" نهر الأردن يشكو الظمأ ! "

     أما وقد تم تثبيت موقع المغطس على الخريطة السياحية والدينية العالمية، كموقع حج مقدس استناداً لمعطيات الكتاب المقدس ولما أكدته التنقيبات والمسوحات الأثرية. فإن شهرة هذا الموقع قد ذاعت في مشرق الأرض ومغربها إثر الزيارة التاريخية التي قام بها طيب الذكر البابا يوحنا بولس الثاني للأردن. فصار هذا الموقع محجّـاً تتقاطر إليه شعوب الأمم للتبرك، وأملاً في الانغمار بمياه نهر الأردن لنيل نعمة العماد، هذه الكلمة التي أخذت من اليونانية  "بابثين" ويقابلها في الآرامية "مصبوثا" أو "مصّبوتا" وهي تؤدي المعنى نفسه.

وإذا كانت وجوه الحجيج مشرقة مبتهجة أثناء تجوالهم في الموقع المقدس، بعد أن هيأت الجهات الرسمية مشكورة المكان ليكون قمة في التنظيم والنظافة مع إنشاء برك خاصة للتعميد، إلا أن هذا السرور وحال الاقتراب من مجرى نهر الأردن وهو هدف الزيارة... ينقلب إلى حالة من الذهول والألم... فالنهر أشبه أن يكون نهيراً تنساب مياهه الضئيلة غير النظيفة على مهل شاكية باكية جور الزمان والإنسان!

"إن جبل الشيخ هو والد نهر الأردن... والذي يغذيه" هذا قول المؤرخ الروماني تاسيتوس استناداً لما ورد في كتاب "الأردن تاريخ وحضارة" لعالم اللاهوت والتاريخ المرحوم الأب لويس مخلوف مضيفاً "من قمة جبل الشيخ الثلجية البيضاء، تنحدر المياه الغزيرة لتشكل مجموعة من الينابيع التي تتجمع بدورها لتكون نهر الأردن".

لقد أشارت المعلومات الموثقة أن تصريف نهر الأردن حسب التسجيل العلمي في الأربعينيات والخمسينيات عند موقع المعمودية، هو ألف وثلاثمائة مليون متر مكعب في السنة أي بواقع ٤٣ متر مكعب في الثانية... والكثيرون يذكرون كيف كانت الأسماك تصاد من هذا النهر ذي المياه العذبة... ويوم كان يفيض النهر فكانت تجمع عشرات الأطنان من الأسماك! أما الآن فنقولها وفي الحلق غصة مريرة أن تصريف النهر لا يتجاوز بضعة أمتار مكعبة في الثانية من المياه المالحة والملوثة. ويكمن السبب في أن استخدام مصادر مياه نهر الأردن، دون اعتبار منصف لخدمات هذا النهر البيئية والتاريخية والدينية والتراثية... قد قلص من تدفق المياه العذبة له فانحسر، وصارت نوعية المياه التي تجري فيه، مع ما يلقيه أعداء البيئة في أحضانه، من مخلفات متنوعة غير معالجة عادمة مالحة، تهدد بكارثة بيئية!

وعليه فإن إعادة الحياة لهذا النهر مهمة ملحة تتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية للخصوصية الجغرافية لموقعه. ذلك أن ترك الأمور على حالها سيؤدي إلى جفاف هذا النهر العظيم بتاريخه، وطمس معالمه وخاصة موقع المعمودية... وبهذا تتحقق رغبات من آلمهم أن يكون هذا الموقع المقدس على أرضنا الأردنية! ومن جانب آخر تعطيل كل الجهود التي بذلت على مدار السنوات الطوال الماضية للجذب السياحي والديني لهذا المكان الفريد على خريطة الدنيا، ولمواقعنا التاريخية الأخرى التي نعتز بها.

horizontal rule

 

 استغلال المؤسسة الاستهلاكية المدنية والعسكرية من قبل البعض

 لا يمكن لأحد أن ينكر الدور النبيل والمتميز الذي تقوم به المؤسستان الاستهلاكية المدنية والاستهلاكية العسكرية لخدمة المواطنين في كافة أرجاء الوطن بتخفيف أعباء كلفة المعيشة عليهم، وذلك لانخفاض أسعار السلع الملحوظة في هذه الأسواق عنها في الأسواق الأخرى، لأسباب ليست خافية على أحد يقف على رأسها ما تتمتع به من إعفاءآت ضريبية وجمركية بنسب معقولة.

وحيث أن موضوع بطاقة الانتفاع والمعمول بها سابقاً قد أصبحت غير مطلوبة من المنتفعين تحديداً لابرازها لدخول هذه الأسواق والتمتع بالامتيازات التي توفرها لهم... فإننا نجد أن الكثيرين يستغلون هذه الفرصة للدخول دون قيد أو شرط إلى هذه الأسواق أو من خلال إرسال موظفيهم أو مندوبين متخصصين، يوماً بعد يوم، فرادى أو على مجموعات للشراء لشركاتهم أو مطاعمهم أو مكاتبهم أو مجمعاتهم أو صيدلياتهم ومتاجرهم في أحوال كثيرة.

إن تحديد وضبط الكمية المسموح بشرائها من المؤسسات هذه صار أمراً لازماً وضرورة ملحة، ذلك أن الثقة التي منحت للمتسوقين وعائلاتهم فشرعت لهم الأبواب، قد حوّلها بعض العملاء إلى ضرب من التجارة... فمن غير المقبول بحال من الأحوال أن يحمل الزبون ومن أحضره معه مثلاً دزينة من أنابيب معجون الحلاقة ومثلها للأسنان وكمية من الشامبوهات ومواد التجميل  والصابون ومواد التنظيف المسحوق منها والسائل وشوالات من المحارم الورقية وكمية وافرة من الأرز والسكر والمواد الغذائية المعلبة أو المحفوظة أو المجمدة وكيلوات عدة من الجوز واللوز، ذلك أن التفاتة واحدة تؤكد أن هذه الكميات لن تأخذ طريقها إلى بيت العميل وأطفاله.هذا غير الذين يترددون على أقسام الأدوات المنزلية والأحذية والملابس وغيرها للمقاصد عينها. ولعل خير مثال على ما أسلفنا ما حصل بشأن قضية السكر والتهافت على ابتياعه لصالح محلات الحلويات وغيرها.

