"يحدث في بعض من المخابز..."

  مع قناعتنا المطلقة أن دقيق القمح المقدم من الجهات الرسمية للمخابز هو من أفضل النوعيات المتعارف عليها دولياً، ومع الاهتمام البالغ الذي توليه الدوائر المكلفة بمراقبة أعمال المخابز ليصل رغيف الخبز للمواطن أينما حل نقياً صحياً في أحسن حال. إلا أنه من الملاحظ أن الكثير من الأفران لا تمنح رغيف الخبز حقه الكامل من النضج... فترى أجزاء منه عجيناً لم تدركه النار، ولعل في حسابات البعض أن مكاسبَ تتحقق من ثقل وزن الرغيف بسبب مكوث الماء في عجينه، وأيضاً تقليصاً لفاتورة الطاقة التشغيلية الحرارية!

والحال ينسحب على الخبز المعبأ سلفاً بأشكاله المتنوعة في أكياس بلاستيكية حرصاً على وقت المواطن... من المستدير الممدود الكماج، والمقطع شرحات "توست" وخبز الحمام وخبز "الهمبرغر". وقد اعتبر بعض أصحاب المخابز أن مجرد لفت انتباههم لخطورة هذه المسألة يشكل تدخلاً سافراً في آليات العمل بمخابزهم، على اعتبار أنهم يصنعون الخبز حسب درجة حرارة معينة لا تقبل الجدل مع قولهم بحدة "هذا شغلنا في بدل الفرن ألف... اخبزوا في بيوتكم... "

لكنك إذا ذهبت إلى المخابز المنتشرة خارج المدن، في الريف والقرى... لتشدك والحق يقال رائحة رغيف الخبز الناضج وجودة نوعيته، حتى لتحسب أنك في جولة بين سنابل القمح فتتمنى على نفسك أن تجاور هذه المخابز.

ولما كان الفم يستقبل لقمة الخبز كما خرجت من الفرن دون إعادة خبز أو طهي ليوردها إلى المعدة... فإننا نستغرب عدم استخدام عمال المخابز للقفازات أثناء وزن الخبز أو تعبئته في أكياس، وأيضاً عدم ارتداء المراييل البيضاء حسب التعليمات الرسمية. كما أنه سلوك غير حضاري أن يخرج عامل الفرن من إحدى الزوايا الجانبية أو غُـرفٍ "يُمْنعُ الدنو منها لغير العاملين"، ليعبئ بيديه العاريتين أرغفة الخبز، أو يكمش الكعك على الطريقة نفسها! والأمّـر من هذا أن يقوم موظف القبض وقد امتزج عرق يديه بالعملات المعدنية والورقية في درجه، بوزن الخبز وتعبئته، والكل يعلم خطورة هذه الممارسة!    

ويبلغ الاستهتار أشده عندما تلف مناقيش الزعتر والجبن والبيض وهي ساخنة جداً بأوراق الجرائد التي يتم جلبها من أي مكان... لتتكدس في العديد من المخابز لنشاطات أيام العطل حيث يكثر الطلب على هذه الوجبات الشعبية. كما أننا لا نرى أحداً من الخبازين يستخدم القفازات أثناء مد العجين وعمل حفر وأخاديد عليه لوضع الزعتر والجبن والبيض، بل يفعل ذلك بغرز أصابع يديه بكل قوة مدعياً أن النار تطهر كل شيء!

وإذا كنا أكدنا في مطلع هذا المقال أن الجهات الرسمية لا تألو جهداً في مراقبة عمل المخابز، فإننا نفهم أنه من المتعذر أن تـجنـد مراقباً لكل فرن على مدار الساعة، ومن هنا فإننا نتطلع إلى تحريك الضمير وتفعيله والإصغاء له... بالقيام بمراقبة ذاتية لكل كبيرة وصغيرة تجري في المخابز من أصحابها مباشرة والعاملين فيها، من لحظة تخزين الدقيق إلى عجنه إلى خبزه، ولغاية تسليمه ليد المستهلك. ولا ضير في أن يتم تفقد تنكات المياه على أسطح الأفران والتأكد من مصدر المياه التي تورد بالصهاريج لها. علما أن ما   يضخ من مياه الشبكة الرئيسية هو ماء نقي عالي الجودة.

إن امتناع أغلب المخابز عن بيع خبز الكماج الكبير والاكتفاء ببيع خبز الكماج الصغير الأغلى سعراً مسألة تقتضي ملاحقة...علماً أن بعض المخابز تضع للتمويه بعض ربطات باردة وجافة تحت "الكاونتر" ليرفضها العميل ويمتثل لرغبتهم بشراء الكماج الصغير الحجم...مضافاً إلى هذا الامتناع عن صناعة خبز الكماج الأسود القمح كما يسمى في الأوقات كلها...

وختاماً نشد على سواعد العاملين الأمناء يَرفـَضّ جبينهم عرقاً في هذه المهنة الشريفة. مثمنين خدماتهم الجُلّى وتغليبهم المصلحة العامة على المصلحة الفردية في تقديم رغيف مستوفٍ شروط النضج ومستكمل الشروط الصحية، وفي هذا ترجمة حقيقية لروح المواطنة الصالحة!
 

horizontal rule

 

"وجهة نظر في مسألة الحج إلى المغطس"

قبل أكثر من ثلاثين عاماً وبعد جهود مضنية ومساعٍ حثيثة، كان لمبادرة رجال أوفياء بأن توحد الطوائف المسيحية في الأردن أيام أعيادها التوفيق والنجاح... وقد دعم هذه المبادرة وساندها كافة رجال الدين الذين ارتأوا في ذلك تحقيقاً لأمنيات عذاب لطالما راودتهم. وكان لهذا الاتفاق الجريء صدى في الشرق الـعربي بأجمعه، إكباراً  لروح  التـفاني والإيثار ووضع المصلحة العامة فوق أي مصلحة أخرى وهذه شيمة انساننا الأردني، وقد اسـتوعب وتفهم التحديات التي تواجه الكنائس المختلفة... وللمحافظة على تراثها وتقاليدها الروحية في عالم اليوم.

لقد كان تعدد الطوائف ثمرة أحداث تاريخية جرت في القرون الغابرة، وما كانت تعني انشقاقاً أو انقساماً، كونها تجتمع تحت مظلة قانون الإيمان الواحد...بل تعني تعدداً في الطقوس والرئاسات. 

إن الكنيسة في الأردن ليست مؤسسة روحية أو تعليمية  لخدمة رعاياها فحسب بل لـخدمة أبـناء بلدنا الطيب وهذا ما نـعـتز بـه، ذلك أنهم جزء لا يتجزأ من تراب هذا الوطن يساهمون في خدمة  المجتمع  على كافة الأصعدة، وهم في وحدة بالرغم من اختلاف الطوائف ووسائل التعبير الطـقــسّية. 

