وجهة نظر في مسـألـة ارتفـاع الأسـعـار وآليات التسعير
لقد كثرت الأحاديث في وسائل الإعلام المختلفة وفي المجالس، حول موضوع ارتفاع الأسعار بسبب دخول سلع وخدمات تحت مظلة الضريبة العامة على المبيعات لأول مرة، ولارتفاع نسبة الضريبة على سلع أخرى، لكن الأمر المؤسف حقاً، هو إلصاق التهم وأقلها الجشع، على تجارنا بمجملهم... دون الالتفات لأخذ صورة واقع الحال من الميدان، وأرى أن العتب يقع على غرفة تجارة عمان تحديداً ونقابة تجار المواد الغذائية، وذلك لعدم وضع الأخوة المواطنين بصورة ما يجري على الساحة التجارية .
ولربما كان السبب المباشر لتلك الفزعة هو الصدمة الأولى التي تلقاها المدخن لارتفاع ثمن السجائر التي يدخن بشكل كبير في بداية الأمر، مع إصراره على شراء النوع نفسه وهو حر فيما يعشق.. ودون أن يكلف نفسه بالتوقف عن التدخين ليوم واحد أو شراء بديل آخر... هذا إلى أن أعادت الشركات تنظيم الأسعار بشكل مقبول نسبياً. أما باقي سلع المواد الغذائية اللازمة للقوت اليومي للمواطن، من السكر والأرز والزيوت والمعكرونة والشاي والحبوب واللحوم المعلبة والمبردة والأسماك، فقد سعى أغلب تجار الجملة والتجزئة تحديداً على امتصاص فرق الضريبة ما أمكنهم وذلك لوجود منافسه هائلة بسبب تواجد مئات المحلات التجارية وبشكل يفوق حاجة المواطنين في المناطق كلها. ففي كل شارع وحي وحارة، عشرات المحلات والدكاكين. وكذلك حرك العديد من المواطنين سياراتهم من كراجاتها إلى الشوارع وقاموا بتأجيرها متاجر... ولتوفر المولات والأسواق الكبيرة والأسواق المفتوحة في الهواء الطلق مثل سوق العبدلي ومعارض البيع الموسمية. كما أن المؤسسات العسكرية والمدنية بفروعها تخدم المواطنين بغض النظر عن حملهم لبطاقات الانتفاع...فضلاً عن البضائع التي تصل في أغلب السيارات من العقبة بأسعار محروقة لتوزع مباشرة على بيوت المواطنين أو طالبيها... مما يضطر الكثير من تجار التجزئة إلى بيع سلعهم على هامش الكلفة للحاجة إلى سيولة لتغطية التزاماتهم!
وبناء عليه فان خيارات الشراء كثيرة والبدائل أكثر فهناك مثلاً كيلو الأرز الرشيدي لمطبخنا العربي العريق يباع بسعر ٤٢٠ فلساً للكيلو الواحد وهناك أنواعٌ من الأرز تحت مسميات أخرى يصل سعر الكيلو الواحد إلى دينار...فلا يحق لمن يستسيغ هذا النوع أن يصرخ "أن أسعار الأرز مرتفعة" وقس على ذلك سلعاً كثيرة لها بدائل ممتازة وفي متناول الجميع. مع أسفنا لما يشيعه بعض المستوردين أصحاب الكروش المتخمة ولمصالحهم الشخصية أن أصناف المواد الغذائية المنخفضة الثمن ذات جودة متدنية! إلا أن أسعار الخضراوات تشكل هماً كبيراً يؤرق المواطن لارتفاعها بشكل فلكي في محلات التجزئة عنها في أسواق الجملة وهذا أمر يستحق علاجاً فورياً.
كما انه أمر يخالف الحقيقة، أن يجتهد بعض المحللين في أن حوادث سلب قد حصلت بسبب الفقر، لأن الذين يسلبون هذه هي حرفتهم! وذلك لانفاق ثمن مسروقاتهم على رفاهية رخيصة أو لشراء أشياء تذهب العقل وليس بتاتاً من أجل رغيف الخبز كما تشير دراسات الأجهزة المعنية.
إننا نتمنى على القائمين على غرفة التجارة ومن باب الحس الوطني، السعي مع قنواتهم في العالم حيث تنطلق وفودهم للزيارة... إلى توفير ماركات من الحليب المجفف رخيص الثمن ذي جودة عالية ليكون في متناول كل طفل في بلدنا، فهو غذاء أساسي لنمو أجسادهم حيث أن أسعار الحليب المتوفرة مرتفعة الثمن جداً، وبهذه الخطوة تكون مشاركتهم أجدى مع المواطنين. كذلك نؤكد ضرورة أن يكون تواصلهم مع التجار أوسع وليس من خلال بطاقات التهنئة بالأعياد. أو عقد دورتين لعشرات التجار في العام، أو التعاطف معهم عندما تحين الانتخابات...علماً أن كل متجر يسدد على الأقل أربعين ديناراً كاشتراك إلزامي في مطلع كل عام.
على أننا نؤكد أن مشكلتنا تكمن في أن الكثير الكثير من تجارنا المستوردين أو المنتجين ونخص بالذكر الذين سلموا أبناءهم المرفهين...إدارة أعمالهم التجارية حال عودتهم من الدراسة في الخارج، وهم لا يعرفون واقع السوق أو أحوال أخوتهم المواطنين أصحاب الدخول المتدنية ، فجلسوا يتمترسون وراء مكاتب فاخرة...لتتجه عيونهم إلى ازدهار الأرقام التي تعنيهم فقط غير عابئين بمعاناة الفقراء والمساكين، عند تسديد أقلامهم المذهبة للتسعير! ومخلفين في الوقت نفسه لبائعي التجزئة وصغار التجار فتاتاً من هوامش ربح يتلقفونها، صابرين متحملين آهات المستهلكين الذين يقفون وجهاً لوجه معهم يومياً.
كما أننا نستغرب إضافة مصاريف المستوردين في رحلاتهم الكثيرة بحجة عمل عقود تجارية، أو الإشراف الشخصي على تحميل البضائع المستوردة أو لحضور معارض مواد غذائية... وهي في أغلبها للاستجمام والراحة، نقول أن إضافة هذه المصاريف الشخصية على كلفة البضائع وتحميلها للمستهلك مسألة غير عادلة...ذلك أن خدمة البريد الإلكتروني والفاكسات والبنوك تقوم بإنجاز متطلبات الاستيراد بكل يسر... والأدهى والأمَر انهم يقدمون فواتير السفر وتوابعه لتنزل من الضرائب المتوجب دفعها للدوائر المعنية.