ومما هو جدير بالذكر أن زوار الصيف من حملة الجنسيات المختلفة أو المقيمين منهم يتقاطرون أيضاً إلى هذه الأسواق في الوقت الذي يعقد أصحاب المتاجر الكثيرة، الصغيرة قبل الكبيرة والمنتشرة على مد البصر عليهم الآمال لتنشيط أعمالهم، ألا تقع على كواهلهم مصاريف تشغيلية كبيرة ابتداءً من الإيجارات ومروراً برواتب العاملين وشهاداتهم الطبية والتي تصلح لستة شهور فقط... وفواتير الكهرباء والماء والهاتف ورخص المهنة والصحة وانتهاءً برسوم القارمات والضرائب !

وإننا وإذ نقدر المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتق القائمين على هذه المؤسسات وحرصهم الشديد والمشهود على خدمة إخوانهم المواطنين، وتمكنهم من الإحاطة بحجم العمل وهمومه وخصوصاً لاختلاف أمزجة الزبائن لنتمنى أن تكون الملاحظات التي أوردنا موضعاً لاهتمامهم. آملين أيضا أن يتم التركيز على دمغ السلع بأختام كبيرة تفيد أن مصدرها المؤسسة المدنية أو العسكرية أو وضع لواصق كبيرة " صعبة الإزالة " للغرض عينه وعدم الاكتفاء بأحرف صغيرة ثلاثية مختصرة كما جرت العادة سابقاً.

horizontal rule

 

 " نحو خط عربي أصيل"  

 يبدو أن الخط العربي يتعرض الآن لأمواج عاتية  تستهدفه، وعلينا أن نتحرك بسرعة لصدها  حتى يرتاح الآباء والجدود في لحودهم وقد صرفوا حياتهم بين المحابر والأقلام ليقدموه لنا في أبهى حلله.... وها نحن نقف باحترام أمام روعة ما خلفوه لنا مدوناً بأقلامهم، سواء كانت رسائل أو مخطوطات أو كتباً، فيجد الواحد منا خطاً  يأسره  و يملك عليه نفسه!

صحيح أننا دخلنا في عصر العولمة والإنترنت، وصارت السيرة الذاتية تطبع بأناقة وحسب الرغبة بواسطة الحاسوب، وباتت الأقلام وذكريات بــريــهـا وكأنها حالة من الماضي البعيد إلا أن الأمر المستغرب أن يطبع ملتمس الوظيفة بجانب اللغات التي يتقن ، " العربية كتابة ومحادثة ممتاز " بينما لو طلبت منه في حالات كثيرة أن يكتب سيرته الذاتية بخط يده لرسب فوراً خطاً وإملاءً .

فعندما يعرض مدير شركة رغبته في توظيف مجموعة من الشباب ويشترط أن تقدم الطلبات خطياً ويتم فرز هذه الطلبات، تجد أمامك كلمات كأنها أحاجي وطلاسم دونت بخط مبهم غامض تحتاج إلى مختبرات خاصة لتحليلها وفرز أحرفها... وعليه فلا يمكن بحال من الأحوال أن تعقد صلة مع ما يريده مقدم الطلب فتتوجع في داخلك قائلاً : أ إلى هذا الحد من الهوان وصل الخط العربي عند هؤلاء؟ فتترحم على زمان الكتابة الصورية أي النمط التصويري يوم كان التعبير رسماً، فإذا أرادوا كتابة كلمة عين يرسمون عيناً، وإذا أرادوا كتابة كلمة أرنب يرسمون أرنباً، وبهذه الطريقة أو قل بهذا النسق البدائي نرتاح من عناء التحليل ونحل المشكلة... لكن أعتقد أننا نحتاج إلى الشيء الكثير من الفخار والصلصال لنرجع آلاف السنين إلى الوراء.

وفي الوقت الذي تخبرنا فيه التنقيبات الأثرية أن طبيباً سومرياً قد كتب على لوح عمره أربعة آلاف عام لائحة أدوية متداولة آنذاك وتمت قراءة النص بجلاء في عصرنا هذا، فإننا نأمل من أطبائنا الذين نفتخر بهم أن يبادروا حين يكتبون الوصفات أن تكون كلماتها وأحرفها واضحة، وان كانت باللغة الإنجليزية فلا يلتبس الأمر على الصيدلاني، فتراه يتخبط مخمناً مرتبكاً حتى يقرر أن يتصل بالطبيب لاستجلاء ما دونه على خجل خشية أن يتهم بعدم تمكنه من عمله!

كما أننا نلاحظ أن هناك نوعاً من عدم التركيز في مدارسنا وهي الأقرب لمراقبة ومتابعة هذه الظاهرة فيما يكتبه طلبتنا على كراريسهم.. ونستغرب في هذا السياق كيف يتم تصليح أوراق الامتحانات للمواد المتفرقة واعطاء العلامات على خط مهترىء ممزق غير مقروء... كما أننا نلقي اللوم على ذوي الطلبة لعدم توعية أبنائهم في هذا الشأن ولعدم تضحيتهم بثمن دفاتر تعليم الخط العربي والمتوفرة بكثرة وبأسعار مقبولة جداً  لتكون عوناً لهم ومنها يتعلمون... وخاصة أيام عطلهم المدرسية الكثيرة! أملين أن يتحقق هذا  فنكون قد قطعنا شوطاً وتهيأنا لما نأمل أن نسمع من تعليمات من وزارة التربية والتعليم لمدارسنا، لتعزيز التركيز على إجادة الخط العربي علماً أن درس الخط كان مقرراً على الصفوف الابتدائية في الأربعينيات والخمسينيات.