لقد توج قداسة البابا يوحنا بولس الثاني محبته لأردننا وقيادته الهاشمية الشجاعة، باختياره كاهناً يحمل غيرة واعتزازاً بعروبته مع صفات الحكمة والتواضع، من كنيسة قديمة عريقة تقع في قلب عمان وتحديداً في أول طلوع المصـدار من منطقة شعبية نابضة بالحياة، ليكون بطريـركاً على أبـرشية القدس والتي تضم الأردن وفلسطين وقبرص. إنه البطريرك ميشيل الصباح والذي حال تسلمه موقعه حث على تمسك الإنسان بأرضه وعارض كل من تسول له نفسه التفكير في الهجرة من وطنه وتحت أية ضغوط أو اغراءات. وجاءت زيارة قداسته لموقع المغطس على أرضنا الأردنية تأكيداً للدنيا ولكل راغب في الحج الى هذا الموقع... أنه الموقع الصحيح للعماد المقدس قاطعاً على كل مشكك التفكير في موقع آخر! 

وفي الوقت الذي جرت فيه احتفالات الحج إلى المغطس، وإقامة الشعائر الدينية على ضفاف الأردن في هذه البقعة المحظوظة بالإشراق الروحي، فإننا نجد أن هناك تباعداً في تواريخ الاحتفالات والحج إلى المغطس على ثلاث دفعات،مما  يشكل ضرباً من التباين في وجهات النظر كان الأجدر أن تكون في وقت واحد ولكافة الطوائف...

وإذا كان الرد أن تقسيم الحج قد تم  كيلا يكون هناك اكتظاظ، فإننا نستطيع أن نؤكد أن الجهات المعنية الرسمية والروحية  قادرة على إدارة وتنظيم هذه الاحتفالات وبكل دقة. وهذا أمر غير شائك مع توفر كفاءات الآباء لمراسم كهذه فتكون الصورة للعالم أجمع أجمل... فتحمل في مضامينها قدسية وروحانية أسمى وتوفر في الوقت نفسه على الأجهزة المعنية ما يترتب من مسؤوليات ومهام.                

   وأننا لنأمل من الرؤساء الروحيين وعلى ضوء تجربة الحج هذه، تعيين هيئة إعلامية موحدة وناطق رسمي يتفق على تسميته الجميع ليكون قناة اتصال مع الجهات الرسمية ولا يكون هذا الأمر من اختصاص جهة بعينها دون مباركة الجميع.

   أما وقد وصل الآباء إلى درجات علمية متقدمة فمنهم حملة الدكتوراه في اللاهوت والحقوق والإدارة واللغات وعلم النفس وعلم الأديان، ويحملون مخزوناً ثقافياً وفكرياً واسعاً فإننا نحثهم على أن يكون تفاعلهم أعم وأشمل في جو التضامن والتكافل والتسامح الذي نعيشه على تراب هذا الوطن الأعز، "كما ينتظر من الكنائس وعلى الصعيد الفكري أن تقوم بدور ثقافي رائد، فتبرز إلى النور كنوز مكتباتها من وثائق ومخطوطات وكتب، خاصة مخطوطات الأدب المسيحي العربي فترفد المكتبه العربية بفرائد هذا الأدب وتخدم تاريخ الشرق وتسهم في رسم معالمه الصحيحة." كما يذكر الأب د. حنا كلداني في كتاب المسيحية المعاصرة في الأردن وفلسطين.

horizontal rule

 

من باب الحسن البصري الى باب " نـو... موجود! "

 قرع رجل الباب على الحسن البصري وقال: " يا أبو السعيد "  فلم يجبه، فقال: "يا أبي سعيد!" فقال له الحسن البصري: "قل الثالثة -أي يا أبا سعيد- وادخل".

لكن إن قرعت باب واحد من أصدقائك هذه الأيام، تصدى لك صوت مديرة المنزل الآسيوية... قائلة: "نو... موجود!" قبل أن تفتح فمك بالسؤال...لتعود أدراجك إلى بيتك، تنفض يديك نادباً راثياً ما آل إليه حال صديقك، وأنت من خـَبـِـرَهُ طفولة ً وحداثة ً وشبابا...

وإن هاتفت صديقاً آخر في وقت ملائم...على منزله لتطمئن عليه، وقد أعياك الاتصال به على هاتفه النقال...إذ أنه وكما اكتشفت فيما بعد أغلقه مترفعاً عن أصدقائه علماً انهم لا ينشدون في اتصالهم عوناً منه بتاتاً... رفعت السماعة القائمة بأعمال المنزل وهي صبية من بلاد سيلان، لتنهرك قائلة: "بابا نايمة... مين إنتي؟" فيتوقف الكلام في حنجرتك على أنك تـُحدِّث أعماقك "هاي الدنيا خربانه..."  وتنظر بعدها الى دار هذا الصديق نظرة وداع قائلاً حسبي الله ونعم الوكيل.

على أنك أن تخطيتَ عتبةَ منزلِ صديقٍ ثالث وما كنت تزوره لأكثر من مرة أو مرتين في العام في المناسبات الضرورية! تشعر حال جلوسك أنك في بيت غـربـي... فلغة التخاطب نصفها عربي مكسّر. فربة البيت تصدر  أوامرها لخادمتها "برنج جوس..." وما إن تحضر كؤوس العصير حتى تأمرها "بابا فيرست..." وما هي الا منتصبة أمامك قائلة: "تفضلي..." فتعدل جلستك، وتتحسس شاربك، وتقبض على ربطة قميصك لتشـدّها الى عنقك، ومن ثم تتناول الكأس شاكراً هذا التكريم! وما هي إلا دقائق حتى تصدر أمرها مجدداً "برنج كوفي..." إلا أنك تصحو من سكرتك...حال اقترابها تعيد الكلمة إياها...ودون أن تدري تزأر بوجهها "نو..." لتسقط الصينية من يدها... فتأسف إذ ما ذنب هذه المسكينة التي اقحموها لمواقف كهذه! على أن ربة البيت تخفف من وطأة الحادث قائلة "نو بروبليم...".