**********
قـال عـلـيٌ كـرّم َاللهُ وجـهـه :" مـا جـاع فـقـيـرٌ الا بـمـا تـمـتـع بـه غـنـي . "
"سلوكيات غير مسؤولة على طرقنا"
تشير الإحصائيات إلى ارتفاع نسبة حوادث السير والتي تؤدي إلى إزهاق الأرواح وتغييب وجوه المئات من المواطنين كل عام، مع ما تخلفه من آلاف الإصابات الجسدية، والإعاقات البدنية والخسائر المادية الفادحة. وفي الوقت الذي تبذل فيه الجهات الرسمية والمعنية بشؤون السير جهودها للحد من حوادث الطرق، إلا أن هناك فئة مستهترة من السائقين الذين لا يحترمون حق غيرهم باستخدام الطرق بطريقة آمنة إذ يعتبرونها ملكاً خاصا لهم... فيقومون بإيقاف وترك مركباتهم على المسار الأيمن من الشوارع والطرق خارج المدن والقرى، على ضيقها ومع انعدام الإنارة عليها، علما أن هناك مجالا لإبعادها خارج هذه الشوارع والطرق وذلك لإفساح المجال للمركبات الأخرى للسير بأمان...
نتساءل الآن كيف يقبل سائق حافلة أو قاطرة أو مركبة شحن أو مركبة زراعية أو سيارة صالون عادية، إيقافها وتركها على الطرق ذات المسربين، وقد تعطلت مصابيحها الخلفية وخلت من العاكسات الخلفية... أو قل توفرت لكنها مغطاة بالطين والأتربة! لتكون هذه المركبات أو هذه الكتل الحديدية مع حلول الظلام مصائد موت ترتطم بها المركبات القادمة في المسار نفسه... والأغرب من هذا أن يحيط البعض مركباتهم إن كانت معطلة بالحجارة... حرصاً عليها ليكون الحادث المتوقع مضاعفاً والكارثة أضخم مع حلول الظلام... وتصل اللامبالاة ذروتها عند هؤلاء عندما يقومون بترك هذه الحجارة على الشوارع بعد استكمال صيانة مركباتهم، غير آبهين بسلامة غيرهم من المواطنين! المهم مصلحتهم أولاً أما باقي الناس فإلى حيث ألقت رحلها أم قشعم*.
إن استعمال كشافات المركبات ومصابيحها القوية أثناء القيادة بشكل مزاجي وبلا سبب، يشكل خطورة هائلة إذ تنعدم رؤية سائق السيارة المقابلة والمتجه بالمسار المحاذي، فيفقد سيطرته ويضطر إلى الهرب إلى أقصى يمينه والمحصلة حادث مروع!
وفي السياق نفسه، هناك ظاهرة تتكرر على طرقنا، وهي تعطل واحد من المصابيح الأمامية لبعض المركبات حتى يخيل لك من بعيد أنها دراجة بمصباح أمامي واحد... حتى إذا اقتربت منك صدمت من حقيقة حجمها فإذ هي آلية كبيرة، فتـنحبس أنفاسك ويجمد الدم في عروقك!
ولما كان من المتعذر لأسباب فنية ومالية، إنارة كافة الشوارع والطرق خارج المدن والقرى أو في داخلها... فان طلاء خطوط فسفورية في منتصف شوارعها وطرقها سيساعد بلا ريب السائق على معرفة موقعه أثناء قيادته لمركبته، وخصوصاً في المناطق التي تتكرر فيها حوادث السير الدموية، مع أهمية إعادة دراسة وضع الشاخصات على طرقنا وتجديد الكتابة الإرشادية عليها لتفي بالغرض الذي وضعت من أجله.
أما وقد دخلنا فصل الخير بظروفه الجوية المتقلبة، من رياح وعواصف وأمطار وثلج وبرد... فلا يعتلين أحد الموج، ويبيح لنفسه ممارسات تودي بحياة الآخرين متكلاً على فعالية فنجان القهوة المُرّة لحسم الأمور لصالحه، بل عليه أن يلتزم بقواعد وأخلاقيات القيادة السليمة.
إن إيماننا بقدرة القائمين على شؤون السير والدوريات الخارجية، لوقف هذه الانتهاكات وملاحقة أصحابها لا يشوبه شائبة، آملين أن تتضافر جهود الدوائر الرسمية الأخرى ذات العلاقة بما أسلفنا معهم، من أجل سلامة إنساننا الذي هو أعز ما نملك على هذا الثرى الطيب.
**********
*أم قشـعم : ناقة ألقت رحلها في النار فصارت مثلاً !
" في مسألة الدروس الخصوصية "قد يكون أمر إحضار مدرّس خصوصي للأبناء مسألة عادية روتينية تبهج العديد من العائلات وتريحهم من عناء متابعة شؤون أبنائهم الدراسية، وفي نفس الوقت صارت هذه العادة تستهوي الكثير من الطلبة الذين ما عادوا يعيرون انتباهاً أو اهتماماً لشرح المدرس في الصف، متكلين على إمكانيات أهلهم في تأمين مدرس خصوصي لهم ، في ساعات يحددها غالباً الأبناء أنفسهم... لكن ما هو ملفت للانتباه أن حضور هؤلاء الطلبة إلى حصصهم المعتادة في مدارسهم يغدو لونا ًمن الترف والانتفاخ في الغالب على أقرانهم في الصف!
ولكم أشارت بفخر مدارس عديدة أن استيعاب طلبتها للمواد ممتاز جداً، على اعتبار إظهار هذا الأنموذج من الطلبة كعينات لمن شاء أن يفتش أو يتابع أو يسأل... أما حال بقية الطلبة فهم يتقبلون الأمور كما هي فيضاعفون دراستهم على أنفسهم، مستغلين كل دقيقة فراغ ومقدرين أوضاع ذويهم المالية...