وثمة اقتراح مجرب غير مكلف نرى فيه نفعاً لجميع الناس، أنه بإمكانهم وهم يمرون يومياً من أمام اللافتات واللوحات المنتشرة على واجهات المؤسسات والمخازن. للتمعن والإفادة من طريقة نسج أحرف كلماتها وقد أجاد خطاط مبدع عمله بإعطاء كل حرف حقه ، حتى إذا رسخت جمالية خطوطها مع الأيام في العقل مع شيء  من الــدُربـــة تحقق انتصار فعلي لصالح الخط العربي لأبنائنا والأجيال .

على أننا فوق هذا وذاك لنأمل أن تفرد صحافتنا الراقية وهي السباقة دائماً، زاوية خاصة تعنى بنماذج الخط العربي البديع وأساليب تعليمه فنكون قد نهضنا خلال فترة وجيزة بما نحلم به جميعاً لخطنا العربي الذي يشكل تراثنا الذي نعتز به.

**********

حديث شريف : " قيّدوا العلم بالكتابة "

horizontal rule

 

الاقـتـنـاع ثم الاتـبـاع...  قبل التوجه إلى صناديق الاقتراع !

 إنها الحياة تسير ولا  تنتظرنا،  فالوقت محدود وعلينا أن نسرع فالخطوات تقـترب شـيئاً فشـيئاً من صنـاديق الاقتـراع، إذ أن موعـد إجراء الانتخـابات للمجلس النيابي الرابـع عشر بات وشيكاً ولقد هـيأت الحكومة مناخاً ملائماً يشمل البلاد كلها، لتـكون الانتخابـات حـرة تتـفـق وروح العصـر وتلائـم احتـياجاتنا الوطـنية والقومية الراسـخة الأصول والدعائـم. فعلينا أن نلـبي النداء لهـذا الواجب الوطني دون تردد.

لقد ضاقت الشوارع باليافطات وغصت الأحياء باللافتات... مقرات هنا ودواوين هناك... بيانات منشورة وخطب منثورة... ومن إعلانات في الصحف تستلفت القارئ إلى لوحات مضاءة في الشوارع تستوقف السائق... إنها المعركة الانتخابية وعرس الديمقراطية...

إننا ننتمي إلى أمة عظيمة تسعى من أجل مستقبلها بشرف، وهذا الشعب الأردني العظيم بأمانيه والكبير بنفسه يستحق ويأمل أن يمثله الفرد الصالح والمخـلص والمتزن والموضوعي ...ومـن هــو عمـيـق الإدراك للحـقـائـق الحـياتـية والإنسانية والذي يستطيع أن يقـف نفسه وجهوده لخدمة وطنه من غير أن تحمله رغبة شخصية على استغلال تلك الخدمة.

انه لأمر واجب أن يطبق المرشح القانون الإنساني والأخلاقي على نفسه فكل إصلاح يقترحه، وكل نصيحة يسديها للآخرين عليه أن يطبقها على نفسه وأن يبدأ بنفسه أولاً... ودون أن يحيد عن الخط المستقيم الذي أراده.

ان إعطاء الناخبين أصواتهم لأشخاص معينين لمجرد أنهم يحبونهم... هو خداع للنفس وتخدير للضمير... فجدير بالناخب أن لا يصوت لأي مرشح وتحت أي ضغط كان إلا إذا فهم وقبل هدفه وبرنامجه واقتنع بأنه سيعمل على تحقيقه أي الاقتناع أولاً ثم الاتباع...

هل سألنا أنفسنا في وسط غابات من الأيدي ترتفع لتصفق للمرشح في مقره، ما هي غاية هذا المرشح من ترشيح نفسه فإذا كانت لخدمة أردنه بعزيمة قاهرة ورفع شأن وطنه بوطنية صادقة على أساس توحيد الصفوف والتآلف فطوبى له ونحن معه... أما إذا كان الهدف السعي من أجل الألقاب وتحقيق الأطماع والأماني الشخصية والترويج لأفكار معينة بأسلوب يخاطب العواطف لا العقول فلسنا معه!

إنها لضرورة أخلاقية أن لا نبني الثقة على ما تحمله اليافطات فبعضها مع الأسف يدعو للشفقة... بل على ما تحمله جدية المرشح وسيرة حياته غير المعلنة! والسؤال الذي يبرز هنا عما إذا كان ذهن المرشح مشبعاً من الموضوع الذي يدافع عنه، أو من شعاره الذي خطط بطريقة لطيفة... وهل هو متأكد من حقيقة نفسه؟ وأيضاً أتستطيع العيون القادرة على رؤية الأشياء الخارجية أن ترى نفسها؟

يقول حكيم :  "من المؤلم أن نعطي النصائح لمن يتضور جوعاً ولا نعمل من أجله شيئاً."

صحيح أن لكل امرئ طموحه الذي لا يحد... ولكن علينا أن نكون واقعيين نحمل عبء اليوم ونحل مشكلاتنا التي تقض مضاجعنا دون التمحور حول الذات ليتوجه الجهد كله إلى هدف واحد هو انساننا الطيب على هذه الأرض المباركة، إننا نريد برلماناً ناشطاً متحركاً... ليس للنقد من أجل النقد بل للتفاعل مع مصلحة المواطن وخيره ومستقبل أبنائه وفي كل مناطقه.

ان التعالي عن الأفق الضيق هو نجاح بحد ذاته... فمجال الخدمة والعطاء ليس حصراً على الجالس في ذلك الموقع... نقولها لمن ليس له نصيب في الوصول إلى البرلمان!

 إن عملية الانتخاب جزء لا يتجزأ من النظام الديمقراطي، فلا سبيل للاستغناء عنها ولكن من الملاحظ في دول عديدة من العالم أن الانتخابات النيابية كثيراً ما كانت تظهر الجانب السلبي من الإنسان، وما كانت دائماً تؤدي إلى نجاح الرجل الأفضل... فالواقع أن الأشخاص الحساسين غير المستعدين لاصطناع أخشن الأساليب لشق طريقهم إلى قبة البرلمان يستشعرون أن الميدان ليس ميدانهم فيفضلون اجتناب الخوض في هذه التجربة.