وبين العصير والقهوة تترنـّح الكلمات: لزوجها "دارلنغ"... ولخادمتها "ميلك فور بيبي..." "جو سليب بيبي..." وصاحب الدار يُـطعِّـم حديثه بالكلمات الأجنبية، والمتوفر عوضاً عنها الشيء الكثير من لغة أجداده وجَـدّاتـِه... فيلوي لسانه "كنا في الكوفي شوب..." أو "مَسِجْ جود نيوز..." وموصياً ولده وهو في حرارة مراهقته إذ همّ بمغادرة المنزل للسهر كي يتعلم الرجولة في الشوارع "تيك كير بابي.. واعمل مِسد كول عند وصولك لأحبابك!" وغير هذا من ألوان الكلام، مما يتفـتـق عن فم زوجته في مخاطبتها لحـَرَمِك... والأخيرة صامتة تسلط نظراتها عليك بما معناه هلم نخرج! وقبل أن تغادر حالفاً أغلظ الإيمان في أعماقك أن لا تكرر الزيارة... تحملق في الجدران فإذا هي بيضاء ناصعة ليس للحبر عليها من أثر*!

ان اللغة العربية من أرقى وأغنى لغات العالم، وهي نظام كامل متكامل لتضمنها كل أدوات التعبير، وكلنا يعلم أن إتقان اللغة العربية كان هاجس الآباء والأجداد. على أننا اذا نظرنا نظرة فاحص متمعن لما آلت إليه على يد العينات التي أسلفنا ممن لا يبالون ولا يرعوون، نتوجع ونضع أيدينا على قلوبنا لما سيؤول له الوضع في المستقبل.

إن تمسكنا بلغة أجدادنا لا يعني انعزالاً عن العالم، فالأمم الناهضة تتمسك بلغاتها وخير دليل على ذلك أن أوروبا عندما عكفت على اقتباس علوم العرب يوم كانت اللغة العربية خزانة العلم لم تهمل لغة أوطانها والتي كانت آنذاك تتولد من اللاتينية واليونانيةِ. ان غاية ما نريد، أن لا يتباهى أحد بجهله اللغة العربية أو التراقص بغنج ودلال أثناء لفظها، أو أن يطعم أحاديثه حيثما كان بكلمات أجنبية من باب الشعور بالعظمة، ليتفوّق الدخيل على الأصيل.

 

يعلمنا التراث العظيم أن المنصور عندما مات ابنه طلب من ينشده "أمن المنون وَرَيـْبـِهـا تتوجع..." فلم يجد في حاشيته من يعرفها فقال: إن مصيبتي بابني أهون علي من هذه المصيبة...**"

 *****************

   *ذات مرة طلب الشيخ ناصيف اليازجي من إحدى كريماته أن تأتيه بقنينة الحبر، فجاءته بها قائلة: "هاك القــَنينة يا أبي" (ولفظت القنينة بفتح القاف) ولما كان اليازجي يصر على أن تلفظ العربية في بيته صحيحة، صاح بابنته: "اكسريها" فما كان من الصبية إلا أن ضربت بالقنينة عرض الحائط فكسرتها!

*****************

   **هذا الشعر لأبو ذؤيب الهذلي:

 أمـِــن الـمـنون وَرَيْـبـها تتوجعُ      والدهرُ ليس بمعتب ٍ من يجزعُ

وإذا الـمـنية أنـشـبـَت أظـفـارها      ألـفـيـتَ كــل تـمـيمـةٍ لا تـنـفـعُ

horizontal rule

 

" المناصب تذهب ويبقى الوطن "

 من الممكن أن يمتثل أو يرضخ شخص ما  لضغط معين، من أجل تسليك وتمرير معاملة تتعلق بمشروع على الرغم من أن الدراسات كشفت عدم جدواه وأن لا فائدة ترجى منه، من أجل منافع لهذا الطرف أو ذاك طمعاً في منصب أرفع كمكافأة... ودون تحسب أو تعقل أو احتكام لصوت الضمير...

حتى إذا رأى المشروع النور وثبت فشله وبانت الأمور على حقيقتها في نهاية الأمر على ضوء القاعدة "أن لا خفي إلا وسيعلن" صارت الاضطرابات النفسية والجسدية تطارده وابتدأ يقضم بأسنانه أصابع يده اليمنى التي ساندت ووقعت... وتردت أحواله أكثر، إذ كلما رن جرس هاتفه أو قرع أحد باب بيته أو اشتم  أن  قضية بها عبث تجهز أوراقها على نار هادئة... تمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه أو يختطفه الموت فيُبكى عليه بدلاً من أن يـُشمت أو يُسخر منه!

أما من أشار عليه ترغيباً المضي في معاملة المشروع، فتراه يتنصل من معرفته وينكر أي صلة به فلا هاتفاً يستقبل ولا باباً يفتح... ثم أين القرائن والبراهين على تدخله اللهم إلا ما تخفيه الصدور وصحائف القلوب.

كذلك يحدث أن يتصل شخص ذو موقع مهم بأحد مسؤولي الدوائر، ويلزمه بتعيين ابنٍ لأحدِ أصدقائه مادحاً صديقه وبصماته في المجتمع طبعاً حسب تقييمه! ومتناسياً أن ابن هذا الصديق موديل آخر من الناس، ومؤهلاته تكاد لا تتجاوز ما خلفه له والده! فإما أن يكون هذا المسؤول إنساناً منتمياً ورجلا بحق ويقول: أن كان هو الأفضل فلك ذلك... ولكن كيف لي أن أتجاهل أسماء عندي على درجة ممتازة من الكفاءة والخبرة واتبع رغبتك، مع ما ينطوي عليه هذا الجواب من محاذير اقتلاعه من وظيفته!

كما يحدث أن يستدعي مدير مؤسسة أحد مدراء الأقسام عنده، ويعلمه أن فلانا سيأتيه ليقدم طلباً للعمل، وان هناك حاجة ماسة له تقتضيها أجندة التطوير وعليه أن ينسب ذلك "وبدنا نمشيه... ولا داعي لأن يعرف الطير الطاير أنني وراء هذا الأمر" وهكذا ينساب الطلب انسياباً، ويجلس فلان ابن فلان وراء مكتبه وقد بسم له الحظ المفروض فرضاً... ويبدأ بممارسة الهيمنه والنفوذ على زملائه والمشاغبة لتفتيت الانسجام والتناغم  بينهم وخرق الأنظمة والتعليمات، مع تحويل مكتبه إلى مضافة لأمثاله يمضون فيها أوقاتاً للسواليف.  ويبدأ الهمس "ترى هذا مدعوم ومش ناقصنا" وأمام تقزم من حوله يستأسد عليهم أكثر، فتراهم يلتفون حوله طمعا في أن يمرر عنهم أخبارا طيبة فينالون ترقية من المدير الذي صار الحلم بمركز أعظم يشله ويعميه ويصمه عن رؤية ما يجري في داخل مؤسسته!         