انه لمن المؤلم أن يجد بعض المعلمين الحصة هماً عليه يريد أن ينتهي منه... فتراه يتراخى في تقديم واجبه الضميري في العطاء، ووظيفته التي اختارها بنفسه وهي التعليم... ويصل الحد إلى إفساح المجال أمام طلابه أن ثمة بديلاً أو طريقاً آخر لهم "وهو دروس خصوصية بأجر محترم بعد الدوام".
أما السؤال المحير والذي يتطلب جواباً مقنعاً واضحاً لماذا يتغير أداء وأسلوب الأستاذ من على منصة مدرسته التي يعمل فيها بانتظام عن أدائه وأسلوبه في تفهيم المادة و تبسيطها خارج حدود المدرسة، أي خلال جولات الدروس الخصوصية؟
إن إدارة المدرسة التي ترى في أداء معلم ما ضعفاً، وتتلقى شكاوى تؤكد من ذوي الطلبة بأن استيعاب أبنائهم محدود من هذا المعلم ربما لعدم إحاطته بمادته كما يلزم ، يجب أن لا تتأخر أو تتوانى في إيجاد حل أو بديل لإنقاذهم وليس تغطية الأمر بأنه "مدرس جيد ومهذب ومعروف وقديم عندهم" وكأن المسألة بالنسبة لهم تقييم في شأن خطبة أو زواج، متجاهلين أن الأمر يتعلق في كفاءته وأسلوبه وقدرته على التلقين والعطاء!
ما نريد أن نعرفه بكل أمانة هل كل القائمين على تدريس مواد مثل الفيزياء واللغة الإنجليزية والكيمياء وما شابه قادرون بالفعل على إتمام عملهم أم انهم يحتاجون إلى عقد دورات تنشيط وهذا ليس انتقاصاً من مكانة أحد منهم والتي يحترمها الجميع، وأيضاً ما هي أفضل الطرق لنسف نواحي الضعف والسلبية في استيعاب هذه الاختصاصات... وكيف يمكن أن ننشط دامغية الطلاب للتعلم والاستيعاب؟ وهل مكاتب التوجيه والإرشاد النفسي في مدارسنا تقوم بواجبها لمساعدة كل طالب عون وخصوصا ً في مرحلة التوجيهي؟ حيث صار هذا الهم يقض مضاجعنا ويودي بصحة أبنائنا لما يحيط به من حالات خوف ورهبة تنعكس بشكل مباشر سلباً على من يتهيئون لهذه المرحلة مستقبلاً، أم أن أولوية أعمال هذه المكاتب مع بعض الإدارات تنصب على تغيير الزي الرسمي تحت شعار "نيو لوك" وما يتبع ذلك من متطلبات أخرى!
إن المعلم هو المثال الأعلى للطالب فهو قدوته ومرشده ودليله، وإن صورته وسلوكياته وحكاياته تبقى عادة ملازمة للطالب ومطبوعة في ذهنه طول العمر! يصف الناقد المشهور مارون عبود معلمه في مدرسة "تحت السنديانة": كان يجلس على كرسي غضبه، ومن حوله قضبان رمان، وكان علينا أن نقرأ جميعا بحرارة... وما على المعلم إلا أن يراقب أفواهنا ليرى إذا كان فينا من لا يقرأ، وإن ضحك أحدنا ولو في عبه جاء قضيب الرمان يخط في بدنه اللين اثلاما...إن غاية ما نأمل أن يكون التدريس في كل حصة متيناً مفهوماً، بحيث يستوعب فيه الطلاب المنهاج المقرر بيُسر... حتى إذا أقبلت الامتحانات قبض الطلاب على أقلامهم بثقة وراحة ولا تكون أيام الامتحانات حملاً بغيضاً عليهم وعلى من حولهم.
" في أهمية تدقيق تاريخ صلاحية الدواء"
ما أن استلم جليسنا عبوة تحتوي أقراصاً علاجية اعتاد على أخذها لتخفيض ضغط دمه، وكان أحضرها له صديق تطوع لهذه الغاية النبيلة من إحدى الصيدليات، بسبب تعذر الحصول عليها في منطقة سكناه حتى قلبها منقبا باحثا عن تاريخ نفاذ الصلاحية، ولما أعياه ذلك مرر الدواء على أحد الجلساء الذي قرر خلع ورقه بيضاء ألصقت بإحكام على أحد الجوانب مدوناً عليها الثمن بقلم عادي... وكانت الصدمة أن تاريخ انتهاء الصلاحية المثبت من الشركة المنتجة على العبوة قد انقضى منذ ستة شهور! وامتثالا لمشيئة صديقنا صاحب الشأن وبرجاء منه عدم توسيع المسألة إذ توهج الدم في عروقنا، أعيد العلاج مع ملاحظة عتاب قاسية بعدم العبث بأرواح الناس...
في عصرنا هذا حيث يقاس كل شيء بمقياس مادي، من المتوقع حصول ممارسات خطيرة كهذه على صحة الناس من بعض النفوس الملتوية... لكن السؤال المحير إذا كانت مستودعات الأدوية والموردين يتقبلون بصدر رحب إعادة العلاجات قبل انتهاء صلاحيتها، ويصرون على استبدالها حفاظاً على سلامة المواطن وعلى سمعة " الماركة " فلماذا إذاً يحتفظ بها البعض ليصار إلى تسويقها على هذه الشاكلة. وخاصة في المناطق الشعبية أو المزدحمة بالسكان... وما حال المواطنين الساذجين الطيبين الشيب على وجه التحديد والذين يثقون بمن يرتدي الثوب الأبيض... وهل كلهم يجيدون العربية قراءة أو الإنجليزية ليتبينوا صلاحية الأدوية والعقاقير التي يبتاعون.
ومن هنا فإننا نأمل من أصحاب الصيدليات والصيادلة القائمين عليها والذين يقومون بمهمة إنسانية شريفة متابعة وتقصي ما يجري في صيدلياتهم عن طريق الإشراف الشخصي المباشر! لأننا نجزم أن هذه التصرفات غير المسؤولة لا تصلهم... ويستحيل أن يوافقوا عليها مع تقديرنا للمساعدين الملتزمين بأخلاقيات المهنة وهم كثر.