في جولته الانتخابية عام 1937 في الهند يسـأل (نهرو): هل كانت الديمقراطية وقفاً على أولئك الذين يملكون جيوباً عامرة وأصواتاً جهورية... وضمائر تتكيف وفقاً للظروف...

قد يكون المستقبل غير واضح المعالم لدى الكثيرين... ولكن في ميسورنا في أردننا العظيم  أن نرى جزءاً من الطريق المؤدية إليه وفي استطاعتنا أن نسلك هذا الجزء في خطى ثابتة، متذكرين أنه ليس هناك مجال لأي قوة ومهما كانت أن تتغلب على روح انساننا الطيبة والتي حاقت بها مخاطر كثيرة فنجت منها كلها بحكمة القيادة الهاشمية رمز كياننا ومعقد رجائنا.

وأخيراً نقول لكل ناخب وناخبة ما قاله الشاعر الطغرائي :

خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به          في طلعة الشمس ما يُغنيك عن زحل

horizontal rule

 

"ممنوع الضرب في المدارس"

تبذل مؤسسة نهر الأردن جهوداً مشكورة لحماية الطفل الأردني من الإساءة، على قاعدة "أن الإساءة للأطفال هي إساءة للمستقبل". وباهتمام بالغ طالعنا إعلاناتها التحذيرية في وسائل الإعلام المحلي، والتي جاءت بدعم ومساندة جهات متعددة تحت عنوان "الضرب ممنوع في المدارس بنص القانون" وأن "بعض المعلمين قد يفقدون سيطرتهم على أنفسهم، فيعمدون للضرب كوسيلة للتأديب فهيبة المعلم لا تأتي من الضرب".

ولما كان الألم الناجم عن الضرب بالعصا أو بقبضة يد فولاذية... يتلاشى     و يمّحى بعد فترة وجيزة، فان الألم النفسي الناجم عن التهديد والترهيب والصراخ واستخدام الألفاظ الجارحة ونعت الطلبة بأسماء لا تستعمل لبني البشر، لأشد مرارة من ضربات العصي. إذ أنه يخزن ويمكث في أعماقهم،  ليتقوى ويتعزز على نحو ما مع عوامل أخرى من البيئة المحيطة، حتى يجد له متنفساً ومخرجاً عندما يصل هؤلاء الطلبة إلى مرحلة من النمو والعمر، فيتحول إلى عدوان على الذات وعلى الآخرين .

وعليه فلا يجوز بحال من الأحوال أن يفرز المعلم مشاكله الخاصة وانفعالاته على طلبة صفه، وأن يكون الصف موقعاً لتفريغ ردات فعله على ظروف أحاطت به، فتنقض أوامره كالصواعق عنيفة رهيبة عليهم، مما يهمش كينونتهم ويؤطر صورتهم، فتتأزم حالتهم النفسية والصحية، ويتمنى الواحد فيهم والغصة تخنقه إزاء ذلك الهرب من المدرسة أو القفز عن أسوارها، حتى اذا أمسى وأصبح، ادعى وتحايل بالمرض ليتغيب...

 ولعل في هذا تعليلاً لحالة النفور والخوف التي تجتاح طلبتنا مع اقتراب دوامهم المدرسي. ولتأكيد ما نقول نرى في ارتفاع صياحهم  فرحاً عندما تعلن العطلة لسبب من الأسباب... أو عندما تشير الأرصاد الجوية أن ثلوجاً ربما تسقط على المرتفعات العالية جداً وإن كانت في بلدان مجاورة... ليمضي هؤلاء الليل بطوله متحلقين حول النوافذ يترقبون والأدعية ملء أفواههم ليس عشقاً بالزائر الأبيض، بل طمعاً في يوم عطلة.

إن المعاقبة الجماعية لكل الصف كما هو سائد في أغلب مدارسنا مع الأسف، وتعميم الذنب الذي ارتكبه طالب طاش عقله... فشاغب لبرهة من الزمن، أمر غير مقبول وغير منطقي، بل العدالة والحق أن ينال الطالب المذنب عينه لا سواه جزاء ما فعل ضمن الضوابط والحدود.

كان الأستاذ العلامة روكس العزيزي رحمه الله إن ارتكب أحد الطلبة ذنباً في حصته أو شرد عقله فحملق في سقف الصف يأمره وهو المعلم الحكيم الحليم، بالتوجه إلى اللوح المثبت على جدار الصف وكتابة اسمه كاملاً بالطبشور عليه... والمكوث واقفاً بجانب اسمه ولنهاية الحصة، فيبرد دم الطالب في عروقه أمام زملائه ويرى في ذلك قصاصاً بليغاً فلا يعود ويخطئ ثانية.

إن إصرار بعض الطلبة الصغار في العمر على عدم متابعة تحصيلهم الدراسي، ورغبتهم في الالتحاق بأي عمل  وان كان شاقاً فوق طاقتهم الجسدية، يعود في واحد من أسبابه العظمى إلى معاناة وتجربة ألقت بظلالها المؤلمة عليهم، فوجدوا في الهرب بريشهم مبكراً من على مقاعد الدراسة خيراً من مكوثهم! آملين أن تتوسع الدراسات والتحقيقات حول هذا الأمر والرجوع إلى أسبابه.

وإننا لنتطلع أن تثمر جهود مؤسسة نهر الأردن وكافة الجهات المعنية الأخرى لتختفي هذه الظاهرة الخطيرة من مدارسنا، ذلك أن مقولة  " العصا علمت الدب يرقص " لا تنطبق على بني البشر لا من قريب ولا من بعيد. 

إن غاية ما نريد، أن يعزز المعلم الذي نعتز بالدور الذي يقوم به لتنشئة الأجيال في أردننا، ثقة الطلبة بأنفسهم وأن يمد جسور صداقة وألفة معهم ، وأن يوقظ في صدورهم الآمال ويفجر فيهم ينابيع الإبداع والعطاء.

