوتاد مشدودة ومتينة ..
العمود الأول هو عمود يسميه الثورجيون والعربان (حتمية سقوط النظام ان عاجلا أو آجلا) ..وهو عمود صار أشبه بعمود يوم القيامة .. ومن لايؤمن به فهو ليس من الثوار وليس من الأحرار .. فالايمان باليوم الآخر للنظام السوري هو أحد أركان الايمان الثوري .. ويسمى اليوم الآخر في أدبيات الثورة (ساعة الصفر) .. ويوم القيامة السوري أيضا لايختلف عن يوم القيامة الذي يهدد به الثورجيون ويصفون أهواله وأيام الحساب والعقاب .. وصار العالم برمته ينتظر قيامتين .. القيامة التي تنتظر الانسان على الارض منذ أول الخليقة .. والقيامة السورية .. ولم يعد ينافس قيامة الله الا يوم القيامة السورية لكثرة المبشرين به وبعذابه وحتميته القدرية .. وكما تحدد كل الثقافات الانسانية يوم القيامة الموعود في مواعيد محددة وموعودة منذ آلاف السنين .. فان يوم القيامة السوري دخل في نفس الطريق من النبوءات والمواعيد ..ساعة صفر بعد ساعة صفر بعد ساعة صفر .. ولايزال كهنة الثورة يحددون ساعات الصفر .. وماأكثرها .. ويفجرون شوارعنا ومقاهينا ومدارسنا .. فيما نحن نفجر أيام القيامة تحت أقدامهم .. هل هناك أجمل من تفجير أيام القيامة ونسفها على تخوم دمشق وحلب؟؟ ولذلك فان هذا العمود مخلخل ويترنح .. وسيسقط على رؤوس من يقف بجانبه أو يمسك به ليمنعه من السقوط .. فابتعدوا قليلا أيها الواقفون في ظلاله فانه يتمايل .. وسيهوي على رؤوس كثيرة ..وقد أعذر من أنذر..
أما عمود الحكمة الثاني الذي تتكئ عليه خيمتنا الثورية فهو (حتمية تحرك الناتو ان عاجلا أم آجلا)..ولكن الحقيقة التي يجب أن تقال هي أن الجيوش الوحيدة التي تفوقت على الجيوش العربية وفرسانها في عملية الاستعداد لمعركة التحرير ..هي جيوش الناتو!! .. فالجيوش العربية تستعد لتحرير فلسطين منذ قرن تقريبا ولم تتحرك حتى هذه اللحظة رغم كل الوعيد بــ (الغضب الساطع آت) ..
الناتو يهددنا ويتلصص على حيطاننا ويسبح قبالة شواطئنا ولم يحرر شيئا للأحرار .. ويمكن القول بثقة متناهية تماما أن الناتو أكثر سوءا من جيوش العرب وأكثر ثرثرة من كل جنرالات الشنبات العربية .. وكذلك فان احتمال دخول الجيوش العربية الآن الى فلسطين هو أكثر احتمالا من تحرك الناتو نحو دمشق .. فعندما تتحرك جيوش محمد مرسي الجرارة وجيوش عبد الله الثاني وجيوش أبو متعب وجيش الفيلد مارشال حمد بن خليفة وجيوش الباشا أردوغان وجيوش المجاهدين والقاعدة لتقتحم تل أبيب فالرجاء ابلاغي لأجهز نفسي للقاء الناتو على حدود دمشق .. ولايحضرني هنا سوى مثال من مسلسل وادي المسك للفنان دريد لحام الذي كان يلعب دور الدجال الذي يعد الناس بوصول (الشحن) من بلاد الغربة .. ومضى المسلسل والدجال يردد (الشحن لم يصل بعد).. وانتهى المسلسل .. والشحن لم يصل بعد ..ونحن سنقول (والناتو لم يصل بعد)..
وأتذكر اليوم حادثة موجعة عندما استنجد فلسطيني التقى بالملك عبدالله (جد الملك عبدالله الثاني) وقال له ملتاعا: أنجدنا ياجلالة الملك فاليهود أخذوا قريتنا بالأمس .. فوعده الملك باستردادها فورا وقال له مطمئنا : أبشر .. أبشر .. وفي اليوم الثاني كانت البشرى هي أن اليهود استولوا على 16 قرية عربية أخرى .. ولذلك استميحكم في أن أسمي عمود الحكمة الثاني منذ اليوم (عمود البشرى) لأن المبشرين بالناتو في كل اللقاءات يسمعون عبارة ابشر ابشر (بكل لغات الناتو)..
أما العمود الثالث الذي يرفع مؤخرة الخيمة فهو عمود (تغير الموقف الروسي ان عاجلا أو آجلا) .. والحقيقة أنني صرت أشفق على الروس وعلى أعصابهم من كثرة الالحاح عليهم بهذا السؤال بالرغم من أن الروس قالوها بالفم الملآن ..وبكل اللغات وعبر سفنهم وشحنات سلاحهم .. وأنهم لن يتغيروا لأسباب تخص أمنهم القومي الى حد كبير .. ونقل عن أحد الديبلوماسيين الروس الذي لم يعد قادرا على ممارسة الصبر الديبلوماسي واستفزه أحد الدببة العرب عندما سأله عن حقيقة موقف روسية النهائي فقال له: لم نعد ندري بأية لغة نقولها .. ولم نعد نعرف اي المفردات هي التي يفهمها عقل العرب .. هل آذان العرب من نوع نادر ولاتسمع الا الترددات فوق الصوتية كآذان الخفافيش؟؟
ويعتمد العمود الثالث على مقولة غريبة لاتنسجم مع منطق التاريخ بل انها تزور التاريخ بكل وقاحة وصفاقة .. وهذه المقولة تقول ان الروس معروفون بالانقلاب على الحلفاء .. وأنا لست محاميا أدافع عن الروس لكن من حقي قرع الرؤوس الفارغة حتى يسمع الجميع رنينها كالأواني الفارغة .. ولاأدري من أين جاءت هذه المقولة وعلى ماذا استندت.. وأزعم ان من روّجها هو الرئيس الراحل أنور السادات عندما قرر الانتقال الى الضفة الامريكية فطرد الخبراء الروس بشكل مفاجئ بحجة ترددهم في تزويده بالسلاح بالرغم من أن البعض وجد تردد الروس مبررا لشكوكهم القوية تجاه تحولاته المريبة وخاصة بعد تشدده مع الاتجاهات الشيوعية واطلاق العنان للتيارات الاسلامية .. لأنه كان الرئيس المؤمن الذي انتهى كما كل المؤمنين في دار أميريكا المؤمنة ..
لكن من يراجع هذه المقولة عن الروس ويأتي بها الى المحاكمة يجد أنها تحتاج انصافا ومراجعة حقيقية واعادة اعتبار .. فالروس لم يتغيروا مع حلفائهم طوال عقود الصراع مع الغرب والتغيير الوحيد الذي بدا عليهم هو الذي سبق وتلا فترة البيريسترويكا وانهيار الاتحاد السوفييتي وهذا طبيعي .. أما الحقيقة الصادمة والمثيرة للسخرية فعلا فهو أن من له تاريخا حافلا بالتغيرات والتقلبات والبهلوانيات والبيع والشراء في سوق السياسة هم الأمريكيون أنفسهم.. وهم أكثر من طعن حلفاءهم في الظهر والبطن والخاصرة والصدر .. وأكثر من يأتي الى أسواق السياسة ليقايض بأصدقائه ويتبرع بأعضائهم .. والأمثلة كثيرة للغاية ..
فهل نتذكر حكام سايغون الفيتناميين الذين كان رجالهم يتعلقون بعجلات طائرات الهليكوبتر الامريكية وهي تغادر السفارة الأمريكية في سايغون فيما يدفعهم الأمريكيون عنها في مشهد خالد لاينسى؟؟.. فقد تركهم الامريكيون لمصيرهم.. ليفرّ العملاء والحلفاء الفيتناميون بعدها الى الغابات التي لايزالون يعيشون فيها حتى اليوم كالبدائيين مع عائلاتهم من غير أدنى متطلبات الحياة الانسانية ولايجرؤون على الاطلال على حدود الغابات لأنهم سيعاملون كعملاء الأمريكان والخونة مثل لاجئي المخيمات التركية والأردنية واللبنانية الذين يجب أن يبقوا فيها كما فيتناميي سايغون .. فهل تريدون المزيد؟؟
هل نذكر نورييغا حاكم باناما القوي وحليف الأمريكان الذي انتزعوه من ملجئه في السفارة البابوية وزجوا به في السجن بتهمة الاتجار بالمخدرات؟؟.. وماذا عن عدنان مندريس التركي الذي انتهى مشنوقا؟ وماذا عن حاكم جورجيا ساكاشفيلي الذي اجتاحه بوتين ولم تحرك الولايات المتحدة ساكنا لنصرته رغم ان شرايينه أمريكية..؟؟ وهل نذكر تحالف الولايات المتحدة مع الرئيس الراحل صدام حسين لمحاربة ايران والذي زاره دونالد رامسفيلد بنفسه في بغداد ليبيعه السلاح الكيماوي.. ثم عاد وعلقه مشنوقا في بغداد بحجة استعمال السلاح الكيماوي؟؟ وماذا عن حسني مبارك ؟ وماذا عن زين العابدين بن علي رجل الغرب القوي في تونس الذي ماكاد يرحل حتى تزوجت أميريكا من خليفته قبل انتهاء عدّتها (كأرملة ديكتاتور) .. وأعلنت زفافها على العريس الجديد "راشد الغنوشي" وأنجبت منه ابنا جميلا هو الأبله المرزوقي؟؟ وماذا عن الزعيم القذافي الذي اعتقد أن لاميريكا امانا فغازلها ولو مكرها؟؟ وماذا عن الراحل ياسر عرفات؟ ألم يجلس عرفات مع حكام البيت الأبيض واحدا تلو الآخر محاولا الوصول الى وعد الدولة المفقودة وانتهى سجينا في مكتبه لعامين كاملين يقرأ تحت أضواء الشموع تحت سمع أميريكا وبصرها؟؟ ..هل تريدون المزيد؟؟ هل نذكركم بحلفاء أميريكا في لبنان سابقا الذين تركتهم أمهم تحت رحمة الرئيس الراحل حافظ الأسد عندما احتاجت بيع ممتلكاتها ودكاكينها وبضائعها اللبنانية بالجملة.. وعرضت حشمها وخدمها بتنزيلات من نوع اشتر واحدا وخذ الثاني مجانا !!! .. وهل نذكر أسامة بن لادن وقاعدته .. ألم يبدأ حليفا وانتهى مدفونا في المحيط ..ولم يستحق من حلفائه حتى قبرا في الصحراء..
هل تريدون القائمة الافريقية؟ وهي طويلة للغاية .. أعتقد أن متابعة التعداد مرهقة .. لكن الأكثر فائدة هو تعداد القائمة القادمة التي باتت تنتظر دورها باتجاه سلة المهملات الأمريكية حيث المنتجات (منتهيات الصلاحية) .. تذكروها جيدا وهي طويلة أيضا .. ولكن أشهر وأول الواصلين الى السلة هو رأس خالد مشعل ورأس حماس .. انني أرى أعمدة الحكمة السبعة تهوي رويدا رويدا .. وأحدها يسقط مباشرة على رأس الخائن خالد مشعل ..أراهن بعمري على ذلك ..
فلاتغرّنكم هذه المؤتمرات وحفلات الصخب والاعتراف والتحالف.. فالأمريكيون سادة النصب والاحتيال وحفلات التعارف المفخخة .. ونقطة ضعفهم هي العناد ضد كل قوانين الطبيعة حتى قوانين الجاذبية .. وهناك نكتة غربية تلخص ماأعني وهي تقول:
في سياق الحرب الباردة بين الروس والأمريكيين وضمن برنامج السباق الى الفضاء كانت هناك معضلة حقيقية في تدوين الملاحظات والمكتشفات والرسائل بين رواد الفضاء لاعادة البيانات الى الأرض .. وذلك بسبب انعدام الجاذبية في الفضاء حيث لاينزل الحبر من الأقلام لأنه يصعد للأعلى .. فصمم العلماء الامريكيون قلما خاصا الكترونيا وجهزوه بتقنية ليزرية وبرنامج حاسوب معقد وشرائح شمسية دقيقة لمعاكسة قانون انعدام الجاذبية.. وقد بلغت كلفة تصنيع القلم عشرة ملايين دولار .. لكن رواد الفضاء الروس صعدوا ببساطة الى مركباتهم الفضائية وهم يضحكون من الاختراع الأمريكي فقد ردوا على ذلك الاختراع وتجهزوا جيدا .. بأقلام رصاص..ونفذوا مهامهم بنجاح ..
هذه نكتة غربية واعتبرت يوما احدى أشهر عشر نكات في الغرب .. وتعكس حقيقة القناعة أن الطريقة الروسية في معالجة الأمور شديدة البساطة وفعالة جدا أمام عقلية الأمريكي الذي يحشد لأية معضلة المال والعناد لقوانين الطبيعة .. يعاندون حتى قانون الجاذبية وانعدام الجاذبية ..فيما الروسي واقعي ويحترم الطبيعة..
القلم الذي اخترعه الامريكيون في النكتة الفضائية يشبه القلم الذي يكتبون به في الأزمة السورية .. وهذا القلم هو المعارضة السورية التي تعمل ملايين الدولارات لتزويدها بما يغلب قانون انعدام الجاذبية الوطنية .. وكل التكنولوجيا لمعاكسة قوانين الطبيعة وارغام الحبر على النزول من الأقلام بدل صعوده .. حتى أن الأمريكيين طوروه الى ائتلاف معارض وجهزوه "برأس معاذ" وماأدراك مارأس معاذ !! انه تكوين انعدام الجاذبية نفسه .. وجهزوه بشريحة الكترونية هي الاعتراف بالممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري .. ولكن السوريين يضحكون من هذا الاختراع ويفضلون استعمال أقلام الرصاص الروسية .. بهدوء وبساطة ومن دون ضجيج .. كما فعل حلفاؤهم في الفضاء الخارجي ..
المعيب والعار في المعارضة السورية وأعمدة حكمتها هو أنها تنتظر أن يتغير الناتو أو يتغير الروس أو يتغير الله ويهديهم يوم قيامة خاصا .. ولكن أين هو عمود الحكمة الأكبر الذي يجب أن ألا يغفله المراهنون .. ؟؟ وهو العمود الذي يستند اليه القرار الوطني السوري.. وبسببه لايغيّر الله موقفه .. ولاالناتو .. ولاالروس..
انه "الشعب السوري" الذي هو وحده من يجب أن يتغير لتيغير نظام الحكم .. وطالما أن الشعب السوري لم يتغير فلن ينفع انتظار يوم القيامة .. ولاعمود الناتو .. ولاالعمود الروسي ..ولاأعمدة الدنيا كلها .. والشعب السوري حسم أمره وبدأت الخيمة العربية تتأرجح في عواصف الرفض الشعبي السوري المتنامي .. وعواصف الغضب ..
الأعمدة تهوي .. ورؤوس كثيرة ستتحطم تحتها .. فابتعدوا ماأمكنكم حفاظا على سلامتكم ..وعلى رؤوسكم ..وقد أعذر من أنذر
صقور قريش السورية في حرب النجوم .. وعتاب قاس على زحل
الثلاثاء 2012/12/25 SyriaNowمنذ عامين وخبراء التحاليل السياسية يطلون علينا من كل النوافذ ويحلون ضيوفا ثقلاء علينا رغما عنا ليحددوا لنا مواجع النظام السوري وموالاته وأن وضعهما يشبه ركاب طائرة وطاقمها وهم يواجهون توقف محركات طائرتهم في الجو وهي تطير طيرانا شراعيا فاما أن تتحطم أو أن تحط اضطراريا في أحد المطارات الاسلامية ليقودها ذوو اللحى .. ويؤكد المعرضون بثقة اليقين أنه لاتبدو النجاة من مصائر تونس وليبيا ومصر واليمن الا حلما مستحيلا وبأن علينا أن نختار احدى طرق السقوط على النموذج الليبي أو اليمني أو يمكننا أن نختار طريقة خاصة بنا لايشبهها شيء..
وقد كانت الأيام الأخيرة من عام 2012 في حياة الأزمة السورية تشبه صفحة "الحظ والنجوم" في المجلات والجرائد والتي فيها عبارات التطمين على المستقبل وبعض التحذيرات الملتبسة والبشائر لكلا الطرفين حيث تقول الأبراج لقرائها كلاما غامضا عن حب ينتظر ومال يسقط من السماء وعن عدو يتربص بك ويندم .. ولكن أظرف قراءات للنجوم والأفلاك هي تلك التي انخرط فيها السياسيون المشتغلون على تدمير الدولة الوطنية السورية وخلطوا "عبقريتهم" السياسية بنكهات رواسب القهوة وحب الهيل ونثروا عليها بعضا من غبار الأقمار والكواكب فأسقطوا النظام السوري في شباك عنكبوت العام 2012 .. وأخذونا الى نوافذ اليقين المطلة على الزمن لنرى زحلا يمر مع عطارد كثورين هائجين من ثيران الجحيم ويهرسان النظام السوري ..
حتى عطارد والزهرة صارا ثائرين وعضوين من أعضاء المجالس الثورية والائتلافات .. وقرر زحل أن يرمي بالحلقات الشهيرة المحيطة به كالأساور ويرتدي علم الثورة السورية ويجلس الى جانب القس جورج صبرة والنبي رياض الشقفة فيما أعلن المريخ والمشتري وعطارد انشقاقهم عن المجموعة الشمسية للالتحاق بالثورة .. وأمسك تيار المستقبل بمدارات الافلاك وخطوطها المنحنية والمقوسة ولعب بالكواكب كما يلعب بكرة السلة .. ورمى برأس النظام السوري في سلة عام 2012 ..
وتدافع المنجمون وشربت الكواكب جميعا من فناجين القهوة وأمسك الجميع بيد النظام لقراءة بخته حتى أن عطارد مد يده لقراء الحظ ليقرؤوا له حظه لشدة ماأظهروه من يقين في علوم الغيب .. وكل يريد ان يسبق الى نيل شرف اعلان سقوط النظام السوري الذي صار مثل نيزك بارد انتهت رحلته ..
سهرة رأس السنة الماضية لاتنسى حيث النبوءات شربت من ماء اليقين وتنشفت من انعكاس وهج ضوء الشمس على وجه زحل ووجه المشتري وخاصة في حديث الثورة الذي قدمه لنا عضو الكنيست الاسرائيلي عزمي بشارة (سفير اسرائيل في الدوحة) الذي استهل حرب النجوم علينا .. وكان عبارة عن بيان وخطة عمل لما بعد الأسد بعد أن قام عزمي بتفتيش العام الجديد تفتيشا دقيقا كما رجال المباحث الجنائية ..وأفرغ لنا جيوب العام 2012 من الأسرار والمفاتيح ووضعها لنا على الطاولة قبل أن ينثر محتويات حقائبه على الأرض وثيابه الداخلية .. وكاد عزمي بشارة (المكلف بمهمة تجسس على عقولنا وزرع الألغام فيها) أن يمسك بشاربيه الكبيرين ويقول: سأحلق شاربي ان لم يسقط النظام عام 2012 .. لكنه لم يفعل وتمالك نفسه في آخر لحظة لأن شاربيه عزيزان على قلبه كثيرا كما يبدو .. وأعتقد أن الرجل هذا العام سيكون اكثر تعقلا- ان عاود قراءة فناجين القهوة وممارسة فن التبصير والتنجيم - ولن يقترب من شاربيه الكبيرين العزيزين على قلبه اللذين كاد يفقدهما في لحظة حماس واندفاع في حرب النجوم والكواكب ..
وأتوقع سهرة ممتعة في ليلة رأس السنة هذا العام .. لن تقل عن متعة العام الماضي وحكايا النيازك والشهب .. ولاأدري ماذا سيقول فيها ضباط حرب النجوم التائقون لالقاء الفراش في شباك العنكبوت والمستعدون .. لكنني سأبحث في وجوه المنجمين وقراء (سوء الطالع) وأحضر نفسي لأسمع الحكيم سمير جعجع وهو يعاتب زحلا بعنف ويجلد ظهر عطارد على خذلانه ويلوم الزهرة ويوبخها بعد أن حلف بدماء من قتلهم على الحواجز وبدم عمر كرامي وكل عمليات الاغتيال أنه سيحلق شاربيه ان لم يسقط النظام السوري عام 2012 ..وأنه من الممكن أن يعود الشعر الى رأسه العاري (اثر عملية انشقاق واسعة) وأن يمتلك غرة وشعرا مسبسبا لكن من غير الممكن أن ينتهي عام 2012 دون أن يكون هناك حاكم جديد لقصر الشعب .. ودون أن تسقط غرة دمشق كما سقطت غرته..
صحيح أنني لاأقرأ الطالع ولم أحاول أن أنظر في خطوط الكف لأي أحد لكنني عندما كنت أستمع لما يقال من ترهات كنت أعرف أن تلك الموجات من المنجمين ستجعل السوريين يسألون السوريين عن معنى القلق والمعارضين يسألون المعارضين كل الأسئلة عن معنى الوهم...وعندما ترى الناس يقفون على النجوم أو يسافرون اليها في مركبات الجزيرة ورواد فضائها ومركبات المستقبل والعربية فعليك أن تبقى على الأرض ... فأمام النبوءة يصمت العقلاء وتشيح السيوف ببصرها الى البعيد في شرود واحتقار .. فالنبوءات لها عقول المجانين أو حلوم الأطفال ولها طعم ورق الجرائد الصفراء..
لاتقرؤوا الطالع ولاالنازل ولاتصعدوا مراكب الفضاء وتسافروا في رحلات الوهم بل تعالوا نتجول على الأرض ونعرف لماذا لم يسقط النظام السوري ولم تحرف دعوات المؤمنين وسجودهم الطويل الذي عفّر الجباه وجعل ركبهم كركبة البعير لم تحرف كوكبا واحدا عن مساره .. ولماذا يصر زحل وأورانوس والزهرة على القفز فوق قامة الرئيس الأسد العالية .. وقامات الشعب السوري رغم جيوش الايمان..وانحناء ظهور المؤمنين الراكعين .. وسجودهم الطويل في القاهرة ..وطول دعائهم على جبل عرفات ..
أنا شخصيا مذهول من حجم الرفض لهذه الثورة والصمود الذي يبديه السوريون على مختلف انتماءاتهم لأي احتمال للتخلي عن العناد الوطني المدهش .. تحدثت مع أناس فقراء وأناس لايعرفون الا الشقاء في البحث عن لقمة العيش .. وزرت بيوتا بائسة لجنود سوريين استشهدوا .. بيوت باردة في هذا الشتاء ومن غير كهرباء.. ليس فيها الا بعض الأثاث البائس والحصر والوسائد المتهالكة وكراسي القش .. ولكن من يسكنها يجعلها كناطحات السحاب في ارتفاعها .. وكجزر أوناسيس في اتساعها .. وترى الكرامة لأول مرة بشحمها ولحمها تجلس معك على كرسي أو تتكئ على الأرائك بل وتعمل بنفسها في اعداد كأس الشاي أو المتّة أو فنجان القهوة السورية حيث لاتقدم فناجين القهوة "العربية" وحيث لايوقد الغازولين النار ولاالمصابيح انما جمر المجامر .. قبل أن تسمع عبارة ينكمش لها جسمك:
يجب أن نصبر على هذه المحنة من أجل سورية .. سورية هي كل ماتبقى لدينا من حب .. ولكنها كل شيء.. وسنعطيها كل شيء
وتعتقد أن الفقراء هم وحدهم من يعاني ومن يدفع الثمن فتمرّ ببعض الموسرين من الطبقة الوسطى والتجارية الذين لم يعرفوا طعم المعاناة يوما .. وتفاجأ أن بيوتهم باردة أيضا بسبب نقص الوقود .. وأنهم صاروا يعرفون مذاق الطعام من غير خبز .. وتنام مصابيحهم من غير أن توقظها ومضات الكهرباء لأيام .. ومع هذا فانك تسمع نفس العبارة ذات الحنان والكبرياء التي سمعتها في بيوت الفقراء:
يجب أن نصبر على هذه المحنة من أجل سورية .. لم يبق لنا في هذه الدنيا الا سورية. . وسنعطيها كل شيء
تذكرت وأنا أسمع هؤلاء الناس حادثة عندما زرت يوما عائلة بريطانية ولفت نظري أن الأم وبّخت ابنتها على المائدة لأنها لم تأكل كل مافي الصحن من الطعام وعرفت منها أنها اكتسبت هذه العادة في عدم اهمال أي طعام من تجربة الحرب العالمية الثانية لأن والدتها (الجدة) وبسبب الشح الشديد للمواد الغذائية أثناء الحرب كانت ترغم أبناءها على تناول كل الطعام في الطبق لأن الوجبة الثانية قد لايتم تأمينها بسبب الحصار الألماني على السفن التجارية القادمة الى بريطانية حيث كانت سفن الألمان تغرق السفن التجارية المحملة بالغذاء .. ثم أرتني صورة شهيرة يعتز بها البريطانيون من زمن الحرب وهي صورة بائع الحليب الذي يحمل صندوق زجاجات الحليب ويسير فوق أنقاض البيوت المهدمة في لندن مبتسما مصمما على أن تستمر الحياة رغم الحرائق حوله ورجال الاطفاء والحصار .. وأرتني صورة لكومة هائلة من ملايين أوعية الطبخ المصنوعة من الألومنيوم المجموعة في الحقول والتي تخلى عنها الناس لصالح الصناعات العسكرية لاعادة صهرها لأن هياكل الطائرات المقاتلة كانت تصنع من تلك المواد لكن الحصار جعل صنع الطائرات صعبا في غياب الالومنيوم فيما كانت الطائرات الألمانية تغير بحرية على البواخر البريطانية ..فاستعمل البريطانيون أواني الفخار لطعامهم لتصنع أواني الالومنيوم هياكل الطائرات
انها روح من سينتصر كما قالت .. ومن يريد النصر عليه أن يدفع الثمن .. ولولا جوع الشعب أثناء الحرب لكانت بريطانيا الآن مجرد جزيرة مهزومة .. فيها قاعدة "عيديد" ألمانية قرب لندن وقاعدة سيلية يابانية مكان جامعة أوكسفورد .. وفيها أمير بليد بحجم حمد ووزنه .. وبدل دوقة كمبردج "كيت ماديلتون" أو أميرة ويلز الليدي دايانا .. موزة بنت مسند .. أو بالانكليزية (الليدي بانانا) ..والفرق كبير بين حضارة دايانا .. وحضارة بانانا ..وثوار الليدي بانانا ..
بالرغم من كل مايقال عن معاناة في سورية فان هناك نوعا من العدالة في توزيع المعاناة وان لم يكن في غاية الدقة والتساوي وهناك التحام من نوع ما بين طبقات المجتمع وذوبان في نزعة اللامبالاة واللااكتراث التي أنتجت بعض الأزمة وقيام المشاعر الوطنية من أنقاض الهموم وانتشار الفساد .. وأذكر هنا أن أحد الاعلاميين المصريين قال بأنه عندما زار سورية قبل الأزمة لاحظ بأن هناك نوعا من العدالة الاجتماعية تمثل في رغيف الخبز .. فالخبز الذي كان يقدم له في الفنادق الفخمة والمطاعم وفي البيوت على اختلاف انتماءاتها الطبقية والوظيفية خبز واحد وبنفس النوعية والسعر .. ولاينتمي رغيف الخبز الى أي طبقة والكل يأكل نفس نوع الرغيف على عكس الحال في مصر التي توجد فيها أنواع كثيرة من الخبز تتفاوت بين الرديء والممتاز .. فللخبز المصري طبقاته أيضا فما يؤكل في الأحياء الشعبية لايؤكل في المهندسين والمعادي اطلاقا..واليوم بدل أن ينصرف مرسي لاحضار رغيف الخبز الى قوس العدالة الاجتماعية ليحاكمه فهو منشغل بالدساتير وحروب الفتوح الاسلامية وحصار الوقود السوري في قناة السويس ليجعل من رغيف الخبز السوري رمز العدالة الاجتماعية لايؤكل الا بنفس نظام توزيع الرغيف المصري حسب الطبقات..
ولكن لماذا لايسقط النظام ويفضل الناس أن يصنعوا صمود ستالينغراد أو لينينعراد وسيأكلون حتى نشارة الخشب؟؟ ولماذا لايعبأ الشعب بأفلام الرعب التي تنتجها جبهة النصرة عمدا لارهابه ويصر على تحديها؟؟ ولماذا لاينشق الجيش على الجيش؟؟فعندما كنت أسمع تحليلات المحللين وتصوراتهم ومحاولة فك شيفرة تماسك الجيش والشعب وهزال الانشقاقات كنت أعرف أن تلك الآراء تنظر الى مؤسسة الجيش من الخارج ولكن النظرة الفاحصة من الداخل تظهر شيئا لاتدركه عيون المحللين في الاستوديوهات وحركات أيديهم المنفعلة .. وبالطبع لايقدر عقل صفوت الزيات الصغير على تحمله أو استيعابه لأنه يرى في حمد قائده وملهمه و"راتبه" ومن كان حمد قائده العسكري لايقدر على اجراء الاستطلاع على جيوش الآخرين الا من على سنام البعير ..
سأروي لكم حادثة صغيرة قد تجيبكم وفيها من الدلائل الكثير .. وسيعرف المعارضون قبل الموالين سبب تماسك النظام وتماسك جيشه .. فقد سمعنا منذ الأيام الاولى عن شخصية قاسية القلب وبلا رحمة هي شخصية العميد ماهر الأسد وبأن فرقته الضاربة (الفرقة الرابعة) هي العمود الفقري لضرب الاحتجاجات والتمرد بعنف.. ولكن الجيش نفسه والفرقة الرابعة لم يشهدا انشقاقات ذات شأن رغم ضخ كم هائل من الكراهية والتحريض اللامحدود واختصار سورية باسم عائلة الأسد والترويج لحياة باذخة للرئيس وعائلته وأقاربه واختلاق الحديث عن انشغال الرئيس وزوجته بالتسوق رغم الأزمة..
فقد روى لي أحد ضباط الحرس الجمهوري وهو العميد (ش خ) حادثة منذ فترة ماقبل الأزمة فقال انه عندما كان برتبة مقدم اشتكى له الجنود والضباط من البرد القارس والقاسي الذي يضرب قطعاتهم في المرتفعات وهم يستعملون مواقد الحطب والفحم في مكاتبهم المؤقتة (براكات) وخيمهم فقرر التقدم بطلب الى قائده المباشر ماهر الأسد (وربما كان برتبة مقدم آنذاك) للتزود بمواقد وقود أو غاز لتدفئة الجنود والضباط بطريقة أفضل .. وحمل الاقتراح المكتوب باقتضاب وطلب مقابلة قائده المباشر في مكتبه ..وعندما دخل اليه وجده وقد وضع بجانبه موقد حطب صغيرا وهو يتابع قراءة أحد التقارير ويقرب يده الباردة من النار .. كان المكتب باردا ولايحس ببعض الدفء الا من يجلس بجوار موقد الحطب الصغير ..وعندما التفت اليه المقدم ماهر الأسد وسأله عن سبب طلب مقابلته تلكأ الرجل وبدا متلعثما وكان يمسك بالاقتراح المكتوب في يده فجعل يثنيه ويعجن الورقة بأصابعه ليخفيها لأنه أحس بالحرج من مطالبة القائد بطلب كهذا فيما القائد نفسه لم يخصص نفسه بمعاملة مميزة وتقاسم البرد وموقد الحطب مع جنوده .. وتذرع الرجل بأن سبب طلبه المقابلة كان شيئا آخر .. لكنه عاد ليحكي لجنوده وضباطه ماحدث معه .. وكان مانقله كافيا ليجعل الجنود يلتصقون بقائدهم ويؤمنون به أكثر ويقاتلون معه دون تردد ..
وهذا السلوك الانضباطي والسياسة المتبعة في تنمية عقيدة العسكري على روح تقاسم المسؤولية والمصير لم تتمكن كل الحرب الاعلامية والرشاوى وأكاذيب الجزيرة والعربية من هزيمتها أو أن تسبب اهتزازا في مؤسسة الجيش السوري والحرس الجمهوري .. حتى هذه اللحظة ..
والتجربة الانسانية واحدة فعندما يقدم حسن نصر الله ولده شهيدا ولايبادل جثته بشكل خاص الا ضمن صفقة تبادل تشمل جميع الشهداء فسيقاتل حزب الله وجمهور حزب الله .. كقلب الله.. ولن يزيل ذكره أطنان من الملوثات القرضاوية ولن تقضم جسده قوارض الاسلام الثوري..
ولكن مايحدث في صفوف المعارضة هو نقيض مذهل حيث يجلس كل المعارضين السوريين في كل الفنادق القطرية الفخمة وكل صالات الاستقبال الفرنسية والبريطانية والتركية .. وهناك أموال هائلة تنفق على قادة المعارضة وهم يتنقلون بالطائرات من عاصمة الى أخرى ومن منتجع الى آخر..وبعضهم صارت له استثمارات في عواصم العالم فيما ابناؤهم يتلقون تعليمهم في كل المدارس الغربية بهدوء ومعظمهم لديهم جنسيات غربية وهم لايفكرون بالعودة الى سورية ..أما مقاتلوهم على الأرض فيموتون وتتشرد عائلاتهم في المخيمات التركية والأردنية وتؤخذن كالسبايا الى جهاد النكاح .. ويتعرضن للحرائق والاذلال وحتى الاغتصاب .. فيما المقاتلون أنفسهم يعانون في المخابئ والأنفاق والملاجئ ..ويموتون كالذباب بالمئات في الغوطة وعلى حدود حلب وادلب .. ولايوجد قائد واحد يجرؤ على البقاء بينهم في المناطق التي يعلنونها محررة .. وان أتى قائد واحد كل عام فانه يأتي بشكل خاطف وهو مقنّع وملثم وبنظارات شمسية لالتقاط صور تذكارية دعائية لكيد النظام قبل أن يطير بسرعة البرق الى فنادقه وصديقاته (راجع صورة برهان غليون عندما قيل انه تسلل الى ادلب متلثما وبنظارات شمسية كبيرة مثل مراهقي السعودية وزعران أمراء النفط قبل أن يعود الى مقاهي باريس) .. ولكن بقرة الثورة حلوب .. وموائدها بلا حدود .. خارج الحدود..
وهل نذكر القائد الميمون لكتيبة الفاروق عبد الرزاق طلاس بطل الثورة في حمص كيف كان يتدفأ ..؟؟ على حرارة الحب طبعا وعلى زفرات الحرة ميديا الداغستاني وزفراتها الحرّى .. والالتحام مع بقية الحرائر التحاما ثوريا .. ..