أما ما يوجع القلب، فهو أن البعض يتوهمون انهم يدعمون قراراتهم سواءً في التعيينات أم في التنقلات بالقول: "أن الجماعة اللي فوق يريدون كذا أو أن جهة معينة أشارت كذا." وذلك لبتر أية أحاديث أو تقولات حول إجراءاتهم الناجمة عن رؤية نفعية أحادية مرتجلة، ذلك أن أية جهة يعززون بها ادعاءاتهم أسمى و أنبل من أن يتم إقحامها في ممارسات وحركات كهذه.

وإذا كانت المناصب تذهب ويبقى الوطن... فإننا نأمل أن يطرح كل إنسان على نفسه هذا السؤال هل الإجراء الذي أقوم به ناجم عن قناعتي الكاملة، وسيستريح له ضميري مستقبلاً ولن يتحمل أبنائي وزراً فيما بعد... ولا  يضرسون إن أكلت أنا حصرماً.

سئل حكيم: كيف لي أن اعرف إن كنت قد فعلت خطأ في نهاري ؟ فأجاب: أن وضعت رأسك على الوسادة لتنام واهتزت من تحت رأسك فاعلم انك قد فعلت...أما إن نمت نوماً هادئاً فما فعلت!

وأضيف: إلا من ألقى في جوفه أقراصاً منومة تذهب عنه الأرق... ولكن إلى حين!

**********

كان شيخ يدور في المجالس ويقول: " من سرّه أن تدوم له العافية فليتق الله عزّ وجـل ! " .
 

horizontal rule

 

" لزوم ما لا يلزم في حفلات التخرج "

ومش عاجبك شوف مدرسة ثانية...

 في غمرة احتفالات المدارس بتخريج الطلبة وأمام التضارب الموجع بين الاحتياجات البيتية الملحة وضآلة الإمكانيات المتوفرة، فان أغلب مدارسنا ما زالت تصر على إقامة المراسم الكبيرة بمناسبة نهاية العام الدراسي حتى شملت العدوى البستان والتمهيدي وصفوفاً أخرى حسب المزاج وصولاً للتوجيهي والأكاديمي .

هذا الوضع الذي نقف عليه شهوداً كل عام، يلزم ولي أمر الطالب محدود الدخل أو الفقير لاختزال غذائه ودوائه ويهرع لتأمين بطاقة الحفل ومستلزماته، والذي يقام عادة في فندق أو صالة ليكفكف دموع فلذة كبده، وقد انزوى جانباً يبكي عسر حال والده إذ رأى أقرانه يبالغون في شراء لزوم ما لا يلزم.

أما عن التدريب والإعداد لهذه الاحتفالات في مدارسنا، وما تتضمنه من أعباء مادية كبيرة، مثل عمل الديكورات وتحديث الإنارة، وتركيب أجهزة تسجيل حديثة، وتفصيل الملابس اللازمة للمسرحيات، واستئجار الكنبات الفاخرة لحاملي البطاقات البيضاء، والكراسي البلاستيكية لحاملي الألوان الأخرى... وطباعة وعمل اليافطات، وشراء الدروع والهدايا، وتأمين العصير والقهوة والشوكولاته الفاخرة، وعقد الاتفاقيات مع مصوري الفيديو والفوتوغراف لكسب نسبة معقولة على كل صورة أو شريط فيديو... فإن الأجدى أن تنفق على جوانب أخرى من ضروريات هذه المدارس، مثل تبديل أدراج محطمة، أو طلاء جدران مشوهة، أو تصليح زجاج مكسور، أو صيانة المرافق الصحية، أو تبديل تنكات المياه المتآكلة، أو صيانة البلاط والأسوار... أو حتى شراء بعض من الصوبات لكبح جماح برد الشتاء!

إنه لأمر غير منطقي أن يتم نسف حصص كاملة، من أجل إتقان الدبكات والسحجات والغناء، حيث يعود الطلبة لمتابعة حصصهم الأخرى ورؤوسهم كالطبول لا تستوعب شيئاً... ولا ننسى التدرب على المسرحيات وعمل  "البروفات"  تحت الشمس اللاهبة في كيفية الترحيب بالضيف المحتفى به، وما يواكب ذلك من التكريم والتعظيم اللازم لرؤساء الهيئات الإدارية نيلاً للرضى، وللكوادر التدريسية ومجالس الآباء والحضور الكرام... من خلال الكلمات الرنانة واطلاق الخيال عن الإنجازات والطموحات ومستوى الطلبة وكفاءاتهم...

أما معاناة أولياء الأمور في نقل أبنائهم لامتداد فترات التدريب لما بعد الدوام أو أيام العطل، فهذا أمر لا يشغل بال إدارات هذه المدارس! المهم بالنسبة لهم تبييض الوجه أمام الضيوف، وتسويق المدارس على أساس مكانة راعي الاحتفال... والمصيبة أيها القارئ الكريم أنه في كثير من الحالات وحال ظهور نتائج الثانوية العامة ولارتفاع نسبة الراسبين، يخفي القائمون على هذه المدارس دموعهم بأيدٍ يسترون بها وجوههم خجلاً!

إن التدرب على الأشغال اليدوية من أجل إقامة المعارض الفنية أمر محبب، لكنه في معظم الوقت يكون على حساب الوقت المخصص للمناهج المقررة أو من أوقات الدراسة في المنزل. حتى تضطر الأمهات لإنجاز هذه الأشغال على مضض عوضاً عن أبنائهم، لإفساح المجال لهم لمتابعة ومراجعة دروسهم... مع الإشارة إلى أن تكاليف المستلزمات المطلوبة لهذه الأشغال تكون على أولياء الأمور... كان الله في عونهم!

وحين تنفق مدارسنا وقتاً على ما أسلفنا من اهتمامات فإننا لا نعجب من تهافت الطلبة على المعاهد أو على المدرّسين الخصوصيين.لكن مخطئ من يظن أن كل الآباء يعيشون في صالونات دافئة في سعة وبحبوحة ويتمكنون من دفع ما تتطلبه هذه الدراسة مع تقززنا من اصطلاحات تطلق في حال أية شكوى أو ملاحظة مثل " مش عاجبك خذ ابنك وشوف مدرسة ثانية!"

horizontal rule

 

في ظـاهـرة  " شوهـد.. حفظ.. "   وضرورة  الإصغاء لرأي المواطن

يشكل البرنامج التلفزيوني" الباب المفتوح" تجسيداً لرؤية القيادة الحكيمة في أهمية الاستماع لرأي المواطن بحرية واحترام وفتح قنوات التواصل والحوار معه لمعرفة همومه ومطالبه وماذا يريد... وتأكيداً على أن يكون المسؤول قريباً من الناس بلا طقوس أو حواجز... ولتقديم ما هو كائن على أرض الواقع لمن يعنيهم الأمر دون زخرفة أو مؤثرات.