 وعندما يقف على منصة التدريس، أن يضبط نفسه فلا يهدر ولا يزأر، بل يبث علمه على طلابه مبتسماً منشرحاً فيسهل عليهم الصعب، ويوضح ما استغلق، ويكشف ما التبس، وأن يكون سعيداً بهذه الغراس التي بين يديه وفي حديقته لأنها ذات يوم ستؤتي أُكُلها، أليس تلاميذ اليوم هم نواة المستقبل وعليهم ستقوم المدنية المنتظرة؟

horizontal rule

 

" فلنجعل من الفساد مغامرة وخيمة العواقب..."

من عقله النيّر وقلبه الكبير الذي ما خفق إلا بعاطفة المحبة والإخلاص لشعبه وأمته، عهد جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين أعزه الله، إلى رئيس الوزراء بإنشاء هيئة مستقلة تضطلع مع الجهات المعنية بوضع وتنفيذ استراتيجية عامة لمكافحة الفساد والوقاية منه.

إن الفساد وحسب ما خلصت إليه دراسات منظمة الشفافية الدولية "يغذي الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويوقع الناس في شرك الفقر والبؤس، ويخل بالقانون والنظام ويضعف الديمقراطية ويشوه التجارة ويعزز استغلال الموارد الطبيعية"، ويعتبر السيد بيتر إيجين رئيس المنظمة " أن الفساد في قطاع الإنشاءات والمشاريع العامة الكبيرة الحجم، عقبة كبيرة أمام التنمية المستدامة. وأن الفساد في عملية إجراء وتنفيذ العقود يعتبر كارثة كبيرة على الدول المتطورة والنامية على حد سواء... ذلك أن ما يفعله الفساد هو رفع التكلفة وتخفيض نوعية البنية التحتية." 

إن المشكلة التي نعاني منها في مجتمعنا، أن المواطن في أغلب الحالات لا يرغب الإبلاغ عن موضوع فساد في موقع معين فيقول في نفسه " خليها تيجي على يد غيري..." علماً أن صمته هذا يمنح المفسدين رخصة للتمادي. ومن هنا فإننا نضع اللوم على المواطن الذي لا يعي أنه يتحمل مسؤولية جسيمة على سكوته... في الوقت الذي يفترض فيه ومن باب مواطنته الصادقة وحسّه الوطني ، إن كان متأكداً من شأن معين إبلاغ مديرية مكافحة الفساد والتي أثبتت بشهادة القاصي والداني، انفتاحها وشفافيتها وحرصها على أمن المواطن الاقتصادي والاجتماعي بجوانبه المختلفة، من خلال رجالٍ يتمتعون بحكمة وحلم ونزاهة في إدارة أية حالة وبسرية بالغة.

ومن نهجه الحكيم المبني على الصراحة والوضوح، يسدد جلالته السهم صوب ظاهرة الواسطة والمحسوبية، التي تهضم حقوق الغير وتضر بالمال العام وتحرم بعض المواطنين من الفرص التي يستحقونها. داعياً إلى تجريم الواسطة إذ أنها شكل من أشكال الفساد ونستذكر هنا مقولة جلالته عن قضية الواسطة في ملتقى شباب الأردن الثاني والذي انعقد في البحر الميت قبل عام " إنها قضية تحتاج لموقف من الناس عموماً ومن الشباب خصوصاً، وللحكومة فيها والمسؤولين، دور رئيس باتجاه الخروج منها بعد أن أصبحت تراثاً تتشارك في إدامته مجموعة من المصالح والاعتبارات وفي مقدمتها الاعتبارات الانتخابية". ومع هذا التوجه الحازم الجديد فان الجهود يجب أن تنصب لإلغاء هذا الموروث المكروه واجتثاثه وذلك بتضافر جهود المسؤول والمواطن .

وفي هذا السياق، نجد لوناً حديثاً من ألوان الواسطة، يستمرؤه أصحاب مؤسسات وشركات عديدة، إذ يعتمدون على كفاءة من نوع جديد عند انتقاء موظفيهم وهي فقط : القدرة على تسليك المعاملات حيثما اقتضت الضرورة بغض النظر عن استكمال متطلباتها أو التوائها... المهم توفر قنوات لهم في الدوائر المعنية بمعاملاتهم! ويحسن هنا أن نذكر ضرباً من الواسطة، يتمثل باتصال شخص ذي شأن مهم بأحد المدراء ليكون المركز المتقدم الشاغر عنده من نصيب صديق ميسور الحال يعرفه... علماً أن هذا الأخير لا يحمل كفاءة أو خبرة... وفي أغلب الحالات يطأطئ المدير رأسه ويوافق كي لا يخسر هذه القناة من الواسطة التي هبطت عليه، والتي ستكون رصيداً له عندما تقتضي الضرورة! وليقفز الموظف الجديد جداً في هذا التعيين فوق من يتمتع بالكفاءة والخبرة والإخلاص.

ومن المفارقات التي تحز في نفس المواطن انه في الوقت الذي تسلك فيه معاملة شخص ما  بأسرع من لمح البصر... تتعطل وتتأخر معاملة شخص آخر، ويتم تطبيق حرفيات القوانين والأنظمة والتعليمات بحذافيرها على معاملته. .. حتى إذا اشتكى هذا الشخص للمسؤول انتقم الموظف المعني من هذا المواطن ولو بعد حين!