ولذلك حاول الاعلام الثوري والعربي النيل من أسطورة القيادة المميزة في الجيش السوري وحاول زعزعة الثقة بين الشعب والرئيس .. فبالرغم من أن الرئيس وكل أفراد عائلته لم يغادروا دمشق لحظة واحدة منذ سنتين - وهذا يقين - وقرروا البقاء مع الناس فان الاعلام وزعهم في أنحاء الأرض ليوحي للسوريين أنهم شعب تركه قادته وانصرفوا بأنانية الى عواصم العالم كما يفعل ملاك المزارع في فصول الشتاء العاتية .. فمرة يقال ان زوجة الرئيس في لندن وأنه نفسه غادر دمشق الى اللاذقية .. بل ان شقيقته بشرى قد شوهدت مع أبنائها في الأمارات العربية رغم أن العاقل يرى أن آخر مكان يمكن أن تذهب اليه عائلة سورية بحجم عائلة الرئيس الأسد في هذه الظروف الأمنية هو الامارات لأنها مجال لنشاط معارض منذ زمن كما أن فيها نشاطا استخباريا غربيا واسرائيليا بلا حدود بدليل اغتيال محمود المبحوح الذي سرب خبر سفره عن طريق عملاء حماس في دمشق ..الى جهاز مخابرات عربي معروف بعلاقاته الاستخبارية باسرائيل..والموساد يسرح ويمرح في الخليج العربي المحتل دون استثناء .. ولاأبالغ ان قلت بأن عناصر الموساد آمنون في دول الخليج المحتل أكثر من أمنهم في قلب تل أبيب حيث يمكن أن يسقط صاروخ أو تقوم عملية تفجير.
. وجميعنا صرنا نعرف أن الرئيس وعائلته ليسوا في وارد الرفاهية ولا الانفصال عن أبناء الشعب ..بل ان عائلة الرئيس قدمت صهرها العماد آصف شوكت شهيدا ومزجت دمه بدم آلاف الشهداء ..فيما لم يقدم عضو سياسي معارض واحد شهيدا واحدا أو غامر بارسال ولده الى الداخل .. حتى العرعور يضم عائلته وافرادها ويخفيها خلف الأسوار ويرسل أبناء الناس بسخاء الى الموت ..
الحرب على لقمة العيش السورية المقترن بترويج رفاهية الموسرين والسياسيين وسفر عائلة الرئيس تريد اذلال الشعب السوري وتشتيت انتباهه .. لأن كل السيارات المفخخة وكل مسلسل الذبح وقطع الرؤوس وغسيل شوارعنا بالدم لم تجعل السوريين يؤمنون برياح الصحراء والرمال ولابأنفاس تركيا العفنة وهواء السلاجقة النتن .. ولم تنخلع قلوب الناس من رقصة الباتريوت على الحدود.. ولذلك يريد الثورجيون تجويع الشعب السوري وقتل عزة نفسه وكبريائه الذي قهر السيارات المفخخة وتريد بيع شرفه كما قال عقاب صقر بأنه يستر شرف صبايانا ونسائنا .. والمعروف أن أمراء الخليج مغرمون باذلال العرب ذوي الكبرياء .. اذلالهم في الوقوف على أبواب السفارات .. اذلالهم في عقود العمل .. اذلالهم في رزقهم ونسائهم ..
واليوم عندما فشل الحصار وعرف العرب أنهم لايطعموننا بل نأكل من بيادرنا.. وأننا لانشرب من واحاتهم بل من آبارنا .. وأن السوريين سيكون لهم ثروة الغاز في شواطئهم التي تغنيهم عن مال العرب والغرب؟؟ قرر العرب اذلال السوريين واغراقهم في الظلام وافراغ صوامعهم ..فبدل ضخ السلاح داخل الحدود صار الغذاء والقمح يضخان الى خارج الحدود .. ضخ السلاح الى الداخل لم ينفع .. فليضخ الخبز الى الخارج .. والخبز يجر معه الصمود .. ويجر معه الكرامة والكبرياء ..انه منطق الصحراء عندما لاتشرب الماء ويمتلئ بطنها بالزيت وهي تجتر المال من سلال أوبك .. فيصبح رأسها الكبير مليئا بالرمل فوق الرمل فوق الرمل ... وروث البعير ..فوق روث البعير .. فوق روث البعير..
في نبوءات هذا العام لاأدري كم سيؤتى بالكواكب اليكم لتكذب وتمثل مثل شهود العيان على اعلام العرب وتنسيقيات الثورة .. وكم ستغير المدارات مساراتها والأفلاك من نظامها الشمسي .. وكم ستسقط النجوم العالية .. وكم سترتفع الأبراج الثورية .. وكم سيؤتى بالأرقام والاحصاءات لترقص لكم الفالص رغما عنها .. وكم سيؤتى بقراء الطالع والنازل والكف والحافر والقهوة والشاي والنفط والديزل والغاز .. وكم سيثرثر قراء فناجين البول وقراء فناجين الدم .. وكم سيقطف لكم رواد فضاء الجزيرة من النجوم والأقمار ..
لكن من يقرأ الطالع لنا عليه أن يعرف أننا شعب قد نجوع وقد نبرد .. وقد نموت .. لكن لايقبل السوري أن يتدفأ جسده وتبرد روحه وتموت في صقيع العقل الديني الوهابي .. وأن يشرب جسده الماء فيما روحه تشرب الذل والنفط ..وأن يتحول الى قطيع من الابل الصحراوية التي تتبع أمراء الظلام وملوك الجاهلية ..وأن يملأ رئتيه بالرمل وعقله بروث البعير..
السوري يعرف أنه ان تراخى ولحق فخ الجوع ونظر الى رغيف الخبز خارج الحدود فان سورية ستتشظى .. وأن بناته سيرتدين النقاب الأسود ويمنعن من الذهاب الى المدرسة .. وأن الوليد بن عبد الملك سيصبح أجيرا عند جمال باشا السفاح ليغسل رجليه .. وأن القضاة سيكونون من باكستان وأن الجلادين من جبهة النصرة .. وأن جهاز المخابرات في بلده سيشرف عليه ضباط وهابيون من خارج الحدود يكتبون بالسيف على الأعناق .. وأن السياح الاسرائيليين سيملؤون سوق الحميدية والجامع الأموي وسيتوقفون ليتلذذوا بتلميع أحذيتهم في ساحة الأمويين قبل أن يتناولوا بوظة بكداش ثم صحن الحمص الشامي الشهير والفتة الشامية في أحد الأحياء الدمشقية العتيقة كما يعبرون بوقاحة في صفحات الفيسبوك هذه الأيام وبكل ثقة ..
والسوري الذي صنع أسطورة الأندلس غربا ورحلة صقر قريش الشهيرة الى مملكته الأندلسية قد يقاتل ألف عام لكنه لايقبل أن يعود يوما واحدا ليكون واحدا من رعايا بني عثمان .. ولن يقبل أن يحكمه عقل وهابي ساعة واحدة يحيله ويحيل أبناءه الى بهيمة .. ولن يقبل أن يمر اسرائيلي دقيقة واحدة في مطار دمشق .. وسيقول ولو بعد ألف سنة:
سنصبر على المحنة ..فليس لنا في هذه الدنيا الا سورية .. وماذا يساوي العالم من غير سورية وشعب سورية الواحد.. اننا من أرسل صقر قريش الى العالم ..انه صقر واحد صنع الأندلس ..فمابالكم بملايين الصقور .. في عش الصقور .. وماذا الكواكب السيارة ونجوم الحظ فاعلة عندما تمر بعش الصقور؟؟
النجوم التي تمر بالصقور ستنحني للصقور .. فصقور عبد الرحمن الداخل أقوى من النجوم .. كما سيعترف المنجمون السياسيون قراء الطالع.. ونجوم المستقبل والجزيرة .. وكل أصحاب بيت العنكبوت ..
ثورة بالمقلوب من رسالة الغفران لمعاذ الخطيب .. بابا نويل سورية
الجمعة 2013/01/04 SyriaNowينشغل المؤرخون ازاء كل حدث باختيار اسم المولود الجديد من الأحداث .. وتتصارع المصطلحات للبقاء كما تتصارع الأحياء للبقاء فلايبقى الا الأقوى .. وتتناطح الأسماء والرموز كما تتصارع الحيوانات في موسم التكاثر حيث قرون الذكور تتبارز مع قرون الذكور ونسمع صوت تناطح الرؤوس الحامية فيما القرون تتحاور بعناد وهي تصطك كما سيوف المحاربين ..
والاسم الأقوى والمصطلح الأبهى تاريخيا يفوز بأناث الأحداث ويستولدها المفاهيم والمسلّمات .. ولذلك صار لدينا سلسلة أنواع من الثورات عبر التاريخ .. فهناك ثورات شعبية وهي غنية عن التعريف .. وهناك ثورات عسكرية وهي الانقلابات التي يقوم بها العسكر .. وبالطبع خرج علينا البعض بمصطلح الثورة الجماهيرية .. أو ثورة الخبز .. وهناك الثورة الصناعية في الغرب والثورة البلشفية في الشرق أو ثورة البروليتاريا.. وهناك الثورة الزراعية في الهند والثورة الثقافية في الصين والثورة الاسلامية في ايران ..وهناك ثورات العبيد وثورات القوميات على أنواعها ..الخ .. أما غورباتشوف فاختار أن يغير هذه الأسماء وأن يبدأ عهد التسميات حسب اتجاه الثورات في طبقات المجتمع فأطلق على ثورته اسم الثورة (من فوق) وهي البيريسترويكا والغلاسنوست لأن القيادة - لاالشعب ولاالجماهير ولا البروليتاريا- هي من صنع الثورة .. فالثورات عموما تأتي (من تحت) أما هو فجاء بها .. من فوق ..
اليوم يقف التاريخ حائرا أمام الربيع العربي ويصيب المؤرخين الوجوم وهم يتبادلون النظرات الحيرى .. فماهي التسمية الأجدر بأحداث "الربيع العربي" وماهو اسم المولود الجديد .. القبيح الدميم ذو الذيل الغريب واللون العجيب والسلوك المريب؟.. هل هو ثورات الملوك والأمراء فتكون "الثورات الملكية" و "الثورات الأميرية" ؟؟ أم ثورات "الثروات" على الثورات القديمة ؟؟ أم هو "الثورة البترولية" .. لما فيها من مال عربي نفطي يسكب على لهيب الجاهلية؟؟ ربما اسم الثورات المأجورة كان مناسبا .. أو الثورة الليفية (نسبة للأب الروحي لها برنار هنري ليفي) .. وربما ثورة العمائم واللحى .. أو ثورات مسبقة الصنع .. وربما كان الاسم الصحيح الذي يسقي حلق الحقيقة الماء العذب هو "ثورات الناتو" !!
وقد أحسست بالشفقة على المؤرخين في هذا الشأن .. وقررت أن أمسك يد التاريخ المرتعشة من هذا القلق وأهدئه وأربت على كتفيه مطمئنا.. وأن أضع سماعات الأطباء في أذنيه ليسمع صوت قلب الربيع العربي وضرباته السريعة وأنّاته ليعرف أن مصطلح "الثورة الاسرائيلية الكبرى" هو الأدق والأقرب الى قلب الحقيقة لما قدمته ثورات الربيع من انجازات لاسرائيل لايضاهيها كل حروب اسرائيل مجتمعة؟؟
فاسرائيل حولت حماس الفلسطينية الى حركة مقاومة اسرائيلية حقيقية تقاتل الجيش السوري .. ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي يتحول جزء من الشعب الفلسطيني الى حليف لاسرائيل ويموت من أجلها .. فقد هاجر مقاتلو حماس والشيخ رائد صلاح من فلسطين ليموتوا في حلب وادلب دفاعا عن اسرائيل وهي أول هجرة فلسطينية طوعية خارج فلسطين تعاكس كل الهجرات القسرية للفلسطينيين خارج بلادهم بما في ذلك من دلالات .. وأما في مصر فقد اطمأن قلب اسرائيل على يد الاسلاميين أنفسهم على مستقبل الدولة العبرية وتبارى الاسلاميون في السخاء في منح اليهود السلام والأمان ولم تطلق كامب ديفيد من قيودها كما اليوم ولم تنم قريرة العين في سريرها الا في بيت الاخوان المسلمين .. واكتشف الاسرائيليون أنهم الأصدقاء العظماء للمصريين منذ أيام الفراعنة .. ثم اعتذر لهم العريان وبكى نادما على الهولوكوست الذي ارتكبه النازيون الناصريون بحق اليهود عارضا التعويض السخي..وفي تونس الخضراء حكمت اسرائيل قرطاج لأول مرة عبر ايباك مباشرة بواسطة تابعها راشد الغنوشي وتابعه الأبله المرزوقي.. وفي ليبيا صار الاسرائيليون أصحاب البيت والليبيون وبقية العرب ضيوفا..
ولكن الثورة الاسرائيلية في سورية تميزت بظاهرة غريبة ستجعل المؤرخين يكتبون بالمقلوب عن الثورة .. أي من النهاية الى البداية وليس من البداية الى النهاية ومن الأسفل الى الأعلى .. فهي الثورة التي تركب البغلة بالمقلوب .. وهي الثورة الوحيدة في العالم التي ستسمى (الثورة بالمقلوب) فيسارها يميني ويمينها يساري .. وأعلاها أسفلها (مثقفوها أقل سوية من الدهماء) .. وأسفلها أعلاها (الدهماء تفرض منطقها) .. وبياضها أسود وسوادها أبيض .. فهي ثورة ملتحية وقياداتها شيوعية ومسيحية وعلمانية (رياض الترك وجورج صبرة والغليون) .. وهذا شذوذ يدل على أن الثورة مقلوبة وتسير على رأسها وتنتصب ساقاها في الهواء ..فمن المدهش أن ليس للقياديين مقاتلون يتبعونهم على الأرض .. فيما النشاط العلماني والمسيحي المحدود اقتصر على البروتوكولات ولقاءات الفنادق والتلفزيونات حيث المال سخي والثرثرة مجانية وغير مكلفة .. فأنا لم أسمع في كل الثورة عن مسلح مسيحي معارض يباهي جورج صبرة باستشهاده أو استشهادي انتحاري من قياس جول جمّال المسيحي السوري وأستاذ الاستشهاديين الشرقيين الذي دمر بارجة فرنسية قبالة شواطئ بورسعيد المصرية .. ولم أسمع برفيق شيوعي استشهد مع كتيبة من كتائب الصحابة الكثيرة .. ولم يظهر لنا لواء لينين أو كتيبة تروتسكي أو فيلق كارل ماركس مثلا .. ولم أسمع بكتيبة الرسول بولس ولا كتيبة يوحنا المعمدان ولامريم المجدلية ولابطرس التي يقاتل فيها مسيحيون يعلقون الصلبان على صدورهم بل ظهرت مجموعة من الاسلاميين الملتحين التي تكفر المسيحيين والتي سمّت نفسها باسم المسيح ثم اختفت الى الأبد عن الواجهة بعد انتهاء العرض الدعائي الذي استمر أقل من دقيقة ولم تقم بعملية عسكرية واحدة ..
لم أسمع بشيء مما ذكرت لكنني سمعت بكتيبة الفاروق وأحفاد الرسول وكل الصحابة وأبي قتادة .. وجبهة النصرة .. وكتيبة القعقاع .. وصعصعة ..وقعقعة .. وعرعور وطرطور .. وهي في الحقيقة يجب أن تنتقي أسماءها الحقيقية من معاجم عبرية وتاريخ قادة اسرائيل مثل كتيبة حاييم وايزمن مثلا أو كتيبة تيودور هرتزل أو فيلق اسحاق رابين أو حرائر غولدامائير .. وأصدقاء اسرائيل ..
والثورة السورية هي الثورة بالمقلوب بكل جدارة فلايوجد أحد من قادتها في الداخل السوري على عكس كل الثورات .. فكل قادتها ومنظريها يعيشون في الغرب منذ عشرات السنين ومعظمهم لم يكونوا معارضين بل مستفيدين من فساد النظام .. ونصف مقاتليها مستوردون من جهات الدنيا الاربع ونصفهم الآخر بلطجية وأصحاب سوابق وأميون سوريون .. بدل أن تصدر هي المقاتلين الثوريين للعالم ..
لكن أهم دليل على أنها ثورة بالمقلوب هو أن خطابها بالمقلوب .. وذلك في أوضح تجلياته في رسالة معاذ الخطيب الى المسيحيين السوريين والتي كانت تقطر عسلا ورقة ومودة ورحمة وتبز رسالة الغفران للمعري في محتواها الفلسفي .. فالثورة بعد أن شربت من دماء المسيحيين في حمص ومن دماء ساري ساعود وعويل أمه ونهشت جدران الكنائس السورية كما تنهش الوحوش لحوم الضحايا تتودد الى المسيحيين السوريين ..وتطلب الغفران..
بعد سنتين من الخطاب العنيف ضد كل الطوائف وثقافة العرعور في فرم اللحم وسحق العظم والذبح الحلال والتي لم يقترب من ادانتها ثوري واحد ولم يتطرق لنبذها بيان واحد .. وبعد عامين من تهجير وتكفير المسيحيين السوريين في أصقاع الأرض .. بعد كل هذا لبس معاذ الخطيب ثياب بابا نويل الحمراء ثم حمل أكياس الزبيب وجرار العسل على ظهره وجعل يطعمنا الحلاوة وقطع السكر والشكوكولاتة ويغسل بالرحيق قلوبنا وبالعطر حيطان البكاء والذاكرة .. ثم قبّل طربوش فارس الخوري بعد أن مسح الصليب بقماش من أستار الكعبة ..وكاد يجلس في حضن تمثال "الشفقة" الشهير لمايكل آنجيلو..
في الحقيقة لم أتمكن من قراءة كل الرسالة أو (رسالة الغفران) لأنني كنت أغوص في برك العسل التي اندلقت فجأة على ثيابي من جرار بابا معاذ كلما تقدمت في سطور الرسالة .. فان بها لحلاوة وان عليها لطلاوة وأن أعلاها لمثمر وان أسفلها لمغدق وانه لتعلو ولايعلى عليها .. في النفاق .. فشواطئها رحيق والخوض فيها يغرق القارئ بالعسل منذ السطر الثالث .. ويكاد أنسب ماأقول فيها بعد خوضي في عسلها هو قول نزارقباني : لو أني أعرف أن "العسل" عميق جدا ماأبحرت ..
فقد بدت الكلمات دبقة للغاية وعيوني علقت بأهدابها في سطورها كما تعلق العصافير على قضبان الدبق وكما تعلق الفراشات على صمغ الشجر .. وهذا الدبق لايساعد على العبور الى نهاية المقالة التي فاض قطرها على مفاتيح الكومبيوتر .. وقد صارت قراءتها تغني عن التداوي بالعسل .. ففي العسل "شفاء" للناس كما ورد في القرآن الكريم .. ولكن في عسل معاذ "الشفاء" للناس .. فمن رسالة النبي معاذ قام المسيح .. وسار على الماء .. وانضم للثورجيين في استانبول .. فمما جاء فيها:
أيها الأحبة .. أبقوا معنا .. بالله عليكم .. يا أهل سوريا أحبوا بعضكم، ويا أيها المسيحيون لا ترحلوا أرجوكم .. "
ووصف معاذ المسيحيين السوريين "بأنهم خلاصة مابقي من المسيحية في الأرض كلها .. بعضهم يعيشون في قلق حقيقي وخشية بالغة مما ستأتي به الأيام .. وأن الحفاظ على أموال وأرواح وأعراض المسيحيين هو تماماً عين الحفاظ على كرامتنا ودمائنا وأموالنا وأعراضنا..."
كلام يثير الدموع ويجهش سامعها بالبكاء كما أطنب معاذ اسماعنا ببكاء النجاشي لسماعه كلام القرآن في السيدة العذراء .. ويصارع أحدنا رغبته في العويل من حنان معاذ وصحابته .. حتى الشهيد الطفل ساري ساعود قام وعاد الى أمه الثكلى فكلمات معاذ تحي الموتى من أبناء يسوع ..
والغريب أن معاذا قال ان الرسالة مكتوبة منذ مدة طويلة لكنه خبأها مثل بابا نويل الى يوم عيد الميلاد لأن رسائل العسل يحملها "بابا معاذ" مرة كل عدة سنوات .. لبس معاذ ثياب بابا نويل وصار يوزع الحلوى على المسيحيين فقط .. لأن المسيحيين وحدهم الآن هم الخائفون ..وليس الشيعة ولا العلويون ولا الدروز ولاالاسماعيليون ولابقية الأقليات المنتمية الى فئة الكفار والزنادقة في عرف ثورة معاذ التي تعتبر أن أخطر تهمة على الاطلاق هي تهمة الانتماء الى مذهب غير مذهب أهل السنة ومذهب العرعور..ففي محاكمات الثوار الشهيرة يقول المدعي العام في قراءة الاتهام: هذا رجل علوي أو شيعي أو درزي أو مسيحي .. وهنا تنتهي المحاكمة لأنها تعني النطق سلفا بالحكم ..فهذه الانتماءات هي ذروة الكفر ولاكفارة لها .. ولاتكفي دفوع الدنيا لمنع عقوبة الاعدام .. وبالطبع لايجرؤ ثورجي واحد أن يمسك اسرائيليا ويعنفه ويتهمه باليهودي ابن اليهودية علنا على اليوتيوب والا علقت اسرائيل مشاتق لكل أعضاء الائتلاف السوري في قلب الدوحة وتركتهم يتأرجحون عبرة لغيرهم....
بعد كل هذا العنف والتهديد الثوري والتكفير يلاطف معاذ المسيحيين ..ويطلب منهم الاطمئنان لثورته .. أما بقية الطوائف التي يهددها العنف الثوري فلا تحتاج تطمينا ولاتعني معاذا بل يتركها بتجاهله المقصود واللامبالي للويل والثبور وعواقب الأمور ..ولو كان معاذ يريد وطنا لطمأن الجميع وخص بالذكر الطوائف المستهدفة بالعنف أكثر من غيرها لابعادها عن مخاوفها .. لكنه لايجرؤ لأن عماد الثورة وقلبها وعقلها طائفي وديني عنصري أسود .. وأي اشارة لتسامحها الديني مع الجميع يعني فشل مشروع الفتنة السنية الشيعية في المنطقة ..حلم اسرائيل..
وهذا النداء للمسيحيين منتهى الجهل ومنتهى السذاجة والوقاحة الثورية .. فمقدار القلق الذي يصيب بقية الطوائف السورية لايقل عن القلق المسيحي بل يفوقه وهي التي تجب طمأنتها .. لكن للثورة لغة المنافقين والمؤلفة قلوبهم .. فهي تريد اسماع الغرب مايريد سماعه وليس مايريده الوطن السوري .. وهي تريد استعادة براءة "جبهة النصرة" بعد أن شاع اسمها وفاحت رائحة الدم وتسرب من أطراف ثوبها فأحرج حتى أميريكا .. فرسالة معاذ اذا وبالمعنى العميق هي رسالة جبهة النصرة وليست رسالة بابا معاذ الذي تولى ايصال رسالة بابا نويل جبهة النصرة الى الغرب .. حيث بابا نويل جبهة النصرة يرتدي ثيابه الحمراء المصبوغة بدم الذبائح البشرية .. ويداعب المسيحية الغربية فقط بيديه اللتين تشربان الدم من الأعناق السورية .. والله أكبر..
كلما نظرت الى معاذ الخطيب ونظرته الكسيرة في لقاءاته مع صناع القرار .. ولغة جسده المترددة التي تظهر حسه بالضعف أمام القادة السياسيين .. أحس أن من يختار قادة الثورة يريد اهانة كبرياء السوريين لأنه يظهر على التلفزيونات بضعفه الكاريزمي وهشاشته الشخصية على أنه يمثل السوريين الذين دوخوا العالم بديبلوماسيتهم وجاؤوا برؤساء العالم الى دمشق ليحاوروهم من نيكسون الى كلينتون ..
من رأى كيف كان وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ مثلا يجلس وهو يعظ معاذا باستعلاء العاطي والواهب والسيد المانح لأحس بالقرف من معاذ .. ولمعرفة حجم معاذ فما عليكم الا أن تحصلوا على صورة هيغ في لقاء وهو يتحدث الى الاسرائيليين مثلا في نفس الغرفة أو مع قادة العالم الكبار عموما وعليه امارات الجدية وهو منحن الى الأمام على الكرسي ويفرك يديه بيديه ويكاد يقع على الأرض تواضعا وفي نظرته التودد وفمه لايعرف الانكماش .. وحاجباه كما لو كانا (مرج البحرين يلتقيان .. بينهما برزخ لايبغيان) .. أما مع معاذ فيجلس نصف جلسة ويريح يديه على الكرسي ويدير نصف جسده نحو معاذ وهو لاينظر اليه وجها لوجه بل مواربة .. وحاجباه يلتقيان دوما كما لو كان عابسا كلما نظر الى معاذ باحتقار لايوصف..فيما عينا معاذ ضيقتان كعيني العصفور متوترتان متراقصتان يشع منهما الشعور الصارخ بالضعف .. وتطل منهما نظرة الاسترحام ..
ولاننسى منظر معاذ المسكين وهو يتبع أردوغان (أو رجل تركيا الكبير كما يصفه) في جولة (العباءة العربية) الشهيرة .. ويكاد معاذ يتعثر وهو يسير الى جانب سيده أو يتبعه وهو يتلفت أو يلوح بيديه في حركات غير متناغمة تدل على حيرته ان كان مايفعله صحيحا أم لا أمام حفيد جمال باشا السفاح .. عيب على سورية أن يكون هذا المعاذ رئيسا عليهم أو على بلدية من بلديات دمشق ..أو صبيا في أحد حماماتها التركية القديمة..
معاذ لايشبه في هذا العالم الا شخصية ياسينو في مسلسل صح النوم أو ملح وسكر .. تزوج صدفة من فطوم حيص بيص.. ويحاول اظهار رجولته على امرأة قوية ..
ولـ (ياسينو) حيص بيص حكمة لاتعلوها حكمة .. فعندما حاول حسني البورظان تخفيف آلامه من الزلازل التي يتعرض لها زواجه قال له: ان الزواج ياياسين برميل مليء بالقطران ولكن وجهه مغطى بطبقة عسل ماان تنتهي حتى يتذوق الزوج القطران .. فقال ياسينو شاكيا لحسني البورظان عندما تلقى ضربة بالقبقاب على جبينه من حرمه المصون فطوم: يبدو أنني فتحت البرميل بالمقلوب .. لأنني لم اتذوق العسل بعد ياأستاذ حسني ..
ماقاله ياسينو الثورة معاذ الخطيب منذ أيام في تطمين المسيحيين يشبه حكمة ياسينو .. فبعد كل هذا العنف والتهجير للمسيحيين ومحاصرة قراهم وكل هذه اللحى وكل هذه الغزوات للكنائس .. وبعد أن امتلأت الدنيا بصور اهانة المدن والقيم والاماكن المقدسة للمسيحيين .. وبعد أن امتلأت الكنائس بجبهة النصرة وفتوى الذبح وتطهير البلاد من الكفار .. بعد كل هذا بعث ياسينو الثورة برسالة العسل ورسالة "البراءة" يطلب فيها من المسيحيين البقاء في سورية !!.. بعد كل القطران الذي تذوقه المسيحيون في سورية على يد الثورجيين على مدى عامين قرر ياسينو أن يفتح برميل العسل بشكل صحيح وليس بالمقلوب ..الا اذا لم يكن قد بقي قطران في برميل الثورة بعد أن أذيق السوريون كل قطرانها فوصل ياسينو أخيرا الى قشرة العسل .. ومعسول الكلام ..لأن الثورة شارفت على نهايتها من حيث شرعيتها ومستقبلها ..
والملاحظ أن توقيت رسالة ياسينو الثورة السورية جاء مع توقيت قرار سعودي بتنظيم الفضائيات الدينية التي تحرض على الفتنة والنزاعات مما يدل على ادراك عميق لمدى المأزق الذي وجد الربيع العربي نفسه فيه فقد بدأ ينكشف في مشروعه كثورة اسرائيلية كبرى لفتنة كبرى ولابد من بعض التجميل والانسحابات التكتيكية .. وخاصة بعد انزعاج الغرب من الحرج الشديد الذي تسببت له به جبهة النصرة كما ادعى ..
وتلا هذه التغيرات في الخطاب خطاب متأخر لكنه متناغم في النبرة مع رسالة معاذ الانجيلية فتح فيه الثوار برميل العسل .. فقد اعترفت ألوية وكتائب مابقي من شظايا الجيش الحر لأول مرة (بعد هزائم وكوارث عسكرية قضمت معظم تشكيلاته) بما سمته
بوقوع بعض الأخطاء المسيئة لصورة الجيش الناشئ كحام ٍللثورة والناس والمال والأعراض .. حيث وصف الثورجي أبو قتادة بيان الاعتراف برذائل الثورة بأنه يعتبر نقلة نوعية في الاعتراف أولا بوجود "بعض" الممارسات الخاطئة التي رسخت في الذهنية الغربية "الفوبيا الاسلامية" بسبب تصوير تصفيات الشبيحة التي بدت في الواقع مقززة كما قال .. باعتراف أول بيان من نوعه .. بيان يقطر دما..ونذالة ..ولكنه يعلن أول هزيمة اعلامية وأخلاقية مدوية .. حيث ستبقى سمعة الدموية والوحشية عالقة بالثوار كالبقعة الحمراء على سطح المريخ.. سيزول الدم عن وجوههم وألسنتهم عندما تزول بقعة المريخ عن وجه المريخ..
رسالة معاذ ورسائل الاعتراف بالعار الثوري هي رسائل النفاق من ثوار منافقين سذج وثورة هزمت أخلاقيا .. كل عسلها مصنوع من رحيق الدم .. وهذا العسل الذي وصل متأخرا يشير بقوة الى وهن الثورة الشديد التي كانت مصابة بالغرور والصلف وكان رأسها كبيرا ولايسمع نصيحة .. ولم تكن تتحدث هذه اللغة اللينة والتسامحية المتوددة طوال الأزمة السورية لأن الغرب نفخ في رأسها كثيرا ولأن التضليل والوعود بالنصر جعلت جمهورها وقادتها لايحسون أنهم مضطرون للاعتراف برذائلهم وفظائعهم ووحشيتهم وهمجيتهم وبهيميتهم بل كانت مصدر فخرهم وتحديهم للنظام والدنيا .. وكان توالي الانتصارات الثورية ومجازرها المريعة في شمال افريقيا سببا آخر من أسباب هذه الجاهلية وهذا الاستعلاء والتكبر واحتقار مخاوف الآخرين وتجاهلها وتعالي الضجيج الثوري والتكبير على أصوات الضحايا والثقة أن يد الثوار طليقة في القتل من غير حساب..
هذا التراجع من شواطئ الدم الى شواطئ العسل وارتداء ثياب باب نويل والانسحاب التكتيكي لفصائل الثورجيين من مرحلة الاصرار على دولة الخليفة والشريعة الى مرحلة (بالله عليكم لاترحلوا) يدل على ادراك الثورة لصدمة الهزيمة المتصاعدة تدريجبا .. وصعوبة المهمة التي تنطحت لها بعد انفضاض الكثيرين عنها .. وضرورة تغيير المنطلقات النظرية لرياض الشقفة وفريقه ..
لكن كل هذا الكلام يابابا معاذ لايفيد .. وكل هذه الرسائل تصلح لأغنية تقول: "يسمعني حين يراقصني كلمات ليست كالكلمات" .. وفي النهاية نعود وليس معنا سوى كلمات معاذ وساطور العرعور وسكاكين جبهة النصرة وفتاوى الوهابية .. وماستفعله الثورة المنافقة هي أنها ستتابع عنفها بصمت أي مع قلة التصوير والبث المباشر للاعدامات..
ما يفيد السوريين جميعا يامعاذ هو استدعاء العرعور للمحاكمة واقصاؤه علنا هو وتياره والتبرؤ منه واعلان أن جبهة النصرة مارقة ويجب اصدار فتوى بقتالها واستئصالها وتجريم الوهابية حتى يطمئن الناس .. جميع الناس .. أما العسل فخذه وكل ماطاب لك منه .. ووزع ماتشاء في اسواق استانبول وأسواق الخليج العربي المحتل..واحمل على ظهرك ماشئت من الجرار وأكياس الزبيب الى أوروبة..
نحن لانعرف بيع العسل وحبرنا ليس العسل وليس الدم .. بل حبر العقل والمنطق وحبر الواقع وحبر الوطن والمعاناة .. ولذلك نحن ندق أجراس الكنائس من قلب الجوامع .. ونرفع الأذان من أبراج الكنائس .. ونعتنق المسيحية عندما لايبقى من يدق أجراس الكنائس في دمشق .. ويعتنق مسيحيونا الاسلام اذا لم يبق من يرفع الأذان في دمشق .. ونحن سنمنع دولة سورية الاسلامية علنا ودون مواربة لأن سورية دولة الجميع للجميع .. هذا هو الضمان لدولة التعدد الاثني والعرقي والديني .. وليس رسائل الغفران ورسائل العسل .. ولو جعلت المحيطات عسلا فانك لن تغير من مرارة السوريين بما فعلته ثورتك وماحقنته من قطران في عروقنا وخلايانا..فاطو رسالة الغفران المكتوبة بالعسل وأسرج وعولك الملتحية من جبهة النصرة يابابا نويل الخطيب وغادرنا .. أو خلل رسالتك بالملح .. أو انقعها واشرب ماءها ..أو ابعث بها الى الشيطان .. فليس لها عنوان في سورية
في خطاب الأسد حصاد وفير .. هل وضع الربيع العربي أوزاره؟؟
4-1-2013 Syria News
اذا كانت حفنات الثورجيين ستصب جام غضبها على خطاب الرئيس الأسد وستصوب أنصال خناجرها لتمزيقه وانكاره .. فاننا لن نمتدح خطاب الرئيس الأسد كيدا لهم وتعصبا أعمى للرئيس .. فهذا النوع من الخطابات لايناسبه الهجوم ولا المديح ..
من يهاجم الخطاب فلأنه لم يقدر على انزال الهزيمة بالأسد فيمزق الهواء بالصراخ وتصبح الأقلام تكتب بعصبية حركات قرون الثيران المتوترة وهي تنزف في مصارعات الثيران .. أما المديح والاطراء السخي فلا يليق الا ببلاط الملوك والفراعنة .. فخطابات الملوك والأمراء هي التي تكسى بالمخمل وتوشى بالقصب ومذاهب الكلام وذهبه .. لأن للملوك حاجة ماسة للمديح وانحناء ظهر اللغة وهي تقبل أياديهم المرتجفة .. ولأن قلوب الملوك تتشقق ظمأ اذا لم تشرب الثناء والشكر في كؤوس البلاغة .. وكلام رؤساء المومياء والمحنطات التاريخية وملوك الماموث وأمراء الرذيلة هو الذي يريد حقنه بالحياة وحرارة النفاق ومصول التزييف والتزوير والفياغرا كي ينهض .. ولأن زعماء الورق والصدفة الغبية الذين يجرهم تيار الزمن من ياقاتهم نحو المتاحف هم الذين يبحثون عن حبال اللغة المثقلة بالمراسي النحوية وبديباجات البيان ..