إن المسؤول الأنموذج هو من يرى في المواطن الذي يقف أمامه وجهاً لوجه إنسانا مثله يستحق أن يصغى له، سواء لإنصافه في مسألة تقض مضجعه، أو رغبة منه في الإشارة إلى مسار خاطئ يرى في تصويبه راحة لضميره ومصلحة  لوطنه. وعليه فان إجراء تعديل أو تغيير على رأي أو نظرية متشبث بها لا يعد عاراً... ذلك أن الرجوع عن المواقف الخاطئة يعد انتصارا للضمير فلا يحق لأحد أن يعتبر أحكامه في أمر ما نهائية ولا يجوز النقاش حولها!

وعلى أساس أن الحوار المثمر لا يكون بالأخذ والرد، أو بالجدل العقيم، أو أن يعمم السائل عمن هب ودب أو يوجه قدحاً لأحد أو لوماً غير مبرر لآخر... فأننا نسجل تقديرنا للقائمين على هذا البرنامج، لتمكنهم من التفاعل والامتزاج مع الجمهور والإحاطة بكم الأيدي المرفوعة تنشد الاستفسارات، والإصرار على ضرورة استثمار كل ثانية من خلال جذب الحضور فلا يتكرر استعلام عن أمر يهدر الوقت. مثمنين التوجه السائد في مشاركة طلبة الجامعات الذين يشكل حضورهم إثراءً وحيوية واستشرافاً  لطموحات ورؤى المستـقبل. كما أننا نأمل أن يتم توسيع نشاط هذا البرنامج ليتم إعطاء نصيب للمحافظات كلها وذلك لتسجيل حلقات تكون مخصصة لمطالب وتطلعات أبنائها.   

ومما لا ريب فيه، أن هذه اللقاءات قد أفادت المسؤولين في الوصول إلى الحقيقة من منابعها صافية... وتشخيص ما يجري في الميدان من خلال الأسئلة والقضايا المطروحة، حيث تشكل ميزاناً لقراءة ما يجول في ذهن المواطن ولما يعتمل في صدره. وهذه بلا شك تساهم في بناء أية قرارات لخدمة أنجع لبلدنا  وانسانه...  وانه لأمر مستغرب أن بعضاً من الناس، لا يعون حقوقاً لهم في مشاكل طرحت وارتأى المسؤول ضيف الحلقة إجلاء الصورة وإزالة الإبهام، مما يدل على أن الأجوبة التي يتلقاها المواطن أحياناً خلال مراجعته لوزارات ودوائر معينه ليست كافية ولا شافية!

ولا ضير في أن تفتح أبواب المكاتب بوجه المراجعين، حتى لا يبقى مسؤول وراء عالمه المسّور الذي لا يدخله إلا حامل البريد... أو القهوة لضيف عزيز تتعالى قهقهاته بينما يقف على الباب مراجع تتسارع دقات قلبه كلما صرخ بوجهه سكرتير ( أو بإضافة تاء التأنيث ) مكتبه قائلاً " قلت لك عنده اجتماع الظاهر ما بتفهم عربي... عد غداً!" 

إن رؤية إنسان جثمت فوق رأسه الهموم وصهر قلبه الأسى والخذلان ، يتكلم بملء حريته عن مشكلة فيرى حلاً عادلاً لما قصد في لحظة من الزمن، من وزير قرر فتح باب مكتبه ليوم في الأسبوع مستجلياً مشاكل الناس ومستعلماً عن أي تلكؤ أو ضيم  يسمع عنه في إجراءات معاملاتهم داعياً  مرؤوسيه وهو قدوتهم إلى التعري من الأثرة وحب الذات والاندفاع لخدمة الآخر,  هو إنسان وفي  للحق  والوطن وحسبنا أن نكون على غراره.

وللحقيقة نقول، أن الصفحات التي تخصصها صحفنا لقضايا ومشاكل المواطنين تشكل قنوات اتصال فعالة لتقديم آراء الناس واحتياجاتهم ومكنونات صدورهم بحرية،  لتكون أمام أصحاب العلاقة مباشرة. مع أمل المواطن أن لا يقلل المسؤول من حجم أية مشكلة ترده منتقياً لها الحل الممقوت الأسرع وغير المكلف بالنسبة له وهو : شوهد.. حفظ !

horizontal rule

 

 " بقوة  العـلم  تقوى شوكة الأمم "  

  هي الجامعة بوابة العصر كما يُـعـرِّفـون، وأضيف أنها مخزن لأصحاب الفكر والخبرة، وهي منهل لمن أراد الحقيقة  فكراً وقولاً وفعلاً... تستضيف الطالب لتعلمه وتثقفه وتوجهه وتنمي فيه الاستقلال الشخصي والتشبث بالحق، في مناخ حر ليكون بعد تخرجه أداة بناء لوطنه وأمته .

لقد برهنت جامعاتنا قدرتها على الإبداع والعطاء ومواجهه متطلبات المستقبل وتحدياته، وكان للتواصل العلمي مع جامعات الدنيا المشهورة ومراكز البحوث والدراسات فيها الأثر الكبير لمواكبة أحدث الإنجازات والاختراعات العلمية. وقد خرّجت جامعاتنا قادة فكر وأرباب علم، بعد أن يسرت أمامهم سبل التحصيل وسهلت عليهم استيعاب العلوم، ورفعت مستواهم الفكري، ونسقت أفكارهم للسير نحو كيان أفضل. فوجود الطالب على مقعد الدراسة ما كان في يوم من الأيام  لتمضية بعض السنوات... بل أن وجوده هو للتعلم والتفاعل والمشاركة والاستفادة من الإمكانيات المتاحة ومن الخبرات النادرة المتوفرة وعدم إضاعة الوقت أمام هذه الفرصة العظيمة والتي يتعطش إلى نيلها الكثيرون!

ولقد أحسنت الإدارات الجامعية المتعاقبة والحق يقال، حين ارتأت أن التدريب العقلي للطالب لاستيعاب المواد وشد انتباهه لها، وإقامة الامتحانات بشكل مستمر لمعرفة أين وصلت المادة من ذهن الطالب، فلا مجال بعد لتحفيظ المادة عن ظهر القلب... بل قبولها وتخزينها عقلياً بشكل مفهوم وعلمي.