ولما كان الإخفاق من سمات مروجي الإشاعات وعشاق اغتيال الشخصية، الذين ينشطون حسداً من إشراق الآخرين ونجاحهم وتوهج عطائهم لبلدهم، فقد طلب جلالته ملاحقتهم ومحاسبتهم قانونياً، إذ طفح الكيل من هؤلاء الأنفار الذين يستطيبون أحاديث الطعن والتجريح والقدح من خلال نسجهم القصص والأخبار لخدمة أغراض شخصية لطرف ما، على أكتاف تشويه سمعة ومركز وإنجازات طرف آخر .. على أساس قاعدتهم العنكبوتية "نطيح بمن نشاء... ونعظم من نشاء"

وتكاد البيئة تطل برأسها علينا مستغيثة في خضم هذه الانتفاضة على الفساد، لتفعيل الشعار الذي أطلقناه دون تنفيذ عملي "واجب الإنسان نحو بيئته" من أجل إتمام مشروع نقاء هوائنا ومائنا وبيئتنا من الذين يفسدونها جهاراً نهاراً وبطرق شتى ذلك أن برامج التوعية كانت كمن ينفخ في رماد لأنها لم تدعم بإجراءات رادعة فكان التركيز على سيارات تطلق عوادمها أدخنة... وإغفال مخلفات الكثير من المصانع والشركات والمشافي وغيرها. آخذين بعين الاعتبار ما تم إنفاقه من مبالغ كبيرة حول هذا الأمر من مساعدات المؤسسات الدولية.

إن آفة الفساد تجتاح دولاً كثيرة من عالمنا، إلا أن "نشر ثقافة الشفافية" في بلدنا مع ما وفرته القيادة الهاشمية من فرص وامتيازات، وفتح قنوات الحوار والاتصال دون حواجز بين القائد والشعب، قد حفز المستثمر العربي والأجنبي، لتركيز استثماراته على أرض هذا الوطن. وذلك لإيمانه المطلق أن حقوقه مصانة وغير قابلة للمساومة والتجزئة. وليس أدل على هذا من حركة النماء والتطور التي يشهدها الأردن في شتى الميادين التنموية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية.
 

horizontal rule

 

"جفت الأقلام أو كادت... والمعاناة مستمرة"

جفت الأقلام أو كادت، لكثرة ما كتب عن ظاهرة إطلاق صواريخ الألعاب النارية، وما تبعثه الأصوات المرعبة الصادرة عنها من حالة هلع بين المواطنين واغتيال لراحتهم، وهم ينشدون السكينة في منازلهم، بعد جهد نهار كامل سعياً نحو رزق عيالهم. كذلك ما يتـفـتـق عن هذه الممارسة البغيضة من تأريق للمرضى على أسرة الشفاء، سواء في المشافي أم في البيوت، وإيقاظٍ للأطفال الرضع، وتشتيتٍ لفكر الباحث والدارس والكاتب.

وفوق هذا وذاك، ما تخلفه الأصوات الناجمة عن انفجار صواريخ هذه الألعاب من آثار نفسية خطيرة على نفس المواطن، والذي يهرع ذعراً لأقرب نافذة ليتحقق عن ماهية الصوت الذي يوشك أن يزلزل مسكنه... حتى إذا تمكن من رؤية لمعان أنوار في الفضاء لثوان، تبرد أعصابه قليلاً وأطفاله...

من جانب آخر، ليس حسناً أن تنتقل حمى تصدير الضوضاء من البيوت التي تضع مكبرات للصوت لتتجاوز الأغاني في هديرها أجواز الفضاء، إلى بعض من المراكز الثقافية الكائنة ضمن الأحياء السكنية، دون أن تكون هناك مناسبة رسمية تتطلب احتفالاً منظماً، بل سعياً نحو إشهار هذه المراكز... والتي تقوم بتنصيب السماعات الضخمة على قواعد توزع في ساحات هذه المراكز التي شيدت فيها الصواوين لاستقطاب المحتفين، لبث الأغاني الصاخبة المسجلة سلفاً أو من خلال بث حي يقوم به مطرب مستجد على هذا الفن، يطلق لصوته العنان، إذ تحتد حميته لتصفيق المشجعين الذين يطالبونه قائلين "بدنا نشعللها الليلة..." ليستمر الحفل لساعات متأخرة من الليل وفي هذا إقلاق لراحة السكان المجاورين لهذه المراكز، ومن هم أبعد منهم سكناً... والذين يضطرون إلى هجر بيوتهم واللجوء إلى أقارب ومعارف في مناطق نائية قائلين في أنفسهم "ترى أي ذنب اقترفنا لنعاقب في راحتنا؟"

والحال ينسحب على بعض من الجمعيات الخيرية في المواقع السكنية المكتظة، حيث باتت ظاهرة تأجيرها صالات أفراح مألوفة، وتقلق السكان المجاورين لها بسبب إغلاق المدعوين لمداخل البنايات والشوارع، مع ما يواكب هذا من ضجيج وصخب حتى مطلع الفجر.

كما أن أنفاراً لا تفقه تقاليدنا العظيمة تنتهز حصول فرص كهذه، فتتوافد للتجول بين البيوت مستخدمة ألفاظاً غير مهذبة للتخاطب، وافتعال مشاكل مع المارة... مزودين بأنواع من الطعام والشراب، يتركون مخلفاتها، شاهداً على عبثهم على أسوار البنايات والأرصفة!

كما جفت الأقلام أو كادت، لكثرة ما كتب عن ظاهرة إغلاق مسارب الشوارع بالكامل، لمصلحة المحتفين بالأعراس ونخص بالذكر طقوس الفاردة وما ماثل، ومواكب السيارات المتوجهة إلى صالات الأفراح أو الفنادق، حيث يعتبر الشارع تحت سيطرة هؤلاء الناس، مما يضطر السيارات المتجهة في المسرب نفسه إلى المكوث تحت رحمتهم، ذلك أن استعراضاً للعضلات من بعض المتدلين من نوافذ سيارات المحتفين، للتصوير والغناء ورشق من يحاول اختراق الصفوف بألسنتهم المؤذية، يجعل الصمت أسلم للرأس!

ولما كنا نعيش في بيئة لها منظومة من القيم والتقاليد، فإننا نأمل من الجهات المعنية وقد جفت أقلام السادة الكتاب أو كادت، إلى بتر هذه الظواهر السلبية من مجتمعنا، وطوي صفحاتها إلى غير رجعة، ليعيش المواطن في جو من الهدوء والسكينة، وليتمكن أبنائنا الطلبة مع إطلالة العام الدراسي من مراجعة دروسهم وحفظ المقررات المطلوبة دون أي تشويش أو منغصات.

horizontal rule

 

"الجامعة والحضارة رفيقا درب..."