مانحتاجه للتعامل مع خطاب هذا الرجل الحديدي الذي تحدى العالم حتى الآن هو أن نبعد عنه المديح ماأمكن عندما سيهرع اليه المديح كما هرع اليه الجمهور الذي اندفع بعد نهاية الخطاب ..فالمديح يحب المنتصرين .. ومانحتاجه هو ضبط انفعالاتنا وتقييدها وحبسها في أقفاص الأضلاع مع قلوبنا.. فهذا خطاب رجل نحتاج ورشات علم اللغة وعلم المجتمع والسياسة لتفككيه ومعرفة أخلاطه ومركباته لأنه ليس صادرا عن ملك أو أمير من ملوك وأمراء الربيع العربي وسياسيي الروث العربي .. بل هو خطاب منسوج من قماش النصر ومحاك بخيطان الثقة .. انه اعلان نهاية مرحلة الربيع العربي !!..
فعلى حدود هذا الخطاب انتهى فصل الربيع العربي البغيض .. وفي هذا الخطاب وضعت الثورة الاخوانية أوزارها وانتقلت الى لعق جراحها .. انه أجرأ خطاب للأسد على الاطلاق .. لأنه خطاب الشعب السوري وعصارة صموده لعامين، ولأن الأسد كان يعرف أنه يقرأ رسالة كتبها الشعب السوري وأنه زعيم هذا الشعب العنيد .. وما قرأه الأسد كان بيان شعب محاصر قرر أن يجدل من البرد أغنية من نار .. وأن يعصر من الألم النبيذ ليكون لذة للشاربين .. كان الأسد ناطقا باسم الشعب ليوصل رسالة الى العالم .. رسالة من الشعب الذي استعمل لأول مرة في تاريخ الحروب قلوبه المرصوفة كالمتاريس بدل أكياس الرمل .. وصارت قلوبه مشاعل .. ومجامر البخور الوطني .. ووضعها على حدود الوطن كأشجار النخيل العالية وأحراج السنديان الكثيفة لتصد الرياح وعواء الذئاب..
أما الغرباء و"جيوشهم الحرة" وجبهات نصرتهم وكتائبها فكانوا يوقدون نارهم من النفط وأسرجة بني عثمان ويتمترسون خلف أكياس الرمال العربية الصحراوية وأكياس الفتاوى وأكياس اللحى .. حيث فقد الكلام العربي صوابه وشرفه وانهارت السدود الأخلاقية والوطنية .. وكأن اللغة شاخت وابيضّ شعرها وسقطت أسنانها وتجعد جلدها .. وأصيبت بالخرف والشيخوخة فصارت تهذي بالجاهلية الأولى ووأد البنات والبلاد .. وهاجمتنا بوحشية فيضانات الرذيلة والخيانة التي انفلتت من سدودها العتيقة التي بناها لنا الأنبياء وملوك الشرق العظام ..فهذا يصافح الغرب بلحيته وذاك يتبرع بلحمنا لبني عثمان ..
ولكن وقفنا جميعا في هذه العواصف وكانت صدورنا هي المواقد .. وقلوبنا هي المجامر .. ودمنا كان البخور .. وكانت المتاريس مبنية من قلوب فولاذية مرصوصة على الحدود السورية ..وفي كل الشوارع
يبدو الآن وبشكل يقيني بعد عامين أن الأسد ليس ضعيفا بل هو أقوى مما كان .. و يبدو جليا أن شعبه لم يتعب من وقوف متاريسه "القلبية" في وجه المغول والتتار والسلاجقة والصليبيين الذين جاؤوا دفعة واحدة من كل ممرات التاريخ والجغرافيا .. ولعل عبارة "الشعب يعدهم بأنه لن ينسى" والتي قالها الأسد في خطابه نقلا عن الشعب وتحت ضغط الجماهير هي التي تعكس القوة ورباطة الجأش الشعبي ومزاج التحدي لدى جمهوره .. فهذه عبارة لايقولها مهزوم .. ولايقولها من يسترحم أو من يتسول الخلاص.. هذه عبارة هي احدى مراكز القوة في كل الخطاب الرئاسي وهي مركز ثقل رئيسي .. وهي أول مرة ترد في خطابات الأسد .. وتطفو على مياه البحر السوري الذي بدأ موجه يتحرك كالجبال ..
"نعدهم أننا لن ننسى" هي العبارة التي اصفرّ لها قلب أمير وصار بلون الموز الأصفر .. وسيجف حلقه وسيطلب الماء ليكون الى جانب سريره في الليل والنهار ليشربه في "طاسة الرعبة" وسيضع منذ اليوم تحت وسادته الحجابات والتعاويذ لتحميه .. وهي العبارة التي سيلعن بها ملك آخر من ملوك الفياغرا الساعة التي قرر فيها الدخول في معركة من هذا النوع مع شعب عنيد من هذا النوع .. و"نعدهم أننا لن ننسى" هي أيضا عبارة سيتلوها همس في الشمال السوري يقول بالعربية الركيكة: أمان ياربي أمان ..أمان ياربي أمان ..
أما هناك في الجنوب ..جنوب الجولان السوري .. فهناك من يعنيه هذا الوعيد وبدأ يبني الأسوار والسياج الواقي على نافذة الجولان .. وهو سينام في ظلال القبب الحديدية ولن ينام في فراشه بعد اليوم .. فليس من المعقول أن ننسى أن أصدقاء سورية الذين اجتمعوا في كل العواصم هم في الحقيقة "أصدقاء اسرائيل" وكل هذا القتل والموت والعذاب كان من أجل اسرائيل وأمن اسرائيل .. ونحن قررنا أننا لن ننسى ..كل الدول التي اشتركت في حفلة الموت ورقصة النار ..وعلى رأسها الراقصة سالومه "الاسرائيلية" وأمها أميريكا .. التي أرادت رأس يوحنا المعمدان في دمشق..ثانية ..
فعبارة "نعدهم أننا لن ننسى" ليست من صنع الأسد بل رسالة شعبه الى الخارج .. وما الأسد الا رسول ينقل رسالة الشعب السوري.. لكنه ينقلها في توقيت يعرف من خلال موقعه القيادي كرئيس أنه يستطيع الآن أن يترجمها بالحرف لأنه صار يقف بين زمنين يملكهما تماما هما الماضي والمستقبل .. فالشعب السوري لن ينسى .. وغضبه وحسابه قادم .. ولن ينسى أعداؤه بعد اليوم هذا الحساب .. وسيقولون .. لن ننسى هذا الغضب..
كل من راقب الخطاب ولغة الثقة وتوقيت الكلام الرئاسي يشير الى تقارير مثيرة للقلق من أن الأسد اختار هذا التوقيت والظهور لأنه أمسك الآن بيديه أقفال الربيع العربي وصار بامكانه أن يضع الربيع في القفص وأن يغلق عليه الأقفال في سورية.. وصل الربيع الى سورية ليقفل عليها في زنزانات الظلام فاذا به ينتهي في الأصفاد ومرميا خلف القضبان لايرجو من هذه الدنيا سوى حسن العاقبة والمصير..
أما في تسلسل بنود مبادرة الأسد فيلاحظ أن أول بند هو اشتراط تعهد الخارج بايقاف السلاح والمال وايجاد آلية لتأكيد ذلك ليتلوه توقف عمليات الجيش السوري ليعقبه حوار وعفو .. هذا في علم السياسة شرط يضعه الطرف القوي الذي يملي وجهة نظره والطرف الذي يعرف أن هذه المعادلة السياسية لها اتجاه واحد فقط ولاتقبل السير في اتجاهين .. لأن من يمارس التخمين وفن التدويخ والغيبوبة في الأزمة السورية يضع الأشياء ضمن معادلة (البيضة والدجاجة) .. من أين يبدأ الحل ؟؟ البيضة أولا أم الدجاجة؟؟ .. أي من سيوقف الفعل كي يتوقف رد الفعل؟ .. أي يتشاطر البعض ويقول بأن الحل يبدأ من ايقاف الجيش السوري عملياته فيوقف الممولون والحاضنون الرعاية للمسلحين (المظلومين والثائرين) .. وهي قلب للمعادلة الواقعية 180 درجة .. وفي هذا تحويل دفاع الجيش العربي السوري عن الشعب السوري الى عمل اعتداء على الشعب واعتداء على المسلحين يجب أن يتوقف ..وهو شرعنة لعمليات القتل التي قامت بها مجموعات القتلة باسم الثورة..
وهؤلاء في قلبهم لهذه المعادلة يريدونها معادلة "خديعة" كما هي عادة شخصيات محور الشر التي لاتعرف الا الخديعة والغدر .. أي يطلب هؤلاء أن يتوقف الجيش السوري عن الدفاع عن بلاده فيما يستمر الدعم والتمويل سرا للمسلحين ريثما توجد القوى الشريرة ثغرة تمرّ من خلالها ثانية .. هذا مايسمى في علم الربيع العربي (حصان طروادة) .. فهذا الاتجاه في المعادلة يعني نفسيا أن الجيش السوري يحس بالضعف وأن الشعب وقائده مرتابون في حتمية انتصارهم فيقبلون بايقاف هجومهم فتتخلخل صفوفهم بانعدام الثقة بأنفسهم .. أي يجري تمييع الانجاز الأمني والعسكري للجيش السوري وللدولة والشعب السوري وفي نفس الوقت يتم تحويل التقهقر والتآكل في قدرات المسلحين وأعدادهم الى انجاز وصمود ..
وفي هذا النوع من الصراعات العسكرية لايمكن للطرف المدافع أن يقبل بايقاف دفاعه (الهجومي) كي يوقف المهاجم هجومه .. فالمهاجم هو من يوقف الهجوم ليتوقف الدفاع .. فالمدافعون عن القلاع هم من يجب أن يستمر في الدفاع الهجومي ضد الطرف المهاجم الخارجي المعتدي.. ولاتتوقف الحرب حتى يقبل الطرف الخارجي بايقاف هجومه .. وليس بأن يوقف المدافعون دفاعهم .. وأي قبول من المدافعين بعرض المهاجم بادخال حصان طروادة هو المقتل نفسه .. والسياسي السوري ليس سياسيا ساذجا كي لايفهم اللعبة .. ومن هنا يبدأ الخط الأول في معادلة لاعكوسة ..وهي تعهد واتفاق على ايقاف الدعم والتسليح والتمويل .. ليتتابع شلال الحل بسلاسة ..
أن ظهور الأسد دوما يعني نهاية مرحلة وبداية أخرى وهذا مايبدو جليا منذ بداية الأزمة السورية وأحاديث الأسد التي شكلت مفاصل الحدث السوري وتنقلاته عبر المراحل .. ففي المراحل السابقة كان الأسد يشرح للشعب الوضع الاقليمي والعالمي والداخلي وتعقيدات كل منهم ويجيب على بعض القلق والغموض في الأحداث الدولية .. لكنه اليوم ينتقل الى توصيف النهايات ومراحلها وكيف يجب أن تبدأ النهايات والمستقبل .. وهذا الظهور مؤخرا ماهو الا مقدمة لمرحلة لاتشبه المراحل السابقة .. وظهور يأتي بعد "حصاد وفير" .. فهناك على الأرض توافر لآليات أمنية وعسكرية ومعطيات غزيرة عن كل تفاصيل المجموعات المسلحة المتقهقرة .. وهناك ايضا تفكك غريب لبعض المجموعات المسلحة .. وهناك تفاوض مع مجموعات كثيرة تطلب القاء السلاح .. بعضها لم يعد يريد سوى الرحمة .. وبعضها يريد محاكمة عادلة .. وبعضها يطلب عفوا من الأسد شخصيا لأسماء محددة من قيادات المسلحين ..والغريب أن بعض المجموعات التي كانت هي الأكثر صراخا وتهديدا هي من قدمت التنازلات السخية بل وقدمت معلومات مثيرة عن المجموعات الأخرى ..الرؤوس صارت تبيع الرؤوس ..وبعض الرعاة يعرضون الأغنام للمقايضة .. والجيش السوري يحصل على معلومات شديدة الدقة عن جبهة النصرة من أكثر حلفاء جبهة النصرة التصاقا بها وحميمية لها..
ومن هنا بنى الأسد مبادرته ووعد بالعفو "الحكومي" لمن يلقي السلاح من السوريين في اطار المبادرة فقط لأن ماعلى طاولته من طلبات العفو من القيادات المسلحة ومن أسماء لامعة وضعت عدة خطوط تحت عبارة (كان مغررا بنا) أو (سوء تقدير وقراءة) لن يدهش البعض بل سيدهش الجميع ..
ولعل الأهم أن المسرح الدولي بدأ يغير ديكورات الربيع العربي وديكورات التنحي وتحرير الشعب السوري ..الستارة أسدلت على فصل انتهى وخلف الكواليس يتم التحضير لمشهد (الخروج السلمي مطلوب ومرغوب لتجنيب المزيد من العنف) ..والمخرجون وكتاب النص مختلفون على بعض التفاصيل.. مثل الفترات الانتقالية ومعانيها ..والبرلمان ومعانيه ..
وبرغم كل ماقيل وتم ترويجه عن تراجعات الأسد وماقيل عن بيع للجغرافبا فان خطاب الأسد أمسك بالجغرافيا كلها ووضع كل المقايضات في سلة المهملات .. فالجولان جولان وفلسطين هي فلسطين .. بل ووردت كلمة أراضينا المحتلة بعد الجولان وفي بطن هذه الكلمة يشير البعض الى مولود واحد فقط هو لواء اسكندرون وهذا التسلسل يعني أن الأولوية للجولان وفلسطين ولاتنازل عن اللواء اطلاقا .. بل ان بقاء فلسطين في أدبيات الخطاب السوري هي احالة رأس خالد مشعل الى محنط من محنطات الزمن الماضي ..بعد أن امتلأ نفطا وثروة بدل الثورة..
سلة المهملات التي بجانب الأسد امتلأت بنفايات الخطابات العثمانية وعضلاتها والمناطق العازلة والتدخل والفصل السابع وتنحي الرئيس وتهديدات الجامعة العربية وبطولات النعاج في النطح والتيوس في السياسة .. وملأتها الأيام والساعات بأنواعها من مثل الساعات الباقية له في الحكم أو ساعات الصفر .. وغيرها .. وفي سلة النفايات رأس ساركوزي ورأس هيلاري كلينتون ..وهناك رؤوس أينعت وحان قطافها والسلة تستعد لتلقفها..والحصاد القادم وفير ..وموسم الجني كريم هذا العام..رغم بعض الأشواك التي ستخز أصابعنا خلال الأشهر القادمة ..ففي الحصاد تتشقق الأيدي وتدمى الراحات ..والأشواك لن توفر فرصة لايلامنا قبل أن تتكسر ..ولايستبعد أن يجن جنون المجانين في الأيام القادمة ..لكنه جنون الاحتضار وجنون الهزيمة وخيبة الأمل من بعد كل هذه الوعود بنزول الملائكة لتمكين حكم الشريعة فاذا بالملائكة تعتذر عن تلبية الدعوة ..
في خطاب الأسد تحدث الشعب السوري بنفسه .. وتحدث المحور الدولي العظيم الناهض في الشرق من شواطئ المتوسط حتى الصين .. وفي مبادرته ادراك عميق لأن المرجعية هي الشعب ولاأحد غير الشعب .. ولذلك وضع كل شيء أمام هذا الشعب في صناديق اقتراع واستفتاء على كل شيء .. لن ينفرد بالقرار أحد الا الشعب السوري الذي سينفرد بقرار نفسه.. وهذا ليس لأن الاسد واثق من نصره في صناديق الاقتراع والاستفتاء بل لأن هناك ثقة مطلقة بالشعب واحتراما كبيرا لهذا الشعب الوفي الذي يستحق الوفاء والعطاء والانحناء .. وهو على يقين أن ماسيختاره ويقوله الشعب السوري هو الصواب واليقين .. لأن القوة التي كانت تمسك بكلمات الأسد من الواضح أنها مستمدة من الشعب ..
وسأقول رأيا هو رأيي الشخصي ورؤياي أنا .. ولاأدري ان كان الكثيرون يتفقون بها معي أو يختلفون .. وهي أنه لن يوجد في التاريخ السوري شخص سيملك هذه العواطف السورية الجامحة الجياشة ويمسك قلوب السوريين مثل الرئيس بشار الأسد .. ولن يوجد زعيم عربي سيحظى بقلب الشرق مثل الرئيس بشار الأسد لأنه ولمشيئة الأقدار ينهي انجازه الثالث بعد أزمتي حرب العراق ومحنة لبنان ..عبر النصر الثالث في الحفاظ على أرض سورية وهوية الشرق .. وفي زمن لم يبق فيه في كل الوطن العربي من مقاوم للغرب واسرائيل ..وفي زمن أضاع الشرق بطاقة هويته وذاكرته واسم أمه وأبيه وعنوان بيته وحقيبة ثيابه وكتبه المدرسية .. وهذا الرئيس في موقف يتحدى فيه الدنيا ويبارزها بمهارة .. انه موقف لايجرؤ عليه زعيم في الشرق كله ..ومن تجرأ على ذلك خسر رغم شجاعته..
انني كنت أكتب طيلة هذه الأيام وأنا أغمس قلمي في قلبي .. أشق قلبي وأغرز القلم في أعمق نقطة من قاعه العميق حتى يرتوي القلم .. ثم أسكب مارشف على الورق .. وأسكب حتى يرتوي الورق بدوره ويفيض .. لأنه لم يكن أمامي وأمام كل الكتاب الوطنيين في هذا الجنون والسعار الا أن نشق صدورنا ونستخرج قلوبنا ونضعها على حدود الوطن كأشجار النخيل العالية وأحراج السنديان الكثيفة لتصد الرياح..
لكنني منذ اليوم سأغمس قلمي في قلب النصر واليقين .. وفي أعمق نقطة من قاعه العميق حتى يرتوي القلم .. ثم أسكب مارشف على الورق .. وأسكب حتى يرتوي الورق بدوره .. ويفيض..
محمد حسنين هيكل، حجر رشيد مصر .. لايقرأ اللغة المسمارية..بقلم: نارام سرجون
التاريخ 17/1/2013: سمعنا جميعا مقابلة الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل مؤخرا والتي صرح فيها بأشياء كثيرة عن سورية وطرح أمامنا قراءات واستطلاعات .. وأنا عندما أستمع الى هيكل أستمع كتلميذ معجب جدا بأستاذه لكنني تلميذ مشاكس لايعتقد بمعصومية الاستاذ دوما فهو يرى أيضا أن الأستاذ لايوفق أحيانا .. وهذا لاينقص من قدر الأستاذ ومكانته الرفيعة واحترامي له .. بل ربما يزيد بعض الخلاف في وجهات النظر من توطد علاقة الاستاذ وطالبه في النقاش العلمي والموضوعي .. وهي تجربة تعلمتها في مناقشاتي الكثيرة مع الكبار وليس من مناوشات الصغار .. وربما كان للمنهج العلمي الذي تعلمته أثره في تلك العقلية المشككة والمشاكسة والتي لاتشبع من أسئلة لاتنتهي من مثل لماذا .. وكيف .. ومتى.. وهل .. التي تتصدى لأي كلام أسمعه ولأي كلمة تريد العبور الى عقلي دون تدقيق تحت شعار يحكمني بشكل ديكتاتوري هو: "أنا أفكر .. اذا انا موجود" .. وهذا العقل النقدي الذي يحاول أن يثقب الحجب في بحثه عن الحقيقة هو مايجعل حياتي صعبة أحيانا .. كما يجعل حياة الآخرين الذين يشنون الغزوات على عقلي صعبة ومهمة ليست يسيرة ولاجذابة لهم لما فيها من ارهاق اقتحام الحصون ومتاريس الأسئلة الصعبة المشاكسة..
هيكل في نظري هو الذي يستحق لقب المفكر العربي فهو رائد وظاهرة صارت عزيزة على قلوب الكثيرين ومصدر فخرها فهو يحمل في حقائبه قطعا كاملة من القرن العشرين وقصاصات من التاريخ .. وهو خزان من خزانات الحقيقة .. ولايجوز عند التخاطب معه الا أن نحترم فيه شيئا خاصا لايملكه غيره من المحيط الى الخليج .. وهو ظلال عبد الناصر .. وضمير مصر العربي بهزائمه وانتصاراته وقلبه المتعب من نذالة العرب ..والمضمخ بالأحلام الرومانسية لثوار مصر في القرن الماضي..وهو من يقف على يمينه القرن العشرون ليمسك يده اليمنى وعلى شماله يقف القرن الواحد والعشرون ليمسك يده اليسرى..
عندما نختلف مع الكبار عندما لايوافقوننا فهذا لايعني أنهم على خطأ واننا على صواب .. ولايعني أننا أدرى منهم في القضايا الشائكة ..ولايجوز استلال السيوف والسكاكين والسياط والمشارط .. ولايعني أن نفتح خزائنهم وننثر أغراضهم وخصوصياتهم .. ونبعثر دفاترهم وأيامهم على الأرصفة .. ونفتش عن ارتعاش العمر في أياديهم وثقوب الذاكرة في حديثهم ونعد لهم العمر والعقود ومابقي لهم من أيام على الرحيل والترجل من قاطرة العمر .. هذا الانفعال يعني ضعفا وقلقا ونزقا.. وهو لايقنع وربما يدل على توتر وتعصب أعمى لوجهة النظر والرأي ..وعندما يسود التعصب يسقط الرأي .. ويسقط المجتمع .. وتسقط قوة المنطق .. واذا سقطت قوة المنطق .. صار أحدنا اما قاتلا أو مقتولا ..وبالمعنى الحالي يصبح ثورجيا من ثورجية الربيع..
ولكن اختلاف الكبار والمرموقين معنا لايعني أيضا أننا على خطأ .. وهنا كمنت معضلة الثورة السورية التي كلما أطل عليها وجه من الوجوه المرموقة قليلا أو فيها كمية زهيدة من المرموقية وبايعها وغمس اصبعه في دواة حبرها الأحمر هللت وكبّرت كما لو كان عمار بن ياسر يقف قبالتنا في معسكر الخصم ونحن الفئة الباغية .. والثورة صنعت من كل الناعقين بخراب الدولة السورية عمار بن ياسر وأحاطته بالطبول والمزامير ووزعت الحلويات كما في حفلة طهور ابن ملك المغرب .. حتى امتلأ معسكر الثورة بمئات من عمار بن ياسر (المصنّع) في عملية انتاج غزير .. ومع هذا لم تنجح الثورة وسقطت في المنحدرات وتعثرت كثيرا .. وحملت على المحفات والنقالات عشرات المرات ودخلت العناية المشددة عشرين مرة .. وفي كل مرة يدخل فريق الاسعاف الاوروبي المحمول جوا والجراحون الامريكيون والاسرائيليون والممرضون من الفرق الطبية العربية وسائقو الاسعاف والمتبرعون بالدم من الخليج ودافعو الضرائب والحمالون الأتراك .. ويزرعون لها الكلى والقلوب والأكباد والأعضاء والأيدي والأرجل والعيون .. وفي آخر عملية اسعاف في الدوحة تم زرع مخ جديد بدل المخ برهان غليون الذي تعطل واهترأ وأصابه الفالج .. وهي الآن تسير بمخ معاذ الخطيب..عل الثورة لاتقع في الفالج مجددا..
الثورات والتحولات الكبرى التاريخية لاتتبع أهواءنا .. ولاتتبع حفلات الطهور ولا علب الملبس التي توزعها شخصيات تنتمي الى الثورة أو لاتنتمي اليها .. ومن هنا كانت الاحباطات الثورية التي وجدت أن كل هذا الحشد من الكتاب والمفكرين والصحف والاعلاميين اللامعين .. من عزمي بشارة الى حمدي قنديل الى فيصل القاسم والقرضاوي ورجال الدين وانشقاقات آل طلاس ورياض محجوب .. والأمراء والملوك العرب ورجال المال ورجال الأعمال والنفط وأوروبة وريتشارد قلب الأسد في انكلترة وملوك بلاد الغال الفرنسيين والأخ أبو عمامة أوباما وسلطنة بني عثمان كلها والجيش الانكشاري وسعدو ذيل الأسد في لبنان .. والقاعدة والظواهري والاخوان المسلمون من شمال افريقيا الى تركيا .. وكل العمليات النوعية في مجلس الأمن ..ومع هذا لاتزال الثورة على ضفاف سورية تموت قهرا وكمدا وغيظا ..فتقتل طلاب الجامعات في حلب نكاية بالنظام ومعاهده العلمية وتحديه العالم ..
ان من يعتقد أن رأيا لفلان أو تصريحا لفلانة هو من يصنع الأحداث أو يقرأ المستقبل فانه يصنع للثورة ثياب العزاء .. لأن الرهان على قراءات الآخرين لكتابك وكتاب جدك هو الانتحار .. كتب أقدار الأمم لايستطيع قراءتها الا أبناؤها ومفكروها المخلصون .. فمهما تحدثنا عن مصر فان ابناء وأصحاب الهيروغليفية وكتابات جدران الاهرامات وأبناء النيل أدرى منا ببلادهم .. فلكل بلد لغة ولكن البلدان والحضارات التي اخترعت حروفها وكتابتها لايستطيع قراءة عقلها الا مفكروها وكتابها وأبناؤها الذين تصير الكتابة جزءا من جيناتهم وتقدر عقولهم على فك رموز الشيفرات التاريخية وتتفاهم مع الأحداث وكذلك نحن فان كتابنا السوري لايعرف أن يقرأه الا السوريون .. فالسوريون لهم كتابتهم المسمارية الأولى .. والأمم التي اخترعت كتابتها لايقرأ لها طالعها ومستقبلها الا من يقرأ في كتبها بلغتها وحرارتها وانفعالها..
قد يتبرع آخرون لقراءة ماهو مكتوب لكن لايقرأ المسماريات السورية الا السوريون ..ومن هنا عجز مفكر مدرب على اقتحام اللغات والعقول في معهد فان لير باسرائيل اسمه عزمي بشارة عن التنبؤ بصمود السوريين.. وعجز السلطان السلجوقي أن يفهم سبب استعصاء الصلاة في الجامع الأموي رغم استعداده لذلك مرارا وفي كل مرة يخلع جواربه ويتوضأ بتصريح حقير .. ويتيمم بالدم .. ومع هذا لم يستطع أن يقرأ للسوريين يوما واحدا من مستقبلهم ولاأن يقرره لهم .. فماباك بأوباما الذي كان يعد الساعات لسقوط النظام .. ووصل به الحد أنه كان يقول انها الدقائق الأخيرة للنظام .. فاذا به يقول الآن بشكل غير مباشر .. انها السنوات الأخيرة ..ان سنواته معدودة ..وسيأتي بعده من يقول انها العقود الأخيرة للنظام
السبب هو أن علينا أن نجد قارئا يقرأ الكتابة المسمارية كما كتب أجدادنا على الرقم المسمارية السورية في أوغاريت..
هاهو الأستاذ الكبير هيكل يدلي بدلوه في الشأن السوري .. وأنا قرأت لهيكل كثيرا واستمعت اليه كثيرا لأنني أحبه كثيرا ومعجب به كثيرا .. وقلما وجدته أخطأ .. لكنني وجدت أمرا ملفتا للنظر في متابعاتي الطويلة لهيكل .. فهيكل لايخطئ في القضايا المصرية اطلاقا وهو خبير بها الى حد يكاد يكون بمثابة حجر رشيد في الشؤون المصرية .. فلكي تعرف ماجرى في مصر منذ آلاف السنين عليك بمعرفة سر حجر رشيد الشهير الذي يفك شيفرة الهيروغليفية .. واذا أردت قراءة مايجري في مصر الآن فعليك بحجر رشيد مصر الحالي وعقلها الرشيد .. محمد حسنين هيكل .. ولكن حجر رشيد والعقل الرشيد يتعثر بسهولة اذا خطا في النقاشات خارج حدود مصر .. فاذا نوقش بشأن أوروبي صرف تكثر عثراته وتقل اصاباته .. لكنه لايخيب أبدا اذا نوقش في قضية أوروبية لها امتداد في شأن مصري أو ذراع في وادي النيل .. فمثلا كان هيكل قد أصدر حكما على أوباما بأنه لن يفوز بالرئاسة الأمريكية الأولى لأن أميريكا ليست مستعدة بعد لرئيس أسود أو لامرأة كما قال .. وكانت كل الاستطلاعات تقول عكس ذلك ومع هذا أصر الاستاذ هيكل .. لكن بعد ساعات تبين أن هيكل أخطأ .. وهناك أمثلة عديدة على هفواته وتوقعاته .. وهنا ليس من المستساغ ذكر قائمة بأخطاء توقعات هيكل لأنها تبدو محاولة استغلال أنه لم يوفق في أمكنة أخرى لاثبات خطئه الآن في الشأن السوري .. وهذا الاستناد الى اخفاقات سابقة له ليس دليلا على أنه على خطأ الآن .. لأن هيكل كان على صواب عدة مرات عندما أخطأ مرة واحدة .. والأفضل أن يؤتى باستنتاجه الى غرفة التحقيق العلمي لمعرفة علته لا بما قاله سابقا وفشل فيه .. ويجب عدم التعامل بتوتر مع قراءاته في الشأن السوري ..فكما لاتزر وازرة وزر أخرى فان قاعدة علم الاحصاء الذهبية هي أن كل نتيجة احصائية تشبه القرعة في السحب وهي مستقلة ولاترتبط بما بعدها ولا بما قبلها ..
ان اختلفت مع هيكل فلن يكون هذا سببا في التقليل من شأنه كأيقونة عربية في العمل الصحفي والتحقيق التاريخي وبالطبع لن يكون سببا في اسقاط رأيي وقراءة الفاتحة عليه .. وبالطبع لست ممن سينحو باللائمة على تقدم هيكل بالعمر وسني الشيخوخة لاتهامه بالخرف كما درجت العادة .. لأن الرجل متقد العقل والذاكرة أكثر من برهان غليون مثلا الذي تصرف ببلاهة منقطعة النظير وبدا متأثرا بالزهايمر المبكر وهو يتصرف كرئيس حتمي ..ولايبدو اللجوء الى هذه الحجة الا لجوء الطبيب الحائر في علة مريض .. فيلوم العمر المتقدم والسنين العجاف ..وهي حجة تصح مع (أبو متعب) مثلا أو القرضاوي .. ولكن مع هيكل ذي العقل المتقد المتوهج .. لاتجوز .. وهي تستوجب الاعتذار ..
ولكن أين اختلفنا مع أستاذنا ..؟؟ وكيف نرى ونقرأ له من كتابنا.. وهل نصحح له ملاحظاته أم نصحح كتابنا المسماري؟؟
نموذج انساني بديع ..والرغبة الصادقة في نشر الديمقراطية
ما يلفت النظر في حديث هيكل الأخير أن هيكل لم يقم بامتداح شخصية عربية دون توجيه انتقادات ولوم .. وهو معروف جدا أنه لايعطي صك براءة لزعيم عربي (باستثناء الرئيس عبد الناصر) بل حتى عبد الناصر لم ينج من لومه .. وهو لايضع نفسه اطلاقا في مرمى أي ملك أو أمير.. كما أن انتماءه والتصاقه باسم عبد الناصر يجعله أقرب الى انتقاص الملوك والأمراء لكنه في هذا التصريح العجيب عن احتمال انحيازه لأسرة آل خليفة بحكم الصداقة مع آل ثاني (الأسرة ذات النموذج الانساني البديع كما وصفها ..قبل أن يتغطى بقبعة صغيرة بقوله انه معجب بها لكنه مختلف معها سياسيا) يبدو فيه هيكل ليس على مايرام.. وقد وضع هذا الكلام هيكل مباشرة تحت مظلة موزة بنت مسند .. وكال المديح اثر المديح .. ومسح بالطيب جسد حمد ..ثم عصر منه كلمة (الأسرة البديعة) و(الرغبة الصادقة في نشر الديمقراطية) !!..
وهذا التعثر لصحفي كبير بجسد أمير وقشور موز يجعل من حمد يرتقي ليقف على كتف عملاق .. ليبدو كبيرا ..وهذه عثرة كبيرة جدا فكيف لأسرة فاسدة تنفق المال وتبذره بسفه .. ونصف سكان أمارتهم هم عائلات جنود قاعدة العيديد .. ونصف طائرات (بي 52) التي قصفت العراق وقتلت عشرات الآلاف تبيت في ظلال قصورهم .. وحملت حمولتها من مخازنها في قطر ..ونصف فتاوى الدم والطوائف تنطلق من عيديد فم القرضاوي .. وبعد هذا يصفها هيكل بالنموذج الانساني البديع !! .. وكأنها من سلالات القياصرة أو ذرية بطرس الأكبر وآل بوربون أو آل ميديتشي الفلورنسية .. أعتقد ان الكلمة مشينة جدا ..ومعيبة جدا ..ومخجلة جدا .. ولايمكن فهمها ببراءة الأطفال..والغريب انها تتناقض بشكل فج مثير للاضطراب مع اشارته الى تدفق 15 مليار دولار الى سورية لتقسيمها وتقاتل شعبها لتسعد اسرائيل .. وهو يعلم أن نصف هذا المال جاء من أسرة النموذج الانساني البديع !!!
الشرعية
ولكن التناقض الثقيل الآخر الذي ظهر في اعلان (النموذج الانساني البديع) هو تبرير اعتذاره عن زيارة سورية لأن الحكم فيها لم يكن شرعيا.. فالاعتذار عن زيارة سورية كما قال بأنه كان لتجنب مباركة التوريث موقف لايبدو مقنعا كثيرا ..لأن مقابلات الرؤساء والزعماء لاتعني اعطاءهم شرعية .. شرعية الحكم والقادة تأتي من التاريخ ومن انجازاتهم .. ومن الشارع .. ولم يحصل أي رئيس على شرعيته من خلال زيارة هيكل له أو زيارة أي مفكر؟؟ ولم يحجب هيكل الشرعية عن رئيس باعتزاله والامتناع عنه ..بل ان مثل هذا الكلام يعطي انطباعا أن الاستاذ هيكل نفسه صار يعتقد أنه ملك الملوك مثله مثل القذافي (الذي هاجمه هيكل قليلا) وينظر للجميع بمنظر أنه هو من يمنح الشرعية .. وهو في النهاية عميد الصحفيين العرب واستاذهم .. لكن انجازات القادة الكبار هي التي تمنح الشرعية .. وليست أقلام وصفحات الجرائد..وصداقات الكتاب والاعلاميين ..