كما أن استبدال الدواء المقيد في الوصفات الطبية بدواء آخر تحت ذرائع، إن الدواء مقطوع أو أنه متوفر ولكن سيتأخر وصوله من المستودع! وإقناع المريض أن البديل طبق الأصل من أجل مكاسب من طرف أو لهامش ربح أعلى يدعمه "بونص" الشركات أو حافز كل ١٢ عليهم كذا المكافأة التشجيعية... يجب أن لا يتم إلا بعد الاتصال مع الطبيب فهو المسؤول عن استبدال الدواء في هذه الحالة والتي تتكرر جهاراً نهاراً.
إن الآثار الجانبية وردات الفعل التي تتركها الأدوية التي ينتهي مفعولها تنعكس بلا شك على أجهزة الجسم الأخرى وهذا الأمر يحتاج إلى مقالات توضيحية من أصحاب الاختصاص، كما أننا نود سماع إرشاداتهم حول طرق حفظ الدواء ومدى تأثير الحرارة والنور والهواء عليه.
وفي السياق نفسه فإننا نناشد اخوتنا الأطباء بضرورة توعية وتنبيه مرضاهم الذين يحضرون من خارج الأردن بضرورة التأكد من تاريخ صلاحية العلاج الذي يتزودون به... وخصوصا انهم يبتاعون مؤونة تكفيهم شهورا عدة ولا ضير في تمرير العلاج على عياداتهم للتأكد من ذلك قبل سفرهم. وإذا كانت ثقة هؤلاء المرضى ببلدنا كبيرة فإننا نأمل تقديم كل المساعدة لهم من لحظة وصولهم ولحين مغادرتهم، والتخفيف عليهم من أعباء المصاريف التي ينفقونها على أشكالها المتنوعة طيلة إقامتهم وذلك بتقديم الأنفع والأسرع لهم... خشية أن تتقلص أعداد القادمين لغايات الاستشفاء، خاصة ونحن نشاهد على التلفاز ونطالع في المجلات العربية أن هناك منافسة كبيرة وحوافز لاستقطاب هؤلاء الاخوة العرب، مع أن الخبرات والإمكانيات الطبية المتاحة في بلدنا تدعو للفخر والاعتزاز ويقل نظيرها في المنطقة.
إن المعنيين بمراقبة الدواء لا يألون جهداً في إجراءاتهم ومتابعاتهم لتأمين الدواء السليم للمواطنين وردع العابثين، على أننا نرى فائدة في القيام بحملة توعية إعلامية في المدارس لتمرر للأهالي حول هذا الأمر... مع توجيه الطلبة لتدقيق صلاحية الأدوية المتوفرة في بيوتهم على اعتبار تمكنهم من فهم اصطلاحاتها، وعدم قدرة ذوي البعض من القراءة ، وعسى أن تكون فكرة ختم الوصفة الطبية الصادرة من الأطباء بـ "تأكدْ من تاريخ الصلاحية " مقبولة وتفيد لاجتــثـاث أي عبث من اجل سلامة مواطننا.
" هل نتفاعل فعلاً مع الأنشطة الثقافية ؟ "
كثر التباكي وعظم التشاكي من القائلين أين وزارة الثقافة وأين أنشطتها، وهل هناك نية لإلغاء هذه الوزارة، حتى يخيل للسامع أن هناك تقصيراً على المستوى الرسمي في المسألة الثقافية وأن الأمور في هذا الشأن تسير على عواهنها.
وللحقيقة نقول لهؤلاء أن وزارة الثقافة موجودة ولا داعي للخوف أو للتظاهر أن الشأن الثقافي يعنيهم أكثر من غيرهم، وإذا كان مسمى " وزير ثقافة " قد غاب فان هناك ناطقاً رسمياً مكلفاً بشؤون الثقافة بمرتبة وزير كما أن وزارة الثقافة تعمل بجد ونشاط ولبرهان ذلك نتوقف على سبيل المثال أمام النشاط الكبير الذي أقامته هذه الوزارة عينها وبرعاية دولة رئيس الوزراء الأفخم إحياءً لذكرى واحد من أصحاب القامات الأدبية والفكرية الفذة هو الأديب الكبير الدكتور إحسان عباس من خلال ندوة استمرت يومين 29-30 حزيران 2004 في المركز الثقافي الملكي وبحضور متميز من أساتذة أردنيين أجّلاء ومن ضيوف علماء لهم وزنهم على الساحة الثقافية العربية من مصر والسعودية ولبنان وتونس وفلسطين أنسنا بثقافتهم الواسعة وحديثهم الطلي وكان وجودهم على أرض الأردن انتصاراً للحركة الثقافية واثراءً لها.
لقد بذلت وزارة الثقافة قصارى طاقاتها لانجاح هذا اللقاء الثقافي الكبير، مع تمكن اللجان التحضيرية والإعلامية والتنفيذية من إنجاز مهامها بكفاءة، ابتداءً من الإعلانات المكثفة في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وانتهاءً بتوزيع مطبوعات لجميع أوراق العمل. مع تقديرنا لحسن اختيار الوقت الملائم لهذه الندوة وهو عطلة الجامعات والمدارس ليتسنى للسادة الأساتذة وطلابهم وجميع أصحاب الاهتمامات الفكرية والأدبية من الحضور والتفاعل والإفادة من أوراق العمل المقدمة في الجلسات الصباحية والمسائية. وقد شملت بحوثاً ودراسات عن النقد والإبداع والتراث والترجمة والنص الجغرافي والتاريخي والأدب في الأردن وفلسطين مع شهادات زملاء إحسان وكيف يثمر الصبر والعزم والإيمان.
ولما كانت الجهات الرسمية لا تألو جهداً في الشأن الثقافي فإننا نتوجه بالسؤال إلى الذين ابتدأنا بهم هذه المقالة والى الناشئة أيضاً من أدبائنا وكتابنا وشعرائنا : لماذا يتغيبون عن الأنشطة الثقافية الفكرية ويكتفون بالنقد والتنظير من بعيد بدلاً من الحضور والتفاعل؟ أم أنهم وصلوا إلى درجة من الامتلاء الثقافي فلا تعوزهم ضرورة لمزيد من المعرفة؟ ويقيني أنهم لو حضروا لوجدوا ما يسدد خطاهم فيما يفكرون ويعلمون ويكتبون، نجيء بهذا الحديث بعد أن شق علينا رؤية مقاعد الندوة الكبيرة مدار البحث وهي أشبه أن تكون خالية وخصوصاً في جلسات العمل. ولا بد أن نشير في السياق نفسه، أننا أصبنا بالذهول لتواجد حضور قليل جداً أثناء عرض مسرحية ابن الحياة وهي تصور حياة الأديب والفنان والشاعر جبران خليل جبران والتي قام بأدائها الفنان والكاتب المسرحي المعروف ميشيل أشقر في المركز الثقافي الملكي وهي من فعاليات مهرجان جرش الثقافي.