مخطئ من يظن، أن رسالة الجامعة تنحصر في التعليم العالي ومنح الشهادات... فللجامعة دور مهم وكبير، فهي مركز بحث وإبداع واستنباط، ذلك أن الأساتذة كل في مجال اختصاصه، يتابعون وبشكل متواصل آخر البحوث والدراسات التي تتم في جامعات العالم الراقية، مما يؤدي إلى توسيع المدارك لمواكبة تطورات العصر، بما يعود بالفائدة على طلبتهم ومستقبلهم لخدمة مجتمعهم ووطنهم.

كذلك فإن ورشات العمل والندوات والمؤتمرات التي تعقد في جامعاتنا، هي نقاط مضيئة تهدف استشراف المستقبل، حيث يتم توجيه التوصيات للجهات المعنية من أجل الوصول إلى مجتمع زاهر. لكن من الملاحظ على أرض الواقع أن كافة التوصيات المنبثقة عن ورشات العمل والتي تقدم للوزارات والدوائر الرسمية، لا يتم الأخذ بها على الإطلاق، بل يتم حفظها في خزائن مغلقة فلا تأخذ نصيبها من الحياة.

وقد يصل التفكير لدى البعض، أنه إذا ما استدعي أحد الأساتذة للمشاركة في ورشة عمل أو ندوة تخص إحدى الجهات الرسمية، أن يصار إلى اعتبار هذا القادم والمشارك بكل طاقاته الفكرية والعلمية مزاحماً لهم في مواقعهم... وأن وجوده معهم يشكل خطراً على مراكزهم في المستقبل. لا أن يتم اعتبار وجوده معهم في النقاش سنداً وتعزيزاً لهم، وليس غزواً عليهم!

إن تضافر الجهود هو أمر حتمي، وإن الإداري القدوة هو الذي لا يقبع وراء قناعات معينة، ويصم أذنيه أثناء أي حوار أو نقاش لكي لا يسمع آراء الآخرين، ويتخذ سلفاً موقفاً سلبياً من أفكارهم وطروحاتهم، معتبراً نفسه أنه وصل إلى ملء الحكمة والعلم.

إن الألم يعتصرنا لعدم فتح المجال في بعض من وسائل الإعلام المقروءة لأقلام الأكاديميين بتخصصاتهم المختلفة، وكذلك لأصحاب الكفاءة والمواهب الذين لا يجدون زوايا أو منابر لأقلامهم وإبداعهم. حتى أننا نسمع باستمرار في مجالس هذه الفئة الواعية المثقفة، أن أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، حكر على أشخاص معينين يتم انتقاء أغلبهم لمصالح شخصية لإبرازهم وتلميعهم وليس لمصلحة الوطن! حتى يخيل للإنسان العادي أو المشاهد غير العارف بكفاءات أبناء وطننا العظيم، أن هؤلاء الذين تبرز أسماؤهم، ويتكرر منحهم مساحات واسعة على الساحة الإعلامية هم الشريحة الوحيدة المثقفة في الأردن!    

في كتاب قيّم بعنوان "دراسات في الأدب والفكر" يقول مؤلفه الأستاذ الدكتور محمود السمرة: أن الجامعة في حقيقتها، عقل الأمة، وضميرها، وسندها، وساعدها ضد الجهل والتخلف والوهم، وهي ومنذ أن ظهرت أول جامعة في التاريخ، عامل من أبرز عوامل التقدم الحضاري، وكانت الجامعة والحضارة رفيقي درب لا يفترقان.
 

horizontal rule

 

" أبـنـيـة... بين عشية وضحاها "

   قبل سنوات عدة خلت، كانت الجهات الرسمية المكلفة بمراقبة إنشاءات مشروع مدينة أبو نصير السكنية، تزيل عمارة كاملة في حال اكتشاف المهندسين أخطاءً معينة في بنائها، أو لدى التحقق من تدني نسبة "مـونة" الاسمنت المستخدمة بعد أخذ عينات بطرق خاصة من أماكن عشوائية، أو في حال عدم مطابقة حديد التسليح لما تم الاتفاق عليه حسب الخرائط الرسمية المصادق عليها. وكانت الجهة المنفذة تتقبل الأمر بأريحية وصدر رحب. ولقد جاء هذا المشروع بحق مفخرة لبلدنا لما يتمتع به من أعلى مواصفات الجودة.

نجئ بهذه المقدمة ونحن نشاهد أبنية تشاد هنا وهناك بين عشية وضحاها... لتباع شققها سلفاً ومن أول ضربة شاكوش آلي لاستكشاف صخرها إن وجد! ولعل المجاورين لبعض من هذه الورشات التي تحت البناء في جلساتهم مع عمال الورش، وأغلبهم من دول أخرى في وقت راحتهم... الأكثر إطلاعاً على ماهية الوضع... وأيضاً لمراقبتهم مباشرة بحكم الجيرة، سير عملية البناء وإنجازه!

يقولون، كانت العادة وهذا فعلاً ما كنا نعاينه جميعنا... أن يصار إلى ترك عقد "الصّبة" للطابق الأول لمدة أسبوعين تتم سقايته يومياً أكثر من مرة... أما في هذه الأيام فيتم رفع الأعمدة "والصبة" لم تزل طرية خضراء!

وبعد السيجارة الثانية، حيث استوى إبريق من الشاي تجلله أوراق النعناع، يسرد هؤلاء العمال بصوت خافت، أن المهندس المشرف لا يحضر إلا مرة كل أسبوع لدقائق، دون أن يكلف نفسه الدخول إلى البناء الذي يتولى الإشراف عليه لملاحقة أية سلبيات... أو لتقديم نصائحه وإرشاداته. متكلاً على المقاول الذي في أغلب الأحيان يأخذ مجموعة مشاريع في الوقت نفسه... وهذا بدوره يتكل على مشرفٍ عَـيّنهُ لمراقبة تغيب العاملين... وليقوم بمعاقبة من يتجاوز كمية الإسمنت التي قررها للخلطة الواحدة! فجودة "المونة" لا تعنيه بشكل من الأشكال. وهو في كل الأحوال لا يعرف أن يميز "الحصمة من العدسية من الرمل الأبيض من رمل صويلح". وإذا ما تناهى إلى مسمع المراقب أن عاملاً قال: "المونة قليلة..." يتحرش به، ويصب قذائف غضبه القاتلة عليه لينهي خدماته تحت ذرائع أخرى!