وهنا يظهر التناقض المذهل .. فكيف يمنح هيكل شرعية لحكم أميري بلا دستور ولانهج حكم ويصفه بالبديع ..ثم يصر على رفض زيارة سورية كي لايمنح حكمها الشرعية؟؟ !!! ولن أخشى القول بأن شرعية ومرجعية هيكل الوطنية هي التي جرحت قليلا بمدحه أسرة من أردأ أسر الحكم العربية وأكثرها ظلامية وتخلفا واكثر أسرة عربية صار في رقبتها دم عشرات آلاف العرب من العراق وحتى ليبيا .. وفي مصر في قادمات الأيام كما يعتقد كثيرون..
أما مسألة الشرعية الجريحة للنظام السوري والتي أشار اليها بعد سقوط آلاف الضحايا فهي بالضبط سر الربيع العربي بسفك الدم أو التحريض على العنف كي يتورط الجميع في دم الجميع فتسقط الشرعية عمن تقرر المؤسسات الاعلامية أنه هو القاتل دون تحقق أو تحقيق .. الغاية الرئيسية من كل الضغط الاعلامي والتزييف في الحدث السوري هو ايصال الجميع الى هذا الاستنتاج الذي حتى صخرة هيكل القوية تأثرت به واعتبرت أن الشرعية جرحت بسبب النزاع أو بسبب الضحايا من الجانبين أو بسبب الضجة الدولية ..الخ..
فمنذ الأحداث الأولى ومع قطرات الدم الأولى أعلن الثورجيون سقوط الشرعية (اللي بيقتل شعبه خائن - أي لاشرعية له).. ولكن كيف يحتفظ قتلة الثورة بشرعيتهم وتسقط عن الدولة والرئيس .. لو كان الضحايا من معسكر الثورة فقط لجرحت الشرعية للدولة الوطنية السورية وفقدت عذريتها ..ولكن نحن أمام صراع بين طرفين لم يتردد الطرف الثوري فيه في التمادي في العنف الأقصى بشهادة الجميع وبمعرفة هيكل طبعا الذي لاينكر ذلك بل ويشير الى وجود الموساد في معسكر الثورة علنا.. وهنا نحن نظريا امام اما سقوط شرعية النظام والثوار معا بافتراض تبادل العنف غير المشروع .. أو بقاء الشرعية لهما حتى انتصار أحدهما عسكريا .. لكن أن تسقط الشرعية عن طرف واحد لأن الآخر هو من تقدم بالشكوى والعويل واللطم أمام مجلس الأمن وهو من جاء بشهود الزور فهذا حكم غير رشيد من حجر رشيد .. بل ان وجود كل الحلفاء الغربيين واسرائيل الى طرف الثورة هو الذي يسقط عنها شرعية العمل الثوري والشرعية الوطنية .. وهي أهم من الشرعية الدولية وشرعية الدساتير والمطبوعات القانونية الكثيرة بالطبع وتأتي قبلها بدرجات .. والشرعية الوطنية هي بمنزلة الرأس على جسد الشرعية الدولية .. والا كيف نفسر بقاء شرعية عبد الناصر بعد هزيمة مرة كالعلقم وفشله في أهم مهمة هي حماية الأمن الوطني والقومي؟؟ ان شرعيته كمهزوم قررها الشارع رغم ان آلاف الشباب المصريين ماتوا في صحراء سيناء بسبب حماقة القادة العسكريين الذين كان عبد الناصر يقودهم ..وكانت مظاهرات التأييد هي كالخاتم على قرار الشرعية الوطنية لعبد الناصر ..كما أن الضحايا الذين قتلوا في سورية - من معسكر الثورة تحديدا - في غالبيتهم هم مثل الاخوان المسلمين والقاعدة الذين فرمهم الرئيس عبد الناصر سابقا في مصر وشنق زعيمهم الروحي سيد قطب (دون أن تسقط شرعيته) ..وهم مثل الاخوان المسلمين الذين سحقهم الرئيس حافظ الأسد ولم تسقط شرعيته بل والتقاه هيكل بعد أحداث حماة كما سمعت ..
ولو نظر الأستاذ هيكل الى مظاهرات التأييد للرئيس الأسد بعد اندلاع الأزمة لأدرك أن شكوكه بالشرعية انتهت كما انتهت الشكوك بشرعية بقاء عبد الناصر بعد الهزيمة بالمظاهرات الشعبية المؤيدة له ..
ولولا الأسد وتحالفه مع نجاد لما هزم الأمريكيون في العراق.. ولولا الأسد لما تمكن نصر الله من الصمود في لبنان ليخلق ظاهرة فريدة تعجب لها هيكل وتمنى المحافظة عليها ..وهي انجازات وطنية تمنح الشرعية الوكنية بقوة ..
كما أن شرعية روزفلت لم تسقط بخرقه للدستور الأمريكي وترشحه للرئاسة ثلاث مرات بدل اثنتين لضرورات الحرب .. وشرعية ترومان لم تسقط بارتكابه أكبر جريمة حرب التاريخ البشري في هيروشيما وناغازاكي .. ولافي وضعه المواطنين الأمريكيين من اصول يابانية ضمن معسكرات اعتقال بعشرات الآلاف كما أسرى الحرب خوفا من تعاطفهم مع جذورهم..
لاتسقط الشرعية بمجرد حدوث تمرد داخلي وهنا سأضرب مثالا ليس للتشبيه لكنه للمقارنة التاريخية .. فمثلا لو كانت النزاعات الداخلية سببا في جرح الشرعية لسقطت شرعية أبي بكر لحدوث تمرد عليه من قبل قبائل عربية اعترضت على خلافته وعلى دفع الزكاة وأرادت الاستقلال عن الدولة الجديدة .. وحدث تمرد كبير وواسع ومات في حروب الردة التي استمرت قرابة عامين خلق كثير ومعظمهم من حفظة القرآن مما استدعى أن يقوم عثمان بتدوين القرآن بسبب تناقص اعداد حفظة القرآن بعد حروب الردة بشكل مثير للقلق ..
هل نقصت شرعية عثمان بن عفان أو جرحت بتمرد جاء من مصر؟؟ طبعا لا .. وهل سقطت شرعية علي أو جرحت بسبب حرب صفين وتمرد معاوية وحرب الجمل واصطفاف السيدة عائشة؟ طبعا لا .. وهل سقطت شرعية معاوية بعد علي؟؟ ربما نظريا لكن على أرض الواقع استمرت لاشرعيته النظرية من بعده عدة عقود ولم تسقط الشرعية الأموية الا بالهزيمة أمام العباسيين .. وبقي جزء من الدولة والمسلمين مؤيدين لاستمرار "شرعيته"..
ويبدو مصطلح الشرعية مسطحا جدا وبسيطا جدا في مفهوم الأستاذ هيكل .. فيما هو مركب معقد جدا .. لايصح اطلاقه واستعمال مسطرة الكتب والدفاتر بل مسطرة التاريخ ..
الشرعية تأتي في النهاية من الاستقرار الشعبي والارادة الشعبية وبمقدار حماية الشعب والبلاد والجغرافيا والثروات والقيم الحضارية والانسانية من الكوارث الكبرى .. وليس من دفتر هيلاري كلينتون ..ودفتر بان كي مون ..اللذين يمنح شرعية لآل سعود وكارازاي .. وخالد مشعل ..واريئيل شارون ..ويجرد حسن نصر الله وياسر عرفات من الشرعية كما يحلو له..
السقوط مسألة وقت؟؟
ثم يتعثر الأستاذ هيكل تعثرا كبيرا ويقع في المحظور الذي صار يتجنبه الجميع .. وهو القاء الحتميات وتحديد المواعيد .. فقرر أن الأشهر الستة القادمة ستشهد سقوط النظام الذي سيسقط حتما ان عاجلا أو آجلا ..وقد نسي أنه أبده دهشته وذهوله من صمود النظام عامين في وجه الحرب النفسية الهائلة .. فكيف يتماسك نظام لعامين ويضرب العالم كفا بكف وتنعقد ةالألسنة ثم لايتوقع حدوث صمود آخر لسنتين أخريين مثلا ؟؟ ويذكرني اعتقاده اليقيني بسقوط النظام بوزير الدولة البريطاني الراحل الشهير روبن كوك (وهو من المعارضين الأشداء لحرب العراق وقد قدم استقالته احتجاجا على ذلك) الذي أحس بالغضب عندما سئل توني بلير بعد قرابة سنة على سقوط بغداد عن عدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق وقد تمكن الأمريكيون من تفتيش فم صدام حسين فقال باقتضاب: سنجدها انها موجودة حتما ..انها ستظهر دون أدنى شك .. فما كان من الوزير روبن كوك الا أن قال معلقا على اجابة توني بلير: "انني على يقين أن توني بلير هو الوحيد على هذا الكوكب الذي بقي لديه هذا الايمان أو الذي يجرؤ على قول هذا الكلام" ..
وربما سأمنح أستاذنا هيكل نفس التعليق.. انني على يقين أن الأستاذ هيكل هو الوحيد على هذا الكوكب الذي لديه هذا الايمان أو الذي يقول ذلك الكلام..ومراكز الأبحاث الكبيرة التي لاشك سيقدر الاستاذ هيكل على متابعتها ترى أن سقوط النظام محال الا في حال سقطت الصين وروسيا معا ..لأن هاتين الدولتين (وحسب مقابلة هيكل نفسه) تعرفان أن سورية هي بداية معركة المصير لكليهما بعد عقد أو عقدين ..ومن يفوز بسورية سيفوز بشرق آسيا ووسطها ..لأنها بوابة الى ايران وايران بوابة الى شرق وقلب آسيا ..وايران هي العقبة الأخيرة قبل معركة آسيا الكبرى ..
حكايات الهنود الحمر
أما حكاية حسن عبد العظيم وميشيل كيلو وترشيحهما للعب دور قيادي قادم فهو يدل بقوة أن من يقرأ الهيروغليفية لايقدر على قراءة اللغة المسمارية .. وأن التقاعد في المكاتب يبعد الصحفي اللامع عن نبض الناس والشارع ويحرمه من النزول الى الميدان ورحلات كولومبوس لاكتشاف القارة السورية المجهولة .. ويعتقد قراء الكتب المتقاعدون أنها مليئة بالهنود الحمر الذين سينقرضون وتظهر دولة جديدة منها وولايات اسلامية "متناحرة" تبدأ حربا أهلية وتنتهي الى ما يسمى الولايات المتحدة الاسلامية .. ان طرح حسن عبد العظيم السلفي الذي كان يسلح المسلحين في ريف دمشق وميشيل كيلو كأسماء مناضلين كشف لي أن أستاذي الذي أحبه لم يقرأ كل فصول الكتاب السوري الذي حاضرنا به واكتفى بقراءة الهوامش بسرعة وربما قرأ في كتاب هيلاري كلينتون .. وهذا الطرح بالذات يكشف أن هيكل لايعرف شيئا عن التفاصيل السورية وأن رأيه فيها جريح وغير قابل للحياة ... انه اقتراح يشبه طريقة الاسلام هو الحل بكل عشوائيته وفوضويته وعباءته الفضفاضة .. والاستاذ يعرف معنى هذه العبارة ودورانها ودوخاتها ..
أحس أن المقابلة قد حشرت فيها بعض الكلمات لتصبح في جزء منها نشرة من نشرات الجزيرة .. ولو شطبنا اسم هيكل من المقابلة في هذا الجزء لحسبنا أن اللقاء هو مع جبر بن جاسم بن جبر أو أنه مقتطف من صحيفة عبدالباري عطوان (أورشليم) الصادرة في لندن وبالذات من صفحة (الصحف العبرية التي يفرد لها عطوان صدر بيته وهي تمزق لحم الأسد منذ عامين دون توقف وبلغ عدد عناوين الصحف العبرية في صحيفة أورشليم التي أحصيتها وتتنبأ بسقوط الأسد 138 عنوانا)
أعتذر منك استاذ هيكل .. قراءتك ليست عميقة وقراءة الهيروغليفية لاتعني القدرة على فهم المسمارية السورية .. وسأكتب لك مقالا بعد عام وليس بعد ستة أشهر .. وأكتبه لك وأختمه بثلاث كلمات مسمارية هي (سورية .. الله حاميها) .. لقد أخطأ هيكل .. تقبل فائق مودتي ومحبتي واحترامي ..وطول العمر ..
دعوة محمد مرسي لزيارة دمشق لشرب الترياق ولتعلم فن التحليق
التاريخ: 30/1/2013: لايختلف اثنان على أن محمد مرسي يعيش أسوأ لحظات عمره الآن .. وأنه الشخص الأكثر قلقا في العالم هذه الأيام .. ولاشك أنه امضى الليل يجري مئات الاتصالات مع ناصحيه في الداخل والخارج يتسول العون والمشورة .. ومما لاشك فيه ان تنظيم الاخوان المسلمين في العالم كله متوتر ومتشنج ويمر بحالة من العصبية والهستيريا والنزق .. وهو لايكاد يستيقظ من صدمة الا وتصدمه صدمة أكثر قسوة لأنه لايزال يعتقد أنه في شهر العسل في فراش السلطة وأن طلاقه منها لايكون الا بموته أو بموتها .. ولكن الأغطية وقعت عن السرير .. وشردت العروس .. والبرد يلف ساقيه وظهره..
لاأريد ان أبدو وكأني في موقف ألقي مواعظي على الغرقى أو انني أملك اطواق النجاة لمن تبتلعهم أمواج الأزمات .. الا أنني أعرف أن هؤلاء الغرقى محاطون بأطواق النجاة وبالحبال الموصلة الى المراسي والموانئ .. لكن الغريق الأعمى والأصم لايرى أين هي أطواق النجاة الحقيقية ولايسمع أصواتنا التي تحذره مما يتعلق به من أمل ناعم .. فهو يعتقد ان الأجسام الناعمة حوله هي أطواق نجاة أو هي دلافين الله التي جاءت لتنقذه .. لكنها في الحقيقة أسماك القرش الملساء .. ونعومة أجسام الحيتان القاتلة ..والوليمة البحرية قد بدأت ..
لقد وقع الاسلاميون جميعا في الفخ المحكم الذي نصب لهم .. ودخلوه بعناد الطمع والجشع رغم نصائح الكثيرين .. فالغرب زجهم في هذا الصراع على السلطة لكنه قبل ذلك اقتلع أسنانهم وأظافرهم .. وسحب منهم هرمونات الرجولة والفحولة باستئصال خصى الاخوان من جذورها بل واجتث أعضاء الذكورة .. فماذا بقي للاسلاميين بعد أن جردهم الغرب من شعاراتهم في التحرير والجهاد والعداء لاسرائيل وتحرير القدس؟؟ وماذا بقي لهم بعد أن أهان رسولهم وهم في ذروة القوة وقد بسطوا أجنحتهم على امتداد قارتين فاذا بهم يلزمون صمت القبور؟ وماذا بقي من شرف الاخوان وهم يحاربون خصومهم في البرلمان والتشريع بقذائف الرز والسكر وعبوات الزيت بدل بيانات الصحوة الاسلامية وجهاد النفس وكلمات (وأعدوا لهم مااستطعتم) .. لأن ماأعدوه لم يكن الا أكياس الرز والسكر وشوالات الفتاوى الانتخابية..!! ماذا بقي من الطمأنينة التي تسلحوا بها وقد سكتوا عن جرائم الذبح والسحل والقتل التي صوروها لارهاب المسلمين بالذات بدل (ترهبون به عدو الله وعدوكم)؟؟
ظن البلهاء الاسلاميون أنهم يتسللون الى السياسة العالمية بذكاء ويتمسكنون أمام الغرب الى أن يمسكوا بكل شيء فيتحولوا الى مناورات أخرى حسب اهوائهم بعد أن يشبوا عن الطوق .. ولكن في بهلوانياتهم السياسية ظهروا ضعفاء كالبغاث والضفادع.. فلم يضيفوا حرفا واحدا أو ينقصوا حرفا واحدا على نقيق بيانات وخطابات بن علي الرمادبة الباردة وحسني مبارك الجوفاء والجامعة العربية .. لم يكن لصعودهم هيبة الثوار ولاهيبة الثورة .. وتمكنت بواسطتهم أميريكا من احداث التحول الأخطر في حربها على الايديولوجية على الفكر الاسلامي .. فبعد أن انقلبت الشعوب الغربية من متفهمة لتباين الأديان وحرية العقيدة الى شعوب نفرت من الاسلاميين ودين المسلمين ومنحتها صفة العقيدة العنيفة .. هاهي ذي الشعوب العربية تنفر بشدة واشمئزاز من الاسلاميين بعد ان كانت هي التي تشكل حاضنة للتيارات الاسلامية لان الاسلاميين تفننوا في قتل المسلمين واحراق بلدانهم وأمانهم وتفننوا في بيع بلدانهم ..
لقد كان الاسلاميون طوال عقود يعدوننا بالحكم الاسلامي وكانوا باختصار يستعيرون من تجربة ايران وحزب الله وحماس والمقاومة العراقية كل ألوانهم وشعاراتهم البراقة .. كان الاسلاميون يؤكدون أن بامكانهم نسخ التجربة الايرانية اذا ماأتيحت لهم الفرصة للحكم كما حدث في ايران .. وكانوا يرددون ان نجاح ايران تكرره تركيا كنموذج سني نظير للنموذج الشيعي .. وهاهي حماس نسخة مطابقة لحزب الله .. ولذلك فان التيار الاسلامي بحاجة ماسة للوصول الى السلطة ليمارس ابداعاته الجهادية في الاستقلال وفي اثبات نظرية الحكم الاسلامي الناجح..
لكن الاسلاميين ارتكبوا غلطة العمر وشربوا من كأس السم على مائدة السياسة وهاهي بطونهم ملئت بالنار وباتت أمعاؤهم تتمزق .. لأن مافعلوه هو أنهم ثوار لم يفعلوا مافعله الخميني في ايران الذي طرد الشاه وطرد معه اسرائيل .. واعلن يوم القدس ..ولم يفعلوا مافعله حزب الله أو حسن نصر الله من اعلان العداء لاسرائيل والنية بتحرير المقدسات منذ اليوم الأول لقيامه دون مجاملة ..
الثوار الاسلاميون الجدد في الربيع العربي أدوا فريضة الحج في ايباك ونالوا بركات كاميرون وساركوزي وكلينتون ولم يطردوا ذبابة اسرائيلية .. وتحالفوا مع أعداء كل الشعوب الاسلامية وهم أمراء النفط .. وليس خافيا أن الشعوب العربية والاسلامية لديها حساسية لاتقاس ضد أمراء النفط والغاز وتحس بالضغينة والكراهية لهؤلاء الفاسدين من عائلات الخليج العربي على ماتبدده من ثروات وعلى معاملتها القاسية للجاليات العربية والاسلامية المهينة بسياسة الاذلال بالكفيل واستغلال فقر الشعوب.. وهذه الشعوب لاتخفي عداءها الشديد لممالك الخليج ومستعمراته وحكامها .. ومع هذا فان الاخوان المسلمين واطارات الاسلاميين عموما تحالفت مع المال والنفط والثروة وقبلت من حكام الجاهلية الرشوة .. بل ان مفتي الاخوان المسلمين عرض الرشوة على المصريين علنا ودعاهم الى قبولها عندما قال لهم ان قطر لن تدفع ملياراتها اذا لم يفز الاخوان .. اي فليقبل المصري المسلم بالرشوة وببيع دينه وضميره من أجل حفنة من الدولارات .. انها فتوى الرشوة علنا .. حتى اسلاميو تركيا ظهروا بسبب استعجالهم في اسقاط الدولة السورية حلفاء أقوياء للغرب وتبين أنهم من أشد المخلصين لحلف الناتو وليس للشرق .. والناتو هو أكثر عداء للمسلمين ولنبيهم من أبي جهل نفسه.. وظهر أردوغان كذابا كبيرا وغشاشا ومخادعا .. وعد بكل شيء .. ثم كذب بكل شيء ..
اليوم لم يعد الاخوان المسلمون في مصر الا في حالة ركاب سفن طارق بن زياد فالبحر من ورائهم والعدو من أمامهم ..فقد سقطت شرعيتهم الثورية (وليست شرعيتهم السياسية) وهي الأهم .. فهم يتصرفون كأي ديكتاتورية سياسية ضد شرعية ثورية حقيقية ..ولن يمكنهم بعد اليوم التلاعب في السياسة .. فقد وجد الشرخ بينهم وبين الناس ..وصارت أميريكا قادرة على ابتزازهم وتهديدهم باطلاق الثورات عليهم بعد ان سقطت حرمتهم .. وصارت أميريكا قادرة على ابتزازهم بسحب الشرعية عنهم لأنهم الآن بلا حول ولاقوة شرعية .. وفي حال قرروا اللجوء للعنف فقد بدأت نهايتهم كشرعية سياسية بعد نهايتهم كشرعية ثورية .. وكشرعية اسلامية ..
ربما كان الاخوان الآن مشغولين بسد الثقوب في مراكبهم التي يتسرب منها ماء البحر .. وربما لن يروا طوق النجاة الذي سنرميه لهم .. بل ان الحل السحري الذي سينقذ الاخوان والاسلاميين بسيط جدا .. واذا ماقرروا المغامرة وشرب الترياق الذي سيقتل السم الذي يسبب لهم تقطع الأمعاء وتقطع الشرايين فاننا نعرف أنهم لايقدرون على شرب الترياق لأن أفواههم مسدودة بالنفط والرشاوى وحلوقهم غصت بالأكاذيب وأكياس الرز والسكر التي توقفت في صدورهم التي يجلس عليها حيوان الكركدن القطري ..
الترياق الذي سيشفي الاخوان المسلمين يكمن في موقف اذا مااتخذوه فانه سيفاجئ الدنيا وستتحول السفن المحترقة خلفهم الى جسور طويلة بين اليابسة واليابسة يصل عليها مدد الله .. فتخيلوا مثلا أن يعلن محمد مرسي القرارات التالية بدل قانون الطوارئ وأن ينزل بدل الدبابات والمدرعات هذه البيانات:
1- طرد السفير الاسرائيلي وتعيين قائم بأعمال حزب الله في مقر سفارة اسرائيل ورفع العلم الأصفر لحزب الله بدل العلم الأزرق لاسرائيل فوق السفارة
2- طرد السفراء الفخريين لاسرائيل في القاهرة وهم: سفير قطر وسفير السعودية وسفير تركيا
3- الاعلان عن انضمام مصر الى محور ايران وسوريا والعراق وحزب الله
4- فتح كل الحدود مع غزة .. والغاء التحالف المشبوه مع حماس خالد مشعل
5- طرد الجامعة العربية كممثل شرعي ووحيد للناتو واغلاق مكاتبها في القاهرة
6- اغلاق كافة مصالح اتحاد علماء المسلمين في القاهرة واعتبار القرضاوي شخصا غير مرغوب فيه في مصر ..واعلان الأزهر مرجعية اسلامية مستقلة للعالم الاسلامي
7- زيارة دمشق كردّ رمزي على زيارة السادات للكنيست الاسرائيلي ولشرب الترياق الشافي من الهوان
8- ارسال رسالة الى شيمون بيريز يبدؤها محمد مرسي بعبارة: عدوي اللدود بيريز .. ويختمها بعبارة: عدوك اللدود محمد مرسي..
9- اعلان الاستغناء عن المعونة الأمريكية والاعتماد على الذات المصرية .. فهذا الاستسلام للمعونة خلق عدم القدرة على ابتكار الحلول
11- الغاء كامب ديفيد
ولو تخيلنا أن مرسي فعل ذلك فان رد الفعل العالمي والعربي سيكون هو التعامل مع محمد مرسي كأحد أهم الرجال في العالم واخطرهم واشدهم تأثيرا على السياسة العالمية .. وسيقفز الى مطار القاهرة مئات الوسطاء الذين سيحملون كل ماتطلبه مصر دون اذلال لها .. وستتحول القاهرة الى قطب من اقطاب العالم بعد تكاملها مع أقطابها ومكملاتها الطبيعية في دمشق وبغداد .. لأن الشرق قام على ثلاث عواصم هي دمشق وبغداد والقاهرة ..وليس على تكامل القاهرة والدوحة وأنقرة ..
بالطبع أنا لم أكتب هذه الفرضية الحالمة لأنني أتوقعها فأنا أعرف أنها اقتراحات تعجيزية لمن هو في مقاييس الاخوان ويرفل في أثواب الحرير القطري .. وبالطبع لم أكتبها لأنني احتسيت أقداح النبيذ والفودكا فصرت أهذي بالخيال .. لكنني واقعي وأعرف ان محمد مرسي رجل ضئيل واخوانه أكثر ضآلة منه .. ولذلك فانني بدل اسداء النصائح الى من شرب نبيذ السلطة فانني سأروى له نكتة كنا نتبادلها مع ضباط الدفاع الجوي السوري في حرب تشرين (اكتوبر) عله يفهمها .. ولن يفهمها .. وهي على كل حال تقول:
بأنه في أعقاب تناقص أعداد الطيارين الاسرائيليين بعد أيام على حرب يوم الغفران حيث كانت الصواريخ السورية في الجولان تتصيدهم كالذباب .. فقد عملت القيادة الاسرائيلية على تجنيد شبان يهود متحمسين لتدريبهم بسرعة كطيارين حربيين على طائرات الفانتوم الأمريكية التي وصلت على متن الجسر الجوي الامريكي .. وقد تعلم هؤلاء الشباب الاسرائيليون فن الاقلاع والمناورات والقصف .. ثم أخذوا بسرعة الى الطائرات في المطارات للاقلاع في مهماتهم .. وماان جلسوا في مقاعدهم حتى تذكروا أن الدروس التي تلقوها في الدورة لم تتضمن التدريب على عملية الهبوط .. وعندما سألوا القيادة الاسرائيلية عن سبب ذلك جاءهم الرد من موشي دايان بأن ذلك سببه هو أن الصواريخ السورية ستتولى عملية انزالكم بلا شك .. فلا تقلقوا ..
اليوم الاسلاميون والاخوان المسلمون ومحمد مرسي يشبهون الطيارين الاسرائيليين الذين أقلعوا بطائراتهم من غير دروس الهبوط .. فقد قامت القيادات الغربية والأمريكية والاسرائيلية باصعادهم الى طائرات السلطة وعلمتهم طريقة القيادة والاقلاع .. وبالطبع لم تعلمهم طريقة الهبوط .. وبلا شك فان محمد مرسي واخوانه سيسألون عن السبب .. وسيكون الرد بسيطا وهو بأن الصواريخ السورية ستتولى انزالكم جميعا .. فلا تقلقوا ..
ان التمرد على الاخوان لم يبدأ في ساحة التحرير بل بدأ في ساحة الامويين التي أعلنت رفضها للربيع الاسلامي الصناعي.. وبدأ في أطراف حلب وادلب وغوطة دمشق .. والهزائم التي لحقت بالاسلاميين في سورية تسببت في ظهور بأس الدولة الوطنية وبأس الجيش الوطني السوري ..وكشف المؤامرة التي سميت ربيعا .. ولكنها أيضا كسرت هيبة الاسلاميين جميعا ..وصار الجميع يتجرأ عليهم .. وتبين لكل الأحرار أن سورية صمدت وتماسكت أمام الدنيا كلها .. فكيف لاتهب القاهرة وتثأر لكرامتها من هؤلاء القوم المحتالين وهم أضعف من قوة الحرية التي تعصف الآن بمشاعر المصريين والعرب ..
صدقوني ان الكثيرين الذين التحقوا باسراب الفانتوم الأمريكي من مطار الربيع العربي قد حلقوا في سماوات السلطة ولكنهم تذكروا أنهم لم يتعلموا فن الهبوط .. ولاالقفز المظلي ..ولكن الصواريخ السورية ستتكفل بانزالهم من أعلى ارتفاع ..
كل هذا السرب من القادة الاسلاميين والأمراء والملوك .. صاروا يعرفون أن سقوطهم صار في معادلة الاتفاقات القادمة مسألة وقت .. حمد وأبو متعب والحريري ومحمد مرسي وخالد مشعل .. كلهم يعرفون أن طائراتهم تنتظر الاسقاط ..حتى أردوغان صار مدركا أنه لن يطير طويلا في هذه الأجواء كما قال لي صراحة أحد الأتراك الناشطين من قلب حزب العدالة والتنمية فقد أسرّ لي بان كل القيادات في الحزب صارت مدركة ان اردوغان صار يقاتل للنجاة بمستقبله السياسي .. وانه يعلم الآن انه لايمكن في الشرق الأوسط بقاء خلطة اسمها (اردوغان والأسد) .. وأن على أحدهما ان يرحل .. فالشرق لايتسع للاثنين معا .. ويبدو الآن جليا أن الأسد لن يرحل في معادلات الأمر الواقع .. وربما صار لمن يريد معرفة اسرار البقاء في عالم السياسة ان يلتحق بدروة تدريبية في دمشق ليتعلم فن البقاء .. والطيران ..
ولكني قلت له أن يبلغ حزب العدالة والتنمية نقلا عن السوريين بانه اذا كانت نصيحة فريدريك نيتشه تقول: اذا عجزتم عن تعليم أحد فن الطيران فعلموه على الأقل كيف يسقط بسرعة .. فان العبارة بنسختها السورية تقول مايلي:
من يبقى محلقا في الأعالي ولاتقدرون على اسقاطه .. فتعلموا منه فن التحليق .. أو على الأقل فن مراقبة التحليق ..واحترام الأعالي والذرى..
ما أجملك أيتها الحرب .. يا قنبلة في قلبي
التاريخ 1/2/2013: هذه هي المرة الثانية التي أشتهي فيها الحرب .. شهيتي مفتوحة للحرب بعد أن فقدت شهيتي للبكاء .. يااله الحرب انهض .. كل حروب الدنيا حمقاء وكل الحروب مجنونة وكل الحروب جرائم ..الا هذه الحرب التي تتوق اليها نفسي وتتوسلها عيوني.. والتي تتفتق من تحت مسامي .. فقلبي صار قنبلة كبيرة موقوتة وضرباته هي دقات ساعة التوقيت .. والدم الذي يغلي في العروق جف وصار بارودا .. وأصابعي تشتعل كالديناميت حتى صرت لاأقدر على الكتابة .. بل عار على القلم أن يكتب اذا كانت الأصابع التي تمسكه أصابع ديناميت تشتعل فتائلها.. والقلب الذي يوحي اليه قنبلة تسمع تكاتها.. وعندما تتفتق جلود الرجال غضبا .. ويصبح دمهم بارودا .. وقلوبهم ساعات توقيت للقنابل .. فلا بد من الحرب ..
لاأخفيكم أنني في مثل هذه الظروف أفضل ألا أستمع للكثير من المحللين العقلاء الذين يخوضون في الشأن السوري ولاأستثني منهم الخبراء والناطقين باسم الدولة السورية .. ليس لأنني لاأثق بهم لكن لأني أخشى انهم كما في السابق ربما يجنحون أحيانا بالحوار والجواب الى ضفاف وموانئ لاتهمنا من قبيل (الرد في الزمن المناسب والوقت المناسب) و(العدو يصدر أزماته) و (الحكمة وضبط النفس) .. الذي يدور ولا يتغير أكثر من (لأن اسرائيل تثبت أنها دولة عدوانية) .. وكأن في عدوانية اسرائيل شيئا جديدا .. وبعضهم يعتقد أن نبرة الصراخ قد تهدئ السؤال الجامح فاذا بالصراخ يستفز بقية الأسئلة التي تثور وتدق بحوافرها على صدى صراخه ..
ولكنني لاشك لاأعير محللي العرب والمعارضة السورية أي اهتمام لأن هؤلاء الطبالين مجرد عرائس في مسرح العرائس .. وفي مسرح العرائس لاشيء حقيقي على الاطلاق .. وبالطبع سيقول هؤلاء مايقولون عن السخرية من الدولة الوطنية السورية واستفزازها والشماتة بها والتساؤل عن غياب الطيران والصواريخ .. وتذكيرنا بأربعين سنة هدوء في الجولان واتهامات العمالة وتجرؤنا على مواطنينا العزل (المسلحين بالسكاكين والدوشكا فقط) وسكوتنا عن اهانات اسرائيل..
هذه الغارة لم تكن غارة عادية على مبنى عادي بل غارة على عقول السوريين لالقائها في اللاأدرية والشك .. فألقت مئات حواضن القنابل العنقودية المحملة بأسئلة كالقنابل والتي انتشرت في زوايا وأركان الأعصاب فأصابت الجميع بالحيرة .. وضربت مراكز التحليل في العقول وفك الشفرات في الدماغ .. فانتشر الغموض ..وتحولت أدمغتنا الى حقول مليئة بالشوك والأسلاك الشائكة كلما خطونا فيها لسعتنا وخزات الابر وانغرزت الأسلاك في أصابعنا وأدمتها وانغرزت في أعصابنا لتزيد حيرتنا ومن لسعات الكهرباء..
لم أقدر أن أحصي الأسئلة التي سقطت على عقلي من تلك الغارة .. كان عقلي يشبه أرضا تتعرض للقصف بقاذفات ب 52 الأمريكية التي تنطلق عادة من قاعدة العيديد القطرية .. ولكنها بالمجمل أسئلة تتمحور حول مجموعة عناوين وتتفرع من جذوع كبيرة .. فما هي طبيعة الهدف الذي قصف؟ ولماذا الآن بالذات؟ وهل لتوقيته علاقة بالازمة السورية؟ وهل هو اختبار ؟ وهل هو تحد واستفزاز؟ هل يريد أن يقول ان الجيش السوري ضعيف أو بدأ يضعف؟ هل تقدر سورية على الحرب الآن؟ هل يدرك الاسرائيلي ماذا يعني تحرشه ويعرف أن السوريين صاروا عاجزين عن الرد؟؟ كيف حصلت الثغرة الجوية والاختراق؟ هل هناك غيرها؟ هل من الممكن أن تكون اسرائيل تستعد الآن للحرب؟؟ هل يجب على السوريين أن يردوا؟؟ ام عليهم ان يختاروا الزمان والمكان المناسب كما العادة حيث لم يأت أي زمان وأي مكان مناسبان؟؟ هل كان من الممكن استهداف القصر الرئاسي السوري؟؟ هل للأمر علاقة بماقيل عن أسر مجموعة عمل اسرائيلية في داريا وكان الجيش يعمل بدقة على اسرها بدل قتلها بهجوم عشوائي على المسلحين؟؟ لماذا عاد أيهود باراك على عجل من منتدى دافوس وقطع رحلته منذ يومين؟ لماذا تعجل نتنياهو الاتصال بموسكو منذ يومين بحجة الاسلحة الكيماوية السورية؟ وماذا بعد؟؟ وهناك مئة لماذا .. وألف هل ..وعشرون ألف كيف.. ومئة ألف اشارة استفهام لايسبقها سؤال ولايتبعها جواب بل اشارات تعجب .. ونقاط في الفراغ..