ثمة ملاحظة نقدمها لمن يعنيهم الأمر تتعلق بمجموعة مؤلفات تاريخ بلاد الشام والتي جاءت ثمرات لمؤتمرات بلاد الشام التي عقدت في الأردن، وقد تم استردادها من المكتبات لعدم التمكن من بيعها بعد أن تم تسعيرها بأثمان مرتفعة.. عوضاً عن تخفيض أثمانها لما يقارب دينارين إلى ثلاثة دنانير للنسخة الواحدة لتكون في متناول الجميع وتفي بالغرض الذي أنجزت من أجله، حسبما أفادنا غير مرة والأسى يعتصر نفسه الدكتور إحسان عباس رحمه الله مضيفاً أنها نقلت إلى مستودعات غير مهيأة للتخزين. مع تطلعنا لأن ترى هذه المؤلفات الثمينة النور من جديد لأننا نفتخر أنها أنجزت في بلدنا لتكون نبراساًَ للأجيال .
" الـسموم الــمـباحـة... مــتاحـــة " "فاقعة معه... يريد سيجارة!"
يكثر الحديث عن سهولة حصول طلبة المدارس على السجائر "الفرط" أي التي تباع بالسيجارة الواحدة، لرخص ثمنها عليهم من البسطات أو الأكشاك أو المحلات المحاذية لمدارسهم.. حتى إذا تهيأ للواحد منهم ركن منزو داخل المدرسة أو خلف أسوارها أعدم سيجارة بين شفتيه حرقا محلقا بأفكاره مع دخانها المتصاعد ليتجاوز حدود المكان... وإذا تعذر المكان ثبت السيجارة في جوف حقيبته ليتنعم بها عند صاحبه حيث يصر على الدراسة والمراجعة عنده فالجو هادئ ولا من أحد يعكر المزاج!
وتبرز رغبته الملحة في خوض هذه التجربة، ليعرف بنفسه سر تعلق ولي أمره بالسجائر... وهو يريد على أي حال أن يحاكيه ويقلده أليس هو مثله الأعلى... كيف لا وقد رآه يشعل الواحدة تلو الأخرى ... معلناً "فاقعه معي بدي سيجارة، أو ضاربة معي بدي سيجارة، أو هالقعدة ما بتكمل إلا بسيجارة " وحتى عندما تواجهه مشكلة يتصدى لها مبتدءاً الحل بقدح سيجارة !
ومما لا شك فيه أن تركيز هذا النوع من الطلبة على دروسهم داخل الصف أو ما يطلب منهم من واجبات وتحضيرات في بيوتهم... سيتلاشى لانشغال ذهنهم وطاقاتهم الفكرية في كيفية الحصول على سيجارة جديدة للتفاعل معها! هذا من جانب، ومن جانب آخر التفنن في التحايل لابقاء أمر تدخينها خفياً ومستتراً عن معلميهم وأولياء أمورهم.
وفي الوقت الذي يحذر فيه الخبراء إلى أن ٢٠٪ من الدخان المنبعث من سيجارة المدخن أو خمسه، هو من نصيب من حوله... فإننا نعجب من الأزواج الذين يصطحبون علب سجائرهم إلى غرف نومهم حتى إذا تقلب أحدهم على فراشه شاكياً الأرق، استل سيجارة وأشعلها لتنبعث دوائر الدخان فتعلق بالستائر والملابس والمساند وتخترق صدور أطفاله ولا ذنب لهم .. فيحرمهم وأمهم الهواء النقي، مع ما يصاحب ذلك من أمراض ستلاحقهم لامحالة... علماً أننا لا نعفي بعضاً من الأمهات اللواتي يمارسن عادة التدخين وبطرق مماثله مع تحذيرات الأطباء إن كن حوامل!
لقد صارت الأرجيلة ظاهرة منتشرة على نطاق واسع في مجتمعنا ذلك أن الكثيرين يعتبرونها ضرباً من التحضر ومجاراة العصر، وإذا كانت روائح التمباك والمعسل توقد الشهية في الكبار فكم بالحري بالشباب والمراهقين، وقد تفنن الصانعون بمزجها بروائح الفراولة والأناناس والتفاح جذباً لهم... على أن الأمر المؤسف أن يكلف بعض الآباء أو الأمهات فلذات أكبادهم بالشفط بعمق من الارجيلة حتى تتقد نارها ويستقر وضعها لتكون جاهزة لهم، مبتهجين من تمكن أطفالهم من إنجاز هذه المهمة مما يبشر بمستقبل زاهر لهم حسب ما يظنون.
إن طباعة "التدخين ضار بالصحة" على علب السجائر لم يؤثر على انخفاض مبيعات السجائر في العالم، كما إن وضع اللوائح التحذيرية هنا وهناك بمنع التدخين لا يشكل حلاً نهائيا كما يبدو على ارض الواقع ولو أنه أمر دارج عالمياً. إذ أن المدخن يعوض عما فاته في منطقة الحظر حال تجاوزها أضعافاً... إلا أن توقف المدخن عن عادته يعتمد على إرادته وقناعته الشخصية الكاملة بحيث يقوم بقذف السيجارة التي بين أصابعه حالا دون ندم.
في كتاب علمي قيم بعنوان "دنيا المخدرات وعالم الهلوسة" يقول الخبير الصيدلي الكيميائي فؤاد القسوس: إن عملية التدخين إدمان حقيقي فيزيولوجي، ولكنه مقبول اجتماعياً...ويضيف: من المضحك أن نقول للمدخن ارم السيجارة الآن... توقف عن التدخين...إنه يضر بصحتك ويهدر أموالك...هذا النوع من الحديث يثير المدخن ويزيد من قلقه فيزيد من تدخينه وبالتالي سيكره محدثه ويتجنبه فيما بعد... ومن هنا فعلينا أن نواجه عملية التدخين بالعلم ولننظر إليها بالمنظار الحقيقي.
