بــلـيـغ الــكــلام
قال سيد البلغاء والمتكلمين الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :
" إني ذقت الطيبات كلها فلم أجد أطيب من العافية، وذقت المرارات كلها فلم أجد أمر من الحاجة إلى الناس، ونقلت الحديد والصخر فلم أجد أثقل من الدّين. اعلم أن الدهر يومان ، يوم لك ويوم عليك ، فان كان لك لا تبطر، وان كان عليك فاصبر فكلاهما سينحسر ".
**********
عذبٌ هو المطر الذي يجعل الحقل خصباً.. وهل يلامُ المطرُ إذا أنبت الحقلُ شوكاً؟ ألا يشهد المطر يوم الدينونة قائلاً :" على الجميع سكبت طراوتي !".
القديس الفيلسوف أغسطينوس
**********
قالت سمكة لأختها :
" يوجد فوق بحرنـا هذا بحر آخر ، وفيه مخلوقات متنوعة تعيش وتسبح هنالك كما نعيش نحن هنا ونسبح ."
فأجابتها أختها وقالت :
" تلك أوهام ! ألا تعلمين أيتهـا العزيزة أن كل مخلوق يترك بحرنا قيد قيراط واحد ، ويبقى خارجاً عنه ، يموت في الحال... إذن ، فما هي حجتك على وجود أحيـاء أخرى في بحار أخرى ؟ ".
جبران خليل جبران
مـقدمـة الـكـتـاب
بقلم : سليمان المشيني
غني عن التعريف، الأستاذ الأديب المبدع البياني حنا ميخائيل سلامة نعمان... فما خطتـّه وتخطـّه يراعته في الصحف والمجلات، وما لديه من بحوث ومقالات قيـّمة... ملء السمع والبصر. والحقيقة الراهنة الجليـّة، أن أصحاب القلم والأدباء المفكرين لا يـُذكرون في الأردن، إلا وكان أديبنا أبو حسام حفظه الله في طليعة من يـُذكر ثقافة ورفعة أدب...وهو أبدا...الكتاب بين يديه، والعلم في عقله يفيض درراً فريدة، وعقياناً نضيدة...
وعندما تقرأ له، يطالعك الخيال السامـق، والمعاني الرفيعة، والديباجة الجميلة، والألفاظ البيانية، والمثل العليا، والقيم السامية...
يحفظ كل ما يتعلق بالأردن أرضاً وسماءً وتاريخاً وماضياً عسجدياً، ويقول: أن الأردن أول ما أحسّ من الحياة، وأبصر من الضياء، فهو روحه وجسمه... وحسّـه وعقله. وقد سبح فكره في معناه، واستشعر الجمال في جنـّاته. فالأردن والوحدة العربية، ورسالة الثورة العربية الكبرى بالنسبة إلى أديبنا الملهم هو كتاب آبائه المفتوح له، وآياته المتلوّة على الدهور.
والأستاذ البليغ الأديب حنا ميخائيل سلامة نعمان أبو حسام، كأديب قد يأخذ المعنى لأي حدث أو موضوع، فيجعله مقالاً في الحكمة والموعظة الحسنة، وفصلاً في التوجيه السديد. لأنه يحيا في صميم المجتمع الأردني والعربي، يعيش آلامه وآماله وطموحاته ويحس مشاكله وأسقامه، مثلما يحيا أماني أمته، وما تصبو إليه من رفعة وسؤدد. ويصف بقلمه الملهم الدواء الناجع الذي يُـقوّم المعوّج ويسلك السبيل الأصلح والأجدى " فمن سَلكَ الجَدَد أمِن العِثار ".
وفي كتابه القيّـم الرائع الذي أسماه "مرصد الظواهر وقبس الخواطر" والذي تضمن مجموعة مختارة من مقالاته الثرّة المنشورة في شتى الموضوعات الاجتماعية، والوطنية، والسياسية، والثقافية، والتاريخية، والأعياد والمناسبات المجيدة...نراه يخاطب القلب والعقل معاً، باثاً فكرة الإصلاح والتوجيه بأسلوب أدبي مميز،باعثاً الطموح إلى المعالي...والسمو إلى الإنسانية...والاستكبار على الدنايا.
فمن سجاياه الحميدة، ومزاياه الفريدة أنه أبداً يلقى الذنب بالعفو، والجهل بالحلم، ويوجه إلى الخير وإلى الذي هو أبقى...وهو معروف بين الناس أنه قلب مفتوح، وباب مفتوح، وأسوة حسنة في كل ما يصدر عنه، وهذا تجسيد في كتابه الرائع هذا...