في الحقيقة انني بعد أن نظرت الى المشهد العام وجمعت شظايا المعلومات المتناثرة كالزجاج المهشم منذ أسابيع .. لم أجد الصورة كما كنت تخيلتها عند هجوم الأسئلة علي وعند غارات الحيرة على مراكز التحليل في دماغي .. بل على العكس ان السؤال الذي يشبه حمالة المفاتيح وتبدأ منه مفاتيح الاسئلة بالافصاح عن أماكنها هو: لماذا هذا التوقيت بالذات؟ .. وتتهاوى الأسئلة على بعضها مثل حجارة الدومينو عند اسقاط هذا السؤال على غيره من الأسئلة .. ففي هذا السؤال ربما تختبي الأسرار.. وربما تتدفق الأنهار .. لتروي حقول الفضول الظمأى..
ان ماتقوله الغارة شيء مغاير لما نعتقد ..فالبعض يعتقد أن اسرائيل صارت مدركة لوهن النظام وهاهي تتحرش به وهو يرتعش ويهتز بجذعه المنخور وتدفعه اسرائيل دفعة نهائية نحو النهاية .. لكن الحقيقة التي لايجب ان نتملقها ولاأن نزدريها هي أن العمل الاسرائيلي يشير بشدة الى أن مشروع اسقاط النظام السوري ربما قد اقترب من لفظ أنفاسه الأخيرة عسكريا .. وأن هناك سباقا مع الزمن بين اسرائيل وحلفائها من جهة وبين سورية وحلفائها من جهة أخرى ..فالمعطيات الدولية تشير لتقارب وجهات النظر الكبرى حول التخلي عن المعارضة السورية والتخلي عن اسقاط نظام دمشق .. ولكن الأهم هو المؤشرات الميدانية التي تشير الى تقهقر كبير في امكانات المسلحين وطرق امدادهم ووقوع خرائط الامدادات والاتصالات والشبكات الرئيسية في يد الجيش السوري الذي كلفه اعدادها كل هذا الصبر والتريث والنفس الطويل .. وهناك على الأرض تحركات قوات النخبة السورية وعديدها بعشرات الآلاف والتي تلقت مؤخرا تدريبا مكثفا ونوعيا على قتال الشوارع والكوماندوس والتي يقال انها ستحسم في حلب وادلب نهائيا وتقطع حبل السرة التركي عن المسلحين .. ولذلك بعث الائتلاف المعارض برسالة معاذ الخطيب الجاهز للتفاوض (وقام الائتلاف بتمثيلية التنكر لها) ..
وربما تريد اسرائيل اشغال الجيش السوري وقوات النخبة عن التحرك القوي شمالا بابقائه في حالة تنبه في الجنوب بسبب احتمال الحرب .. ورسالة اسرائيل بأن التحرك شمالا لم يعد مأمونا لأن اسرائيل لن تترك المعارضة السورية تتلقى الهزيمة النهائية .. وقد تتدخل بالحرب جنوبا .. والملاحظ أن الغارة الاسرائيلية أعقبت أخبار تجهيز المجموعة الثانية من صواريخ الباتريوت في تركيا منذ يومين كمؤشر على أن حرب سورية ستكون على جبهتين ان اشتعلت .. شمالا وجنوبا .. وتشير بعض الملاحظات الاستراتيجية الى أن الجيش السوري يضع في حسبانه دوما أن تفاجئه اسرائيل جنوبا ليتمكن المسلحون وتركيا في الشمال من التمدد أكثر في حلب وادلب واعلان منطقة محررة واسعة تكون مقر حكومة مؤقتة أو بؤرة منطقة شبه عازلة لاتقرها الأمم المتحدة رسميا لكن يقرها الأمر الواقع حيث ستصل اليها أسلحة كثيرة ومتطوعون كثيرون من العالم الجهادي .. ويصبح التعامل معها شديد الصعوبة وتنطلق منها سياسة الأمر الواقع ..وتكون بمثابة الجرح الذي ينز ويتقيح ومنه تنتشر الغرغرينا والحمى في الجسد السوري.. وهذا ماكان عاملا مهما في تريث الجيش في نقل بعض قدراته الرئيسية شمالا .. حتى تم اكتمال الاعداد منذ فترة وجيزة ..
مايرجح هذا الاحتمال بقوة هو محدودية الضربة فاسرائيل من الواضح أنها لاتريد حربا لأنها أرادت رسالة صوتية كبيرة فعندما تلكأ السوريون في اعلان الخبر لقراءة مغزاه وتحليل محدودية الغارة لم يتحمل الاسرائيليون والأمريكيون هذا التريث وسارعوا الى الاعلان عنه .. والمقصود بذلك شد انتباه الجميع الى احتمال لجوء اسرائيل الى هذا العمل في حال تحركت قوات النخبة الى الشمال .. وتضع اسرائيل في حسبانها ان السوريين ليسوا في وارد أولوية الاشتباك مع اسرائيل في وجود خنجر تركيا في الظهر السوري والسم الاسلامي الجهادي في بعض بؤر الجسد السوري .. وأن الحرب مع اسرائيل كانت على رأس الاستراتيجيات العسكرية السورية ولم تسقط لكن جبهة النصرة واردوغان والمعارضة المسلحة أصرت بسلوكها العنيف على دفعها جانبا للحلول محلها .. فماذا تريد اسرائيل من الحرب على سورية اكثر مما تفعله الآن تركيا وجبهة النصرة والاخوان المسلمون؟؟ فهؤلاء يريدون الحكم وبناء المساجد فقط دون استراتيجيات مواجهة مع الغرب .. وهم يريدون هدم الجيش السوري وتسليم سلاحه وتخفيض عديد الجيش الى 50 ألف مقاتل يعملون في التشريفات الرئاسية وفرق العزف العسكري والعروض ..ولذلك تحولت جبهة النصرة والاخوان المسلمون الى فرقة اسرائيلية خاصة يجب على الجيش السوري تدميرها كما لو أنها تخضع مباشرة لأوامر قائد الأركان الاسرائيلي لأن هدف هذه المجموعات يتطابق مع هدف العدو الاسرائيلي.. فاستحقت أن تعامل مثله ..
محدودية الضربة مؤشر قوي على أن اسرائيل لاتريد اختبار الجيش السوري فهي تعرف أن امكاناته الاستراتيجية وأذرعه الضاربة الصاروخية لاتزال في منتهى القوة والبأس وان انفلتت هذه الأذرع فالحرب مع اسرائيل ستكون شرسة للغاية وبلا حدود وبلا سقوف للضحايا لأن الاحتكاك البري سيكون محدودا لسبب وجيه هو أن اسرائيل لن تغامر برّيا بالنزول عن هضبة الجولان نحو دمشق لأن هذا قد يعني التخلي عن الحماية الطبيعية للجغراقيا للجيش الاسرائيلي بكشفه أمام وحدات سورية برية .. والجيش السوري في هذه الظروف لن يصعد الهضبة .. ولذلك فان المبارزة ستكون بين الطائرات الاسرائيلية والصواريخ السورية من كافة الأنواع .. ولاأدل على استشعار اسرائيل لقوة الجيش السوري من جعل تحرشها محدودا للغاية ولثوان وفي هدف محدود ..ولو أن الجيش السوري ضعيف لأكملت اسرائيل مهمتها الجوية وألحقتها بغارات تلو الغارات حتى دمرت كل مايمكنها من السلاح ووحدات الحرس الجمهوري حتى تعيدنا عسكريا الى (الحديدة) كما يقال في الأمثال الشعبية عن المفلسين من بعد غنى..وتكررت مفاجأة حزيران عام 1967 ..
أما الثغرة الجوية التي نفذت منها اسرائيل فهي لاتشكل كبير مفاجأة لأن مثل هذه الثغرات لاينجو منها جيش في العالم حتى الجيش السوفييتي اخترقه طيار بطائرة شراعية (الألماني ماتياس روست) وهبط فيها في قلب ساحة الكرملين في الثمانينات رغم كل تكنولوجيا الدفاع الجوي حول موسكو .. وحتى اسرائيل نفسها منذ أشهر قليلة فوجئت بطائرة أيوب التي أطلقها حزب الله واخترقت الدفاعات الجوية الاسرائيلية والرادارات وسارت في عمق اسرائيل ولعشرين دقيقة وليس على ضفاف اسرائيل كما في غارة اسرائيل الأخيرة التي كانت على ضفاف سورية ولثوان فقط .. اضافة الى أن هذا الخرق ممكن دوما خاصة في أجواء وجود معارضة تعمل الآن بمنطق ان عدو عدوي هو صديقي .. فتصادقت استراتيجيا مع اسرائيل بسبب وحدة الهدف والعدو المتمثل في الدولة السورية وصارت تهاجم نقاط الدفاع الجوي وتقدم المعلومات العسكرية بسخاء للأتراك والناتو ومنهم بالطبع الى الاسرائيليين .. ولكن مراجعة بعض العسكريين الاستراتيجيين لخارطة الغارة تشير الى احتمال أن الطائرات الاسرائيلية لاتحتاج عبور الحدود بسبب قرب الهدف الذي قصف من لبنان وربما تصل الطائرات الى ماقبل الحدود وتطلق صواريخها مما يجعلها ضمن الأجواء اللبنانية والصواريخ تستطيع اكمال الرحلة الى الداخل السوري على بعد بضعة كيلو مترات .. ويبقى البيان العسكري السوري غامضا حيث اشار الى تسلل الطائرات من تحت مستوى الرادارات .. وهي عبارة غامضة تحتاج الى تفسير عسكري بسبب تلاصق الحدود السورية اللبنانية ..الا أذا كانت الطائرات الاسرائيلية كما قال خبير جوي قد عبرت الأجواء من تلك النافذة الرادارية الضيقة لأقل من 15 ثانية وألقت القنابل وعادت مسرعة الى داخل الأجواء اللبنانية .. وهي فترة قصيرة للغاية لاطلاق المنظومات الدفاعية الجوية وتفعيلها واتخاذ قرار اطلاق القذائف ..وهنا تتم المقارنة بعملية اسقاط المقاتلة التركية قبل أشهر قبالة الشواطئ السورية لأن مدة تحليق الطائرات التركية المسرعة في الأجواء السورية امتدت ربما لدقائق (البعض قال دقيقتين) تم فيها التأكد من الهدف واتجاهه وكان الوقت كافيا للوحدة المرابطة لاتخاذ القرار.. وهنا يطرح سؤال مهم وهو: كم تحتاج الطائرات الاسرائيلية للوصول الى دمشق من تلك النقطة وهل هناك وقت كاف للدفاع عن دمشق والأهداف الثمينة المعنوية فيها ومنها القصر الرئاسي في هذا الوقت الذي يقل عن دقيقتين.. والجواب هو نعم لأن بعض العسكريين الاسرائيليين قالوا سابقا بأن تحليق طائرات اسرائيلية فوق القصر الرئاسي السوري لم يعد متاحا كما حدث في الماضي بسبب أن الأهداف الحيوية الرئيسية في دمشق مزنّرة منذ عامين بوحدات دفاع جوي قصيرة المدى وشديدة الدقة وبعضها ذو اطلاق ذاتي على الأهداف الجوية المخالفة لشيفرة التعارف العسكري (على مبدأ الباتريوت والقبة الحديدية الاسرائيلية) .. وهذا ربما مايفسر عدم دوام رحلة الاختراق الاسرائيلية الى العمق السوري لتفادي الوصول الى المدى المجدي لهذه المنظومات وانسحابها في ثوان من المجال الجوي السوري ..ومع هذا فان القيادة السورية وضعت في اعتباراتها كل الاحتمالات وهي لن تتصرف بسذاجة بشأن حماية هدف ورمز سيادي وطني سيكون أول هدف لأي اعتداء ..
وهناك تفسير لايبدو ذا قبول كبير ولكنه يتسلح ببراهين سابقة .. فهو يقول ان الغارة قد تكون لاختبار حصولها على شيفرة الدفاعات الجوية السورية من قبل المعارضة السورية وكذلك لمعرفة صحة مايقال عن وجود تكنولوجيا دفاعية خاصة وصلت حديثا الى الدفاعات الجوية السورية وتريد اسرائيل التأكد من وجودها بارسال الطعم الجوي .. فاذا انطلقت الصواريخ الجديدة فهذا يعني أن على اسرائيل أن تتحضر لها في معركة محتملة يخشى ان تنفجر لأي سبب قريبا.. ويستدل صاحب هذا الرأي على تجربة مماثلة قبيل عام 1973 عندما وصلت تقارير سرية لاسرائيل عن نشر شبكة دفاع جوي من طراز سام على الساحل السوري .. فأرسلت اسرائيل 60 طائرة أغارت على المنطقة .. وكان ضباط الدفاع الجوي السوري يطلبون من القيادة السماح باطلاق الصواريخ لكن الاوامر الحاسمة كانت عدم اطلاق أي صاروخ مهما كان عنف القصف .. واكتفت القيادة بارسال 12 طائرة مقاتلة لابعاد الاسرائيليين .. واستنتجت اسرائيل يومها ان ليس في سورية شبكة دفاع جوي ذات شأن والا لاستخدمتها في رد غارات عنيفة .. ولكن بعد أسابيع قليلة اندلعت حرب تشرين وفوجئت اسرائيل بالسلاح السري الصاروخي الذي أسقط في يوم واحد 93 طائرة اسرائيلية ..
وفي تفسير آخر فان الغارة الاسرائيلية تبدو للبعض ردة فعل نزقة وعصبية بسبب حساسية بعض المعلومات التي تتحدث عن اسر مجموعة اتصال اسرائيلية في داريا (تنسيقية اسرائيل في الثورة السورية) وتم الربط بين عودة ايهود باراك المفاجئة من دافوس منذ يومين ورسالة نتنياهو العاجلة الى موسكو التي قيل انها هددت بالحرب بسبب القاء القبض في داريا على مجموعة التنسيق الاستخباراتية الاسرائيلية والتي يقال ان مانقل عن الرئيس الأسد باظهار الانجازات العسكرية كان منها احتمال الاعلان عن الأسرى الاسرائيليين الذين لم يقم الاعلام العسكري الاسرائيلي بنفي مزاعم الشائعات والأخبار كما العادة.. وهي ستكون محرجة جدا للحكومة الاسرائيلية داخليا وخارجيا .. وغارة جمرايا هي جرس انذار حقيقي بجدية التهديد الاسرائيلي وقدرات الجيش الاسرائيلي الذي بحسب رسالة جمرايا قادر متى أشاء على الوصول والحاق العقاب بالقيادة السورية في دمشق..
ولكن ماهو رد القيادة السورية؟
عند الحديث مع العسكريين تحس بالراحة لأن العسكري يعترف بالنقاط التي خسرها ليعدد لك النقاط التي كسبها وهو من ضمن ثقافة العقائد العسكرية .. فتجاهل نقاط الضعف والتقليل منها هو مدخل الى الهزيمة والتركيز عليها هو مدخل حاسم للنصر .. والعسكريون لايرون في التطاول الاسرائيلي مجرد مداعبة ومغامرة متهورة أو مزاحا ثقيلا .. بل هو خرق عسكري بالمصطلح القتالي وان كان محدودا .. ولكن مايطمئن والأكثر راحة هو كم الثقة بالنفس التي تستشعرها من العسكريين .. والشرح بأن طبيعة الخرق كما وصفت ضيقة للغاية والعمق الذي تم فيه ليس مهما لولا أنه اقترب من دمشق .. وكل كيلو متر اقتراب من دمشق يعني عشرة كيلومترات في مدينة أخرى .. لأن دمشق قريبة جدا من حدود الاحتكاك وخاصة الجوي .. ولأن حصتها من الدفاع الجوي ربما هي الأكثف لأسباب مفهومة .. لكن ..وبسبب موقع دمشق القريب جدا من الحدود وسرعة الاقتراب منها فان عملية حصول مثل هذا الاقتراب الخاطف تبقى متوقعة عسكريا .. لكن التوغل في أعمق من هذه النقاط هو مايعني الخطر من وجود نقطة رادار عمياء خطرة وطويلة الامتداد .. وهو مايستبعده العسكريون .. ويعملون دوما على مراجعته ..ويصرون على أن النقطة العمياء ان وجدت لاتزال محدودة ..وهو المدى الذي بقيت فيه الطائرات لثوان فقط..
ومع هذا فان الكل مجمع على أن القيادة السورية لايجب أن تلزم الصمت ولاضبط النفس لأن لديها الروادع التي لجمتها طويلا الديبلوماسية ووسطاء العرب ومن سمي حكماؤهم ووسطاء أردوغان .. وأن عليها اللجوء الى مجموعة الخيارات الموضوعة دوما كرد على احتمال سيناريو غارة وانتهاك جوي أو عسكري للأرض السورية .. في قيادة الأركان السورية تصنف مجموعة الردود العسكرية الى محدود ومتوسط وشديد .. والرد الشديد هو عادة حالة اعلان الحرب الشاملة على كل قطاعات العدو العسكرية والمدنية والاقتصادية ..أما المتوسط فخياراته هي في ايلام العدو عسكريا فقط .. والرد المحدود هو في استهداف أهداف لها طابع معنوي بحت ..
وبالرغم من انه لايمكن التنبؤ بما ستقوم به القيادة السورية فانه يكاد يكون هناك اتفاق ملفت للنظر ان القيادة السورية حسمت أمرها وقررت سلفا الرد على العدوان المحدود الاسرائيلي برد يتجاوز المتوسط كي تكون الرسالة حاسمة بأن الجيش السوري في هذه الأزمة بالذات ليس مستعدا لاظهار التفهم وممارسة الردود المحدودة بل أن الرد الشديد خيار مطروح لمن أراده ..
وانا لااعرف كيف ستقدر القيادة السورية الموقف فلديها معطيات لاتتاح دوما ليطلع عليها المهتمون .. ولن أرد بانفعال ولن استجيب لضوابط الحكمة وضبط النفس لأنني أرى أنه يجب على القيادة السورية أن ترد لأن ردها رسالة الى المسلحين قبل غيرهم فهم أصدقاء وأبناء يهوذا من الحاخامات الاسلاميين ومفاد الرد أن الارهابي الأكبر وكبير الارهابيين اسرائيل ليس كبيرا وليس فوق العقاب ..
وأنا أتوقع في حال رد فعل اسرائيل بالحرب علينا أن تصل غارات اسرائيل الى دمشق كما في أي حرب مع قوة عسكرية غربية ولكن من سيمنع صواريخنا عن تل أبيب وعن كل اسرائيل من رأسها حتى أخمص قدميها وفي أصغر ثناياها؟ واسرائيل وان سيطرت على السماء فلن تعرف من اين ستثب الصواريخ اليها .. خاصة اذا ماقام حزب الله بالدخول في المعركة .. والسيد حسن نصرالله ليس خالد مشعل بالطبع .. وحسن نصرالله هو قائد فرقة عسكرية "سورية" بقيت في لبنان .. بيينما كان خالد مشعل قائد فرقة من المرتزقة حوّل مقاتلي حماس الأحرار بالتدريج الى مرتزقة يقاتلون في سورية ويعملون في تركيا وقطر كحراس وأخيرا نقلهم الى مصر لدعم ثورة محمد مرسي وتكليفهم بحماية مقرات الاخوان المسلمين حيث انتقل الآلاف من عناصره الى مصر لهذه الغاية حيث تدفع لهم قطر مرتبات الحراسة مثلما تدفع مرتبات عناصر شركة بلاكووتر.. وصار اسم حماس هو "بلاك حماس" ..أو حماس السوداء..
وممن يخشى من مشاركة تركيا فان تركيا لاتستطيع خوض الحرب لأن ايران ستخوضها مباشرة ..والأتراك يعرفون ذلك ..وأيديهم مربوطة بسلاسل الجغرافيا القوية ..
الحرب شؤم عموما .. ولكنها اليوم الحرب التي ستطرد الشؤم والمتشائمين .. ان اندلعت مهما كانت تكلفتها فان مكاسبها لاتقدر بثمن .. لأن ليس مدننا من سيحترق بل مدن اسرائيل أيضا وآمال المعارضة السورية وجبهة النصرة .. ومن سيقتل في اسرائيل هو كل من يدعم جبهة النصرة .. ان قيادة جبهة النصرة والاخوان المسلمين هي في اسرائيل وذراعها في حلب ..
أوبعد كل هذا ألا تريدون مني أن أتشهى الحرب وأشتهيها كمن "يتشهى وجه من عشقا".. وأن أصلي لا لمنع الحرب بل لاشتعال الحرب .. ومن قال ان الحرب لاتطفئ الحرب؟؟ .. فهل أنتم مستعدون للحرب؟؟
شهيتي مفتوحة للحرب بعد أن فقدت شهيتي للبكاء .. فهل فقدتم مثلي الشهية للبكاء؟؟ .. وهل جفت دماؤكم في عروقكم وصارت بارودا؟؟ وهل تسمعون أن ضربات قلوبكم صارت تكات قنبلة موقوتة ؟؟ وهل ستنادون معي: يااله الحرب .. انهض.. انهض..انهض-----------------------------------------------------------------------------------------
من رأى ربيعا فليغيره بيده .. انه عام الفيل في الشام
التاريخ 9/2/2013: لم تعد الثورة المجنونة تخيفني .. ولا الربيع الأخرق ..لأنني حرثت أرضهما حرثا بالقلم .. وبذرت أرضهما بملح اللغة.. وسقيت تربتهما الفاسدة بالنار والقطران .. ولأنني جرفت بجرافات البيان كل الرمل الثوري .. وحرقت كل الأدغال الكثيفة للمتثاقفين بأعواد الكبريت حتى أحالتها الحرائق الى رماد ..
كيف للربيع بعد اليوم ان يلقي بذوره في أرضنا؟؟ .. وكيف للثورات الغبية بعد اليوم أن تمد رأسها تحت مقاصل الفكر والقلم؟؟ ..
عامان تعب فيهما الكلام من مبارزة الكلام ولم أتعب .. عامان وكلامي يحفر وجه الزمن .. ويحفر وجه الخيانة .. وأزرع الزيتون وأقطع الصبار .. تعبت المعاول والفؤوس من رحلة المهاوي نحو الجذوع .. ولم يتعب ساعداي اللذان يحملان الفؤوس ويهويان على الجذوع المنخورة..
بعض الكلام بدا وقد ضاق ذرعا وأنا أحمله من مواطنه في القواميس على متن الخواطر والمقالات كل ليلة ليقوم بنوبات الحراسة على العقول والأعصاب .. وأستدعيه على عجل ليقوم بالغارات وأعمال الكوماندوس على الثورة والثوار .. ضج الكلام وأنا أرمي بمفرداته في عمليات استشهادية .. بعض الكلمات التي تفجرت لم تعد الي الا أشلاؤها ووصاياها بأن أستمر .. بعض الكلام تبرم من أنني لم امنح اجازة لأية كلمة .. ومنعته عامين كاملين من السفر والاستجمام وأن يمضي عطلته على شواطئ القواميس الكبرى ..وبين تراث الكلام .. وأعمدة الرخام ... فكيف أعتذر من الكلام؟؟
عذرا أيها الكلام .. عذرا ايها الكلام ..
واغفر لي أيها الكلام ان أخذتك من جديد في رحلة الرفض وبيانات العصيان والتمرد .. واغفر لي أنني سأكرر بأنني لم أستح يوما من المجاهرة بعدم اعجابي بالربيع العربي واحتقاري للبيت الوضيع الذي نشأ فيه والمرضعة التي أرضعته .. وتقززي من الماء الذي شربه والوعاء الذي أكل فيه .. ولن أتهيب من القول أنه لم يعجبني أبناء عمومته ولاأخواله .. ولم تعجبني صلاته ولازكاته ولابيته الذي حج اليه المؤمنون في استانبول وايباك .. لم تعجبني أخته ولاأخوه ..ولاأمه ولاأبوه..
كل مافي هذا الربيع مشبوه ووجوه القادمين عبره بلا ملامح .. وأصواتهم كأنها أصداء في دهاليز كهوف عميقة .. ولم تعجبني حتى نشأته الغامضة الملفوفة بالأسرار والخفايا .. ولاتعاويذه وحجاباته التي كتبها اتحاد علماء المسلمين .. وعاظ السلاطين ..
لن تحرجني شهقات الأحرار وعشاق الديمقراطية وهي تستغرب ازدرائي لأهل الربيع .. ولن أعير تلك العيون المندهشة من تجرؤي على الثوار أي اعتبار وسأسير في طريقي لاألوي على شيء .. وأنا أقول في سري: صدق من قال "من رأى باطلا فليغيره بيده" .. فماذا عمن رأى ربيعا؟؟وهذا الربيع جيش من الباطل؟؟ هل هناك باطل فوق باطل الربيع؟؟
انني سأقول منذ اليوم: من رأى ربيعا فليغيره بيده .. وليخفقه بسيفه خفقا .. ومن رأى ثورجيا فليغيره بيده .. ومن رأى حكم عدالة وتنمية فليغيره بيده .. ومن رأى حكما اخوانيا فليغيره بيده .. فكلها باطل في باطل .. بل هي جذور الباطل بذوره..
هذا الباطل يتغير في بلاد الشام .. وهذا العام يجب أن يكون عام الفيل في قواميسنا!!.. ففي كل مرة يقع الثورجيون السوريون في حيرة انتقاء أسماء لانفعالاتهم واندفاعاتهم ومعارك الهواء .. يسعفهم مكتب الحريري الاعلامي عبر عقاب صقر بانتقاء الأسماء الطنانة التي تلقي الرعب في القلوب .. فانتقي اسم ساعة الصفر .. ثم البركان .. ووصل آخر المواليد العنترية الينا وهو "ملحمة دمشق الكبرى" .. ولكن المواجهة مع الجيش العربي السوري أعادت للحقائق احترامها وللمعارك عقلها .. فلم تكن نتيجة ساعة الصفر الا صفرا ثوريا مكعبا .. وأما البراكين الثورية فقد تم اغلاق فوهاتها وكتمت أنفاسها وجشاءاتها وعطاسها .. واليوم يتكرر المشهد في ماسمي ملحمة دمشق الكبرى ..والتي تستحق اسم الخراب الثالث لهيكل الثورة .. وربما اسم "معركة عام الفيل" ..
أذكر هنا ماروجه الورعون المجانين من الغاوين في حرب عاصفة الصحراء عندما اشتبك الأمريكيون بقوات الجيش العراقي ايام الراحل صدام حسين .. اذ ذكرونا بسورة الفيل (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل؟؟) .. وكانوا يقصدون الحزب الجمهوري الأمريكي والرئيس بوش الأب حيث أن شعار الحزب الجمهوري هو الفيل .. وبشرونا بأنها تقصد هذا الزمان .. وأن الله تنبأ بهزيمة اصحاب الفيل على يد الرئيس صدام حسين الذي كلفه الله بتنفيذ الآية.. !! ولكننا لن نقع في التخرصات والأمنيات ولن نتبع الغاوين .. ولكن أصحاب الحمار سيكونون اضافة جميلة الى تراثنا اللغوي اذا عرفنا أن الحمار هو شعار الحزب الديمقراطي الأميريكي والرئيس أوباما .. وقد وجدت لزاما علي أن أنقل لكم ماذا فعل جيشنا بأصحاب الحمار ..وأقصد بالطبع الثورجيين ..
من يرى ماذا فعل الجيش العربي السوري بأصحاب الثورات والملاحم الكبرى وكيف "جعل كيدهم في تضليل" فانه لن يحتار في انتقاء اسم لهذه المعركة ولهذا العام بالذات .. ولو بحثت شخصيا عن اسم يناسب معركة ملحمة دمشق التي أرادتها المعارضة بداية الاستيلاء على دمشق لما احترت .. فلقد تجولت بين صفوف الكلام وبين نخب الأوصاف فلم أعثر الا على وصف (معركة الفيل) ولن يكون هذا العام الا (عام الفيل) .. لأن مانقلته تقارير لاتحصى عن دمار لحق بمقاتلي المعارضة يستحق ان تكتب فيه مرثاة انسانية.. وما رأيته من صور الفتك بالمعارضين ومن تقارير عديدة يذكرني بعبارة "العصف المأكول" في سورة الفيل .. عندما هاجم أبرهة الأشرم مكة ليهدم الكعبة في عام عرف بعام الفيل .. فتحول جيشه الى عصف مأكول .. ان هذا العام سيكون عام الفيل الذي ينتهي فيه حلم أبرهة التركي والاسرائيلي والسعودي .. وفي هذا العام ربما ستدفن أباء الرغال ..في الدوحة ..و أمهاتهم..واخوانهم .. وأبناؤهم .. رغال في اثر رغال ..
ان هذه الثورة الحمقاء تجبرني دون حرج على أن أتعاطف مع مقاتليها وضحاياها وأن أوجه نداء صادقا الى قياداتها العابثة بأن توقف هذه المجزرة التي تفرم هؤلاء الشباب والصغار الذين ترمي بهم المعارضة الى هلاك حقيقي .. ان المناظر وصور الموت السخي التي نقلت لي لم أرها في أية معركة .. مقاتلون مبعثرون بدمائهم على امتدادات الطرق وعلى كل الأرصفة .. بلا نهاية .. متكومون فوق بعضهم وكأنهم في مهرجان للموت أو موسم حصاد وجني تكدس فيه المواسم والسلال فوق بعضها .. ان كراهيتي للمعارضة واحتقاري لقادتها ازداد لأنها جعلتني أتمنى أن تقف هذه المعركة رحمة بمقاتليها .. انني لاأستطيع ان أتحمل رؤية هذه المجزرة المجانية .. فلاشيء في العالم يستحق أن يدفع بهؤلاء الشبان من البلاد العربية ومن أبناء السوريين الى هذا الموت السريع والتهلكة الرخيصة..
لايوجد منطق في الأرض يبرر دفع هؤلاء الشباب الى مثل حقول الهلاك المجاني أمام جيش مدرب خصيصا لمواجهة أعتى جيوش العالم .. بل ان الناتو وتركيا نفسها قرروا تجنب المواجهة وترك الأمر لهؤلاء المجانين من المعارضين الذين يتبرعون بأجساد هؤلاء الشباب بلا حساب ..معارضة غبية وأنانية وصلفة وحمقاء متعجرفة ومجرمة بحق أبنائها قبل اجرامها الوطني..
سأقول ناصحا من كل قلبي بأن على المعارضة أن تشفق على كوادرها ومقاتليها وأن تتخلى عن حلم اقتحام دمشق .. ولو كنت في صفوف قيادات الثورة الميدانية لما طلبت من قيادتي التريث في اقتحام دمشق بل الغاء الفكرة نهائيا لاستحالتها .. لأسباب جوهرية يجب أن يدركها كل عاقل وحصيف .. فتطاول الثورة تسبب في اختراقها كثيرا وهذا لم يعد سرا وبعض الأسماء المتعاملة مع الأمن السوري ستكون مذهلة ومفاجئة عندما تنشرها المذكرات والوثائق .. كما أنه لايمكن القيام بعمل عسكري ولامناقشة أية خطة اقتحام لدمشق الا وتكون المخابرات السورية حاضرة عبر عملائها الذين يشاركون الكتائب في الاعداد والتحضيرات التنفيذية حيث تصل جميع النسخ الى الأجهزة الأمنية السورية قبل كل تحرك كبير .. والأهم أن تأخر محاولة اقتحام دمشق على مدى سنتين تقريبا أعطى الجيش السوري والدولة الوطنية السورية وقتا ثمينا جدا لدراسة خارطة الدفاعات المحيطة بالمدينة ونقاط الضعف .. لأن الدفاع عن دمشق سابقا كان مصمما للدفاع عن مدينة معرضة لسيناريو اقتحام بغداد بكتل عسكرية غربية ضخمة وقصف جوي عنيف وليس من قبل موجات بشرية بلا غطاء جوي وتعتمد على الاندماج مع السكان المحليين .. كما أن الطوق المحيط بدمشق من قبل الدولة السورية يزداد قوة وخبرة ويجب بعد الفشل الثالث للمعارضة في الوصول الى قلب دمشق أن تفكر جديا في الاقلاع عن هذا الجنون .. فلا يوجد قائد عسكري فذ يعيد محاولة اجتياح منفذ أو بؤرة فشل فيها ثلاث مرات متتالية بنفس الطريقة وكانت الأولى محرقة والثانية حفلة صيد للأسماك والثالثة أشبه بالابادة الشاملة للقوات المهاجمة حتى صار اسم العصف المأكول هو الاسم الأنسب لكتل الاجساد المحطمة على مداخل دمشق ..انه الخراب الثالث لكتلة المقاتلين..
والغريب أن بعض القنوات العربية لاتزال تصور عملية اقتحام دمشق على أنها ستثمر وتغوي الباقين بانتظار النصر.. وتجند هذه القنوات أسماء عسكريين فاشلين مثل صفوت الزيات وغيره .. وانضم الى هذه الجوقة صديقي العزيز وفيق السامرائي نائب رئيس الاستخبارات العسكرية العراقية أيام حكم الرئيس صدام حسين .. الذي فر الى سورية كما يفعل كل الملهوفين الذين يمرون في دمشق التي تأويهم من خوف ..وكان من استقبله ضابط سوري عزيز حدثني عن لحظة وصول السامرائي الهارب اليه عبر الحدود العراقية ..حيث آوته دمشق كما آوت خالد مشعل .. ثم عض السامرائي يدها .. كما عضها خالد مشعل..
كنت أستمع الى وفيق السامرائي وهو يشيد بالثوار الداخلين لاحتلال دمشق .. وتبسمت اذ عرفت أن ثورة تنتظر عبقرية السامرائي لن يكتب لها النجاح .. ذلك لأنني حكمت على السامرائي بأنه شخص فارغ بلا مستقبل منذ التقيته مع صديقين في دمشق في فندق الشام حيث وصل للقائي بسيارة مرسيدس زرقاء قدمتها له المخابرات السورية .. وجعل يحدثنا عن صدام حسين وعن أنه ليس به مرض كما يشاع الا ارتفاع الكولسترول والمناقير في فقرات الرقبة .. وحدثنا كيف وصفه الرئيس صدام بالجبان لأنه كان خائفا من المعركة مع الغرب وكتب له بالحرف في ذيل تقريره (لماذا كل هذا الجبن ياوفيق؟؟) .. وأذكر أن وفيق يومها ردد عدة مرات وبشكل ملفت للنظر أمله في التواصل مع الأمريكان ونيل مساعدتهم للمعارضة العراقية في مشروعها التحرري من الديكتاتورية ..
وعندما نهضنا مد السامرائي يده لمصافحتنا لكن صديقي تجاهل المصافحة وبقيت يد السامرائي ممدودة في الهواء ولكن صديقي أدار ظهره وغادر .. ولما خرجنا سألت صديقي عن سبب تجاهله الواضح للمصافحة فقال: مصافحة مع شخص هارب ومنشق عن بلده لاتشرفني؟ لو كان فيه خير لحارب في بلده؟ ومصافحة مع ثائر يحلم بمساعدة أميريكا لاتشرفني؟؟ واعتقد أن صدام حسين محظوظ بهروب هذه العينات ..