وانه لمؤسف ما يتردد في الآونة الأخيرة على ألسنة بعض أولياء الأمور، أنهم قد سجلوا أبنائهم في بعض من الجامعات وقضي الأمر بالنسبة لهم. ويستطردون قائلين أن الشهادة صارت في اليد ويصل الحد إلى الادعاء أنهم دفعوا كامل أقساط السنوات الدراسية سلفاً وكأن المسألة مقاولة! نسلم ابننا وما يترتب من رسوم ونأخذه مع شهادته جاهزاً بعد مرور المدة المتفق عليها... ويترتب على هذا الحديث الخطير غير المنطقي حسب وجهة نظري، أن الطالب يعتبر وجوده  في رحاب الجامعة فترة نزهه ونقاهه، فلا يعطي أذنه لأستاذ ولا كفه لقلم ولا عينه لبحث ولا فمه ليحاور ويناقش، بل همه الوحيد وتفاعله ساحة الجامعة ومن فيها حيث تظهر قدراته ومواهبه!

ولكن إلامَ سيفضي هذا الأمر إن كان ولو في جزء منه صحيحاً، وما هي انعكاساته على مجتمعنا المحلي؟ والجواب إلى نوعية خريجين غير صالحين للاستعمال...والطامة الكبرى حين تتهيأ لهم مراكز عمل حساسة ولربما تكون مهيأة للبعض سلفاً...وهذا يقود إلى تساؤل المجتمع واستغرابه هل حقيقة هذا الشاب يحمل مؤهلاً جامعي، ومن كان أستاذه الذي أشرف على تعليمه ووقع الشهادة بأنه قد تمكن من إنجاز متطلبات التخرج، وهل فعلاً اجتاز الامتحان الشامل والكثير من الأسئلة؟

إن مكافأة الطالب المقصر وإعطائه علامات عالية لا يستحقها عن جدارة هو أمر مروع... وإن لغة نريد أن نستقطب طلبة للسنوات الجامعية اللاحقة ولا نريد أن نهججهم بإجراء امتحانات تثقل عليهم... أيضاً هو خروج عن قيم العمل، فمسألة الربح والخسارة يجب أن لا تهيمن على العملية التربوية مطلقاً. فنجاح الطالب وتمكنه من اجتياز الامتحانات المقررة بذراعه... هو ما نريده مقياساً لامكانية الطالب وعلى الأهل تفهم الأمر وليس مهاوشة الأساتذة  قائلين "دافعين فلوس وفي بدل الجامعة عشرين ولولا أولادنا ما اشتغلتوا."

ثمة ملاحظة جديرة بالاعتبار نطرحها أن إدارات حديثة لبعض من الجامعات قد شجعت أساتذة غير مؤهلين وعلى مستوى من الضعف الأكاديمي لتـبـوأ مناصب إدارية هامة مما أدى إلى ترهل وتردي نوعية البحث العلمي والتدريس وما شابه. 

 وأنها لحقيقة يجب أخذها بالحسبان أن مقياس رقي أي جامعة هو توفر مختبرات علمية بأجهزة حديثة يقوم عليها خبراء مختصون ومراكز بحوث ودراسات متكاملة... فهل هذا متوفر فعلاً في كل جامعاتنا وهل علاقة الطالب بهذه المختبرات ممتازة أم أنها كما يصفها البعض متاحف يزورونها وأيديهم في جيوبهم أو خلف ظهورهم!

وتحية من الضمير، إلى  كل من يعمل بصمت وعزم في جامعاتنا الزاهرة، لخدمة أردننا وأبنائه ومستقبله المشرق، دون أن يحمل بوقاً لإذاعة إنجازاته، أو يتطلع إلى زخارف باطلة أو ثناء زائف، ولا يطلب شهادة الناس الذين لا يرون القلوب بل شهادة من يفحص القلوب...

horizontal rule

 

"  كلنا شركاء في المسألة المرورية  "

 في مقال قيّم حمل أفكاراً نيّرة نابعة من بصيرة ثاقبة لمدير الأمن العام، صدر يوم ٤/٥/٢٠٠٥ بمناسبة انطلاق حملة "الأردن أكثر أماناً على الطرق" وكان بعنوان "سلامة المشاة واجب وطني ومسؤولية مشتركة" وهو شعار لجنة الإعداد ليوم المرور العالمي، ناشد "المواطنين كافة سواء كانوا جماعات أم أفراداً، مؤسسات رسمية أم أهلية القيام بواجباتهم الوطنية لإيجاد الحلول المناسبة للحد من الحوادث وتحمل المسؤولية المرورية كاملة، كل ضمن موقعه"  ومن منطلق "أننا كلنا شركاء في هذه المسؤولية" كما أضاف مدير الأمن العام، أطرح الآتي عله يسهم بإخراج إنساننا الأردني من دوامة هذا الهاجس الذي يقض مضاجعنا ويفتك بأبنائنا.

إن واحداً من الأسباب المهمّة والذي نراه يشكل سبباً مسانداً لحوادث الدهس، هو انعدام الغرض الذي أنشأت من أجله الأرصفة... وهذا الأمر قديم جديد وقد كتب عنه كثيرا لكن لم يتم اتخاذ إجراء حازم حوله. وعليه فإننا نسأل أين يسير المشاة إذا كانت أغلب الأرصفة تقع تحت سيطرة أصحاب المحلات التجارية بمهنها المختلفة؟  والذين كما نلاحظ جهاراً نهاراً وأمام أعين المعنيين بمراقبة رخص هذه المحلات، قاموا بتثبيت ثلاجات التبريد والتجميد الطولية والعرضية بأنواعها المختلفة على هذه الأرصفة، توسعة لمحلاتهم في ضرب من الاستثمار غير المقبول على أكتاف أرواح الناس وسلامتهم… مع ما يصاحب ذلك من أصناف معروضات أخرى سواء أكانت صناديق الخضار والفواكه أو المرطبات أو الأقمشة والملبوسات أو الأدوات المنزلية أو عرض منتجات صناعية... مع علمنا أن أصحاب الكثير من المحلات يقومون بتأجير الرصيف المقابل لمحلاتهم لأصحاب البسطات وغيرهم في استثمار مكشوف يحمل في طياته لا مبالاة بحقوق اخوتهم المواطنين وسلامتهم، مما يضطر المشاة الذين لا يجدون موطئاً لأقدامهم التوجه واجتياح الشوارع، واضعين أرواحهم على أكفهم ليكونوا فرائس سهلة ما بين اطارات السيارات والحافلات!

لقد تم وضع حواجز حديدية على بعض من الأرصفة في عاصمتنا منعاً للمشاة من النزول الى الشوارع لسلامتهم... لكن هل تم تعزيل هذه الأرصفة لتسهيل مرور المشاة؟  نقول لا إذ أنها بقيت تحت سيطرة المحلات والبسطات مما أرغم المشاة على التدفق إلى الشوارع وكما نشاهد على أرض الواقع. ومن هنا فإن القيام بعملية تمشيط وتعزيل لهذه الأرصفة سيساهم دون شك في الحد من نزف الدماء على شوارعنا. 