ولعل الحديث ينسحب على تمديدات المرافق الصحية ووصلاتها وأنواع أنابيب التدفئة وطرق عزلها في باطن الأرض تحت البلاط، حتى إذا لامستها قدمك قبل أن يطويها البلاط أو الرخام الجميل استوت بالأرض لركاكة وضعف نوعيتها. ناهيك عن الاستهتار في عزل الجدران التي لا يتم ارواء عطشها قطعياً بعد القصارة كما هو متبع. وهذا بمجمله يخفف الكلفة ويحقق مكاسب أكبر!

والأمر الذي يعزز ما نقوله أنك تجد في الموقع الواحد شقة في بناء ثمنها مرتفع جداً، تقابلها شقة مجاورة في بناء آخر تحمل المقاييس نفسها بثمن منخفض!

ولا نريد في هذه العجالة أن نخوض في معاناة أصحاب شقق أرضية تتفجر المياه منها شتاء... وان أبلغوا الطرف البائع أجاب: "لا علاقة لي بالأمر ... كان اشتريتوا من الطوابق الـّي فوق!"

إن ثقتنا كبيرة بالمهندس والمقاول الأردني وبحسّهما الوطني وحرصهما على تطبيق كودات البناء المقررة بحذافيرها. ولكن غاية ما نريده هو إيقاظ الضمائر واجلاء الصورة عن ممارسات تحاول فئة ضعضعت المادة جميع حواسها ومشاعرها بأن تتقي الله... وأن تفترض أن ساكن كل بناء يتم تشييده هو ابن لها أو حفيد... وأن أمان المواطن في سكنه أهم مليون مرّة من أرباح يحققونها، فإنساننا هو أعزّ ما نملك.

يقول بيتر ايـغـن رئيس منظمة الشفافية الدولية: " إن الزلازل لا تقتل الناس، بل المباني الآيلة للسقوط هي التي تقتل الناس... فهذه المباني تنهار لأنها لم تبن وفق الحد الأدنى من المواصفات المعمارية."

horizontal rule

 

" الكتابة... فن رفيع "

 في الوقت الذي تتدفق فيه على الساحة الثقافية العربية آلافٌ مؤلفة من الكتب، حتى ضاقت بها المكتبات المتخصصة ومعارض الكتب المنتشرة على مد البصر فصارت تعرض على الأرصفة أو الشوارع، وفي حقائب الباعة المتجولين لترويجها... فإننا نشعر بالأسى لتدني مضمون الكثير منها وإن جاءت تحت عناوين بارزة ذلك أنها لا تحمل فكراً أو هدفاً نافعاً أو خبرةً بهدف إرشاد وتوجيه القارئ. ومن هنا فإن هذا الطراز من الكتب لا يعمر طويلاً.

وللحقيقة نقول، حين تقرأ واحداً من هذه الكتب دُفـع إليك بطريقة أو بأخرى، تشعر أن كابوساً حط على قلبك، فتأسف على الوقت الذي هدرته في قراءته... فتسارع إلى أقرب نافذة مطلة على قارعة الطريق لـقـذفـه... لولا وخز الضمير عليك ألا تفعل من باب المحافظة على البيئة! في الوقت الذي تـُوسِّد فيه رأسك بكتاب آخر، وتأبى أن يغيب عن ناظريك باعتباره أثمن ما تقتني في بيتك.

ومن هنا فإننا نتمنى على الكاتب أن يوسِّع مداركه بالقراءة والبحث، وأن يتأنى ويدقق ما يكتب، وأن يعيد قراءته أكثر من مرة... واضعاً نفسه مكان قارئ اليوم وقارئ الغد فهو الفصل في الحكم على إنتاجه...

 يقول عبد القاهر الجرجاني: "على المرء أن يتخذ ما يعرف وسيلة إلى ما لا يعرف، وأن لا يسد باب المعرفة على نفسه، ويمنعها من الفهم والتفهم ويعودها على الكسل والتكاسل." وعليه فان في متابعة النشاطات الثقافية والتفاعل معها، والتي تجري بجهود طيبة من القائمين على الشأن الثقافي في مواقعهم المختلفة، على شكل ندوات ومحاضرات ومؤتمرات ما يُغني قلم الكاتب ويزيده معرفة على معرفة.

وليس يحسن بالكاتب، أن يكرر الآخر أو أن يغترف من إنتاجه فيغير بعض العبارات الواردة فيه تمويهاً للحقيقة، وكأن العمل المنتج من جهده وأفكاره... يقول الفيلسوف الوجودي سارتر:

 "على الإنسان ألا يكرر الآخرين، بل أن يكون شيئاً متميزاً مبتكراً "

 ويصل حد الاستهتار إلى أن بعضاً من المؤلفات على الساحة المحلية، تحمل أسماء مؤلفات ذائعة الشيوع في بلدان أخرى من العالم... متجاهلاً كاتبها أن هناك أعيناً لواحظ تبحث وتقرأ... وأن الثقافة ليست وقفاً عليه...

وفي المناسبة نفسها، نرجو أن لا يضيق صدر أحد ممن يعشقون الرمز في الكتابة، وهو فن لا ننكر اتساع آفاق من يتمكن منه، من القول أن هناك صعوبات لدى شرائح كبيرة من القرّاء تتمحور حول عدم تمكنهم من الوصول إلى كنه ما يريده الكاتب لتعذر فهم الرموز المستخدمة. ومن هنا فإننا نتطلع إلى أن يكون الإنتاج الأدبي بأنواعه المختلفة قريباً من مفهوم الناس.

Back