ثم اضاف: أنا متأكد ان السامرائي لن يطيب له المقام في دمشق لأنه يريد بيع نفسه ويسوق نفسه للغرب .. ولذلك يرتاح السامرائي عندما يقال له بأنه قد يكون الرئيس العراقي القادم برعاية الغرب .. وهذا الميل والرهان على الأمريكيين لن يروق للقادة السوريين حتى وان خاصم غريمهم صدام حسين ..
وبالفعل فبعد أشهر قليلة فوجئت بالسامرائي يتحدث من لندن .. ولم يعد منذ ذلك اليوم الى دمشق .. وهاهو اليوم يريد ادخال فلسفته العسكرية الفاشلة الى دمشق ويبارك للثوار معارك التهلكة..
هناك من الثورجيين من يصدق السامرائي البائس الذي يبحث عن أي دور ويعتقد بغباء أن سيناريو اقتحام حلب يمكن تكراره في دمشق .. لكن التسلل الى حلب كان بسبب المؤازرة الكبيرة واللوجستية التركية والغربية وسهولة اقامة غرف عمليات على الحدود التركية للاشراف على معركة حلب التي ستنتهي ان عاجلا أو آجلا لصالح الجيش السوري .. لكن اقتحام دمشق وحسب مايتناقله خبراء عسكريون محنكون من قلب معسكر الناتو لايمكن حتى للناتو نفسه قبل أن يحضر له قصف جوي عنيف بخمسمئة طائرة ولمدة ستة أسابيع لتذويب كتلة الدفاعات الرئيسية الرصاصية .. وتحتاج دفاعات الجيش السوري حول وداخل دمشق الى القيام ب 18 ألف غارة جوية حتى تصمت القدرة الدفاعية لدمشق حسب معظم الخبراء ..
والغارة الاسرائيلية على جمرايا صارت تقرأ من قبل عسكريين محايدين على أنها رسالة أمل للمعارضة بأن الناتو يحاول تجريب منظومات الصواريخ السورية وقراءة شيفراتها الالكترونية .. ولكن الاسرائيليين غالبا لايزالون غير قادرين على معرفة شيء عن شيفرة الصواريخ والدفاعات الجوية وقدراتها بعد .. وأقل مايقال هو أن الطائرات الاسرائيلية لاتعرف حتى الآن ان كان عدم اسقاطها بسبب تردي الدفاع الجوي أم بسبب قرار بابقاء الشفرة مغلقة أمام خرق جوي لثوان حتى موعد حرب لاحق تكون واسعة النطاق ..ان القيادة الاسرائيلية لاتزال في هذا الشأن تسبح في الظلام وتخشى أن تكون في حالة خداع للنفس .. ولاتقدر على اعطاء جواب يقيني.. وهي لاتثق بالمعلومات التي تصلها من المعارضة السورية بشأن الشيفرات وتوزع القوات وتحركاتها وقدراتها لأنها تعرف أن بعض هذه المعلومات يسربه عملاء غير موثوقين .. ويرجح البعض أن تلجأ اسرائيل الى غارة أكبر وأعنف لاخراج الشيفرات وارغام السوريين على اطلاق الصواريخ وانطاقها بالشيفرات.. الا أن هذا صار ليس بالسيناريو السهل الهضم خاصة بسبب مايقال بأن بوتين طلب من الأسد عدم الرد ببعض الصواريخ وتعهد بأن أية غارة قادمة ستعتبرها موسكو عليها .. وهذه الرسالة وصلت الى نتنياهو .. بحذافيرها..
لم تعد الثورة تخيفني ولا الربيع .. فهاهو الربيع يترنح وهاهي الثورات ترتجف .. وهاهو قلبي يذكّرني بما قاله منذ ولادة الربيع .. بأن لاتخشوا هذا الربيع بعد اليوم .. فكلما شرب الربيع من الدم أصيبت الثورة بالشيخوخة السريعة ... هذا ربيع يشرب الدم حتى الادمان .. ومن يدمن شرب الدم لايتوقف حتى يموت من كرع الدم ... وكلما جندلت الثورة وردة للحرية طلعت من جرح الوردة شجيرة للحرية ...
الربيع يتآكل حول دمشق .. والثورة متعبة .. والحيوان الجريح لم يعد قادرا على لعق جراحه لكثرتها .. وصوته متحشرج .. وحال الربيع لايسرّ..فالربيع العربي وأهله مشغولون في صراعهم من أجل البقاء في تونس ومصر .. ففي مصر تبدو ثورة مرسي محاصرة بالأعاصير والنيران .. ومرسي الغريق الذي كان يهدد السوريين الذين يقفون على اليابسة باغراقهم في بحاره .. صار يبلع نصف الكلام ونصف التهديد مع ماء البحر الذي يشربه .. تهديد الغريق للواقفين على الصخور والشواطئ صار يستحق الرثاء ..
ومن لايصدق أن الربيع يتآكل بسرعة فلينظر الى أصابع الثورة التي ترتجف في تونس وهي تسدد بنادقها ومسدساتها على كل عين تنظر من خلال ثقوب الربيع التي تتسع .. العيون الناظرة من ثقوب الثورة والربيع ترى مالايجب أن يرى ويجب أن تفقأ ... وعينا الراحل "شكري بالعيد" رأتا مالاعين رأت في تونس ولاأذن سمعت ولاخطر على قلب ثائر وحر .. فقد رأى أصابع المخابرات تصنع عجين الثورة وتخبزه في قطر والسعودية ورأى أن أبناء تونس يرمى بهم في تنور الموت السوري ليستمر حريق الربيع ويخبز الخبازون خبز الحرية المسموم لشعوب الشرق..
ومن لايصدق أن الربيع يتأرجح بعنف فلينظر الى نظرة الرعب في عين الغنوشي وهو حائر .. لأن صوت "شكري بالعيد" يهز فصل الربيع في تونس ومفاصله وركبه .. ثورة بكاملها يهزها هدير رجل واحد اسمه شكري بالعيد .. وكل ديالكتيك حزب "النهضة" والديالكتيك الاسلامي لايقدر بعد اليوم أن يمنع دم "شكري بالعيد" من الصراخ في آذان أهل تونس كما لو كان صوت والد هاملت .. وهاملت التونسي سيسمع صوت أبيه كل يوم الى أن يثأر من قاتله .. وستنهض من دمه كل تونس .. ولاتوجد قوة تحول بينه وبين أن يصفع وجه الثورة .. .. ولن تقدر كل مساجد حزب النهضة أن تمسح دم "بالعيد" عن حيطانها ومآذنها وأذانها لأن قرار اغتياله قد نسجته الخطب والمواعظ الدينية المنفلتة على الناس كثيران المصارعة ونسجته ثقافة العنف الديني الذي جاء راكبا أعلى سنام لناقة الثورة .. مآذن القيروان تتحول الى أنصال خناجر مشرعة تقطر دما .. والمآذن التي تتخضب بالدم لن ترفع أذانا كالأذان بل سترفع مستوى الجريمة والعنف كما هي مساجد الوهابية ومساجد الاخوان المسلمين وصاحب الفتاوى الدموية يوسف القرضاوي ..
ولايقال لشعب تونس وشعوب الربيع الا وصية واحدة: من رأى باطلا فليغيره بيده .. ومن رأى ربيعا فليغيره بيده ..ولن أعتذر من الكلام .. انه عام الفيل ..عام نهاية الربيع .. ونهاية جيش أبرهة .. في الشمال حيث مكة بلاد الشام .. فللبيت رب يحميه .. وللشام رب يحميها ..---------------------------------------------------------------------------------------------
الطريق الى تل أبيب .. برنامج الأسد الانتخابي عام 2014التاريخ 21/2/2013: لم تعد كل الطرق تؤدي الى روما .. فلقد مضى عهد روما وطرقها بعد أن صار من يشق لنا الطرق أمراء النفط ومفكرو الطوائف وفلاسفة جبهة النصرة .. بل كل الطرق تؤدي الى تل أبيب ..
فبعد الربيع العربي عرفنا أن الطرق كلها تؤدي الى تل أبيب سواء كان السائرون على الدرب ملوكا فاسدين أو رؤساء الواقعية السياسية أو اسلاميي الناتو .. ولم يعد أهل مكة أدرى بشعابها بل أهل تل أبيب أدرى بشعاب مكة وسكان مكة وشعاب الدوحة سكانها وشعاب الرياض وسكانها وشعاب أنقرة وسكانها وشعاب غزة وحمساوييها..وشعاب تونس وغنوشييها ..وشعاب مصر واخوانييها..
ما ذكرني بمقولة طريق روما وشعاب مكة برنامج سخيف يقدمه المعارض الغامض والمشبوه أيمن عبد النور ويسمى (الطريق الى دمشق) وهو على نسق الطريق الى كابول وغيره من الطرق التي يخوض فيها التائهون والضائعون والهائمون على وجوههم منذ عدة عقود .. ولكن الحقيقة هي أنه برنامج يدل على (الطريق من تل أبيب الى دمشق) وفحواه هو (تعلم الطريق الى تل أبيب من دون معلم في خمسة أيام).. ويقدمه أيمن بشخصيته القلقة التي تسعى جاهدة لاقناعك بالهدوء وتنظر نظرات مريبة غريبة الى الشاشة قبل أن تحط على وجوه الضيوف بطريقة تدل على معرفة كل ماسيقوله الضيف سلفا ..والضيوف هم دوما شخصيات متعبة يقوم أيمن بالتقديم لها كما يقدم مذيعو العالم الثوري لغيفارا أو تروتسكي أو فيديل كاسترو .. وفي محاولة لتصنيع عبوات ثورية يعدد لنا كتبهم ومؤلفاتهم العظيمة وكأنها كتب كارل ماركس وفريدريك أنكلز أو ماو تسي تونغ .. لكنها في الحقيقة تذكرني بمؤلفات كانت تصلني من مؤسسات نشر لكتاب سعوديين وخليجيين يعتقدون أن الطبعات الأنيقة الفاخرة ترخّم الشعر وتفرش الأدب بالبلاغة والسياسة بالدهاء .. لكن أكثر توصيف يليق بها هي أنها مؤلفات لمحو الأمية .. فأرض الحجاز لم تعد أرض المعلقات حيث ولدت أشعار عنترة وتسابق النابغة مع اللغة وراقص زهير بن أبي سلمى القوافي وداعب الشنفرى وعروة بن الورد شفاه الموت بالسيف والقصائد .. ماتت اللغة في جزيرة العرب منذ أن وصل اليها مفكرو السلاطين و”ملوك السيفيلس” والسيلان .. ولايمكن لهذه الأرض المروية بالجهل بعد الجهل بعد الجهل أن تنبت الا فكرا مهيضا محوره القتل والجنس المكبوت ..
ولم أحس بالحرج عندما دفعت بعض الكتب الأنيقة الطباعة والمكلفة في طباعتها الى مقبرة في مكتبتي التي تستضيف بعضا من كتب الثورجية ومن بينها كتب برهان غليون .. وأنا أدفن هذه الكتب والأسماء من دون مراسم دفن ولاعزاء حيث رفوف النسيان في مكتبتي اذ تنتصب عليها الكتب كلوحات المقابر وتصطف مومياءاتها بلا حراك منذ سنوات.. بل لم اتردد في أن أدفع بعضها الى سلة المهملات لأنها لاتستحق حتى قبرا في مكتبة ولم أجد حلا معها الا المحرقة بعد أن قرأ ت أسطرها الاولى لشدة تفاهتها بالرغم من أن من قدم لها كتاب عرب مرموقون يبدو أنهم قبضوا المعلوم لالباس هذه الكتب المشوهة وشاح الادب المقدس .. فالأدب المقدس ياسادة لابد له من أن يمر بدمشق أو بغداد أو القاهرة أو بيروت ..أما من الرياض فلا يمر الا الجهل والأدب المغطس بالجهل الأسود .. ومن الدوحة فلا يمر الا أدب الجواسيس وبيع الذمم ..ومن أميريكا فلن يصل الا منشورات السي آي ايه .. ولن يصل من تلك الأرض الى سورية الا من يقطع رأس الفكر والتفكير والذي تمثّل في قطع رأس تمثال الثائر المفكر أبي العلاء المعري .. وقطع رأس المعري نتيجة منطقية في هذا العصر لأنه عصر لايقبل فيه رأس المعري أن يجتمع مع رأس فارغ مثل رأس حمد ورؤوس قطعانه وأبقاره .. ولايقبل فيه صاحب شعر الحماسة ورسالة الغفران أن يسير في الطريق الى تل أبيب على خطى أيمن عبد النور ومعارضته .. وبدلا من عبارة المعري الشهيرة الثائرة (هذا ماجناه أبي عليّ، وماجنيت على أحد) فسنكتب منذ اليوم على تمثاله:
هذا ماجنته عليّ الجاهلية .. وعصر الثورجية .. وأبناء موزة وبغلها حمد
وبالطبع برنامج الطريق الى دمشق هو برنامج يستضيف شخصيات بائسة من نماذج أولئك الكتاب السعوديين ولكن بنسخة سورية ثورية يتحدثون في السياسة .. ويقوم أيمن بدور المحقق الطيب حيث يرغم مضيفه على السير ببلاهة وفق اشارات مرور يقف عليها أيمن الذي يسأل أسئلة يفهم منها الضيف أن عليه السير في ذلك الاتجاه .. وبالطبع فان أكثر الشخصيات التي تثير السخرية هي ثورجيو أميريكا لأن هؤلاء المساكين مصابون بداء جنون العظمة لأنهم يعتقدون أن مجرد كونهم يعيشون في بلاد العم سام أو يحظون بجنسيتها أو وظيفة فيها فان لهم الحق في الوعظ والاستعلاء والنصيحة لشعوب أدنى منهم لأن هؤلاء تشربوا الحضارة والفكر ونور الحرية .. ولولا أنني أعرف ماهو الحال في الغرب والولايات المتحدة جيدا لانطلت علي هذه التمثيليات .. ولذلك فان الكثير من هذه المقابلات أقضيه في تأمل الغرور الأجوف والنظريات الخرقاء المثقوبة وعقد النقص وهم ينصحون ويسترسلون في تقريع النظام وتذكيرنا أنهم الراسخون في العلم .. ولكم أن تتخيلوا بأن أسهل شيء في الدنيا هو اسقاط هذه البالونات المهاجرة وسماع انفجاراتها بعد وخزها بابر المنطق والبرهان .. وأسهل شيء هو السخرية من مؤلفات هؤلاء ونظرياتهم السياسية التي توزعها لهم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية .. وأتحداكم أن تجدوا أمريكيا عاقلا يشتري كتابا من كتبهم الفاشلة.. وبالطبع لن تتفاجؤوا ان علمتم أنه حتى أيمن عبد النور ليس لديه حتى هذه اللحظة كتاب واحد من كتبهم التي يطنب في ذكرها .. وهو لم يكن مهتما يوما بشراء كتاب من كتبهم لأنه كان مشغولا بصفقات ومشاريع الفساد الكبرى في عهود الفساد الأكبر في سورية .. ولايزال منظره لاينسى عندما طرد بطريقة مهينة ودون حياء أو اعتبار له من مكتب رئيس الوزراء السوري مع صديقه مأمون الحمصي عندما حاولا فرض صفقة هائلة لبناء صوامع الحبوب على الدولة والتي كانت تفوح منها رائحة فاسدة للغاية دون أي حياء من وطن .. ولذلك فان ثوار اليوم ربما يستولون على الصوامع أو يدمرونها كنوع من الثأر الشخصي الذي يوجهه أيمن لذلك اليوم الذي انهارت فيه مشاريع صوامعه الفاسدة..
الطريق الى دمشق في نظر الثورجيين لابد له من أن يمر بتل أبيب ولذلك كانت كل زواريب الثورة ومجارير صرفها تنتهي الى تل ابيب من رفع علم اسرائيل في حمص الى استقبال المراسلين الاسرائيليين في ادلب الى تطمينات الشقفة ومعاذ وغليون وكل الثوار لخاطر اسرائيل وسياسييها وتطييب اسمها بالياسمين والعطور .. الى مسح كل جرائم اسرائيل ونقل صور جرائمها على الانترنت ولصقها بالجيش السوري بكل خسة ونذالة .. الى التنسيق العملياتي لتنفيذ غارة جمرايا واسعاف المصابين من الثورجيين في مشافي اسرائيل .. ناهيك عن استهداف الدفاع الجوي والطيارين السوريين وأخيرا التحرش بالعدو اللدود لاسرائيل .. السيد حسن نصر الله وحزب الله..فالطريق الى دمشق قد يقتضي الموت على طريق تل ابيب والموت من أجل اسرائيل..
لكن لن يطول انتظارنا حتى نعرف ماذا يعني تعبير الأوساط السياسية الغربية في الكواليس بأن الثوار السوريين يركبون الآن في قوارب النجاة .. ولن يطول انتظارنا حتى نعرف المعنى الحرفي لعبارة الانفصال عن الواقع .. ولكن لن يطول الوقت حتى نعرف كيف أن هذه الأزمة قد حررت السياسة السورية من تقاليدها .. ونقلتها نقلة نوعية أعادت سورية الى ذلك المكان الراقي كرمز للأحرار في العالم .. وأننا في حالة ولادة جديدة..فبعد أن سيطرت الواقعية السياسية والبراغماتية وخيار (المقاومة الناعمة) المتمثلة بدعم حركات المقاومة في المنطقة دون الانخراط المباشر والاكتفاء بدور الظهير القوي فان سورية ستتحول الى أحد أكبر نقاط الحرية الثورية في العالم .. وستكون سورية بعد الربيع أشد فتكا وخطرا من سورية ماقبل الربيع .. انه عهد سورية الخشنة..التي ستستهل رحلة الطريق الى تل أبيب كما كانت رحلة صلاح الدين الى حطين لأن الجيل السوري القادم الى العمل السياسي والتنفيذي سيكون هو الجيل الذي أدار بنجاح أكبر أزمة ألمت بالبلاد منذ وجود سورية على الاطلاق..وهو جيل أثبت أنه الجيل الأفضل الذي يواجه قاع الجيل الأسوأ من الرجعية في الزمن الأسوأ بكل حنكة ومهارة ودراية ..وهو الجيل الأفضل للوصول الى تل أبيب عسكريا ومقاوماتيا..
لاشيء يدل على ورطة المعارضة الا الاستماع الى بياناتها العسكرية وانتصاراتها وتكبيراتها .. لأن المبالغة في تصوير الانتصارات والانجازات الصغيرة عبء كبير تتورط فيه المعارضة كل يوم .. وسأسمح لنفسي بالقول بأن المعركة القادمة ان تجرأ عليها الثورجيون في دمشق فستكون معركة سيبتلع فيها بلعوم الجيش السوري القطعان الثورية المهاجمة كما يبتلع بلعوم البحر الواسع سفن القراصنة المحترقة .. وأستطيع الاسترخاء وأنا أنقل بأمانة أن بلعوم الجيش مفتوح حتى أقصى مدى حول دمشق لابتلاع القادمين كما أن مايصل الجيش من معلومات من داخل المعارضة صار كثيرا جدا وهناك حالة تسابق بين بعض المسلحين لابراز الولاء للدولة ومظاهر التوبة النصوح .. وليس هناك اي أمل الا في الانتحار .. فالضجيج الاعلامي للعربية والجزيرة والتنسيقيات يثير الغبار والضباب على مناصري الثورة فلايرون أين وصلت الرحلة الثورية .. ولايعلمون كيف تم تفكيك الثورة السورية ..
لاشك أن مايسمى بالثورة السورية قد تفككت وبقي ذيلها العسكري يتلوى كما ذيل الأفعى بعد ان تم فصل رؤوس الميدوسا الثورية بهدوء عندما قام العقل السياسي المحنك السوري بفصل مسارات (مايسمى بالثورة) الداخلية والاقليمية والدولية .. وكان التركيز على فصل تلازم هذه المسارات وتفكيك تماسكها لأن الخطة كانت تقتضي اندفاع المسارات الثلاثة (رؤوس الميدوسا) في نفس الوقت .. واليوم تتخبط هذه المسارات والرؤوس وتتصادم بين تذبذبات اوباما وهولاند وتأرجح أردوغان ومرسي وصراعات الائتلاف الداخلية العنيفة..
ومما صار يتردد عن سياسة تفكيك المؤامرة انه بعد اجتماعات كثيرة كانت تتواصل حتى بعد منتصف الليل في الأسابيع الاولى للاحداث كانت القيادة السورية تتلقى تقارير تفصيلية ومتابعات ديبلوماسية وعشرات التقارير الداخلية ومن عدة عواصم صديقة نتيجة جهد ديبلوماسي واستخباري دولي وتوصلت القيادة السياسية الى وضع تصور قريب جدا من واقع الأحداث وتحديد مراكز القوى الرئيسية .. وكانت خارطة القوى المؤثرة في الحدث مكونة من ثلاث محاور 1- المحور الاول: الداخل السوري 2- الثاني: المحور العربي والاقليمي 3 – الثالث: المحور الدولي ..
وقد اتفق على أن المحور الدولي ليس جاهزا للعمل لأن التركيز الشديد كان على أن يكون على اسقاط الدولة من الداخل عبر اطلاق قناعات التغيير وتفتيت الجيش أو دفعه للانقسام والتصارع ..وكان دور المحور الاقليمي (تركيا ولبنان والأردن) أساسيا في دفع الداخل السوري لتصديق الشعارات والانفجار تحت جاذبية الشعار والكلمة والهدف والمشاعر الجياشة فيما سمي سلمية الحراك السوري..
القوى المتآمرة راهنت على أن الدولة الامنية السورية ستصاب بالهياج وسترد بعصبية كافية لاطلاق دومينو الانهيار خلال أسابيع ..وكان القرار السوري أن تتجاهل العامل الدولي الذي تكفلت روسيا والصين وايران بفرملته فيما أظهرت الدولة تراجعا أمام موجة المظاهرات في الحارات وبدا انه انحناء امام ريح خفيفة لتجنب العاصفة الصناعية .. فالشارع السوري لم يكن مشحونا ضد دولته لكن استدراج الدولة الى المواجهة كان من الممكن أن يقلب مزاج الجمهور الرمادي ..وقدرت هذه المرحلة الأخطر على الاطلاق بالأشهر الستة الاولى .. والتي ان تم تجاوزها فقد نجا النظام ..
الفرق بين السياسي المحترف والسياسي الطارئ على العمل السياسي هائل جدا .. الفارق بينهما هو بالضبط كالفارق بين قياس الزمن بالسنة الضوئية وقياسه بمقاييس الدقيقة والساعة الأرضية .. السياسات الكبرى القوية لاتقاس بوحدات اللحظة الراهنة الا في مقاييس الوهم .. والسياسة لا تقاس بالكيلوغرام ولابالمتر بل تقاس بمقاييس سرعة الضوء .. فمايحدث الآن هو أن الثورجيين يقيسون الزمن بالأشبار والأمتار .. ويزنون انتصاراتهم بالكيلو والأوقية ..في زمن السنة الضوئية السياسية ..
لذلك لن تكون قدور اللغة كافية لتحمل هموم الثورجيين وخيباتهم قريبا .. وسيحتاج الثورجيون الى كل ذخائر القواميس من الكلام والمفردات لتحمل ماسيحسون به من مرارة وقلق من الغد القادم حيث لاثورة ولاثوار بل تشرد في المنافي بلا نهاية ..
الثوار يطهون أخبارهم في قدور كبيرة من المبالغات والاستعراضات .. وينفخون في النار التي تمطر عليها أجواء الصفقات زخات بعد زخات .. والشغل الشاغل لبعض الثوار في كواليسهم (بعد أن هربوا وانشقوا وهم يعتقدون أنهم عائدون على متن الدبابات الأمريكية ليحكموا دمشق) صار هو كيف يبقون في منافيهم بلا ثورة .. وكل رأس يفكر في أن يحمل رأس ثورجي آخر هدية الى دمشق عربون ندم ووفاء .. سيحتار سيبويه وابن خلكان والثعالبي في نحت مفردات جديدة لهذه الحالة الغريبة بعدما فشلت كل المفردات في أن تكون على مقاس خيبة الثوار وبعد أن فشلت المصطلحات في أن تطفو على سطح مياه الكلام .. كلام الثوار الآن وانتصاراتهم وثورتهم يركبون قوارب النجاة ..ويمسكون أطواق النجاة فيما حيتان السياسة تحوم وتسبح بهدوء حول الغرقى .. أما سفن أحلامهم فلم يعد يرى منها الا أخشاب المراكب المتحطمة ..
الطريق الثورجي عبر تل أبيب للوصول الى دمشق معادلة مهزومة .. والمعادلة المنتصرة هي الطريق الى تل أبيب انطلاقا من دمشق على طريقة حسن نصر الله .. فاستعدوا .. فعصر المقاومة الناعمة يجب أن ينتهي .. وسيبدأ عصر المقاومة الخشنة..لذلك تبدو اسرائيل متلهفة لتوريط الثورجيين أكثر لابعاد حسن نصر الله عن حدودها قبل فوات الأوات ..وقبل أن يصل الى تل أبيب مع جيل الرئيس الأسد .. وهذا هو باعتقادي البرنامج الانتخابي للرئيس بشار الأسد في حملته الانتخابية عام 2014 .. الطريق الى تل أبيب بالقوة والمقاومة الخشنة .. فكل الطرق التي تخرج من دمشق تمر بالقدس وتصل الى تل أبيب .. كما خرج الدماشقة يوما مع صلاح الدين… فهل سنصوت لبرنامج انتخابي عنوانه (الطريق الى تل أبيب .. بالقوة)؟؟
------------------------------------------------------------------------------------------------
تفجير الشريان الأبهر لدمشق ..طعم الموت العظيم
التاريخ: 22/2/2013: بعض الكلام الذي يقال في النوائب والمصائب يبدو ثقيلا وباردا مهما كان عذبا ودافئا .. ومهما كان فيه من الأسبرين والمهدئات والعقاقير .. ومهما كان بردا وسلاما فانه يقع على الجرح كما لو كان ملحا ..
وبعض الكلام الذي نقوله يملأ الصفحات ولكنه يقع من الدفاتر كما تقع الأوراق المتعبة الصفراء من الشجر في عواصف الخريف .. وكما تنفرط حبات العقود عندما تنقطع خيطانها .. فتتبعثر الكلمات كما تتبعثر خرزات العقد وحبات الياقوت الحمراء ولانقدر على جمعها ونظمها اذا لم نمسك بالخيط ثانية ..
في كل تفجير ارهابي ينفرط عقد الكلام الجميل وتتبعثر حبات اللؤلؤ والزمرد على الأرض .. وتقع أيقونات اللغة على التراب في كل مكان .. فماذا يقال للدم .. غير كلام من دم؟؟ وهل احمرار الياقوت يساوي احمرار الدم؟؟
أحس أحيانا أن الكلام يمكن أن يتحول الى قمامة وانه يستحق أن نتعامل معه بالمكانس اذا لم يقل ماتريد قلوبنا بصدق أو اذا كان فقط صدى لما يريد الآخرون .. ولذلك فلن أقول صدى مايريد الآخرون بل مايريده قلبي ..وقلبي هو خيط العقد الذي سيحمل الياقوت الأحمر..ياقوت الدم..
أما كلام القمامة فقد انفردت فيه لغة المعارضة وثورات الربيع طوال سنتين .. فبعد كل بيان واجتماع وتصريح وتفجير كنت أقوم بكناسة الكلام المتساقط من الشاشات المعارضة والثورية والذي تراكم على الأرض كشظايا البلور المحطم .. كناسة كلام المعارضة كان دوما عملا ضروريا واسعافيا لأن من يسير حافيا على كلام الثوار سينزف من عقله لا من قدميه وستنغرز شظايا الزجاج في عينيه .. فلاتتعبوا أنفسكم في قراءة تفجير دمشق وتفسيراته ..لأن رسائل التفجير وصلت الى عناوينها دون أن تخطئ .. وقام بتسليمها سعاة بريد جبهة النصرة ..
ففي تفجير دمشق انتقلت القطعان الثورية الهائجة الى حالة فريدة وهي أنها لم تعد تعبأ بالرأي العام السوري ولابخداعه كما دأبت طوال سنتين .. فقد طاف بها الكيل .. بل صارت تغامر غير مكترثة بالمجاهرة بالحيوانية والعنف .. ولم تعد حريصة على ادخار آخر مالديها في ذخائرها الثورية من خطابات ظمئها للحرية والانعتاق .. نعم لقد قررت المعارضة التخلص من حالة الحرج والتمثيل التي امتهنتها طوال سنتين .. حيث كانت تقتل وتتهم النظام .. وتفجر الشوارع وتمسح أيديها المضرجة بالدم بجدران أجهزة الأمن السورية وتتهمها بأنها تريد اخافة الناس من الثورة السلمية وثورة الكرامة ..وتذبح الضحايا وتمسح سكاكينها باسم الرئيس وعائلته .. لكنها اليوم قررت الخروج من عباءة البراءة وصوف الخرفان الوديع وصمت الحملان دون وجل .. ولم تعد تعنيها آراء الناس ولاتعاطفهم معها ولااقتناعهم بطهارتها لأسباب كثيرة سنمر عليها ..
ومما يلفت النظر كثيرا هو أنه حتى المجلس الوطني والائتلاف قررا أن عملية خداع الناس لم تعد ضرورية خاصة بعد الأدلة الدامغة على أن ثورجيي الكرامة هم من ينسف الشوارع ويرسل الانتحاريين المجانين .. فتغطى الائتلاف بالأمس باعلانه التقية بأول ادانة لتفجير ارهابي .. ولم يتأخر في الادانة الا سنتين فقط !!.. أي بعد خراب البصرة كما يقال .. لكنه في اعلانه هذا فانه كان يقر بشكل غير مباشر ولأول مرة بأن الثورة هي من قامت بالتفجير لأنه لم يقم كما اعتاد باستعمال الأغطية والملاحف الكبيرة والشراشف في اخفاء الثورجيين عن مسرح الجريمة .. ولم يقم كعادته بمسح الدم عن سكاكين الثورة وانيابها .. ولم يتبرع كما اعتاد بالتبرع بارشاد الناس والسير في مقدمة العراضة الى حيث القاتل من أجهزة الأمن السورية.. بل اكتفى ببراءة باعلان الادانة .. وهذا يعني أنه يريد أن يقول : "نعم ليست الدولة من يقوم بالتفجير .. بل نحن من يقوم بالتفجير" .. وفي اعماق هذا الاعتراف غير المباشر حاجة ماسة لاعلان المسؤولية .. وغاية الاعتراف هي الدفاع عن الموقف العسكري للثورة وهي تتعرض للقضم اليومي.. فترد بالتفجير لتقول:
ان من يعتقد أن هناك ضعفا في "الثورة" أو أنها واهنة فهو واهم ..
ومن ينتظر سقوطها الوشيك فهو واهم ..
ومن ينتظر قبولنا الحوار فهو واهم ..
ومن ينتظر الحل السياسي فهو واهم لأن الحل هو عسكري .. وعسكري فقط ..
كتبت المعارضة رسالتها على أوراق من أجساد السوريين ووتركت الرسالة في بريد منطقة المزرعة على قارعة الطريق واختارت أهم نقطة التقاء لطرق في دمشق حيث يكاد كل سوري قد مر مرة واحدة على الأقل في حياته من تلك النقطة لأن تلك النقطة هي الطريق نحو جميع سورية .. فلا يوجد سوري مر في دمشق لم يدخل عبر تلك العقدة والطريق الشهير (شارع الثورة) .. أو مايسمى أبهر دمشق .. ان تلك النقطة هي الشريان الأبهر لدمشق ومنها تسافر ضخات الحياة نحو سورية كلها .
تقول الرسالة الثورية مايلي ودون مواربة: هانحن في الشريان الأبهر ..فاما نحن واما هو؟ .. أي اما أن تقبلوا بنا بالقوة حكاما قادمين والا فسنرسل كل يوم رجلا آليا مبرمجا يسمونه (انتحاري) .. يرسل ابناءكم الى الموت .. سلّموا أيها السوريون .. فتسلموا ..
في تكتيك التفجير يراد بث الرعب في نفوس السوريين فيقبلون بما لايقبلون به .. رغما عن أنوفهم ..للوصول الى معادلة جورج بوش الشهيرة: "من ليس معنا فهو ضدنا .. وغالبية السوريين ليست معنا .. فهم ضدنا ..ومن ضدنا يجب أن يموت"..
وفي هذه العقلية يكمن خطر مميت لأنها تضع نفسها لأول مرة في مواجهة الجميع علنا .. وتقرر بشكل مجنون استفزاز جميع الشرائح الشعبية حتى الرمادية منها..وهي التي ستضع عنق المعارضة تحت حد المقصلة ..
هذه الأوهام والقمامات الثورية هي مايستدعي أن نحمل مكانسنا وننظف الطرقات منها ثم نرمي بها الى الحاويات العفنة.. لاتسيروا فوق هذا الزجاج المهشم من الأوهام والحطام كيلا تصاب بالجراح عقولكم وعيونكم .. لأن رسالة القمامة الثورية تقول للسوريين بالحرف مايلي:
1- لم نقدر على الأسد ولا على جيشه بعد سنتين من دعم الدنيا كلها لنا .. ونعترف أننا فعلا لانقدر عليه .. ولن نقدر عليه وجها لوجه لافي ساعة الصفر ولا في البركان ولا في الملاحم .. وعليكم أن تعينونا عليه لأنه ثبت في مكانه بسببكم وخسرنا معركتنا بسببكم .. فكما نصرتموه وانتصر .. فان عليكم أن تخذلوه كي ننتصر ..
2- ومما تقوله الرسالة من تحت ركام الأوهام رسالة على نقيض مبدأ قديم يقول: اضرب الراعي تتشتت الأغنام .. ليصبح مبدأ الثوار هو (شتت الأغنام لتضرب الراعي) .. ان ضرب العائلة يوجع راعيها .. لذلك فلنضرب الأسد حيث يتوجع ..اضربوه في أكثر نقطة توجعه وتجبره على الأنين .. اي اضربوا الأسد في "عائلته الدمشقية" .. وعائلته هم الشعب الذي رفعه ووضعه في قصر الرئاسة .. وهي الشعب الذي ملأ الساحات دعما لبرنامجه السياسي ..وضرب العائلة سيوجع كبيرها وراعيها .. اضرب الأبناء يتراجع الوالد .. اضربوا الاخوة .. يتقهقر الأخ المحارب ويبتعد عنا ..