إن غاية ما نرمي إليه هو ضرورة مراقبه سلوكيات أبنائنا الطلبة إنقاذا لهم، فلا تكون شعلة السيجارة الأولى مدخلاً إلى إدمان حقيقي فحاضرهم ومستقبلهم أمر يهمنا جميعا !
وإذا كان حراس وأذنة بعض المدارس قد سهلوا قبل أعوام السبل لحصول الطلبة على السجائر، فإننا نأمل أن تراقب الهيئات التدريسية هذه المسألة مع ملاحظة أية حالات شرود ذهني للطلبة والعمل على تقصي أسبابه لمعالجته مع المختصين الاجتماعيين .
" وقفة في وادي السير"
يذكر لنا التاريخ أن قوماً من العمونيين بقيادة أميرهم " طوبيا " قد استقروا سنة ٣٦٠ ق.م في منطقة وادي السير. كما أن لقصر العبد وعراق الأمير وهو الأمير "طوبيا" في كتب الآثار والتاريخ نصيباً كبيراً، فالتيجان التي تزيـّن الأعمدة الكورنثية في قصر العبد، ورسم الأسد المحفور على حجر من الرخام الأحمر، واللبؤة الضخمة وأشبالها بين قدميها... تبهر وتدهش المشاهد لعظمة الفن وروعته، في هذا الموقع الفريد، الذي ينطق بكبرياء عن حقبة تاريخية هامة من تاريخ المنطقة.
ويذكر لنا لانكستر هاردنج الذي عمل عشرين عاماً مديراً للآثار في الأردن من ١٩٣٦- ١٩٥٦ في كتابه آثار الأردن، أن الكولونيل كوندر الذي ساح في هذه المنطقة عام ١٨٨١كتب يصف هذا الوادي في كتابه هيث وموآب:
"إن المناظر في هذا الوادي، تمثل مفارقة شديدة بالنسبة لمناظر الهضبة السهلية، فالينابيع تجري بين المروج الخضراء... أو تشكل شلالات من فوق المرتفعات الصخرية حيث تنمو شجيرات العليق والسرخس، وحيث تغطي المنحدرات أشجار البلوط الكثيفة حتى تغدو أشبه بغابات إنجلترا."
ولطالما تغنى الشعراء بجمال هذه المدينة وسحر طبيعتها البديعة... ونخص بالذكر شاعر الأردن عرار، وَصِلته بوادي السير يوم كان حاكماً إدارياً عام ١٩٢٣ لذلك القطاع... وبحكم وظيفته عاش مفتوناً بذلك الوادي الساحر، متيماً بغزلانه، فأنشد أجمل قصائده من "ليت الوقوف بوادي السير إجباري" حتى:
يا جيرة البان ليت البان ما كانا ولا عرفنا بوادي السير خلانا
ولكم كنا نزور هذه المواقع الأثرية مروراً بشوارع المدينة ونتهلل بجمالية الأشجار التي تزين جوانبها، إلا أننا أصبنا بالذهول والألم عندما كنا مع كرام أعزاء من أكاديميين وكتـّاب وأصدقاء في وداع العلامة المرحوم الدكتور إحسان عباس حيث كان له نصيب في أن يوارى جثمانه الطاهر في ثراها الطيب. فإذا بالأشجار الرائعة في الشارع الرئيسي والتي كانت تستقبل الزوار بشموخها قد أزيلت... اللهم إلا من شجرة تنتصب وحيدة حزينة ربما غفل عنها من أعدم رفيقاتها!
أما الشوارع فليست حالها على ما يرام، والحاويات التي تستغيث بمن يقوم بطلائها تعترضك وتسد جزءاً كبيراً من الشوارع... وكذلك فإن وقوف السيارات على يمين ويسار الشوارع وإعاقة حركة المرور بشكل ملفت للانتباه أمر يدعو للاستغراب.
والحديقة المجاورة للبلدية "المنطقة سابقاً" والموازية للشارع الرئيسي فإن التفاته إليها تدمع العين، فقد صارت مهملة جداً، أما عن الدوائر الحكومية فقد نقلت جميعها من هذه البلدة الطيبة...
إن وصول الزوار والسيـّاح من كافة أنحاء العالم إلى المواقع الأثرية المشهورة في وادي السير يقتضي مرورهم من خلال شوارعها. فلا طائرات لتحط بهم هناك...
ولا يغِب عن بال أحد، أن كل سائح يتسلح تحت إبطه بكاميرا فيديو ليلتقط ما يراه على طرقنا وشوارعنا قبل أن يصل إلى هدفه... ويطيب له كما نلاحظ أن يتجول في المدن والقرى ليعيش حال أهلها وليوثق رحلته وزيارته لأهله وأصدقائه وربما لإعلام بلده!
" كـل يـُجيـّر الرصيف على هواه "
يُـفترض عليك إن شئت أن تروّح عن نفسك بعد أن أرهقك الجلوس قبالة القنوات الفضائية التي تعمل بالكيبل... أو لقضاء غرض لا مناص من تلبيته بأمر من نصفك الآخر أو من أجل مسالة تتعلق بطبيعة عملك... ماشيا على بعض من أرصفتنا، أن تطأطئ رأسك وتركز عيونك وتحدق في أرضية الرصيف الذي تمشي عليه... ليس انصياعاًُ لامر نصفك الآخر ولا من باب الانحناء على الطريقة اليابانية احتراما لأحد المارة بل من باب الحيطة والحذر لما يحمله الرصيف من مفاجآت وعثرات!
وإن رغبت أن تختبر ذلك بنفسك فما عليك إلا أن تنتعل حذاءً مطاطياً وتبدأ المشوار... قد يستقيم الرصيف أمامك لأمتار وهذا حسن، ولكن سرعان ما تصطدم رجلك بحوض كان محاطاً بالآجُرْ الأحمر... يوم كانت تعيش بداخله شجرة وما عاد لها من وجود! ثم تمشي قليلاً فإذا بالرصيف يرتفع أمامك فجأة على شكل صعود غير محمول، أو على شكل أدراج تفقد المرء توازنه! ثم يُطوى الرصيف وينخفض تحت قدميك، بقرار مالك العقار أو مستأجره تسهيلاً لدخول سيارته أو ما شابه. ولربما تصطدم رجلاك بحاجز قرر من شيده وضع حدود لموقع عمله خشية اعتداءات المجاورين... بروز في الرصيف من هنا وانحسار من هناك، وجذوع أشجار يابسة تنتصب لا فائدة ترجى منها... مع شيء من الطوب أو الحجارة ملقى في بعض الزوايا... رصيف يلامس الشارع على ضفته اليمنى ويرتفع كثيراً عنه على ضفته اليسرى !