كذلك كثرة الأعمدة وقواعدها المتواجدة على الأرصفة والتي تضطر المواطنين لاقتحام الشوارع خشية الاصطدام بها فمن أعمدة تحمل لوحات الإعلانات التجارية على اختلاف نماذجها إلى أعمدة الإشارات الضوئية إلى أعمدة الإنارة والشواخص المرورية والتي تحجبها في كثير من الأحيان الأشجار المزروعة إلى جوارها إلى بقايا جذوع أشجار يابسة، وأيضاً الكثير من مظلات وقوف الباصات التي لا يتفيأ في ظلها منتظر ولا تتوقف عندها حافلة.

ثمة ملاحظة تتعلق بسلوك المواطن الذي يعتبر استخدامه لسيارة أجرة أو طلب، لتأمينه إلى مكان عمله أو أي موقع آخر يرغبه في أوقات الإزدحام المروري انتقاصاً من كرامته! فإن قيل، أن مالك السيارة الخاصة حر في تحركاته على الشوارع... قلنا هذا صحيح، لكن واقع الحال يؤكد أن الوقت الذي يصرفه المواطن عادة في البحث عن موقف آمن لمركبته وبعيد عن الخدش والضرب... ضعف الوقت الذي يحتاجه لإنجاز المهمة التي هو بصددها... ثم من قال إن المركبة تتحرك بالماء؟ أليس وقودها في رحلة الذهاب والإياب له كلفة... مع ما يتبع من استهلاك الإطارات والفرامل ومصاريف غيار الزيت ألخ، وهذه بمجملها نستطيع أن نؤكد وبعملية حسابية بسيطة أنها مساوية لا بل أكثر مما سيدفعه لسيارة الأجرة.

 ومن الملاحظ أيضاً ان الكثير من أصحاب المركبات الخاصة يتحركون لأماكن عملهم في الصباح الباكر ويتركونها على الشوارع الرئيسية أو الفرعية ولحين عودتهم مساءً، مما يخلق أزمة مرور ويحجب رؤية السائقين الذين وفي أسرع من رد الطرف،  يواجهون طفلاً يبرز من بينها لقطع الشارع مما يعرضه للدهس الفوري.

وعليه حبذا لو تم توفير عدد كاف من مكاتب السيارات التي تعمل على نظام الطلب، على جبالنا وفي الأحياء المختلفة وإعادة توزيع المتوفر منها بشكل سليم، وتعميم هواتفها والقيام بمراقبة تلبية طلبات المواطنين ومدى التزام سائقيها بقواعد وآداب مجتمعنا المحافظ حتى إذا وجد تقصير أو إهمال أو عبث يُصار إلى معالجته بحزم.

لقد أحسنت بعض الشركات والدوائر والمؤسسات عملاً بنقل مرتباتها بحافلات ركوب متوسطة تم تحديدها لهذا الغرض توفيراً للوقت، ومن أجل سلامتهم وراحتهم ليصلوا إلى أماكن عملهم وأعصابهم غير مشدودة أو محروقة. وهذا العمل بمجمله يسهم مساهمة كبيرة في تخفيف الضغط على الشوارع ويمنع الأزمات المرورية فيما لو تحرك كلٌ بسيارته. ويا ليت هذا الأمر يكون قدوة لمؤسساتنا وبنوكنا وشركاتنا الأخرى متذكرين جميعنا أننا على موعد في الصيف مع آلاف المركبات لاخوتنا من ضيوف الأردن العرب الكرام.

horizontal rule

 

" مبروك... فتحت المدارس! "

     أما وقد باشرت المدارس أعمالها والتحق الطلبة بصفوفهم، فأننا نهنئ بشكل خاص ذوي الطلبة الذين يرون في المدارس "ضباً" لأبنائهم فقط ، نجيء بهذا بعد أن مللنا من مقولاتهم: "سقى الله وانتو رايحين على المدارس، سقى الله وانتو حالين عنا" ويتعاظم الأمر عندما تتردد هذه التفوهات على لسان بعض الأمهات وهن يهاتفن بعضهن "سقى الله والمدارس فاتحة" ولا لوم عليهن... لما يعانين بسبب تجمهر هؤلاء الطلبة للسمر تحت شرفات المنازل وحتى بزوغ الفجر!

لقد كان واقع حال العطلة الصيفية يشير إلى أن بعضاً من أولياء أمور الطلبة ذوي الجيوب العامرة كانوا يهرعون إلى تسجيل أبنائهم في النوادي للاستجمام وللاسترخاء فيرتاحون منهم طيلة أيام العطلة... والبعض الآخر كانوا يقذفون بأبنائهم للتسكع في الشوارع  وقد دس الواحد منهم في جيب ابنه ثمن "ساندويش" وعلبة عصير، لكنه حالما يطأ الشارع يسارع إلى أقرب دكان فـيعمر جـيـبه بالسجائر ليحاكي الرجال واهماً... علماً أن شاربه لم يأخذ موقعه بعد!

على أن فئة قليلة كانت ترى في إشراك أبنائها في المكتبات العامة أو في المعاهد الصيفية لتغذية عقولهم نفعاً وسنداً لمستقبلهم، ولربما ارتأى البعض ومن إيمانهم بأن الحياة لا تبتسم أو تفرح إلا لمن يعمل وينتج، ‍فوجدوا في التحاق أبنائهم لهم في أعمالهم... أو في أعمال غيرهم سيكسبهم خبرة ودراية فيعاركون الحياة ويتعلمون أن للقرش الأحمر‍‍‍ الذي لا يعرف شكله الكثير من أقرانهم قيمة! ‍‍

كان الله في عون الهيئات التدريسية على ما يتحملون لاختلاف أطياف الطلبة وسلوكياتهم على ضوء مفاهيم ذويهم الذين ابتدأنا بهم هذا المقال... إذ كم سمعنا عن اندفاع ولي أمر طالب انتصاراً لشكوى فلذة كبده المدلل دون أن يحكم عقله أو يتحرى الدقة من الطرف الآخر ليصفي حساباته مع مدرس وجهه أو أنبه لمصلحته ومستقبله معتبراً ذلك خروجاً على المفاهيم والأعراف وامتهاناً لكرامته فتراه يفتل عضلاته متوعداً بأنه لها... ولكن في الحلبة خارج أسوار المدرسة حيث أعد نفسه للنزال مع ما يلزم من أدوات، فابنه مربى وشاطر وهو الأعرف بمن خلف... كما أنه يهدد بأنه متمكن ويستطيع أن  يغلق المدرسة إن وقف بوجهه أحد. ولربما يأخذ  تقريراً  لولده بعد أن يقوم هو بصفعه ليحمر وجهه أكثر... وليثبت أن الفاعل هو أستاذه فتتوسع القضية ويكون التقرير سلاحاً بيده للشفقة أو للمفاوضات أو للجاهات، كما يحصل في كثير من الحالات خلال العام الدراسي.