3- ومما تقوله الرسالة ان الضغط العسكري في الأرياف خانق على الثورة .. والثورة تريد أن تتنفس فالحذاء العسكري في فمها في الريف يضغط وهو يعصر رقبتها عصرا .. فتقرر المعارضة أن تضرب بذيلها في أي مكان مؤلم لتخفيف الضغط عنها .. وضرب المدنيين أشد ايلاما من ضرب العسكريين ..هذا الاستنتاج مبني على اعترافات ووثائق القي القبض عليها وفيها مراسلات واقتراحات سابقة من بعض صقور (الثورة) بأن تخفيف الضغط عن المقاتلين في الارياف لن يتم الا عبر الضغط على النظام عبر المدنيين .. وسيقوم طرف ثالث بتسليم رسالة تهديد للنظام بأن استمرار الضغط العسكري على عنق الثورة الريفي سيدفع ثمنه النظام في شوارع مدنه .. وهذا ماسيخلق حالة من النقمة لدى المدنيين من تردي الوضع الأمني اذا ماتتالت التفجيرات .. لأن الضغط الشعبي كفيل برفع حذاء الجيش عن أعناق الثورة..
4- هناك طرف لايزال يريد عصر المفاوضات بين الدولة السورية وخصومها الدوليين في المنطقة حتى آخر قطرة فكان تصريح العربي والابراهيمي عن ضرورة استبعاد الرئيس الأسد من الحلول بعد شيوع أجواء انفراج وتلا هذه التصريحات مباشرة تفجير دمشق (الذي كان يتنبأ به البعض بعد تلك التصريحات التي بدت موطئة له) ليزيد من الوزن النوعي لتصريحات العربي والابراهيمي ..
في التعامل مع العمليات الانتحارية لاتوجد هناك بطولة لأنها هي بحد ذاتها من أسهل أنواع العمليات تنفيذا .. فهذه العمليات يمكن ان تنفذ كل يوم في كل مدينة في العالم .. فأنت لاتريد الا حمقى يتصرفون كالروبوتات تتم برمجتها بعناية وفق برامج غسيل الدماغ .. وتحتاج الى متفجرات يمكن لأي شخص صناعتها من مواد كيماوية ..لم تنج منها لندن ونيويورك وتل أبيب
ولكن تعالوا نعرج على عباقرة الصهيونية عندما واجه الاسرائيليون سنوات الانتفاضة الفلسطينية وفوجئ الاسرائيليون بموجات من الاستشهاديين الفلسطينيين في مدنهم وشوارعهم لسنتين متتاليتين قتلت أربعة آلاف اسرائيلي .. فقرر الاسرائيليون الدخول في عملية سلام مع الفلسطينيين .. وعندما سئل رابين عن سبب قبوله للسلام بعد عناد ورفض قال: في الماضي كنا وعلى مدى عقود نخيف الفلسطيني بقتله .. لكننا اليوم أمام شخص يريد ان يموت .. فماذا يمكنني أن أفعل مع شخص لايريد أن يعيش بل أن يموت.. هل أقتله؟؟ لذلك دخلت عملية السلام ..
وتبين أن الاسرائيليين يراوغون ليكسبوا الوقت لأن رابين دخل عملية السلام مؤقتا ودوّخ الفلسطينيين بالمفاوضات ولم يعطهم أكثر من بلدية رام الله .. لكن في نفس الوقت كان الساسة الاسرائيليون يقومون بعملية دراسة واسعة للعقل الجهادي ويقومون بعمليات اختراق كثيفة أفقية وعمودية لجسم حماس من القاعدة حتى رأس الهرم .. فتم فهم سيكولوجيا العقل الجهادي .. واستعان الاسرائيليون بالعقل الوهابي لتدمير العقل الجهادي .. فكانت عمليات نيويورك تقريبا هي بداية نهاية موجات الانتحاريين الفلسطينيين .. وكأن من صمم عمليات 11 ايلول أراد منها احراج العمل الاستشهادي بأن حوله الى فعل جريمة وحشية حيوانية..ومنذ ذلك التاريخ خرجت العمليات الاستشهادية من شوارع اسرائيل نهائيا وتنقلت في شوارع العالم لتستقر في شوارع بغداد والعراق .. وأخيرا لتحط في دمشق حيث ترقد دجاجة القاعدة على بيوض جبهة النصرة لتفقس تلك الثعابين .. في عش المعارضة السورية .. عش الحرية والديمقراطية ..
فهل يقدر الاسرائيليون على شيء لانقدر عليه؟؟؟ مانعرفه حتى هذه اللحظة هو أننا نمسك بلجام المشكلة وأننا على ظهر الدابة .. وعلينا أن نشد اللجام .. حتى تتألم الدواب!! ..
هذه الأيام القاسيات ستمر .. شاءت المعارضة أم لم تشأ ..شاءت اسرائيل أم لم تشا .. شاءت تركيا والعرب أم لم يشاؤوا .. ونحن سنقبل التحدي .. وفي كل تفجير حقير نعرف أننا كنا على صواب في احتقارنا لهذه الثورة ولهؤلاء الثوار ولهذه المعارضة .. ونعرف أننا كنا على صواب في اختيارنا الوطني وفي رفضنا القطعي لمعارضة تقتل وتسرق وتبيع الوطن ..
وستغادر التفجيرات شوارعنا .. وسنسير في شوارعك يادمشق ولن نوقف دفق الحياة في شرايينها وشريانها الابهر .. لأن أجمل الموت هو أن يكون في دمشق وفي شرايينها وأوردتها .. ولأن أقوى الجذور هي التي تصنعها الشرايين في سفرها العميق في تراب الوطن .. وليس صحيحا أن طعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم .. فاذا كنا نموت فلنمت في دمشق .. حيث طعم الموت العظيم .. من أجلك يادمشق..من أجلك يادمشق...
تفجير الشريان الأبهر لدمشق ..طعم الموت العظيم
( الجمعة 2013/02/22 SyriaNow)
بعض الكلام الذي يقال في النوائب والمصائب يبدو ثقيلا وباردا مهما كان عذبا ودافئا .. ومهما كان فيه من الأسبرين والمهدئات والعقاقير .. ومهما كان بردا وسلاما فانه يقع على الجرح كما لو كان ملحا ..
وبعض الكلام الذي نقوله يملأ الصفحات ولكنه يقع من الدفاتر كما تقع الأوراق المتعبة الصفراء من الشجر في عواصف الخريف .. وكما تنفرط حبات العقود عندما تنقطع خيطانها .. فتتبعثر الكلمات كما تتبعثر خرزات العقد وحبات الياقوت الحمراء ولانقدر على جمعها ونظمها اذا لم نمسك بالخيط ثانية ..
في كل تفجير ارهابي ينفرط عقد الكلام الجميل وتتبعثر حبات اللؤلؤ والزمرد على الأرض .. وتقع أيقونات اللغة على التراب في كل مكان .. فماذا يقال للدم .. غير كلام من دم؟؟ وهل احمرار الياقوت يساوي احمرار الدم؟؟
أحس أحيانا أن الكلام يمكن أن يتحول الى قمامة وانه يستحق أن نتعامل معه بالمكانس اذا لم يقل ماتريد قلوبنا بصدق أو اذا كان فقط صدى لما يريد الآخرون .. ولذلك فلن أقول صدى مايريد الآخرون بل مايريده قلبي ..وقلبي هو خيط العقد الذي سيحمل الياقوت الأحمر..ياقوت الدم..
أما كلام القمامة فقد انفردت فيه لغة المعارضة وثورات الربيع طوال سنتين .. فبعد كل بيان واجتماع وتصريح وتفجير كنت أقوم بكناسة الكلام المتساقط من الشاشات المعارضة والثورية والذي تراكم على الأرض كشظايا البلور المحطم .. كناسة كلام المعارضة كان دوما عملا ضروريا واسعافيا لأن من يسير حافيا على كلام الثوار سينزف من عقله لا من قدميه وستنغرز شظايا الزجاج في عينيه .. فلاتتعبوا أنفسكم في قراءة تفجير دمشق وتفسيراته ..لأن رسائل التفجير وصلت الى عناوينها دون أن تخطئ .. وقام بتسليمها سعاة بريد جبهة النصرة ..
ففي تفجير دمشق انتقلت القطعان الثورية الهائجة الى حالة فريدة وهي أنها لم تعد تعبأ بالرأي العام السوري ولابخداعه كما دأبت طوال سنتين .. فقد طاف بها الكيل .. بل صارت تغامر غير مكترثة بالمجاهرة بالحيوانية والعنف .. ولم تعد حريصة على ادخار آخر مالديها في ذخائرها الثورية من خطابات ظمئها للحرية والانعتاق .. نعم لقد قررت المعارضة التخلص من حالة الحرج والتمثيل التي امتهنتها طوال سنتين .. حيث كانت تقتل وتتهم النظام .. وتفجر الشوارع وتمسح أيديها المضرجة بالدم بجدران أجهزة الأمن السورية وتتهمها بأنها تريد اخافة الناس من الثورة السلمية وثورة الكرامة ..وتذبح الضحايا وتمسح سكاكينها باسم الرئيس وعائلته .. لكنها اليوم قررت الخروج من عباءة البراءة وصوف الخرفان الوديع وصمت الحملان دون وجل .. ولم تعد تعنيها آراء الناس ولاتعاطفهم معها ولااقتناعهم بطهارتها لأسباب كثيرة سنمر عليها ..
ومما يلفت النظر كثيرا هو أنه حتى المجلس الوطني والائتلاف قررا أن عملية خداع الناس لم تعد ضرورية خاصة بعد الأدلة الدامغة على أن ثورجيي الكرامة هم من ينسف الشوارع ويرسل الانتحاريين المجانين .. فتغطى الائتلاف بالأمس باعلانه التقية بأول ادانة لتفجير ارهابي .. ولم يتأخر في الادانة الا سنتين فقط !!.. أي بعد خراب البصرة كما يقال .. لكنه في اعلانه هذا فانه كان يقر بشكل غير مباشر ولأول مرة بأن الثورة هي من قامت بالتفجير لأنه لم يقم كما اعتاد باستعمال الأغطية والملاحف الكبيرة والشراشف في اخفاء الثورجيين عن مسرح الجريمة .. ولم يقم كعادته بمسح الدم عن سكاكين الثورة وانيابها .. ولم يتبرع كما اعتاد بالتبرع بارشاد الناس والسير في مقدمة العراضة الى حيث القاتل من أجهزة الأمن السورية.. بل اكتفى ببراءة باعلان الادانة .. وهذا يعني أنه يريد أن يقول : "نعم ليست الدولة من يقوم بالتفجير .. بل نحن من يقوم بالتفجير" .. وفي اعماق هذا الاعتراف غير المباشر حاجة ماسة لاعلان المسؤولية .. وغاية الاعتراف هي الدفاع عن الموقف العسكري للثورة وهي تتعرض للقضم اليومي.. فترد بالتفجير لتقول:
ان من يعتقد أن هناك ضعفا في "الثورة" أو أنها واهنة فهو واهم ..
ومن ينتظر سقوطها الوشيك فهو واهم ..
ومن ينتظر قبولنا الحوار فهو واهم ..
ومن ينتظر الحل السياسي فهو واهم لأن الحل هو عسكري .. وعسكري فقط ..
كتبت المعارضة رسالتها على أوراق من أجساد السوريين ووتركت الرسالة في بريد منطقة المزرعة على قارعة الطريق واختارت أهم نقطة التقاء لطرق في دمشق حيث يكاد كل سوري قد مر مرة واحدة على الأقل في حياته من تلك النقطة لأن تلك النقطة هي الطريق نحو جميع سورية .. فلا يوجد سوري مر في دمشق لم يدخل عبر تلك العقدة والطريق الشهير (شارع الثورة) .. أو مايسمى أبهر دمشق .. ان تلك النقطة هي الشريان الأبهر لدمشق ومنها تسافر ضخات الحياة نحو سورية كلها .
تقول الرسالة الثورية مايلي ودون مواربة: هانحن في الشريان الأبهر ..فاما نحن واما هو؟ .. أي اما أن تقبلوا بنا بالقوة حكاما قادمين والا فسنرسل كل يوم رجلا آليا مبرمجا يسمونه (انتحاري) .. يرسل ابناءكم الى الموت .. سلّموا أيها السوريون .. فتسلموا ..
في تكتيك التفجير يراد بث الرعب في نفوس السوريين فيقبلون بما لايقبلون به .. رغما عن أنوفهم ..للوصول الى معادلة جورج بوش الشهيرة: "من ليس معنا فهو ضدنا .. وغالبية السوريين ليست معنا .. فهم ضدنا ..ومن ضدنا يجب أن يموت"..
وفي هذه العقلية يكمن خطر مميت لأنها تضع نفسها لأول مرة في مواجهة الجميع علنا .. وتقرر بشكل مجنون استفزاز جميع الشرائح الشعبية حتى الرمادية منها..وهي التي ستضع عنق المعارضة تحت حد المقصلة ..
هذه الأوهام والقمامات الثورية هي مايستدعي أن نحمل مكانسنا وننظف الطرقات منها ثم نرمي بها الى الحاويات العفنة.. لاتسيروا فوق هذا الزجاج المهشم من الأوهام والحطام كيلا تصاب بالجراح عقولكم وعيونكم .. لأن رسالة القمامة الثورية تقول للسوريين بالحرف مايلي:
1- لم نقدر على الأسد ولا على جيشه بعد سنتين من دعم الدنيا كلها لنا .. ونعترف أننا فعلا لانقدر عليه .. ولن نقدر عليه وجها لوجه لافي ساعة الصفر ولا في البركان ولا في الملاحم .. وعليكم أن تعينونا عليه لأنه ثبت في مكانه بسببكم وخسرنا معركتنا بسببكم .. فكما نصرتموه وانتصر .. فان عليكم أن تخذلوه كي ننتصر ..
2- ومما تقوله الرسالة من تحت ركام الأوهام رسالة على نقيض مبدأ قديم يقول: اضرب الراعي تتشتت الأغنام .. ليصبح مبدأ الثوار هو (شتت الأغنام لتضرب الراعي) .. ان ضرب العائلة يوجع راعيها .. لذلك فلنضرب الأسد حيث يتوجع ..اضربوه في أكثر نقطة توجعه وتجبره على الأنين .. اي اضربوا الأسد في "عائلته الدمشقية" .. وعائلته هم الشعب الذي رفعه ووضعه في قصر الرئاسة .. وهي الشعب الذي ملأ الساحات دعما لبرنامجه السياسي ..وضرب العائلة سيوجع كبيرها وراعيها .. اضرب الأبناء يتراجع الوالد .. اضربوا الاخوة .. يتقهقر الأخ المحارب ويبتعد عنا ..
3- ومما تقوله الرسالة ان الضغط العسكري في الأرياف خانق على الثورة .. والثورة تريد أن تتنفس فالحذاء العسكري في فمها في الريف يضغط وهو يعصر رقبتها عصرا .. فتقرر المعارضة أن تضرب بذيلها في أي مكان مؤلم لتخفيف الضغط عنها .. وضرب المدنيين أشد ايلاما من ضرب العسكريين ..هذا الاستنتاج مبني على اعترافات ووثائق القي القبض عليها وفيها مراسلات واقتراحات سابقة من بعض صقور (الثورة) بأن تخفيف الضغط عن المقاتلين في الارياف لن يتم الا عبر الضغط على النظام عبر المدنيين .. وسيقوم طرف ثالث بتسليم رسالة تهديد للنظام بأن استمرار الضغط العسكري على عنق الثورة الريفي سيدفع ثمنه النظام في شوارع مدنه .. وهذا ماسيخلق حالة من النقمة لدى المدنيين من تردي الوضع الأمني اذا ماتتالت التفجيرات .. لأن الضغط الشعبي كفيل برفع حذاء الجيش عن أعناق الثورة..
4- هناك طرف لايزال يريد عصر المفاوضات بين الدولة السورية وخصومها الدوليين في المنطقة حتى آخر قطرة فكان تصريح العربي والابراهيمي عن ضرورة استبعاد الرئيس الأسد من الحلول بعد شيوع أجواء انفراج وتلا هذه التصريحات مباشرة تفجير دمشق (الذي كان يتنبأ به البعض بعد تلك التصريحات التي بدت موطئة له) ليزيد من الوزن النوعي لتصريحات العربي والابراهيمي ..
في التعامل مع العمليات الانتحارية لاتوجد هناك بطولة لأنها هي بحد ذاتها من أسهل أنواع العمليات تنفيذا .. فهذه العمليات يمكن ان تنفذ كل يوم في كل مدينة في العالم .. فأنت لاتريد الا حمقى يتصرفون كالروبوتات تتم برمجتها بعناية وفق برامج غسيل الدماغ .. وتحتاج الى متفجرات يمكن لأي شخص صناعتها من مواد كيماوية ..لم تنج منها لندن ونيويورك وتل أبيب
ولكن تعالوا نعرج على عباقرة الصهيونية عندما واجه الاسرائيليون سنوات الانتفاضة الفلسطينية وفوجئ الاسرائيليون بموجات من الاستشهاديين الفلسطينيين في مدنهم وشوارعهم لسنتين متتاليتين قتلت أربعة آلاف اسرائيلي .. فقرر الاسرائيليون الدخول في عملية سلام مع الفلسطينيين .. وعندما سئل رابين عن سبب قبوله للسلام بعد عناد ورفض قال: في الماضي كنا وعلى مدى عقود نخيف الفلسطيني بقتله .. لكننا اليوم أمام شخص يريد ان يموت .. فماذا يمكنني أن أفعل مع شخص لايريد أن يعيش بل أن يموت.. هل أقتله؟؟ لذلك دخلت عملية السلام ..
وتبين أن الاسرائيليين يراوغون ليكسبوا الوقت لأن رابين دخل عملية السلام مؤقتا ودوّخ الفلسطينيين بالمفاوضات ولم يعطهم أكثر من بلدية رام الله .. لكن في نفس الوقت كان الساسة الاسرائيليون يقومون بعملية دراسة واسعة للعقل الجهادي ويقومون بعمليات اختراق كثيفة أفقية وعمودية لجسم حماس من القاعدة حتى رأس الهرم .. فتم فهم سيكولوجيا العقل الجهادي .. واستعان الاسرائيليون بالعقل الوهابي لتدمير العقل الجهادي .. فكانت عمليات نيويورك تقريبا هي بداية نهاية موجات الانتحاريين الفلسطينيين .. وكأن من صمم عمليات 11 ايلول أراد منها احراج العمل الاستشهادي بأن حوله الى فعل جريمة وحشية حيوانية..ومنذ ذلك التاريخ خرجت العمليات الاستشهادية من شوارع اسرائيل نهائيا وتنقلت في شوارع العالم لتستقر في شوارع بغداد والعراق .. وأخيرا لتحط في دمشق حيث ترقد دجاجة القاعدة على بيوض جبهة النصرة لتفقس تلك الثعابين .. في عش المعارضة السورية .. عش الحرية والديمقراطية ..
فهل يقدر الاسرائيليون على شيء لانقدر عليه؟؟؟ مانعرفه حتى هذه اللحظة هو أننا نمسك بلجام المشكلة وأننا على ظهر الدابة .. وعلينا أن نشد اللجام .. حتى تتألم الدواب!! ..
هذه الأيام القاسيات ستمر .. شاءت المعارضة أم لم تشأ ..شاءت اسرائيل أم لم تشا .. شاءت تركيا والعرب أم لم يشاؤوا .. ونحن سنقبل التحدي .. وفي كل تفجير حقير نعرف أننا كنا على صواب في احتقارنا لهذه الثورة ولهؤلاء الثوار ولهذه المعارضة .. ونعرف أننا كنا على صواب في اختيارنا الوطني وفي رفضنا القطعي لمعارضة تقتل وتسرق وتبيع الوطن ..
وستغادر التفجيرات شوارعنا .. وسنسير في شوارعك يادمشق ولن نوقف دفق الحياة في شرايينها وشريانها الابهر .. لأن أجمل الموت هو أن يكون في دمشق وفي شرايينها وأوردتها .. ولأن أقوى الجذور هي التي تصنعها الشرايين في سفرها العميق في تراب الوطن .. وليس صحيحا أن طعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم .. فاذا كنا نموت فلنمت في دمشق .. حيث طعم الموت العظيم .. من أجلك يادمشق..من أجلك يادمشق...
الحرب العالمية الثالثة .. الرقة لن تؤخر معركة النورماندي في حلب؟؟
التاريخ : 6/3/2013: ان كانت هناك من نصيحة أسديها اليكم كل يوم فهي أن لاتجلسوا الى موائد الكلام عندما يكون طهاة الكلام من أبناء البغايا والسبايا وعبيد الطغاة والشهوات ومن سلالات قطاع الطرق واللصوص .. لأنه لن يكون في قدور اللغة الا لحوم البشر ونكهة الزنا .. ولن تغرف آذانكم الا مرقا من دم الكلام ودم الحيض..
ولاتحاولوا أن تتعلموا القراءة من أولئك الذين يسكن الضباب عيونهم وعقولهم فمهما انقشع الضباب في طرقاتهم فلن يزول ضبابهم لأنه في عيونهم وهو كثيف داخل رؤوسهم..
ونصيحتي أن لاتستمعوا الى دروس الفلسفة والحكمة ممن لايعرف الفرق بين فاء الفلسفة و فاء السفالة .. ولاتأخذوا دروس الثورة ممن لايعرف الفرق بين نون الوطن ونون الناتو، ومابينهما نون الخيانة .. كما ثوار العرب ..
ونصيحتي اليكم ألا تغمسوا ريشات ألوانكم في ربيع العرب لترسموا وطنا بالألوان فليس في ربيع العرب لون أخضر ولا لون أزرق .. ليس فيه الا اللون الأحمر القاني وعواصف الجهل الأسود ورياح الرمال الصفراء ..
واياكم أن تغمسوا خبزكم في أوعية مثقفي العرب لأنها اما خاوية أو مليئة بالسم والخردل .. ولا تلقوا شباككم في أفواه الاسلاميين أو في عيونهم أو في عقولهم فلن تحصلوا الا على ثعابين الزيت الاسود الخفيف والنفاق الكثيف .. ولن تجدوا حبرا لأقلامكم الا في العروق السورية فحيثما جرحنا ينبجس الحبر .. حتى امتلأت المحابر وفاضت خزانات الحقيقة .. ولم يعد في أجساد الدماشقة "عناقيد وتفاح" تسيل من جراحهم بل حبر أحمر يكتب به التاريخ مذكراته الحافلة بالقصص والمفاجآت..
دعوني أمرر أناملكم وعيونكم على جسد التاريخ ودعوني أغسلكم بصوته قبل أن تتنشفوا بأوراقه بدل الاستحمام بأهازيج جبهة النصرة والثورة السورية .. فمن يتأمل جسم التاريخ الطويل الممشوق اللامتناهي يستطيع أن يرى مفاصله الكبرى في أحداث كبرى كما هي مفاصل شجرة الزيتون .. جسم التاريخ يشبه شجرة زيتون عتيقة .. وهانحن اليوم نمر بعقدة كبيرة تتشكل على جذع شجرة الزيتون اسمها .. الحرب العالمية الثالثة .. نحن نسميها المؤامرة الكونية .. وهم يسمونها الربيع العربي .. وجامعة نبيل العربي تسميها الحرب الأهلية السورية .. لكن اسمها المكتوب على بطاقة هويتها هو .. الحرب العالمية الثالثة ..ومكان ولادتها سورية ..وتاريخ ميلادها هو 15 آذار 2011 ..
هذه الحرب العالمية بشّر بها البعض ولكن لم يجرؤ أحد على الاعتراف بأنها اندلعت .. الا أن الحروب تغيرت .. وأساليب خوضها تغيرت .. ولايزال بعضنا في مخيلته صور الأساطيل الألمانية والبريطانية وطيران اليابان على بيرل هاربر وصور الجيش الأحمر في شوارع ستالينغراد وبرلين أمام الرايخشتاغ .. لأن قراءتنا للحروب العالمية لاتزال تقليدية وتنتظر رؤية الجيوش التي تناطح الجيوش والفيالق التي تسحق الفيالق .. والدبابات التي تأكل الدبابات .. والغارات التي تبارز الغارات .. كوحوش أساطير أثينا .. فهذه المشاهد التي ننتظرها هي مشاهد الحروب القديمة والمبارزات هي التي ستفتقدها الحروب العالمية البشرية ..
لن يتوقف البشر عن انتاج الحروب العالمية بعد أن أقلع خط انتاجها من أوروبة حيث انتج العقل الغربي حربين عالميتين مدمرتين ولايمكن أن يتوقف عن التفكير بالثالثة .. لكن لن تقوم بعد اليوم حرب عالمية بمواجهة مباشرة بين قوى العالم بسبب وجود السلاح الذري لدى كثير من الأطراف المرشحة للمنازلة الكبرى في الشرق والغرب.. وربما كانت أزمة خليج الخنازير هي آخر الاحتكاكات المباشرة بين الغرب والشرق .. الى أن أطلق الغرب هجومه من خلال مشروع الربيع العربي في هجوم مباغت استباقي على الشرق دون أن تتحرك الاساطيل والطائرات ..
الحروب العالمية تتميز أنها تندلع من دون مقدمات كاملة وعلى غير توقع وتتصارع فيها كتل كبيرة من البلدان المتنافرة بأدوات الصراع المتاحة وتخلق تحالفات عجائبية .. لتنتهي الحروب العالمية بنتائج عميقة يحمل آثارها وجه قرن كامل ندوبا غائرة على وجه الارض بل ويتغير لون الأرض ومزاجها كليا .. وأهم ميزاتها أن من يقوم باشعالها هو العقل الغربي الأوروبي فقط ..
ففي الحرب العالمية الأولى أطلق الاغتيال غير المتوقع للأرشيدوق فرانز فرديناند ولي عهد النمسا شرارة الحرب وانزلقت الى الحرب مجموعة دول كبيرة كانت أساطيلها قبل أيام من ذلك الحدث تتبادل الزيارات الودية ..فتصارعت النمسا وروسيا وألمانية وفرنسا واليابان والدولة العثمانية والولايات المتحدة والصين واليونان والبرازيل وايطاليا ورومانيا وبلغاريا والبرتغال وليبيرية.. وكانت النتيجة ان سقطت السلالات الحاكمة الملكية الاوروبية والتي يعود بعضها الى فترة عهود الحروب الصليبية وظهر اللون الأحمر الشيوعي على نصف الأرض .. وتوفيت الامبراطورية الخضراء للسلطان سليم الأول وتغيرت الخارطة السياسية لاوروبة كلها ..في هذه الحرب استعمل البشر لأول مرة سلاح الدبابات والقصف من الجو والسلاح الكيماوي..
وفي الحرب العالمية الثانية تورطت في النزاع سبعون دولة بمجرد اطلاق الألمان لعملية احتلال بولندة في عملية بارباروسا.. وفيها تحالفت التناقضات المستحيلة حيث تحالف الروس الشيوعيون مع الأمريكيين الامبرياليين والبريطانيين الرأسماليين ضد الألمان النازيين .. وحارب جنود المهاتما غاندي الى جانب أعدائهم الجنود البريطانيين ضد الألمان .. وتطوع جزائريون لتحرير فرنسا التي تحتلهم ثمنا لنيل استقلالهم..واستخدم الجميع تقنيات أسلحة حديثة كان أهمها السلاح الذري ..وأزاحت الحرب أكبر امبراطوريتين استعماريتين هما الفرنسية والبريطانية وصعدت قوتان مغايرتان هما الامبراطورية الشيوعية والامبراطورية الامريكية ..
لقد بقي العالم باردا في الحرب الباردة وتجنب المواجهة المباشرة واكتفى بالمواجهة غير المباشرة في صراعات مبعثرة في فييتنام وكوبا وكوريا وأفغانستان وكل الحروب المتفرقة التي قلما تتنازل فيها مجموعة دول..
الحرب الحالية التي يخوضها العالم في سورية هي أعقد الحروب العالمية وأكثرها غرابة لأن ساحتها ليست أوروبة فهناك شبه اجماع على ابعاد كل الحروب عن أوروبة بعد درسي الحرب العالمية .. ساحة الحرب الآن ضيقة جدا والأطراف المتنازلة كثيرة ولكن نتائجها ستغير أكبر المساحات على الأرض .. وربما هي أقصر الحروب العالمية لأنها تتجه من جهة لوضع أوزارها ومن جهة أخرى للتصعيد المفاجئ .. وربما بدا في حديث الرئيس الأسد الى صحيفة الصندي تايمز البريطانية ما يوحي بذلك .. فلامبالاته وازدراؤه للدول الغربية عكس موقفا متقدما له ولحلفائه في سير الحرب العالمية الثالثة لصالحه وصالح حلفائه لأن عملية قيادتها تطلبت الكثير من الصبر والحنكة واحكام الكمائن..والانتظار في المكامن..وامتصاص الصدمات بهدوء..فيما يتصرف الأميريكيون والبريطانيون والأتراك بنوع من عدم التصديق بأن الحرب ستحسم بشكل مخالف لما رسم وكان مأمولا..
كان العالم كله متهيبا من المنازلة في مواجهة شاملة الى أن أحرق البوعزيزي نفسه في تونس فكان حريقه يشبه رصاصات الشاب الصربي غارفيلو برينسيب في جسد الأرشيدوق ولي عهد النمسا حيث تفجرت الحرب العالمية الاولى من لقاء تلك الرصاصات بذاك الجسد .. وبدا الربيع العربي أنه يشبه بدايات الحروب العالمية حيث شم الروس والصينيون بعد مواجهات ليبيا رائحة تشبه عملية بارباروسا وتنبهوا الى أن مناطق نفوذهم تتآكل في أسابيع وأن خطوط التماس القديمة جدا تتهاوى وأن الحدود التي تركتها الحرب العالمية الثانية تنتهك بسبب حنين الغرب الى عهد الاستعمار السابق لتلك الحرب ..
ولذلك انزلق العالم الى الحرب العالمية الثالثة بعد سقوط ليبيا (كما انزلق بعد سقوط بولندا بيد هتلر) .. وتسارع الانزلاق بظهور خطط الناتو للاستيلاء على سورية لافتتاح الحملة الاسلامية نحو الجبهة الشرقية حيث الأعداء الكبار .. ايران وروسيا والصين .. فكانت سورية هي الجبهة التي تفصل بين هزيمة الحلفاء القدماء وهزيمة المحور الجديد .. ومن ينظر الى هذا النشاط السياسي المحموم في العالم وكم المناقشات والمداولات واللقاءات بين زعماء العالم على مدى عامين ليستغرب كيف انخرط العالم كله كالمسعور في صراع شرس حتى الموت من أجل الفوز في هذه الحرب حيث تحول رئيس فرنسا الى وزير داخلية الثورة السورية ورئيس أميريكا الى وزير خارجية الثورة السورية ووزير خارجية بريطانيا الى محافظ لمدينة درعا .. وتبوء القومندان أردوغان منصب وزير الدفاع الشرس وكان الملك السعودي وزير مالية الثورة وأمير قطر وزير اعلام الثورة واحتل ملك الاردن منصب وزير الخدمات الاجتماعية وشؤون اللاجئين يساعده تيار المستقبل اللبناني عبر موزع الحليب عقاب صقر .. وتحول اتحاد علماء المسلمين الى وزارة الأوقاف الثورية السورية وتسلم خالد مشعل منصب رئيس استخبارات الثورة السورية .. وبالطبع كانت اسرائيل في موقع رئيس الوزراء للثورة السورية وهي التي تشرف على عمل كل الوزارات الدولية وتنسق بينها .. وانخرط في هذا الصراع 130 دولة ولم يبق بلد في الدنيا لم يكن له دلو وحبل أو مساهمة وخيط في الحرب السورية .. وظهر محور روسيا والصين وايران والهند ودول البريكس مقابل التحالف الغربي مع تركيا والعرب الخليجيين واميريكا واسرائيل وصار سيرغي لافروف الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية السورية وشكل أحمدي نجاد وفلاديمير بوتين خلية أزمة سورية .. وكانت تقنيات وتكنولوجيا المعلومات والتبارز بالأقمار الصناعية بين الروس والأمريكان والتواصل والاعلام الالكتروني وتقنيات الصورة وهوليوود وقذائف اليوتيوب وقرارات مجلس الأمن والفيتو هي الأسلحة الرئيسية التي استخدمت في هذه الحرب لأول مرة في تاريخ البشرية (بدل الدبابة والسلاح الكيماوي اللذين ظهرا أول مرة في الحرب العالمية الاولى) بغاية تذويب العقول بالاعلام والحرب النفسية بدل تذويبها بالحرائق والسلاح الكيماوي .. وأستطيع أن أزعم بثقة مطلقة أن أكبر خزان في اليوتيوب ومحرك غوغل هو المتعلق بالأزمة السورية ومانشر عنها دون منازع ..
وبمقاييس الحروب العالمية التي تستمر وسطيا أربع سنوات فان السنتين الأوليتين دوما تحددان مصير الخاسر والرابح .. فقد ظهرت ملامح هزيمة دول المحور في الحرب العالمية الثانية في عام 1942 في ستالينغراد أي بعد قرابة عامين على الحرب ..وظهرت ملامح المنتصرين في الحرب العالمية الاولى عام 1916 وبدا تحول الحرب الحقيقي عام 1917 أي بعد عامين على الحرب تقريبا ..
في حصيلة عامين من الحرب العالمية الثالثة التي استهلها الربيع العربي وانتهت بمعركة سورية .. بدأت ملامح المنتصرين تتضح ..فمقدار ماحققه الحلفاء الغربيون على الأرض السورية محدود بكل المقاييس الواقعية فهناك قطع مبعثرة على الحدود يحاول الغرب التوغل من خلالها .. وهناك جزر معزولة صغيرة على ضفاف سورية وضفاف مدنها يشبه سقوطها سقوط بولندة وفرنسا والمجر وغيرها بيد النازيين والتي لم يغير سقوطها في مصير الحرب لأن لندن وموسكو بقيتا عصيتين على السقوط ..
فالاندفاعة الروسية الصينية الايرانية القوية الى جانب الحليف السوري في الحرب العالمية الثالثة قد ثبتت الجغرافيا وثقبت خطوط هجوم الحلفاء ..وبدأت خطوط التماس تتحدث عن حلول سلمية.. واستحالة الحلول العسكرية ولو كانت أحاديث للمراوغة..
الحلفاء يراوغون بمناورات لفظية لكسب الوقت عل اطالة الحرب تسمح لهم بتغيير نتائجها بانهاك الخصم .. ولكن التحركات العسكرية السورية على الارض توحي أن الاصرار على تأمين طرق الامداد نحو الشمال السوري ينذر باطلاق المرحلة النهائية من الحرب العسكرية عبر عملية عاصفة في الشمال .. وحسب عسكريين سوريين فان الجيش السوري قد أمضى بعض الوقت منشغلا في الجنوب لحبس المسلحين في أقفاص معزولة في الريف الدمشقي واغلق هذه الأقفاص بالأقفال الفولاذية ليتفرغ لمعركة حلب التي صارت هي معركة النورماندي .. والجيش لن يخوض معركة حلب اذا لم يكن النصر الحاسم فيها 100% لأن أي انكسار عسكري سيعطي دفعا لمشروع التمرد المسلح وآمال جبهة الغرب ..وقد أنجز الجيش استعداداته لتحقيق نصر 100% دون التفريط بالجبهة الجنوبية المتينة جدا .. ويقول عسكريون سوريون يشرفون على الاعداد للمعارك بأن معركة بابا عمرو لم يتم اطلاقها الا بعد معرفة كل دقائق تموين وقوة ومكامن المسلحين .. بالرغم من أن العالم كان يتوقع صمود بابا عمرو لأشهر طويلة ..