أما غابات الأعمدة المزروعة على بعض أرصفتنا، فهي على أشكال متنوعة ومن أراد أن يعمل دراسة عن أحوال الأرصفة وأنواع الأعمدة وأشكال المنصات فما عليه على سبيل المثال إلا أن يمشي صعوداً من شارع الأمير محمد باتجاه الدوار الثالث أو نزولا منه وما يتفرع عنه من شوارع... فمن أعمدة تحمل لوحات إعلانات تجارية، إلى أعمدة تحتضن أجهزة الهواتف التي تعمل على نظام البطاقة، إلى أعمدة تقدم لك أجهزتها كوبونات تمنع عنك مخالفات الوقوف، ومن أعمدة الإشارات الضوئية إلى أعمدة الإنارة والشواخص المرورية، أو أعمدة الهواتف السلكية، أو أعمدة لا تؤدي خدمة بعض منها خاص متوج بمصابيح إنارة لا تعمل! وكيف لنا أن ننسى مظلات وقوف الباصات والتي تحتل جزءاً من هذه الأرصفة لا يتفيأ في ظلها منتظر ولا تتوقف إزاءها حافلة....
أما ما يعترضك في حال مشيك على أرصفة غالبية جبالنا، فهي أجهزة تبريد المثلجات والمرطبات الطولي منها والعرضي والتي تم تثبيتها بعناية بعد أن قرر أصحاب المتاجر والمطاعم قذفها على الرصيف لاتقاء الحرارة الشديدة المنبعثة من محركاتها. ليغلق بعضها الرصيف بشكل واضح عن عمد ربما للفت الانتباه... مما يضطر الماشين كباراً وصغاراً إلى اجتياح الشوارع وتسليم أنفسهم فريسة للسيارات!
أما الأرصفة في وسط البلد فنصيب المارة فيها ضئيل لأنها جزء من تجارة أصحاب المحلات والدخلاء عليهم... فيتوجه المشاة إلى الشوارع أرواحهم على أكفهم يتراقصون حيارى ما بين السيارات والحافلات بشكل درامي...والحديث ينسحب على الكثير الكثير من الأرصفة والتي هي من حق المواطن الماشي... فلا نعرقلنَّ مشيته!!
إن المسؤوليات الملقاة على عاتق أمانة عمان الكبرى جسام مع الأخذ بعين الاعتبار تزايد عدد السكان كما أن الجهود التي تبذل على مستوى المناطق تدعو للاعتزاز ونحن نقدّر أن هناك أولويات فهل نتركهم يعملون لوحدهم أم نمد الأيدي لنكون أمناء معهم في البذل والعطاء لتزدهر عاصمتنا الحبيبة.
تعانقت السواعد في مسيرة ذوي الاحتياجات الخاصة
كانوا يرمقون الحشود بنظرات مؤثرة تخاطب الوجدان وتهز أوتار القلوب…ومن خلفهم تعانقت سواعد رجال الدين الإسلامي والمسيحي، يتوسطهم مندوب سمو كبير الأمناء، محافظ الزرقاء. إذ كانوا كتفا إلى كتف يدفعون وقد انـْحـَنـَوا المقاعد والعربات المتحركة، التي احتضنت مجموعة من أبناء وبنات بلدنا الطيب من أصحاب الاحتياجات الخاصة ممن شاءت الأقدار الصمدانية أن تفتقدهم وتختبرهم فكان أن كتبت لهم الحياة في سفرها هذه الحال... وكأني بهم يحدّثون أنفسهم وقد استولى عليهم السرور والأمل، وانحسر الهم واليأس : حقا الدنيا بخير... وبلدنا بألف خير.
إنها مسيرة الخير والمحبة، لمركز سيدة السلام لذوي الاحتياجات الخاصة فرع الزرقاء، والتي انطلقت انعكاساً لروح الأخوة صبيحة يوم ٩/٥/ ٢٠٠٥من مسجد أبى بكر الصديق "مسجد الشيشان" في وسط مدينة الزرقاء إلى كنيسة اللاتين. في رسالة حية تنم عن روح المحبة والتعايش بين أبناء الأسرة الأردنية الواحدة، وفي هذا ما يعبّر حقيقة عن تماسك نسيجنا الوطني ولحمتنا وأصالتنا... كما أنه يـُري الأمَم صورة تآلف وتعاضد أبناء هذا الحمى العربي الأصيل في أبهى حلله.
ومع إيقاعات الأناشيد الوطنية والأهازيج القومية التي رافقت المسيرة عبر شوارع ودروب الزرقاء، كان هدير الجموع الغفيرة من الفعاليات الرسمية والشعبية والطلابية والذين تنادوا اخوة يتساندون وقد شملهم الفرح لهذا المهرجان الاحتفالي الإنساني المعبر، ولسان حالهم: نحن معكم في الألم الذي تعيشون، نحن بجانبكم حتى تبلغوا ملء حياتكم، فحياتكم تعنينا ولها قيمة.
وعلى قاعدة الحكمة الأزلية "احملوا بعضكم أحمال البعض الآخر بمحبة، وهكذا تحققون شريعة خالق الكون جلّ جلاله" يوجه من ساحة الاحتفال المبادر بإنشاء مراكز سيدة السلام لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة على أرض وطننا الحبيب، الأسقف الأردني الدكتور سليم الصائغ نداءً بأن تنطلق من كنائس ومساجد الأردن الدعوات إلى من أنعم الله عليهم بخيراته، لدعم أصحاب الحاجات الخاصة ليتمكنوا من مواجهة الحياة بحماسة وثقة، وأن يسعوا بكل طاقاتهم لبناء جسور تواصل معهم ودمجهم في المجتمع فهم عناصر قادرة على الإنتاج والعطاء، ليعيشوا سعداء آمنين.