والسؤال الذي نطرحه على هذا النوع من أولياء الأمور هل صار توجيه المدرس لتلميذه ذنباً حتى وان قسا عليه ضمن الحدود الدنيا لمصلحته... وكيف له أن يعاف ابنه في العطلة، ويتذمر من وجوده معه في دفء بيته ليتعلم التربية والخلق الحسن ، ويصير مدافعاً عن ممارساته وأخطائه داخل المدرسة ليتمادى ولده أكثر في لا مبالاته وعدم حرصه على دروسه؟ ثم أليست هناك وسائل وقـنوات للتفاهم مع الإدارات ولفت انتباههم بهدوء فيما لو حصلت تجاوزات من بعض المدرسين والذين لن يقصروا بتصويب الأمور بحكمة وروية . 

وإننا لنأسف من مشاهدة أسوار المدارس وجدرانها وقد عبث طلبة غير أسوياء بتخطيط عبارات بذيئة عليها تهاجم المدرسين والمدراء وغيرهم، أملين ردع هؤلاء الخفافيش الذين ينجزون عملهم تحت جنح الظلام. نقول هذا رحمة بأجهزة أمانة عمان وكافة البلديات التي تعاني من الأمر عينه، والذين يقومون بطمس هذه العبارات باستمرار. علما أننا نقدر أن عليهم أعباءً جسيمة أخرى. وفي السياق نفسه فان تمزيق أوراق الامتحانات على أبواب المدارس يشكل ظاهرة غير صحية من الطلبة الذين يفترض فيهم الوعي في الوقت الذي وفرت فيه الجهات التي أسلفنا ما يلزم من حاويات.

horizontal rule

 

" في أهمية تدقيق سندات التسجيل القديمة"

مع دخول نظام الحاسوب إلى مديريات تسجيل الأراضي في بلدنا، ولما يحمل هذا النظام من مزايا متطورة في إخراج البيانات والمعلومات الدقيقة عن الأموال غير المنقولة للمواطنين، فانه لامر مستحسن أن يدقق المواطن ما بحوزته من سندات تسجيل قديمة "قواشين"  والمدونة بأقلام سائله أو جافة ويطابقها مع هويته الصادرة عن دائرة الأحوال المدنية والتي تحمل رقمه الوطني واسمه من أربعة مقاطع.  ذلك انه من الملاحظ أن الكثير الكثير من السندات القديمة تتضمن اسم المالك من ثلاثة مقاطع... وأيضا وبسبب سرعة كتابتها يدويا وردت أخطاء غير مقصودة في أحرف بعض الأسماء المتقاربة مثال: سلمان- سليمان،نبيل-نهيل،  جليل- خليل، سمير- سهير، عبد- عبيد، دنيا - دينا..

ولعل من المناسب تصحيح هذه الأخطاء ووضع الاسم الرابع على السند، بمعاملة تنطلق من مديرية التسجيل صاحبة الاختصاص بموقع الأرض، لمديرية تسجيل أراضي عمان إن كانت تابعة لها، فمستودع حفظ السجلات وعقود البيع "هذا المستودع الذي يستنهض من ينظفه وينظمه ويبعد عنه خطر بويلرات تجاوره!" لاخراج العقد الأصلي الذي جرى البيع والشراء بموجبه، إلى مديرية التسجيل مرة ثانية ليصار إلى مخاطبة دائرة الجوازات والأحوال المدنية للتأكد من صحة الأسماء، وانتهاء بدائرة التسجيل لاخراج السند الجديد الصحيح السليم. ولا نرى ضيراً في هذه العملية أو في إجراءاتها  لأنها أولا وأخيراً لمصلحة المواطن وحماية لحقوقه. وللحقيقة نقول خيراً فعلت دائرة تسجيل الأراضي بان اصبح سند التسجيل الجديد يطبع على هذا النظام الحاسوبي الدقيق والمحكم.

ولما كانت حركة بيع وشراء الأراضي والعقارات مزدهرة في بلدنا لما ينعم به من استقرار وأمان وفرص ممتازة، مما يحفز المستثمر المحلي والعربي على إقامة المشاريع التجارية أو الصناعية أو السكنية فان المصلحة تقتضي الالتفات إلى الوضع الحالي لمديريات التسجيل وإجراء اللازم لتكون قادرة على مواجهة كم العمل الموكل لها وكثافته...كذلك في إعادة النظر في مواقع هذه المديريات وخصوصا مديرية تسجيل أراضي عمان لقربها من مواقع لها خصوصيات يتعذر الوقوف قربها من جانب، ولانحدار الشارع الشديد أمامها بحيث لا يستطيع السائق أن يتوقف ولو لبرهة لانزال شيخ عجوز أو يافع لإنجاز معاملته من جانب آخر!

إن المراجع لدائرة تسجيل أراضي جنوب عمان تحديداً، يصاب بالذهول لضيق المكان واكتظاظه بالمراجعين والمنتظرين والشهود والمعرفين والسماسرة المرخصين وغير المرخصين والجاهات والوجاهات. والذين يحيطون ويحاصرون ويحبسون الأنفاس عن الموظفين مع روائح الدخان المنبعث من السجائر والتي يتكاسل البعض عن إلقاء أعقابها في السلات المتوفرة لهذا الغرض فيلقونها أرضاً.. حيث تستقبل هذه الدائرة المئات يوميا لغايات مختلفة،من البيع أو الشراء أو التخارج أو التصحيح أو الهبة أو الرهن أو الإفراز أو طلبا للمخططات، مما يستوجب تهيئة مكان أوسع. وإذا كان تدقيق كل معاملة يستوجب قراءة متأنية وتمحيصاً شديدا دفعاً لعبث العابثين الذين يتفننون في أساليبهم، فان رفد هذا الموقع بكوادر اكثر لضرورة يقتضيها واقع الحال.

 **********

 يحسب المراجع المدعوم لدائرة معينة في كثير من الحالات، أن الدائرة يجب أن تستنفر لخدمة حضرته فقط حال وصوله... فوقته ثمين أما الآخرون فليسوا كذلك!


Back