ويبدو ان اقتراب الانقضاض على مسلحي حلب قد دنا فقام جون كيري باستباق ذلك بالاعلان عن العربات المدرعة لمنحها لما يسمى المقاتلين المعتدلين وقدم قائمة للمولين العرب لدفع الفواتير الأخرى وهو أدرى أن لامعتدلين يهيمنون على حلب أو ريفها بل مقاتلون شديدو التطرف يقودهم جنرالات بلاكووتر والناتو من غرف العمليات على الحدود .. وبالطبع مايدل على اقتراب معركة حلب هو تحريك الجبهة والفوضى في الشمال الشرقي السوري من أنبار العراق وحتى الرقة السورية وفي استباق بانزال سريع في مدينة الرقة لتعديل الاندفاع العسكري السوري نحو حلب حيث يتوقع العالم انزال "النورماندي" في حلب وريفها وحيث ينتظر العالم مايعرف في أدبيات الحرب العالمية الثانية (اليوم د) الذي عرف بيوم انزال قوات الحلفاء على شواطئ النورماندي حيث تمترست قوات هتلر .. وحسب الرصد النشيط بالأقمار الصناعية الغربية فان تموضع القوات السورية وخطوط التموين والتواصل التي شكلتها مؤخرا تشي بما لايدع مجالا للشك أنه تموضع هجومي حاسم في منطقة حلب وادلب .. حيث ستشهد حلب وريفها المتماهي مع ادلب انزال النورماندي السوري وقد تكون لأول مرة مواجهة تركية سورية مباشرة داخل الأراضي السورية لأن المسلحين لايمكن الاعتماد على امكاناتهم للصمود في وجه قوة عاتية تم اعدادها خلال أشهر طويلة مما سيضطر الأتراك للاشراف على القتال بأنفسهم .. فالخروج من حلب صار يذكّر الأتراك بخروجهم منها مدحورين قبل قرن من الزمان..
وليس سرا أن معركة حلب المنتظرة التي تم الاعداد لها يتوقع لها أن تشهد أكثر عملية ابادة للمسلحين والدفع بهم نحو الرحم التركي الذي ولدوا منه بالبلدوزر العسكري .. وتتوقع الاستخبارات الغربية العسكرية من رصدها لنوعية الزج والسلاح أن الجيش السوري وبسبب اعتماد خيار (صفر فشل) الذي اعتمده لهجوم حلب (ردا على معادلة "صفر مشاكل" لداود أوغلو) سيظهرلأول مرة استخداما مفرطا للنيران وعدم استعداد لاطالة المعركة في حلب وسيلجأ للتقليل من الاحتكاك المباشر عبر مساحات نارية واسعة .. ويقدر عدد المسلحين الذين سيشكلون وقودا يحترق في هذه المعركة بما لايقل عن 15 ألف قتيل ..وهي ستكون أشرس معركة في الشرق الأوسط منذ معركة العلمين بسبب عدد الدول المنخرطة في فعالياتها استخباراتيا وماليا وتقنيات الاقمار الصناعية وعسكريا وعدد المقاتلين الذين سيدفع بهم ..
ومن يقرأ في حديث الأسد الى صحيفة الصندي تايمز البريطانية يستنتج أن الرجل صار يدرك أنه تجاوز مرحلة التردد وأن بين يديه الخرائط الجديدة والألوان الجديدة.. فقد كان الأسد يسخر بهدوء من وزراء الدول الكبرى .. ويذرو التراب على قبر الثورة السورية وهيبة الغرب .. الرجل الذي أمسك أنفاس العالم وحاول العالم اخافته قال لوزير دولتين عظميين انهما وزيران منافقان .. فوق حدود النفاق ..ويضيعان وقتهما ..عبارة لايقولها الا من يقترب بثقة الى هدفه وقد بدا لامباليا بأناقة التواري بالكلام..
وينهمك الغربيون والأكاديميون الذين يتابعون الحدث في محاولة توقع نتائج نهاية الحرب العالمية الثالثة فهي لاشك سترسم نهايات لحدود وخطوط تماس قديمة و ستبدأ نهاية سلالات ملكية معمرة كنتيجة طبيعية .. فهناك تغييرات سياسية ستتلوها في تركيا وغيرها .. لكن أكثر مايلفت النظر فيها هو مايتردد عن السلالات الملكية المرشحة للزوال فهناك حديث عن احتمال تغيير ملكي متعدد في المنطقة ولكن الأهم هو التغيير الذي سيطال الأسرة المالكة السعودية تماما كما كانت نهاية الحرب العالمية الاولى سببا في زوال سلالات ملكية أوروبية قديمة..وهو أمر وصلت اليه العائلة المالكة السعودية ولم يبق لها أمل الا بسقوط موسكو في دمشق..
وحسب تلك القراءات فليست الحرب العالمية الثالثة مباشرة هي التي ستقوض السلالات الملكية بل ان الاخفاق في الاستيلاء على سورية سيغري كثيرا محور سورية وروسيا وايران بالدخول لأول مرة علنا الى حلبة الصراع الأسري السعودي - السعودي فهناك أجنحة مقموعة في الأسرة المالكة لصالح جناح آخر وهناك خطوط اتصال معه صارت متطورة .. وهو الشق الذي يبني عليه المحور الفائز في الحرب بقيادة روسيا وايران والصين مرحلة مابعد الحرب العالمية الثالثة .. وفلسفة هذا التحرك قائمة على فهم عميق لموقع السعودية الدقيق في الاقتصاد الأمريكي والغربي (اقتصاد العدو) .. فكما هو معروف فان الدولار عملة ورقية بلا رصيد ذهبي بعد أن فك ارتباط الدولار بالذهب في السبعينات .. وسبب قوتها هو أن دول النفط وبالذات السعودية ترفض بيع نفطها الا بالدولار الامريكي مما جعله عملة قوية ومطلوبة في العالم وعزز الاقتصاد الامريكي .. وقد حاول صدام حسين هز الدولار والاقتصاد الأمريكي باعلانه بيع النفط العراقي باليورو .. فقرر الامريكيون القدوم مباشرة لتحطيم أولى مثل هذه المحاولات ..
ولكن بعد أن شارفت الحرب العالمية الثالثة على النهاية في سورية صارت الادارة الامريكية تتلقى اقتراحات بالاستغناء عن الاسرة المالكة السعودية كليا كحل عاجل لمعالجة النتائج غير المتوقعة في الحرب العالمية الثالثة .. لأنها كما قيل اسرة معمرة شاخت وهرمت وباتت الرجل المريض في السعودية (كما كانت الدولة العثمانية سابقا) .. وبقاؤها صار عامل لااستقرار وقلق للمصالح الغربية بما فيها من الانشقاقات الخفية بين الأمراء والشروخ التي لم تعد خافية على أحد وتعكسها التغييرات المتلاحقة في المناصب التي يصدرها الملك .. كما أن هناك بعض الأمراء المهمشين يبدون طامحين لمواقع متقدمة في الاسرة وهم يتلقون اشارات مشجعة وقوية من جهات خارجية (ربما روسية وايرانية) للتقدم والقيام بانقلاب أسري ينهي هيمنة جناح مسيطر في الأسرة يكون بمثابة ثورة عام 1917 في روسيا القيصرية كنتيجة للحرب العالمية الأولى لكن يقوده أمراء مهمشون وليس فلاسفة بلاشفة وبروليتارية (يسميها الروس ثورة البروليتارية الملكية) .. ومن هذه التشققات ستتسرب المخططات المناوئة للغرب على الأقل بعدم استقرار السعودية والخليج العربي واهتزاز الدولار وسوق النفط ومنه ارتعاش الاقتصاد الغربي كله المرتبط بالاقتصاد الأمريكي والسقوط المدوي دون حرب نووية كما سقط الاتحاد السوفييتي ..
ويعتقد أصحاب هذا الطرح بأن ايجاد تغيير في السعودية بقيادة عائلة أخرى (أو ضباط عسكريين في الجيش السعودي) صار ضروريا لأن عملية تفادي التفكك العائلي وانطلاق المتناقضات الخطرة في الأسرة المالكة الحالية صارت مستحيلة وهي مصدر قلق من تسرب مشاريع الآخرين الى الجسم السعودي .. فالأسرة المالكة ليست أسرة أوروبية عريقة وليس فيها تقاليد ملكية بل ملكية قائمة على الصدفة.. وليس تفكك المملكة هو مايقلق الغرب بل انه لايمانع به طالما أن مصالحه حصينة .. لكن الغرب لايريد تفككا له شرارات انطلاق قادمة من الخارج .. ولابد من بديل قوي ..
ويعزز أصحاب الطرح وجهة نظرهم بأن كثيرا من مشاكل الشرق الأوسط سيمكن لملمتها في كيس (الخليفة) الواسع حيث لايتسع لها كيس الملك .. ومصدر هذه الفكرة هو التنبه الى أن أحد الأركان الرئيسية في العقل الاسلامي هو فكرة اعادة الخلافة .. لذلك لن يكون الحكم القادم في السعودية مختلفا جوهريا عن الحالي لكن سيسمع المسلمون لأول مرة في العالم منذ قرون بلقب (الخليفة وأمير المؤمنين) في قلب مكة .. لقب خرج منها منذ أن خرجت الخلافة الى الكوفة والشام وبقيت حلما يدغدغ المسلمين وهاهو سيتحقق قريبا .. فهو لقب انتظروه بفارغ الصبر وهو جذاب جدا ومحرك للعواطف .. وسيقود الخليفة الجديد المتسلح برمزية مكة واسم الخليفة عملية تحصين مصالح الغرب ضد أية مفاجآت .. كما أنه سيمكنه بقوة من مواجهة ايران (التي لن تواجهها أميريكا) بما سيتمتع به من نفوذ ديني وهيبة اسلامية في طول العالم الاسلامي السني وعرضه لايتمتع بها آل سعود الذين لايمكن الا أن يختلف الناس كثيرا بشأن الولاء لهم وتصديق نواياهم ..
الزخم الجديد للاسلام عبر شخصية سعودية مرموقة سيستفاد منه (كما اقترح أحد تقاريرالمحافظين الجدد) في خلق تبرير للسلام مع الاسرائيليين من قلب مكة لأن خليفة مكة أقدر من الاخوان المسلمين ومن القرضاوي والأزهر على القيام برحلة عمر بن الخطاب الى القدس لاستعادة العهدة العمرية كخليفة .. أو لكتابتها من جديد عام 2020 بشكل يقبل فيه خليفة المسلمين أن يبقى سكان (ايليا) الجدد فيها مقابل أن يبقى المسلمون في خيبر (تبادل أراضي تاريخية)!! .. وهذا الطرح يستند الى نجاح تجربة تمتين كامب ديفيد بدعمها بالموافقة الاسلامية الصريحة من حكام القاهرة الجدد من الاخوان المسلمين حيث قال توماس فريدمان ان معاهدة كامب ديفيد لم يتم تطبيقها وتنفيذها عمليا الا عندما وصل الاسلاميون الى الحكم واعترفوا بها ومنحوها أول مرة الغطاء الاسلامي الذي حرمت منه منذ ولادتها حتى اليوم .. وتحتاج القدس الى شرعية اسلامية كبرى أخلاقية لايمكن الحصول عليها من حكم ملكي بل من خلافة وخليفة مكية ..
هذه بعض من ملامح مخلفات الحرب العالمية الثالثة وهناك تفاصيل لم تكتمل بشأن الأردن وقطر ودول الخليج التي ستدخل الى خلاطات السياسة وسيتم خفقها بخفاقات البيض .. ولكن الحرب العالمية الثالثة قد وقعت وشارفت على النهاية ونهضت من الحرب قوى جديدة وترنحت قوى قديمة وسلالات ملكية .. وكما الحروب العالمية تظهر تحولاتها بعد عامبن فان هذه الحرب أظهرت تحولاتها .. والأشهر الباقية ستقول الكلام الفاصل الذي انتظره الكثيرون ..ويخشاه الكثيرون من الثورجيين العرب ..
وان كنت سأضيف نصيحة أخيرة الى نصائح المقدمة فانها ستقول:
لا تنظروا الى الخرائط العسكرية التي يرسمها لكم صفوت الزيات وفحول الفضائيات ومواقع الشر لأن هؤلاء لايميزون الفرق بين خرائط الجغرافيا وخرائط التاريخ وخرائط القهوة في فناجين قهوة أميرات النفط .. فبلوانا أن كل من يعتلي المنصات والمنابر هذه الأيام ويمسك الأقلام ويرسم الخرائط لايكتب بالحبر بل بثفالة القهوة وسفالة الأخلاق .. ولا يستحق شرف الكتابة بالحبر بل سيكفيه شرفا أن يتأمل رواسب فنجان القهوة وبعض الودع والصدف وأوراق القمار..والدولار ..
انزال النورماندي قادم .. وانزال جبهة النصرة والقوات النازية التركية في غرب العراق والرقة لن يغير من انزال النورماندي في شمال سورية حيث الكتلة الرئيسية لقوات النازيين الأردوغانيين الكبرى .. ومن هناك ..ستبدأ نهاية الحرب العالمية الثالثة .. ونصيحتي هي ألا تشربوا الفناجين التي سكبها لكم صفوت الزيات وكتاب الشؤم .. فهؤلاء لايعرفون في الحروب العالمية .. بل في حروب الجمل وحروب القبائل وداحس والغبراء وحروب الكهوف وحروب الانفعال.. وخرائط القهوة وخلائط المبالغات ..
من ينزل في الرقة ليس كمن ينزل في النورماندي الحلبي .. حتى الفيلد مارشال صفوت الزيات يعرف ذلك.. ..
جنازة وهمية ونعش فارغ .. لثلاثة بحار ودولة
التاريخ: 25/2/2013: لاأحب انكار الحقائق الساطعة في الحروب لأنها تضليل ساذج ومن حق الناس في الحروب أن تعرف حجم جراحها كما يحق للمريض معرفة حجم مرضه ونسبة نجاته .. ولكني لاأحب عويل الأمم ولانحيبها الطويل ولا التفجع ولا الصراخ المبالغ فيه ولا اللطم وشق الثياب..
وأراه في الصراعات الكبرى سلاحا كيماويا ينفجر في أرض صاحبه قبل عدوه .. وفي اشتداد المعارك لايقل أثره على الجمهور عن أثر غازات الأعصاب والسارين والخردل .. كما أن التبجح بالوطنية باشتداد البكاء حزنا على الوطن والتفجع والنحيب على الوطن بصوت مرتفع يكاد يرتقي الى مستوى الخيانة التي لاتقل عن خيانات العرب الشهيرة وآخرها خيانة الاسلاميين العظمى للقرآن حرفا حرفا .. وخيانة الاخوان المسلمين للجهاد من جيمه الى داله .. ومايريده أي عدو في حرب هو أن يطلق بعض الضعفاء العويل لتيئيس الناس..وارتفاع النشيج وأناشيد النهايات ..
في بلد يخوض حربا ضروسا لايمكن منع الأحزان .. لكن يجب أن يكون الحزن ممزوجا بالغضب ليتحول الدمع الى زيت يشتعل .. لأن الغضب هو الهرمون الذي ينعش الأرواح المتعبة .. وهو الكبريت الذي يشعل بارود الروح .. فحذار من الدموع التي تبلل أو ترطب كبريت النفس .. فالكبريت هو الذي يجعل البارود خطيرا ولولاه لكان البارود بليدا كالرمل أو يعجن كالطحين ..أرواحنا بارود وأجسامنا هي البواريد ..وغضبنا هو الكبريت..
لكن أحد أهم الأسلحة الفتاكة التي ينشرها هذه الأيام (أصدقاء سورية) وعن عمد هو سلاح جديد .. يشبه الباتريوت على حدودنا لكنه أخطر من الباتريوت بكثير .. انه باتريوت نفسي .. سلاح فقدان الأمل والتيئيس .. وسكب الماء على البارود والكبريت كي تموت الأرواح فينا .. فالحرب النفسية تقف اليوم على منصة جديدة وتفتح علب العبوات الناسفة الجديدة لأعصابنا من الغازات المسيلة للدموع .. لم تعد المرحلة الآن هي اسقاط النظام ولااسقاط المعارضة .. بل اسقاط أهم شيء وهو الثقة بالمستقبل السوري والبدء بمرحلة الانكفاء على المواجع ..والاعتقاد بكذبة اسمها "نهاية سورية"..
وقد لاحظت فجأة كيف أسقطت علينا طائرات (أصدقاء سورية) عبر مواقعها وصحفها وفضائياتها وكتابها منشورات وقصاصات غريبة ليست تحرض على النظام ولا على المعارضة بل على المستقبل والأمل وتسابق المصرحون الى اعادة وتكرار عبارة (نهاية سورية ودمارها).. وتشبه هذه القصاصات قصاصات الطيران الاسرائيلي التي كانت تلقى على بيروت عام 1982 وهي تقول: ايها المقاتل .. المعركة انتهت ولاأمل بالنجاة .. فكر في أن تعود الى أهلك وذويك سالما .. اذا، سلم سلاحك لجيش الدفاع الاسرائيلي" ..
وعنوان هذه القصاصات اليوم (لقد انتهت سورية) وتقوم ماكينات النشر بالتوزيع على أقصى مدى .. مجلة الايكونوميست البريطانية (والساسة البريطانيون ووزير خارجيتهم ويليام هيغ تحديدا وهو من اصدقاء الشعب السوري وصديق معاذ الخطيب خاصة أن هيغ هو رئيس جمعية الصداقة البريطانية الاسرائيلية في حزب المحافظين البريطاني) .. هذه المجلة نشرت صورة لاسم سورية مكتوبا باللغة الانكليزية ومثبت عليه عبارة (موت بلد).. وبدأ الكثيرون يتداولون العبارة كأنها اصحاح من الاصحاحات المقدسة أو أنها آية جديدة من آيات سورة البقرة .. حتى الصحفي الطبال عبد الباري عطوان (صاحب صحيفة أورشليم) حمل اللوحة (الايكونوميستية) رقص فيها رقصة الموت الحزين وسار في الجنازة وبدأ يتقبل التعازي فينا جميعا .. وارتدى فيها لباس الحداد وكلف نفسه وحمل لنا اكليلا من الورود .. بل وانهمك في مقال حقير في حفر القبر لمواراة سورية الثرى .. لدفنها تحت تراب العمليات الانتحارية .. وكتب مقالا "اسرائيليا" عن نهاية سورية كان عبارة عن خلطة من الكذب والزنا والافتراء ودموع التماسيح ..وتحدانا أن نعترض على الجنازة التي أعلنها ..
يقوم الآن القائمون على تمرير ربيع سورية باستثمار كل شيء لاعلان موتها وصارت احدى غايات تفجيرات شارع الثورة معروفة فلا هي موجهة للسفارة الروسية ولاهي بسبب قرب فرع حزب البعث لأن الموقع الذي تفجر هو نقطة كثيفة الحركة المدنية وبعيد بمقاييس الاستهداف عن السفارة الروسية وغيره من المواقع الحساسة .. لأن المنطق هو أن من يفجر سيارة لايذاء السفارة أو فرع الحزب سيأتي بها من جهة ساحة الميسات ويفجرها بالضبط على جدار السفارة قبل الانعطاف نحو شارع الثورة .. أو يكمل طريقه لينعطف نحو مقر فرع الحزب.. أما الانتحاري فقد فضل السير بالاتجاه المعاكس والابتعاد عن الأهداف الثمينة..لكن بالفعل الهدف الثمين كان قلوب السوريين لاماتة الحس بأن سورية ستبقى على قيد الحياة أو أن هناك أملا بشفائها ..وهي تحتضر ..
يستثمر المتآمرون التفجير وبقية الأحداث المتوالية لنشر اليأس بين الناس جميعا معارضين وموالين ..انها مرحلة تحطيم الجميع .. فالمعارضون المصابون بالعمى ستقول لهم بصائرهم الغائبة عن الوعي بأن البلاد ماتت وتحطمت فلاداعي للتوقف عن الحرب خشية على الثمالة الباقية منها .. اننا نحارب اليوم فوق جثة ميتة ولن تموت أكثر من استمرار عنفنا وصراعنا .. ولم تعد هناك فائدة من العودة الى الوراء..
والموالون سيقولون في قلوبهم الكسيرة .. لقد انتهت البلاد فلا داعي للموت في سبيل جسد تحطم لم يعد له مستقبل الا القبر .. فيزداد المهاجرون واللامبالون والقابعون في اكتئاب البيوت..
الغريب أن تفجيرا واحدا قد تم تحويله واستثماره دون غيره بشكل رهيب كما لو كان هيروشيما .. وان معارك الحارات وبعض الأحياء والقرى صارت في المقاييس مثل معركة العلمين التي حددت مصير الحرب العالمية الثانية في شمال افريقيا .. وأن سيطرة مسلحين على حواجز عسكرية صارت بمثابة الانزال الالماني على جزيرة كريت .. بل ان داريا صارت بمنزلة برلين في الحرب العالمية الثانية .. والغريب أيضا هو هذا القفز بأرقام الضحايا الى قرابة مئة ألف بناء على أرقام وهمية بلا أي احصاء مستقل أو علمي .. وذلك مقصود لاستعماله للدلالة على أن البلد انتهى .. فارتفاع رقم الضحايا يعكس اقتراب البلد من النهاية الكارثية .. وأتحدى أي جهة تستطيع أن تقدم تقريرا شفافا عن توزع الضحايا واللاجئين وأرقامهم الوثيقة لأن الاعلام والدعاية السوداء هما من يتولى النشر والتوزيع وهناك مبالغة متعمدة في كل شيء وتجاهل لحقيقة أن كثيرين من الضحايا ليسوا سوريين .. على نفس مبدأ تصنيع عدد ضحايا الهولوكوست فقد ذكرت المصادر والوثائق الغربية الدقيقة أن الوكالة اليهودية لاتعرف عدد قتلى المحرقة بالضبط لكنها قدمت تصورها واستنتجت الرقم من احصاء يهود أوروبة قبل الحرب وبعدها فكان الفرق 6 ملايين دون النظر بعدد المهاجرين والمغادرين لأوروبة ولعدد الموتى في الأوبئة التي اجتاحت مدن الحرب أو حتى القتلى في أعمال قتالية .. وحسب تلك الاحصائية لم يمت يهودي واحد ميتة ربه .. ولا في حادث سير ..ولافي مرض عضال ..الجميع مات في أوشفيتز حرقا..!!..
وأنا لاأستطيع معرفة الأرقام الحقيقية لضحايا الأزمة السورية لكن دراستي ومتابعتي الحثيثة لطريقة الاعلان عن الارقام يدل على أن المقصود هو تضخيم كل شيء وكأن القاعدة في صناعة الأرقام هي رفعها بنسبة ثابتة بمعدل خمسة آلاف كل أربعة أسابيع .. كما أن تضخيم أعداد اللاجئين لأسباب عديدة .. فلكل غايته .. لتركيا غاية غير غاية لبنان .. وللأردن غايته المختلفة عن غاية تركيا.. والجميع دخل في المزاد العلني بالارقام لابتزاز المجتمع الدولي والمانحين .. ولاعطاء انطباع عن حجم الكارثة وهذا يفيد في تجييش العالم على الدولة السورية .. فاذا كان هناك مشروع تدخل سيبدو التحضير له مبررا بابراز أعداد الضحايا واللاجئين في أي يوم .. وربما ليس سرا أن من ضمن الضحايا بضعة آلاف من جنسيات غير سورية (تتراوح التقديرات بين 7 و 10 آلاف مقاتل أجنبي سقطوا مثل الذباب) .. وبالذات في حلب وادلب ..ونقل لي من مصادر وثيقة الصلة عن ضباط وجنود سوريين صار عدد ماقتلوه من مرتزقة ومسلحين كبيرا وبعضهم تجاوز عدد المسلحين الذين أرداهم قتلى بسلاحه المئة مسلح.. وبعض الضباط صاروا متخصصين في اصطياد المقاتلين الأجانب بالذات .. وأحدهم ضابط حلبي (ع . م) شاب تفكر القيادة في تكريمه .. فقد احتفلت قطعته المحاربة منذ أيام باصطياد المقاتل "الأجنبي" رقم 500 خلال ال 6 أشهر الماضية .. ويطلق عليه الضباط من الوحدات الأخرى اسم (تيرمينيتور) لأنه يشبه الممثل الهوليوودي أرنولد شوارزينغر في فيلمه الشهير "تيرمينيتور" كما أن تخصص وحدته في اصطياد المقاتلين الأجانب جعله الأكثر شهرة كقدر ينهي حياتهم .. وقد قام هذا الضابط الحلبي المقدام والذي جرح مرتين بجمع تذكارات من معاركه حيث جمع مزقا من ثياب كل قتيل أجنبي (طرف أكمام السترة من كل مقاتل صريع) وكتب عليها اسم القتيل ان توفر أو جنسيته ان لم يعرف اسمه .. ويقول بأنه سيهديها الى قاعة من قاعات قلعة حلب لتكون جزءا من عرض على السياح في قادمات الزمن .. وهناك تنافس بين المقاتلين في حلب وادلب لاصطياد المقاتلين غير السوريين من أفغان وليبيين وتونسيين وسعوديين وغيرهم .. ويتم التعرف على جنسيات هؤلاء القتلة من زملائهم الأسرى غالبا..
الصورة اذا ليست بهذه القتامة والقسوة .. نعم سورية اليوم ليست مثل سورية الأمس من حيث الاقتصاد والسياحة والنشاط السكاني والأمان ولكن هذه حالة حرب .. و تجارب الشعوب لاتقول أن الشعوب الحية تموت في تجربة عابرة مهما كانت قاسية .. لن نستحضر النموذج التقليدي الالماني والياباني لكن التجربة الايرانية قريبة جدا ومشابهة جدا في الزمان والمكان والظروف .. وايران بلد تم تدميره بالكامل بحصار منذ عام 1979 وحتى الآن .. وتم تحطيمه في حرب 8 سنوات استعمل فيها حتى السلاح الكيماوي وحرب المدن .. فكلنا يذكر ماكان يعرف في الحرب العراقية الايرانية بمصطلح (حرب المدن) حيث كان الطرفان المتحاربان يقومان بقصف مدن عشوائي متبادل حتى الانهاك .. ووضع العرب مالا لايحصى لضرب كل البنية التحتية لايران ولتغذية الحرب الى مالانهاية وقصفت محطات النفط في عبادان وجزيرة "خرج" حتى تحولت الى رماد .. وكان النادي من مجموعة أصدقاء سورية الآن هو نفسه الذي يغذي الحرب على ايران دون أي فرق وبحضور نفس الأعضاء والاصدقاء في الحفلة التنكرية ذاتها .. أي دول الخليج نفسها والغرب وأميريكا واسرائيل .. وبدل تركيا كان العراق في حرب مباشرة .. أي كان هناك مايسمى (أصدقاء الشعب الايراني) وهم نفس الجوقة في نفس الوقت (أصدقاء الشعب العراقي) ولكن التسمية لم تكن ناضجة كما الآن لأن أزمة سورية تحتاج كذبا أكبر فلدينا جوقة (أصدقاء الشعب السوري) التي صادقت الشعبين الايراني والعراقي سابقا .. وبسبب هذه الجوقة فقد اتسعت مقبرة الشهداء الشهيرة في طهران (بهشتي زهراء) لتصبح أكبر مقبرة في العالم وتضم أكثر من 500,000 قبر لضحايا الحرب ..
ولكن بعد أقل من عقدين فقط نهضت ايران ولم تنتهي ولم تمت وعلمتها أزمتها والصيام الطويل فن القيام والنهوض.. وصارت ايران من أقوى الدول رغما عن كل أصدقاء الشعب الايراني .. وهي تنافس في كل الاتجاهات الاقتصادية والعلمية والعسكرية والموارد البشرية والتقنية ..وهذه البلد التي أنهكت وانتهت يوما تتحضر لغزو الفضاء قريبا .. فيما كل أصدقاء الشعب الايراني من العرب تحديدا صاروا دولا محتلة من السعودية الى دول الخليج الى العراق نفسه .. بل ويقف توني بلير نفسه عندما كان رئيسا لوزراء بريطانيا متزلفا لايران ليصف الشعب الايراني بأنه "شعب عظيم وصاحب حضارة عظيمة" .. ولكنه لم يعبأ بالعرب جميعا رغم كل صداقته بهم ولم يصفهم يوما على أنهم شعب عظيم من أمة لها تاريخ عظيم .. وثقوا بي ان قلت لكم بأن هذه العبارة عن عظمة العرب لن يقولها أي رئيس وزراء بريطاني طالما أن الغرب يحتل نصف العالم العربي ويدير نصفه الآخر بالريموت كونترول ..وطالما لدى العرب نماذج الأمراء والمفكرين العرب من حمد ونبيل العربي ومحمد مرسي والقرضاوي والجاسوس عزمي بشارة ..علاوة على ذلك فبرغم كل طوفان المؤمنين واللحى في العالم العربي فان البريطانيين أعادوا رسم سايكس بيكو الثانية دون أن يخسروا جنديا واحدا .. ومات في تنفيذ المشروع حتى الآن عشرات آلاف الشباب العرب من شمال افريقيا الى الخليج وسورية وهم ينتحرون كالمجانين على خطوط سايكس بيكو الثانية ..
ان أمة تدفع شبابها ليقتلوا بعضهم لاتستحق أن يعتني رئيس وزراء غربي واحد بمحاباتها .. وان أمة يقول أكبر ثوارها في أكبر بلدانها لعدوه القديم (ياصديقي العظيم بيريز) لاتستحق أن تمنح درجة العظمة ..لأنها أمة تمنح العظمة لعدوها وتنازلت عن حقها له ..
الخسارة السورية من الناحية الاقتصادية كبيرة لاشك ولكن من ينظر الى الامر من وجهة نظر اقتصادية لايضع في الحسبان ان الاقتصادات بعد الحروب عموما سريعة التعافي .. وربما تكون مشاريع اعادة البناء سببا في اعادة توزيع الطاقة الاقتصادية بشكل حيوي .. ولكن الخزان البشري هو الأهم .. والأزمة أعادت انتاج الشخصية الوطنية واعادت تسوية الاولويات في العمل الوطني .. وأعادت الأزمة انتاج الشخصية السورية المبدعة والخلاقة .. وفوجئ السوريون أنفسهم بحجم الكنوز التي يملكونها رغم الاهتراء في بعض أثاث بيتهم .. وهذه الكنوز المخبأة يجب تعزيز قوتها مثل الكنز الذي فاجأ الجميع وتمثل في صلابة القوات المسلحة والجيش العقائدي .. واكتشف السوريون أن هناك حاجة ملحة للتعامل مع القضية الدينية بعقلانية وبلا عواطف واعادة توجيهها كما كانت طاقة اضافية لاسلبية .. وأن الريف الثري بطاقته البشرية لايجب استثناؤه في عمليات التنمية .. وأن الخطط الاقتصادية القادمة يجب أن تحل هذه المعادلة (توازن الريف والمدينة انمائيا) .. ودفعت الأزمة الى الواجهة حقائق كانت غائبة عن أهمية الأمن الوطني وأهمية قوة ثقافة التعايش وأن كل أوهام الديمقراطية لاتتفوق على حقيقة أن الاستقرار الاجتماعي أهم من مهرجانات صندوق الانتخاب والرقص حولها بالرز والسكر .. مهما حاول عشاق الديمقراطية النيل من هذه الحقيقة وتسفيه هذا الرأي ..والأهم أن التجربة قد كشفت عن اتجاهات جديدة وخيارات أخرى ومعادلات جديدة في العلاقات الدولية كانت غائبة تماما ..هي التي ستشكل المحرك للرحلة القادمة التي انطلقت صفاراتها..والتي ستشكل مايشبه القيام لأمة صلبتها الأمم..
سورية لاتموت رغم أن الكثيرين يسيرون في الجنازة ويذرفون الدموع كما السائرون في الجنازات لايعرفون من المتوفى ولامن في النعش .. وانجذب الى الموكب الجنائزي سوريون محبون لبلدهم .. ولكن المفجع هو ان التابوت فارغ ..وأن النعوة لاتمت الى الحقيقة الأزلية .. لأن التاريخ لم يسر خطوة واحدة ولم يرضع الا من ثدي سورية منذ أن نزل من بطن أمه ..تخيلوا ماذا يبقى من الشرق ان ماتت سورية .. وبقيت قطر وعمان ولحية محمد مرسي .. هل الشرق مجنون كي يقتل أمه .. وتبقى في الشرق قطر ..وجدة .. ودبي ..وكويت ..مدن محتلة ..من العمال الاسيويين ومن جنود المارينز..
لن أكرر كلمة لأحد أصدقائي المعروفين بشوفينيتهم الوطنية اذ يقول لي دوما بانفعال وحماس: الله ليس مجنونا ليميت سورية .. يموت الله ولاتموت سورية .. ولايهمني ان أغضبت المؤمنين والمؤمنات .. بل أعلم أنني بذلك أرضيت الله ولم أغضبه..بل سأغضبه ان لم أقلها" ..
لكنني سأقول للسائرين في الجنازات: شكر الله سعيكم ياسادة ..لاتلبسوا ثيابكم السوداء ولاتعلنوا الحداد .. وخذوا على أكتافكم أكاليل الورود التي تجشمتم عناء حملها الينا .. ولاتسفكوا الدموع .. غادروا المقابر من بعد اذنكم .. وانصرفوا الى حفلات تنصيب الدمى والمومياءات فأنتم أحوج الآن للترفيه .. وتذكروا: يموت الزمان .. ولاتموت سورية ..
هذا بلد لايموت الا عندما يموت البحر الابيض المتوسط وترتمي جثته بشعره الأبيض على أكتاف شمال افريقيا .. وعندما يجف حلق البحر الأحمر ويصبح جثمانه جسرا بين افريقيا وآسيا .. وعندما يتبخر ماء البحر الأسود بالغليان .. ثلاثة بحار اشتقت لونها من لون العلم السوري فقط وليس من ألوان علم دولة قطر ولاعباءة موزة ولا أنهار العبرانيين الزرقاء .. ألوان علمنا لاتموت كالبحار التي لاتموت .. أسود .. وأبيض ..وأحمر ..وكل الأعلام تقلدنا ..ومن لم يعجبه فليبلط البحار الثلاثة ..والمحيط الاطلسي ..