وأرجو ألا أكون مبالغاً إذا قلت بكل شفافية وموضوعية، أن أديبنا أبا حسام فيما كتب ويكتب إنْ هو إلا: " أديب بياني، ذو موهبة مفردة، وقريحة فياضة وقـّادة، وفصاحة تلفت النظر، واطـّلاع واسع على فن المقال، والنثر البديع" فقلمه حقاً نسيج وحده، وبصيرته نفاذة، وذخيرته من الأدب زاخرة.
أما سطوره: فمتينة السبك، سهلة التراكيب، وفيها تأنق في الصياغة،يتصرف بها تصرّف الخبير بأسرارها. إنها حقاً مُـثقلة بثراء التجربة، وعمق الانتماء، وبُـعد النظر، والعقل النيّـر.
بقي أن أقول: إن أديبنا المبدع الأستاذ حنا ميخائيل سلامة نعمان ، بالإضافة إلى ما أشرت إليه من أدب راقي المستوى...كريم العهد، صادق الإخاء، سليم النيـّة، صافي الوفاء، وعنوان بارز للكرم والمروءة والإباء، وقلب نقي متقد حباً للأردن، والعروبة، والوحدة، والحرية، والحياة الفضلى. أما فكره، فصافٍ كل الصفاء كبحيرة بين الجبال، وهو صاحب الأدب الذي يستولي على تفكير القارئ، إذ يفتح ببيانه عالماً غير العالم المادي...
إن أبا حسام روح موقّـع أجمل التوقيع بحدود العـقـليات، لسمو الأمة والوطن والانعتاق من القيود بحرية المعرفة غير المحدودة...
وفقه الله، وأمد في عمره ليُـثري المكتبة بالمزيد من مقالاته النفيسة، وآرائه القيمة.
والله ولي التوفيق.
تــمــهــيــد
"لا تكتمل الصورة حتى بعد أن يتركها المصور، نحن لا نصور إلا بدايات أو مقدمات، أما الصور الكاملة ، فلا يبدعها إلا الله." * ( جبران خليل جبران)
في زمن ممزق متأرجح تتعالى فيه الأنات والزفرات من شقوق الضمائر، في زمن الحيرة واليأس، زمن الحرب والفقر والمرض، حيث "الماكنة البشرية تسير على غير هدى..." . في زمن الجشع الأرعن، زمن حشد الأموال والثروات وكلها مظاهر تمر كالظل... في زمن طفرة جيل الجحود اللاواعية وراء مباهج الأرض وقشورها ومفاتنها الزائلة، تطل علينا ظواهر وأنماط تخرج عن المحور الطبيعي للحياة...وقد رأينا وقائعها بأعيننا، وتناهت إلينا أخبارها بآذاننا، ومازالت تنبسط أمامنا...ومن هنا فلا نستطيع إنكار وجودها أو المكابرة أنها ليست قائمة في المجتمع. وهذا ما استعرضته في بعض من هذا الكتاب. وفي بعضه الآخر نقرأ موضوعات في الشؤون والقضايا المحلية أرى أنها مساهمات تفيد أصحاب الأمر للذهاب بانساننا قدماً في مراقي الخير المطرد. وقد سرت فيها دون تهيب أو محاباة وبمنتهى الصراحة والشفافية، لما لها من صدى وتأثير على مجتمعنا، مع أن الصراحة ومواجهة مواقع الخلل تجلب المصاعب ووجع القلب في كثير من الحالات.
وإذا كانت أغلب هذه القضايا والظواهر قد نشرت في الصحافة المحلية، مع أنني توسعت في موادها عندما أدرجتها في كتابي هذا، فان المضحك المبكي أن السلبيات نفسها لم تزل قائمة على أرض الواقع...والراجح عندي أن الطرف المعني بالمتابعة والعلاج قد تهلل وجهه عند قراءتها ثم أودعها أحد الأدراج وأغفل أمرها. لتبقى هماً أخشى مـا أخـشاه أن يـورث للأبـناء مـن بعد. مـع تـوجـعـنا للاصطلاح الدارج الشائع، والذي يختزل كل المفاهيم المنطقية ألا وهو: لا نملك عصا سحرية!
كما ضم الكتاب بين دفـتيه مواد في المناسبات الدينية والوطنية والاجتماعية وقراءات لأعمال فكرية وأدبية. شافـعـاً مـوضوعاتـه بشـيء مـن الأمـثـال والحـكم أو أبيات من درر الشعر لتسهم في التعبير عن الشأن المطروح بصورة أوضح.