ويطلب في الوقت عينه سماحة مدير أوقاف محافظة الزرقاء من أبناء الأردن الأوفياء، أن يحيطوا ذوي الاحتياجات الخاصة بمحبتهم وعطفهم وأن يعاملوهم بالحسنى، وأن يعيدوا لهم ثقتهم بأنفسهم ليعيشوا بأنـفة وعـزة... مشيراً إلى أنه لا يجوز اعتبار ما يقدم لهم على أساس الشفقة بل هو مكافأة على صبرهم وإيمانهم.
انه انتصار المحبة، المحبة التي هي انطلاق المرء خارج ذاته ليعيش مع الآخرين... هكذا نفهم أردننا، الأردن الذي يرى في خدمة انسانه وخصوصا الأكثر تألما وجلب السعادة له انتصاراً وربحا.ً
ولما كانت هذه المسيرة الخيرة بأهدافها النبيلة تساند جهود الحكومة في دعمها ومساندتها لذوي الاحتياجات الخاصة في الحاضرة والريف والبادية، مستنيرة بالتوجيهات السامية الداعية إلى تقديم الخدمة الأجدى لهم ليعيشوا بكرامة، فإننا نتطلع إلى مساهمة شرائح المجتمع كله واستنفار الهمم لرفع معنوياتهم، بإيجاد فرص عمل ملائمة لهم ليحققوا لأنفسهم حياة مكللة بالمجد والبهاء، كما ونأمل أن تتسارع المبادرات الفردية بعقد صداقة مع هذه الفئة الطيبة، الصداقة المتمثلة بأن لا يشيح أحد ببصره عنهم، وأن يجعل من جرحهم جرحه، فلا سعادة في ذي الدنيا تضارع سعادة فاعل الخير.
**********
يـقـول الفـيـلسـوف الفـرنسـي بـسـكال : " إن كـل ما يـأتي بـه البـشـر مـن عـمـل أو حـركـة لا يـضـاهي فـعـل مـحـبـة! "
" لطفاً ممنوع التدخين إلا في الكوستر"
إذا دعتك الضرورة وما أكثر ما تدعو... إلى الصعود لإحدى الحافلات المتوسطة الحمولة أي "الكوستر" قاصداً السلط أو صويلح أو البقعة أو أبو نصير، وهو ما يطلق عليه خط العبدلي فستصاب بالذهول وستسري في بدنـك قشعريرة مع عوارض أخرى يصعب تشخيصها!
عندما تدخل الباص تصطدم عيناك بلوحة " لطفاً ممنوع التدخين" فيرقص قلبك داخل ضلوعك ابتهاجاً... ولكن ما أن ينطلق الباص قليلا ً حتى يشعل السائق وهو قدوة الركاب سيجارته، ليتبعه معاونه لشؤون التنظيم والتحصيل "الكنترول" مستعيناً بسيجارة الأول ليعطي سيجارته شعلتها! ويتحمس أمام هذا الموقف الجريء بعض الركاب وقد وصلتهم سحب الدخان لتعطيهم رخصة في انتهاج المنهج نفسه وقد دغدغت أنوفهم رائحة السم الطيار... فيبدأ السعال من هنا والعطس من هناك كيف لا والشبابيك موصدة اجتناباً للبرد... مع استغاثة لا تصل إلى مسامع السائق بالتوقف، لكي ينزل أحدهم وخاصة قرب موقع يبتغيه فينزله في موقع أبعد كثيراً! فعقله مشغولٌ بأصوات الأغاني الصاخبة التي تصم الآذان... ربما يخاطب من خلال ترديد بعض كلماتها بعضاً من الفتيات في صعودهن ترحيباً أو نزولهن وداعاً... فيشوش هذا الطرب الرخيص تركيز الطلبة الذين سهروا الليل كله وهاهم في طريقهم إلى امتحاناتهم ليدونوّا على الورق أجوبة اختلطت مع ما علق في ذهنهم مما أتحفهم به السائق!
ولما كانت السيجارة في شوق إلى فنجان من القهوة أو الشاي والأمر متيسر على الطريق... ووقت الركاب ليس أمراً مهماً بالنسبة له... فان التوقف أمر مرغوب فيه ليقبض على الكوب في يمينه يحيي من خلاله سائقين آخرين على الخط متهللا ً، وإذا ما رجوته أن لديك عملا ً أو محاضرة، انتفض ومال في المركبة إلى يمين الشارع صارخا ً "إذا مش عاجبك خذ تكسي" ويتأهب "الكنترول" انتصاراً لمعلمه، مكوماً قبضته ليضرب دفاعا ً إن اقتضى الأمر!
كما أن مشهد الفتيات، وقد حُشرن تكمش واحدتهن بعضها على بعضها لامتلاء الباص وإصرار السائق على أخذ المزيد خلال رحلته كأمرٍ يُجيزه... مع شيفرة مستخدمة مع معاونه مثل "على راسي" و "يا كبير" واصطلاحات أخرى يصعب أو يفضّـل عدم فك رموزها كونها تخدش الحياء! وإذا ما لاحظ أو وصلته إشارة من سائق على شاكلته عن وجود دورية قريبة... أمر الركاب الواقفين بطأطأة الرؤوس فيطيعون!
إن صمت الركاب على هذه الممارسات من بعض السائقين على هذا الخط وعلى خطوط أخرى معروفة يشكل تشجيعاً ضمنياً ومباركة للمزيد من التمادي في العبثية وعناوينها المختلفة وهي أكبر بكثير مما أسلفنا! كما أننا نوصي والحالُ هذا بأن لا ينشب اشتباك داخل هذه الحافلات بل نريد من الركاب في حال حصول سلوكيات خاطئة رصدها وتمريرها للجهات الأمنية ونحن على يقين أنها ستعالج بكل جدية وأمانة وسرية.
وإننا لنأمل من عطوفة مدير الأمن العام الأكرم، ونحن نقدر حجم الأثقال والمسؤوليات الجسام الملقاة على عاتق هذا الجهاز الوفي الأمين على مصلحة الوطن والمواطن، أن تتم معالجة هذه السلبيات وكشف المستهترين وتأديبهم ليبقى وجه أردننا وكما نريده جميعنا ناصعاً نقيا.