ولا يسعني بعد إنجاز هذا العمل إلا أن اقدم كلمة شكر مفعمة بالمحبة إلى الأستاذ الشاعر سليمان المشيني، والذي بتشجيعه النابع من قلبه الكبير حفزني على المضي في مشوار هذا الكتاب، ولما أولى مواده من تهذيب ورعاية، ولست هنا في موقع التعريف به فهو مفكر وشاعر موهوب ووطني صادق، أطال الله في عمره ولا حرمنا من نفثات قلمه. وها هم الأردنيون يستيقظون على رائعته :
أنا الأردن
أنا والمـجــد والـتـاريخ والعـلـيـاء والظـفــرُ
رفاق منـذ كـان الـبدء والإنــسان والعــصـر
من سمائي، شـع نـور الـحـق يهدي البشرية
من ربوعي، سار ركب الخير ركب المدنية
حتى إذا انتصف النهار، يستوقفهم في درّته :
أوقف الركب..وسلم وأنــثر في حمى الأردن عقد الجوهر
والثُم الساح التي قد خُضّبت بدم الأبــطال عبر الأعـــصر
ومع نسيم العشايا يطيب السمر، فيتحلقون في البادية والحاضرة والريف منشدين فرحين :
فـــدوى لعـيونك يا أردن مـا نــهــاب الــمــوت حِــنّــه
ولا أنكر فضل عالم الفكر والأدب الأستاذ الدكتور محمود السمرة، وقد جمعتنا المحبة والصداقة على لقاء أقرب أن يكون مع كل دورة أسبوع مرة وعلى مدى سبعة وثلاثين عاماً، أنهل من معين فكره وغزير قريحته، وأسترشد بما يحمل في ثنايا آرائه من خواطر وخوالج. سائلاً الله أن يبقيه ركناً للعلم والأدب.
وله الفضل في تعريفي بمن لم يواته القدر الاطلاع على هذا العمل، العالم الأستاذ الدكتور إحسان عباس رحمه الله وأثابه جزاء ما قدم للثقافة، لنكون على قرب وفي لقاء متواصل وعلى مدى سبعـة عشر عاماً، يحفز خيالي المتثـاقـل بخـيالـه الـوثـاب، ويبثني من مكنونات صدره، فرحاً حيناً ومتألماً أحياناً كثيرة... ولعل ما يحرك نفسي ويهز مشاعري، ما دونه على أحد مؤلفاته المهداة لي : ".....الذي حببت اليّ صداقته البقاء في عمّان "
وأقول لقارئ كتابي هذا ما كان يقوله القاضي الجرجاني لمن يناظره: " فان رأيتني جاوزت لك موضع حجة فردني إليها، ونبهني عليها، فما أبرئ نفسي من الغفلة، ولا أدعي السلامة من الخطأ." أجيء بهذا القول واني لمطأطئ رأسي إجلالاً له وما أنا مثله بشيء.
سائلاً من بيده مفاتيح الأمر والغيب جلّ وعلا أن يوفقنا لمرضاته.
المؤلف في سطور
المؤلف بين الناس ومعهم، يرصد الظواهر ويقتبس الخواطر
ولد حنا ميخائيل سلامة نعمان في عمّان عام ١٩٥٠ وتلقى تعليمه الابتدائي والاعدادي والثانوي في الكلية البطريركية الوطنية بعمان.
ابتدأ حياته العملية موظفاً في أحد متاجر عمان، انتسب خلال عمله إلى جامعة دمشق قسم " الفلسفة وعلم الاجتماع". تشرف بتلبية نداء الوطن لخدمة العلم فعمل كاتباً في قلم مدرسة سلاح المدفعية الملكي. انتسب لجامعة بيروت العربية كلية التجارة، وما أن تهيأت له الظروف حتى كان له عمله الحر في ميدان التجارة. التحق أثناء عمله بمجموعة دورات جامعية متخصصة في اللغة العربية النحو والبلاغة والصرف، ودورات متخصصة باللغة الإنجليزية.
للمؤلف نشاط متميز في الكتابة والنقد في الصحف والمجلات في الموضوعات الاجتماعية والوطنية والسياسية والثقافية والتاريخية.
يشارك المؤلف في الأنشطة الثقافية والإعلامية والسياسية التي تجري على الساحة المحلية والدولية كان أبرزها مؤتمر "نحو شفافية أردنية" نظمه منتدى الشفافية الأردني ومؤسسة الأرشيف العربي، ومنظمة الشفافية الدولية. ومؤتمر "حرية التعبير في العالم العربي" نُظم من قبل مؤسسة الأرشيف العربي. وهو من دعاة السلام القائم على العدل.
المؤلف متفرغ حالياً ، وهو عضو في اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين والجمعية الأردنية لحقوق الإنسان.